أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: مزاعم المستشرقين حول الرسم الأربعاء 22 مايو 2024, 7:35 pm | |
| مزاعم المستشرقين حول الرسم
يزعم غولد زيهر أن السبب في ظهور القسم الأكبر من القراءات هو خاصية الخط العربي، فالرسم الواحد للكلمة الواحدة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعاً للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية وفقدان الشكل في الخط العربي يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب مما يؤدي إلى اختلاف دلالتها.. كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة اختلاف القراءات وتعددها كما زعم كثير من المستشرقين.
1- يقول غولد زيهر (1): ((وترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات إلى خصوصية الخط العربي، تبعاً لاختلاف النقاط الموضوعة، وعدد تلك النقاط. وإذاً فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات، كانا هما السبب الأول في نشأة حركة اختلاف القراءات في نص لم يكن منقوطاً أصلاً، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه، ولبيان هاتين الحقيقتين قد تكفي بعض أمثلة فحسب)).
2- ثم يأتي آرثر جفري متابعاً غولد زيهر في ادعائه أن اختلاف القراءات راجع إلى سببين رئيسين نتجا عن التزام رسم القرآن بالخط العربي فتأثرت القراءات بطبيعته من جهتين: الأولى: تجرد خط المصاحف العثمانية الأولى من النقط. والثانية: عدم ضبط هذا النص بالشكل.
يقول آرثر جفري في المقدمة التي كتبها لتحقيقه كتاب ((المصاحف)) لابن أبي داود: ((وكانت هذه المصاحف كلها -يعني مصاحف عثمان التي بعث بها إلى الأمصار- خالية من النقط والشكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقط ويشكل هذا النص على مقتضى معاني الآيات، ومثال ذلك (يعلمه) كان يقرؤها الواحد (يعلمه) والآخر (نعلمه) أو (تعلمه) أو (بعلمه) إلخ على حسب تأويله للآية)) (2). __________ (1) مذاهب التفسير الإسلامي، ص 8- 9. (2) انظر: الاختلاف بين القراءات، أحمد البيلي، ص 102. __________ وبتلك الدعوى -التي يستشهدون عليها بالشاذ من القراءات، وكذا بمتواترها أيضاً دون تفصيل بين أنواعها (1)- يقطعون صلة القراءات القرآنية بالوحي، وما اعتمدت عليه في أصولها من الأحرف السبعة المتعددة، وفي كيفية نقلها بالسند المتواتر، تلقيا ومشافهة، من مصدرها الإلهي في الوحي إلى حملتها ونقلتها الرجال الأكفاء الضابطين لها أيما ضبط وتوثيق.
ومن جهة أخرى يهدمون ركن القراءات الأول وهو النقل بالسند عن أئمة القراءة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الموحى إليه بها كلها (على سبعة أحرف، كلها شاف كاف) والمنبه عليه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فاقرؤوا كما علمتم)).
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يزل يشافه الصحابة بالقرآن، ويبعث منهم المعلمين وهم عديدون، يقدّمهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، حسب ما مع كل منهم من القرآن على غيرهم، فكانت قراءاتهم متعددة في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وأقرهم عليها وصوب هذا التعدد لهم، قبل أن تنسخ المصاحف العثمانية وتنضبط على رسمها الخاص وجوه القراءات القرآنية فيما بعد، مع ضابطيها الآخرَين، وكل الضوابط الثلاثة -فضلاً عن أحدها- لا تُنْشئ القراءة، ، وإنما تحكم عليها.
وفي رد هذه الفرية الاستشراقية التي تدحضها حقائق الواقع التاريخي مع الشواهد النصية نشير أولاً إلى أن ما ارتآه المستشرقون مرجعاً لنشأة قسم كبير من اختلافات القراءات القرآنية، وهو طبيعة الخط العربي وقت تدوين المصحف، كما يتوهمون، كان هو ذاته سبباً مساعداً في استيعاب تدوين القراءات الصحيحة في المصحف الإمام، على وجه ميسور جامع لها برواياتها المتعددة المسندة كلها، على تنوعها في كيفية التدوين هذا. __________ (1) يقول د. عبد الرحمن المطرودي عن غولد زيهر: "ولذلك فإنه يسوي بين جميع القراءات دون نظر إلى أسانيدها، بل ربما انتصر لقراءة موضوعة أو شاذة على قراءة متواترة للقراء المشهورين" (القراءات القرآنية، ص114). __________ ومن جهة أخرى فإن اللغة العربية بخصائصها الفريدة نطقاً ورسماً، تعد بمنزلة الوعاء الواسع الصالح -وحده- لتلقي الوحي ونقله محفوظاً بوسائلها الضابطة الواعية له، أكثر من غيرها، وبخاصة حين تتعدد رواياته وقراءاته، وكلها حق صواب يعبر عنه لسان عربي وخط عربي، كل منها مميز بخصائصه الفريدة أيضاً، فلن ينشأ عن أحدهما اختلاف أو تنوع غير مقصود للوحي.
إن اختلاف وجوه القراءات القرآنية لم ينشأ (من مجرد ملابسات فنية ترجع إلى الرسم) كما يقول غولد زيهر في مذاهبه (1)، لأن الرسم لاحق للقراءات وليس سابقاً عليها حتى ينشئها أو يؤثر في نشأتها.
ونتساءل تاريخياً مع د. عبد الفتاح شلبي (2) رحمه الله إذ يقول ثم يجيب: ((ألم ترو الروايات وتتداول قبل تدوين المصاحف؟ ثم ألم ترهم كيف كانوا يتحرون ويثبتون؟ أولم يكن القرآن محفوظاً في الصدور قبل جمع القرآن؟ بلى! فلم يكن اختلاف القراءات بين قراء الأمصار راجعاً إلى رسم المصحف، فهو يرجع إلى أن الجهات التي وُجِّهَتْ إليها المصاحف كان بها من الصحابة مَنْ حمل عنه أهل تلك الجهة، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل، فاحتملت ما صَحَّ نقله، وثبتت تلاوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط)).
ولهذا أرسل الخليفة عثمان رضي الله عنه مع المصاحف المنتسخة رجالاً يقرئون الناس وفقهاء إلى كل مصر. __________ (1) ص 11. (2) رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم، دوافعها ودفعها، ص 23. (3) القراءات القرآنية، ص 109 باختصار. __________ويبين د. عبد الرحمن المطرودي (3) دور الضبط لوجوه القراءات بالرسم فيقول: ((إن رسم المصاحف العثمانية شرط قياسي، وليس شرطاً ضابطاً بمعنى أن رسم المصاحف العثمانية بني على القراءات القرآنية المتواترة، وأي قراءة تخالفه تعتبر غير متواترة، وليست كل قراءة موافقة له قراءة قرآنية. فالمعتمد عليه في قراءة رسم المصاحف هو النقل المتواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)).
وفي تفنيد ما ساقه آرثر جفري أيضاً شبهةً في أن الرسم باعث على نشأة قسم كبير من القراءات من كلمة (يعلمه) واقتراحه على القارئ أن ينقط ويشكل هذا النص على مقتضى (معاني الآيات) ليقرأها الواحد (يعلمه) والآخر (نعلمه) أو (تعلمه) أو (بعلمه) إلخ على حسب تأويله للآية (1)...
أقول: قد فندها لغوياً بعض الباحثين (2) فاستعرض أحوال ورود هذا الهيكل الكتابي المحتملة في اللغة العربية، وما تقتضيه كل حال منها من أسلوب مرتبط أيضاً بسياق الجملة، ثم قدم حصرا لورود هذا الهيكل الكتابي في تسعة مواضع من القرآن الكريم جاء في خمسة منها فعلاً مضارعاً، وجاء في أربعة منها مصدراً مجروراً بالباء مضافاً إلى ضمير المفرد الغائب، وذكر نصوصها ثم قال: __________ (1) انظر: رسم المصحف وأوهام المستشرفين في قراءات القرآن الكريم، د. عبد الفتاح شلبي، ص 20. (2) هو الأستاذ أحمد البيلي، انظر كتابه: الاختلاف بين القراءات، ص 102-105. __________ ((ولو كان جفري ملِمّاً بأساليب اللغة العربية وقواعد تركيبها لأدرك أن الهيكل الكتابي الذي مثل به لا يخلو أمره من حالتين، إحداهما: أن يكون فعلاً مضارعاً مبدوءاً بالنون أو الياء أو التاء، والحالة الأخرى أن يكون مصدراً مجروراً بالباء مضافاً إلى ضمير المفرد الغائب، وأول الفعل المضارع يحكمه السياق... ثم أورد الهيكل المرسوم... ليرى القارئ بالبرهان الاستقرائي فساد ما ذهب إليه آرثر جفري من أن القارئ في المصاحف العثمانية، كان حُرًّا في نقط النص القرآني وشكله حسب تأويله للآية... ومن هنا يدرك القارئ أن جفري باستدلاله على دعواه بهذا الهيكل الكتابي الذي ذكره خبط خبط العشواء، وسار في الظلماء، ولو قد كان جفري رجع إلى مضارع (علم) ومصدره المجرور بالباء في القرآن الكريم لأدرك فساد برهانه، ولم يكن في عالم الفكر والبحث من المتخبطين)).
وسنقتصر في ردِّنا هذه الفِرْيةَ على ما احتوته في المثال من قراءات متواترة مما ساقه غولد زيهر، فمنها بترتيب استشهاده بالآيات، مما يتعلق باختلاف وضع النقط.
1- يقول ابن الجزري (1) رحمه الله في الآية 57 من سورة الأعراف: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا سُقۡنَٰهُ لِبَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَآءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ كَذَٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 57].
((واختلفوا في (نشرا) هنا والفرقان والنمل، فقرأ عاصم بالباء الموحدة وضمها وإسكان الشين في المواضع الثلاثة، وقرأ ابن عامر بالنون وضمها وإسكان الشين، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون وفتحها وإسكان الشين، وقرأ الباقون بالنون وضمها وضم الشين)). اهـ
ففي هذه الكلمة من الآية قراءات أربع كلها متواترة مقطوع بصحة ثبوتها وهي: بُشْراً، ونُشْراً، ونَشْراً، ونُشُراً، لأصحابها القراء على ترتيبهم المذكور. ((فتبيَّن لك أن مبنى ذلك هو تواتر الرواية لا هيئة الرسم)) (2). __________ (1) النشر، ج2، ص 269-270. (2) تعليقات د. عبد الحليم النجار على كتاب مذاهب التفسير الإسلامي لغولد زيهر، من ترجمته، هامش ص9. __________2-الموضع الثاني: ما اشتبه به من سورة النساء الآية: 94. ومن سورة الحجرات آية: 6.وهنا يوهم غولد زيهر عند سوقه هذا الموضع أن في الآيات شبهة ما فيقول: ((وفي الآية 94 من سورة النساء وردت حالة كثيرة الإفادة إذ تنطبق الظاهرة المذكورة -اختلاف الدلالة تبعاً لوضع النقط فوق الحروف- آنفاً على كل حرف تقريباً من أحرف كلمة فيها...؛ فبدلاً من: (فتبينوا) قرأ جماعة من ثقات القراء: (فتثبتوا)... ثم ينهي كلامه بقوله: وعلى كل حال لا تسبب هذه الاختلافات وما شابهها فرقاً من وجهة المعنى العام ولا من جهة الاستعمال الفقهي (1).
وإذا كان الأمر كذلك فَلِمَ التشويش على القراءة في ضابطها أو في دلالتها؟ وبخاصة مع العلم بأن القراءة متواترة، إلى أئمتها، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول الإمام ابن الجزري (2) رحمه الله عن هذا الموضع: ((واختلفوا في (فتبينوا) الموضعين هنا وفي الحجرات فقرأ حمزة والكسائي وخلف في الثلاثة (فتثبتوا) من التثبت، وقرأ الباقون في الثلاثة من التبين)). انتهى.
فكلتا القراءتين متواترتان في المواضع الثلاثة.. فليست إحداهما أصلاً والأخرى بدلت منها كما توهمه غولدزيهر (3).
ومما يتعلق بوضع الحركات على الحروف يعبر غولد زيهر عن ما يشتبه به من وضع الحركات على الحروف وما ينشأ عنه من تغييرات أبعد مدى من حيث المعنى، ويستشهد عليه بالقراءات المتواترة وبغيرها كالآية 8 من سورة الحجر، والأخيرة من سورة الرعد، وغيرهما فيقول (4): __________ (1) مذاهب التفسير الإسلامي، ص9-10. (2) النشر، ج2، ص 251. (3) انظر: الاختلافات بين القراءات، أحمد البيلي، ص 97. (4) مذاهب التفسير الإسلامي، ص 13-14. __________ ((آية 8 من سورة الحجر: (مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذٗا مُّنظَرِينَ) [الحجر: 8] فتبعاً لاختلاف القراء في قراءة اللفظ الدال على نزول الملائكة هل هو نُنَزّل، أو: تَنْزلُ، أو... (كل هذه القراءات ممثلة في الأقاليم المختلفة)، تفيد المعنى كل كلمة بما يناسبها: نحن ننْزل الملائكة، أو الملائكة تنْزل، بيد أن هذا الاختلاف في الحركات قد يدعو إلى تغييرات أبعد مدى من حيث المعنى)) (1).
ثم يستشهد على توهمه هذا بالقراءة الشاذة للآية الأخيرة من سورة الرعد.
ومن هذا الباب أيضاً يقدم غولد زيهر صورة من اختلاف الحركات مما يترتب عليه صور من الاختلاف الفقهي وهي الآية: 6، من سورة المائدة: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُم مِّنۡهُۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) [المائدة: 6]، وهي آية الوضوء في لفظ (وأرجلكم) باعتباره معطوفاً على ما قبله، وهو إما المأمور بغسله، أو بمسحه. والقراءتان بالفتح وبالكسر متواترتان (2).
يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي (3) عن استشهاد غولد زيهر بموضع سورة الحجر بعد أن ذكر قراءاتها المتواترة الثلاث: ((وأمَّا القراءتان الأخريان اللتان ذكرهما غولد زيهر فليستا من القراءات المتواترة، ولا الصحيحة، ولا من القراءات الشاذة ولا يعرف أن أحداً قرأ بإحدى هاتين القراءتين، فهما من صنعه واختراعه.. وهذا من الأدلة الصادقة والبراهين القوية على أن إهمال الشكل والحركات في المصحف لا دخل له في القراءات مطلقاً اتفاقاً أو اختلافاً، فمرجع القراءات إنما هو الأثر والنقل، لا الكتابة والرسم)). __________ (1) المرجع السابق، ص 13-14. (2) انظر: النشر، لابن الجزري، ج2، ص 254. (3) القراءات في نظر المستشرقين والملحدين، ص 107-110 باختصار. __________ |
|