أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (الجزء الثاني) الإثنين 17 أكتوبر 2011, 12:19 am | |
| طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين الجزء الثاني
تأليف سرحان بن غزاي العتيبي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي منَّ على عباده بمعرفته وبيَّن لهم طريق الوصول إلى جنته ورحمته أحمده سبحانه على نعمه الغزار والآئه الكبار وقد وعد من شكره بالخير المدرار وتوعد من كفره بعذاب النار ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ندخرها ليوم لا ينفع فيه صاحبٌ ولا جار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للأبرار ونقمةً على الأشرار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فهذا هو الجزء الثاني والأخير من كتاب: ( طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين ) ويبدأ بالكلام على توحيد الربوبية ثم توحيد الألوهية وذكرت فيه نواقض ونواقص كلمة التوحيد ، ثم ذكرت بقية أركان الإيمان مع تفصيل بعض المسائل التي قد يحصل فيها خلاف ، وتكلمت فيه عن الولاء والبراء والإمامة والجماعة والبدعة والمبتدعين ومسائل أخر تجدونها في ثنايا هذا الكتاب راجياً من الله العلي القدير أن يجعله سهلاً نافعاً ومعيناً لإخواني الدعاة وطلبة العلم في توصيل هذا العلم الذي هو أصل دعوة الرسل إلى الناس جميعاً وبيان الحق لهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(((توحيد الربوبية)))
((الأدلة على وجود الله عز وجل))
الأول / الدليل الشرعي :
قد فطر الله تعالى النفوس على الإقرار بوجوده وربوبيته ولا ينكر ذلك إلا مكابرٌ ومعاند كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (172) سورة الأعراف، والإقرار بربوبيته جل وعلا متضمن للإقرار بوجوده، وقال عليه الصلاة والسلام ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) متفق عليه ولم يقل ( يسلمانه ) فدلَّ على أن فطرته على الإسلام وفي الحديث القدسي ( وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) رواه مسلم.
الثاني / الدليل العقلي:
وهو أن كل مصنوعٍ فلابد له من صانع قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (35) سورة الطور، فيستحيل أن يكونوا خلقوا أنفسهم فلزم أن يكون لهم خالق وهو الله جل وعلا.
الثالث / الدليل الحسي:
وهو كثير فمن ذلك:
1-إجابة الدعاء فكم من ملهوفٍ ومضطرٍ رفع يده إلى الله جل وعلا فكشف الله ضره وأجاب دعاءه فلو لم يكن ثمة إلهٍ فمن الذي أجاب دعاءه وكشف ضره أهي الطبيعة أم الصدفة وإذا كان كذلك فلماذا يجاب دعاء الأنبياء والصالحين ولا يجاب دعاء الكافرين؟ لا شك أن هذا من أكبر الأدلة على وجود الله وأنه جل وعلا يجيب دعاء أنبيائه والصالحين من عباده مباشرةً، ويخذل الكافرين وينزل بهم رجزه وعذابه فلا ينفعهم الدعاء بعدئذ.
2-إرسال الرسل وتأييدهم بالمعجزات وانتصارهم وخذلان أعدائهم يدل على أنهم مرسلون من عند الله حقاً وصدقاً وأن لهم رباً ينصرهم ويعينهم.
3-إنزال الكتب السماوية وما جاءت به من الأخبار الصحيحة والأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليلٌ على أنها جاءت من عند ربٍ حكيمٍ عليمٍ قادر. * * * ((الإقرار بتوحيد الربوبية وحده لا يدخل في الإسلام)):
توحيد الربوبية:
هو توحيد الله بأفعاله، من الخلق والرزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة ونحو ذلك، وهذا النوع من التوحيد قد أقرت به الأمم جميعاً ولكن جحده بعضهم عناداً وكبراً كفرعون وقومه كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} من الاية (14) سورة النمل ولذلك خاصمه موسى عليه السلام بما هو موجودٌ في قرارة نفسه كما قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا} (102) سورة الإسراء وأنكره أيضاً الدهرية الذين ينسبون الموت إلى الدهر كما قال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (24) سورة الجاثية وأنكره الثنوية الذين يزعمون أن للعالم خالقين للخير النور وللشر الظلمة وأنكره الشيوعيون الذين يقولون : لا إله والحياة مادة 0 فهذه الطوائف تنكر توحيد الربوبية ظاهراً لا باطناً حملهم على ذلك الكبر والعلو في الأرض ومحبة نشر الفساد. ولكن الإقرار بتوحيد الربوبية وحده مع ترك بقية أنواع التوحيد أو أحدها لا يكفي للحكم على الشخص بالدخول في الإسلام حتى تجتمع أنواع التوحيد كلها، وقد كان المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وحكم بكفرهم واستحل دمائهم وأموالهم يقرون بتوحيد الربوبية كما قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (61) سورة العنكبوت وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (63) سورة العنكبوت وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (87) سورة الزخرف وقال تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (89) سورة المؤمنون.
((توحيد الألوهية)):
وهو توحيد الله بأفعال العباد كالصلاة والصوم والحج والزكاة والدعاء ونحوها وهو الأصل الذي من أجله خلق الثقلين كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات ومن أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } (36) سورة النحل وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء ومن أجله قام سوق الجهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ) متفق عليه. والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ولا تقبل العبادة إلا بشرطين:
الأول: الإخلاص لله جل وعلا كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات ) متفقٌ عليه وفي الحديث القدسي يقول الله جل وعلا: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم.
الثاني: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (63) سورة النــور وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (31) سورة آل عمران وقال عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم.
وجمع هذين الشرطين قوله تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف فالعمل الصالح هو الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وترك الشرك هو الإخلاص.
((فضائل كلمة التوحيد: لا إله إلا الله)):
قال تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (18) سورة آل عمران وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (19) سورة محمد فشهد لنفسه جل وعلا بالوحدانية وأخبر أن ملائكته وأولوا العلم من عباده يشهدون أن لا إله إلا هو ، ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته تبعٌ له أن يتعلموا معنى لا إله إلا الله ، وهذا يدل على أهميتها وعظيم فضلها.
وأما من السنة فقد قال عليه الصلاة والسلام: ( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام: ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) رواه مسلم وعن أبي ذر رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال: ( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر ) متفق عليه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال ( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه ) رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيحجب عن الجنة ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة ) رواه أبو داود وبن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 5150 ).
وقال ( من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق وأن النار حق ، أدخله الله الجنة من أي أبوابها الثمانية شاء ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الذكر لا إله إلا الله ) رواه الترمذي والنسائي وبن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
(( شروط كلمة التوحيد ))
قيل لوهب بن منبه أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال بلى ولكن ليس مفتاحٌ إلا له أسنان فإن جئت بمفتاحٍ له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك . رواه البخاري ويقصد رحمه الله بالأسنان الشروط وشروط لا إله إلا الله كالتالي :
الأول / العلم وضده الجهل ، والمراد : العلم بمدلولها من نفي الإلهية عما سوى الله تعالى وإثباتها لله وحده جل وعلا وأنه لا يستحق أحد العبادة إلا هو سبحانه وتعالى ، قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } (19) سورة محمد وقال تعالى { إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (86) سورة الزخرف والمراد بشهادة الحق كلمة التوحيد. وقال عليه الصلاة والسلام ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) رواه مسلم فهذه الأدلة تدل على إشتراط العلم بمعنى لا إله إلا الله وأما التلفظ بها من غير علمٍ لمعناها وإتيانٍ بما يناقضها فلا ينفع.
الثاني / الإخلاص وضده الشرك ، قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (2) سورة الزمر وقال تعالى {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (11) سورة الزمر وقال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة وقال عليه الصلاة والسلام ( إن الله تعالى قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ) رواه البخاري وهذا يدل على أن من قالها ناوياً أمر دنيا لم تنفعه حتى يخلص العبادة لله وحده.
وقد قتل أسامة بن زيد رضي الله عنهما رجلاً من جيش المشركين كان يطارده فلمَّا رفع السيف عليه قال : لا إله إلا الله 0 فقتله وقال : إنما قالها تعوذاً من الموت ، وهذا يدلُّ على أن الصحابة يعلمون أن من قالها مريداً بها أمراً دنيوياً مثل ترك قتله لم تنفعه عند الله وقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( هلا شققت عن قلبه ) فدلَّ ذلك على أنه لو تأكد أنه قالها للدنيا فإنه يجوز له قتله ، وأما إذا النيات علمها عند الله فليس لنا الحكم إلا بالظاهر وهو أنه قالها مخلصاً ولكن الله يعلم النيات فإن كان غير مخلصٍ فلا تنفعه عند الله.
الثالث / اليقين وضده الشك ، قال تعالى{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } (15) سورة الحجرات وقال عليه الصلاة والسلام ( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة ( رواه مسلم وأعطى النبي صلى لله عليه وسلم نعليه لأبي هريرة رضي الله عنه وقال له ( اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة ) رواه مسلم وهذا يدل على أن الشك كفر وأنها لا تنفعه مع شكه في حقيقة مدلولها.
الرابع / الصدق وضده الكذب ، قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} (8) سورة البقرة فنفى عنهم الإيمان لكونهم غير صادقين في دعواهم الإيمان وقال تعالى {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} (14) سورة البقرة فهنا صرحوا بكفرهم وهو كذلك ولم ينفعهم قولهم للذين امنوا أنهم مؤمنين ونطقهم بالشهادتين أمامهم. وقال عليه الصلاة والسلام ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار ) متفق عليه من حديث معاذ وفيه فقال معاذ : أفلا أبشر الناس قال ( لا تبشرهم فيتكلوا ) ثم أخبر به معاذ عند موته تأثماً. ولذلك لا تنفع المنافقين وهم يقولونها بل كان مصيرهم الدرك الأسفل من النار لأن قلوبهم تكذب ألسنتهم فيقولونها وهم غير مصدقين بمعناها ومظمونها.
الخامس / المحبة وضدها البغضاء ، قال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (9) سورة محمد وقال عليه الصلاة والسلام ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) متفق عليه ولذلك فإن من نواقض كلمة التوحيد التي ذكرها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : بغض شيءٍ مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ولو عمل به.
السادس / القبول وضده الرد ، قال تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} (36) سورة الصافات
السابع / الانقياد وضده الترك قال تعالى {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (22) سورة لقمان
والفرق بين القبول والانقياد / هو أن القبول عمل القلب ، وأما الانقياد فهو عمل الجوارح وهو علامة القبول فإذا تحقق القبول في القلب انقادت الجوارح 0
الثامن / الكفر بالطاغوت قال تعالى{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}(36) سورة النحل وقال تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(256) سورة البقرة وقال عليه الصلاة والسلام ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) رواه مسلم .
وقد جمع الناظم هذه الشروط في قوله:
وشروطها سرد إليك بيانها العلـم والإخـلاص للرحمن وكذا المحبـة واليقين قبولها والصدق والتسليـم يا إخـواني ويـزاد كفرك بالطواغيت التي عمت بها البلـواء في الأوطـان
وقال آخر :
علمٌ يقينٌ وإخلاصٌ وصدقكَ مع محبةٍ وانقيادٍ والقبولِ لهــا
ولم يذكر الكفر بالطواغيت لكونه داخلاً في العلم بمعناها مع العمل بمقتضاها
فهذه الشروط الثمانية لا بد من اجتماعها فمن أنقص شرطاً منها لم تقبل منه كلمة التوحيد ولم يكن مسلماً. * * (( المراد بالطاغوت )):
الطاغوت / هو ما تجاوز به العبد حده من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاع 0 كذا عرَّفه بن القيم رحمه الله ويريد بالمعبود عبودية الخدمة فإذا تجاوزها إلى عبودية العبادة كان الآمر طاغوتاً والمنفذ مشركاً.
ويريد بالمتبوعين الملوك والأمراء ورؤساء العشائر ونحوهم فإذا أمروا أتباعهم بمخالفة الشريعة والتحاكم إلى القوانين الوضعية وأعراف وعادات القبائل ونحو ذلك كانوا طواغيتاً وكان من اتبعهم مشركاً متبعاً للطواغيت.
ويريد بالمطاعين من أطيعوا ديانةً كالأحبار والرهبان والعلماء ، فإذا أفتوا بتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كانوا طواغيتاً وكان من اتبعهم وهو يعلم بمخالفتهم لحكم الله مشركاً وقد جاء عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه لما نزل قوله تعالى (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) قال يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله فتحرمونه ) ؟ قال: بلى . قال ( فتلك عبادتهم ).
تنبيه / هذا الحكم لا بد فيه من توفر الشروط وانتفاء الموانع كباقي أحكام التكفير. * * * (( معنى شهادة أن محمداً رسول الله ))
تستلزم شهادة أن محمداً رسول الله أربعة أمور:
الأول / طاعته فيما أمر به قال تعالى{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء وقال تعالى{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور قال الامام أحمد : الفتنة الشرك لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلك 0
الثاني / تصديقه فيما أخبر به قال تعالى {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (33) سورة الزمر ثم كيف تقرُّ أنه رسول الله ثم لا تصدقه فيما أخبر به عن الله جل وعلا لاشك أن هذا تكذيبٌ لإقرارك برسالته 0
الثالث / اجتناب ما عنه نهى وزجر قال عليه الصلاة والسلام ( إذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) رواه مسلم.
الرابع / أن لا يعبد الله إلا بما شرع قال عليه الصلاة والسلام ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه ، ولمسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) * * * (( نواقض كلمة التوحيد ))
( أولاً / الشرك )
الشرك هو أعظم الذنوب وأكبر الموبقات بل هو الذنب الذي لا يغفره الله كما قال تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء وقال تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (116) سورة النساء وقال تعالى {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر والشرك هو أن تجعل مع الله نداً تعبده مع الله أو تصرف له نوعاً من أنواع العبادة التي هي محض حق الله جل وعلا 0
(( طرق إبليس في إيقاع الناس في الشرك ))
الأول / الغلو : فالغلو هو حبل إبليس المتين وصراطه اللعين الذي أوقع به كثيراً من العالمين في الشرك برب العالمين ورد ذلك في الصحيح من قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (23) سورة نوح قال : هذه أسماء رجالٍ صالحين فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت.
وقال ابن القيم : قال غير واحد من السلف : لما ماتوا عكفوا على قبورهم وصوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
فلمَّا رأى الشيطان اللعين محبة الناس لأهل الخير أوقعهم في الغلو فيهم والغلو هو مجاوزة الحد عما هو جائزٌ شرعاً إلى ما هو محرم ثم إلى ما هو شرك ، فأصل محبة الصالحين قربةٌ يتقرب بها العبد إلى ربه فإذا جاوز حدود الشرع في المحبة كان ذلك غلواً، ويبتدئ الغلو بفعل المحرمات كتصويرهم والاحتفاظ بصورهم كذكرى ثم ينتهي إلى الشرك باعتقاد النفع والضر فيهم وعبادتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة وأم سلمة لما ذكرتا له كنيسةً بأرض الحبشة وما رأتا فيها من الصور فقال ( أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ) متفق عليه ولقد جاءت النصوص المتكاثرة بالتحذير من الغلو وبيان أن خطره عظيم وفساده كبير.
قال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} (171) سورة النساء فمن شدة محبة النصارى لعيسى عليه السلام أوقعهم الشيطان في الغلو فيه حتى ادعوا أنه ابن الله أو ثالث ثلاثة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، وقال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (77) سورة المائدة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) رواه أحمد والنسائي وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني انظر صحيح الجامع حديث رقم ( 2680 ) وقال عليه الصلاة والسلام ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) رواه مسلم وقال (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )رواه مالك مرسلاً وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 750 ) وقال عليه الصلاة والسلام ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ) رواه مسلم وعن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. رواه مسلم وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وصححه الألباني في الترمذي حديث رقم (1052 ) وفي مشكاة المصابيح حديث رقم ( 1709 ) فهذه الأدلة وغيرها مما لم نذكره يدل على شدة تحذير الشارع من الغلو وبيان خطره والتحذير من الوسائل الموصلة إلى الشرك وبيان أن الغلو هو أعظم أسبابها فيجب الحذر والتحذير منه والابتعاد عنه وديننا دين الوسطية والاعتدال قال عليه الصلاة والسلام ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثاً. رواه مسلم.
الثاني / تقليد الآباء واتِّباعُهم : ولذلك تجدد حجج أتباع الشيطان هي تقليد الآباء وهي من إيحاء الشيطان لهم كما قال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (21) سورة لقمان.
وقال تعالى {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (23) سورة الزخرف وقال تعالى {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } (78) سورة يونس وقال تعالى{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} (104) سورة المائدة والآيات في ذلك كثيرة. * * * (( أقسام الشرك والفرق بينها ))
الأول / الشرك الأكبر وهو اتخاذ ندٍ مع الله يدعوه أو يرجوه أو يخافه أو يذبح له أو يصرف له من أنواع العبادة شيء.
الثاني / الشرك الأصغر وهو كل ما ورد في النصوص تسميته شركاً ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر كقول الرجل ما شاء الله وشئت ولولا الله وفلان وكالحلف بغير الله.
والفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر:
1-أن الشرك الأكبر مخرج من الملة موجب للخلود في النار وأما الأصغر فإنه لا يخرج من الملة ولا يوجب الخلود في النار.
2- أن الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال وأما الأصغر فلا يحبط إلا العمل الذي قارنه.
3- أن الشرك الأكبر موجب للعداوة المطلقة، وأما الأصغر فإنه يوجب من البغض والعداوة بمقداره لا مطلقاً.
4-الشرك الأكبر لا يغفر لصاحبه ، أما الأصغر فهو تحت مشيئة الله. وقيل لا يُغفر لصاحبه كذلك لدخوله في مسمى الشرك الذي ذكر المولى جل وعلا أنه لا يغفره، غير أنه لا يخلد بل يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار. * * * (( الفرق بين الشرك والكفر ))
الكفر والشرك كالإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر الكفر وحده دخل معه الشرك وإذا ذكر الشرك وحده دخل معه الكفر، وأما إذا اجتمعا في نصٍ واحد فإن الشرك يكون معناه صرف شيءٍ من أنواع العبادة لغير الله تعالى والكفر جحد أمرٍ معلوم من الدين بالضرورة كجحد وجوب الصوم والصلاة أو جحد تحريم الخمر والزنا ونحو ذلك، أو ترك العمل بما صح الدليل بتكفير تاركه كترك الصلاة، أو العمل بما صح الدليل بتكفير فاعله كتصديق الكهان والعرافين ونحو ذلك.
والكفر أعم من الشرك ولذلك فإن: كل مشركٍ كافر وليس كل كافرٍ مشرك ، فمن دعا غير الله فهو مشركٌ كافر، وأما من جحد وجوب الصلاة فهو كافرٌ غير مشرك. والله أعلم. يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (الجزء الثاني) الإثنين 17 أكتوبر 2011, 12:38 am | |
| (( الأدلة على بطلان عبادة ما سوى الله تعالى ))
1- التصريح ببطلان عبادتها كقوله تعالى{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (62) سورة الحـج وقوله تعالى{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (30) سورة لقمان وقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } من الاية (3) سورة محمد.
2-النهي عن عبادة ما سوى الله جل وعلا قال تعالى{لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} (22) سورة الإسراء وقال تعالى { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} (39) سورة الإسراء وقال تعالى{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } (23) سورة الإسراء وقال تعالى {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88) سورة القصص.
وقال تعالى {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} (106) سورة يونس وقال تعالى (( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ )) الزمر:64-66.
3-سلب خصائص الإلهية عنها ووصفها بالنقائص كقوله تعالى{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (21) سورة النحل وقوله تعالى{وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} (3) سورة الفرقان.
وقال تعالى {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} (192) سورة الأعراف وكقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (42) سورة مريم وقوله تعالى {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} (148) سورة الأعراف.
4-الإخبار بضعف هذه المعبودات التي يعبدونها من دون الله وأنها لا تملك شيئًا وأنها لا تسمع داعيها ولا تستجيب له ، قال تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (73) سورة الحـج وقال تعالى { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } (14) سورة فاطر وقال تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (5) سورة الأحقاف وقال تعالى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} (22) سورة سبأ وقال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} (73) سورة النحل وقال تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} (43) سورة الزمر.
5-الإخبار بأن هذه المعبودات عاجزة عن حماية نفسها فضلاًً عن أن تحميهم بل هي محتاجة مفتقرة إليهم في حمايتها بل وفي إيجادها ، قال تعالى{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} (197) سورة الأعراف وقال تعالى {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ} (75) سورة يــس أي أنهم هم يدافعون عن آلهتهم ويحمونها بدل أن تحميهم ويوكلون جنوداً منهم يكونون حاضرين عندها يحمونها وقال تعالى{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } (95) سورة الصافات.
6-الإخبار بأن هذه المعبودات ستتبرأ من عابديها يوم القيامة وتكون لهم عدوًا وخصمًا قال تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (6) سورة الأحقاف وقال تعالى { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير } (14) سورة فاطر الله خبيرٌ بما سيدور بينهم يوم القيامة.
7-الاستدلال عليهم بضرب الأمثال كقوله تعالى {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (28) سورة الروم أي أيرضى أحدكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله يتصرف فيه كما يتصرف هو فيه، لا شك أنه لا يرضى فكذلك الله جل وعلا لا يرضى أن يشاركه أحدٌ من عبيده فيما هو من محض حقه جل وعلا وهو التوحيد فيجب أن يكون خالصاً له.
8-لإخبار بأن هذه المعبودات التي تعبد من دون الله وهي راضية أنها في النار ولن تستطيع النجاة بنفسها فضلاً عن أن تنجيهم قال تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} (99) سورة الأنبياء.
9-الإخبار بأن هذه المعبودات لا تضر ولا تنفع عابديها كما قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (18) سورة يونس وقال تعالى{قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ} (71) سورة الأنعام وقال تعالى {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (67) سورة الأنبياء وقال تعالى{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} (55) سورة الفرقان وقال تعالى {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (101) سورة هود.
10-الإخبار بأن هذه المعبودات ليست بشركاء لله تعالى في ملكه وإلهيته وتصرفه وإنما هو ظنٌ من أصحابها وتخرصٌ بدون علم كما قال تعالى {أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} (66) سورة يونس وقال تعالى {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} (23) سورة النجم وقال تعالى {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} (148) سورة الأنعام فعبادتهم مبنية على الظن والهوى والتخرص، وهذا يدل على أنهم شاكين في معبوداتهم لاكن منعهم من ترك عبادتها الهوى والأطماع الدنيوية.
11-إبطال عبادتها بقياس الأولى، فالله تعالى قد بيَّن بطلان عبادة الملائكة فقال تعالى {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} (41) سورة سبأ وقال تعالى {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } (116) سورة المائدة فإذا كانت عبادة الملائكة على عظيم خلقتهم وقوة أجسامهم باطلة وعبادة المسيح باطلة على عظيم منزلته عند الله فهو رسولٌ كريمٌ من أولي العزم من الرسل ، فكيف بمن دونهم من الحجر والشجر والجن والبشر وغيرهم لا شك أن عبادتهم أولى بالبطلان. ( انظر إتحاف أهل الألباب بمعرفة العقيدة في سؤال وجواب للشيخ وليد بن راشد بن سعيدان 1/106-110 ). * * * (( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / الدعاء ))
الدعاء نوعان:
الأول / دعاء عبادة وهو ما يفعله العبد من صلاة وصيام وحج وزكاة ونحو ذلك، لأن العبد حين يؤدي هذه العبادات فإنه يرجو ثواب الله تعالى ويخاف عقابه، فكأنه حين يفعل هذه العبادات يقول اللهم أدخلني جنتك وأجرني من نارك لكن بلسان حاله لا بلسان مقاله.
الثاني / دعاء المسألة وهو الدعاء بلسان المقال فيقول بلسانه اللهم أدخلني جنتك وأجرني من نارك ونحو ذلك من الأدعية.
ولا يجوز صرف نوعي الدعاء أو أحدهما لغير الله قال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن وقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر وقال تعالى {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } (14) سورة فاطر وقال تعالى{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (6) سورة الأحقاف فنهى الله جل وعلا عن دعاء غيره وجعل دعاءه عبادة ودعاء غيره شركاً وبيَّن ضلال من يدعوا غيره. * * * (( حكم قرن الدعاء بالمشيئة ))
لا يجوز أن يقرن الدعاء بالمشيئة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ) متفق عليه لأن تعليقه بالمشيئة منافٍ لإعظام الرغبة وفيه نوع استغناء عن المدعو والمدعو به، ولأنه موهم بعجز الله وفقره فكأنه يقول: ولا ألح عليك بذلك، بل إذا شئت فافعل وإذا كان يكلف عليك فلا تفعل، وهذا فيه سوء أدب مع الله تعالى لأن الله تعالى لا يكرهه أحد على إجابة سؤالك ولا يتعاظمه شيء أعطاه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لا بأس طهور إن شاء الله) رواه البخاري فهذا ليس من باب الدعاء وإنما من باب الخبر، أي أن هذا المرض سيكون لك كفارة وطهور إذا صبرت عليه وكنت مؤمناً 0 * * * (( حكم التوسل والوسيلة والمراد بهما ))
الوسيلة في الكتاب والسنة يراد بها عدة أمور:
الأول / التقرب إلى الله جل وعلا بفعل أوامره واجتناب نواهيه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (35) سورة المائدة أي الوسائل الموصلة إليه وهي فعل الأوامر وترك النواهي وقال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (57) سورة الإسراء أي هؤلاء الذين تعبدونهم كالملائكة والمسيح ونحوهم كانوا يتقربون إلى الله بالوسائل الموصلة إليه المقربة منه جل وعلا وهي فعل الطاعات وترك المنكرات يفعلون ذلك رجاء رحمته وخوف عذابه لأن عذابه شديدٌ ينبغي الحذر مما يوصل إليه.
الثاني / منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ) رواه البخاري.
الثالث / طلب الدعاء قال عمر رضي الله عنه (اللهم إنا كنا نتوسل بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) فقوله (كنا نتوسل بنبيك) إي كنا نطلب الدعاء منه .
وقوله ( وإنا نتوسل بعم نبيك ) أي ونحن الآن نطلب منه أن يدعو لنا.
والتوسل بالدعاء قسمان:
القسم الأول / توسلٌ مشروع:
وهو أربعة أنواع:
1-التوسل إلى الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (180) سورة الأعراف ومنه دعاء سليمان عليه السلام {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (19) سورة النمل.
2-التوسل إلى الله تعالى بذكر الحال ، ومنه قوله تعالى عن نوح عليه السلام {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} (10) سورة القمر وقوله تعالى عن موسى {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (24) سورة القصص.
3-التوسل بعملٍ صالحٍ من المتوسل ودليله حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، وسدت عليهم باب الغار فتوسلوا إلى الله بما تقدم من صالح أعمالهم ففرج الله عنهم متفق عليه ومنه التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (16) سورة آل عمران وقوله تعالى {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} (193) سورة آل عمران.
4-التوسل بدعاء الحي الصالح القادر، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعوا لهم ومن ذلك حديث أنس رضي الله عنه قال أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعةٍ قام أعرابيٌ فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهراً ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود.
وفي رواية قال ( اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ) قال فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. متفق عليه ومنه حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يدعو له أن يرد الله تعالى عليه بصره ففعل. رواه بن ماجة وصححه الألباني فيه حديث رقم 1385.
ومنه طلب أم سليم منه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يدعو لأنس إذ قالت يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له قال ( اللهم أكثر ماله وولده وبارك فيما أعطيته ) قال أنس فو الله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم . متفق عليه وغير ذلك.
فدلَّ على جواز التوسل بدعاء الحي الصالح دون الميت لأنهم لم يكونوا يتوسلون به صلى الله عليه وسلم بعد موته وهو أفضل الخلق وهم أعلم الناس بهديه وسنته فلو كان جائزاً لما تركوه وانتقلوا إلى العباس أو غيره يسألونه الدعاء لهم ، بل قد كان علماء السلف ينهون عن الدعاء عند قبره عليه الصلاة والسلام فضلاً عن طلب الدعاء منه فقد روى الضياء في المختارة أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رأى رجلاً يجيءُ إلى فرجةٍ كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو فنهاه وقال : ألا أحدثك حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيث كنتم فإن صلاتكم تبلغني )
وروى بن خزيمة وبن أبي شيبة عن سهيل بن أبي سهيل أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه ومسح قال فحصبني حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ) بل جاء عنهم أشد من ذلك فعن سهيل قال : جئت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بن حسين يتعشى في بيتٍ عند النبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فجئته فقال : ادن فتعش قال : قلت لا أريده قال مالي رأيتك وقفت قال وقفت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلت المسجد فسلم عليه ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ) ذكره الألباني في فضل الصلاة على النبي (ص 38 ).
وقال : اسناده صحيح والأفضل أن يدعوا الإنسان لنفسه ولا يطلب من غيره لأن ذلك أكمل في إظهار الذل والافتقار إلى الرب جل وعلا وذلك أحرى بالإجابة إذ ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ، غير أن طلب الدعاء من الغير جائز وخاصةً إذا اقترن به إرادة نفع المطلوب منه الدعاء بأن تدعوا له الملائكة بالمثل ولأجل ترغيبه في كثرة الدعاء ونحو ذلك وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر ( لا تنسنا يا أخي من دعائك ) رواه أبو داود والترمذي وضعفه الألباني فيهما وفي مشكاة المصابيح حديث رقم ( 2248 )
القسم الثاني / التوسل الممنوع وهو نوعان: بدعي وشركي
الأول / البدعي : وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع جواز التوسل به كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم أو حقهم أو حرمتهم ونحو ذلك .
الثاني / شركي: وهو التوسل بالأموات باتخاذهم وسائط ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك 0 * * * (( حكم زيارة القبور ))
زيارة القبور على ثلاثة أقسام:
القسم الأول / زيارة مشروعة: وهي التي يقصد بها تذكر الآخرة والسلام على الميت والدعاء له قال صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت ) رواه مسلم وعند الترمذي ( تذكر الآخرة ). القسم الثاني / زيارة بدعية : وهي التي يقصد بها التقرب إلى الله عند القبر واعتقاد أن الصلاة أو الدعاء عنده لها مزية ، وهذا من أمور الضلالة بل هو منهيٌ عنه إلا الصلاة على الميت لمن فاتته الصلاة عليه في المسجد والدعاء له لا الدعاء عنده. القسم الثالث / زيارةٌ شركية وهي التي يقصد بها التقرب لصاحب القبر بصرف شيءٍ من أنواع العبادة له كدعائه والاستعانة والاستغاثة به والذبح والنذر له ونحو ذلك. * * * (( أحكام الشفاعة )):
الشفاعة / هي سؤال الخير للغير وتسمى في زماننا الواسطة وهي مستحبةٌ إذا لم يكن فيها إضرارٌ بالغير قال صلى الله عليه وسلم ( اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب ) متفق عليه فإن كان التوسط والشفاعة لشخصٍ يؤدي إلى الإضرار بآخر فتحرم كالذين يشفعون لشخصٍ لنيل وظيفةٍ ويحرمون الكفء منها فهذه وساطةٌ محرمة قال تعالى {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} (85) سورة النساء ومحل بحث الشفاعة في الدنيا كتب الفقه.
وأما الشفاعة في كتب العقائد فيراد بها الشفاعة التي تكون يوم القيامة فهذه يشترط لها شروط:
الشرط الأول / أن يأذن الله عز وجل للشافع أن يشفع لقوله تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} (255) سورة البقرة.
الشرط الثاني / أن يأذن الله للمشفوع أن يُشْفَعَ له كما قال تعالى {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } (23) سورة سبأ وقال تعالى {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (109) سورة طـه.
الشرط الثالث / أن يرضى الله عن المشفوع له كما قال تعالى {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} (26) سورة النجم وقال تعالى {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } (28) سورة الأنبياء والله جل وعلا لا يرضى إلا عن الموحد كما قال تعالى {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (86) سورة الزخرف وقال تعالى {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (87) سورة مريم وأما الكافر والمشرك فلا تنفعهم الشفاعة كما قال تعالى {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (48) سورة المدثر وقال تعالى { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (18) سورة غافر.
وعليه نعلم أن كل شفاعةٍ لم تتوفر فيها هذه الشروط فهي شفاعةٌ باطلة قد نفاها الرب جل وعلا في كتابه كما في قوله {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (48) سورة البقرة وقوله {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (123) سورة البقرة وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (254) سورة البقرة. ونعلم أن الشفاعة ملكٌ لله جل وعلا لا تطلب من غيره كما في قوله تعالى {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (44) سورة الزمر فيقال: يا رب شفع فيَّ نبيك، ولا يقال: يا نبي الله اشفع لي، إذ أنك تطلبها حينئذٍ من غير مالكها وتدَّعي أن له فيها حق وهي محض حق الله جل وعلا فتكون قد أشركت مع الله في ملكه غيره ولذلك كانت هذه الشفاعة شركاً، فإذا كان طلبها من النبي صلى الله عليه وسلم شركاً فما بالك بمن يطلبها من الأحجار والأشجار والأولياء والصالحين وغيرهم ممن هم دون الأنبياء لا شك أنه أضل ولذلك يقول تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (18) سورة يونس.
وحجة المتقدمين والمتأخرين واحدة وهي أن هؤلاء أقرب منا إلى الله فنحن نستشفع بهم عنده كما قال تعالى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (3) سورة الزمر ويقولون إن ملك الدنيا لا تدخل عليه إلا عن طريق المقربين منه، فكذلك الله نحن نتقرب إليه عن طريق المقربين منه، فنقول سبحان الله شبهتم الخالق العظيم القادر الغني من كل وجه بالمخلوق الضعيف العاجز من كل وجه، إن ملك الدنيا مضطرٌ جبراً ولو كره لقبول شفاعات خاصته من وزراءه وغيرهم لأنه محتاجٌ إليهم في تثبيت ملكه ومناصرته ولو لم يفعل لتركوه فذهب ملكه.
وأما الله جل وعلا فهو الغني عن الظهير والمعاون والكل فقيرٌ إليه، وحين يأذن بالشفاعات في الآخرة فذلك تفضلاً منه ورفعةً للشافع ورحمةً بالمشفوع له، لا عن حاجةٍ إلى أحد من خلقه بل الخلق كلهم محتاجون إليه فقراء بين يديه وهو صاحب الملك المطلق والعظمة المطلقة والغنى المطلق فلا يجوز تشبيهه بملوك الدنيا فذلك تنقصٌ له جل وعلا، فهو منزه عن الشبيه والنظير والظهير والمشير لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبهه شيءٌ من مخلوقاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى. * * * (( عقيدة الطوائف في الشفاعة )):
انقسم الناس في الشفاعة إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى / المنكرين الذين يقولون لا شفاعة كاليهود والنصارى والخوارج والمعتزلة وغيرهم وهم الوعيدية الذين يقولون إن صاحب الكبيرة يخلد في النار فلا تنفعه شفاعةٌ ولا غيرها واستدلوا بقوله تعالى {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (48) سورة البقرة وقوله {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (123) سورة البقرة وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (254) سورة البقرة.
الطائفة الثانية / الغالين الذين يطلبونها من غير الله كالذين يطلبونها من الأموات كالأنبياء والأولياء والصالحين والأشجار والأحجار وغيرها ويقولون { هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} فرد الله عليهم بقوله { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (18) سورة يونس فأنكر عليهم وسماهم مشركين وقال تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (44) سورة الزمر فجعل الشفاعة ملكه وعاب الذين اتخذوا من دونه شفعاء وقال تعالى {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (94) سورة الأنعام وقال تعالى {وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} (13) سورة الروم.
فهذه هي الشفاعة المنفية التي نفاها القران كما في قوله تعالى {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (48) سورة البقرة وقوله {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (123) سورة البقرة وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (254) سورة البقرة واستدلت بها الطائفة الأولى في غير موضعها فنفوا مطلق الشفاعة وإنما المنفي هذا النوع من الشفاعة وأما الشفاعة الحقة فهي ثابتةٌ كما أثبتها الرب جل وعلا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. الطائفة الثالثة / وهم أهل الحق أهل السنة والجماعة أثبتوا الشفاعة الشرعية ونفوا الشفاعة الشركية فجمعوا بين النصوص ولم يأخذوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض كما فعل أهل الضلالة والبدع.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (الجزء الثاني) الإثنين 17 أكتوبر 2011, 6:16 am | |
| (( الشفعاء يوم القيامة )):
ذكر أهل العلم أن للنبي صلى الله عليه وسلم ست شفاعاتٍ في يوم القيامة وهي كالتالي:
1-الشفاعة العظمى والمقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون وهو شفاعته لأهل الموقف أن يفصل الله بينهم ويحاسبهم.
2-شفاعته لقومٍ قد استوجبوا النار أن لا يدخلوها.
3-شفاعته لقوم دخلوا النار من أهل الكبائر أن يخرجوا منها.
4-شفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها.
5-شفاعته لأقوامٍ من أهل الجنة في أن يرفع الله درجاتهم فيها.
6-شفاعته لعمه أبي طالب أن يخفف الله عنه العذاب حتى يكون أهون أهل النار عذابا.
ويشفع الأنبياء والصديقين والشهداء والأفراط وهم الأطفال الذين ماتوا صغاراً واحتسبهم والديهم وتشفع الملائكة وتشفع الأعمال الصالحة كالقران والصيام والصدقة ويخرج الله أقواماً من النار بغير شفاعة ففي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه في قصة خبر يوم القيامة وفيه ( فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضةً من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً فيلقيهم في نهرٍ في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عملٍ ولا خيرٍ قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه ) متفق عليه. * * * (( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / النذر )):
النذر لغة / الإلزام.
شرعاً / إلزام المكلف نفسه أمراً ليس بلازم عليه في أصل الشرع. والنذر: عبادة لأن الله امتدح عباده الذين يوفون بنذورهم فقال {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (7) سورة الإنسان وقال تعالى {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (270) سورة البقرة أي فيجازيكم عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ) رواه البخاري وقد رتب الشارع العقوبة الشديدة على إخلاف النذر فقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} (77) سورة التوبة فمن أعظم عقوبةً ممن حُوِّلَ قلبه إلى قلب منافق والعياذ بالله ولذلك يخشى على الذين لا يوفون بنذورهم من هذه العقوبة.
فترتيب المدح للموفي بالنذر وترتيب العقوبة للمخلف له يدل على أنه عبادةٌ لله وحينئذٍ يكون صرفها لغيره شركٌ به جل وعلا، كأن يقول: للولي الفلاني علي نذرٌ أن أعمل كذا وكذا، فهذا النذر شرك، وأما إن قال: لله عليَّ نذرٌ أن أشرب الخمر أو أن أزني أو أسرق أو لا أصل أرحامي أو نحو ذلك من المحرمات فهذا نذر معصية لا نذر شرك يحرم الوفاء به ويكفر بدله كفارة يمين لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 3435 ) وصحيح الجامع حديث رقم ( 7547 )، وأما نذر الشرك فلا ينعقد أصلاً لأنه باطل وحينئذٍ لا كفارة فيه وإنما فيه التوبة إلى الله تعالى.
وعقد النذر مكروه لأن المرء يلزم نفسه بأمرٍ ليس بلازمٍ عليه في أصل الشرع، فإذا عقده على نفسه في طاعةٍ وجب الوفاء به وحينئذٍ قد يشق الوفاء عليه كمن يلزم نفسه بصيام شهرين أو أن يتصدق بمبلغ كبير وإذا لم يوفي بما نذر خُشِيَ عليه من النفاق كما تقدم ولذا كان ابتداء عقده مكروهاً شرعاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل ) رواه مسلم وغيره. * * * ( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / الذبح )):
الذبح بقصد التقرب للمذبوح له عبادةٌ لا يجوز صرفها لغير الله كما قال تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) سورة الكوثر وقوله تعالى لنبيه {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (163) سورة الأنعام فجعل الرب جل وعلا الذبح قرين الصلاة وجعلهما خالصتين له وأمر أن لا يشرك فيهما معه غيره فدلَّ ذلك على أن الذبح عبادةٌ لا يجوز صرفها لغير الله كما لا يجوز أن يصلي لغير الله فالذي يذبح لغير الله هو كالذي يصلي لغير الله لأنهما اشتركا في صرف نوعٍ من العبادة لغير الله وهذا مدلول الآيتين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن الله من ذبح لغير الله ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( دخل الجنة رجلٌ في ذباب ودخل النار رجلٌ في ذباب ) قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال ( مر رجلان على قومٍ لهم صنمٌ لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرب. قال : ليس عندي شيءٌ أقرب. قالوا: قرب ولو ذبابًا، فقرب ذبابًا فخلو سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحدٍ شيئًا دون الله عز جل فضربوا عنقه فدخل الجنة ) رواه أحمد في الزهد. وأهل الضلالة من عباد القبور والأولياء يستدلون على جواز الذبح بالذبح للضيوف والأفراح ونحو ذلك فسبحان من نكس بصائرهم وأعمى قلوبهم فلم تعد تفرق بين ما هو عبادةٌ وما هو عادة وما هو جائزٌ وما هو محرم وذلك لبعدهم عن العلم والحق واتباعهم للهوى والضلالة.
ولأجل الإيضاح نبين أنواع الذبح فنقول:
النوع الأول / الذبح إطعاماً للأهل والولد لمجرد الأكل فهذا جائز وهو عادةٌ وليس بعبادة ويؤجر على إطعامهم إن نوى ذلك لا على الذبح لهم. النوع الثاني / الذبح للضيوف والأعراس ونحو ذلك بقصد الأكل من الذبائح فهذا جائز وهو عادةٌ وليس بعبادةٍ ويؤجر إن نوى التقرب إلى الله بإكرام الضيف وإعلان العرس لا على نفس الذبح. النوع الثالث / الذبح بقصد التقرب للمذبوح له كما يذبح المسلمون الأضاحي والهدايا والفدايا والعقائق تقرباً إلى الله جل وعلا فهذه عبادةٌ وليست عادة ولا يجوز صرفها لغير الله فمن صرفها لغير الله فقد أشرك به ، وهذه هي التي تذكر في كتب العقائد وهي التي وردت النصوص بالتحذير من صرفها لغير الله وأن صرفها لغير الله شرك فليعلم هذا. بل إنه من شدة تحذير الشارع منه منع من الذبح بمكانٍ يذبح فيه لغير الله، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد )؟ قالوا: لا. قال ( هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم )؟ قالوا: لا. فقال للرجل ( أوف بنذرك فإنه لا وفاء بنذرٍ في معصيةٍ ولا فيما لا يملكه ابن آدم ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود حديث رقم (3313 ) وفي مشكاة المصابيح حديث رقم ( 3437 ). * * * (( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / الاستعاذة )):
الاستعاذة هي طلب اللجوء والعصمة من الأمر المخوف.
والاستعاذة بالله هي الإلتجاء والاعتصام بالله من شر خلقه.
والاستعاذة أنواع:
النوع الأول / الاستعاذة المطلقة من كل ذي شر فهذه لا تكون إلا بالله قال تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (2) سورة الفلق فمن استعاذ بغير الله ليقيه كل الشرور فقد أشرك بالله وجعل له نداً من خلقه.
النوع الثاني / الاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا الله كالاستعاذة من العين والحسد والجآن ونحو ذلك فهذه أيضاً لا تكون إلا بالله فمن استعاذ بغير الله في رد العين والجآن ونحو ذلك فقد أشرك بالله كما قال تعالى {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (6) سورة الجن.
النوع الثالث / الاستعاذة بسببٍ لم يجعله الله سبباً حساً ولا شرعاً كالاستعاذة بالأموات والغائبين ونحو ذلك فهذا أيضاً شرك، لكونه اعتقد لهؤلاء تصرفاً في الكون فكان مشركاً في الربوبية، وهو كذلك مشركٌ في الألوهية لأن الاستعاذة عبادة وهي من الدعاء وصرف العبادة لغير الله شركٌ في الألوهية.
النوع الرابع / الاستعاذة بما جعله الله سبباً للعوذ كالاستعاذة بالحي فيما يقدر عليه وكالاستعاذة بالبيوت من حر الشمس ووابل المطر ونحو ذلك فهذه استعاذةٌ جائزة. * * * (( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / الاستعانة والاستغاثة )):
الاستعانة والاستغاثة / هي طلب مساعدة الغير والاستغاثة أشد من الاستعانة لأنها تكون في حال الإضطرار وأعظم معين ومغيثٍ هو الرب جل وعلا ولذا كان دأب الأنبياء والصالحين الاستعانة والاستغاثة بالرب جل وعلا دون من سواه كما قال تعالى{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (9) سورة الأنفال وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديثي عهد ببيعة فقلنا قد بايعناك يا رسول الله ثم قال ألا تبايعون؟ فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك قال أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وتطيعوا وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه. رواه مسلم وغيره فإذا كان هذا دأب الصحب لا يستعينون بغير الله فكيف بالأنبياء.
والاستعانة والاستغاثة أنواع:
النوع الأول / الاستعانة والاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه فهي جائزة كما قال تعالى { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ } (15) سورة القصص.
النوع الثاني / الاستعانة والاستغاثة بالأموات أو الغائبين أو الأحياء الحاضرين فيما لا يقدر عليه إلا الله كشفاء المريض وإنزال المطر ونحو ذلك فهذه استعانة واستغاثة شركية محرمة كما قال تعالى {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62) سورة النمل.
وبهذا نعرف الفرق بين الاستعانة ولاستغاثة الشركية وبين الاستعانة والاستغاثة الجائزة. * * * (( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / التوكل )):
التوكل على الشيء / الاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه ، وهو أنواع:
النوع الأول / التوكل على الله في جلب المنافع ودفع المضار فهذا من أعظم العبادات وأفضل الطاعات كما قال تعالى {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (23) سورة المائدة وقال تعالى {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران وقال تعالى {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (12) سورة إبراهيم.
النوع الثاني / التوكل على الأموات والغائبين فهذا توكلٌ شركي لأنه يعتقد أن لهم تصرفاً في الكون والأقدار ولذا اعتمد عليهم فهذا شركٌ في الربوبية والألوهية.
النوع الثالث / التوكل على الحي الحاضر فيما هو جائزٌ شرعاً فيما يقدر عليه فهذا جائز ومحل بحثه باب الوكالة في كتب الفقه إذ المراد به التوكيل في أمرٍ دنيوي ولينتبه فلا يجعل اعتماد القلب بكليته على الوكيل وتعلقه به وإنما على رب الوكيل. * * * (( من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله / الخوف والخشية )):
الخوف من الله عبادةٌ عظيمة ينتج عنها زيادة التقوى ومراقبة الله فيترك العبد المعاصي خوفاً من عذاب الله ويفعل الطاعات ليكون أبعد عن النار ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ) أخرجاه في الصحيحين فرغب في فعل الطاعة لأنها تباعد عن عذاب الله وهكذا سائر الطاعات ولذلك يقول الله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (28) سورة فاطر وقيل في الحكمة: من كان بالله أعرف كان منه أخوف.
والخوف على أنواع:
النوع الأول / الخوف من الله وهو عبادةٌ يؤجر عليها العبد ما لم يصل إلى حد القنوط من رحمة الله، فيجمع العبد بين خوف الله ورجاءه فيخاف العذاب ويرجوا الرحمة وحينئذٍ لا يقنط وييأس ولا يبطر ويطغى كما قال تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (90) سورة الأنبياء.
النوع الثاني / الخوف الجبلي كالخوف من اللصوص وقطاع الطريق والسلاطين الظلمة والخوف من السباع ونحو ذلك فهذا خوفٌ جبليٌ طبعي لا يلام عليه العبد قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} (70) سورة هود وقال لموسى عليه السلام {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} (10) سورة النمل وقال {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (18) سورة القصص وقال عن داود عليه السلام {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ } (22) سورة ص.
النوع الثالث / الخوف الشركي ويسميه بعض العلماء خوف السر وهو الخوف من الأموات والأصنام ونحوها فهذا الخوف لا سبب له حسيٌ ولا شرعي فتبين أنه لم يخف إلا لاعتقاده أن هذا الميت أو هذا الصنم له تصرفٌ في الكون يستطيع من خلاله أن يضره أو يصيبه بأذى فيخافه لأجل ذلك وهذا هو الشرك بعينه وقد كانت الأقوام التي بُعِثَ إليها الأنبياء تعتقد في معبوداتها هذا الاعتقاد كما قال قوم هودٍ لهود كما ذكر الله عنهم {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} (54) سورة هو.
النوع الرابع / الخوف الذي يوجب لصاحبه ترك واجب أو فعل محرم، كترك الجهاد خوف الكفار فهذا محرم وقد قال تعالى {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} (13) سورة التوبة وقال تعالى {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (175) سورة آل عمران. * * * ((( مسألة الجهل بالشرك )))
هذه المسألة مهمة جداً ينبغي معرفتها لكثرة الخائضين فيها بغير علم وهي تحتوي على أمرٍ خطيرٍ جداً وهو الشرك وهل يعذر الجاهل الواقع في الشرك بجهله أو لا يعذر ، ويترتب على هذا هل يحكم بكفره أو لا ؟ وهل يخلد في النار أو لا يخلد ؟
ولذلك سأورد كلام أهل العلم في هذه المسألة :
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
الأمور قسمان قسمٌ يعذر فيه بالجهل وقسم لا يعذر فيه بالجهل فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين وأتى الشرك بالله وعبد غير الله فإنه لا يعذر لأنه مقصر لم يسأل ولم يتبصر في دينه فيكون غير معذورٍ في عبادته غير الله من أمواتٍ أو أشجارٍ أو أحجارٍ أو أصنام لإعراضه وغفلته عن دينه كما قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (3) سورة الأحقاف.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه لأنها ماتت في الجاهلية لم يؤذن له ليستغفر لها لأنها ماتت على دين قومها عبَّاد الأوثان ، ولأنه قال لشخصٍ سأل عن أبيه قال : هو في النار فلما رأى ما في وجهه قال: ( إن أبي وأباك في النار ) قلت رواهما مسلم. لأنه مات على الشرك بالله وعلى عبادة غير الله فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي أو يعبد الحسين أو يعبد الشيخ عبد القادر الجيلاني أو يعبد الرسول محمداً أو يعبد علياً أو يعبد غيرهم فهؤلاء وأشباههم لا يعذرون من باب أولى لأنهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين والقران بين أيديهم ...
وهكذا سنة رسول الله موجودة بينهم ولكنهم عن ذلك معرضون، والقسم الثاني : من يعذر بالجهل كالذي ينشأ في بلادٍ بعيدة عن الإسلام في أطراف الدنيا أو لأسبابٍ أخرى كأهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الرسالة فهؤلاء معذورون بجهلهم وأمرهم إلى الله عز وجل والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة فيؤمرون فإن أجابوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار لقوله جل وعلا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء ولأحاديث صحيحة وردت في ذلك وقد بسط العلامة ابن القيم الكلام في هذه المسألة في آخر كتابه ( طريق الهجرتين ) لما ذكر طبقات المكلفين فليراجع هناك لعظم فائدته. انتهى نقلاً من اللآلى الحسان وذكر أنه نقله من مجلة البحوث الإسلامية العدد (25).
وقال الشيخ صالح الفوزان:
من بلغه القرآن والسنة على وجهٍ يستطيع أن يفهمه لو أراد ثم لم يعمل به ولم يقبله فإنه قد قامت عليه الحجة ، ولا يعذر بالجهل لأنه بلغته الحجة ، والله جل وعلا يقول: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (19) سورة الأنعام. سواءً كان يعيش مع المسلمين أو يعيش مع غير المسلمين فكل من بلغه القرآن على وجهٍ يفهمه لو أراد الفهم ثم لم يعمل به فإنه لا يكون مسلماً ولا يعذر بالجهل ، إذا بلغه الدليل من القرآن أو من السنة على وجه يفهمه لو أراد أي بلغه بلغته ، وعلى وجهٍ يفهمه ، ثم لم يلتفت إليه ولم يعمل به فهذا لا يعذر بالجهل لأنه مفرِّط. انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي:
مسألة العذر بالجهل بيَّنها العلماء رحمهم الله وفصَّلها ابن القيِّم رحمه الله في طريق الهجرتين وفي الكافية الشافية وذكرها أئمة الدعوة كالشيخ عبدالله أبابطين وغيرهم وذكر ابن أبي العز شيئاً منها في شرح الطحاوية وخلاصة القول في هذا : أن الجاهل فيه تفصيل : فالجاهل الذي يمكنه أن يسأل ويصل إلى العلم ليس بمعذور فلابد أن يتعلم ولابد أن يبحث ويسأل ، والجاهل الذي يريد الحق غير الجاهل الذي لا يريد الحق ، فالجاهل قسمان : الأول : جاهلٌ يريد الحق.. والثاني : جاهلٌ لا يريد الحق ، فالذي لا يريد الحق غير معذور حتى ولو لم يستطع أن يصل إلى العلم لأنه لا يريد الحق ، أما الذي يريد أن يعلم الحق فهذا إذا بحث عن الحق ولم يصل إليه فهو معذور ، والمقصود أن الجاهل الذي يمكنه أن يسأل ولا يسأل أو يمكنه أن يتعلم ولا يتعلم فهو غير معذور ، أما الجاهل الذي لا يمكنه أن يتعلم فهو على قسمين :
- جاهلٌ لا يريد الحق فهو غير معذور .
- وجاهلٌ يريد الحق ثم بحث عنه ولم يحصل عليه فهذا معذور، والله أعلم.
والجهل الذي يعذر فيه الجاهل لا يعذر في الأشياء الواضحة ، إنما في الأشياء التي تخفى على مثله ، فلو كان هناك إنسانٌ يعيش بين المسلمين ثم فعل الزنا فلما عوقب قال : إني جاهل فلا يقبل منه لأن هذا أمرٌ واضح أو تعامل بالربا وهو يعيش بين المسلمين لا يقبل منه أو عبد الصنم وهو يعيش بين المسلمين في مجتمعٍ موحِّد لا يقبل منه ، لأن هذا أمرٌ واضح ، لكن لو أسلم كافرٌ في مجتمعٍ يتعامل بالربا ويرى الناس يتعاملون بالمعاملات الربوية ثم تعامل بالربا وقال إنه جاهل ، فهذا مثله يجهل هذا الشيء ، أو نشأ في بلادٍ بعيدةٍ ولم يسمع بالإسلام وليس عنده وسائل هذا معذور ، أما الإنسان الذي يفعل أمراً معلوماً واضحاً وهو بين المسلمين فهذا لا يُعذر.
فلابد أن تكون المسألة التي يُعذر فيها دقيقةً خفية تخفى على مثله ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه وجمع أهله حينما حضرته الوفاة وقد كان مسرفاً على نفسه فجمع أولاده عند وفاته وقال : أي أبٍ كنت لكم ؟ فأثنوا خيراً ، فقال لهم : إنه لم يفعل خيراً قط وإن الله إن بعثه ليعذبنه عذاباً شديداً فأخذ المواثيق على بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروه في البر ، وفي بعض الروايات يذرُّوا نصفه في البر ونصفه في البحر وقال : لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً شديداً ففعلوا به ذلك ، وفي الحديث أن الله أمر كلاً من البر والبحر أن يجمع ما فيه وقال الله له : قم فإذا هو إنسانٌ قائم فقال له : ما حملك على ذلك ؟ قال : خشيتك يا رب ، فرحمه الله.
وهذا الحديث فيه كلامٌ لأهل العلم فبعض العلماء يقول : هذا في شرع من قبلنا ، وأُجيب بأجوبةٍ ولكن أصح ما قيل فيه ما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية : أن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل وأنه ظن أنه يفوت الله إذا وصل لهذه الحالة ، فالرجل غير منكرٍ للبعث وغير منكرٍ لقدرة الله وهو يعلم أنه لو تُرِك ولم يُحرق ولم يُسحق فإن الله يبعثه ، يعتقد هذا ، لكنه أنكر كمال تفاصيل القدرة وظن أنه إذا وصل لهذه الحالة وأُحرق وسُحق وذُرّ أنه يفوت على الله ولا يدخل تحت القدرة ، والذي حمله على ذلك ليس هو العناد ولا التكذيب وإنما الجهل مع الخوف العظيم فغفر الله له ، فلو كان عالماً ولم يكن جاهلاً لم يُعذر ولو كان معانداً لم يُعذر ولكنه ليس معانداً ولا عالماً فاجتمع فيه الجهل والخوف العظيم فرحمه الله وغفر له ، فهذه مسألة خفية دقيقة بالنسبة إليه. انتهى.
وقال الشيخ ناصر العقل / إذا لبَّس عليه علماء الشرك فصار مغطىً عليه ولا يبصر الحق من تلبيس علماء السوء الذين يلبسون عليه ويحسنون له الشرك ، قال بعض العلماء: إنه يعذر في هذه الحالة ولكن يعامل في الدنيا معاملة المشركين ، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ، وفي الآخرة أمره إلى الله ، حكمه حكم أهل الفترات ، وهذا هو الذي ذهب إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال: لا نكفر أحداً حتى تقوم عليه الحجة 0 وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يعذر أحد بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله بعث الرسول وأنـزل القرآن ، والقرآن يتلى والنصوص واضحة في بيان الشرك والتحذير منه فلا يعذرون وهما قولان لأهل العلم ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، وعلى كل حال من يقول إنه يعذر، يقول: في الدنيا يعامل معاملة المشركين لا يغسل ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ، ولا يتصدق عنه ، ولا يحج عنه، ولا يدعى له بالمغفرة والرحمة ، أما في الآخرة فأمره إلى الله. انتهى
ويمكن تلخيص كلام العلماء في أنه لا يعذر المشرك بالجهل إلا إذا نشأ في بلادٍ بعيدةٍ عن المسلمين وعن أهل العلم ولم يستطع الوصول إليهم لضيق ذات اليد أو لغير ذلك من الأسباب وهو يريد الحق ويسعى جاهداً في تحصيله ، أو يلبَّس عليه علماء السوء بالشبه ثم لا يجد من يبين له الحق مع طلبه له جاهداً فهذا يعذر لقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء ويمتحن في الآخرة فإن أجاب دخل الجنة وإلا دخل النار ، وأما إن كان لا يريد الحق ولا يسعى في البحث عنه فهذا لا يعذر ولو لم يكن مستطيعاً الوصول إليه لأنه لا يريده وقد أعرض عنه وقد قال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (3) سورة الأحقاف. يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (الجزء الثاني) الإثنين 17 أكتوبر 2011, 7:20 am | |
| (( حكم أهل الفترة ))
أهل الفترة يمتحنون في الآخرة فيقال لهم ادخلوا النار فمن دخلها أخرجه الله منها ومن أبى أدخله الله إياها ، وإنما نجاتهم وهلاكهم على وفق علم الله بهم لو أرسل لهم رسولاً فمن كان في علم الله أنه سيطيعه فسينجيه الله في هذا الامتحان ومن كان في علم الله أنه لن يطيعه فسيهلكه الله في هذا الامتحان ، لكن قد وردت أحاديث عن بعض أهل الفترة أنهم في النار كإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن والديه وجده وغيرهم بأنهم في النار فكيف يمكن الجمع بينها وبين أحاديث امتحان أهل الفترة وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء ؟
أجاب عن ذلك الإمام النووي فقال : من مات على ما كان عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار وليس هذا مؤاخذةٌ قبل بلوغ الدعوة فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ( نقله الألباني في حاشية صحيح السيرة ص25 ).
وقال بن كثير : إخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد من طرقٍ متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة كما بسطناه سنداً ومتناً في ( تفسيرنا ) عند قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة. ( صحيح السيرة النبوية ص28).
وقال الألباني في الحاشية : جمع جيد جداً لأنه وإن كان من الممكن افتراض أن بعض من كان في الجاهلية قد بلغتهم الدعوة فمن الممكن أن نفترض أن بعضهم لم تبلغه وحينئذٍ فأمامه الامتحان في عرصات القيامة فمن نجح فقد نجا وإلا فقد هلك وعلى هذا النوع من الهالكين تحمل الأحاديث التي صرحت بعذاب بعض من مات في الجاهلية.
(( أحاديث أهل الفترة ))
1-عن الأسود بن سريع وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربعةٌ يحتجون يوم القيامة: رجلٌ أصم لا يسمع شيئاً، ورجلٌ أحمق، ورجلٌ هرم، ورجلٌ مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئاً والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها ) أخرجه أحمد وبن حبان وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 881 ) في صحيح الجامع.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بأربعةٍ يوم القيامة بالمولود وبالمعتوه وبمن مات في الفترة والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار ابرز فيقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء يارب أين ندخلها ومنها كنا نفر قال ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً قال فيقول تبارك وتعالى أنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ) رواه أبو يعلى وأبو بكر البزار وقال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( 2468 ) صحيح بطرقه. * * * (( حكم الأطفال في الآخرة ))
اختلف العلماء في أطفال المشركين على أقوال:
القول الأول / أنهم في النار مع آبائهم مستدلين بما يلي:
1- عن سلمة بن قيس الأشجعي رضي الله عنه قال: أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: إن أمنا ماتت في الجاهلية , وكانت تقري الضيف , وتصل الرحم , وإنها وأدت أختاً لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث. فقال: ( الوائدة والموؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني انظر صحيح الجامع حديث رقم ( 7143 ) ومشكاة المصابيح رقم ( 112 ).
2-عن علي رضي الله عنه قال سألت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولادها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هم في النار ) فلما رأى ما في وجهها قال لو رأيت مكانهم لأبغضتهم قالت قلت فأولادي منك قال: ( في الجنة والمشركون وأولادهم في النار ) ضعفه الألباني في ظلال الجنة انظر حديث رقم ( 213 ).
3-وعن عائشة أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين فقال: ( إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار ) قال الألباني في السلسلة الضعيفة موضوع انظر حديث رقم ( 3898 ).
القول الثاني / أنهم في الجنة مستدلين بما يلي:
1- عن سمرة وأنس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أولاد المشركين خدم أهل الجنة ) رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني انظر حديث رقم: 2586 في صحيح الجامع ورواه سعيد بن منصور عن سلمان موقوفاً عليه انظر حديث رقم: 1024 في صحيح الجامع.
2- وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وإنه قال لنا ذات غداة: ( إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق ...) وفيه فقال: ( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين ...) الحديث بطوله رواه البخاري.
الثالث / أنهم يمتحنون كبقية أهل الفترة مستدلين بما يلي:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بأربعةٍ يوم القيامة بالمولود وبالمعتوه وبمن مات في الفترة والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار ابرز فيقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء يارب أين ندخلها ومنها كنا نفر قال ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً قال فيقول تبارك وتعالى أنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ) رواه أبو يعلى وأبو بكر البزار وقال الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( 2468 ) صحيح بطرقه.
2-عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين ) رواه البخاري ومسلم.
وهذا هو الراجح لأنه يجمع بين النصوص فتكون الأحاديث التي تذكر أنهم في الجنة هم من سبق في علم الله أنهم يعملون بعمل أهل الجنة وعند الامتحان يوم القيامة يطيعون والعاصين في الامتحان الأخروي هم الذين سبق في علم الله أنهم يعملون بعمل أهل الضلالة لو عاشوا وعليهم تحمل الأحاديث في كونهم مع آبائهم المشركين وهذا الذي رجحه بن كثير في تفسيره.
وأما حديث الرؤيا الذي في البخاري فهو عن البرزخ فيكون مكثهم عند إبراهيم عليه السلام مدة البرزخ ويوم القيامة يمتحنون والعلم عند الله.
واختلفوا في أطفال المسلمين على أقوال:
القول الأول/ التوقف لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبيٍ من الأنصار فقلت يا رسول الله طوبى لهذا عصفورٌ من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه قال: ( أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ) رواه مسلم.
القول الثاني/ أنهم من أهل الجنة قال بن كثير: حكى القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة , وهذا هو المشهور بين الناس , وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل فأما ما ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر عن بعض العلماء أنهم توقفوا في ذلك وأن الولدان كلهم تحت المشيئة , قال أبو عمر: ذهب إلى هذا القول جماعة من أهل الفقه والحديث , منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وبن المبارك وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
وقال: وهو يشبه ما رسم مالك في موطئه في أبواب القدر , وما أورده من الأحاديث في ذلك, وعلى ذلك أكثر أصحابه, وليس عن مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصة في المشيئة , انتهى كلامه , وهو غريب جداً , وقد ذكر أبو عبد الله القرطبي في كتاب التذكرة نحو ذلك أيضاً, والله أعلم. انتهى ( ذكره بن كثير في التفسير عند قوله تعالى (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )).
وقد روي الإجماع على القول الثاني وأن الحديث في القول الأول المقصود منه منع عائشة رضي الله عنها أن تشهد لمعين بالجنة أو النار ولو كان طفلاً لأنه قد يكون والديه منافقين أو يرتدا أو غير ذلك فيكون حكمه حكم أطفال الكفار فلا يعلم العواقب وما في النفوس إلا الله.
(( من أنواع الشرك: الرياء ))
الرياء / هو أن يعمل العمل الصالح ليمدحه الناس ويثنوا عليه.
وهو داءٌ خطير وشرٌ مستطير ، هو الشرك الخفي كما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ ) فقلنا بلى يا رسول الله فقال: ( الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل ) رواه ابن ماجه والبيهقي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 30 ).
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا أبا بكر للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ) فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله الهاً آخر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل ألا أدلك على شيءٍ إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني حديث رقم ( 716 ) وانظر صحيح الجامع حديث رقم ( 3731 ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سمَّعَ سمَّعَ الله به ومن يرائي يرائي الله به ) متفق عليه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه ) رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار. رواه مسلم.
فهذه الأحاديث تدلَّ على شدة خطر الرياء وأنه محبطٌ للعمل الذي يقارنه بحيث يبتدئ العمل رياءً وأما إذا ابتدأ العمل لوجه الله ثم طرأ عليه الرياء فهذا إن كان العمل مرتبطاً بعضه ببعض كالصلاة مثلاً فإنه يبطل كله كأن يصلي ركعة ثم في الركعة الثانية يعلم بوجود رجلٍ صالح فيرائي فيما تبقى من صلاته فهذا تبطل صلاته كلها لارتباط أولها بآخرها، وأما إن كان العمل لا يرتبط بعضه ببعض كالصدقة فلا يبطل مثل أن يتصدق بمائة ريال ثم يعلم بوجود رجلٍ صالح فيتصدق بمائة أخرى رياءً فهنا لا تبطل المائة الأولى لعدم ارتباطها بالمائة الأخرى التي حصلت بعد الرياء.
والحقيقة أنه عند النظر في الأحاديث يدرك الرجل أنه قد يكون مرائياً وهو لا يشعر لذا سمي بالشرك الخفي ومن تدبر حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار علم أنهم لم يكونوا يشعرون بريائهم وإلا فإن المسلم في الدنيا متيقنٌ أن ربه يعلم البواطن والخفايا ويمقت الكذب على الناس فكيف بالكذب عليه فكيف وقد رأوا ربهم في الآخرة فلا شك أنهم أحرص على عدم الكذب عليه لئلا يعاقبهم ويمقتهم على كذبهم، فتبين أنهم قالوا ما قالوا وهم شبه متيقنين أنهم صادقين وأنهم ليسوا بمرائين لكن حقيقتهم أنهم مرائين وأنهم يراءون وهم لا يشعرون، فلزم على المؤمن أن يفتش في قلبه جيداً هل لأحدٍ فيه شركٌ مع الله لعله داخله الرياء وهو لا يشعر.
(( من أنواع الشرك : الحلف ))
لا يجوز الحلف إلا بالله أو باسمٍ من أسمائه أو بصفةٍ من صفاته.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 2952 ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) متفق عليه.
وعن قتيلة امرأة من جهينة أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انكم تنددون وإنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقولون ما شاء الله ثم شئت. رواه النسائي وصححه الألباني في السلسلة الصحييحة حديث رقم ( 136 ).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق ) رواه الطبراني وصححه الألباني موقوفاً انظر حديث رقم ( 2953 ) في صحيح الترغيب والترهيب، ومن الأمثلة على الحلف بغير الله كأن يقول: والنبي، وحياة النبي، والكعبة، والأمانة، وشرفي، وحياتي، وشرف الولي الفلاني أو وكرامته ونحو ذلك.
والحلف بغير الله من الشرك الأصغر إلا إذا صاحبه تعظيم المحلوف به كتعظيم الله تعالى فإنه يكون شركاً أكبر، والملاحظ من عباد القبور والأولياء أنهم يعظمون من يحلفون به من دون الله كتعظيم الله أو أشد بل لو طُلِبَ من أحدهم أن يحلف بالله كاذبًا لفعل دون ترددٍ ولا خوفٍ لكن لو طُلِبَ منه أن يحلف بالولي الفلاني كاذباً فإنه يضطرب ويتلكأ ولا يفعل، وهذا يدلُّ على أنه يعظم هذا الولي أعظم من تعظيم الله جل وعلا فانظر إلى الضلال المبين.
وكفارة الحلف بغير الله أن يقول: لا إله إلا الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله ) متفق عليه.
وينبغي عدم الإكثار من الحلف لأن ذلك منافٍ لكمال تعظيم الله تعالى واحترام أسمائه وصفاته، وذلك لأن الحلف به أمرٌ عظيم فلا ينبغي أن يقال إلا على تأكيد الأشياء العظيمة المهمة وأما ما عداها فينبغي تنزيه أسماء الله وصفاته عنها قال تعالى: { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } (89) سورة المائدة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب ) رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمطٌ زان، وعائلٌ مستكبر، ورجلٌ جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه ) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 3072 ).
ولا يجوز الحلف بآيات الله إذا كان مراد الحالف الآيات الكونية كالشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والليل والنهار، فهذه الأشياء مخلوقة ولا يجوز الحلف بشيءٍ من المخلوقات.
وأما الآيات الشرعية وهي آيات القران فيجوز الحلف بها لأنها من كلام الله تعالى، وكلامه تعالى صفة من صفاته، وقد تقدم أنه يجوز الحلف بالصفة، فتقول وآيات ربي، وكلام ربي لكن لا يجوز الحلف بالمصحف ولا برب المصحف لأن المصحف يشتمل على ورقٍ وحبرٍ وغير ذلك مما هو مخلوق ولا يجوز الحلف بالمخلوق، ويشتمل أيضاً على آيات وهي كلام الرب جل وعلا وكلامه صفةٌ منه ليست بمخلوقة وحينئذٍ لا يجوز أن تقول ورب المصحف لأن ما في المصحف كلام الرب وليس من مخلوقاته ولو فعلت لشابهت المعتزلة الذين يقولون القرآن مخلوق ويجوز الحلف برب المخلوق فتنبه لهذا.
تنبيه / بعضهم يقول:
في ذمتي أو في رقبتي ونحو ذلك فإن كان يقصد الحلف بها فلا يجوز لكونها مخلوقة وإن قصد تحمل المسئولية وأنه يتعهد بصحة ما قال فلا حرج لأنه لا يكون مراده الحلف والعلم عند الله. * * * (( حكم التمائم ))
التمائم: هي كل ما يعلق أو يوضع ويعتقد فيه أنه يجلب خيرًا أو يدفع شرًا مثل ما يعلق على الصبيان وفي رقاب الدواب اتقاء العين.
وما يوضع في الدار لاتقاء شر الحاسدين أو اتقاء الجن والشياطين ونحو ذلك (انظر إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد والعقيدة في سؤالٍ وجواب للسعيدان 1/54).
والتمائم: محرمة سواءً كانت تحتوي على طلاسم شركية واستعانات بالجن والموتى وغيرهم وهذه تسمى التمائم الشركية وتحريمها مجمعٌ عليه، أو كانت التمائم من القرآن والسنة على الراجح من أقوال أهل العلم لعموم الأحاديث الواردة في النهي عنها ولا دليل على الجواز إلا ما روي عن عبد الله بن عمرو أنه كان يعلق على بنيه تمائم من القران، فلا شك أن هذا اجتهادٌ منه وهو اجتهادٌ خاطئ لعموم الأدلة الدالة على النهي عن التمائم كقوله صلى الله عليه وسلم: ( من علق تميمة فقد أشرك ) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 3455 ) وفي صحيح الجامع حديث رقم ( 6394 ).
ونصه: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه جاء في ركبٍ عشرةٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايع تسعةً وأمسك عن رجلٍ منهم، فقالوا: ما شأنه؟ فقال: إن في عضده تميمة، فقطع الرجل التميمة فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ( من علق تميمة فقد أشرك ).
وعن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد الله بن حكيم وبه حمرة فقلت ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من علق شيئاً وكل إليه ) رواه أبو داود والترمذي إلا أنه قال فقلنا ألا تعلق شيئاً فقال الموت أقرب من ذلك. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 3456 ).
وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قالت: كانت عجوزٌ تدخل علينا ترقي من الحمرة وكان لنا سريرٌ طويل القوائم وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت فدخل يوماً فلما سَمِعَتْ صوته احتجبت منه فجاء فجلس إلى جانبي فمسني فوجد مس خيطٍ فقال ما هذا فقلت رقى لي فيه من الحمرة فجذبه وقطعه فرمى به وقال لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الرقي والتمائم والتولة شرك ) قلت: فإني خرجت يوماً فأبصرني فلانٌ فدمعت عيني التي تليه فإذا رقيتها سكنت دمعتها وإذا تركتها دمعت، قال: ذاك الشيطان إذا أطعته تركك وإذا عصيته طعن بإصبعه في عينك، ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيراً لك وأجدر أن تشفين تنضحين في عينك الماء وتقولين أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ) رواه أبو داود وبن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1632 ).
زاد بن حبان : قالوا يا أبا عبد الرحمن هذه الرقى والتمائم قد عرفناهما فما التولة قال شيءٌ تصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن. صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 3457 ).
وعن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولاً: ( ألا يبقين في رقبة بعيرٍ قلادةً من وترٍ أو قلادة إلا قطعت ) متفق عليه. وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقةٌ من صفرٍ فقال ما هذه الحلقة قال هذه من الواهنة قال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ) رواه بن ماجة وأحمد وزاد: (انبذها عنك فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب حديث رقم ( 2015 ).
وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من تعلق تميمةً فلا أتم الله له ومن تعلق ودعةً فلا ودع الله له ) رواه البيهقي وبن حبان والحاكم وصححه وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة حديث رقم ( 1266 ).
ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف.
وعن رويفع بن ثابت رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابةٍ أو عظم فإن محمداً منه بريء ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 7910 ).
فهذه الأدلة تفيد تحريم التمائم مطلقاً بلا تمييزٍ بين ما كان من الكتاب والسنة وما كان من دونهما ومن أجاز التمائم من الكتاب والسنة فعليه الدليل، وفعل الصحابي ليس بحجة إذا خالف النص، وقد يؤدي تعليق التمائم من الكتاب والسنة إلى امتهانهما كأن تعلق على طفل فيلوثهما بالنجاسات أو نحو ذلك ثم إن تعليق التمائم من الكتاب والسنة يؤدي إلى فتح باب تعليق التمائم من غيرهما وقد جاء الدين بسد الذرائع المفضية إلى الحرام.
ثم من علق التمائم إن كان يعتقد أنها تجلب الخير أو تدفع الشر بذاتها فهذا شركٌ أكبر، وإن كان يعتقد أن الله هو الذي يجلب الخير ويدفع الشر وأن هذه التمائم مجرد سبب فهذا شركٌ أصغر لأنه اعتقد سببًا ما ليس بسببٍ لا شرعًا ولا قدرًا. (انظر إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد والعقيدة في سؤالٍ وجواب للسعيدان 1/57). * * * يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (الجزء الثاني) الأربعاء 19 أكتوبر 2011, 7:29 am | |
| (( حكم الرقى ))
الرقى: جمع رقية وهي التداوي بالقراءة والنفث.
وهي نوعان:
1-رقى شركية:
وهي ما اشتملت على الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة بالشياطين والأولياء وغيرهم أو كانت برموز وتمتماتٍ غير واضحة وهذا النوع لاشك في تحريمه وأنه من الشرك كما قال صلى الله عليه وسلم ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) رواه أبو داود وبن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1632 )
2-رقى شرعية:
وهي ما كانت بالقرآن والسنة والأدعية الصحيحة فهذه جائزة فعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: ( اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ) رواه مسلم.
وقد رقى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ) رواه مسلم وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة يعني صفرة فقال ( استرقوا لها فإن بها النظرة ) متفق عليه.
وقد اشترط للرقية الشرعية ثلاثة شروط:
الأول / أن تكون من الكتاب والسنة الصحيحة.
الثاني / أن تكون بلسانٍ عربي مبين.
الثالث / أن يعتقد أنها لا تؤثر بذاتها وإنما هي سبب والشافي هو الله تعالى.
مسألة:
العين حق وإذا عُرِفَ العائن فإنه يؤمر بالاغتسال كما ورد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن لبط به فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له أدرك سهلاً صريعاً قال من تتهمون به قالوا عامر بن ربيعة قال علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ثم دعا بماءٍ فأمر عامراً أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمره أن يكفأ الإناء من خلفه. رواه بن ماجة وصححه الألباني حديث رقم (3509 )
وقال بعض أهل العلم: إذا أخذ شيئاً من آثاره أو من سؤره، واغتسل به فإنه نافع، وإذا لم يعرفه فالرقية شافيةٌ بإذن الله مع إكثار دعاء الرب جل وعلا، وينبغي على العبد أن يتحصن بالأذكار التي تقيه شرور شياطين الانس والجآن.
تنبيه:
لا يجوز للرقاة ولا غيرهم الاستعانة بالجن لأنهم أهل مكرٍ وخداع فيساعدون الراقي في بداية الأمر حتى يعلقونه بهم فيصبح غير مستغنٍ عنهم فيوقعونه في المنكرات من حيث لا يشعر.
ولا يجوز للرقاة مس النساء الأجنبيات بحجة العلاج ولا يقيسون أنفسهم على الأطباء فإن الطبيب يعتمد على علمٍ جسدي يحتاج من خلاله لمس البشرة بخلاف الراقي فإن اعتماده على العلم الشرعي وهو قراءة القران والأدعية الثابتة من السنة ولا تعلق له بعلم الجسد ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدٌ من أصحابه ولا من الأئمة المقتدى بهم مسوا المرأة أثناء القراءة عليها فيبقى الحكم على الأصل وهو التحريم، فإن كان القارئ عنده علمٌ بالطب الجسدي كطب الأعشاب وهو ما يسمى بالطب البديل ويحتاج إلى تشخيص المرض لمعرفته وإعطاء المريض أدوية حسية قبل القراءة عليه جاز له المس من أجل ذلك بقدر الضرورة والله أعلم.
* * *
(( أحكام البركة والتبرك ))
التبرك:
طلب البركة، والبركة لغة: النماء والزيادة.
اصطلاحاً:
كثرة الخير وثبوته ودوامه.
وينبغي أن يعلم أن البركة كلها من الله، كما أن الرزق والنصر والعافية من الله فلا تُطلب إلا من الله، وطلبها من غيره شرك.
وأما ما ورد شرعاً أن فيه بركة من الأعيان والأقوال والأفعال إنما هو سببٌ للبركة وليس مصدرها، والله جل وعلا يصطفي من مخلوقاته ما يشاء فيجعل فيها بركة كما قال تعالى: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (73) سورة هود وقوله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (48) سورة هود وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ } (113) سورة الصافات وليس لأحدٍ من المخلوقات أن يدعي في شيءٍ من المخلوقات بركةً لم يذكرها الله فيها قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (68) سورة القصص.
ولذا لا يطلق تبارك إلا على الله وحده وقد اختُلِفَ في معناه فقيل أي تعالى وتعاظم وقيل تقدس وقيل جعل البركة في غيره وقيل تفاعل من البركة التي هي كثرة الخير أي أن خير الله قد كثر وعمَّ وثبت ودام وهو الذي رجحه بن القيم وأنكر أن يكون معناه جعل البركة في غيره لأن اللفظة لازمةٌ وهذا متعدٍ وقال الأقرب أنها للوصف لا للفعل كقول ( تعالى ) أي تفاعل من العلو ولهذا يقرن بين هذين اللفظين فيقال ( تباركت وتعاليت ) ( التبرك أنواعه وأحكامه لناصر الجديع ص35 ).
قلت : لا وجه لإنكار بن القيم فإن أهل العلم قد قالوا تحمل الآية على كل المعاني التي تحتملها ولا خلاف بين المسلمين أن الله عز وجل هو الذي جعل من مخلوقاته أشياء مباركة فيكون معنى تبارك والله أعلم: أي الذي كثر خيره وعمَّ وانتشر حتى جعل من مخلوقاته من يخرج منه الخير وذلك من كمال جوده وكرمه.
وأعظم أسباب البركات الإيمان والتقوى كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف.
والتبرك نوعان:
النوع الأول / تبركٌ مشروع:
وهو ما توفرت فيه الشروط التالية:
1- ورود الدليل الشرعي على أن هذه الأعيان والأوصاف مباركة، لأن هذا أمر توقيفي متوقف على ثبوت الدليل من الكتاب والسنة.
2- اعتقاد أن البركة من الله تبارك وتعالى، وأن هذه الأعيان والأوصاف إنما هي أسبابٌ للبركة، فقد يتحقَّق الشيء عند وجود سببه وقد يتخلف لحكمةٍ يعلمها الله تعالى.
النوع الثاني / تبركٌ ممنوع:
وهو ما افتقد الشرطين السابقين أو أحدهما مثل اعتقاد البركة في بعض القبور والمغارات والغيران والأحجار والأشجار وبعض الأماكن والأشخاص كالتبرك بذوات العلماء والصالحين، فإن هذا كله لا يجوز، فعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مرَّ بشجرةٍ للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط, فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواط, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا كما قال قوم موسى: ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم. رواه الترمذي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 5408 ) وفي صحيح الجامع حديث رقم ( 3601 ).
والتبرك المشروع يكون بالأشخاص وبالأماكن وبالأزمنة وبأقوالٍ وأفعالٍ مخصوصة
فالتبرك بالأشخاص نوعين:
الأول / التبرك بذواتهم وما انفصل منهم كريقٍ وشعرٍ وفضل وضوءٍ ونحو ذلك وهذا النوع خاص بالأنبياء والمرسلين لا يشركهم فيه غيرهم ولذلك لم يكن الصحابة أو التابعين يتبركون بغير النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
والأدلة على صحة هذا النوع من التبرك:
1-تبرك الصحابة رضي الله عنهم بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ونخامته كما في البخاري في قصة صلح الحديبية أنه: ( ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامةً إلا وقعت في كف رجلٍ منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ).
2- عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يأتون بإناءٍ إلا غمس يده فيها فربما جاؤوه بالغداة الباردة فيغمس يده فيها. رواه مسلم.
3- عن أنس أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر ثم قال للحلاق ( خذ ) وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس. رواه مسلم.
4- عن أنسٍ أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه، قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتت فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدتها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ما تصنعين يا أم سليم ) فقالت: يا رسول الله نرجوا بركته لصبياننا. قال ( أصبت ) رواه مسلم.
5- عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال أرسلني أهلي إلى أم سلمة رضي الله عنها بقدحٍ من ماء وكان إذا أصاب الإنسان عينٌ أو شيء بعث إليها مخضبه فأخرجت من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تمسكه في جلجل من فضة فخضخضته له فشرب منه. رواه البخاري.
6-عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها رواه أبوداود وبن ماجة وصححه الألباني.
7- عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فقل الماء فقال اطلبوا فضلةً من ماء فجاءوا بإناءٍ فيه ماءٌ قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال: ( حي على الطهور المبارك والبركة من الله ) فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في كتاب الأشربة باب شرب البركة.
وهذا النوع قد انقطع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما كان من أجزاء عينية باقية بيقين بعد موته عند أحد، وقد ذهب ذلك المتيقن مع انقراض القرون الفاضلة، وما يدَّعى أنه من آثار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العصر فهو مشكوكٌ فيه والأقرب عدم صحته وذلك لأسباب:
1-أن الصحابة كانوا يدفنون ما وجد معهم من آثار النبي صلى الله عليه وسلم معهم في قبورهم تبركاً بها كما أوصى أحدهم أن تكون بردة النبي صلى الله عليه وسلم كفنه وكما أوصى أنيس أن تدفن معه العصا التي أهداها له النبي صلى الله عليه وسلم حين قتل السفياني وأخبره أنه يتوكأ بها في الجنة وغير ذلك.
2-أنه قد فُقًدَ كثيرٌ من آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عند خلفاء بني العباس كالبردة وغيرها حين قدم التتار وأحرقوا عاصمة الخلافة العباسية بما فيها من آثار.
3-تقادم العصور وكثرة الفتن والقلاقل التي حدثت في البلاد الإسلامية وانتقال الملك من قومٍ إلى آخرين وكل فريقٍ يحقد على الآخر ولا شك أنه سيزيل ما لديه من ممتلكات لئلا يمتلكها الآخر.
4-وجود الكذب في أحاديث الرسول فكيف بآثاره.
تنبيه:
ولا تنتقل هذه البركة إلى الآثار الأرضية التي مرّ بها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى أو جلس عليها ونحو ذلك لأن هذا النوع من التبرك لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل عن أحدٍ أنه تبرك في زمانه بأثرٍ له أرضي أو لغيره من الأنبياء قبله، وإذا لم ينقل مع توافر الدواعي عُلِمَ أنه لم يكن في زمانه صلى الله عليه وسلم هذا النوع من التبرك.
وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أن كان يتحرى النزول في المواقع التي نزل فيها النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في المواقع التي صلى فيها، فهذا من ابن عمر من باب تمام الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، لا من باب التبرك بأماكن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن هذا اجتهاد من ابن عمر رضي الله عنه ومعلوم أن شرط العمل بقول الصحابي أو فعله عدم المخالف من الصحابة وقد خولف ابن عمر من أبيه وهو أفضل منه، بل لم يسايره أحد من الصحابة في مثل هذا الصنيع.
وأما طلب عتبان بن مالك من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي له في بيته ليتخذه مسجداً عند تعذر الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم عند مسيل الوادي ونزول الأمطار فليس مقصوده التبرك بمكان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في تلك البقعة، وإلا لبقيت تلك البقعة يتبرك بها من جاء بعده من أهله ولم يحصل فعلم أنه إنما أراد إقراره بالصلاة بجماعته في هذا المكان عند تعذر الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من تتبع الآثار الأرضية للتبرك بها، فعن المعرور بن سويد قال: خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة، ثم رأى الناس يذهبون مذهباً، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين مسجدٌ صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هم يأتون يصلون فيه فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم وصالحيهم فيتخذونها كنائس وبيعاً من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل فيها وإلا فلا يتعمدها. رواه سعيد بن منصور وقال الألباني في الثمر المستطاب إسناده صحيح على شرط الستة.
وروى ابن سعد في الطبقات عن نافع قال: كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها شجرة الرضوان فيصلون عندها، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بقطعها فقطعت، وعند البخاري قال بن عمر: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله، قال الألباني: هو نص على أن الشجرة لم تبق معروفة المكان يمكن قطعها من عمر فدل ذلك على ضعف رواية القطع الدال عليه الانقطاع الظاهر فيها نفسها ومما يزيدها ضعفاً ما روى البخاري في المغازي من صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها.
ومن طريق طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجاً فمررت بقومٍ يصلون قلت: ما هذا المسجد قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فضحك فقال: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، وفي رواية: فعميت علينا فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم.
أقول ( الكلام للألباني ) ولئن كنا خسرنا هذه الرواية المنقطعة كشاهدٍ فيما نحن فيه من البحث بعد التأكد من ضعفها فقد كسبنا ما هو أقوى منها مما يصلح دليلاً لما نحن فيه وهو حديث المسيب هذا وحديث ابن عمر: فقد قال الحافظ في شرحه إياه: والحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم الأمر إلى اعتقاد أن لها قوة نفعٍ أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: كانت رحمة من الله، أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى. انتهى من تحذير الساجد للألباني.
وأنكر أبو بصرة جميل بن بصرة الغفاري على أبي هريرة لما عاد راجعاً من الطور الذي كلم الله فيه موسى وقال: ( لو لقيتك قبل أن تأتيه ما جئته سمعت رسول الله يقول: ( لا تضرب المطايا إلا إلى ثلاثة مساجد ) رواه أحمد والنسائي والطحاوي بسندٍ صحيح كما قال الألباني في إرواء الغليل 3/228) ورواه مالك في الموطأ والطبراني في الأوسط وغيرهم.
فتبين بهذا أن بركة ذوات الأنبياء لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية وإلا لزم أن يكون كل أرضٍ وطئوها أو جلسوا عليها أو طريقٍ مروا بها تطلب بركتها ويتبرك بها، وهذا لم يقل به أحد بل هو خلاف سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله، فلم يتحروا الآثار الأرضية للأنبياء قبلهم ولا أمروا بتحريها وكل ما كان خلاف ذلك فهو سنة الجاهليين.
وهناك شبهٌ يستدل بها بعض قليلي العلم على جواز التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ومنها:
الشبهة الأولى:
أنه حيٌ في قبره فيصح التبرك به والاستشفاع كما يصح في حياته.
الجواب:
1-لا تقاس الحياة البرزخية بالحياة الدنيوية فلكلٍ منهما خصائص وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتخاذ قبره عيداً ولو جاز التبرك به لاجتمع الناس عنده طلباً للبركة فأصبح عيداً.
2-أن الصحابة والتابعين وهم خير القرون لم يرد عن أحدٍ منهم أنه تبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو جاء عنده مستشفعاً به بل روي عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجةٍ كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فدعاه فقال ألا أحدثك بحديثٍ سمعته من أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم ) رواه بن أبي شيبة.
وروى سعيد بن منصور عن سهل بن سهيل قال رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال هلم إلى العشاء، فقلت لا أريده، فقال ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.
وروى بن أبي شيبة وبن خزيمة عن سهيل بن أبي سهيل أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالتزمه ومسح قال: فحصبني حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا عليَّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ).
وهذا يدلُّ على أن السلف كانوا ينكرون على من قصد القبر للدعاء عنده أو التبرك به فالخير في إتباعهم وترك الابتداع.
3-أنه ليس هناك دليل على جواز طلب البركة والشفاعة منه بعد وفاته بل الأدلة على تحريم إتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد وأعياد تدل على تحريم ذلك.
الشبهة الثانية:
تفسيرهم قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (64) سورة النساء بأن هذا هو طلب الشفاعة منه بعد موته.
الجواب:
1-أن المقصود بالآية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن الآية نزلت في شأن المنافقين الذين يريدون التحاكم إلى الطاغوت فيأمرهم الله عز وجل بالتوبة والرجوع تائبين مستغفرين ويعرضوا توبتهم على الرسول لعله يستغفر لهم لأن دعاءه أقرب إلى الإجابة وذلك في حال حياته إذ بعد موته لا يمكن أن يستغفر لأحد.
2-أن أهل القرون الفاضلة وبالأخص الصحابة وهم أعلم الأمة بعد نبيها بتفسير كلام الله لم ينقل عن أحدٍ منهم أنه جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يستغفر له ولو كان هذا هو المراد بالآية لكانوا أحرص الناس على تطبيقه.
3-أنه لو كان مشروعاً لكل من أذنب أن يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم تائباً مستغفراً داعياً من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له لكان قبره عيداً يجتمع فيه الفئام من الناس وهذا مخالفٌ لنهيه عن اتخاذ قبره عيداً.
الشبهة الثالثة:
ما رواه الدارمي أن أهل المدينة أصابهم قحطٌ شديدٌ فشكوا ذلك إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: انظروا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوةً إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق.
والجواب:
أن هذا الحديث قد ضعفه جمعٌ من أهل العلم كابن تيمية والألباني وغيرهم قال الألباني هذا سندٌ ضعيفٌ لا تقوم به حجة لأمورٍ ثلاثة:
أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن يزيد فيه ضعف قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام. وقال الذهبي في الميزان: قال يحيى بن سعيد: ضعيف وقال السعدي: ليس بحجة يضعفون حديثه وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي وقال أحمد: ليس به بأس كان يحيى بن سعيد لا يستمرئه.
وثانيها: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو صح لم تكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة مما يخطئون فيه ويصيبون ولسنا ملزمين بالعمل بها.
وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل يعرف بعارم وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره، وقد أورده الحافظ برهان الدين الحلبي في الاغتباط بمن رمي بالاختلاط تبعاً لابن الصلاح حيث أورده في المختلطين من كتابه المقدمة وقال: والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل من أخذ عنهم بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده.
قلت: وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده فهو إذن غير مقبول فلا يحتج به، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على البكري: وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان باقياً كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضه مسقوفٌ وبعضهم مكشوف وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد ولم تزل الحجرة كذلك حتى زاد الوليد بن عبد الملك في المسجد في إمارته لما زاد الحجر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن حينئذ دخلت الحجرة النبوية في المسجد ثم إنه بنى حول حجرة عائشة التي فيها القبر جدارٌ عالٍ وبعد ذلك جعلت الكوة لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك لأجل كنسٍ أو تنظيف. ( التوسل ص129 ).
الشبهة الرابعة:
أن عمر طلب أن يدفن بجانب قبر النبي صلى الله عليه وسلم تبركاً.
الجواب:
أن عمر أراد أن يكون قريباً من صاحبيه لشدة حبه لهم وليس في كلامه حين طلب ذلك ما يدل على إرادته التبرك.
الشبهة الخامسة:
أن الله أمرنا باتخاذ مقام إبراهيم مصلى فيقاس عليه غيره من الأنبياء بجواز اتخاذ آثارهم مصلى.
الجواب:
أن هذا خاصٌ بمقام إبراهيم لورود النص عليه بخلاف بقية آثار الأنبياء فتبقى على التحريم لما تقدم.
الشبهة السادسة:
ورد في الصحيحين أن سلمة بن الأكوع كان يتحرى الصلاة عند الإسطوانة التي عند المصحف فَسُئِلَ فقال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها.
الجواب:
ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من الأماكن والأزمان وتردد على العبادة فيه فيشرع التأسي به في ذلك بلا خلاف كقصد صيام الاثنين والخميس وقصد تقبيل الحجر الأسود ونحو ذلك، وأما ما فعله لا على وجه التحري والقصد وإنما صادف أن حضر وقت عبادةٍ فصام أو صلى أو جلس في ذلك المكان على طريق سفرٍ أو نحوه فهذا هو الذي لا يجوز تتبعه فيه إذ لم يُرِدْ ذلك جزماً وإلا لبينه أو تردد عليه إذ العبادات مبناها على التوقيف والمنع ولم يرد أن الصحابة فعلوا ذلك مع ترددهم بين مكة والمدينة إلا ما رويَ عن بن عمر وتقدم بيان أنه قد خولف ممن هو أعلم منه وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع الموصلة للمحرم ولا شك أن تتبع مثل هذا يؤدي إلى الغلو كما فعل أهل الكتاب.
ثم إن الأزمان والأمكنة التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم وتردد عليها للصلاة أو الصيام أو الدعاء لم يكن الصحابة يتمسحون بها رجاء بركةٍ أو غيرها وإنما يفعلون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل والخير في اتباع السلف وترك ابتداعات الخلف، ولقد أحدث المبتدعة من هذه الأمة أموراً يتبين للناظر فيها الحكمة من تحريم تتبع آثار الأنبياء فمن ذلك زعمهم أنه يوجد آثار مواطئ للنبي صلى الله عليه وسلم على صخراتٍ فهم يتبركون بها فصخرةٌ في مصر وأخرى في العراق وثالثةٌ في تركيا وأخرى هنا وهناك ولقد زارها أحد العلماء فوجد أن لكل صخرةٍ مواطئ أقدامٍ تختلف عن الصخرة الأخرى فتيقن أنها من صنع البشر الذين يستغلون حماقة المغفلين في ابتزاز أموالهم باسم التبرك ونحو ذلك.
ومن البدع إحداث أعياد المولد وتحديد مكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وأن من زارها في ذلك اليوم حصل له كذا وكذا من الخرافات التي لا دليل عليها ولم تكن معروفةً في القرون المفضلة ومن ذلك شد الرحال لزيارة القبور والتبرك بأهلها وربما عبادتهم وكل ذلك مما نهى عنه الشرع وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا تشد الرحال ( أي للعبادة والقربى ) إلا إلى ثلاثة مساجد ونهى عن اتخاذ قبره عيداً وقبور غيره من باب أولى فخالفوا النهي وارتكبوا المحظور بحجة التبرك بل زادوا على مجرد التبرك بالذبح والنذر والطواف وصرف أنواعٍ من العبادة لأهل هذه القبور، فتبينت الحكمة في المنع عن تتبع آثار الأنبياء والصالحين.
يتبع إن شاء الله...
|
|