4- رجاء جارودي (روجيه جارودي):
---------------------------------------------
تعلم (جارودي) في المدرسة الإكليريكية، وفي شبابه كان مسيحيًّا - متدينًا، وحارب النازية؛ لأنه كان يُعادي كل فكر عنصري يدَّعي أن هناك جنسًا متفوقًا على سائر أجناس البشر، لكنه تمرَّد على المسيحية، وانضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي في وقت كان العالم يعيش فيه مرحلة صراع مع النازية، ويعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وقد رأى جارودي -وفقًا للنظرية الماركسية- أن هذه الأزمة وليدة النظام الرأسمالي.
وبعد ذلك اكتشف أن الماركسية ترفض عبادة الله وتدعو إلى عبادة ستالين، وتفرض على دول الاتحاد السوفيتي ستارًا حديديًّا يمنعها من التواصل مع العالم كما تفرض على العقول ستارًا حديديًّا يمنعها من التفكير الحر.
ورأى أن الشيوعية التي انضم إليها لم تنجح في دول أمريكا اللاتينية إلا في كوبا فقط، وفي إفريقيا لا توجد دولة شيوعية، وفي إندونسيا قُضى على الحزب الشيوعى، وفي الهند واليابان يعاني الحزب الشيوعي من الضعف والانقسامات، إلى أن أصبحت (المراجعة الأليمة) أمرًا لا مفر منه[17]...
وبدأ (جارودي) -كمفكر- رحلة الشك بحثًا عن اليقين بدراسة الأديان، إلى أن توقف عند الإسلام لدراسته كدين وحضارة، وقارن بين ما في القرآن من الإشارات العلمية والاكتشافات العلمية الحديثة.
وعبَّر عن هذه المرحلة من حياته قائلًا:
"كلما تعمَّقت في الدراسة والمقارنة ازددت اقتناعًا بأن الإسلام هو الدين الذي أبحث عنه".
وأعلن (جارودي) إسلامه في شهر رمضان عام 1982م وأصبح اسمه (رجاء جارودي)، وأصدر كتابه الشهير (وعود الإسلام) الذي كان بداية حرب شعواء شُنَّتْ عليه من أكثر من جهة، خاصة أنه قد أعلن في كتابه هذا: "أنه لا توجد اليوم أمَّةٌ تحمل كلمة الله بأمانة وصدق غير الأمة الإسلامية، ولا يوجد كتاب سماوي يمثل كلمة الله بحق دون تحريف إلا القرآن، ولا أمل في إنقاذ الغرب إلا بأن يعترف بأنه مدين لحضارات أخرى ويُغيّر موقفه المتعنّت من الإسلام؛ لأن الغرب الذي رفض روحانيات الإسلام هو اليوم أحوج ما يكون إليها، ورفض الغرب عقيدة التوحيد وغرق في المادة، فانتهى به الأمر إلى خواء روحي وتمزُّق بين الأيديولوجيات..
والإسلام ليس كفرًا كما روَّج المُغرضون القُدامى في الحرب الصليبية، وليس إرهابًا كما يصوره المغرضون الجدد..
إنه الدين العملي الذي يقدم للإنسان نظامًا كاملًا شاملًا لحياة إنسانية بكل احتياجاتها، وليس مجرد عقيدة منعزلة عن دنيا الناس"[18].
وقد تولَّى (جارودي) في كتابه (وعود الإسلام) تفنيد الاتهامات التي تتردد في الغرب ضد الإسلام.
ويُعارض جارودي التيار الغربي الذي يتَّهم الإسلام بأنه دين ينتمي إلى الماضي، فيقول: إن الإسلام قوة روحية عظيمة للإصلاح وللتقدم في المستقبل كما كان دائمًا، كما يعارض الذين يقولون: أين هو المجتمع الإسلامي الذي يمكن أن نذهب إليه ونجد فيه الإسلام حيًّا وموجودًا على أرض الواقع، وليس مجرد وعود وآراء يرددها الناس بألسنتهم؟
فيقول:
إن على الذين يطرحون هذا السؤال في الغرب للتشكيك في صلاحية الإسلام لبناء مجتمع حديث صالح للقرن الحادى والعشرين، عليهم أن يطرحوا على أنفسهم سؤالين على الأقل بدلًا من أن يُنَصِّبُوا أنفسهم أوصياءَ على الإسلام:
السؤال الأول:
ما هو نصيب الغرب المستعمر من المسؤولية عن تخلف العالم الإسلامي وظهور التعصب فيه؟
أليس سبب التخلف هو استنزاف الاستعمار الغربى لثروات العالم الإسلامى؟
ولقد كان العالم الإسلامي تحت الحكم الاستعماري الغربي، فلماذا لم يُساعده الغرب على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسد الفجوة الحضارية؟
ثم إن التعصب وظهور الأصولية، هما كل ما تستطيع الشعوب الإسلامية عمله؛ لكي تحافظ على هُويتها، وتحمي دينها، وبذلك ظل الإسلام محتفظًا بنقائه ولم تستطع السيطرة الاستعمارية أن تطمس معالمه أو تغير منه شيئًا، لماذا لا يسأل الغرب نفسه هذا السؤال ويعترف بمسؤوليته عما وصل إليه العالم الإسلامي؟
والسؤال الثاني:
لماذا يقارن معظم الباحثين الغربيين بين النظام الإسلامي كما هو عليه الآن بنظام مسيحي مثالي ليس موجودًا على الإطلاق؟
ويقول (جارودي) هؤلاء يسألون بسخرية حمقاء:
أين هو الإسلام الذي تنسبون إليه الكمال؟
وإنني أجيب:
هاتوا خريطة العالم وقولوا لنا: أين نجد مجتمعًا مسيحيًّا مثاليًّا يطبق المسيحية ونعتبره النموذج الحي للمبادئ والتعاليم؟
وقولوا لنا:
لماذا تهاجمون الإسلام؟؛ لأنه لم يمنع وجود المنازعات بين المسلمين، على الرغم من أنه الدين الذي يقرر أن المسلمين إخوة ويدعو إلى الإصلاح بين الإخوة؟
وإننى أقول:
إن المسيحية هى دين التسامح والإخاء والرحمة، فكيف خرج الصليبيون باسم هذا الدين لذبح المسلمين في بلادهم؟
وكيف خرجت الجيوش الاستعمارية من دول مسيحية لغزو العالم الإسلامي الذي لم يُبادر بالعدوان؟
وكيف سمح الضمير المسيحي باستغلال الشعوب الإسلامية واستنزاف ثرواتها وهو يدعو إلى العدل والحق؟[19].
إن (جارودي) يعلن للعالم أنه لم يعتنق الإسلام إلا بعد أن تعمَّق في دراسة أصول الدين ومبادئ الشريعة والفقه، والتَّعرُّف على تاريخ الحضارة الإسلامية بالتفصيل...
ولأن جارودي اكتشف المنبع، فقد عاد إليه مخلصًا بعد رحلة طويلة عايش فيها الإلحاد، والشَّك، والفلسفة المادية، والفكر الماركسي، والحضارة الغربية، ثم وصل إلى اليقين، وكان صوته مدويًّا في الغرب دفاعًا عن الإسلام، وتحمَّل بسبب ذلك الكثير من الاضطهاد والمطاردة إلى حد محاكمته والتهديد بسجنه.
ولكنه مثل كل المؤمنين الصادقين الذين يختبر الله صدق إيمانهم، وعندما يثبتون على الحق يجزيهم الله بأحسن ما عملوا[20].
5- مراد هوفمان:
---------------------
ولد المستشرق الألماني المسلم (مراد هوفمان) في 1931م لأسرة كاثوليكية، وبدأ دراسته الجامعية بنيويورك في 1950م، وحصل على الدكتوراه في القانون الأمريكي من هارفارد، وقد عمل في الإدارة الخارجية الألمانية من 1961م إلى 1984م، تولى خلالها إدارة استعلامات حلف الناتو، وعُيِّن بعدها سفيرًا في الجزائر سنة 1987م، وانتقل منها إلى المغرب سنة 1990م؛ حيث تولَّى المنصب نفسه إلى أن بلغ سن التقاعد سنة 1994م.
ويعتبر (مراد هوفمان) -كما تدل على ذلك كتاباته- من الغربيين الذين دخلوا الإسلام عن دراسة موضوعية لأصوله العقدية والتشريعية، وهو من أنشط العاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام، وقد أخرج منذ إعلان إسلامه سنة 1980م مجموعة من الكتب، يزاوج فيها بين الخطاب الموجه إلى العالم الغربى، حيث يركز على كشف نقائص الفكر والحياة في الغرب، والتعريف بحقائق الإسلام، وبين دراساته النقدية التي تتوجه إلى المسلمين لتقويم ما يرى أنه (حيدة) في تصوُّرهم لدينهم[21].
ويقول (مراد هوفمان):
"إن المستشرقين حاولوا إثبات أن القرآن ليس من عند الله وفشلوا، كما فشلوا في إثبات حدوث تغيير في أي حرف أو كلمة فيه، وقد يرفض غير المسلم محتوى القرآن، ولكنه لا يستطيع أن يتجاهل تأثيره الخلاب على قارئه والمستمع إليه، ويجد الباحث أن في القرآن إشارات علمية لم تكن معلومة في هذا الزمان، ثم ثبت صدقها مؤخرًا، لكنها لا تعني اعتباره موسوعة علمية، والقرآن هو الكتاب الوحيد في العالم الذي يحفظه ملايين البشر عن ظهر قلب، ولغة القرآن هي اللغة العربية التي تجمع العالم الإسلامي الذي يزيد على 1200 مليون مسلم، والقرآن هو الذي حافظ على اللغة العربية بقواعدها وكلماتها، ولذلك فهي اللغة الوحيدة في العالم التي كتب بها القرآن منذ أكثر من 1400 عام"[22].
ويستكمل (هوفمان) شرحه للإسلام فيقول:
إنه يتفق مع المسيحية في الدعوة إلى الفضائل؛ مثل: الأمانة، والتقوى، والإيثار، والإخاء، ويختلف في أن المسلم يصلي لله مباشرة ويتعامل مع الله دون كهنوت، ويحرِّم أكل الخنزير والمُسكرات، ولا يسقط المسؤولية عَمَّنْ يرتكب خطأً، وهو تحت تأثير الخمر أو المخدرات.
وتحافظ الصلوات الخمس بما فيها من خشوع وتأمل على الصحة النفسية للمسلم، ولم يحرِّم الإسلام الجنس على أحد من المسلمين، بل أمر بالزواج، وحرَّم العلاقات خارج الزواج، فهو دين لا يؤدي إلى كبت الغريزة ولا يسمح بالإباحية، ويقول الإسلام: إن الإنسان خليفة الله في الأرض، وبأن كل إنسان مسؤول عن نفسه فقط، لا يرث الخطيئة مِمَّنْ سبقوه، ولا يورّثها لِمَنْ بعده، وحساب الله لكل إنسان على حِدَة ولا ينفع الأب ابنه أو الابن أباه في يوم الحساب.
بل إن الإسلام يدعوه إلى مراعاة الأهداف الاجتماعية، بحيث يكون المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ويُشَدّد على مسؤولية المسلم عن والديه وجيرانه أيضًا.
وأخيرًا فإن الإسلام له موقف فريد من أصحاب العقائد الأخرى، ينفرد به وحده، هو التسامح مع المؤمنين بعقائد تتعارض مع عقيدته، ويتلخص ذلك في آية تقول: ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ? [الكافرون: 6]، وهذا يعني أن الإسلام في جوهره دعوة للتعايش السلمي مع المختلفين معه في الفكر والعقيدة، ويدهش الإنسان في الغرب عندما يرى المسلم كلما نطق اسم محمد يقول: عليه الصلاة والسلام، ويفعل ذلك أيضًا كلما ذكر اسم عيسى، وهذا تطبيقًا للمبدأ القرآني: ?لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ? [البقرة: 285].
أي: إن الإسلام لا يبني صلاحيته على إنكار الديانتين اليهودية والمسيحية، ويدهش الإنسان الغربي عندما يعرف أن الإسلام لا يعتبر نفسه دينًا جديدًا، ولكنه تكملة وإتمام للرسالات السابقة عليه جميعًا، وذلك في الآية: ?قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ? [آل عمران: 84].
وقد ذكر القرآن موسى وعيسى -عليهما السلام- في مواضع كثيرة وذكر معجزاتهما ولم ينكرها[23].
وما ذكره هوفمان عن الإسلام يكشف عن عقلية غربية مستنيرة لا تتحدث إلا بعد دراسة كل جوانب الإسلام من مصادره الأصلية.
فهذه إشارة بسيطة لِمَنْ اعتنق الإسلام من الغربيين، وبرغم أن الكثير من الغربيين قد اعتنق الإسلام؛ مثل:
• يوسف إستس (القس الأمريكي السابق).
• جوته (الشاعر الألماني).
• كيث مور (بروفيسور علم الأجنة).
• كينيث جينكينز (القس الأمريكي السابق).
• كات ستيفس - يوسف إسلام (المطرب البريطاني).
• ركس إنجرام (المخرج السينمائي العالمي).
• محمد على كلاي (الملاكم العالمي).
هذا بجانب الآلاف الذين اعتنقوا ويعتنقون الإسلام في عصرنا الحالي وبشكل يومي، والدليل على ذلك إحصائيات الأزهر الشريف، والمراكز الإسلامية في جميع بلدان العالم، والإحصائيات العالمية للدول الغربية.
--------------------------------------
[1] لماذا أسلم هؤلاء؟ / محمد عزت الطهطاوي ص63.
[2] نبوة محمد في الفكر الاستشراقي المعاصر ص162.
[3] لماذا أسلم هؤلاء/ محمد عزت الطهطاوي ص66.
[4] نبوة محمد فى الفكر الاستشراقي المعاصر ص163.
[5] الإسلام والغرب /خليلوفيتش ص14، 15.
[6] المرجع السابق ص15.
[7] نبوة محمد - نقلًا عن le chemin de la –Note de l'auteur.
[8] الإسلام والغرب /خليلوفيتش. ص17.
[9] الإسلام والغرب /خليلوفيتش. ص57 - نقلًا عن (الطريق إلى مكة / محمد أسد).
[10] لماذا أسلم هؤلاء/ محمد طهطاوي 83.
[11] نبوة محمد نقلًا عن Les dossiers H - intro- Pierre sigaud - p21
[12] لماذا أسلم هؤلاء/ محمد طهطاوي 83.
[13] نبوة محمد ص171- نقلًا عن Rene guenon(Dossiers H)-l'oeuvre de guenon - Ander coyne - p35
[14] المرجع السابق-نقلًا عن la crise du moderne - Abdel Wahid guenon - p37
[15] المرجع السابق. ص 175-نقلًا عن R. guenon (les dossiers H) - Reflexion sur R. guenon -Frederic Tristan - p214.
[16] لماذا أسلم هؤلاء؟ نقلًا عن أوروبا والإسلام/ للدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق.
[17] المنصفون للإسلام في الغرب، ص222 - نقلًا عن (التحول الكبير للاشتراكية/ جارودي).
[18] المرجع السابق - نقلًا عن ( وعود الإسلام/ جارودي).
[19] المنصفون للإسلام فى الغرب، ص225 - نقلًا عن (وعود الإسلام/ جارودي).
[20] المرجع السابق. ص 231.
[21] نبوة محمد. ص190.
[22] المنصفون للإسلام في الغرب. ص 109- نقلًا عن (الإسلام كبديل/ مراد هوفمان).
[23] المنصفون للإسلام في الغرب. ص 109- نقلًا عن (الإسلام كبديل/ مراد هوفمان ).
-------------------
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/culture/0/91725/#ixzz53ASNLUtY