| كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الخميس 23 يونيو 2011, 5:34 pm | |
| طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين
الجزء الأول
تأليف سرحان بن غزاي العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه المرجع..
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً وبشيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم قيام الأبدان وعلى آله وصحبه الكرام وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد /
فإن العقيدة الصحيحة هي طريق النجاة ومفتاح الوصول إلى دار السلام فلا يمكن أن يدخل الجنة من فسدت عقيدته وقرنها بالشرك أو كان منافقاً يظهر الإيمان ويبطن الكفر أو ارتكب ناقضاً من نواقض العقيدة ، فلذا كان لزاماً على من أراد الوصول إلى دار السلام وحسن المقام عند الملك العلام أن يتعلم العقيدة الصحيحة فيعمل بها ويدع ما خالفها ، ولمَّا كانت العقيدة الإسلامية هي العقيدة التي لا يقبل الله من أحدٍ بعدها غيرها كما قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران.. لذا ينبغي معرفتها حق المعرفة والإيمان بها واتباعها 0
ولمَّا رأيت أن المؤلفين في العقائد قد تبحر كلٌ منهم في جانبٍ من جوانب هذا العلم فمنهم من كتب في جانب التوحيد والشرك ومنهم من صنف في الإيمان والكفر ومنهم من أفرد الأسماء والصفات ومنهم من كتب في القدر ومنهم من كتب في أشراط الساعة ومنهم من كتب في الولاء والبراء ومنهم من كتب في بيان عقيدةٍ من العقائد الضالة والرد عليها إلى غير ذلك.
فأحببت أن أجمع مختصر هذه العلوم في كتابٍ واحد حتى يسهل على طالب العلم معرفة هذه الفنون بأسهل أمرٍ وأقرب طريق ثم من أراد التبحر بعد ذلك في جانبٍ من الجوانب سهل عليه ذلك لأنه قد ألم بأهم ما في هذا الجانب ، وكذلك تيسيراً على من أراد شرح مختصرٍ من المختصرات التي جمعت هذه الفنون دون توضيحٍ كاف فيكفيه هذا الكتاب عناء البحث في المطولات أو جمع أقوال الشراح وما ذاك إلا تيسيراً للدعاة لنشر هذا العلم الذي هو أول دعوة الرسل وأول واجبٍ على المكلفين، فنسأل الله أن ينفع به وأن يعيننا على إتمامه إنه جوادٌ كريم 0
(( أهمية معرفة العقيدة الصحيحة ))
1-أن العقيدة الصحيحة هي مفتاح قبول الأعمال فلا يقبل عمل أحدٍ كائناً من كان حتى يعتقد العقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والكفر ألا وهي عقيدة الإسلام كما قال تعالى عن الكفار {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (23) سورة الفرقان وقال تعالى عن المنافقين {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (54) سورة التوبة وقال تعالى لمن عداهم {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (66) سورة الزمر 0
2-أن تعلم العقيدة الصحيحة ومعرفتها سلامةٌ بإذن الله من الزيغ والإنحراف وراء أهل الأهواء والمبتدعة والضلال ، وذلك لأن الإنسان قد يقابل في حياته خلقاً من أهل الضلالة والإنحراف وكثيرٌ منهم لديه حججٌ شيطانية وشبهٌ إبليسية وأفكارٌ مضلة فإذا صادفت هذه الشبه قلباً خالياً من العلم فربما تلبَّس بها ووقع فيها يظنها حقاً لجهله وقلة علمه ولذلك كان لزاماً على من أراد نجاة نفسه ونجاة من يعول من أبناءه ونساءه أن يتعلم العقيدة الصحيحة ويعلمها لهم خاصةً في هذا الزمن الذي سهل فيه على هؤلاء الضلَّال الإتصال بالناس من خلال وسائل الإعلام كالقنوات الفضائية والراديو والأنترنت وغيرها 0
3 –أن معرفة العقيدة السليمة تزيد الإيمان في قلب المؤمن حين يعلم عظمة الرب جل وعلا وقدرته من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلا ويعرف فضل ربه عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب ويعرف ما يجب عليه من حق الله عز وجل ويعرف ما يكون في المستقبل من أمور الساعة فيستعد لها ويحذر منها ونحو ذلك 0
المدخل إلى علم العقيدة
(( أهم المصطلحات في علم العقيدة ))
العقيدة لغة / مأخوذة من العقد وهو الشد والربط بإحكام اصطلاحاً / العقيدة هي الأسس التي يقوم عليها الدين. الهدى لغة / الدلالة والبيان واصطلاحاً / ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
و ينقسم الهدى إلى قسمين :
1-هدى دلالة وبيان وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم ودليله قوله تعالى { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } (7) سورة الرعد وقوله تعالى{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) متفق عليه
2- هدى التوفيق والإلهام وهو الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وهو المذكور في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (56) سورة القصص وقوله {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } (272) سورة البقرة وقوله {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} (37) سورة النحل
الدين /جميع ما شرعه الله من الأحكام وله معانٍ أُخر كالحساب وغيره
وأركانه ثلاثة ( الإيمان والإسلام والإحسان )
السلف / معناها الذين سلفوا ومضوا من القدوات . فسلف الأمة هم صدر هذه الأمة من الصحابة التابعين وأئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة
الصراط المستقيم/
قيل إنه القرآن وقيل الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل الإسلام وقيل هو الطريق الذي نصبه الله لعباده على ألسنة رسله وجعله موصلاً لعباده إليه ولا طريق لهم سواء وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسله بالطاعة وهو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وهو الهدى ودين الحق وهو معرفة ما بعث الله به رسله والقيام به 0
الصدِّيق / هو الذي صدق في قوله وفعله الكثير الصدق المصدق بما جاء به الرسل من غير تباطؤ 0
الشهيد/
كل من عدهم النبي صلى الله عليه وسلم من الشهداء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال ( إن شهداء أمتي إذاً لقليل من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ومن مات في البطن فهو شهيد ) رواه مسلم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله ) متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله المبطون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمطعون شهيد وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وعند أحمد ( والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة ) حسنه الألباني 0
الأبدال /
قيل هم الأولياء والعباد وقيل هم الذين يجددون الدين يخلف بعضهم بعضاً في الذب عنه كما في الحديث ( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دنيها ) فكأنه يتبدل بعضهم ببعض والله تعالى أعلم ، وقد رأيت الأحاديث التي فيها ذكر الأبدال قد ضعفها الإمام الألباني رحمه الله كحديث ( إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال ولكن إنما دخلوها برحمة الله وسخاوة الأنفس وسلامة الصدور ورحمة لجميع المسلمين ) قال الألباني ضعيف جداً انظر حديث رقم: 1356 في ضعيف الجامع.
وحديث (يكون اختلافٌ عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعثٌ من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشو رجلٌ من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ) ضعفه الألباني انظر حديث رقم: 6439 في ضعيف الجامع.
وحديث (علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبداً ) قال الألباني : موضوع انظر حديث رقم: 3720 في ضعيف الجامع.
الأئمة / هم العلماء المقتدى بهم قال تعالى{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (24) سورة السجدة قال بعض العلماء بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين 0
السنة / لغة الطريقة 0
وشرعاً / أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته 0
وأهل السنة والجماعة /
هم الذين اجتمعوا على الأخذ بكتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا في الاعتقادات والأقوال والأعمال ونُسبوا إليها لتمسكهم بها دون الطرق الأخرى المنحرفة ، ووصفوا بالجماعة لأنهم التزموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة ولأنهم اجتمعوا على الحق وأجمعوا عليه واجتمعوا على ما عليه سلف الأمة ولذا يسمون السلف ويسمون الطائفة المنصورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفةٌ من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) رواه الترمذي وصححه الألباني وهو عند مسلم بلفظ ( لا تزال طائفةٌ من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ) ويسمون أهل الحديث لأنهم العاملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية ويسمون أهل الأثر لأنهم على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أثر السلف الصالح ويسمون الفرقة الناجية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة ) رواه أبو داود وبن ماجة وغيرهما وصححه الألباني
والذين خالفوا السنة ولم يخرجوا من الملة يسمون أهل الأهواء وأهل الافتراق وأهل البدع والفرق المفارقة لأنهم اتبعوا السبل التي نهى الله عنها ونهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يخرجون من مسمى الإسلام لكنهم لا يسمون أهل السنة والجماعة 0
وأهل القبلة /
هم من يدَّعون الإسلام حتى من ارتكب الكبائر والفواحش التي دون الكفر والشرك كالزنا والسرقة والقتل ، أو حتى من ارتكب بدعاً ما دامت لا تخرجه من الملة فهو من أهل القبلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته ) رواه البخاري.
الفاسق /
كل من ارتكب كبيرةً أو أصر على صغيرة ويسمى عاصياً وفاسقاً، وهو كسائر المؤمنين لا يخرج من الإيمان بمعصيته ولا يسلب عنه الإيمان بالكلية بل يقال مؤمنٌ ناقص الإيمان أو يقال مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته أو يقال مؤمنٌ عاصي ونحو ذلك وليس بكافر خلافاً للخوارج ولا في منـزلةٍ بين منـزلتين خلافاً للمعتزلة.
وحكمه في الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وأدخله الجنة وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ومصيره إلى الجنة وعند الخوارج والمعتزلة وغيرهم من الوعيدية من أتى كبيرةً ومات من غير توبة فهو في النار خالداً مخلداً فيها وسيأتي الرد عليهم إن شاء الله مفصلاً في كتاب الإيمان والكفر 0
الفسوق / الخروج عن طاعة الله وارتكاب محارمه 0
الكبيرة / هي كل ذنب توعد عليه بالنار، أو اللعنة، أو الغضب في الآخرة كقوله تعالى{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء أو ترتب عليه حدٌ في الدنيا كقوله تعالى{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة وقوله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } (2) سورة النــور أو نفي عن صاحبه الإيمان كقوله صلى الله عليه وسلم ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن . قيل من يا رسول الله ؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه ) متفق عليه أو قيل فيه ليس منا مثل قوله صلى الله عليه وسلم ( من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا ) رواه مسلم أو برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم كقوله ( أنا بريءٌ من كل مسلمٍ يقيم بين أظهر المشركين ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني انظر حديث رقم: 1461 في صحيح الجامع. وكقوله صلى الله عليه وسلم ( يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابةٍ أو عظم فإن محمدا بريء منه ) رواه أبو داود وصححه الألباني ونحو ذلك ويمكن أن يضاف إلى ذلك ترك الواجبات والفرائض عند من لا يرى تركها كفر 0
الصغائر / هي كل ذنبٍ دون الكبيرة كالبصاق في المسجد والبيع فيه وإنشاد الضالة فيه ونحو ذلك فهذه تكفرها الأعمال الصالحة قال تعالى{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (31) سورة النساء قال تعالى{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ } (32) سورة النجم قال حذيفة رضي الله عنه ( فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصوم والحج والزكاة ) رواه بن ماجة وصححه الألباني ولكن ينبغي الحذر من الإصرار على الصغائر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه ) رواه أحمد والطبراني وحسنه الألباني انظر حديث رقم ( 2687 ) في صحيح الجامع قال العلماء : الإصرار على الصغائر يحيلها إلى كبائر 0 وقالوا : لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمت من عصيت وهو الله جل في علاه 0 وقد اتفق الفقهاء على أن الكبائر لايكفرها إلا التوبة منها واختلفوا فيمن أقيم عليه الحد هل يكون كفارةً له فالذي رجحه العثيمين وغيره أنه يكون كفارة والله تعالى أعلم 0
الكفر / هو التغطية لأن الكافر قد غطى وجحد نعمة الله عليه 0
الشرك / التسوية والمقارنة وذلك لأن المشركين يجعلون مع الله شريكاً يسوونه به في العبادة ، وأما من لا يعبد الله مطلقاً ولا يعترف به فذلك ملحدٌ 0
النفاق / أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر0
الظلم / سلب الحق وإعطاءه للغير 0
والكفر والشرك والفسق والنفاق والظلم الوارد في نصوص الوحيين نوعان :
الأول / أصغر لا يخرج من الملة ولا يخلد صاحبه في النار إن دخلها 0 الثاني / أكبر مخرجٌ من الملة ويخلد صاحبه في النار 0
فمثال الكفر الأصغر قول النبي صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في الأنساب والنياحة على الميت ) رواه مسلم
ومثال الكفر الأكبر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني انظر حديث رقم (4143) في صحيح الجامع.
ومثال الشرك الأصغر الرياء قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ) رواه أحمد وصححه الألباني انظر حديث رقم( 1555) في صحيح الجامع.
ومثال الشرك الأكبر اتخاذ الشفعاء عند الله قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (18) سورة يونس
ومثال الفسق الأصغر ارتكاب الكبائر التي دون الشرك والكفر الأكبر كالزنا والربا وأكل مال اليتيم ونحو ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) متفق عليه ومراده الفسق الأصغر والكفر الأصغر إذ جاء في النصوص ما يدل على أن فاعل هذين العملين لا يخرج من الإسلام 0
ومثال الفسق الأكبر قوله تعالى {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (5) سورة الحشر أي اليهود لأنهم خرجوا عن طاعة الرحمن إلى طاعة الهوى والشيطان ووقعوا في الكفر الأكبر فسموا فساقاً لذلك لكن ليس هو كفسق عصاة الموحدين فهؤلاء فسقهم فسقٌ أكبر مخرجٌ من الملة وأما الموحدين ففسقهم دون ذلك 0 ومثال النفاق الأصغر ارتكاب بعض أنواع النفاق العملي كالكذب والخيانة وإخلاف الوعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) متفق عليه
ومثال النفاق الأكبر النفاق الإعتقادي وهو إظهار الإيمان وابطان الكفر الأكبر 0
ومثال الظلم الأصغر قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (32) سورة فاطر أي ظالمٌ لنفسه بالمعاصي حين أوقعها فيما فيه عذابها وخسرانها 0
ومثال الظلم الأكبر قوله تعالى{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) سورة لقمان
(( أصناف أهل البدع ))
ينقسم أهل البدع إلى طوائف وأحزاب ومذاهب متعددة ويمكن تصنيفهم على النحو التالي :
الصنف الأول / المبتدعة في باب الإيمان والكفر وينقسمون إلى وعيدية ومرجئة 0 1- الوعيدية / وهم طائفتان : الخوارج ويرون أن صاحب الكبيرة كافرٌ وليس بمؤمن وأنه مخلدٌ في النار ، والمعتزلة : ويرون أنه مخلدٌ في النار لا كن ليس بكافر بل هو في منزلةٍ بين الإيمان والكفر غير أنها لا تنفعه عندهم في الآخرة 0 2-المرجئة / ويرون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وعليه فإن المؤمن لا يدخل النار ولو ارتكب الفواحش والمنكرات وإيمانه كإيمان أفضل الناس لا فرق 0
ومحل الضلالة عند الفريقين / أنهم جعلوا الإيمان جزءاً واحداً لا يزيد ولا ينقص فإما أن يكون مؤمناً كامل الإيمان وإما أن يكون كافراً ، فلمَّا رأى الوعيدية أدلة الوعيد وأن صاحب الكبائر يدخل النار قالوا إذن ليس بمؤمن إذ لو كان مؤمناً لما دخلها كسائر المؤمنين إذ الإيمان واحد ، والمرجئة رأوا أدلة الرجاء وأن الله يغفر الذنوب التي دون الشرك قالوا إذن هو مؤمن كسائر المؤمنين فلا يدخل النار مثلهم إذ الإيمان واحد 0
وقال أهل الحق / ليس الإيمان واحد بل هو متفاوت يزيد وينقص وعليه فإن صاحب الكبيرة مؤمنٌ ناقص الإيمان ومصيره في الآخرة أنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بقدر ذنوبه وإن شاء غفر له ومآله إلى الجنة فلا يخلد في النار 0
الصنف الثاني / في باب الأسماء الصفات وينقسمون إلى ممثلة ومعطلة 0
1- الممثلة أو المشبهه وهم الذين يشبهون صفات الرب بصفات المخلوقين وقد كان منهم الروافض فأول من قال بالتمثيل هو الرافضي هشام بن الحكم ثم تحول الرافضة إلى معطلة 0
2- المعطلة وهم طوائف شتى منهم من يعطل الأسماء والصفات كالجهمية ومنهم من يعطل الصفات دون الأسماء كالمعتزلة ومنهم من يثبت بعض الصفات ويعطل بعضها كالأشاعرة ، وفتنتهم جميعاً أنهم رأوا أن في الإثبات تمثيلاً ففروا من ذلك إلى التعطيل 0 ومذهب أهل الحق / إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من غير تمثيلٍ ولا تعطيل ومن غير تكييفٍ ولا تأويل فقد قال تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى فقوله (( ليس كمثله شيء )) ردٌ على الممثلة وقوله (( وهو السميع البصير )) ردٌ على المعطلة ، ولا يستلزم الإثبات التمثيل فإننا نثبت مثلاً للنملة يد فلا يقتضي ذلك أن تكون مثل يد الفيل فهذا بين المخلوقات فكيف بين الخالق والمخلوق 0
الصنف الثالث / في باب الصحابة وينقسمون إلى غالين وقالين
1-القالين : وهم الروافض وهؤلاء يبغضون الصحابة ويكفرونهم ويرون أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم من أهل النار 0 2- الغالين : وهم طوائف من الصوفية وغيرهم ويرون جواز الاستشفاع والتوسط بالصحابة عند الله ، ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور وأصناف الشركيات عند قبورهم 0
ومذهب أهل الحق / محبة الصحابة وموالاتهم والذب عنهم وبغض من يبغضهم ، لكن من غير غلوٍ فيهم فلا يصرف لهم مما هو من محض حق الله شيء 0
الصنف الرابع / في باب آل البيت وينقسمون إلى غالين وقالين:
1- الغالين : وهم الروافض وطوائف من الصوفية وغيرهم ويرون جواز الاستشفاع والتوسط بهم عند الله ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور وأصناف الشركيات عند قبورهم 0 القالين : وهم النواصب الذين نصبوا العداء والبغض لآل البيت 0
ومذهب أهل الحق / محبة آل البيت وموالاتهم والذب عنهم وبغض من يبغضهم ، لكن من غير غلوٍ فيهم فلا يصرف لهم مما هو من محض حق الله شيء 0
الصنف الخامس / في باب القدر وينقسمون إلى قدرية وجبرية :
1- القدرية : وهم الذين يقولون لا قدر والأمر أنف أي مستأنف أي جديد ليس مكتوباً في اللوح المحفوظ والإنسان يخلق فعله من غير مشيئة الله ولا إرادته ، وقد كان أوائلهم أيضاً ينكرون علم الله السابق ويقولون إن الله لا يعلمه حتى يفعله العبد ، ثم لمَّا رأوا أن هذا القول ممقوت قالوا : يعلمه ولكن لم يقدره 0
والحقيقة أنهم مخصومون بقولهم هذا وقد كان السلف يقولون ( ناظروهم بالعلم فإن انكروه كفروا وإن أقروا به خصموا ) لأنه إذا علمه فقد شاءه وقدَّر أن يكون فيبطل مذهبهم ، وإذا قالوا لا يعلمه فقد نسبوا لله الجهل وذلك غاية الضلال والكفر 0
2- الجبرية : ويقولون إنه ليس للإنسان مشيئة بل هو مجبور ، وكل ما يفعله ويقع عليه فهو بقضاءٍ وقدر ليس له فيه أي اختيار بل هو كالريشة في مهب الريح 0 وهؤلاء خالفوا العقل كما خالفوا النقل فإن الإنسان يدرك أنه يفعل الشيء بإرادته من غير إجبار أحد 0
وقال أهل المعتقد الصحيح / إن للعبد مشيئة وإرادة لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته كما قال تعالى{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير
فقد كتب الله مقادير كل شيء ، ويسر الإنسان لفعل ما قدر له ، فلا يفعل الإنسان شيئاً إلا وهو مقدرٌ مكتوبٌ عليه قد شاءه الله عليه ، لكن هذا لا يعني أن الإنسان مجبور بل هو يفعل بإرادته ومشيئته واختياره من غير إجبار لكن هذه المشيئة والإرادة تابعةٌ لمشيئة الله فقد علم الله أنه سيفعل كذا فشاءه له ولو شاء لمنعه فمشيئة العبد تابعةٌ لمشيئة الله 0
(( تاريخ ظهور البدع ))
أول بدعةٍ ظهرت في الإسلام هي بدعة الخوارج فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال ( ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ) فقال عمر له ائذن لي أضرب عنقه فقال دعه ( فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله إلى رصافه إلى نضيه وهو قدحه إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجلٌ أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقةٍ من الناس ) قال أبو سعيد أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته . متفق عليه ومن بدعهم تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وتكفير الصحابة الذين حدثت بينهم الفتنة كعليٍ ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم والخوارج لا يقبلون السنة ويفسرون القران على أهوائهم ويرون كفر مرتكب الكبيرة وأنه مخلدٌ في النار ، وكان خروجهم زمن عليٍ رضي الله عنه فقاتلهم في النهروان وانتصر عليهم فتفرقوا ومن فرقهم الموجودة في هذا العصر فرقة الإباضية في عمان وغيرها 0
ثم ظهرت بدعة الرافضة في عهد الخلفاء الراشدين على يد عبد الله بن سبأ الذي يُدعى بن السوداء وكان يهودياً من أهل اليمن قدم المدينة زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأظهر الإسلام نفاقاً ليهدم الإسلام من الداخل وأظهر التشيع لآل البيت ومناصرة عليٍ رضي الله عنه وتبعه على ذلك قومٌ من الفرس وغيرهم وسعوا في قتل عثمان وتفريق الأمة لكن علياً رضي الله عنه حاربهم وأحرق من أمسكه منهم بالنار وفرَّ من فرَّ منهم إلى بلاد فارس ونشروا المذهب خفيةً لكنه لم يظهر حتى زمن المختار بن عبيد الثقفي الذي ادعى أنه يطالب بدم الحسين والثأر له وتبعه على ذلك أقوام واستولى على أكثر مدن العراق وسبب خروجه كما قيل لما انهزم التوابين الذين يطالبون بدم الحسين بقيادة سليمان بن صرد وكانوا من أهل السنة ندموا على عدم نصرتهم للحسين فخرجوا على الدولة الأموية فهُزِموا وقتل قائدهم سليمان بن صرد رضي الله عنه وكان صحابياً جليلاً فانتهز المختار هذه الفرصة وقال أنا الذي أطالب بدم الحسين وتبعه قومٌ ظنوا أنه صادق وإنما كان يريد الإمارة وقتل جمعاً ممن شاركوا في قتل الحسين فزادت شعبيته وكثر أنصاره فاستولى على الكوفة وأكثر أجزاء العراق ولما استقر له الأمر ادعى النبوة وأظهر أموراً منكرة فنفر منه الناس وأرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب لقتاله فقتله مصعب سنة 67هـ
فتفرق الشيعة أحزاباً وفرقاً ، ومن أشهر فرقهم الجعفرية والإسماعيلية والزيدية وغيرها ويعتقدون جميعاً سوى الزيدية كفر الصحابة وأنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويلعنون أبا بكر وعمر وعثمان ويرون أنهم اغتصبوا الخلافة من علي التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم له بها ومن معتقداتهم القول على الله بالبداء والقول بتحريف القران ولا يقبلون السنة ويقولون بعصمة الأئمة ويغلون فيهم غلاءً فاحشاً حتى قالوا إنهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون ويصرفون لهم أنواعاً من العبادات كالذبح والنذر والسجود وغيرها وهم قدرية معطلة وبالجملة فهم شر طوائف المبتدعة حتى قيل إنهم شرٌ من اليهود والنصارى
قال القحطاني في نونيته :
لا تعتقد دين الروافض إنهم شر البرية شيعة الشيطان
ثم ظهرت القدرية في آخر عهد الصحابة فنفوا العلم والقدر وقالوا الأمر أنف والله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ، وأول من أظهر القول بالقدر معبد الجهني وقيل إنه أخذه عن رجلٍ نصرانيٍ أسلم ثم رجع إلى نصرانيته اسمه سوسن ، وأخذ عن معبد غيلان الدمشقي الذي قتله هشام بن عبد الملك الأموي سنة 105هـ وقد أنكر هذا القول من الصحابة عبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وغيرهم رضي الله عنهم وروى مسلم عن يحي بن يعمر قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر ، فوفِقَ لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ فقلت : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرؤون القران ويتقفرون العلم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف 0 قال بن عمر : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم براء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر 0
ثم ظهرت بدعة الإرجاء في آخر القرن الأول وقالوا لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وأول من قال بالإرجاء هو الجهم بن صفوان عليه من الله ما يستحق فإنه أحدث في الإسلام ثلاث بدعٍ عظيمة منها هذه البدعة بدعة الإرجاء وبدعة إنكار الصفات وبدعة القول بالجبر ، وقد تأثر بعض الفقهاء من الحنفية ببدعة الإرجاء إلا أنهم أوجبوا الأعمال وقالوا بإثم وعقوبة من لم يعملها ، وأما المرجئة الخلص فيرون أنه لا عقوبة على المؤمن ولو ترك الأعمال بالكلية وارتكب الموبقات وهذا قولٌ شنيع وضلالٌ مبين يدعوا إلى ترك الدين 0
ثم ظهرت بدعة الإعتزال في أوائل القرن الثاني وقالوا إن العاصي ليس بمؤمن وليس بكافر بل هو في منزلةٍ بين المنزلتين لكنه مخلدٌ في النار ، ثم تلقفوا بدعة إنكار الصفات من الجهمية كما سيأتي ويرجع المعتزلة إلى رجلٍ يقال له واصل بن عطاء كان من تلاميذ الحسن البصري فطرده لما أظهر بدعه وقيل إنه هو الذي انعزل فسمي اتباعه بالمعتزلة لذلك ، وأخذ عن واصل عمرو بن عبيد المتوفى سنة 144هـ ثم انتشر هذا المذهب زمن المأمون حين اعتنق هذا المذهب فدعم أتباعه ونصر أربابه وأجبر الناس على الدخول فيه بقوة السلطان وقام سوق دعاته كبشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد والجاحظ وغيرهم لكنهم خذلوا والحمد لله وعاد أمرهم وبالاً عليهم كما سيأتي في قصة خلق القران 0
والمعتزلة لا يقبلون السنة ويسمونها أخبار آحاد ، ويقوم مذهبهم على أصولٍ خمسة هي ( العدل ، والتوحيد ، وإنفاذ الوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ويقصدون بالعدل إنكار القدر وبالتوحيد إنكار الصفات وبإنفاذ الوعيد إنكار الخروج من النار لمرتكب الكبيرة وبالمنزلة بين المنزلتين إنكار أن يكون مرتكب الكبيرة مؤمناً وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنكار السمع والطاعة للسلطان ، والمعتزلة لم ينقرضوا كما يعتقد بعض الناس بل كتبهم ما زالت متداولةً مشهورة مثل كتاب الكشاف للزمخشري وكتاب الغنية وكتاب متشابه القران لعبد الجبار الهمذاني وغيرها 0
ثم ظهرت بدعة التعطيل وإنكار الصفات وأول من عرف بذلك الجعد بن درهم فقتله خالد القسري أمير العراق في عام 124هـ في يوم عيد الأضحى قام فخطب الناس ثم قالوا ضحوا أيها الناس تقبل الله ضحاياكم فإني مضحيٍ بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلاً فنزل فذبحه فقال بن القيم :
ولأجل ذا ضحى بجعـدٍ خالد القسري يوم ذبائح القربان إذ قـال إبراهيم ليس خليلـه كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنةٍ لله درك من أخي قـربان
لكن أخذها عنه ونشرها المجرم الجهم بن صفوان وإليه تنسب فيقال الجهمية ونسبت إليه أقوالٌ شنيعةٌ في إنكار الصفات حتى أنه تمنى أن يحك من المصاحف قول الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه وقتله سلم بن أحوز البلخي سنة 128هـ فأخذها عنه المعتزلة ثم أخذها عنهم أهل الكلام من الأشاعرة والكلابية والماتريدية وغيرهم مع فروقاتٍ طفيفة ربما تعرضنا إليها في ثنايا هذا الكتاب 0
(( أشهر كتب العقيدة عند أهل الحق ))
كتب أهل الحق كثيرةٌ جداً لكن من أشهرها /
1-كتاب الرد على الجهمية وكتاب الرد على الكافر العنيد للإمام عثمان بن سعيد الدارمي 2-الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل 3-خلق أفعال العباد للإمام محمد بن إسماعيل البخاري 4-كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل 5-كتاب السنة لأبي بكر الخلال 6-كتاب السنة لابن أبي عاصم 7-كتاب إعتقاد أهل السنة للإمام اللالكائي 8-كتاب الشريعة للإمام الآجري 9-كتاب التوحيد للإمام بن خزيمة 10-كتاب التوحيد وكتاب الإيمان لابن منده 11-كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام 12-كتاب الإيمان لأبي بكر بن أبي شيبة 13-كتب شيخ الإسلام بن تيمية كالواسطية والحموية والتدمرية وغيرها 14-كتب بن قيم الجوزية كالصواعق المرسلة وطريق الهجرتين وغيرهما 15-كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ككتاب التوحيد وكشف الشبهات والأصول الثلاثة وغيرها 0 16-كتب أئمة الدعوة من أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذهم ومن آخرهم الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين والشيخ صالح الفوزان وغيرهم 0
(( صفات أهل المعتقد الصحيح ))
1-أن منهجهم توقيفي على الكتاب والسنة فهم يأخذون معتقدهم من الكتاب والسنة ويعرضون عن قول كل من خالفهما كائناً من كان 0
2-يعتقدون أنه لا يتعارض النقل الصحيح من الكتاب والسنة مع العقل السليم وعند توهم التعارض فيقدمون النقل على العقل 0
3-أنهم يأخذون بأخبار الآحاد الصحيحة في إثبات أمور الاعتقاد ، خلافاً لما عليه أغلب الطوائف المبتدعة في رد أغلب السنة بحجة أنها أخبار آحاد ، وسموها ظنون وقالوا إنها لا تقبل في العقائد ، وما ذاك إلا لأنها تتصادم مع عقائدهم الفاسدة 0
4-أن اعتقادهم لا يتغير ولا يتبدل على مرِّ الأزمنة لأنه مبني على رواسخ ثابتة وأدلة يقينية من الكتاب والسنة خلافاً لما عداها من المعتقدات التي تتغير من حينٍ لآخر 0 فمثلاً / القدرية كان أوائلهم ينكرون علم الله السابق بالأشياء مع إنكار تقديرها ، ولكن لما كان هذا القول مقبوحًا لدى من لديه ذرة عقل أنكره متأخروهم ورفضوه ، وقالوا : يعلمها ولكنه لم يخلقها 0
والرافضة كانوا في أول أمرهم ممثلة ثم صاروا في آخر الأمر معطلة ، وتفرقوا إلى فرقٍ وأحزابٍ كثيرة بعد أن كانوا فرقةً واحدة ومثلهم المعتزلة والخوارج وغيرهم 0 وهذا الاختلاف والاضطراب دليل فساد المعتقد ، بينما تجد أهل المعتقد الصحيح أهل السنة أصولهم واحدة وعقيدتهم واحدة لم تتغير منذ العصر الأول 0
5-منهجهم يتميز بالوضوح فليس فيه لبسٌ ولا كتمان ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالبياض فقال ( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ) رواه أحمد وبن ماجه والحاكم وصححه الألباني انظر حديث رقم: 4369 في صحيح الجامع.
6-تكفل الله بحفظ مصدر عقيدتهم وهو الكتاب والسنة قال عز وجل ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]
7-أنهم متمسكون بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المعتقد الصحيح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفتراق ( وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال ( من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) رواه الترمذي وغيره وحسنه الألباني انظر حديث رقم ( 5343) في صحيح الجامع
8-أنهم لا يتركون معتقدهم بغضاً له وقد يتركه بعضهم طمعاً في دنيا وهم قلة ومعظمهم من الجهال لا من العلماء بخلاف ما عداها من المعتقدات فنرى عودة كبار المتعمقين فيها إلى الحق وتركهم لمعتقداتهم بغضاً لها وعرفاناً بفسادها ،
ومن ذلك / قال الغزالي ( أكثر الناس شكًا عند الموت أهل الكلام ) اهـ .
وقال الشهرستاني
لعمـري لقـد طفـت المعاهد كلها وسـيرت طرفي بـين تلك المعـالم فلم أر إلا واضـعًا كف حائـرٍ على ذقــنٍ أو قـارعًا ســن نـادم ولقد رد عليه الإمام الصنعاني فقال : لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول العلا المبعوث من خير هاشم فو الله لو قد زرته الدهر مرةً لـما صرت نهباً للنسور القشاعم
ويقول الرازي وهو المتبحر في علم الكلام مخبراً عن نهاية أمره :
نهايـة إقدام العـقـول عـقـال وأكـثـر سعـي العـالمـين ضـلال وأرواحنا فـي وحشة مـن جسومنا وحـاصــل دنيـانـا أذى ووبـال ولـم نستفد مـن بحثنا طول عمرنا سـوى أن جمعـنا فيـه قيـل وقـال
ثم قال : لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أرها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، اقرأ في الإثبات الرحمن على العرش استوى إليه يصعد الكلم الطيب واقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علمًا ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي 0ا0هـ .
ويقول الجويني : لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي وها أنا أموت على عقيدة أمي ا0هـ فهذه بعض اعترافات كبارهم ورجوعهم إلى مذهب السلف وهذا دليل على صحة مذهب السلف وأنه المتوافق مع الفطر السليمة والأفهام المستقيمة 0
9-أن أهل المعتقد الصحيح أهل السنة هم المنصورون بالحجة والسيف ، فكلمتهم ظاهرة ورايتهم عالية ، وما كان الله ليؤيدهم ويديم نصرهم لولا أنهم على الحق ، إذ من المعلوم أنه يمتنع في عدل الله وحكمته جل وعلا أن يديم نصر الباطل وأن يعلي كلمة السوء 0
10-أن عقيدتهم وسط بين طرفين بين أهل الغلو وبين أهل التساهل 0
ومن الأمثلة على وسطية أهل السنة ما يلي :
أ-يعتقد اليهود أن عيسى عليه السلام كذابٌ وابن بغي بينما يعتقد النصارى أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا فتوسط المسلمون في ذلك وقالوا : هو عبدالله ورسوله فقولهم : عبد الله ردٌ على النصارى الذين غلوا فيه ، وقولهم : ورسوله رد على اليهود الذين كذبوه وأهانوه0
ب-يعتقد اليهود في الحائض أنها نجسة العين وبناءً عليه لا يجوز مؤاكلتها ولا مجالستها ولا الحديث معها ولا مسها لأنها عندهم نجسةٌ قذرة ، بينما يعتقد النصارى جواز فعل كل شيء معها حتى الجماع ، وفي الإسلام لا يجوز الجماع وما عداه جائز.
ج-وسطيتهم في باب الأسماء والصفات بين الممثلة الذين شبهوا الله بخلقه وبين المعطلة الذين نفوا عنه صفات الكمال والجلال ، وعند أهل السنة إثباتٌ بلا تمثيل وتنزيهٌ بلا تعطيل 0
د-وسطيتهم في باب القدر بين الجبرية الذين يقولون إن الإنسان مجبورٌ على فعل المعصية والطاعة وإنما هو كالريشة في مهب الريح فلا مشيئة له مطلقاً، وبين القدرية الذين يقولون لا قدر والأمر أنف والإنسان يخلق فعله ، فقال أهل السنة : للإنسان مشيئة لاكنها تابعةٌ لمشيئة الله تعالى كما قال تعالى {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير
هـ- وسطيتهم في باب الإيمان والكفر بين الوعيدية الذين يكفرون بفعل الكبيرة وبين المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان معصية وإيمان أفسق الناس كإيمان الأنبياء 0
و- وسطيتهم في باب الصحابة وآل البيت بين النواصب الذين يغلون في الصحابة ويسبون آل البيت ، وبين الروافض الذين يسبون الصحابة ويغلون في آل البيت والسنة يعظمونهم جميعاً ولا يغلون فيهم 0
* * *
(( مصادر التلقي والإستدلال عند أهل المعتقد الصحيح أهل السنة ))
المصدر الأول / كتاب الله
والمرجع في فهم كتاب الله وتفسيره يكون عن طريق النصوص المبينة لذلك كتفسير القرآن بالقرآن وتفسير القران بالسنة ثم تفسير القرآن بأقوال الصحابة لأنهم هم الذين عاينوا التنزيل وتلقوا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحملوا أمانة البلاغ للأمة وإنما وصلنا القران من طريقهم وهم أعلم الناس به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستعان بلغة العرب في فهم معاني الكلمات لأنه نزل بلغتهم ، وأما ما يفعله أهل البدع من الخوض في الباطن كما يفعل الباطنية ونحوهم ممن يدَّعون أن للقران ظاهراً وباطناً وأن هذا الباطن يخالف الظاهر وقد اختصوا بعلمه فهذا من ضلالهم وتلبيسهم على الناس 0
المصدر الثاني /
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة وإن كانت آحاداً في العقائد وغيرها وذلك لأن أهل الأهواء والبدع وجدوا أن مبادئهم وأصولهم تتصادم مع بعض النصوص ، فكان من حيلهم أن زعموا أن النصوص التي تصادم أصولهم أحاديث آحاد وسموها ظنون وقالوا إنها لا تقبل في العقائد ، وما ذاك إلا حمايةً لعقائدهم الفاسدة 0
المصدر الثالث /
إجماع السلف الصالح والأمة وهذا الإجماع مبني على الكتاب والسنة ، قال تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء وقال تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } (10) سورة الشورى وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) أبرز القواعد في طريقة التلقي والإستدلال من هذه المصادر ما يلي :
1- يجب أن لا يعارض شيء من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة بقياس ولا ذوق ولا كشف ولا قول شيخ ولا إمام ولا غيرهم.
فالقياس غير وارد في العقيدة لأننا إذا قسنا عالم الغيب على الشهادة وقعنا في الزلل وربما رددنا نصوص الشريعة ، ففي نصوص الشرع مثلاً ما يدل على أن المؤمن يوسع له في قبره مد بصره ويفتح له باباً إلى الجنة ويأتيه ملكان فيجلسانه وغير ذلك فهذا كله من أمور الغيب فلو أردنا أن نقيسه على الشهادة لأنكرنا ذلك إذ يستحيل في عالم الشهادة مثل هذه الأمور إذ القبر يكاد يضيق بصاحبه فكيف يدخل معه ملكان ويجلسانه ولو فتحنا القبر لوجدناه كما هو لم يوسع فيه ولم يضيق على صاحبه فنقول هذا كله عالم شهادة وعذاب القبر ونعيمه عالم غيبٍ فلا يقاس هذا على هذا ومن قاس وقع في الخطأ ، وهكذا كثيراً من أمور الإعتقاد هي غيبية فلا تقاس على عالم الشهادة 0
والذوق لا يصح في الشريعة لأن هناك من أهل الأهواء والبدع من يزعمون أن بعض الأولياء أو بعض الصالحين إذا تذوقوا شيئًا أو مالت نفوسهم إليه فإنه يعتبر حقاً وشرعاً وهذا غير صحيح لأن الدين لا يبنى على التشهي وميل النفس وإنما يبنى على الخضوع والاستجابة لله عزّ وجلّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم 0
وما يسمى بالكشف لا يصح في الشريعة لأن من أهل البدع من يزعمون أن من الصالحين وغيرهم من ينكشف له شيء من أمر الغيب أو من أحكام الحلال والحرام دون تقيد بالكتاب والسنة وهذا باطل لا دليل عليه وهو مدخل للشيطان 0
وينبغي أن لا نعرض الكتاب والسنة على أقوال المشايخ والعلماء والأئمة والأولياء ، بل العكس أن نعرض جميع أقوال الناس مهما بلغوا من العلم على نصوص الدين وقواعده فما وافقها قبلناه وما عارضها رمينا به عرض الحائط 0
2- يجب البعد عن الابتداع في الدين فأصول الدين كلها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحدٍ أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه ، ولمسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) 0
3-العقل موافق للنقل الصحيح وعند توهم التعارض يقدم النقل لأن هناك أمرٌ يلتبس على كثير من الناس وهو أنهم يزعمون أن الله عزّ وجلّ جعل العقل مناط التكليف فهو الذي كلف بالنظر في النصوص وعلل الشرع واستنباط الأحكام من ذلك ، وهو الذي كلف بالإتعاظ والإعتبارإلى آخره ، فنقول نعم ولكن هل كلف بأن يضع ديناً مع دين الله عز وجل
4-يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسنة وخاصةً في أمور العقيدة ويجب تجنب الألفاظ البدعية التي أحدثها الناس فأسماء الله مثلاً توقيفية في ألفاظها فلا نأتي بألفاظ أدبية أو فلسفية أو غيرها فنعبر بها عن الله عز وجل ، كتسمية بعضهم له جل وعلا بالصانع أو العقل الفعال ونحو ذلك فهذا منكرٌ عظيم ، وهكذا في صفاته جل وعلا كالتعبير عن الذات بالجسم وعن العلو بالجهة وغير ذلك فهذه أيضاً لا تجوز وهي منكرٌ عظيم يجب التوبة منه والرجوع إلى المصطلحات الشرعية فلا يغني عنها شيء ولو ظُنَّ أنه مرادفٌ لها 0
وأما طريقة التعامل مع المتلفظين بالألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب فيستفسر عن معناها الذي أرادوه فإن كان حقاً أثبت بلفظ شرعي وإن كان باطلا رد ، مثل تعبير بعض الناس عن علو الله عز وجل سبحانه بالجهة. [co
عدل سابقا من قبل ahmad_laban في الثلاثاء 28 يونيو 2011, 1:28 am عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الخميس 23 يونيو 2011, 6:09 pm | |
| وأما طريقة التعامل مع المتلفظين بالألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب فيستفسر عن معناها الذي أرادوه فإن كان حقاً أثبت بلفظ شرعي وإن كان باطلا رد ، مثل تعبير بعض الناس عن علو الله عز وجل سبحانه بالجهة ، فنقول لهم ماذا تريدون بالجهة؟ فإن قالوا نريد أن نثبت علو الله عز وجل فنقول: إذًا المعنى صحيح لكن كلمة جهة باطلة ، فعبروا بلفظ العلو واتركوا الجهة 0 وإن قالوا أردنا المكان الذي يحوي 0 فهنا نقول اللفظ باطل والمعنى أيضاً باطل فالله عز وجل سبحانه منزه عن أن يحويه مكان 0
((( المصدر الأول للتلقي عند أهل السنة )))
(( القران الكريم ))
القران لغةً / مصدر قرأ يقرأ قراءةً وقرآناً قال تعالى {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (18) سورة القيامة أي قراءته 0
وقيل إن المعنى عائدٌ إلى الجمع والضم فالقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض ، وسمي القرآن بذلك لكونه يجمع ثمرة جميع العلوم كالكتب السابقة وأخبار المبدأ والمعاد والأحكام والمواعظ والطب والعلوم الإنسانية وغير ذلك كما قال تعالى{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } (38) سورة الأنعام
القران اصطلاحاً / هو كلام الله عز وجل المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المعجز بأقصر سورةٍ منه.
فقولنا / كلام الله : يخرج ما عداه من كلام البشر والجن والملائكة وغيرهم.
وقولنا / المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم : يخرج ما أنزل على الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام ، ويخرج أيضاً كلام الله الذي لم ينزله على أحد إذ كلام الله لا حصر له كما قال تعالى {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (109) سورة الكهف وقال تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان
وقولنا / المتعبد بتلاوته : يخرج الحديث القدسي فإنه لا يتعبد بتلاوته 0 (( أبرز خصائص القران ))
1-أنه محفوظٌ من الزيادة والنقصان والتحريف والضياع كما قال تعالى{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر وأما الكتب السابقة فقد وكل الله حفظها إلى من أنزلت عليهم كما قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء } (44) سورة المائدة فلم يحفظوه بل أضاعوه وحرفوه ، وأما القران فقد تكفل الله بحفظه وهيأ جل وعلا لحفظه أسباباً فمن ذلك أن جعل العرب أمةً تعتمد على الحفظ فكانوا يحفظون القصائد الطوال والخطب وغيرها من أول ما يسمعونها وهكذا حفظوا القران ثم زرع حبه وتعظيمه في نفوسهم فصاروا يحرصون على تعلمه وتعليمه لأبنائهم ومن يحبون حتى انتشر حفظه وفهمه بين الأمة ، والحكمة في حفظه والله تعالى أعلم لأنه آخر كتابٍ يحمل آخر رسالةٍ تبقى إلى قيام الساعة 0
2-أنه المعجزة الخالدة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) متفق عليه 0
3-أنه خاتم الكتب السماوية الناسخ لها والمهيمن عليها 0
4-أنه يؤجر بتلاوته فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) رواه الترمذي وصححه الألباني حديث رقم ( 6469 ) في صحيح الجامع
5-أنه سهلٌ ميسر للتلاوة والحفظ والفهم كما قال تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر
6-عدم الملل من تكرار تلاوته وترديد حفظه وتدارسه بل العكس من ذلك كلما ازداد من قراءته وتدارسه كلما ازداد له حباً وشوقاً إلى المزيد من ذلك 0
(( العقيدة الصحيحة في القران ))
عقيدة أهل الحق في القران / أنه كلام الله عز وجل حروفه ومعانيه ، تكلم الله به حقيقةً على صفةٍ تليق بجلاله وعظمته ، منـزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، واتفق المسلمون على أن من جحد من القرآن سورةً أو آيةً أو كلمةً أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر 0
والأدلة على أنه كلام الله كثيرة قال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (6) سورة التوبة وقال {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (15) سورة الفتح فذكر الكلام ونسب القول إليه كقوله تعالى {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } (55) سورة آل عمران وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أحسن الكلام كلام الله وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ) رواه النسائي وصحح إسناده الألباني وقد عاب الله على قومٍ عبادة الهةٍ لا تتكلم فقال تعالى {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} (148) سورة الأعراف فدلَّ على أن ربنا جل وعلا يتكلم ، وهل القران إلا كلامه لنا ، ولقد توعد الله من كتم كلامه في الدنيا أن لا يكلمه في الآخرة عقوبةً له فقال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174) سورة البقرة وقال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (77) سورة آل عمران فدَّل على أنه يكلم أوليائه بمفهوم المخالفة ولقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال ( ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ) متفقٌ عليه.
(( الرد على الأشاعرة والكلابية ومن نحا نحوهم ))
قول أهل الحق عن القران ( هو كلام الله حروفه ومعانيه تكلم به حقيقةً على صفةٍ تليق بجلاله وعظمته ) ذلك أن الأشاعرة والكلابية وغيرهم أنكروا الحرف والصوت وقالوا كلام الله عز وجل معنىً قائمٌ بنفسه ليس بحرفٍ ولا بصوت إنما هو معاني في نفس الله عزّ وجلّ لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره حكايةً أو تعبيراً عن مراد الله إما جبريل وإما محمد عليهم الصلاة والسلام فالله اضطرهم حتى فهموا المعنى القائم بنفسه فحكوا وعبروا به فاللفظ منهما والمعنى من الله ، ويستدلون ببيت ينسب للأخطل النصراني قال فيه :
إن الكـلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ويستدلون أيضاً على إنكار العلو والإستواء بقول الأخطل : قد استوى بشرٌ على العراق من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق
ولذا رد عليهم شيخ الإسلام بقوله : سحقاً لمن نبذ الكتاب وراءه وإذا استدل يقول قال الأخطل
ويستدلون بقوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} (41) سورة الحاقة وقوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (20) سورة التكوير فالآية الأولى تشير إلى محمد عليه الصلاة والسلام والثانية إلى جبريل عليه السلام وقد نسب الرب جل وعلا القول بالقرآن إليهما مما يدل على أنهما هما اللذان قالاه وعبرا به عن المعنى القائم في نفس الرب جل وعلا 0
والجواب / أوضح من الشمس فإنه لا يمكن أن يكون القول الواحد قولاً لثلاثةٍ أو اثنين إنما أراد المبلغين فجبريل عليه السلام تلقاه مباشرةً سماعاً من كلام الرب جل وعلا ونقله بنصه للنبي صلى الله عليه وسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم القران من قول جبريل نقلاً لقول الرب جل وعلا ثم قاله النبي صلى الله عليه وسلم للناس وأخبرهم أنه سمعه من جبريل عليه السلام عن رب العزة جل وعلا ، فنسب الرب جل وعلا القول إليهما لجهة البلاغ لا أن أصل الكلام صدر منهما ، ولذلك لم ينسب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن إلى نفسه ولا إلى جبريل بل نسبه إلى ربه جل وعلا وقد صرحت بذلك الآيات والأحاديث المتكاثرة ، ولكن قلَّ فهم القوم للنصوص فضربوا بعضها ببعض ورأوا أنها متعارضة وإنما التعارض في عقولهم وقلوبهم بل الأدلة يصدق بعضها بعضاً ولا تعارض بينها بحمد الله وصدق الله إذ يقول {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران
وأهل الحق يقولون هو كلام الله حروفه ومعانيه سواء كان مكتوباً أو مقروءاً أو مسموعاً وأما المداد وهو الحبر والقلم الذي يكتب به والورق الذي يكتب فيه القران فهي مخلوقة وكلام الله غير مخلوق، قال ابن القيم مشيراً إلى ما قال القحطاني رحمهما الله:
ولقد شفانا قول شاعرنا الذي قال الصواب وجاء بالإحسان إن الذي هو بالمصاحف مثبتٌ بأنامـل الأشياخ والشبان هو قول ربي آية وحروفـه ومـدادنا والرق مخلوقـان فشفى وفرق بين متلـوٍ ومصنوعٍ وذاك حقيقة العرفان
(( الأدلة على أن كلام الله بحرف ))
قد ذكر أهل السنة أدلةً على أن كلام الله تعالى بحرف وصوت رغم أنه هو الأصل في الكلام ولا دليل على إخراج كلام الله من ذلك وجعلِه من قسم المجاز، لكن زيادةً في الإعذار وبيان الحق للمبتدعة.
فمن الأدلة على أنه بحرف /
1-قوله تعالى ( الم ) و ( المص ) و ( كهيعص ) و( حم ) وغيرها من الحروف المقطعة فهل هذه إلا حروف وهي من كلام الله تعالى نسب القول بها إلى نفسه لا إلى غيره0
2-ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم فنزل منه ملك فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم فسلم وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته . رواه مسلم
فبين أن الفاتحة وخواتيم سورة البقرة تتكون من حروف وهي من القران الذي نسب الله الكلام به إلى نفسه لا إلى تعبير غيره فدل على أن كلامه جل وعلا بحرف 0
3- ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 6469 ) في صحيح الجامع فذكر أن القران الذي نص الله عز وجل على أنه كلامه يشتمل على حروف يؤجر العبد على تلاوتها فدلَّ على أن كلام الله جل وعلا بحرفٍ 0
4-قول عليٍ رضي الله عنه من كفر بحرف من القران فقد كفر به كله 0
(( الأدلة على أن كلام الله بصوت ))
1-قوله تعالى لموسى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (13) سورة طـه فكيف يستمع إذا لم يكن الكلام بصوت 0
2-قوله تعالى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (10) سورة الشعراء والمناداة تكون بصوت وكذا قوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (52) سورة مريم فالمناداة والمناجاة تكون بصوت
3-عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم ، فيقول : لبيك ربنا وسعديك فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف أراه قال تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ) فكبرنا ثم قال : ( ثلث أهل الجنة ) فكبرنا ثم قال : ( شطر أهل الجنة ) فكبرنا . رواه البخاري
(( الرد على الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم ))
قول أهل الحق عن القران / ( هو كلام الله ) وقولهم ( منزلٌ غير مخلوق ) فيه ردٌ على الجهمية والمعتزلة لأن الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم أنكروا أن يكون القران كلام الله وقالوا إنما هو من مخلوقات الله.
ولهم في ذلك شبهٌ زعموا أنها أدلة منها /
1-استدلوا بقوله تعالى ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (الزمر: من الآية62) والقرآن شيء من الأشياء فهو داخل في عموم هذا النص ، فيكون مخلوقاً 0
وأجاب أهل الحق /
بأن عموم ( كل ) لا يقتضي دخول جميع الأشياء فيها كسائر صيغ العموم فإن عموم كلٍ منها بحسبه كقوله تعالى عن ملكة سبأ ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) (النمل: من الآية23) أي أوتيت من كل شيء يحتاجه الملوك في الغالب لا أنها أوتيت كل الأشياء فإنها لم تؤت ما أوتي سليمان عليه السلام ، وكقوله تعالى في ريح عاد { تدمر كل شيء بأمر ربها }ومن المعلوم أنها لم تدمر السماوات والأرض والجبال والجمادات بل ولا حتى المساكن كما قال تعالى ( فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) (الأحقاف: من الآية25)
فدل ذلك على أنها إنما دمرت كل شيء تقدر على تدميره في الغالب وكل شيءٍ أمرت بتدميره ، فكذلك قوله تعالى: ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) أي مما يصلح أن يوصف بكونه مخلوقاً ، وهو هذه العوالم العلوية والسفلية من أرضها وسمائها وأفلاكها وملائكتها وإنسها وجنها وحيواناتها وشجرها ونباتها ومائها ونحو ذلك ، لكن الله تعالى بذاته وصفاته هو الخالق جل وعلا وما سواه مخلوق ومن صفاته كلامه والقرآن من كلامه فلا يكون مخلوقاً ، ويلزمهم على هذا القول وهو أن كل تعم كل شيء أن يكون الله جل وعلا مخلوقاً فقد قال تعالى ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) (الأنعام: من الآية19)
فهذا يثبت أن الله تعالى شيء وهو أكبر الأشياء جل وعلا ، فهل يدخل في عموم كل في قوله تعالى (( الله خالق كل شيء )) لا شك أنه لا يقول ذلك إلا مجنونٌ فاقد العقل والدين فتبين بطلان ما احتجوا به 0
ويقال للمعتزلةأيضاً أنتم تخرجون أفعال العباد الصادرة منهم عن كونها مخلوقةً لله تعالى وهي شيء فأين حرصكم على الاستدلال بقوله تعالى{ الله خالق كل شيء }على العموم0
2-ويستدلون أيضاً بقوله تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف: من الآية3) فقالوا : الجعل هنا هو الخلق فيكون المعنى إنا خلقناه قرآنا عربياً 0
وأجاب أهل الحق أهل السنة على ذلك بأن ( جعل ) في اللغة العربية لها معانٍ فتأتي بمعنى ( خلق ) إذا تعدَّت إلى مفعولٍ واحد 0
وتأتي بمعنى ( صَيَّر ) إذا كانت تتعدى إلى مفعولين فمن أمثلة مجيئها بمعنى خلق قوله تعالى ( وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (الأنعام: من الآية1)
أي خلقهما لأن جعل لم تتعدى إلا إلى مفعول واحد وهو الظلمات والنور معطوفة عليها ، وكذا قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } (189) سورة الأعراف الواو عاطفة وجعل فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو عائد إلى الرب جل في علاه ، ومنها جار ومجرور متعلقان بجعل ، وزوجها مفعول به ، فتكون جعل هنا بمعنى خلق لأنها لم تتعدى إلا إلى مفعولٍ واحد 0
وأما إذا تعدَّت إلى مفعولين فإنها تكون بمعنى صَيَّر ومن ذلك قوله تعالى ( فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ) (البقرة: من الآية66) فإن المفعول الأول ( الها ) في قوله ( فجعلناها ) والمفعول الثاني ( نكالاً ) والمعنى فصيرناها نكالاً ،وقوله تعالى ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) (الفيل:5) الفاء عاطفة وجعل فعل ماض وفاعله مستتر والهاء مفعول به أول وكعصف المفعول الثاني ومأكول نعت لعصف. فتكون بمعنى صير ومنه قوله تعالى ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً ) (الزخرف: من الآية19) فإن المفعول الأول ( الملائكة ) والمفعول الثاني ( إناثاً ) فالواو عاطفة وجعلوا فعل وفاعل والملائكة مفعول جعلوا الأول والذين نعت وهم مبتدأ وعباد الرحمن خبره والجملة صلة الذين وإناثا مفعول جعلوا الثاني فتكون بمعنى صير أي وصيروا الملائكة باعتقادهم الفاسد إناثاً وقيل بمعنى سموا وقيل بمعنى حكموا أي حكموا على الملائكة بأنهم إناث كقوله تعالى (( ويجعلون لله البنات )) (النحل 57) أي يحكمون له بذلك ، والمقصد أنه لا يكون بمعنى خلق فلا يقول عاقل أن معنى( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ ) (الزخرف: من الآية19) أي وخلقوا الملائكة ومعنى (( ويجعلون لله البنات )) أي ويخلقون لله البنات ومعنى ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) أي فخلقهم كعصف مأكول فلذلك قوله تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (الزخرف:3) المفعول الأول الضمير والمفعول الثاني ( قرآناً ) والمعنى إنا صيرناه قرآناً عربياً حيث تكلمنا به بلغة العرب.
3-ويستدلون أيضاً بقوله تعالى ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأنبياء:2) وقوله تعالى ( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (الشعراء:5) فقالوا : المحدث هو المصنوع الجديد الذي لم يكن موجوداً قبل فيكون بمعنى المخلوق وقد وصف الله القران في هاتين الآيتين بأنه كذلك 0
وأجاب أهل الحق أهل السنة: إن قوله تعالى في هاتين الآيتين ( مُحْدَثٍ ) من الحدوث وهو كون الشيء بعد أن لم يكن والقرآن حين كان ينزل كان جديداً على الناس لم يكونوا علموه من قبل فهو محدث بالنسبة إلى الناس ، والمعنى أنه كلما نزل عليهم شيءٌ جديدٌ من القرآن استمعوه وهم ساهون غافلون 0
فليس المحدث هنا هو المخلوق 0
علماً أن أهل السنة يقولون إن كلام الله جل وعلا قديم النوع حادث الآحاد فإنه كان متكلماً وما زال فهو يتكلم بما شاء وقتما شاء كيفما شاء ، فكلامه الأخير جل وعلا محدثٌ أي جديد بالنسبة لكلامه القديم ، وقد كان الرب جل وعلا يكلم جبريل عليه السلام بالقران فينزل به جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمه إياه فهو كلامٌ جديدٌ من الرب جل وعلا وهو كلامٌ جديدٌ بالنسبة إلى الناس لم يسمعونه قبل فهو محدثٌ بهذا المعنى لا أنه مخلوق كما يقوله الجهمية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني انظر حديث رقم: 1892 في صحيح الجامع فهل يصح أن يكون قوله: ( قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ) بمعنى قد خلق أن لا تكلموا في الصلاة ؟ لا يصح إنما المعنى قد شرع شرعاً جديداً 0
4-ويستدلون أيضاً بقوله تعالى في عيسى عليه السلام: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) (النساء: من الآية171) وقال تعالى: ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) (آل عمران: من الآية45) وعيسى مخلوق فتكون الكلمة مخلوقة ، فقال أهل السنة : إن عيسى عليه السلام ليس هو ( كن ) وإنما هو المكون بـ( كن ) كما قال تعالى ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59) وقال تعالى ( قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:47) فكلمة الله هي قوله ( كن ) وهذه ليست هي عين عيسى عليه السلام وإنما عيسى هو أثرها المقصود بقوله ( فيكون ) فعيسى عليه السلام تكوَّن بـ ( كن ) وليس هو عين ( كن ) فعيسى عليه السلام مخلوق خلقه الله بأمره حين قال له ( كن ) فتكوَّن بهذه الكلمة لا أن كلمة الله نفسها مخلوقة كما يعتقده الجهمية ومن سار على منهجهم 0
وأما أدلة أهل السنة على أنه منزل غير مخلوق فكثيرة منها قوله تعالى ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الزمر:1) وقال تعالى ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الشعراء:192) وقال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر:9) وقال تعالى ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) (النحل: من الآية102) وبيّن المولى جل وعلا أنه كلامه وكلامه صفةٌ من صفاته وصفاته منه جل وعلا غير مخلوقة ، وقد أتفق أهل السنة على ذلك وصرحوا بكفر من قال القران مخلوق لأنه جعل صفات الله مخلوقة وذلك تنقصٌ للرب جل وعلا 0
(( حكم قول لفظي بالقران مخلوق ))
لا يصح قول لفظي بالقرآن مخلوق أو قول لفظي بالقرآن غير مخلوق بل الواجب السكوت عنه وعدم الخوض فيه لكن إذا ابتليت بمن يسأل عنه فلابد من الاستفصال فلا بد أن يفرق بين اللفظ والملفوظ به فمن قال لفظي بالقرآن مخلوق إن كان يقصد نبرات صوته وحركة لسانه ولهاته فهذه لاشك أنها مخلوقه وإن كان يقصد الملفوظ به فهو قول باطل لأن ما تلفظ به هو القرآن وهو كلام الله منزل غير مخلوق 0
وأصل هذه الكلمة إنما قالها المعتزلة وذلك أنه لما خبت نارهم وانكسرت شوكتهم في عهد المتوكل رحمه الله ولم يستطيعوا أن يصرحوا بمذهبهم في القول بخلق القرآن كما كانوا يصرحون به في عهد المأمون والمعتصم والواثق ، بحثوا عن كلمةٍ مجملةٍ يستطيعون بها نفث سمومهم بين أهل السنة من حيث لا يشعر بهم أحد فبدل أن يقولوا : القرآن مخلوق ، قالوا : ألفاظنا بالقرآن مخلوقه ، فاستعجل بعض الغيورين من أهل السنة فقال : ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقه 0
وكلا الإطلاقين مجمل ويحتاج إلى تفصيلٍ كما تقدم 0
(( قصة فتنة القول بخلق القران ))
كان معطلة الصفات ينكرون أن الرب جل وعلا يتكلم فقال أهل الحق كيف تنكرون أن الله عز وجل يتكلم وهذا كلام الله القران بين أيديكم فغصوا بذلك ثم اخترعوا القول بخلق القران فراراً من إثبات الكلام للرب جل وعلا إمعاناً في الباطل ودفاعاً عن بدعتهم ، وكان من أشد المعلنين بهذه البدعة رجلٌ يقال له بشر المريسي فقال هارون الرشيد : بلغني أن بشر المريسي يقول إن القران مخلوق فلله عليَّ إن أظفرني به لأقتلنه فبقي متخفياً زمن الرشيد فلما توفي أظهر مقالته زمن المأمون وكان المأمون شغوفاً بكتب الفلاسفة واليونان وغيرهم فترجمها إلى العربية وتأثر بها وأحب من يحبها وقربه فكان خاصته هم أهل الكلام والفلسفة ومنهم نفاة الصفات كبشر المريسي وغيره فتأثر بهم وأقنعوه بمذهبهم حتى اقتنع وهذا جزاء من يقدِّم كتب الضلَّال على كتب أهل الإسلام ، ولما اقتنع بمذهبهم دعوه إلى إلزام الناس به بقوة السلطان فبقي متردداً زمناً وخاصةً بعد هزيمة بشر المريسي في مناظرته مع عبد العزيز الكتاني كما في كتاب الحيدة ، ثم ما زال خاصته من أهل الضلالة يحسنون له أن يفتن الناس على القول بخلق القران حتى قوي عزمه بعد ذلك فأمر بامتحان العلماء فقدموا بين يدي نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم فامتحنهم ونص المأمون على قتل من لم يجب منهم فأجابوا جميعاً متأولين قوله تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106)} سورة النحل غير أربعة منهم لم يجيبوا وهم ( الإمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ، والحسن بن حماد سجادة وعبد الله بن عمر القواريري ) فلمَّا اشتد عليهم الإمتحان بعد ذلك أجاب اثنان وهم ( الحسن وعبدالله ) وبقي الإمام أحمد ومحمد بن نوح أصرَّا على عدم الإجابة فلمَّا أيس النائب منهما أرسلهما مقيدين على جمل إلى المأمون وكان بطرطوس فدعى الإمام أحمد ربه جل وعلا أن لا يريهما المأمون فاستجاب الله دعاءه فمات المأمون وهما بالطريق فردا إلى الرقة ثم إلى بغداد وكان أبو جعفر الأنباري قد دخل على الإمام أحمد وهما في بغداد فقال : يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك فوالله لئن أجبت إلى خلق القران ليجيبن خلق وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت لابد من الموت فاتق الله ولا تجب فجعل أحمد يبكي ويقول ما شاء الله ، وكان أول ما ابتدأهم بالإمتحان في شهر جمادى الآخرة من عام218هـ فقال ما تقولون في القران ؟ فقال الإمام أحمد هو كلام الله غير مخلوق فقال قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11)} سورة الشورى ما السميع البصير ؟ قال أحمد هكذا قال الله تعالى ، وكان الإمام أحمد يقول : لست أبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد ولا قتلاً بالسيف إنما أخاف فتنة السوط فسمعه بعض أهل الحبس فقال : لا عليك يا أبا عبد الله إنما هما سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي فسري عنه ، ولمَّا كانا في الطريق إلى المأمون لقيهم رجلٌ من الأعراب يقال له جابر بن عامر فسلم عليهم وقال للإمام أحمد : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم وإنك رأسٌ اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت عشت حميداً قال أحمد : وكان كلامه مما قوى عزمي فلمَّا نزلوا دون المأمون بمرحلة جاء خادمٌ يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك وأنه يقسم بقرابته من رسول الله لئن لم تجبه إلى القول بخلق القران ليقتلنك بذلك السيف قال : فجثى الإمام على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال : سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل ، اللهم فإن يكن القران كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته 0
قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل ، فردوا وفي الطريق مات محمد بن نوح وتولى الإمام غسله وتكفينه والصلاة عليه وقال عنه : ما رأيت أحدا على حداثة سنه وقدر علمه أقوم لأمر الله من محمد بن نوح إني لأرجوا أن يكون قد ختم له بخير ، وقد قال لي ذات يوم : يا أبا عبد الله ، الله الله إنك لست مثلي أنت رجلٌ يقتدى بك قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله ، ووصل الإمام وحيداً إلى بغداد في رمضان وأودع في السجن نحواً من ثمانية وعشرين شهراً وكان يصلي بأهل السجن والقيود في رجليه ثم أخرج إلى المعتصم على دابة وزيد في قيوده فلم يستطع المشي بها فحملها بيديه وكاد يسقط من الدابة حين ركبها من ثقل القيود وحجزها له ولم يساعده أحد فأدخل في غرفةٍ مظلمة ولا سراج قال الإمام أحمد : فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناءٌ فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد ، ثم دُعيت فأدخلت على المعتصم فلما نظر إليَّ وعنده بن أبي دؤاد قال : أليس قد زعمتم أنه حدث السن وهذا شيخٌ مكهل ؟ فلما دنوت منه وسلمت قال لي : ادنه فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال اجلس فجلست وقد أثقلني الحديد فمكثت قليلاً ثم قلت : يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الكلام قال : تكلم ، قلت : إلى ما دعا إليه بن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله قلت : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قلت إن جدك بن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله قال لهم ( أتدرون ما الإيمان ) قالوا : الله ورسوله أعلم قال ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تعطوا الخمس من المغنم ) قال فتكلم ابن أبي دؤاد بكلامٍ لم أفهمه ، فقال المعتصم : لولا أنك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك ، ثم قال : يا عبد الرحمن ألم آمرك برفع المحنة ، قال أحمد : فقلت الله أكبر هذا فرج للمسلمين ثم قال : ناظره يا عبد الرحمن كلمه ( يريد بن اسحاق ) فقال : ما تقول في القران ؟ فلم أجبه فقال المعتصم أجبه فقلت ما تقول في العلم ؟ فسكت فقلت القران من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله ، فسكت فقالوا فيما بينهم : يا أمير المؤمنين كفرك وكفرنا فلم يلتفت إلى ذلك ، فقال عبد الرحمن : كان الله ولا قران ، فقلت : كان الله ولا علم فسكت فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا فقلت يا أمير المؤمنين أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به فقال : بن أبي دؤاد وأنت لا تقول إلا بالقران والسنة ؟ فقلت وهل يقوم الإسلام إلا بهما ، وجرت بينهم وبينه مناظراتٌ طويلة في عدة أيام منها احتجاجهم عليه بقوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ (62)} سورة الزمر والقران شيء من الأشياء فهو مخلوق فرد عليهم بأن القران كلام الله وكلامه صفةٌ من صفاته فهل يخلق صفةً فيه فالله بصفاته خالق وما سواه مخلوق ثم إن هذا عامٌ يمكن تخصيصه نحو قوله تعالى عن ريح عاد {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(25)} سورة الأحقاف فهي لم تدمر السماوات والأرض بل ولا حتى مساكنهم بنص الآية ، واحتجوا عليه بمثل قوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(3) } سورة الزخرف وكل مجعولٍ مخلوق فقال أحمد فهل قوله تعالى {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ(5) } سورة الفيل أي خلقهم ، وقال بعضهم حديث عمران ( إن الله خلق الذِّكر ) قال هذا خطأ حدثنا غير واحد ( إن الله كتب الذكر ) واحتج بعضهم بحديث بن مسعود (ما خلق الله من جنة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي ) فقال ( وقع الخلق على الجنة والنار والسماء والأرض ولم يقع على الآية )
وقال أحدهم حديث خباب ( يا هنتاه تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيءٍ أحب إليه من كلامه ) فقال هكذا هو ، وناظره المريسي أو غيره ببعض الفلسفات كالجسم ونحوه مما لا فائدة فيه فقال الإمام : لا أدري ما تقول إلا أني أعلم أن الله أحدٌ صمدٌ ليس كمثله شيء ، وأورد لهم الإمام أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات الرؤية ونحوها فجعلوا ينكرون الآثارويطعنون في رواتها ويردون الإحتجاج بها قال أحمد فسمعت منهم كلاماً لم أكن أظن أن أحداً يقوله ، فلما أنكروا الآثار وردوها احتج عليهم بالقران من مثل قوله تعالى عن إبراهيم {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا(42)} سورة مريم وقوله تعالى { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(164) } سورة النساء وقوله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(40) سورة النحل ونحوها من الآيات
فقال بن أبي دؤاد : هو والله يا أمير المؤمنين ضالٌ مضل مبتدع وهنا قضاتك والفقهاء فسئلهم فقال ما تقولون ؟ فأجابوا بمثل ما قال بن أبي دؤاد ، وكان المعتصم يتلطف معه ويقول يا أحمد إني عليك لشفيق أشفق عليك كشفقتي على ابني هارون أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي فيقول يا أمير المؤمنين أعطوني آيةً من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أجيبكم إليها ، فقالوا يا أمير المؤمنين هذا كافر ضال مضل وقال إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد : يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين ، فعند ذلك حمي واشتد غضبه وكان قبل ذلك ألينهم فقال للإمام أحمد وهو يظن أن جلساءه على شيء : لعنك الله طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ثم قال : خذوه واخلعوه واسحبوه قال أحمد فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط وأنا أنظر وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصرورةً في ثوبي فجردوني منه وصرت بين العقابين فقلت : يا أمير المؤمنين : الله الله إن رسول الله قال ( لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ) وأن رسول الله قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ) فبم تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا ؟ يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك فكأنه أمسك ، ثم لم يزالوا يقولون له : يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر فأمر بي فقمت بين العقابين وجيء بكرسي فأقمت عليه وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين فلم أفهم فتخلعت يداي وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين والمعتصم يقول له : شد قطع الله يدك ، ويجيء الآخر ويضربني سوطين ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطاً فأغمي علي وذهب عقلي مراراً فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي وقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه وجعلوا يقولون ويحك الخليفة على رأسك إمامك على رأسك واقف في الشمس وهو صائم وبعضهم يقول : أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم وبعضهم يقول : أقتله يا أمير المؤمنين ودمه في عنقي 0
فقال المعتصم : ما تقول يا أحمد ؟ فقلت : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به ، فقال يا أحمد : أجبني إلى شيءٍ لك فيه أدنى فرج فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به ، فرجع وقال للجلاد تقدم ، شد قطع الله يدك ، وقال عبد الرحمن : يا أحمد من صنع من أصحابك مثل ما صنعت ؟ وجعل الجلاد يضربني سوطين ويتنحى ويتقدم الآخر فيصنع مثله وهكذا والمعتصم يقول خلال ذلك : شد قطع الله يدك فأغمي عليَّ فلما استفقت إذا القيود قد أطلقت عني وقال لي رجلٌ ممن حضر لقد كببناك على وجهك ودسناك بالأقدام ، فوالله ما شعرت بشيءٍ مما قال ، وأحضروا ماءً فقالوا : له لما رأوا عليه من الضعف والعذاب أفطر وكان ذاك في نهار رمضان فقال لا أفطر ، فلما حضرت الظهر صلى بهم بن سماعة القاضي فلما انفتل قال أصليت في دمك قال : قد صلى عمر وجرحه يثعب دماً ، فسكت القاضي ، وكان المعتصم يريد إطلاقه بلا ضرب فلم يزل به ابن أبي دؤاد وإسحاق بن إبراهيم حتى أقنعاه بضربه فلما ضربه ندم وقال : لقد ارتكبنا إثماً في حق هذا الرجل فقال بن أبي دؤاد هو والله يا أمير المؤمنين كافرٌ مشرك قد أشرك من غير ما وجه ، وكان أحد تلاميذ الإمام وهو المروذي يقول : يا إمام ألم يقل الله تعالى { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29)} سورة النساء ، قال فاخرج فانظر ما ترى فأخبرني فخرج فرأى خلقاً كثيراً معهم الصحف والأقلام فقالوا ننظر ماذا يقول الإمام فنثبته فدخل فأخبره فقال يا مروذي أتريدني أن أضل هؤلاء كلهم ، وكان بعض العلماء يحدثون الإمام عن التقية وما ورد فيها فقال ما تقولون في حديث خباب ( إن من كان قبلكم كان ينشر بالمنشار من مفرق رأسه لا يصده ذلك عن دينه ) فيئسوا منه فتركوه ، وأطلقه المعتصم بعد يئسه منه ، وقيل إنه ندم ندماً كثيراً وجعل يسأل النائب حتى عوفي الإمام ففرح بذلك وفرح المسلمون بذلك وكان الطبيب يقول ما رأيت ضرباً كهذا وكان يقطع اللحم الذي فسد من شدة الضرب والإمام صابرٌ يلهج لسانه بذكر الله فبرأ إلا أنه كان يشتكي من بعض المواضع حتى توفي وكذا آثار الضرب ومكانه في جلده لم يزل به حتى توفي ، وقد قرأ الإمام قوله تعالى {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(40) } سورة الشورى فقال قد جعلت الميت في حلٍ من ضربه إياي ، وقال : ما على رجلٍ أن لا يعذب الله بسببه أحداً ، وقال عن المعتصم هو في حلٍ من ضربه إياي 0
قال بن كثير : ولما شفاه الله جعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة وكان يتلوا في ذلك قوله تعالى { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(22) } سورة النــور وقوله تعالى{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(40)} سورة الشورى ينادي المنادي يوم القيامة ( ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا ) وفي الحديث ( ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه الله ) اهـ0(البداية والنهاية10/368)
وكان الذين ثبتوا في الفتنة فلم يجيبوا بالكلية هم :
1-الإمام أحمد بن حنبل وتقدمت قصته وبقي مطلقاً حتى تولى الواثق فمنعه من الفتيا والتدريس حتى توفي الواثق وجاء المتوكل الذي كان وقت خلافته نصرٌ لأهل السنة وقمعٌ لأهل البدعة فشرع الإمام في التدريس والفتيا حتى توفاه الله وكان يقول بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز فلما توفي غصت بغداد بالذين حضروا لشهود جنازته والصلاة عليه رحمه الله ورضي عنه 0
2-محمد بن نوح بن ميمون وكان شاباً جلداً قوياً في الحق وهو الذي صبر مع الإمام أحمد وتوفي في الطريق مثقلاً بالقيود والحديد 0
3-نعيم بن حماد الخزاعي توفي في السجن 0
4-أبو يعقوب البويطي مات في سجن الواثق مثقلاً بالحديد 0
5-أحمد بن نصر الخزاعي قال بن كثير كان من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والإجتهاد في الخير وكان من أئمة أهل السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكان يدعوا إلى القول بأن القران كلام الله منزلٌ غير مخلوق وكان الخليفة الواثق من أشد الناس في القول بخلق القران اعتماداً على ما كان عليه أبوه وعمه من غير دليل ولا برهان ، فقام أحمد يدعوا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القران كلام الله فاجتمع عليه خلقٌ كثير وانتصب للدعوة له أبو هارون السراج يدعوا أهل الجانب الشرقي ورجلٌ آخر يقال له طالب يدعوا أهل الجانب الغربي فاجتمع عليه ألوف فانتظمت البيعة لأحمد بن نصر بالخروج على السلطان لبدعته وقوله بخلق القران ولما هو عليه وحاشيته من المنكرات فتواعدوا ليلة جمعة من شهر شعبان أن يضرب طبلٌ في الليل فيجتمع المبايعون في مكان اتفقوا عليه ، وأعطى أبو هارون أصحابه ديناراً دينارا وكان من جملة من أعطاهم رجلان من بني أشرس وكان يتعاطيان الشراب فلما كانت ليلة الخميس شربا في قومٍ من أصحابهما واعتقدا أن تلك الليلة هي الموعد وذلك قبل الموعد بليلة فقاما يضربان على الطبل في الليل ليجتمع إليهما الناس فلم يجيء أحد وسمع الحرس فأعلموا نائب السلطنة وهو محمد بن إبراهيم وكان نائباً لأخيه إسحاق بن إبراهيم فأحضر الرجلين فعوقبا فأقرا على أحمد بن نصر فأخذ خادماً له فاستقره فأقر بما أقر به الرجلان فأخذ أحمد وجماعةً من رؤوس أصحابه وأرسلهم إلى الخليفة بسر من رأى فأحضر له جماعة من الأعيان وحضر القاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي فلما أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق أعرض عن خروجه عليه ومبايعته العوام وقال له : ما تقول في القران ؟ قال : هو كلام الله ، قال أمخلوقٌ هو ؟ قال هو كلام الله وكان أحمد قد باع نفسه وحضر متحنطاً ، فقال الواثق ؟ فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة ؟ قال : قد جاء القران والأخبار بذلك قال تعالى{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) } سورة القيامة
وقال رسول الله ( إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) فنحن على الخبر ، قال الواثق : ويحك أيرى كما يرى المحدود المنجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر ؟ أنا أكفر بربٍ هذه صفته ( وهذه اللوازم من تركيب عقولهم وتحديث الشيطان لهم وإلا فهي ليست لازمةٌ للرؤية ) فقال أحمد : حدثني سفيان بحديثٍ يرفعه ( إن قلب ابن آدم بأصبعين من أصابع الله يقلبه كيف يشاء ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) فقال إسحاق بن إبراهيم : ويحك أنظر ما تقول 0
فقال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من ذلك وقال : أنا أمرتك ؟ قال : نعم أمرتني أن أنصح له 0
فقال الواثق لمن حوله : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فأكثروا القول فيه فقال عبد الرحمن بن إسحاق وكان مواداً لأحمد بن نصر قبل ذلك : يا أمير المؤمنين هو حلال الدم ، وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب بن أبي دؤاد : اسقني دمه يا أمير المؤمنين ، فقال الواثق : لا بد أن يأتي ما تريد 0
وقال بن أبي دؤاد : هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل 0
فقال الواثق إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحدٌ معي فإني أحتسب خطاي ثم نهض معه بالصمصامة وكانت سيفاً لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي أيام خلافته فلما انتهى الواثق إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه في بطنه فسقط صريعاً رحمه الله فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم ضرب سيما الدمشقي عنقه وحز رأسه فصلب جسده لوحده ورأسه لوحده في بغداد وعنده حرس وقد وضعوا في أذنه رقعة مكتوب فيها هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي ممن قتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القران ونفي التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه اهـ ثم أمر الواثق بتتبع أصحابه فأخذ منهم نحو تسع وعشرين رجلا وأودعوا السجن وسموا الظلمة وقيدوا بالحديد ومنعت زيارتهم ولم يجر عليهم من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين 0
وكان أحمد بن نصر يسمع الحديث ويحفظه لا كنه لا يجلس للتحديث يقول إني لست أهلاً لذلك وأثنى عليه العلماء حتى قال أحمد بن حنبل : رحمه الله ما كان أسخاه بنفسه لله لقد جاد بنفسه له ، وقال جعفر الصائغ : بصرت عيناي وإلا فقئتا وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد بن نصر حين ضربت عنقه يقول رأسه لا إله إلا الله وسمع أحدهم رأسه وهو مصلوب يقرأ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) } سورة العنكبوت قال فاقشعر جلدي ، ورآه بعضهم في المنام فقال : ما صنع الله بك قال : ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إليَّ ، ورأى بعضهم رسول الله في المنام ومعه أبو بكر وعمر وقد مرو على رأس أحمد بن نصر فلما جاوزوه أعرض رسول الله بوجهه الكريم عنه فقيل له : يا رسول الله مالك أعرضت عن أحمد بن نصر ؟ فقال : أعرضت عنه استحياء منه حين قتله رجل يزعم أنه من أهل بيتي ومات الواثق في السنة التي تليها أصيب بالإستسقاء وهو داءٌ في البطن فمات منه 0
ولم يزل رأس أحمد بن نصر منصوباً من يوم الخميس 28/8/231هـ إلى 3/10/237 فجمع بين رأسه وجثته بأمر المتوكل رحمه الله وكان المتوكل يحب أهل السنة كالإمام أحمد بن حنبل وغيره فدخل عليه عبد العزيز الكتاني ونصحه بدفن أحمد بن نصر ودخل عليه بعد دفنه وقال يا أمير المؤمنين ما رئي أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر ولسانه يلهج بالقران إلى أن دفن ، فساء المتوكل ما سمع في أخيه الواثق فدخل عليه بن الزيات فقال له المتوكل إن في قلب |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الخميس 23 يونيو 2011, 6:25 pm | |
| ولم يزل رأس أحمد بن نصر منصوباً من يوم الخميس 28/8/231هـ إلى 3/10/237 فجمع بين رأسه وجثته بأمر المتوكل رحمه الله وكان المتوكل يحب أهل السنة كالإمام أحمد بن حنبل وغيره فدخل عليه عبد العزيز الكتاني ونصحه بدفن أحمد بن نصر ودخل عليه بعد دفنه وقال يا أمير المؤمنين ما رئي أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر ولسانه يلهج بالقران إلى أن دفن ، فساء المتوكل ما سمع في أخيه الواثق فدخل عليه بن الزيات فقال له المتوكل إن في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر فقال أحرقني الله بالنار إن قتله الواثق إلا كافراً ودخل عليه هرثمة فقال له مثل مقالته لابن الزيات فقال قطعني الله إرباً إرباً إن قتله إلا كافراً ودخل عليه بن أبي دؤاد فقال ضربني الله بالفالج إن قتله إلا كافراً فقال المتوكل فأما بن الزيات فأنا أحرقته بالنار وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي فقال يا معشر خزاعة هذا الذي قتل بن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه إرباً إرباً وأما بن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده وضربه بالفالج قبل موته بأربع سنين 0
واجتمع الناس في جنازة أحمد بن نصر وجعلوا يتمسحون به وبأعواد نعشه ويتمسحون بالجذع الذي صلب عليه فنهاهم المتوكل عن المغالاة في البشر ونهى عن القول بخلق القران ونهى عن تعاطي علم الكلام واستدعى أحمد بن حنبل وأكرمه غاية الإكرام وأمر له بجائزة فلم يقبلها ، وخلع المتوكل من ملابسه وأعطاه إياها فاستحيا منه فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه ثم نزعها وهو يبكي وكان المتوكل يرسل إليه من طعامه الخاص به وأحمد لا يأكل منه بل واصل الصيام ولولا أنه رد لبغداد لخشي عليه أن يموت جوعاً ، وكان لا يولي أحداً إلا بعد استشارته وارتفع أهل السنة في زمنه وطفئت نار أهل البدع فرحمه الله رحمة واسعة 0
(( شرح معنى : منه بدأ وإليه يعود ))
قول أهل الحق عن القران / منه بدأ : أي أن مبدأ نزوله من عند الله عز وجل وأن الله تعالى هو الذي تكلم به ابتداءً فلم يتكلم به أحدٌ قبله والأدلة على هذا كثيرة قال تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ } (102) سورة النحل وقال تعالى ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (هود:1) وقال تعالى ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) (النمل:6)
وقولهم / وإليه يعود : أي في آخر الزمان ذلك أن كلام الله تعالى يسرى عليه في ليلةٍ فيرفع من المصاحف وصدور الحفاظ فلا تبقى في الأرض منه آية ، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب. حتى لايدري ماصيام ولا صلاة ولا نسك. ولا صدقة. ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه أية. وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز. يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله. فنحن نقولها ) فقال له صلة: ما تغني عنهم: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة. ثم رددها عليه ثلاثا. كل ذلك يعرض عنه حذيفة.
ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: ياصلة تنجيهم من النار ثلاثا. رواه بن ماجه والحاكم وغيرهما وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 8077 ) في صحيح الجامع وعن شداد بن معقل أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : لينتزعن هذا القرآن من بين أظهركم 0
فقال له شداد: يا أبا عبدالرحمن كيف ينتزع وقد أثبتناه في صدورنا وأثبتناه في مصاحفنا ، فقال يسرى عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبدٍ منه ولا مصحف منه شيء ويصبح الناس فقراء كالبهائم ثم قرأ عبدالله { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا } رواه الطبراني في المعجم الكبير وصحح إسناده بن حجر في الفتح ( 13/16) وهذا لا يقال مثله بالرأي فله حكم الرفع0
وقيل إن معنى قولهم ( وإليه يعود ) أي أن الكلام صادرٌ من الله عز وجل فمرجع التكلم به إليه لا إلى غيره 0 وكلا المعنيين صحيح 0
(( إختصار مذهب الطوائف في القران وتوضيح الفروقات بينها ))
مذهب الجهمية والمعتـزلة أن القرآن مخلوق وتقدم كلامهم والرد عليه 0
وقول الكلابية والأشاعرة أن القرآن نوعان: ألفاظ ومعاني، فالألفاظ مخلوقة وهي هذه الألفاظ الموجودة في القران لأنها لفظ جبريل أو محمد عليهم الصلاة والسلام ، والمعاني قائمة في نفس الرب جل وعلا لم يتكلم بها إنما حكى أو عبر عنه بها جبريل أو محمد عليهم الصلاة والسلام وهي معنى واحد لا تتبعض إن حكي أو عبر عنه بالعربية كان قرآناً ، وإن حكي أو عُبر عنه بالعبرية كان توراة ، وإن حكي أو عبر عنه بالسريانية كان أنجيلاً ، وهم يطلقون على القران أنه كلام الله لكنهم يريدون المعنى المجازي لا أن الله تكلم به حقيقة ويقولون إن كلام الله لا يتعلق بمشيئتة وقدرته فلا يتكلم الله عز وجل عندهم متى شاء كيفما شاء وإنما كلامه معنىً قديمٌ في نفسه ثابتٌ لا يتغير وإنما يختلف باختلاف لغة الحاكين أو المعبرين عنه فإن حكوه أو عبروه عنه بالعبرية كان توراةً 00الخ والماتريدية مثلهم أو قريباً منهم 0
والفرق بين الكلابية والأشاعرة /
1-أن الكلابية وهم اتباع محمد بن سعيد بن كلاب يقولون المعنى القائم بنفس الرب جل وعلا أربعة معان ( خبرٌ واستخبار وأمرٌ ونهي ) وقال الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري هو معنىً واحد ومؤداه بأربعة معان أي أن جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام هم الذين أدوه بأربعة معانٍ وإلا فإن المعنى القائم بنفس الرب هو معنىً واحد لا يتجزأ لأنه لو تجزأ لأشبه كلام المخلوقين كذا يقولون ، والحقيقة أن هذا لا يقول به عاقل فكيف يكون الأمر هو بعينه النهي وهو الخبر وأن معنى قوله تعالى (( ولا تقربوا الزنى )) هو بعينه معنى قوله تعالى (( وأقيموا الصلوة )) ولكنه الهوى إذا أشربه قلب صاحبه جعله يقول الأعاجيب ويخترع الضلالات دفاعاً عنه 0
2-الكلابية يقولون : القران حكايةٌ عن كلام الله والأشاعرة يقولون : هو عبارةٌ عن كلام الله 0 والفرق بين الحكاية والعبارة أن حكاية القول أي تقليده تماماً فالكلابية يقولون إن جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام أدوا كلام الله طبق ما هو موجودٌ في نفس الله الحروف والمعاني ، وأما العبارة عند الأشاعرة فمعناها أن جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام عبرا المعنى القائم في نفس الرب جل وعلا بألفاظٍ من عندهما فلا يلزم المطابقة في اللفظ وإنما في المعنى 0
الفرق بين المعتزلة والأشاعرة /
( قال بن عثيمين : الفرق بين المعتزلة والأشاعرة أن المعتزلة يقولون ما في المصحف هو كلام الله لكنه خلقه في المصحف ولم يتكلم به ، والأشاعرة يقولون ليس هو كلام الله وإنما هو عبارة عن كلام الله وليس هو نفس اللفظ والمعتزلة يقولون إنه نفس اللفظ لكنه غير ملفوظ وإنما مخلوق )
ومذهب الاتحادية / أن كل كلام في الوجود هو كلام الله نظمه ونثره وحقه وباطله وسحره وكفره والسب والشتم 00الخ
ومذهب الكرامية / أنه كلام الله بحرفٍ وصوت لكنه حادث ( بمعنى أنه ليس من صفات الذات بل من صفات الفعل ) ففارقوا أهل السنة في هذا لأن أهل السنة يقولون هو صفة ذاتٍ وفعل فمن صفات الله الذاتية أنه متكلم ومن صفاته الفعلية أنه يتكلم متى شاء مع من يشاء كيفما يشاء 0
ومذهب السالمية / أن الكلام بحرفٍ وصوت لكنه قديم ( بمعنى أنه صفة ذات لا صفة فعل ) فهو عكس قول الكرامية تماماً والرد عليهم كالرد على الكرامية وزادوا على الكرامية بقولهم إن الحروف تخرج جميعاً بصوتٍ واحد فقوله تعالى (( أنلزمكموها )) خرجت الألف مع النون مع الام مع الزاي 00000الخ جميعاً وليست متتابعة لأنا لو قلنا بالتتابع لقلنا بالحدوث وقيام الحوادث في ذات الله ممتنع 0 والصحيح أن قولهم هو الممتنع فلا يدرك عقلاً ولم يرد شرعاً أن الحروف تخرج جميعاً بلا تتابع 0
ومذهب الفلاسفة / أنه معانٍ فاضت على نفوسٍ زكية بحسب استعدادها وقبولها فيوجب لها تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته منه والفرق بين التصور والتصديق أن في التصور يعرف الإنسان الصورة وأما في التصديق فلا يعرف الصورة ولكن يحكم عليها 0
وهذه كلها خيالات وفلسفات تبعد المسلم عن اليقين وعن حلاوة الإيمان بالله والتلذذ بكلامه وتوقعه في الإثم ، وكل ذلك ضلال وزيغ . وهذه الفرق استهانت بالقرآن وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معاني غير مقصودة وأنه إشارات ورموز باطنية لا يعلمها إلا قلةً ممن ينتخبونهم فلم يعد كتاب هدىً للبشرية عندهم بل صرَّح بعضهم بأن ظاهر القران كفر وأنه فتنةٌ وضلال والعياذ بالله فانظر كيف تدرج بهم الشيطان حتى أوقعهم في الضلال المبين والانحراف عن الصراط السوي المستقيم 0
(( جواز التفضيل بين سور وآيات القران ))
يجوز التفضيل بين آيات وسور القران بحسب ما ورد في النصوص ومن ذلك ما يلي :
1-عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي ، فقال: ألم يقل الله تعالى ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ) (لأنفال: من الآية24) ( ثم قال لي لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل ( لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) رواه البخاري
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ ( قل هو الله أحد ) يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) رواه البخاري
3-عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس فأقرأني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ) فأقيمت الصلاة فتقدم فقرأ بهما ثم مر بي فقال ( كيف رأيت يا عقبة بن عامر اقرأ بهما كلما نمت وقمت ) رواه أبو داود والنسائي وحسن إسناده الألباني
4-عن أبيُّ بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال : قلت الله ورسوله أعلم ، قال يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم قال قلت : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال فضرب في صدري وقال ( والله ليهنك العلم أبا المنذر ) رواه مسلم وغير ذلك 0 (( المحكم والمتشابه في القران ))
الإحكام له معنيان :
المحكم بالمعنى العام / أي المتقن في ألفاظه ومعانيه وأحكامه وأخباره الذي لا يحتمل الكذب ويميز به بين الحق والباطل قال تعالى{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (1) سورة يونس وقال تعالى (( كتابٌ أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيمٍ خبير )) سورة هود 1 فالقران كله محكم بهذا المعنى العام 0
والمحكم بالمعنى الخاص / قيل هو ما عرف المراد منه وقيل هو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً وقيل هو ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان ( مباحث في علوم القران للقطان ص221 )
والتشابه له معنيان :
التشابه بالمعنى العام / أن بعضه يشبه بعضًا في أوامره وزواجره وأخباره وأمثاله فلا اضطراب بين آياته بل يصدق بعضه بعضًا ، ويوافق بعضه بعضًا ، فهو متشابه في الكمال والحسن والبلاغة والإعجاز والإتقان 0
التشابه بالمعنى الخاص / قيل هو ما استأثر الله بعلمه وقيل هو ما احتمل أكثر من وجه وقيل هو ما يحتاج إلى بيانٍ برده إلى غيره ( مباحث في علوم القران للقطان ص221 )
فتبين بهذا أن التشابه الخاص ليس وصفًا للقران وإنما هو وصفٌ لبعض قراءه وذلك لقلةٍ في العلم وضعفٍ في الفهم ، والواجب أن يُرَدَ المتشابه إلى المحكم لا أن تضرب الأدلة بعضها ببعض قال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران وعن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم ) متفق عليه
(( خطط الكفرة والمبتدعة للصدِّ عن كتاب الله ))
أما الكفرة من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم فلا شك أنهم أعداءٌ لله ورسوله وكتابه وسيسعون جاهدين للصد عن سبيل الله كما قال تعالى ((يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32) وقال تعالى (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8) ومن أقوالهم :
1-أن هذا القران من اختراع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (5) سورة الفرقان ولو كان من اختراعه كما يقولون لما تباطأ في الذب عن عرضه حين أتهم ، وكذا في قصة أصحاب الكهف وفي وقائع كثيرة حتى قال الكافرون في بعضها قد ودعه ربه وقلاه فأنزل الله ((ما ودعك ربك وما قلى))
وقد ورد في القران عتابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم كما في سورة عبس وفي فداء الأسرى يوم بدر وفي الإذن للمتخلفين في غزوة تبوك وغيرها فهل يصلح أن يعاتب نفسه ، ولقد كانوا يلقبونه بالصادق الأمين لصدقه وأمانته فكيف يترك الكذب عليهم ويكذب على رب العالمين ، ثم كيف عجزوا عن الإتيان بمثله لو كان كلامه وهو بشرٌ مثلهم 0
2-أنه تلقاه عن حدادٍ رومي كان بمكة كما قال تعالى {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (103) سورة النحل
3-إحداث أصوات مزعجة لئلا يسمع الناس القران كما قال تعالى (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت:26) وأما المبتدعة من الجهمية والمعتزلة فقد صدوا اتباعهم كذلك عن الانتفاع بالقران وقالوا ليس هو كلام الله وإنما هو مخلوق وقال الأشاعرة والكلابية والماتريدية ليس هو كلام الله الحقيقي إنما هو حكاية أو تعبير عن كلام الله ، ولا شك أن في هذه الأقوال تقليلٌ من قدر القران وصدٌ عن التلذذ بقراءة كلام الرحمن إذ فرقٌ بين أن يقال لك هذا كلام الله أو يقال هذا من مخلوقات الله أو كلام مخلوقٍ حكى أو عبر عن مراد الله 0
ثم جاء أخبث منهم وأشد في ذلك ألا وهم الشيعة الباطنية فإنهم قالوا بتحريف القران فلما رأوا أن الناس قد نفروا منهم لأن اليهود والنصارى لا يرضون أن يقول أحدٌ عن كتابهم أنه محرف فكيف بالمسلمين فالقول بتحريف القران نسف وإبطالٌ للدين فإذا كان أعظمُ كتابٍ في هذا الدين محرف وفيه أباطيل فهذا الدين محرف وفيه أباطيل فلا يصلح ديناً ، فهذا القول من أشنع ما يكون وأبطله ولا يقبله مسلمٌ عنده ذرةٌ من عقل ، فلما رأوا أن الناس قد تركوهم ، رجعوا عن القول بالتحريف واتخذوا قولاً آخر يمكن أن يندرج على الحمقى والمغفلين وهو القول بأن للقران تفسيراً باطناً غير هذا التفسير الظاهر ثم إن هذا التفسير الباطن لا يعلمه إلا الأئمة أو من ينوب عنهم في الغيبة ، فيحرِّف تفسير القران على ما يوافق مذهبه الباطل فمثلا قول الله تعالى (( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:158)
فتفسيرها يفهم بمعرفة سبب النزول وذلك أن المشركين قبل الفتح كانوا قد جعلوا صنماً على الصفا وآخر على المروة فكان طوافهم حول الصفا والمروة لهذين الصنمين فلما أُمِرَ المؤمنون بالحج والعمرة تحرجوا من الطواف بالصفا والمروة لما كان فيهما من الأصنام فأخبرهم المولى جل وعلا أن الطواف بالصفا والمروة هو في الأصل من شعائر دين الله ولا يضركم ما أحدثه المشركون من الأصنام فلا حرج عليكم أن تطوفوا بهما ، فهذا هو تفسيره عند أهل السنة وهو يوافق ظاهر الآيات وواضحٌ من سياقها بعد معرفة سبب النزول ، ولكن جاء المبتدعة من الشيعة الباطنية وقالوا لا ليس تفسيرها هكذا إنما هذا تفسير أهل السنة الجهلة الذين لايعرفون بواطن التفسير إنما تفسيرها (( إن الصفا والمروة )) علي وفاطمة (( من شعائر الله )) من دينه أي ينبغي أن تتقربوا إليهم وتستشفعوا بهم عند الله وقالوا مثل ذلك في تفسير قول الله تعالى (( مرج البحرين يلتقيان )أي علي وفاطمة (( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان )) أي الحسن والحسين 0
ومن تأويلاتهم الضالة قالوا الجبت والطاغوت: أبو بكر وعمر ، والمستقر والمستودع الأئمة النطقاء ، وبسم الله الرحمن الرحيم الأئمة السبعة ، وما من دابة في الأرض قالوا: هذه دعاتهم ، والصوم كتمان علم الباطن وأسرار الأئمة ، والحج السفر إلى مشايخهم ونحو ذلك مما لا يرد في ذهن عاقل ، وتفسيراتهم هذه لا تصلح لا لغةً ولا عرفاً ولا شرعاً ولا على أي اعتبار، لكن المسألة عندهم مسألة انتصار للمذهب وقلب للمفاهيم فجعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً وجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، نكسوا وقلبوا المعاني وسموه علم الباطن وإنما هو علم الباطل والكفر والزندقة التي يدينون بها 0
ثم جاء العلمانيون بتفسيرٍ جديد ففسروا قوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب قالوا الجلباب هو ما يغطي من الجسد ما يتكون من جلدتين كالإبطين والثديين والفرجين ليجيزوا للمرأة كشف ما عداه ، وقالوا إن الحدود كقطع السارق ورجم الزاني ونحوها إنما تصلح للمجتمع الوحشي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أما نحن الآن في عصر التقدم والحضارة فلا تناسب مثل هذه الحدود ، وقال بعضهم إنما جعلت في ذلك الزمن لقلة المادة ولعدم وجود السجون ونحوها فشرعت للتخلص من المجرمين أما الآن فهناك سجون وعقوبات متنوعة هي أجدى وأنفع من الحدود بزعمهم ، وقالوا إنما حرم الخنزير في ذلك العصر لكونه يأكل النجاسات وأما الآن فيربى في الحدائق البهية ويطعم من المأكولات النظيفة ولذا يحل أكله ، وقالوا إن الصلاة إنما شرعت لأن ذلك المجتمع لم يكن يعرف الرياضة والإنتظام فشرعت تنظيماً لوقتهم ورياضةً لأبدانهم وأما الآن فالناس يمارسون أنواع الرياضة وأوقاتهم منظمة فلا يحتاجون إلى الصلاة ، وأما الحج فيمكن للشخص أن يطوِّف عقله في مجال المعرفة فيكفيه عن السفر والتطوف حول الكعبة وهكذا من الخزعبلات التي يقولونها ويسمونها التفسير الجديد للنصوص ، وهذا كله من الكفر والضلال ، فينبغي الحذر من تفسير أهل الضلالة فإنهم لمَّا عجزوا عن تحريف ألفاظ القران عمدوا إلى تحريف معانيه وتفسيره بما يناسب أهوائهم 0
فينبغي على المسلم ألا يقبل التفسير إلا من أهل العلم الراسخين في العلم الموثوقين ديانةً وأمانة وألا يتلقف تفسير كل من تكلم في النصوص بعقله أو هواه أو أخذ بطرفٍ منها بغير علم كالخوارج حين انكروا الشفاعة لقوله تعالى {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (48) سورة المدثر ونسوا أن يضموا إليها بقية النصوص التي تثبت الشفاعة ليعلموا أن المراد بالآية الكافرين دون عصاة الموحدين ، وهكذا حكموا بخلود أصحاب الكبائر ومثلهم كثير من أهل البدع فينبغي التثبت فيمن يقبل تفسيره 0
((( الأصل الثاني للتلقي عند أهل العقيدة الصحيحة ( السنة )))
السنة / لغةً : الطريقة وأصلها من قولهم : سننت الشيء بالمسن إذا أمررته عليه حتى يؤثر فيه سناً أي طريقاً قال الخطابي : أصلها الطريقة المحمودة فإذا أطلقت انصرفت إليها وقد يستعمل في غيرها مقيدة كقوله صلى الله عليه وسلم ( من سن سنة سيئة ) ( انظر إرشاد الفحول للشوكاني )
اصطلاحاً / أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته عند الأصوليين وزاد المحدثين وصفاته الخُلُقِية والخِلْقية
وعند الفقهاء / السنة : ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها وتطلق على ما يقابل البدعة فيقال : فلان سني أو على السنة أو من أهل السنة .
(( حكم ترك الاحتجاج بالسنة بحجة أن القران يكفي ))
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أَلا إِنِّي أُوتِـيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَـرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 2643 ) في صحيح الجامع وقد روى عن علقمة عن عبد الله بن مسـعود رضى الله عنه أنه قال : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصـات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ، قال علقمة : فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن ، فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغـيرات خلـق الله ، فقـال عبد الله : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل { وَمـَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر/7] فقالت المرأة : فإني أرى شيـئا من هذا عــلى امرأتك الآن ، قال : اذهـبي فانظري ، قال : فدخلت على امــرأة عبد الله فلم تر شيئـا ، فجاءت إليه فقالـت : ما رأيت شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك لم نجامعها ) متفق عليه
(( طريقة أهل الباطل في صد اتباعهم عن السنة ))
لقد سعى الضلّال في صد اتباعهم عن السنة بطرقٍ شتى فمن ذلك :
1-القول أن رواتها مجروحين وأنهم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفروا بعد إسلامهم ولا يقبل من كافرٍ رواية ، وهو قول الروافض ومن سار على منهجهم ويقال لهم : يلزمكم على هذا القول أن لا تقبلوا القران لأن نقلته هم نقلة السنة ، وهذا من أبطل القول وأفسده فلا يلتفت إليه 0
2-القول أنها أخبار آحاد وأخبار الآحاد تفيد الظن ولا ينبغي العمل بالظنون 0
والجواب /
أن هذا القول باطلٌ أيضاً لأن معظم السنة أخبار آحاد والمتواتر منها قليل وفي ذلك اطراحٌ للسنة ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلى الملوك وإلى الناس يخبرهم بأمر الله وأمر رسوله ولو كان خبر الآحاد غير مقبولٍ لبعث ما يبلغ حد التواتر ولطلب الناس ذلك فلمَّا لم يفعل ولم يطلب الناس ذلك تبين أن خبر الآحاد مقبول ، والله جل وعلا بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام آحاداً إلى أقوامهم وألزم الناس بطاعتهم ، فتبين أن خبر الواحد الثقة يلزم قبوله 0
ملاحظة /
اختلفوا متى يبلغ الخبر حد التواتر ويزول عنه وصف الآحاد فقيل أربعين وقيل فوقه وقيل دونه ، ويلزم أن يكون هذا في كل الطبقات ، فلو قدِّر أنا وجدنا حديثاً قد رواه تسعة وثلاثون تابعياً عن مثلهم من الصحابة لم يقبل عندهم لأنه خبر آحاد لم يبلغ حد التواتر وكذا لو رواه ألف تابعي عن تسعةٍ وثلاثين صحابي لم يقبل لأن طبقة الصحابة لم تبلغ حد التواتر فالخبر حينئذٍ عندهم خبر آحادٍ لا يقبل فسبحان الله هل هذا إلا إسقاطٌ للسنة 0
والأشاعرة وغيرهم من أهل الكلام يردون السنة بحجة أنها خبر آحاد ثم يستدلون على تحريفهم للنصوص بأبيات نسبوها للأخطل وهي كذب لم ينقلها الثقات عنه ، ولا تعرف في ديوان ، وعلى فرضية صحتها فإنها خبر آحاد ، وهل خبرٌ ينقل عن الأخطل النصراني أولى بالقبول من خبرٍ ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيا عجباً لهذه العقول ، على أن الأخطل ليس عربياً وإنما هو من المولدين فأصله نصراني وقد ورد ما يدل على بقاءه على نصرانيته فهو القائل :
ولـست بقائمٍ كالعير يدعو قبيل الصبح حي على الفلاح ولست بصائمٍ رمضان طوعاً ولست بآكلٍ لحم الأضاحي ولست بسائقٍ عيساً بكوراً إلى بطحـاء مكة للنجاح ولكني سأشـربها شمـولاً وأسجد عند منبلج الصباح
3-القول أن المتواتر من الأحاديث ظني الدلالة ولو كان قطعي الثبوت بخلاف العقل فإنه قطعي الدلالة قطعي الثبوت فيقدم على الأدلة من الكتاب والسنة 0
وبهذا نسفوا المتواتر أيضاً فلم يبق للسنة عندهم أي قيمة ، وهذا من الضلال المبين الذي يلبِّسون به على السذج من اتباعهم.
4-القول أن عند أئمتهم ما يغني عنها وأنهم يتلقون عن الله مباشرة وأن أئمتهم معصومون من الخطأ ولذا كل قولهم صواب ولو ضاد الكتاب والسنة 0 وهذا لا يلتفت إليه عاقل 0
الإيمان والكفر
(( تعريف الإيمان وأركانه ))
الإيمان لغة: هو التصديق
وشرعاً: هو الاعتقاد بالجنان والقول باللسان والعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان 0 ولا تكتمل حقيقة الإيمان شرعاً إلا بأن نجمع بين الاعتقاد والقول والعمل 0
وأركان الايمان هي /
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره ودليله حديث جبريل عليه السلام وفيه قال ( فأخبرني عن الإيمان ) قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال ( صدقت ) متفق عليه
* * *
(( الأدلة على أن الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد ))
1-دليل أنه اعتقاد بالقلب قوله تعالى ( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (الحجرات: من الآية14) وقوله تعالى ( أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) (المجادلة: من الآية22) وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (المائدة: من الآية41) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ). رواه الترمذي وصححه الألباني انظر صحيح الجامع حديث رقم ( 7985 )
2-دليل أنه قولٌ باللسان قوله تعالى ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ.........) الآية (البقرة:136) وقال تعالى ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران: من الآية64) وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (13) سورة الأحقاف وقال صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله ( قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم وغيره وعن بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان بضع وستون أوقال بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله 000 ) الحديث متفق عليه فأمر الشارع بالقول ولم يكتف بمجرد ما في القلب.
3- دليل أنه عملٌ بالجوارح قوله تعالى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (البقرة: من الآية143) أي صلاتكم فعن بن عباس رضي الله عنهما قال : لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا يا رسول الله فكيف الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى (( وما كان الله ليضيع إيمانكم )) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني وعن ابن عباس أيضاً في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده ) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال ( شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ) متفق عليه وهذه كلها أعمال جوارح وقد سماها الشارع إيماناً ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم فجعل تغير المنكر ومجاهدة أصحابه باليد واللسان من الإيمان وهي أعمال جوارح 0
وإجماع السلف على ذلك ( انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي )
* * *
(( سبب عدم ذكر المتقدمين من علماء أهل السنة الإعتقاد بالجنان ))
لأن الإعتقاد بالجنان معناه النية وهي داخلةٌ في كل ما يتعبد به إلى الله إذ العمل بلا نيةٍ باطل قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) متفق عليه وإنما ذكرها المتأخرون لأن من الطوائف المبتدعة من أخرج النية وقال إن مجرد المعرفة تكفي فمن عرف الله فهو مؤمن ، وهذا من أبطل الباطل إذ فيه إبطالٌ للشرائع والرسالات فعادٌ وثمود وقوم صالحٍ وقوم لوط وفرعون وهامان وكفار قريش بل وحتى إبليس وجنوده وجميع الكفار كلهم يعرفون الله عز وجل ومن جحده منهم إنما جحوده عن عنادٍ واستكبار مع إقراره به في الباطن فعلى القول أن الإيمان هو المعرفة فيكون هؤلاء مؤمنون ويكون إرسال الرسل وإنزال الكتب وقيام الجهاد وسوق الجنة والنار كله عبث لا فائدة فيه فكل الناس مؤمنون 0
وهذا لا يقوله من عنده ذرةٌ من عقلٍ أو إيمان 0
وقد بيَّن كثيرٌ من العلماء أن قول السلف ( الإيمان قولٌ وعمل ) معناه : قول القلب واللسان ، وعمل القلب والجوارح 0
فالقول يطلق على أمرين: قول القلب ، وقول اللسان. والعمل يطلق على أمرين: عمل القلب ، وعمل الجوارح 0
فقول القلب / هو اعتقاده وتصديقه 0
وقول اللسان / نطقه وإقراره بلسانه بما يعتقده في قلبه 0
وعمل القلب / الإخلاص والمحبة والرضا الإنابة والخوف والرجاء ونحوها من أعمال القلوب التي يقتضيها هذا الاعتقاد 0
وعمل الجوارح / فعل المأمورات وترك المنهيات التي سببها هذا الاعتقاد 0
قال تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) أي صدق به في قلبه فكأنه يقول في قلبه صدقت فلذا سمي قول القلب ، ثم يظهر أثر هذا التصديق على قلبه فيحب ويبغض ويرجو ويخاف ويوقن ويخلص وفق هذا المعتقد فهذا عمل القلب ، ثم ينطق بلسانه بما يوافق هذا المعتقد فذا قول اللسان ، ويظهر على جوارحه فيعمل بما يقتضيه هذا الإيمان من طاعة الرحمن واجتناب العصيان فذا عمل الجوارح وفي حديث {الإيمان بضع وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان }رواه البخاري ومسلم فالأولى قول اللسان والقلب والثانية عمل الجوارح والثالثة عمل القلب
تنبيه / عمل الجوارح يشمل أمرين : عمل اللسان وعمل بقية الأعضاء
فعمل اللسان ما لا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وسائر الأذكار من التسبيح والتهليل والتكبير والدعاء والاستغفار وغير ذلك 0 وعمل بقية الجوارح ما يستلزم حركاتٍ بها كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والجهاد وترك المنهيات كالزنا والسرقة والربا ونحوها 0 فهذه كلها من عمل الجوارح وهي داخلةٌ في الإيمان لا تنفصل عنه 0
(( قول المرجئة في الإيمان ))
قد أخرجت المرجئة أعمال الجوارح من الإيمان وقالوا ( لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ) وعليه فإن إيمان جبريل ومحمد عليهم الصلاة والسلام عندهم كإيمان أفسق الموحدين صاحب الكبائر إذ الأعمال ليست من الإيمان 0 وهذا ظاهر البطلان 0
ولا يصح القول أن العمل شرط كمالٍ في الإيمان إذ الشرط يكون خارج المشروط ولا أنها من لوازم الإيمان أو من مقتضى الإيمان أو هي دليل على الإيمان إذ كل هذه من أقوال المرجئة الذين يخرجون الأعمال من الإيمان ثم يلبِّسون على أهل السنة بمثل هذه الأقوال ، فالأعمال من الإيمان وهي جزءٌ لا يتجزأ منه لا يتم إلا بها 0
ومن أقوال المرجئة ( الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد ) ومنها ( لا كفر إلا باعتقاد ) أو ( لا كفر إلا بجحود واعتقاد ) يريدون أن أعمال الجوارح لا فائدة فيها فلا ينفع فعل الطاعات وترك المحرمات ولا يضر ترك الطاعات وفعل المحرمات إذ الإيمان والكفر هو في الاعتقادات دون أعمال الجوارح 0
وعند أهل السنة الأعمال من الإيمان وعليه فمن ترك الأعمال بالكلية بلا عذرٍ فليس بمؤمن بل هو كافر ، وأما الأحاديث التي تثبت أن أقواماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيراً قط في أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة وغيرها وكقوله صلى الله عليه وسلم ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أونفسه ) رواه البخاري وكقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) متفق عليه فالمراد بها من ترك العمل لعذرٍ شرعي ولم يتمكن منه حتى مات ، فهذا معذور وعليه تحمل هذه الأحاديث كرجلٍ أسلم ونطق بالشهادتين معتقداً لهما مخلصاً لله عز وجل ثم مات في الحال ولم يتمكن من العمل فهذا يعذره ربه عز وجل ويدخله الجنة برحمته ، وأما من يترك الأعمال بالكلية بلا عذر فكيف يكون مؤمن إذ لا يمكن أن يتكلم بكلمة التوحيد عن صدقٍ وإخلاص ثم لا يصلي أبداً وهو قادر ولا يصوم ولا يحج ولا يزكي فهذا دليلٌ على عدم إخلاصه وعدم صدقه وأن قلبه ليس مستيقناً بكلمة التوحيد ولو كان قلبه مستيقناً بها لعمل بكل ما تتطلبه هذه الكلمة ، وقد وردت النصوص تبين أنه لا بد من القيام بالأعمال وأنه لا يستقيم الدين بلا أعمال كقوله تعالى{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف وقوله تعالى{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23) سورة الجاثية ومن ترك الأعمال بالكلية فقد اتخذ الهه هواه إذ قدَّم طاعة هواه على طاعة مولاه وقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} (77) سورة التوبة فهؤلاء عاقبهم الله لتركهم الصدقة وهي من الأعمال وقال تعالى{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء وقال تعالى {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (14) سورة النساء وقال تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان ونحوها من أدلة الوعيد التي رمى بها المرجئة عرض الحائط 0 وقد عدَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من نواقض الإسلام الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به واستدل بقوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (3) سورة الأحقاف فهذه الأدلة وغيرها مما لم نذكرها تدل على أن الأعمال من الإيمان وأن تركها خروجٌ عن الإيمان ، فيجب ضم الأدلة بعضها إلى بعض وأما الذين يستدلون ببعض الأدلة ويعرضون عن بعض فأولئك ينطبق عليهم قوله تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (85) سورة البقرة وقوله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (7) سورة آل عمران وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) متفق عليه وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به جمعاً بين النصوص وإيماناً بالكتاب كله 0 يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الخميس 23 يونيو 2011, 6:43 pm | |
| (( الخلاف مع مرجئة الفقهاء ))
المرجئة طائفتان /
الأولى / المرجئة الخلص وهم الذين يخرجون العمل من الإيمان ويرون أنه لا ينفع فعل طاعة ولا يضر فعل معصية وهؤلاء هم الذين تقدم الرد عليهم 0
الثانية / مرجئة الفقهاء وهم الذين يخرجون العمل من مسمى الإيمان لكنهم يرون وجوبه وأن ترك الطاعة وفعل المعصية فيه ضررٌ على صاحبه ، وقد سار على هذا القول بعض الأحناف رحمهم الله وعفا عنا وعنهم 0
وقد عدَّ بعض العلماء أن هذا الخلاف لفظيٌ لاتفاقهم مع الجمهور أن المسلم إذا فعل الواجبات أثيب عليها وإذا ترك شيئاً من الواجبات أو فعل المحرمات فإنه يأثم ويستحق العقاب 0
والحقيقة أن الخلاف ليس بلفظي لأمور /
1- أن مرجئة الفقهاء لم يتأدبوا مع ألفاظ النصوص فقد وردت النصوص تبين أن الأعمال داخلةٌ في الإيمان كقوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) (2-4) سورة الأنفال فبين الله تعالى أن هذه الأعمال كلها من الإيمان ومنها ما هو من أعمال الجوارح وقال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62) سورة النــور فجعل الاستئذان من الإيمان وهو من أعمال الجوارح وقال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (15) سورة الحجرات فجعل الجهاد من الإيمان وهو من أعمال الجوارح وقال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
فجعل التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وهو من أعمال الجوارح وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده ) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال ( شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس ) متفق عليه وهذه كلها أعمال جوارح وقد سماها الشارع إيماناً ، وقال عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم فجعل تغير المنكر ومجاهدة أصحابه باليد واللسان من الإيمان وهي أعمال جوارح 0 وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة ) وفي رواية البخاري ( بضعٌ وستون شعبة فأعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) فأعلى شعب الإيمان كلمة التوحيد وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبينهما شعب متفاوتة منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة ، فالصلاة شعبة والحج شعبة والزكاة شعبة والصوم شعبة وبر الوالدين شعبة وصلة الأرحام شعبة والجهاد في سبيل الله شعبة والأمر بالمعروف شعبة والنهي عن المنكر شعبة والإحسان إلى الجار شعبة وغير ذلك وقد أدخلها النبي صلى الله عليه وسلم كلها في مسمى الإيمان فكيف يقال إن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان ، فجمهور أهل السنة تأدبوا مع النصوص وأدخلوا الأعمال في مسمى الإيمان ومرجئة الفقهاء وافقوا النصوص في المعنى لكن خالفوها في اللفظ 0
2-أنهم فتحوا باباً للمرجئة الخلص فحين قال مرجئة الفقهاء : الأعمال ليست من الإيمان وإن كانت واجبة 0 قال المرجئة الخلص : بما أنها ليست من الأيمان وأن من تركها لا ينتفي عنه الإيمان فإذن لا يضر تركها فليست بواجبة 0
3-أنهم فتحوا باباً للفُسَّاق والعصاة فلما قال مرجئة الفقهاء : إن العمل ليس من الإيمان وأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص 0 قال الفساق : بما أن الإيمان واحد لا يزيد بالطاعة ولا ينقص بالمعصية فلماذا نفعل الطاعة ونتجنب المعصية فلنقتحم الكبائر ولنجتنب الطاعات فإن إيماننا لا يتأثر بالأعمال فليست داخلةً فيه ولا يزيد إيماننا ولا ينقص فسيظل إيماننا مهما ارتكبنا من الموبقات وتركنا من الفرائض والواجبات كإيمان جبريل ومحمد عليهم الصلاة والسلام وكإيمان أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما وهذا من أبطل الباطل 0
4-أن مرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء في الإيمان وهو قول القائل ( أنا مؤمن إن شاء الله ) لأن الإيمان عندهم شيء واحد هو التصديق ، فيقولون : أنت تعلم أنك مصدِّق بالقلب فكيف تقول : أنا مؤمن إن شاء الله. إذاًََ أنت تشك في إيمانك ، ولهذا يسمون المؤمنين الذين يستثنون في إيمانهم الشكَّاكة . وأما جمهور أهل السنة فإنهم يفصِّلون فيقولون : إن قال القائل ( أنا مؤمن إن شاء الله ) يقصد الشك في أصل إيمانه فهذا ممنوع ؛ لأن أصل الإيمان التصديق ، وأما إن نظر إلى الأعمال والواجبات التي أوجبها الله والمحرمات التي حرمها الله ورأى أن شعب الإيمان متعددة والواجبات كثيرة فالإنسان لا يزكِّي نفسه ولا يقول بأنه أدّى كل ما عليه بل يتهم نفسه بالتقصير وحينئذٍ يقول ( أنا مؤمن إن شاء الله ) لما يعلم من تقصيره في جنب الله فهذا لا بأس به بل هو حسن لأن فيه بعداً عن العجب المحبط للعمل . وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة وأن العاقبة لا يعلمها إلا الله ، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله 0
وبهذا يُعلم أن الخلاف ليس بلفظي 0
(( الأدلة على أن الإيمان يزيد وينقص ))
مذهب أهل السنة أن الإيمان يزيد حتى يبلغ كماله إذا جاء العبد بموجبات زيادته , وينقص حتى ينتهي كله إذا جاء العبد بموجبات نقصانه ، وهذا ما تواترت به الأدلة قال تعالى (( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً )) (المدثر: من الآية31) وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ } (4) سورة الفتح وقال تعالى ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ) (الأنفال: من الآية2) وقال تعالى{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (124) سورة التوبة وقال تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 1578 ) في صحيح الجامع وقال عليه الصلاة والسلام ( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني انظر حديث رقم (5965) في صحيح الجامع وقال عليه الصلاة والسلام ( الطهور شطر الإيمان ) رواه مسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميصٌ يجره) قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال ( الدين ) متفق عليه
وأما نقصان الإيمان فأدلته ما تقدم لأن كل ما يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان ، وأيضاً فقد قال صلى الله عليه وسلم ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) متفق عليه والمراد بالخير هنا الإيمان كما في الرواية الأخرى لحديث الشفاعة وفيه ( فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يارب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال ذرةٍ أو خردلةٍ من إيمان 000الخ ) متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ) فقلن : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال ( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ) قلن : بلى ، قال ( فذلك من نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى ، قال ( فذلك من نقصان دينها ) متفق عليه فتبين أن الإيمان يزيد وينقص وعليه إجماع أهل السنة سوى مرجئة الفقهاء 0
وقد قسم المولى جل وعلا المؤمنين إلى ثلاث مراتب قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (32) سورة فاطر فالظالم لنفسه المقصر في الفرائض والواجبات ، والمقتصد الذي اقتصر عليها دون النوافل ، والسابق بالخيرات الذي قام بالنوافل مع الفرائض 0
ولو كان الإيمان واحد لا يزيد ولا ينقص لكانوا في مرتبةٍ واحدة وهذا من الظلم الذي ينزه عنه دين الله عز وجل 0
(( الأدلة على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان ))
1-قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178) سورة البقرة فوصف القاتل بأنه أخٌ للمقتول مما يدل على أنه لا يزال على الإيمان مع اتصافه بالقتل الذي هو من كبائر الذنوب ومثل ذلك قوله تعالى{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات
2- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا اسمه عبد الله يلقب حماراً كان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تلعنوه فو الله ما علمت أنه يحب الله ورسوله ) رواه البخاري فشهد له بمقتضى الإيمان وهو محبة الله ورسوله رغم أنه شارب خمر التي شربها من كبائر الذنوب 0
3-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل أصحاب الكبائر معاملة المسلمين ولو انتفى عنهم الإيمان وصاروا كفاراً لما عاملهم معاملة المسلمين ولأمر بقتلهم ردةً لأن المرتد يقتل ، فلمَّا لم يفعل تبين أنهم على إيمانهم 0
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) متفق عليه فالمراد نفي كمال الإيمان لا أصل الإيمان جمعاً بين الأدلة ، إذ لو كان المراد نفي أصل الإيمان لقتلهم ردة ولما عاملهم معاملة المسلمين ولما نهى عن لعنهم كما في حديث عمر المتقدم 0
(( الأدلة على أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار ))
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة ) متفق عليه
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ) رواه النسائي وغيره وصححه الألباني
3- عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه في الدنيا فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ) متفق عليه
* * *
(( الفرق بين الإسلام والإيمان ))
إذا ذكر أحدهما دون الآخر فإن الآخر داخلٌ في معناه كقوله تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ ) (آل عمران: من الآية19) أي والإيمان وقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً ) (آل عمران: من الآية85) أي وغير الإيمان وقوله تعالى ( فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران: من الآية64) أي ومؤمنون وهكذا ، وأما إذا ذكرا جميعاً في نصٍ واحدٍ فيحمل كل واحدٍ منهما على معنىً خاص فيكون الإسلام معناه الأعمال الظاهرة من الشهادتين والصيام والصلاة والزكاة والحج وسائر أعمال الجوارح ، ويكون معنى الإيمان الأعمال الباطنة أي أعمال القلوب من التصديق والإقرار والمحبة والإنابة والرجاء والتوكل والخوف ونحوها كقوله تعالى ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) (الحجرات: من الآية14) ففرق بينهما وكذلك في حديث جبريل فإنه فسر الإسلام بأعمال الجوارح وفسر الإيمان بأعمال القلوب ، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا والإيمان أعلى من الإسلام فكل مؤمنٍ مسلم وليس كل مسلمٍ مؤمن .
(( أنواع الكفرالأكبر ))
1-كفر الإباء والاستكبار/ ككفر إبليس قال تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (34) سورة البقرة وقال تعالى{بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (59) سورة الزمر وقال تعالى{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئك أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (36) سورة الأعراف وقال تعالى{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (10) سورة الأحقاف إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن من الكفر ما هو ناتجٌ عن الإباء والاستكبار 0
2-كفر الجحود والعناد / كأن يجحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة كربوبية الله وألوهيته أو يجحد ملكاً من الملائكة أو رسولاً من الرسل أو كتاباً من الكتب المنزلة أو يجحد البعث أو الجنة أو النار أو الجزاء أو الحساب أو ينكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج أو وجوب الصوم أو يجحد وجوب بر الوالدين أو وجوب صلة الرحم أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة وجوبه أو يجحد تحريم الزنا أو تحريم الربا أو تحريم شرب الخمر أو تحريم عقوق الوالدين أو تحريم قطيعة الرحم أو تحريم الرشوة أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة تحريمه .
3-كفر الاعتقاد / كما لو اعتقد لله صاحبة ًأو ولداً أو اعتقد أن له شريكاً في الملك أو أن معه مدبرٌ في الكون أو اعتقد أن أحداً يشارك الله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله أو اعتقد أن أحداً يستحق العبادة غير الله فإنه يكفر بهذه الاعتقادات كفراً أكبر 0
4-كفر الإعراض عن دين الله / وهو الترك والرفض كأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به قال تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ} (3) سورة الأحقاف وقال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22) سورة السجدة
والكفر يكون بالفعل كما لو سجد للصنم أو فعل السحر أو دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله 0 ويكون بالقول كما لو سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} (66) سورة التوبة
ملاحظة:
لا فرق في ذلك بين الجاد والهازل والخائف إلا المكره لقوله تعالى{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (106) سورة النحل
(( أنواع الحكم بالتكفير ))
ينقسم التكفير عند أهل المعتقد الصحيح إلى قسمين :
الأول / التكفير بالوصف : ويراد به أن يكون الحكم بالكفر متوجهًا إلى القول أو الفعل لا إلى القائل أو الفاعل كقول ( من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه كفر ، ومن صرف عبادةً لغير الله أشرك ، ومن قال بخلق القرآن كفر ) ونحو ذلك ، يريدون بيان حكم هذه الأقوال والأفعال ، ولا يقصدون الحكم على المعين ، فقولهم : من قال بخلق القرآن فقد كفر ، لا يلزم منه تكفير كل قائل بذلك بعينه . وقولهم : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، لا يلزم منه تكفير كل مشبهٍ بعينه وهكذا 0
ويرجع في ذلك إلى الدليل فكل ما حكم الشارع بكفر فاعله فإنه يجوز القول من فعل كذا فهو كافر ، لكن لا نحكم على كل فاعلٍ بالكفر حتى تتوفر فيه شروط التكفير وتنتفي عنه موانعه 0
الثاني / التكفير بالعين : ويراد به الحكم على شخصٍ معينٍ بالكفر فهذا يشترط فيه النظر إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع ، فإنها قد تتوفر في شخصٍ فيحكم بكفره وتتخلف في آخر فلا نحكم بكفره ، ومرد هذا إلى الراسخين في العلم الذين يعلمون شروط وموانع الكفر وتطبيقاتها على المعين 0
تنبيه /
هذا فيمن يدعي الإسلام أما الكافر الأصلي فيحكم بكفره عيناً بلا بحثٍ عن تحقق الشروط وانتفاء الموانع إذ هو مقرٌ على نفسه بعدم الإسلام 0
* * *
(( الشروط والموانع التي يتوقف عليها كفر المعين ))
الأول / العقل وضده الجنون ، فالعقل شرطٌ والجنون مانع .فمن فعل شيئًا من المكفرات وهو مجنون فلا يحكم بكفره لفوات شرطٍ وهو العقل ، ووجود مانعٍ وهو الجنون 0
الثاني / البلوغ وضده الصغر ، فالبلوغ شرط والصغر مانع 0
الثالث / العمد وضده الخطأ أو النسيان أو الذهول وكالنائم يحتلم فيتكلم بالكفر ونحو ذلك فمن لم يكن متعمداً قول أو فعل الكفر وإنما صدر عنه عن خطأٍ أو نسيانٍ ونحوه فلا يحكم بكفره قال تعالى { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } (5) سورة الأحزاب {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (286) سورة البقرة وثبت عند مسلم وغيره أن الله تعالى قال ( قد فعلت ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المعتوه حتى يعقل ) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان راحلته بأرضٍ فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمةً عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه مسلم
تنبيه /
ما وقع فيه مؤولة الصفات قد يكون من هذا الباب فإن أهل السنة لم يكفروا الأشاعرة ونحوهم من المؤولة ويرون أنهم لم يتعمدوا تحريف الصفات وإنما أخطأو وظنوا أن التأويل تنزيهٌ للرب جل وعلا وليس كذلك بل فيه تنقصٌ للرب من حيث لم يشعروا ، فالمقصد أن التأويل السائغ وهو الذي ساعدته اللغة أو العرف أو العقل يكون مخالفة النص بسببه من باب الخطأ لا العمد والله تعالى أعلم 0
ويؤيده حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } (187) سورة البقرة أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال ( إن وسادك لعريض طويل إنما هو الليل والنهار ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 2275 ) فهنا تأول عديٌ رضي الله عنه ووافقته اللغة لأن الخيط يطلق على العقال ولم يتعمد مخالفة النص فعذر ، وهذا مثال التأويل باللغة 0
ومثال التأويل بالعرف حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناسٍ من جهينة فأتيت على رجلٍ منهم فذهبت أطعنه فقال لا إله إلا الله فطعنته فقتلته فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ( أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله ؟ ) قلت يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذاً قال ( فهلا شققت عن قلبه ) متفق عليه
والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل أسامة قصاصاً ولم يأخذ منه ديةً فدلَّ على أنه معذورٌ لأنه تأول بما يوافق العرف فإن من المتعارف عليه أنه لا يسلم أو يقر بشيءٍ تحت تهديد السلاح إلا المتعوذ يقول ذلك خوفاً من السلاح 0
ومثال التأويل بالعقل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أسرف رجلٌ على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ففعلوا ذلك به فقال الله للأرض أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال خشيتك يا رب فغفر له بذلك ) متفق عليه فهذا لم ينكر مطلق القدرة لكنه ظن بعقله أنه حين يُفْعَلُ به هذا الصنيع أن الله لا يقدر على جمعه والعقل يحيل جمع شيءٍ قد حُرِّق وسحق وذر في البحر لكن قدرة الله فوق العقل ، وعذره الله بهذا التأويل 0
الرابع / العلم وضده الجهل ، فالعلم شرطٌ والجهل مانع قال تعالى{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء وقال تعالى{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء فنفى الله العقوبة عن الذي لم تبلغه دعوة الرسل ، ومن باب أولى نفي العقوبة عمن كان مؤمنًا بالله ورسوله ولم يبلغه بعض ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من المكفرات ففعلها جهلاً بها 0
غير أن باب العذر بالجهل ليس مفتوحاً على مصراعيه فمن كان في بلادٍ فيها علماء ويستطيع الوصول إليهم والسؤال عما أشكل عليه أو كان في بلادٍ فيها مسلمين ومعروفٌ عندهم أن هذا الأمر مكفر فلا يعذر بالجهل حينئذٍ إذ هو ناتجٌ عن تقصير والله تعالى أعلم 0
الخامس / الإرادة وضدها الإكراه ، فالإرادة شرط والإكراه مانع قال تعالى {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (106) سورة النحل وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه أحمد وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 1731 ) في صحيح الجامع
التوحيد والشرك
((( تعريف التوحيد وأقسامه )))
التوحيد / لغةً : مصدر وحد يوحد توحيداً وموحداً أي جعله واحداً أي فرداً 0
اصطلاحاً / إفراد الله في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته فلا يشرك معه غيره فيها 0
والتوحيد ثلاثة أقسام :
1-توحيد الربوبية / وهو إفراد الله بالخلق والرزق والتدبير وهو توحيد الله بأفعاله 0
2-توحيد الألوهية / وهو إفراد الله بالعبودية وهو توحيد الله بأفعال العباد 0
3-توحيد الأسماء والصفات / وهو إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا 0
وبعضهم يجعله قسمين :
1-توحيد المعرفة والإثبات ، ويشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات . 2-توحيد القصد والطلب ، وهو توحيد الألوهية .
ومنهم من يقسمه إلى أقسامٍ أخرى وكلها ترجع إلى معنىً واحد ، والتقسيم الأول هو أشهرها وأوضحها وأبينها للمراد ، وهذه التقسيمات لم يرد بها نصٌ وإنما هي اجتهاداتٌ من العلماء رحمهم الله إذ أصل التوحيد واحد وإنما قسمه العلماء لمَّا رأوا أن أقواماً من هذه الأمة آمنوا ببعض التوحيد وكفروا ببعض وظنوا أنهم موحدون وليسوا كذلك فاضطر ذلك العلماء أن يقسموا التوحيد ليبينوا لهؤلاء أنهم إنما آمنوا بجزءٍ دون جزء ، ولا يكون الإنسان موحداً حتى يؤمن بالتوحيد كله فمن آمن بتوحيد الربوبية ولم يؤمن بتوحيد الألوهية فليس بموحد ومن آمن بهما وكفر بتوحيد الأسماء والصفات فليس بموحد وكذلك العكس حتى يؤمن بها جميعاً 0
توحيد الأسماء والصفات
المدخل لمعرفة توحيد الأسماء والصفات
العلم نوعان /
1- علم الماديات وهو العلم بما خلق الله في الكون والطبيعة 0
2- علم الشرعيات وينقسم إلى نوعين : علمٌ بالله وأسمائه وصفاته ، وعلمٌ بشرائع الله وأوامره ونواهيه ، والأول هو الأعظم لأنه علمٌ يتعلق بأشرف وأجل وأكرم معلوم وهو الله جل في علاه 0
(( عقيدة أهل الحق في أسماء الله وصفاته ))
يثبت أهل الحق لله جل وعلا ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلا من غير تمثيل ولا تكييف ، ومن غير تأويلٍ ولا تحريف على حدِّ قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(الشورى 11) وينفون عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات التي لا تليق به جل وعلا 0 فإثباتهم بريءٌ من التمثيل والتكييف ، وتنزيههم بريءٌ من التعطيل والتأويل والتحريف 0
والتمثيل / هو تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا منفيٌ عن الرب جل وعلا قال تعالى{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى وقال تعالى{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) سورة الإخلاص قال في الجلالين أي مكافئا ومماثلا وقال تعالى { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (65) سورة مريم قال بن كثير: قال ابن عباس: هل تعلم للرب مثلاً أو شبيهاً وهو قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم وقال تعالى{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ } (74) سورة النحل قال بن كثير : أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً وقال القرطبي : أي لا تشبهوا به هذه الجمادات لأنه واحدٌ قادرٌ لا مثل له 0
وقد تقرر في العقول السليمة أن الصفة تختلف باختلاف من أضيفت إليه ، فليست يد الفيل كيد النملة ، ولا جناح البعوضة كجناح النسر ، ولا قوة الأسد كقوة الهر 000الخ
فإذا كان هذا الاتفاق في المسميات لا يلزم منه الاتفاق في الصفات فيما بين المخلوقات فكيف يكون ذلك لازمًا بين الخالق الكامل من كل الوجوه والمخلوق الناقص من كل الوجوه 0
والتكييف / التخييل بصفةٍ لا مثيل لها كأن يقول إن يد الله صفتها كيت وكيت بكيفيةٍ يخترعها في مخيلته لا مثيل لها في المخلوقات 0
والتأويل / له ثلاثة معان :
الأول / حقيقة الشيء التي يؤول إليها أي يصير ويقع ، وهذا هو معنى هذه اللفظة في نصوص الوحيين فتأويل الأمر إيقاعه بعده قالت عائشة رضي الله عنها ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ) متفق عليه أي يوقع حقيقة ما أمر به فيه ، وتأويل الرؤيا وقوعها قال يوسف عليه الصلاة والسلام {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } (100) سورة يوسف ، وتأويل الخبر وقوع حقيقته قال تعالى مهدداً الذين ينكرون اليوم الآخر ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ) (الأعراف: من الآية53) أي هل ينتظرون إلا وقوعه كما أخبرنا بأهواله وما فيه ، وقال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية78) أي سأخبرك بحقيقة ما ستكون عليه الأمور التي أنكرتها، ثم قال بعد أن بين له حقيقتها ( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف: من الآية82) أي هذا الذي بينته لك هو الحقيقة التي يؤول إليها ما فعلته 0
الثاني / التأويل بمعنى التفسير ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبن عباس ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) أي تفسير القرآن
الثالث / صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح أو عن الحقيقة إلى المجاز لدليلٍ يقترن به كتأويلهم استوى في قوله تعالى (( الرحمن على العرش استوى )) بأن معناه ( استولى ) وقالوا إنما صرفنا اللفظ لدليل وهو تنزيه الرب عن مشابهة المخلوقين لأن معنى استوى الظاهر أي علا واستقر والمخلوق يعلو ويستقر ففي ذلك مشابهةٌ للمخلوق وقد ورد عند العرب تفسير ( استوى ) ب ( استولى ) قال الأخطل:
قد استوى بشرٌ على العراق من غير سيفٍ أو دمٍ مهراق / أي استولى
والجواب /
أن استواء الله يليق بجلاله وعظمته واستواء المخلوق يليق بضعفه وعجزه فلا مشابهة ، والبيت لنصراني على أنه قد قيل إن هذا البيت لا أصل له وإنما هو من اختراع المؤولة ليستدلوا لمذهبهم ، لكن على فرض صحته فإن معناه أي قد علا واستقر بشرٌ على حكم العراق وحينئذٍ يكون تفسير استوى باستولى لا أصل له في اللغة ، فبطل ما ادعوه دليلاً صارفاً إلى المعنى المرجوح وهكذا في سائر أدلتهم التي صرفوا بها أسماء الله وصفاته عن حقيقتها اللائقة بها إلى معاني مخترعة زعموا أن فيها تنزيهاً لله فعطلوها وحرفوها ، تنزه الله عن تنزيههم 0
وهذا النوع الثالث من التأويل لم يكن معروفاً عند السلف وإنما أحدثه المتأخرون وهو من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً فإن كان هذا الصرف بمقتضى الدليل الصحيح الصارف عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح فإنه يقبل كقوله تعالى { نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ } (67) سورة التوبة .
فالنسيان يطلق في لغة العرب على معنىً راجح وهو الذهول والغفلة وعلى معنىً مرجوح وهو الترك والتخلية ، والأصل أن تحمل ألفاظ الشارع على المعنى الراجح لكن قد جاءنا دليل صارف عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح وهذا الدليل صحيحٌ صريح قال تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم فنفى عن نفسه النسيان المعروف فعلمنا أنه أراد بالآية الأولى المعنى المرجوح للنسيان وهو الترك فأخذنا به 0
فإذا كان التأويل بمقتضى دليلٍ صحيح فإنه يقبل وأما وإن كان مبناه على التخرص والهوى بلا دليلٍ فهو مردود وهو وإن سموه تأويلاً ليروج وتقبله النفوس إلا أنه في حقيقته تحريف ، لأن هذا الصرف الذي لا دليل عليه تحكمٌ في كلام المتكلم بلا إذن منه وهذا لا يجوز في آحاد كلام البشر فكيف بكلام الله جل وعلا 0
والتعطيل / لغةً مأخوذٌ من العطل وهو الخلو والفراغ والترك ومنه قوله تعالى (( وبئرٍ معطلة )) ( الحج45 ) أي خاليةً من الورَّاد قد تركها أهلها 0
والتعطيل اصطلاحاً / إنكار وجحود أسماء الله وصفاته كجحد المعتزلة أن الله يتكلم وقولهم أن القران مخلوق ونحو ذلك0
تنبيه /
ليست المعطلة في هذه الأمة فحسب بل هي موجودةٌ في الأمم السابقة كاليهود فإنهم أنكروا أن يكون الله قد أنزل كتباً على بشر تنزيهاً لله بزعمهم عن الإيحاء إلى البشر ، ولقد ردَّ الله عز وجل عليهم فقال تعالى {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (91) سورة الأنعام لأن حكمته ورحمته وعفوه وكرمه بعباده يقتضي أن يرسل إليهم رسلاً وينزل عليهم كتباً ليدلوا عباده على الطريق الصحيح والصراط المستقيم ، فنزه الله نفسه عن تنزيههم ، وهكذا سائر المعطلة الذين يعتقدون أنهم ينزهون الله وهم في الحقيقة يصفونه بالنقائص فكيف يكون إلهاً لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر أي خيرٍ في هذا الإله ، ولقد عاب الله عز وجل على بني إسرائيل عبادتهم للعجل فقال { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } (148) سورة الأعراف وقال الخليل عليه السلام { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} (42) سورة مريم
والتحريف / لغةً : التغيير والتبديل
واصطلاحاً / قسمان :
1- تحريف ألفاظ الأسماء الحسنى والصفات العلى بزيادةٍ أو نقصٍ أو تبديل كزيادة الجهمية ومن سار على منهجهم كالمعتزلة والأشاعرة لاماً في استوى لتصبح استولى بزيادة لام فهذا تحريف لفظ ، وكقول اليهود حنطة لما قيل لهم قولوا حطة بزيادة نون ولذا قال ابن القيم رحمه الله :
أمـر اليهود بأن يقولوا حطةٌ فأبوا وقالوا حنطةٌ لهـوان وكـذلك الجهمي قيل استوى فأبى وزاد الحرف للنكـران نون اليهودِ ولام جهميٍ هما في وحي رب العرش زائدتان
وقد تكون الزيادة كلمةً كاملة كزيادة ( أمر ) في قوله تعالى {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (22) سورة الفجر لتكون ( وجاء أمر ربك ) فهذا تحريف لفظٍ ، وتحريف اللفظ يقتضي تحريف المعنى 0
2-تحريف المعنى دون اللفظ كتفسيرهم قوله تعالى { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (164) سورة النساء قالوا معناها : جرحه بمخالب الحكمة تجريحا وكتفسيرهم الغضب بإرادة الانتقام واليد بالنعمة أو القدرة ونحو ذلك فهذا تحريفٌ للمعنى دون اللفظ 0 وكلا التحريفين ضلالة 0
والفرق بين التعطيل والتحريف أن التعطيل نفيٌ مجرد بلا إثبات ، والتحريف نفيٌ للحق وإثباتٌ للباطل ، نحو صفة اليد فالمعطل يقول لا يد له والمحرف يقول لا يد له إنما أراد باليد القدرة 0
تنبيهات /
أولاً : المعطلة لهم عباراتٌ عجيبة في إنكارهم للصفات فينبغي الحذر منها كقولهم ( سبحان من تنزه عن الأبعاض و الأعراض والأغراض ) ويريدون بالأبعاض صفات الذات كالوجه واليدين والعينين ويقولون إن هذه أبعاض أي أجزاء جسم والله منزهٌ عن الأبعاض والجسم ، وأما الأعراض فهي صفات الفعل لأن الفعل له بدايةٌ ونهاية فهو عرضٌ يزول والله منزهٌ عن هذا ثم إن الأعراض لا تقوم إلا بأجسام والأجسام متماثلة والله منزهٌ عن المثيل ، وأما الأغراض فهي الحكمة فالله منزهٌ عن الحكمة لأنه لو فعل شيئاً لحكمة دلَّ على أنه محتاجٌ لهذا الغرض والله منزهٌ عن الإحتياج للأغراض 0
والجواب / أن نقول ( تنزه الله عن تنزيهكم ) فإنكم جعلتموه عدماً فسلبتموه صفات الذات وصفات الفعل بل وحتى الحكمة بحجة تنزيه الله عن مشابهة الخلق ، ومن قال لكم أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه فهاهي المخلوقات لها صفات لا تتشابه فوجه الفيل ليس كوجه النملة وجناح النسر ليس كجناح النحلة ورقبة الزرافة ليست كرقبة الشاة فهذه في صفات الذات وفي صفات الفعل ليس جري الفهد كجري السلحفاة ولا ضربة الأسد كضربة الهر ، قال تعالى{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ } من الآية (45) سورة النــور وحتى من يمشي على صفةٍ معينةٍ هم مختلفون فالإنسان مثلاً يمشي على رجلين والدجاجة تمشي على رجلين ومع ذلك فليست رجلي الدجاجة كرجلي الإنسان ، فإذا كانت هذه المخلوقات لا يستلزم إثبات الصفات لها التماثل فكيف بين الخالق والمخلوق 0
ثانياً / كل قولٍ لا بد له من لوازم تترتب عليه ، لكن ليس كل من ذكر لازم قولٍ أن يكون اللازم الذي ذكره صحيحاً فمثلاً قول المعطلة يلزم من الإثبات التمثيل هذا لازمٌ باطل لأنه يمكن أن نثبت بلا تمثيل ، ويمكن أن يكون اللازم المذكور صحيحاً فنحن نقول يلزم من قول نفاة الصفات أن الكتاب والسنة لم يبينا الحق بل كتما وأتيا بألغازٍ ومجازاتٍ تأويلها خلاف ظاهرها ، ويلزم منه أيضاً أن الكتاب والسنة يدعوان إلى الكفر بظواهرهما فإن إثبات ظاهر قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه كفرٌ وردةٌ لأنه تمثيلٌ وتجسيم بزعمهم وهكذا بقية نصوص الصفات ، فهذا لازمٌ صحيح ، ولأجل التوضيح نقول : إذا ألزم الخصم القائل بلازمٍ فإما أن يقرَّ بهذا اللازم وحينئذٍ إما أن يقرَّ أن هذا اللازم يفسد قوله وحينئذٍ يلزمه الرجوع عن قوله أو يقول لا يفسد قولي ويبين وجه عدم إفساد قوله بهذا اللازم ، وإما أن لا يقرَّ باللازم من الأصل وحينئذٍ يلزمه بيان عدم إلزام قوله بهذا اللازم 0
ثالثاً / قوله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} من الاية (11) سورة الشورى قيل إن مثل بمعنى صفة كقوله تعالى {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } من الاية (35) سورة الرعد أي صفة الجنة ، وحينئذٍ تكون الكاف في الآية الأولى زائدة والمعنى ليس كصفته شيء وقيل المعنى ( ليس كذاته شيء ) وقيل المراد نفي المماثلة والكاف للتوكيد ويكون المعنى ( ليس له مثيل ) وقيل الكاف للتمثيل ويكون المعنى ( ليس مثل مثله شيء ) ونفي مثل المثل أعظم من نفي المثل ، ولكن هذا القول عندي لا يجوز لأن فيه إثبات مثيل لأن معناه مثيل الله ليس له مثيل وهذا باطل إذ ليس لله مثيل ، وحينئذٍ يكون أرجح الأقوال أن الكاف للتوكيد والمثل للماثلة فالآية تؤكد نفي المماثلة 0
(( مراحل التعطيل ))
المرحلة الأولى / التعطيل الكلي للأسماء والصفات وأول من عرف بالتعطيل في هذه الأمة الجعد بن درهم وأخذها عنه تلميذه الجهم بن صفوان وهو الذي نشرها ولذلك تنسب إليه فيقال الجهمية ، ولقد انتقم الله عز وجل منهم في الدنيا قبل الآخرة فقام خالد بن عبد الله القسري أمير العراق في زمن هشام بن عبد الملك بقتل الجعد بن درهم في يوم الأضحى سنة 119هـ قال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحىٍ بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً ثم نـزل فذبحه ، وأما الجهم بن صفوان فقتله سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر بن سيار في خراسان سنة 128هـ 0
المرحلة الثانية / تعطيل الصفات دون الأسماء وأول من أسس هذا المذهب واصل بن عطاء وكان من تلاميذ الحسن البصري فاعتزل مجلسه واتخذ حلقةً لوحده وكان الحسن يقول اعتزلنا واصل فسميَّ اتباع واصل وتلاميذه بالمعتزلة وقد نشر هذا المذهب بشر بن غياث المريسي وكان صاحب جدل فأقنع به بعض حاشية المأمون كأحمد بن أبي دؤاد وغيره الذين بدورهم أقنعوا المأمون فاتخذه مذهباً وألزم الناس بالدخول فيه جبراً بالقوة وعذَّب وقتل كثيراً من علماء السنة في فتنة القول بخلق القران التي مردها تعطيل صفة الكلام للرب جل وعلا حين قال أهل السنة كيف تعطلون صفة الكلام وهذا القران كلام الله بين أيديكم فقالوا ليس بكلام الله بل هو مخلوق ثم امتحنوا الناس للقول بخلق القران وعذَّبوا وقتلوا حتى استجاب جمعٌ من العلماء لقولهم إكراهً وثبَّت الله الإمام أحمد بن حنبل فلم يجبهم رغم شدة تعذيبهم له وبقي في سجونهم ثمانيةً وعشرين شهراً يذيقونه أصناف العذاب فلم يجب حتى نصره الله وأعز به أهل الحق ودحر أهل الباطل فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وتتابع ثلاثةٌ من خلفاء بني العباس على نصرة المعتزلة وهم المأمون والمعتصم والواثق ثم انتقلت السلطة للمتوكل الذي كان سنياً فأعلن حربه لهذا المذهب ونصرته للإمام أحمد وأهل السنة فأذل الله أهل الباطل وأعز أهل الحق وهذه سنة الله في الحياة أنه لا يديم عز الباطل بل مهما كان له صولة وجولة فلا يلبث أن يندحر وينهزم ويعلوا الحق 0
المرحلة الثالثة / إثبات الأسماء وإثبات بعض الصفات وتعطيل بعضها وهم الأشاعرة والكلابية والماتريدية وغيرهم ولذلك فإن من العلماء من يطلق على هذه الفرق جميعاً الجهمية كما تقدم في أبيات بن القيم وغيره وذلك لأن مذهبهم جميعاً تعطيل الصفات. يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الخميس 23 يونيو 2011, 6:58 pm | |
| (( العلاقة بين الممثل والمعطل ))
العلاقة بينهما علاقة وطيدة فالمعطل حقيقته ممثل ودليل ذلك :
1- أنه إنما عطَّل فراراً من التمثيل ، فتعطيله مبناه على التمثيل ، فمثل صفات الرب بصفات المخلوق في ذهنه فأراد الفرار من الوقوع في التمثيل فعطل .
2- أنه قد مثل الله بالناقصين من خلقه فإذا قال ليس له يد فقد مثله بالأقطع اليد وإذا قال ليس له سمعٌ ولا بصر فقد مثله بالأصم والأعمى ، وعليه فيكون الممثلين الخلص على ضلالهم خيرٌ من المعطلين لأنهم مثلوا الرب بالكاملين في صفاتهم من الخلق والمعطلين مثلوه بالناقصين 0
3-أن الذي يعطل جميع الصفات قد مثل الله بالمعدومات التي لا صفات لها ، فمن لا سمع له ولا بصر ولا يتكلم وليس له يد ولا عينين وليس له صفات ذاتٍ أو فعلٍ فهو معدوم 0
وكذلك فإن الممثل في حقيقته معطل ودليل ذلك :
1- أنه عطل النصوص التي تنفي المماثلة 0
2- أنه قد عطل الله عن كماله الواجب إذ الواجب أن يوصف الله تعالى بالكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، وليس المخلوق كذلك بل هو ناقص ، فحين يشبه الله بالناقص يكون قد انتقص الرب وعطله عن كماله الواجب له جل وعلا فهو معطلٌ من هذا الوجه 0
والمعطل والممثل كليهما منتقصين للرب جل وعلا فهما متشابهين من هذا الوجه ويلزمهما التوبة والإنابة والرجوع إلى الحق بإثبات الصفات بلا تمثيل وقد قال تعالى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38) سورة الأنفال
(( قاعدتان مهمتان تقصمان ظهر المعطلة ))
القاعدة الأولى / القول في الصفات كالقول في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبهها الذوات فله صفاتٌ لا تشبهها الصفات 0
لأن المعطلة يثبتون الذات ويقولون إن ذات الله لا تشبه ذوات المخلوقين ثم يغيرون على صفات الرب جل وعلا فيبطلونها ويجحدونها ويعطلونها ويقولون لو أثبتنا لله صفات لاقتضى ذلك تشبيهه بالمخلوقين لأن المخلوقين لهم صفات ، فيقال لهم وللمخلوقين أيضاً ذوات فعلى قاعدتكم ينبغي أن تجحدوا ذات الرب جل وعلا حتى لا تشبهوه بالمخلوقين الذين لهم ذوات أو تعودوا إلى رشدكم وتقولون كما أن ذات الله لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين فتثبتون صفات الرب كما أمر بلا تشبيه 0
القاعدة الثانية / القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر 0
وذلك لأن بعض المعطلة أو من يسمون أنفسهم بالمؤولة يثبتون بعض الصفات ويعطلون بعضها بصرفها عن معانيها الحقة إلى معاني باطلة اخترعوها من تلقاء أنفسهم لم يثبت بها كتابٌ ولا سنة وحجتهم في ذلك أن الذي أثبتناه من الصفات لا يقتضي التشبيه والذي نفيناه يقتضي التشبيه والشبه منفيٌ عن الله فينبغي أن ننفي الصفات التي تقتضيه 0
والجواب ما ذكرناه في القاعدة لإن الصفات التي أثبتموها لله وهي السبع المذكورة في هذا البيت : له الحياة والكلام والبصر سـمع إرادة وعلـم واقتـدر
لها أشباه مسمياتٍ في صفات الخلق ففي المخلوق حياة وكلام وبصر 00الخ فكيف تقولون إن إثبات هذه السبع لا يقتضي التشبيه ثم تعدون على باقي الصفات فتعطلونها بحجة أن إثباتها يقتضي التشبيه لوجود نظير مسمياتٍ لها في صفات الخلق ، فالقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر فإما أن تعطلونها جميعاً فحينئذٍ نرد عليكم بالقاعدة الأولى وأما أن تثبتونها جميعاً بلا تشبيه كما أثبتم السبع فتكونون على الهدى والطريق المستقيم 0
* *
(( طرائق الجهمية وأحفادهم من نفاة الصفات في ترويج باطلهم ))
1-تلبيس الألفاظ الشرعية بلباسٍ تنفر منه النفوس فيبدلون المصطلحات الشرعية بمصطلحات بدعية مقززة فيسمون الإثبات تشبيه وتمثيل وتجسيم ، ويسمون الإستواء على العرش تحيز ، ويسمون إثبات العلو جهة ، ويسمون الصفات الذاتية كالوجه واليدين والقدم لله تعالى جوارح وأبعاضاً ، ويسمون صفاته الفعلية كالنزول والمجيء والاستواء على العرش أعراض وحوادث ، ويسمون الحكمة والغاية في أفعاله تعالى أغراض ، إلى غير ذلك من الأسماء الشنيعة والألقاب المحدثة التي يدلِّسون بها على عقول الجهلاء ثم يقولون لهم إن ربكم منزّه عن التشبيه والتجسيم والتحيز والجهات والجوارح والأبعاض والأعراض والحوادث والأغراض فعليكم بالتعطيل 0
2-رمي أهل الحق بالألفاظ القبيحة تنفيراً عنهم كقولهم مشبهه ومجسمة وحشوية ونوابت ونواصب ونحو ذلك من العبارات التي تدل على سفاهة عقول المعطلة وقلة بصيرتهم ، ويتهمون أهل الحق بأنهم قليلي علم ولا عندهم إلا ظواهر النصوص 0
ولذلك يقول الزمخشري صاحب الكشاف وهو من المعتزلة عن أهل السنة : قد شبهوه بخلقه فتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفة
يقول إن أهل السنة مشبهة لكنهم لما خافوا من كلام الناس وتشنيعهم على قولهم تستروا بالبلكفة أي قالوا بلا كيف فحين يقول أهل السنة مثلاً نثبت لله جل وعلا وجهاً بلا كيف فيقول الزمخشري إن أهل السنة يشبهون وجه الله بوجه المخلوقات أو يشبهون الله بالمخلوقات التي لها أوجه لكنهم لئلا يشنع عليهم الناس قالوا بلا كيف من باب التلبيس على الناس 0
ولا شك أن هذا من الكذب والافتراء على أهل السنة لأن أهل السنة ينفون عن الرب جل وعلا المثل ويقولون لا شبيه له ولا مثيل ولا كفء ولا ند ولا نظير بل هو جل وعلا أحدٌ في ربوبيته أحدٌ في ألوهيته أحدٌ في أسمائه وصفاته وإثباتنا لا يستلزم التشبيه وقولنا بلا كيف أي لا نعلم كيفية الصفات وإن كنا نثبتها كما جاءت ولا يعاب علينا ذلك لأن الله جل وعلا لم يطلعنا على كيفية صفاته وإنما على أسمائها ومعانيها فنحن دائرون مع النص حيثما دار وأنتم يا معاشر المبتدعة من المعتزلة وغيرهم دائرون مع أهوائكم حيثما دارت بلا دليلٍ ترقبونه أو نصٍ تعظمونه فشتان بين الفريقين 0
3-إخفاء أكثر باطلهم الذي تنفر منه النفوس وإظهار بعضه بصورةٍ منمقة كادعائهم أنهم يريدون تنزيه الرب عن النقائص والعيوب وأنهم أهل الحق وأنصار الدين ونحو ذلك فيصدقهم الجاهل بحالهم ويظن أنهم صادقين في دعواهم 0 وحقيقة أمرهم إنكار الرب والكفر الصراح 0
4-يقولون : إن ما أثبتناه من الصفات يدل العقل على إثباتها وما نفيناه يدل العقل على نفيه والله قد أمرنا بإعمال العقل والتفكر في آياته الشرعية والكونية وهذا يقتضي أن نثبت ما أثبته العقل وننفي ما نفاه العقل وإلا لم يكن للدعوة إلى التفكر وإعمال العقول فائدة 0
والجواب / أن الله قد حث على التفكر في مخلوقاته وشرعه لا في ذاته فإن ذاته أعظم من أن تدركها العقول وصفاته من ذاته فمن ذا الذي يتجرأ أن يقول إنه يدرك ذات الرب بعقله لا شك لا يقوله إلا منحرف فاقد العقل فكذلك صفاته من ذاته فلا يجوز إعمال العقل في إثباتها أو نفيها أو كيفيتها لأن العقول لا تستطيع إدراك ذلك فوجب الرجوع إلى النقل لأن الله أعلم بصفاته فما أثبته أثبتناه وما نفاه نفيناه وما سكت عنه لم نخض فيه بنفيٍ أو إثبات0
5-يقولون : إن مذهب السلف أسلم لكنَّ مذهب الخلف أعلم وأحكم 0
وهذا باطلٌ من وجوه :
أولاً / أنه متناقض فكيف تكون عقيدة السلف أسلم إذا لم تكن أعلم وأحكم لأن السلامة في الدين لا تكون إلا بالعلم بما أراده الله من عباده ثم العمل بمقتضى هذا العلم وهذه هي الحكمة لأن الحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب وهي هنا العمل بالعلم الموصل إلى النجاة وعليه فلا تكون العقيدة أسلم إلا إذا كانت أعلم وأحكم 0
ثانياً / أن هذا القول فيه اتهامٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم يقرؤون شيئاً لا يفهمون معناه أو أنهم يعرفون معناه ولكن كتموه ولم يبينوه لمن بعدهم ومعلومٌ عقوبة من كتم علماً فهل يوصف بهذا النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم ، لا شك أنه لا يصفهم بذلك إلا من أعمى الله قلبه وطمس على بصيرته 0
ثالثاً / إذا كان السلف لا يفقهون معنى النصوص أو يعلمون ولكن كتموه فمن أين للخلف العلم بها ، وإنما يؤخذ العلم عن الله وعن رسوله وكل قولٍ لم يرد به نصٌ فهو قولٌ مبتدعٌ لا أصل له وكل بدعةٍ ضلالة قال صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه
رابعاً / أنه قد ثبت عن السلف أنهم يعلمون معنى الصفات وأنهم يثبتونها كما جاءت بلا تأويل وأقوالهم في ذلك كثيرةٌ مشهورة ، فتبين أن مذهبهم عن علم لا عن جهل ، ولذا تجد أقوالهم في العقيدة لا اختلاف بينها ولا تناقض بخلاف عقيدة الخلف فعندهم من الاختلاف والتناقض في تأويل الصفات وغيرها ما يدل على بطلان مذهبهم وأن مذهبهم بعيدٌ عن العلم والحكمة والسلامة قريبٌ من الجهل والحمق والخطر 0
(( قواعد في الأسماء والصفات ))
1-أن أسماء الله وصفاته توقيقية فلا نثبت لله اسماً ولا صفةً لم يرد بها دليل ، وما أحدثه أهل البدع من الأسماء والصفات فمردودٌ عليهم لفظه وأما معناه فنستفصل فيه فإن كان حقاً أثبتناه وإن كان باطلاً رددناه نحو لفظ ( الجسم والحيز والجهة ) فنقول ماذا تريدون بلفظ الجسم فإن قالوا الذات الالهية فنقول المعنى صحيح فلله ذاتٌ تليق بجلاله وعظمته لكن لفظ الجسم باطل لعدم ورود النص به ولأنه موهمٌ بالنقص والمشابهه ، وإن قالوا أردنا بالجسم ما يتكون من أبعاضٍ وأجزاء ولحمٍ ودم فنقول هذا باطلٌ لفظاً ومعنى إذ الله منزهٌ عن ذلك ، ومثله الحيز فإن قالوا أردنا الذي تحوزه الأشياء فيكون داخلاً فيها فنقول هذا باطلٌ لفظاً ومعنى ، وإن قالوا أردنا المنحاز المنفصل عن مخلوقاته قلنا معناه صحيح واللفظ باطل ، والجهة إن قالوا أردنا أن الله تحيط به جهة معينة قلنا هذا باطلٌ لفظاً ومعنى وإن قالوا أردنا العلو بلا إحاطة قلنا المعنى صحيح واللفظ باطل لإيهامه النقص وعدم وروده في النص 0
وهكذا سائر ما يحدثه الناس 0
2-الألفاظ التي لو أفردت صارت نقصاً ، فإنها تثبت في سياقها كما جاءت لا تفرد نحو ( المانع المعطي ، الضار النافع ، المذل المعز ، القابض الباسط ،الخافض الرافع ) ومثل ( المكر والكيد بالكافرين والمخادعة للمنافقين والإستهزاء بالمستهزئين ) فلا يقال من أسماء الله ( الماكر والكائد والمخادع والمستهزئ ) ولا يقال من صفاته ( المكر والكيد والمخادعة والاستهزاء ) فإن هذه جاءت على سبيل المجازاة لهؤلاء على مكرهم وكيدهم ومخادعتهم واستهزائهم فتثبت في سياقها ولا تثبت مفردة لإن إثباتها مفردةً يقتضي النقص والله عز وجل منزهٌ عن النقائص والعيوب 0
والمكر والكيد والمخادعة والاستهزاء ليست قبيحةً مطلقاً بل منها ما هو حسن ، فالقبيح إيصاله إلى من لا يستحقه والحسن إيصاله إلى من يستحقه عقوبة له على فعله 0
3-يجوز الاقتداء بالرب جل وعلا فالله كريمٌ يحب الكرماء عفوٌ يحب أهل العفو رحيمٌ يحب أهل الرحمة وهكذا إلا الصفات التي لا تليق إلا بالله وحده فلا يجوز للإنسان الإتصاف بها كالمتكبر فإنها صفة كمالٍ في الرب جل وعلا وصفة نقصٍ في المخلوق فلا يتصف بها 0
4-ينبغي أن يدعوا بالاسم الذي يوافق حاجته فيقول يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني يا رزاق ارزقني ، ولا يقول يا شديد العقاب اغفر لي فإن هذا الاسم يناسب أن يدعى به على الكافرين فيقال : يا شديد العقاب أهلك الكافرين 0 5-كل نفي في باب الأسماء والصفات فهو متضمن لكمال الضد فنفي الظلم عن الله جل وعلا لكمال عدله ، بخلاف المخلوق فإنه قد ينفى عنه الظلم لا لكمال عدله ولكن لخوفٍ أو عجز أو نحوه 0 قال الشاعر : وقُبِيِّلةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل 0 يريد لضعفهم وعجزهم 0
6-يجوز الاستعاذة والحلف بالصفات لكن لا يدعى بها 0فيقول : أعوذ بنور وجهك أن يحلَّ بي سخطك 0 ويقول : وعزة ربي إني لصادق 0 لكن لا يقال : ياعزة الله اشفي مريضي ونحو ذلك 0
7- إذا ثبت الاسم لله تعالى جاز أن يشتق منه مصدراً وفعلاً فمثلاً ( السميع ) نقول إن لله سمعاً فهذا هو المصدر ونقول إن الله يسمع وهذا هو الفعل ، لا كن لا بد أن يكون الفعل متعدياً فإن كان لازماً لم يطلق عليه منه الفعل نحو ( الحي ) فلا يقال ( الله يحيا ) ونحو ( العظيم ) فلا يقال ( الله يعظم ) وإنما المصدر فيقال ( عظمة الله وحياة الله ) 0
* * *
(( الفرق بين الإسماء والصفات ))
1-الأسماء كلها مشتقة فكل اسمٍ يدل على صفة وليست كل صفةٍ تدل على اسم ، فمن أسمائه تعالى الرحيم وهو دالٌ على صفة الرحمة ، ومن صفاته جل وعلا الاستواء على العرش ولكن لا يسمى بالمستوي 0
2-يجوز التعبيد والدعاء بالإسم ولا يجوز بالصفة فتقول عبد الرحيم ولا تقول عبد الرحمة وتقول يارحمن ولا تقول يارحمة الله0
3-تشترك الأسماء والصفات في جواز الحلف والإستعاذة بها فتقول والله وتقول وعزة ربي وحياة ربي ، وتقول أعوذ بالله وتقول أعوذ بوجهك الكريم 0
4-أن الأسماء تدل على كمالٍ في نفسها فالعزيز يدل نفس الاسم على العزة بينما النزول وحده لو لم يضف إلى الله لما دلَّ على كمالٍ في نفسه 0
* * *
(( التعامل الأنسب مع أسئلة الأطفال والعامة في الأسماء والصفات ))
لا يُفَصِّلُ لهم بل يجيبهم بإجاباتٍ مجملة ويصرفهم إلى تعظيم الله عز وجل لأن الدخول في التفاصيل قد يوقعهم في شبهٍ لا يفهمون معناها على وجهها الصحيح فيحدث لهم ردة فعلٍ عكسية قد تكون سبباً في انحرافهم ولذا ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قال: ( حدثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يكذب الله ورسوله ) وورد عن بعض السلف قوله ( ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) لكن أيضا لا تصرفه وتمتنع من إجابته بل أجبه بما يثبت المعاني الإيمانية في قلبه بكلام مجمل يعظم به الله عز وجل 0
* * *
((( الأسماء الحسنى )))
قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف قال القرطبي : سمى الله أسماءه الحسنى لأنها حسنةً في الأسماع والقلوب ، وقال غيره : لأن أسماء الله لا يقوم غيرها مقامها لكمال حسنها فلا يصح أن تقول بدل ( العلي ) المرتفع لأن العلي أكمل وأبلغ وهكذا ( السميع البصير ) فلا يصح أن يسمى السامع أو المبصر لأن السميع البصير أكمل وأبلغ، والكريم لايقال بدلها السخي لأن الكريم أبلغ وهكذا سائر الأسماء.
أركان الإيمان بالأسماء الحسنى ثلاثة :
1-الإيمان بالاسم نحو ( الرحيم الغفور القوي ) فنؤمن أن هذه أسماءٌ لله جل وعلا
2-الإيمان بما دل عليه من معنى أي صفة فمعنى الأسماء المتقدمة ( الرحمة والمغفرة والقوة )
3-الإيمان بما تعلق به من الآثار فأثر الأسماء الثلاثة المتقدمة ( أن الله يرحم ويغفر لعباده وأنه قوي ينصر أوليائه وينتقم من أعداءه ) وهكذا بقية الأسماء 0
دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع :
1-الدلالة على الذات وتسمى دلالة المطابقة فيقال ( السميع ) أي الله لأن السميع من أسماءه جل وعلا 0
2-الدلالة على الصفة ويسمى دلالة تضمن أي إثبات السمع لله جل وعلا فيقال الله السميع أي الذي وسع سمعه المسموعات كلها 0
3-الدلالة على بقية الصفات ويسمى دلالة الالتزام أي يلزم من كونه سميعاً أن يكون حياً قادراً عليماً 00000وهكذا بقية الصفات 0
(( الإلحاد في الأسماء الحسنى تعريفه وأنواعه ))
الإلحاد لغةً / الميل ، ومنه اللحد لأنه مائلٌ عن أسفل القبر 0
اصطلاحاً / هو الميل والعدول بحقائق ومعاني الأسماء الحسنى والصفات العلى عن المعنى المراد بها إلى معاني باطلة 0 وهو أنواع :
1-إنكار وجحد الأسماء والصفات جملةً كما وقع من الجهمية ، أو إنكار بعضها كما وقع من المشركين قال تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } (60) سورة الفرقان
2-إنكار الصفات وجحد معاني الأسماء كما وقع من المعتزلة فإنهم يقولون : إن أسماء الله لا تدل على صفات وإنما هي مجرد أسماءٍ للعلمية ولذلك يقولون الله عليمٌ بلا علم وقديرٌ بلا قدرة وسميعٌ بلا سمع وبصيرٌ بلا بصر وهكذا في سائر الأسماء الحسنى جحدوا معانيها 0
3-إختراع أسماء وصفات لا دليل عليها كتسمية النصارى لله جل وعلا {بالأب} وتسمية الفلاسفة له ( بالعقل الفعال والعلة الفاعلة والموجب بالذات ) وكتسميته ( بصاحب الفيوضات والمريد والصانع والفاعل ) ونحوها مما لا تدل على كمالٍ في ذاتها أو تكون منقسمةً إلى كمالٍ ونقص فلا تصح أسماءً لله فكلها أسماءٌ باطلة 0
4-وصف الله جل وعلا بما لا يليق به قال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } (64) سورة المائدة وقال تعالى{لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (181) سورة آل عمران وقال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} (171) سورة النساء
5-اشتقاقهم من أسماء الله أسماء لمعبوداتهم كاشتقاقهم اسم اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان ونحو ذلك 0
(( عدد أسماء الله الحسنى ))
ليس لأسماء الله حصرٌ حتى يمكن عدها وأما حديث ( إن لله تسعةً وتسعين اسماً ) فليس المراد به الحصر إذ لو كان المراد به الحصر لقال: ( إن أسماء الله تسعةً وتسعين ) وقد جاء ما يدل على أنها لا حصر لها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أصاب أحداً قط همٌ ولا حزنٌ فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدلٌ فيَّ قضاؤك أسألك بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحاً ) قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات قال ( أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن ) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ( 1822 )
* * *
(( فضل ومعنى إحصاء الأسماء الحسنى ))
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) متفق عليه
الإحصاء لغةً /يأتي بمعاني عديدة منها الإطاقة قال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } (20) سورة المزمل أي لن تطيقوه ومنه حديث ( استقيموا ولن تحصوا ) رواه مالك وأحمد وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني ومنها العد ومنها العقل قال الشاعر ( وإن لسان المرء ما لم تكن له حصاةٌ على عوراته لدليل )
والإحصاء اصطلاحاً / اختلف العلماء في معنى الإحصاء على قولين :
الأول / الحفظ واستدلوا برواية ( من حفظها دخل الجنة ) وهي عند مسلم ( كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب في أسماء الله وفضل من أحصاها ) ورجحها النووي في المنهاج عند شرحه لهذا الحديث وذكر أن البخاري وغيره من المحققين قد أخذوا بها 0
الثاني / وهو الراجح حفظ ألفاظها وفهم معانيها والعمل بمقتضاها ولا يعارض رواية ( من حفظها دخل الجنة ) لأنه من المتعارف عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أنهم لا يحفظون شيئاً من الشرع حتى يفهموه ويعملوا بمقتضاه فكانوا يجمعون بين الحفظ والفهم والعمل ولا يقتصرون على أحدها دون ما سواها 0
تنبيه/
ليس المقصود حفظ الرواية التي جاء فيها سرد الأسماء لأن هذه الأسماء الراجح أنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من إدراج الرواة ، وذلك لأن الحديث ورد في الصحيحين بدون ذكر الأسماء .
ووردت الروايات التي جاء فيها ذكر الأسماء من ثلاث طرق :
الأولى / أخرجها البيهقي من طريق عبد العزيز بن الحصين وهو ذاهب الحديث كما قال عنه ذلك الإمام مسلم وقال بن حجر إنه متفقٌ على ضعفه 0
الثانية / أخرجها بن ماجه من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني وهو ممن لا يحتج بحديثه
الثالثة / أخرجها الترمذي وبن منده والحاكم والبغوي والبيهقي في الأسماء والصفات وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم وهو مشهورٌ بالتدليس ، بل بشرِّ أنواع التدليس وهو التسوية لكن إذا صرح بالسماع فإنه يؤخذ حديثه وهو في هذا الحديث قد صرح بالسماع بقوله أخبرنا ، لكن يشهد لضعف هذه الزيادة ما يلي :
1-الاختلاف الشديد في الروايات المختلفة عنه في سرد الأسماء مما يدل على اضطراب هذه الزيادة وأنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما مدرجة 0
2- أن الشيخين قد رويا الحديث عنه دون عدٍ للأسماء مما يدل على اتفاقهم على ضعف الزيادة وأنها مدرجة ، وقال الترمذي : ليس له إسنادٌ صحيح ا0هـ0 ولم يصححه إلا قومٌ قد عرفوا بالتساهل في التصحيح كالحاكم وبن حبان 0
3- أنه قد جاء في بعض الروايات الفصل بين صدر الحديث وبين سرد الأسماء كقوله ( وكلها في القران هو الله الذي لا إله إلا هو 000) مما يدل على أنه أدرجها مما استخرجه من القران 0
4- أن مما ذكر من الأسماء أسماءً ليست موجودةً في الكتاب والسنة ولا تصلح أسماءً لا مطلقاً ولا إضافةً ولا اشتقاقاً ، وفي المقابل هناك أسماء ثابتةٌ في الكتاب والسنة لم يذكرها 0
* * * (( هل أسماء الله مشتقة ))
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال /
الأول / أن أسماء الله كلها مشتقة من صفاته ، فالله من ألوهيته والعزيز من عزته والرحيم من رحمته والكريم من كرمه والسميع من سمعه والبصير من بصره والعليم من علمه وهكذا سائر الأسماء الحسنى فإنها مشتقة من صفاته جل وعلا 0
الثاني / أن اسم الله غير مشتق وما عداه مشتق وهو قول السهيلي وشيخه بن عربي وقالوا / إن المشتق يجب أن يتقدمه أصله المشتق منه واسم الله قديم بمعنى أنه لم يتقدمه شيء ليشتق منه
والجواب / ذكره بن القيم في بدائع الفوائد فقال : زعم السهيلي وشيخه أبو بكر بن العربي أن اسم الله غير مشتق ، لأن الاشتقاق يستلزم مادةً يشتق منها الاسم واسمه تعالى قديمٌ والقديم لا مادة له ، و لا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى وأنه مستمدٌ من أصل آخر فهو باطل ، و لكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى و لا ألم بقلوبهم ، وإنما أرادوا أنه دالٌ على صفةٍ له تعالى وهى الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والرحيم والسميع والبصير ، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب وهى قديمة والقديم لا مادة له ، فما جوابكم عن هذه الأسماء ؟ فهو جواب القائلين باشتقاق اسمه الله ، ثم الجواب عن الجميع : إننا لا نعني بالاشتقاق إلا إنها ملاقيةً لمصادرها في اللفظ والمعني 0ا0هـ وسأشرح كلامه في جواب القول الثالث 0
القول الثالث / أن الأسماء كلها غير مشتقة وهو قول المعتزلة وغيرهم وحجتهم كحجة بن العربي وتلميذه 0
والجواب /
كما بيَّن بن القيم أن القائلين بالاشتقاق لا يقصدون أنه مأخوذٌ من أصلٍ آخر أي من شيءٍ آخر غير الرب تعالى الله أن يتقدمه شيء إذ هو الأول فليس قبله شيء ، وإنما أرادوا أن الرب عز وجل قد اشتق لنفسه اسماً من صفاته ، وقول بن القيم : إننا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى 0
يريد أن مصدر الاسم أي الذي اشتق منه الاسم يلاقي الاسم في الفظ والمعنى فالعليم مثلاً يلاقي العلم في اللفظ والمعنى وهكذا سائر الأسماء 0
وللمعتزلة شبهةٌ أخرى يظنونها دليلاً وهي القاعدة النحوية أن الاسم ما يدل على معنىً غير مشتق والمشتق لا يكون اسماً عندهم لأن وظيفة الاسم التعيين والاختصاص فيقال سعد ليعين به ويخص من بين سائر الناس ، وأما المشتق من الصفات فليس باسمٍ عندهم كالكريم والرحيم والعليم ونحوها لأنه لا يمكن تعيين شخصٍ واختصاصه بهذا الاسم 0
والجواب / من عدة وجوه :
الأول / أن هذا في حق المخلوق لا في حق الخالق فإن الله جل وعلا أسمائه وصفاته تختص به لا يماثله ولا يشاركه فيها أحد ، وحينئذٍ يمكن تعيينه بها 0
2-أن أسماء المخلوقين مستعارة فليست أسماؤهم نفس صفاتهم بل قد تكون مغايرةً تماماً فكم من رجلٍ يسمى كريم وهو من أبخل الناس وآخر عادل وهو من أظلم الناس وهكذا ، وأما أسماء الله وصفاته فلا تتغاير فاسمه الكريم وصفته الكرم الذي لا حدود له ، واسمه السميع وصفته السمع الذي لا منتهى له ، وهكذا 0
3-أن المخلوق يتعذر تعيينه بالصفة لكونها مشتركةً فلو قيل يا صاحب اليدين أو الرأس أو القدم لالتفت الناس جميعاً ، ولو قال يا كريم يا رحيم فلا يدرون من يقصد ، وقد يوصف الرجل بصفةٍ ليست فيه أصلاً فيقال حكيم وهو ظالم ويقال عليم وهو من أجهل الناس 0
4-أن أسماء الله وصفاته سواء فاسمه الخالق وصفته الخلق هي فيه قبل أن يخلق الخلق فلم يستفد اسم الخالق بعد خلقه للخلق وهكذا الرازق والسميع والعليم ونحوها ، وأما المخلوق فقد يكتسب الاسم لصفةٍ فيه فيقال الأصبح لجمال وجهه ويقال الكريم بعد أن يذهب جل عمره وهو يكرم الناس ، فتبين أن القاعدة النحوية تنطبق على المخلوق ولا تنطبق على الخالق فتنبه لهذا 0
(( هل يشتق من الصفات أسماء ))
اختلف أهل العلم في جواز اشتقاق أسماء من الأفعال والصفات الواردة في الكتاب والسنة على ثلاثة أقوال /
الأول / لا يجوز مطلقاً ولا يقبل إلا ما جاء بصورة الاسم لا مشتقاً ولا مضافاً وهو قول بن حزم 0
القول الثاني / الجواز مطلقاً بلا شرطٍ ولا قيد فمتى وجدت صفةٌ أو فعلٌ في الكتاب والسنة جاز أن يشتق منها اسم قال أبو بكر بن العربي : وَاَلَّذِي يُعَضِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَعُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ حِينَ عَدَّدُوا الْأَسْمَاءَ ذَكَرُوا الْمُشْتَقَّ وَالْمُضَافَ وَالْمُطْلَقَ فِي مَسَاقٍ وَاحِدٍ إجْرَاءً عَلَى الْأَصْلِ ا0هـ حتى عدَّ من أسماء الله ( الفاعل والحاسب ورابع ثلاثة وسادس خمسة ) وكذلك صنع القرطبي في كتابه الأسنى وذكر ( الممتحن - المبتلي- الفاتن 00الخ )
القول الثالث / الجواز بشروط :
1-أن يكون المشتق منه ثابتٌ في الكتاب والسنة 0
2-أن يدل الاسم المشتق على كمالٍ في ذاته كالهادي والناصر والمنعم ونحوها ، ولا يجوز إذا لم يدل على كمالٍ في ذاته كالمتكلم والنازل والجاي ، أو كان يدل على كمالٍ ونقص كالفاعل والصانع والمريد 0
قال الدكتور محمد التميمي في كتابه معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى : اختلف العلماء في عدِّ الأسماء الحسنى على أربعة مناهج /
المنهج الأول / المقتصرين على العد الوارد في حديث أبي هريرة وبالأخص طريق الوليد بن مسلم معتقدين صحة الحديث0
المنهج الثاني / الاقتصار على ما ورد بصورة الاسم دون المشتق والمضاف كابن حزم 0
المنهج الثالث / المتوسعين الذين اشتقوا من كل صفةٍ وفعلٍ اسماً ومنهم ابن عربي المالكي وبن المرتضى اليماني والشرباصي.
المنهج الرابع / وهم المتوسطين الذين أجازوا أن يشتق من الصفة والفعل اسمٌ بشرط أن لا ينقسم إلى كمالٍ ونقص ومدحٍ وذم كالمتكلم والمريد والصانع والفاعل والنازل والمستوي والضاحك بل لا بد أن يكون مدحاً مطلقاً لا ذم فيه ولا نقص ، وهم غالب العلماء الذين جمعوا الأسماء الحسنى وإن كانت هناك بعض الفروقات بين جمعٍ وآخر ، لكنّها ترجع إلى طبيعة الاستقراء التي سار عليها البعض في جمعهم ، فترى البعض تارةً يرى صحّة الإطلاق في صفة بينما يرى آخرون عدم صحّة الإطلاق فيها. انتهى.
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله بعد أن ذكر الكيد والمكر بالكافرين : وهذه الصفات لا يجوز أن يشتق منها أسماء لله تعالى لأن الأسماء لا تشتق إلا من الصفات التي يمدح بها مطلقاً ، أما هذه ( يريد المكر والكيد والمخادعة ) فقد يمدح فاعلها وقد يذم (التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية ص191) وهذا يدل على أن الشيخ يرى جواز الاشتقاق من الصفات التي يمدح بها مطلقاً 0
* * *
(( المراد بالمطلق والمضاف والمشتق والمزدوج من الأسماء ))
الاسم المطلق / هو الاسم الذي ورد بصورة الاسم في الكتاب والسنة نحو ( السميع ، البصير ، العليم ، الرحيم ، الرحمن ، الكريم ، المنان ) ونحو ذلك 0
الاسم المضاف / هو الاسم الذي ورد مضافاً في الكتاب والسنة نحو ( فاطر السماوات والأرض ، بديع السماوات والأرض ، أحكم الحاكمين ، أسرع الحاسبين ، خير الناصرين ) ونحو ذلك 0
الاسم المشتق / هو الذي لم يرد في الكتاب والسنة بصورة الاسم وإنما هو مأخوذٌ بالاشتقاق من الأسماء والصفات والأفعال الموجودة في الكتاب والسنة نحو ( الباقي ) من قوله تعالى{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27) سورة الرحمن ( البديع ) من قوله تعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (117) سورة البقرة ( الساتر والستار ) من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ومن ستر مسلماً ستره الله ) متفق عليه وهكذا ، وقد تقدم أنه يجوز بشرط كون الاسم المشتق يدل على كمالٍ في ذاته غير دالٍ على نقص ولا منقسمٍ إلى كمالٍ ونقص 0
الاسم المزدوج / هو الاسم الذي إذا اقترن باسمٍ آخر دل على كمال وإذا أفرد لم يدل على كمال أو كان منقسم فيذكر مع قرينه ولا يفرد نحو ( الخافض الرافع ، الضار النافع ، المعطي المانع ، المعز المذل ، المبدي المعيد ، المحيي المميت ) ونحو ذلك 0
(( اسم الله الأعظم ))
قال بن جرير الطبري رحمه الله / كل أسماء الله عظمى وليس فيها اسمٌ خاص يقال إنه الاسم الأعظم.
وقال بقوله هذا كثيرٌ من المبتدعة كأهل الكلام وغيرهم، والصحيح أنه قد وردت أحاديث تدل على أن لله اسماً أعظم، فعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد فقال: ( لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب والرتهيب حديث رقم ( 1640 ) وعن أنس قال كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجلٌ يصلي فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أسألك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 2290 ) وقال صلى الله عليه وسلم ( اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه ) رواه بن ماجة والطبراني والحاكم وصححه الألباني انظر حديث رقم (979) في صحيح الجامع. وقال صلى الله عليه وسلم ( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } وفاتحة آل عمران { الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وبن ماجةوحسنه الألباني انظر حديث رقم (980) في صحيح الجامع.ونحوها من الأحاديث الثابتة التي تدل على أن لله عز وجل اسماً أعظم ، لكن اختلف العلماء في هذا الاسم الأعظم على أقوالٍ كثيرةٍ منها /
1-أنه ( الحي القيوم ) قاله بن القيم وغيره ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد عليه الكرب يقول ( يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث ) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني انظر حديث رقم ( 4777 ) وحديث قم (4791 ) في صحيح الجامع ومترجحٌ أنه لا يدعو في هذا الموقف العصيب إلا باسم الله الأعظم ، ثم إن مدار الأسماء على هذين الإسمين وإليهما ترجع معاني الأسماء الحسنى ، ( فالحي ) يستلزم جميع صفات الكمال حتى تكون الحياةً لائقةً بالله تعالى وكماله وعظمته فالحياة التي يتخلف عنها شيءٌ من الكمال هي حياةٌ ناقصة ينزه الله تعالى عنها فجُمِعت جميع الصفات في هذا الاسم ، ومثله القيوم فإن معناها القائم بنفسه المقيم لغيره ولا يكون كذلك حتى تجتمع فيه جميع صفات الكمال ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه ) رواه بن ماجة والطبراني والحاكم وصححه الألباني انظر حديث رقم (979) في صحيح الجامع. قال بن القيم : ففي البقرة في آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 000} (255) سورة البقرة وفي آل عمران في قوله تعالى{اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) سورة آل عمران وفي طه في قوله تعالى {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } (111) سورة طـه اهـ وقد ردَّ عليه بأن حديث ( اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد ....) لم يرد فيه لفظ الحي القيوم ، وقد قال الطحاوي الآية التي في سورة طه هي قوله تعالى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} (8) سورة طـه
2-أنه لفظ الجلالة ( الله ) ودليلهم أن الأسماء جميعها تعطف عليه ولا يعطف عليها نحو{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 000} (255) سورة البقرة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) ولذا قال تعالى{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (180) سورة الأعراف فعطفها عليه ، ولأنه موجودٌ في جميع الأحاديث التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن فيها اسم الله الأعظم 0
3- أنها ثلاثة أسماءٍ ترجع إليها جميع الأسماء وهي ( الله ، الرب ، الرحمن ) فاسم الله متضمن لجميع صفات الألوهية ، والرب متضمنٌ لجميع صفات الربوبية ، والرحمن معناه رحمن الدنيا والآخرة فلا بد أن تجتمع فيه كل صفات الكمال ، فتكون هي الاسم الأعظم
4-أنه راجعٌ إلى حال الداعي وكمال تضرعه بأسماء الله لأن الأحاديث ليس فيها نصٌ على اسمٍ معين والله اعلم 0 وهناك أقوال أخرى لكن ما ذكرناه أقوى وأشهر 0 يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الإثنين 27 يونيو 2011, 11:40 pm | |
| (( فائدة تذييل الآيات بالأسماء الحسنى ))
1-للدلالة على ارتباط الشرع والخلق بالأسماء الحسنى فمثلاً قوله تعالى {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (110) سورة النساء دلالةٌ على ارتباط الشرع بالأسماء الحسنى فإنه ربط الاستغفار الذي شرعه عند ظلم النفس باسمه الغفور الرحيم ، ومثل قوله تعالى {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (81) سورة يــس فذكر قدرته على خلق السماوات والأرض والناس وربطه باسمه الخلاق العليم بخلقه 0
2-ليقتدي عباده به جل وعلا في نحو قوله تعالى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (60) سورة الحـج فأرشده إلى العفو والمغفرة اقتداءً به جل وعلا 0
3-للدلالة على أن الحكم المذكور في الآية يدل عليه الاسم كقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34) سورة المائدة أي قد أسقط حقه عنهم وتبقى حقوق الآدميين والأولى بهم الاقتداء بربهم عز وجل ولهم حق القصاص دون الحدود قال القرطبي : فأمَّا الشرَّاب والزناة والسرَّاق إذا تابوا وأصلحوا وعرف ذلك منهم ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم ، وإن رفعوا إليه فقالوا تبنا لم يتركوا ، وهم في هذه الحال كالمحاربين إذا غلبوا والله أعلم . ( الجامع لأحكام القران عند تفسيره لهذه الآية )
4-لبيان أن هذا الاسم هو المناسب لهذا الدعاء كقول الخليل وابنه عليهما السلام{وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (128) سورة البقرة وأما قول عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة فلم يكن عيسى عليه السلام ليدافع عن الكفرة الظلمة وإنما أراد أن يمدح ربه جل وعلا فقال : إن تعذبهم فذلك لعدلك بهم فإنما خلقتهم لعبادتك ولم يقوموا بها ، وإن تغفر لهم فليس ذلك عن عجزٍ منك بهم بل أنت القادر العزيز الحكيم في أفعالك كلها 0
5-قد تختم الآيات باسمين مختلفين كقوله تعالى (( وإن ربك لهو العزيز الرحيم )) عقب قصص الأنبياء ليدل ذلك على أنه بعزته تعالى انتقم من الكافرين وأهلكهم وبرحمته نصر المؤمنين ونجاهم 0
6-قد يناسب الإسم المذكور في نهاية الآية أحد المواضيع المذكورة في الآية مما يدل على أهميته وأنه المقدم كقوله تعالى (( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم )) فدلَّ على أن رحمته قد سبقت غضبه 0
7-لبيان إعجاز القران وتناسب كلماته وحروفه وأن كل كلمةٍ وحرف هي في موضعها اللائق ولو غيِّرت وأتي بما يرادفها لم يستقم الكلام فقوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة قرأ أحدهم آخرها ( والله غفور رحيم ) فسمعه أعرابيٌ فقال ليس هذا من كلام الله فقال القارئ له وهل تحفظ القران قال لا قال هل تعرف هذه الآية قال لا ولكن ليس هذا من كلام الله ففتح القارئ المصحف ليريه الآية فوجد آخرها ( والله عزيزٌ حكيم ) قال الأعرابي : نعم هذا كلام الله فتعجب القارئ وقال ما يدريك وأنت لا تحفظ الآية ؟ قال : لأنه عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع 0 فانظر إلى مناسبة ذكر هذين الاسمين في آخر الآية 0
(( ثمرات وفوائد الإيمان بالأسماء الحسنى ))
1-تحقيق التوحيد فمن عرف أسماء الله الحسنى ووعى معانيها وعمل بمقتضاها فقد حقق كمال التوحيد 0
2-زيادة الإيمان فإن العبد إذا عرف ربه حق المعرفة زاده ذلك تعظيماً وتقديساً لربه جل وعلا فيزداد إيمانه كما قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (28) سورة فاطر 0
3-معرفة سنن الله وأحكامه من خلال أسمائه وصفاته فعن عائشة رضي الله عنها أن خديجة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا جاءها يرجف خوفاً مما رآه بالغبار في أول الوحي ( كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ) متفق عليه
وهذا استدلالٌ منها بأن الله تعالى وهو الكريم المتعالي لا يمكن أن يخزي صاحب الكرم والأخلاق الفاضلة لأن الكريم قد يعفو عن المسيء فكيف بالمحسن لا يمكن أن يقابله على إحسانه بإساءة حاشا وكلا ولذا من كان صائماً قائماً صادقاً في نيته مع الله تعالى فإن الله تعالى لا يرده إلى الضلالة ، ومن اعتقد أن الله يعامله بالنكران ويجازيه على الإحسان بالإساءة فقد ظن بربه ظن السوء والعياذ بالله ، فلينتبه لهذا ولا يفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) بأن السوء جاء من جهة الرب ، حاشا وكلا بل من جهة العبد حين علم الله سوء نيته فيما تقدم من عمله فخذله في آخر عمره 0
وقد ورد في رواية ( ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى للناس ) فيحمل المطلق على المقيد 0
(( حكم التسمي بعبد المعبود وعبد الموجود ونحوهما ))
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
القول الأول /
لا يجوز التعبيد إلا لاسم قد ثبت في نصوص الكتاب والسنة أنه من أسماء الله والمعبود والموجود ليسا من أسماء الله لكن يخبر عن الله تعالى بأنه معبود وبأنه موجود وباب الخبر عند أهل العلم أوسع من باب الوصف فيخبر عن الله تعالى بأنه معبود وموجود وأنه صانع العالم ونحو ذلك مما هو حقٌ في باب الخبر لا كن لا يسمى الله بذلك فلا يقال من أسماء الله المعبود والموجود والصانع ونحوها وحينئذٍ لا يجوز التعبيد بها 0
القول الثاني /
يجوز فيقال عبد الستار وعبد الباقي وعبد رب الرسول ونحوها إذ ليس فيها تعبيدٌ لغير الله ومراد المتسمي التعبيد لله لا لغيره وقد جاز الإخبار عن الله بها وليس فيها تنقصٌ للرب جل وعلا فيجوز الاشتقاق منها ، ورجح هذا القول الشيخ بن باز وعبد الكريم العقل وهو أظهر لما تقدم من جواز اشتقاق أسماء للرب جل وعلا من صفاته وأفعاله 0
تنبيه /
ما لا يصلح اسماً لا مطلقاً ولا مضافاً ولا مشتقاً فلا يصح التعبيد له بها مثل ( الدهر والمسعر ) ونحوهما لأنه قد ورد بيان معناهما وأنهما لا يراد بهما الإخبار عن الله وإنما عن أقدار الله وأوامره قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) متفق عليه
فبيَّن أن المراد بالدهر تقليبه وتصريفه فَيُخْبر عن الله أنه يقلب ويصرف الدهر ، وكذلك المسعر لأن الله عز وجل هو الذي يقلب ويصرف الأسعار بين زيادةٍ ونقصان ، فلا يقال ( عبد الدهر وعبد المسعر ) وإنما يقال ( عبد رب الدهر وعبد مقلب الليل والنهار ) ولا يصح ( عبد المقلب ) وهكذا المسعر وكذلك لا يخبر عن الله بأنه ( الجلال ) فلا يقال عبد الجلال لأن الجلال لا يصلح اسماً لله ولا يصح أن يخبر عن الله أنه الجلال بمفرده لأن الجلال معناه العظمة والله جل وعلا ذو العظمة فلا يصح أن يقال عبد العظمة وإنما عبد ذي العظمة فكذلك الجلال لا يقال عبد الجلال وإنما عبد ذي الجلال لأن من أسماء الله المضافة ( ذي الجلال وذو الجلال ) 0
(( حكم التعبيد لغير الله مثل عبد النبي وعبد الحسين وعبد الكعبة وغيرها ))
التعبيد لغير الله لا يجوز لأن العباد عباد لله وحده ثم إن كان المقصود التعبيد الحقيقي- تعبيد العبودية- فهو كفرٌ مخرجٌ من الملة ، وإن أراد الخدمة ونحوها كالتبرك فهو أصغر ، قال الشيخ خالد السبت : الأسماء المختلف فيها كعبد الهادي وغيره مما فيه شبهة فلا يقال لمن تسمى به أنه مشرك ، وأما المتفق عليه أنه ليس من أسماء الله كالحارث فالتعبيد به شركٌ أكبر أو أصغر بحسب ما يقع في نفس المتسمي فإن أراد العبودية المطلقة فهو شركٌ أكبر وإن أراد الخدمة ونحوها فهو أصغر اهـ0 ( سمعته منه أثناء إلقاءه دروسه في الأسماء الحسنى ) 0
* *
(( حكم التسمي بهذه الأسماء ))
( جار الله ، ضيف الله ، غرم الله ، صفي الرحمن ، عاشق الرحمن ، محب الرحمن ، عبد الجلال ، دحمي ودحوم تصغير عبد الرحمن وعزيز وعزوز تصغير عبد العزيز ) ونحوها
جار الله إن كان من الإجارة أي أستجير بالله فهو جائز ، وإن كان من الجوار فإنه لا يدري هل يكون من أهل الجنة في جوار الرحمن أم لا فيكون فيه تزكيةٌ للنفس وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم الأسماء التي فيها تزكية نفس كبرة وغيرها ومثله صفي الرحمن وإن كان المسلم مصطفىً لأن يكون من حزب الله لكن التزكية لا تنبغي لأنها قد تأتي بالعجب والغرور ومثله أيضاً ملاك فكأنه يقول صاحب الاسم أصبح كالملائكة لا يذنب وهو دائم الطاعة وهذا تزكية ، وأما ضيف الله فيصح لأنه يعيش بنعم الله فهو ضيفٌ لله بهذه النية وأما غرم الله فما يدرى ما يراد به إن أراد أنه قد أحب الله تعالى إلى درجة الغرام فهو وإن كان يمكن أن يقبل من نظر المسلم لكن فيه سوء أدبٍ في الألفاظ لأنها ألفاظ الفساق ونحوهم ومثله عاشق الله فينبغي أن يلتزم بالألفاظ الشرعية كمحب الرحمن أو نحوه ، وإن أراد معنى آخر فينظر هل يتوافق مع أحكام الشرع فيقبل أو لا فيرد ، وأما تصغير الأسماء كدحمى وعزيز ونحوها فجائزة كما قال الشيخ بن باز لأن الناس لا يريدون تصغير لفظ ذي الجلالة وإنما تصغير الشخص نفسه 0
(( حكم التسمي بأسماء الله تعالى ))
هناك أسماءٌ خاصةٌ به جل وعلا كـ ( الله ) و ( الرب ) و ( الرحمن ) و ( الإله ) ونحوها فلا يجوز التسمي بها مطلقاً ، وهناك من أسماء الله ما يجوز أن يتسمى بها العبد لاكن يشترط ألا يراعى في التسمية معنى الصفة ، فلا يسمى أحدٌ كريم لأن من صفاته البارزة الكرم ، ولا يسمى حليم لأن من صفاته البارزة الحلم ، ولا يسمى الحكم لأن من صفاته البارزة فصل الحكومات وإرضاء الناس بحكمه ، ودليل هذا حديث أبي شريح رضي الله عنه وفيه أنه : لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعهم وهم يكنونه أبا الحكم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكني أبا الحكم ) فقال إن قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين قال ( ما أحسن هذا فما لك من الولد؟ ) قال لي شريح وعبد الله ومسلم قال ( فمن أكبرهم ) قال شريح قال ( فأنت أبو شريح) رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني فغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم كنيته لأنه روعي فيها معنى الصفة وهو الحكم ، ويدل على جوازه لو لم يراعى فيه الصفة أن النبي صلى الله عليه وسلم استفصل منه ولو كان لا يجوز مطلقاً لما استفصل ولأنكر مباشرة ولأنه يوجد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من اسمه الحكم ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم كالحكم بن هشام رضي الله عنه لأنه لم يراعى في تسميته الصفة 0
وقيل إنه ينبغي أن لا يكون محلىً بالألف واللام لكونها تفيد الاستغراق أي الشمول ، فإذا قلت الكريم شملت كل معاني الكرم بخلاف ما لو قلت كريم فإنها حينئذٍ تنفك عن الشمول وحينئذٍ يجوز تسمي العبد بها 0
والصحيح أن هذا لا يشترط لأن الناس لا يريدون تشبيهه بالله حين سموه بذلك وشمول كرم الله ليس كشمول كرم الإنسان فالإنسان يشمل كرمه ما يطيقه بضعفه وعجزه وكرم الله يليق بجلاله وعظمته لا يحده حد ، ولقد تقدم أن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بن هشام وهو معرفٌ بأل ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه التسمية ولم يغيرها 0
(( تفسير معاني بعض الأسماء الحسنى ))
(( المقدمة ))
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد
فإن العلم بالله جل وعلا أشرف العلوم وأجلها قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (28) سورة فاطر أي الذين يعرفونه حق المعرفة فيعرفون عظمته وقوته وكبريائه وبطشه وانتقامه وسننه ويعرفون مغفرته ورحمته وجوده وكرمه 00000الخ فيولد ذلك في نفوسهم تعظيم الرب والخوف من بطشه وانتقامه والطمع في مغفرته ورحمته فيعملون وفق ذلك فيبلغون أرقى منازل التوحيد والعبودية للرب جل وعلا 0
وإنما يُتعرف إلى الرب جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، لأن من تمام كرم الرب جل وعلا على عباده وإحسانه إليهم أن عرَّفهم بأسمائه وصفاته ليعرفوا معانيها ويتعبدوا له بمقتضاها ولذلك ينبغي على كل موحدٍ يرجوا رضا ربه ورحمته وإدراك أعلى المنازل في الجنان والنجاة من بطش الله وانتقامه والنزول في أسافل النيران أن يتعلم هذه الأسماء ويعرف معانيها ويعمل بمقتضاها فيعرف اسم الله السميع ويعلم أن معناه أن الله يسمع كل شيء فيعمل بمقتضى ذلك فلا يقول قولاً يغضب الرب لأنه يعلم أنه يسمعه وهكذا البصير فلا يعمل عملاً يغضب الرب وهو يعلم أن الله يراه وهكذا في سائر أسماء الرب جل وعلا فمتى عرفها العبد وعرف معانيها وعمل بمقتضاها فقد حقق رضى الرب جل وعلا وارتقى إلى أعلى مراتب العبودية له جل وعلا 0
ولذا فقد كتبنا هنا بعض معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى لتكون تذكيراً لنا ولإخواننا إذا نسينا معنى اسمٍ من أسماء الرب جل وعلا أو نسينا العمل بمقتضاه ، لعل الله جل وعلا أن يرفعنا وإخواننا في أعلى الجنان ويجيرنا من حرِّ النيران إنه ولي ذلك والقادر عليه 0
(( الله ))
هو اسم الله الأعظم في قول كثيرٍ من أهل العلم لأنه الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى فهي تنسب إليه ولا ينسب إليها قال تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } (180) سورة الأعراف ويقال من أسماء الله ( الرحمن الرحيم ) ولا يقال من أسماء الرحمن ( الله ) ومعناه / قيل هو مشتقٌ من الإله أي الذي تألهه القلوب أي تعبده محبةً وتعظيماً
وقيل هو غير مشتق وإنما هو علمٌ على الذات المقدسه وحينئذٍ لا يكون دالاً على صفةٍ ومعنى 0وهذا باطل ، لأن أسماء الله حسنى أي دالة على كل معاني الحسن والكمال ، والاسم الذي لا معنى له لا يوصف بأنه حسن فضلاً عن أن يدخل في صيغة المبالغة ( فُعْلَى) والرب جل وعلا قد وصف أسمائه بأنها ( حسنى ) على وزن فعلى ، وحينئذٍ لا يصح أن يقال عن أسماء الرب جل وعلا أنها جامدةٌ غير مشتقة إذ فيه تكذيبٌ لقوله وانتقاصٌ لأسمائه
من ثمرات الإيمان بهذا الاسم /
1-إخلاص العبودية لله جل وعلا وأنه لا يستحق العبادة غيره وذلك لأن اسم الله مختصٌ به جل وعلا فلا يجوز أن يسمى بهذا الاسم غيره ولا يجوز أن يصرف معناه لغيره فهو المألوه المعبود وحده دون من سواه فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره فقد أشرك مع الله غيره فيما هو من خصائصه وصرف ما هو من محض حق الله لغيره فكان ظالماً لربه ولذا قال لقمان { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) سورة لقمان ولذا كان الشرك أعظم الذنوب كما قال تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء وقال تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (116) سورة النساء وعند معرفة الإنسان لمعنى هذا الاسم وعمله بمقتضى هذه المعرفة فإنه يسلم من الشرك والخسران الأبدي وهذا مطلبٌ غالي وثمرةٌ مباركة 0
2- أن العبادة لا بد أن تكون مقرونةً بالمحبة والتعظيم والخوف والرجا ومن غلب جانباً فقد جانب الصواب وانحرف عن الحق ولذا قيل : من عبد الله بالخوف وحده فهو خارجي ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجي ، ومن عبده بالمحبة وحدها فهو صوفي ، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو سني 0
3-ينبغي على العبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله جل وعلا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ) رواه الترمذي وبن ماجه وغيرهما وصححه الألباني فهو اسمٌ خفيفٌ على اللسان عظيمٌ عند الرحمن قال صلى الله عليه وسلم: ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: ( أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت ) رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: ( لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم: ( من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) متفق عليه وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة ؟) فسأله سائلٌ من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة ؟ قال ( يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة )رواه مسلم وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل ؟ قال: ( ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده ) رواه مسلم وعن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة قال: ( ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟) قالت نعم قال: ( لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ) رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ) متفقٌ عليه وغير ذلك من الأذكار الواردة وكلها تشتمل على اسم الله جل في علاه فينبغي المحافظة عليها والاكثار منها 0
(( الملك ، المليك ، مالك الملك ، ملك ومالك يوم الدين ، ملك الناس ))
الله جل جلاله هو مالك الملوك وما ملكوه وهو صاحب التصرف المطلق في ملكه الذي لا يحتاج إلى أحدٍ يعينه في إقامة ملكه أو تصريف أمر مملكته ، ويتضاءل كل الملوك أمام ملك الله جل وعلا بل هم عبيده وتحت قهره فهو مالكهم ومالك ملكهم قال تعالى{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران
والفرق بين ملك الله وملك المخلوقين :
1-أن الله عز وجل هو صاحب التصرف المطلق في ملكه وأما ملوك الدنيا فتصرفهم في ملكهم محدود إذ لا يستطيعون بعض أنواع التصرف فلا يستطيعون أن ينزلوا المطر على مملكتهم مثلاً وغير ذلك 0
2-أن الله لا يحتاج إلى أحدٍ يعينه في إقامة ملكه أو تصريف مملكته وأما ملوك الدنيا فهم محتاجون إلى من يعينهم لإقامة ملكهم وتصريف أمر مملكتهم 0
3-أن ملك المخلوقين قد سبق بعدم ويلحقه فناء وليس ذلك في ملك الله جل وعلا 0
4-أن ملك المخلوقين تابع لملك الله تعالى فلا يفعلون إلا ما كتبه الله عليهم قدراً وأجاز لهم تنفيذه شرعاً فإن عصو وتمردوا على شرع الله أهلكهم كفرعون ونمرود وغيرهم من الأمم الغابرة ككسرى وقيصر وأبرهة وإن نفذوه ثبَّت الله ملكهم كداود وسليمان عليهما السلام.
5-أن ملوك الدنيا ينقص ملكهم وما في أيديهم إذا أعطوا غيرهم بخلاف ملك الله فإنه لم تزل يداه مليئةً بالعطايا منذ خلق الخلق ولم ينقص ذلك من ملكه شيئاً ولذا ورد في الحديث القدسي ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني فأعطيت كل واحدٍ منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ) رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه ) متفق عليه وعند بن ماجه ( فإنه لم ينقص مما في يديه شيئا ) صححها الألباني 0
والفرق بين الملك والمالك ما يلي :
1-أن الملك هو النافذ أمره في ملكه وأما المالك فقد لا ينفذ تصرفه في ما يملكه كالصبي والمجنون 0
2-أن الملك هو الجامع لأصنافٍ من المملوكات وأما المالك فهو التملك الخاص كأن تملك ساعةً أو سيارةً فلا يقال لك ملك وإنما مالك لهذه الأشياء 0
3-أن الملك هو الذي له التصرف المطلق فيما يملك بخلاف المالك فإنه وإن كان مالكاً للسيارة مثلاً فلا ينفذ تصرفه فيها بكل ما يريد فلا يقطع الإشارة مثلاً ولا يتجاوز من اليمين ولا يقف في موقفٍ خاطئ ونحو ذلك فليس له التصرف المطلق فيما يملك 0
4-الملك هو الذي يحكم ولا يملك والمالك يملك ولا يحكم وأما الله تعالى فهو ملكٌ مالك 0
5-أن الملك صفةٌ ذاتيةٌ لله عز وجل وأما المالك فصفةٌ فعلية اختاره الشوكاني ورجحه الشيخ خالد السبت في دروس الأسماء الحسنى المقامة بجامعه 0
وقد ذكر أهل العلم أقوالاً في أيهما أبلغ ملك أو مالك هي كما يلي :
1-الملك أعم وأبلغ فكل ملكٍ مالك لا العكس وأمر الملك نافذ على المالك فلا يتصرف المالك فيما يملك إلا بإذن الملك 0قاله المبرد وغيره 0
2-مالك في حق الله أبلغ لأنه مالك للناس وغيرهم وفي حق المخلوق الملك أبلغ اختاره العربي 0
3-لكل واحدٍ من الوصفين نوع أخصية فالمالك قادرٌ على ماهو مالكٌ له أكثر من الملك فهل يستطيع الملك أن يبيع سيارتك رغماً عنك لو فعل لعدَّ ظالماً ، والملك له أخصية فإنه له التصرف في أمور الرعية ولا يستطيعها المالك 0
الأدلة على ثبوت هذه الأسماء لله تعالى:
1-قوله تعالى{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) سورة الفاتحة وفي قراءة (مالك) وإنما خصه بيوم الدين وهو يوم الجزاء والحساب وهو اليوم الآخر لأنه ليس هناك ملكٌ إلا الله ولا مملوك لغير الله بخلاف الدنيا ففيها ملوكٌ وفيها مماليكٌ من الجن والانس والدواب وغير ذلك 0
2-قوله تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران
3-{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ } (111) سورة الإسراء
4-قوله تعالى{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ } سورة طـه (114) وسورة المؤمنون (116)
5-قوله تعالى{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } (23) سورة الحشر
6- قوله تعالى{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1) سورة الجمعة
7-قوله تعالى { إن المتقين في جنات ونهر فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (55،54) سورة القمر وكذلك في سورة الناس وغيرها ، وأما من السنة فقد وردت أحاديث كثيرة منها :
8-حديث ( أصبحنا وأصبح الملك لله 000) رواه مسلم
9-قوله تعالى يوم القيامة في الحديث القدسي ( أنا الملك أين ملوك الدنيا ) متفق عليه
10-في دعاء الإستفتاح ( اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ) رواه مسلم
11-حديث (اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيءٍ ومليكه ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني انظر حديث رقم ( 4402 ) في صحيح الجامع
ثمرات وآثار الإيمان بهذه الأسماء/
1-أن تحمد الله جل وعلا إذ لم يجعل لملوك الدنيا التصرف المطلق في أرزاق الناس ومملوكاتهم وإلا لأفسدوا في الأرض وارتكبوا العظائم ومنعوا العطايا لمن يكرهون كما قال تعالى{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا} (100) سورة الإسراء ولو آذاهم أحد لأبادوه وأهلكوه وما رحموه ، ولكن الله جل وعلا يكفر به ويشرك به وينسب له الصاحبة والولد ويقال عنه فقير وبخيل وغير ذلك من الأقوال المنكرة وهو مع ذلك يرزقهم ولا يعاجلهم بالعقوبة بل يطلب منهم التوبة ويقول {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (74) سورة المائدة فأي ملكٍ أكرم وأعظم من هذا الملك الذي حياة وموت ونعيم وشقاء هذا المملوك بيده ومع ذلك يتودد إليه ويرحمه ولا يعاجله بالعقوبه فسبحانه من ملكٍ ما أكرمه وما أعظم جوده وإحسانه ولو عبدته الليل والنهار ما أديت شكر هذه النعمة 0
2-إذا علمت أن ملكه جل وعلا شامل لكل شيء ولا يكون في الكون حركةً ولا سكنة إلا بأمره وإذنه وعلمه زادك ذلك رغبةً إليه ورهبةً منه وزهدت في ملوك الدنيا وعلمت أنهم مماليك لله ليس بأيديهم نفع ولا ضر إلا ما شاء الله فأخلصت الطلب منه جل وعلا وجعلت الرغبة له وحده دون من سواه والرهبة منه وحده دون من سواه وأخلصت العبادة له وحده دون من سواه فأثمر ذلك فيك قوة إيمانٍ وصفاء نفسٍ وطمأنينة بال 0
3-إفراده جل وعلا بالعبادة والدعاء والبراءة من الشرك وأهله فإذا علمت أن الله جل وعلا له ملك كل شيء والأنبياء والصالحين والأولياء مماليك له جل وعلا عبيدٌ له وإنما كان صلاحهم حين أخلصوا العبودية له جل وعلا ، أثمر ذلك اليقين بأن النفع والضر بيد الله وحده فلا يدعى غيره ولا يرتجى من سواه إذ كيف تطلب من المملوك وتترك المالك فهل يتصرف المملوك في ملك المالك بغير إذنه فهذا لا يجوز في حق المخلوق ويعتبر خائناً للمالك ، فكيف بالمالك الحق الذي كل الوجود وما فيه ملكه ولا يكون شيءٌ في مملكته إلا بإذنه إما شرعاً وإما قدراً ولا يغيب ولا يخفى عليه شيء ولا يعجزه شيء كما قال تعالى { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} (13) سورة فاطر وأهلك الله من نازعه في ملكه كفرعون وغيره فحذار الحذر أن ترتجي غير الملك الحق وتصرف له مما هو خالصٌ للملك الحق فينتقم منك إما في الدنيا وإما في الأخرى ولا ينفعك من لجأت إليه سواه كما قال تعالى { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (101) سورة هود
4-أن الإيمان بأن الله هو الملك الحق يورث عند المؤمن الثقة بما عند الله وعدم الثقة بما يملكه هو لأنه ملكٌ لله ولو شاء أخذه ، فيدعوه ذاك إلى الإنفاق في سبيل الله وعدم الإقتار والبخل لأن المالك الحق وعده أن سيعوضه في الدنيا قبل الآخرة كما قال تعالى في الحديث القدسي ( يا عبدي أنفق أُنفق عليك ) متفق عليه وكما في حديث ( ما نقصت صدقةٌ من مال ) رواه مسلم وحديث ( اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً ) متفق عليه
5-إنما تكون الطاعة المطلقة لمن له الملك المطلق فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
6-أن يتأدب الإنسان مع هذا الاسم ويعرف قدره ولذا ورد في الحديث ( أن اخنع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ) متفق عليه قال سفيان مثل شاهنشاه أي ( ملك الملوك ) بالفارسية ومعنى اخنع أي أذل وأضل وأحقر فينبغي التحرز عن مثل هذه الأسماء كقاضي القضاة وحاكم الحكام ونحوها ولذا انكره الإمام بن رجب واعتبره من نواقض الإسلام ، ويحذر الإنسان من التعاظم والتكبر على الناس بما عنده من الملك والمال فإنه وما مَلَكَ مُلْكٌ لله وحده ولا يكن كقارون حين ملَّكَهُ اللهُ المال الوفير تعاظم وقال { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي } (78) سورة القصص فخسف الله به الأرض 0 وكذا فرعون حين أعطاه الله الملك تعاظم في نفسه وقال{ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (24) سورة النازعات فأغرقه الله ولم ينفعه ملكه ولا جنوده 0
(( الخالق ، الخلاق ، أحسن الخالقين ))
الخلق هو التقدير والإيجاد على غير مثال سابق ويراد به التشكيل والتصوير كما في خلق عيسى عليه السلام للطيور فإن الذي بعث فيها الروح هو الله ولو كان النفخ من عيسى عليه السلام ، والله جل وعلا هو المقدر والموجد من العدم ، وأما التشكيل والتصوير فقد يكون للبشر وقد جاء الوعيد على المصورين مما يدل على أن لهم قدرةً على التصوير وهذا ظاهرٌ حساً ، وقد قال تعالى { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (14) سورة المؤمنون أي المصورين وليس المراد أحسن الموجدين أو المقدرين لأنه لا موجد من العدم إلا الله ولا مقدر إلا الله، والله جل وعلا له القدرة المطلقة على الخلق إن شاء أفناهم وأعاد خلقهم أو خلق غيرهم لا يعجزه شيء كما قال تعالى{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} (133) سورة الأنعام وقال تعالى {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} (133) سورة النساء
والفرق بين الخالق والخلاق
أن الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم ويصنعه بعلم وحكمة ، والخلاق صيغة مبالغة من الخالق وتدل على كثرة الخلق وتدل على المبالغة من جهة الكيفية لهذه المخلوقات أي أنه يخلق المخلوقات العظيمة بدقة عظيمة كقوله تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ} (4) سورة الملك
ثمرات الإيمان بهذه الأسماء /
1-أن ندعوا الله بها ونتعبد بها فنسمي عبد الخالق وعبد الخلاق ونقول يا خلاق ارزقنا ذريةً طيبة 0
2-أن نشكره على أن أحسن خلقنا وتصويرنا وكرَّمنا على كثيرٍ ممن خلق ، وتذكر نعمة الله عليك حين ترى المبتلين بالعاهات ونحوها علماً أن أقبح إنسانٍ في الوجود لو قلت له أتريد أن يحول الله صورتك إلى أجمل المخلوقات غير الإنسان كالغزال والطاووس أو النخل والزهور لما رضي لأن صورته أحسن منها بلا شك ولذا قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} 3 -سورة التين
فينبغي شكر الله على هذه النعمة والصبر على ما يصيب الإنسان من بلاءٍ أو عاهةٍ في جسده ولا يتسخط لكونه لم يخلق على جمال فلانٍ أو علان فإنه سوف يخلق في الآخرة على أجمل صورة إن كان من أهل الجنة وإنما الدنيا دار ابتلاء وتمحيص ، ومن علامات التسخط غير الكلام السعي إلى تغيير خلق الله عبر العمليات التجميلية وهي محرمة ما لم تدعوا إليها الحاجة كأن يصاب الإنسان بعاهة تعيق حياته الطبيعية كانسدادٍ في الأنف أو الفم أو غيرها فتجوز ، لكن الغريب ممن هو حسن الخلقة فيسعى إلى تغيير خلقته فيغيرها إلى صورةٍ سيئةٍ ليكون شبيهاً بفلانٍ أو علان فأي عقولٍ لهؤلاء 0
4-أن تؤمن بالقدر لأن من معاني الخالق المقدر فهو قدر الأشياء ثم خلقها فيثمر ذلك تعلق قلب المؤمن بربه جل وعلا لأنه هو الذي قدر الأشياء ثم أوجدها فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الرازق وما سواه مرزوق فيصبح المؤمن سائراً على وفق شرع ربه جل وعلا لأنه يعلم أن الخالق أعلم بما يصلح خلقه والصانع أعلم بما فيه صلاح صنعته فشرَّع له من الأحكام والأوامر والنواهي ما إن سار عليه صلح حاله ومآله ودنياه وأخراه وإن تنكبه وخالفه ضاع وهلك فهو كمن يشغل الأجهزة ويصلحها بما يخالف نظامها الذي أعده صانعوها فلا شك أنها ستتلف وتعطب فكذلك الإنسان إذا لم يسر وفق ما أمره به صانعه فإنه سوف يهلك 0
5-التفكر في مخلوقات الله جل وعلا في عظمها وتناسقها وبديع صنعها فإنها تدل على قدرة الخالق وعظمته قال تعالى{قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} (101) سورة يونس وقال تعالى(( فلينظر الإنسان إلى طعامه 0000 )) الآيات من سورة عبس والآيات في هذا المعنى كثيرة ، والإنسان مصنوعاته تحتاج إلى إعادة نظر وتطوير بعد كل فترة ومع ذلك لابد أن يكون فيها عيوب وهذا دليل على ضعفه وعجزه وأن علمه قاصر يحتاج إلى زيادة مرة بعد مرة، لكن الله جل وعلا عليم بكل شيء ومطلعٌ على كل شيء وقادر على كل شيء منذ خلق الخلق لم يحتج إلى تطويرهم ولا إعادة النظر فيهم بل خلقهم على أحسن الأحوال وأكملها ولايقدر أحد على أن يخرج عيباً واحداً في مخلوقات الله جل وعلا 0
من الأدلة على هذه الأسماء :
1-{ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (102) سورة الأنعام
2-{أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) َاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} (126) سورة الصافات
3-{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } (24) سورة الحشر
4-{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} (86) سورة الحجر
5-{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (81) سورة يــس
6-قال صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 7520 )
(( البارئ ))
لغة / قال بن فارس هذه الكلمة الباء والراء والهمزة تدل على معنيين أساسيين :
الأول / وهو الخلق برأ بمعنى خلق وهو من أوضح معانيها قال تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (54) سورة البقرة أي إلى خالقكم
والثاني / بمعنى التباعد والمجافاة والمزايلة نحو ( برأ فلانٌ من المرض )أي باعده وزايله وجانبه وتقول ( برأ فلان من فلان ) أي تبرأ منه وجانبه وباعده كقوله تعالى{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إلا الذي فطرني } (26،27) سورة الزخرف أي مباعد ومزايل ومجافي
ملاحظة / هناك مادة في لغة العرب تشابهها وليست منها فلينتبه لها وهي ( الباء والراء وحرف معتل وهو الواو أو الياء ) نحو ( برئ يبري ، أعطي القوس باريها ) وتدل على معنيين: الأول / نحت الشيء وحكه نحو ( بريت القلم وبرا فلان الهم ) 0 والثاني / المحاكاة فيقال الرجلان يتحاكيان أي يقلد كلاً منهما صاحبه في الكرم أو نحوه 0
والباري شرعاً /
الموجد المبدع من برأ الخلق إذا خلقهم وأوجدهم قال تعالى {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } (22) سورة الحديد أي نخلقها ونوجدها 0 وقيل هو الخالق خلقاً بعد خلق في أطوار كالإنسان من نطفة ثم من علقة 000الخ وقيل هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت أي من الاختلاف والضعف بل خلقه في غاية الدقة والإحكام
وقيل معناه أن الله برئ من كل نقصٍ وعيبٍ في صفاته وأفعاله
والصحيح أنه يشمل ذلك كله فالباري هو الموجد والمنشئ من العدم وهو الذي يخلق شيئاً من شيء كما خلق الانسان من تراب وهو الذي يخلق الخلق بريئاً من العيب والتفاوت كما أنه لا يلحقه نقصٌ ولا عيب في صفاته ولا ذاته ولا أفعاله 0
تنبيهات /
1-أكثر ما يستعمل الباري في خلق ذوات الأرواح ولذا يقال : برأ النسمة أي الروح وما عداها فيقال لها مخلوقة وهذا أغلبي وإلا فقد ورد في المصيبة أنها مبروءة وليست من ذوات الأرواح 0
2-إذا ذكر الخالق مع الباري كما في سورة الحشر فينبغي أن يكون لكلٍ منهما معنىً غير الآخر طلباً لفائدة الكلام ولذا قال بن كثير في هذا الموضع فقط الخالق المقدر والبارئ الموجد ولم يذكره في غيرها من المواضع 0
3-بعض أهل العلم ذكر من أسماء الله تعالى الفاطر والبديع وأنهما بمعنى البارئ والصحيح أنهما يطلقان كما هما مضافان فيقال ( فاطر السماوات والأرض ) أي الذي بدأ خلقها بعد أن كانت عدماً ، كما قال أحد الخصمان في البئر : أنا الذي فطرتها0أي ابتدئتها ، ويقال (( بديع السماوات والأرض )) الذي خلقهما في غاية الإتقان والإحكام وأبدع صنعهما ،ويقال لمن يتقن صنعته :
فلانٌ مبدع أي متفنن في صنعته ، والبدعة هي الأمر المحدث على غير مثالٍ سابق وقيل إنه راجع إلى الله تعالى أي أنه سبحانه بديعٌ في ذاته وصفاته وأفعاله ولذا ذكره الشيخ بن عثيمين رحمه الله من الأسماء ، قاله الشيخ خالد السبت في دروس الأسماء الحسنى 0
الأدلة على هذا الاسم /
1-قوله تعالى قال تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (54) سورة البقرة
2-قوله تعالى {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } (24) سورة الحشر
3-قول علي رضي الله عنه والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا بيغضني إلا منافق . رواه مسلم وقوله حين سأله أبو جحيفة هل خصكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء قال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ) رواه البخاري
(( المصور ))
لغة / التصوير يأتي بمعنى التخطيط والتشكيل
اصطلاحا / الله هو المصور الذي صور جميع المخلوقات على هيئات مختلفة وأشكالٍ متباينة حتى الجنس الواحد مثل الإنسان بين كل شخص وآخر اختلافاً وسيما تميزه عن غيره حتى البصمات والأذواق وغيرها مختلفة فسبحان الخالق العظيم وصدق إذ يقول { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } (3) سورة التغابن فلو كان الانسان بلا جلدٍ ولا لحمٍ وإنما عظامٌ تمشي لكان شكله مرعباً أو كان فيه لحمٌ بلا جلدٍ لكان شكله مقززاً فلما غطيت العظام باللحم وغطي اللحم بالجلد كان شكله حسناً فما أحسن صنع الخالق جل وعلا 0
الأدلة على أن هذا الاسم من أسماء الله جل في علاه /
1- قوله تعالى {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } (24) سورة الحشر
2-قوله تعالى { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } (3) سورة التغابن وقد يقال هذا انسانٌ دميم الخلقة فنقول ولو كان دميماً فهو مصورٌ في أحسن صورة فإن رأسه إلى أعلى ويمشي على قدميه لا على يديه ويأكل بيده لا بفمه مباشرة كالبهائم ، ولو خيَّر أن يكون على صورة أجمل المخلوقات غير الانسان لما رضي لعلمه أن صورته أحسن 0
3-قوله تعالى {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} (8) سورة الإنفطار
4-حديث ( سجد وجهي للذي خلقه وصوره ) رواه مسلم
الفرق بين الخالق والبارئ والمصور /
أن الخلق هو التقدير على مثالٍ أو على غير مثالٍ سابق ، والبرء هو تنفيذ ما قد قدِّر وإخراجه إلى الوجود بإتقان ، والتصوير أن يعطيه السمات التي تميزه عن غيره 0
من ثمرات الإيمان باسم الله المصور /
1-أن لا يتباهى الإنسان بجماله فالله هو الذي أعطاه هذه الصورة الحسنة ولو شاء لنزعها منه فليحمد الله وليكثر من شكره والثناء عليه ، ولا يعير الناس بخلقهم وصورهم فإن في ذلك قدحٌ لمن صورهم 0
2-أن يشتغل العبد بإصلاح باطنه وبما ينفعه في دينه ودنياه ويترك الإشتغال بصورته فإنها خلق الله وينبغي الرضا بها مطلقاً وعدم التسخط بالقول أو الفعل فإن ذلك محبطٌ للأجر ولا يسعى إلى تغيير صورته فإن ذلك من أمر الشيطان كما قال {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ } (119) سورة النساء
قال بن سعدي رحمه الله: وهذا يتناول الخلقة الظاهرة ، بالوشم ، والوشر ، والنمص ، والتفليج للحسن ، ونحو ذلك ، مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن . وذلك يتضمن التسخط من خلقته ، والقدح في حكمته ، واعتقاد أن ما يصنعونه بأيديهم ، أحسن من خلقة الرحمن ، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره .
ويتناول أيضا تغيير الخلقة الباطنة . فإن الله تعالى خلق عباده حنفاء مفطورين على قبول الحق ، وإيثاره . فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل ، وزينت لهم الشر والشرك والكفر ، والفسوق ، والعصيان . إلى أن قال : وهذا الذي جرى عليهم ، من توليهم عن ربهم وفاطرهم ، وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر ، من كل وجه ( سبب خسرانهم ولهذا قال في ختام الآية ) {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} وأي خسارٍ أبين وأعظم ، ممن خسر دينه ودنياه ، وأوبقته معاصيه وخطاياه ؟
فحصل له الشقاء الأبدي ، وفاته النعيم السرمدي . كما أن من تولى مولاه ، وآثر رضاه ، ربح كل الربح ، وأفلح كل الفلاح ، وفاز بسعادة الدارين ، وأصبح قرير العين 0 اهـ ( من تفسيره وأضفت ما بين القوسين ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لعن رسول الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ) متفق عليه وذلك كتكبير الأنف أو الشفاه أو تصغيرها أو غير ذلك إلا أن تكون حاجة كضيق نفس أو نحو ذلك 0
(( السيد ))
السيد في لغة العرب له معانٍ كثيرة منها الرب والمالك فالرجل سيد في بيته وسيد على رقيقه ويقال لمن كمل في صفاته الأخلاقية سيد وهو من السؤدد والشرف ويقال للرئيس سيد قال تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (67) سورة الأحزاب وقال تعالى عن امرأة العزيز {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (25) سورة يوسف وسيد كل شيءٍ أشرفه وأرفعه فتقول هذا سيد المال أي أشرفه وأرفعه وهكذا في غيره 0
وأما الله عز وجل فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده وتعالى في عظمته وكبريائه له الكمال المطلق والسيادة المطلقه وما سواه من السادة عبيدٌ له محتاجون لمن يسودهم ولولا أن الله أراد أن يسودوا لما سادوا على من دونهم من الخلق ولو أن الله تخلى عن خلقه بعد إيجادهم لضاعوا وهلكوا فالسيادة المطلقة والعظمة المطلقة لله جل وعلا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( السيد الله ) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني
وأما المخلوق فيقال له سيد بدون أل التعريف ولكن بالإضافة فيقال ( سيد بني فلان أو سيد قبيلة كذا ونحو ذلك ) ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أنا سيد ولد آدم ) رواه مسلم وقال للأنصار ( قوموا إلى سيدكم ) يعني سعد بن معاذ متفق عليه والمخلوق قد يقال له حكيم وعليم وملك لكن ليست حكمته وعلمه وملكه كحكمة وعلم وملك الله جل وعلا فكذلك يقال له سيد وليست سيادته كسيادة الله فللمخلوق سيادةٌ تناسب ضعفه وعجزه وللخالق جل وعلا السيادة المطلقة التي تناسب عظمته وقوته وجبروته جل وعلا 0
من ثمرات الإيمان باسم الله السيد /
1-تعظيم الله وإجلاله فإن الناس يعظمون سيدهم البشري ويجلونه ويقدرونه ويحترمونه ويسمعون له ويطيعون ، فمن باب أولى أن يعظم من له السيادة المطلقة عليهم وعلى سيدهم وهو الله جل في علاه فيجب تعظيمه جل وعلا وإجلاله والسمع والطاعة له ولرسله عليهم الصلاة والسلام لأنهم يأتون بأوامره ونواهيه 0 يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الثلاثاء 28 يونيو 2011, 12:12 am | |
| -أن الشرف والسؤدد الحقيقي إنما ينال بطاعة الله جل في علاه وتقواه ولذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم سادة الناس وأما الكفار والفساق والمنافقين فهم أذل الناس مهما بلغوا من الملك والسلطان فإن ذل المعصية يلاحقهم أينما ساروا ، وينبغي على المؤمن
2-أن لا يعزهم بعد أن أذلهم الله ولذا جاء في الحديث ( لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل ) رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وصححه الألباني
3-ينبغي على من حصل له شيءٌ من السيادة الدنيوية أن لا يغتر ولا يبطر ويتكبر على الخلق فإنها سيادةٌ مسبوقةٌ بعدم ملحوقةٌ بفناء وهي في أثناءها منقوصة ، فينبغي التواضع ونصرة الحق وليجعل سيادته نافعةً له عند ربه بأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومنعهم من الشر بقوة السيادة وليعلم أنه خليفة الله في الأرض استخلفه ربه ليقيم شرعه بين الناس 0
4-أن يعلق المؤمن تعلقه ورجاءه بمن له السيادة الحقة القادر على النفع والضر والإعطاء والمنع وهو الله جل في علاه ، ويزهد في أسياده من البشر فإنهم مهما بلغوا من السيادة فهم فقراء ضعفاء محتاجون إلى الله جل وعلا فمن يشافي مرضاهم ويرحم موتاهم ويعز سلطانهم ويذل أعدائهم ومن يرزقهم المال والذرية ويسلمهم من العاهات والبلية إلا الله وحده ، فإذا كان هذا حالهم فلماذا تعلق آمالك بهم وتنسى السيد الحق الذي لا يحتاج إلى معينٍ ولا ظهير ولا وليٍ ولا نصير ولا يشغله حالٌ عن حال {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (29) سورة الرحمن
(( الصمد ))
الصمد له عدة معانٍ في لغة العرب منها :
1-أنه الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد ومنه قول معاذ بن الجموح فصمدت له أي لأبي جهل أي قصدته طالباً حاجتى منه وهي القتل 0
2-أنه السيد المطاع الذي لا يقضى دونه أمر 0
3-أنه المصمد الذي لا جوف له 0
4-أنه الرفيع عن كل شيء يقال بناءٌ مصمد أي مرتفع 0
وأما معنى اسم الله الصمد فله عدة معانٍ عند السلف منها :
1-أنه السيد الذي قد انتهى إليه السؤدد فلا أحد فوقه اختاره الطبري
2-أنه المصمد الذي لا جوف له فلا يأكل ولا يشرب ولا يخرج منه شيء فيكون تفسيرها في سورة الإخلاص الآية التي تليها (( لم يلد ولم يولد ))
3-أنه الدائم الباقي الذي لا يفنى 0
4-أنه الذي يصمد إليه في الحوائج ويقصد في النوائب 0
5-أنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله وأقواله 0
6-أنه الذي تصمد إليه قلوب العباد رغبةً ورهبة 0
والصحيح أنه يجمع كل هذه المعاني ولذا فإن هذا الاسم من الأسماء الدالة على جملة أوصاف كلها ثابتةٌ في حق المولى جل وعلا وأقوال السلف ليست متضادة ، ولذا فإن هذا الإسم من الأسماء الخاصة به جل وعلا فلا يطلق على المخلوق بأل التعريف فيقال ( فلانٌ الصمد ) وإنما يمكن أن يقال فلانٌ صمد في كذا وكذا بمعنىً يليق به كمخلوقٍ ضعيف وأما الصمدية بالمعنى الشامل فلا تكون إلا لله جل وعلا فهو المقصود في جميع الحوائج هو النافع الضار الرافع الخافض المعز المذل العلي العظيم هو السيد الذي انتهى إليه السؤدد والعظيم الذي قد انتهت إليه العظمة الحليم الذي قد انتهى إليه الحِلْم الكريم الذي قد انتهى إليه الكرم وهو الكامل في كل صفات كماله ونعوت جلاله لا أحد فوقه ولا يكون شيءٍ إلا بإذنه وعلمه هو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير 0
وأما ثمرات الإيمان بهذا الاسم فهي كثيرة منها ما يلي :
1-دعاء الله به فإنه قد يكون الاسم الأعظم لله جل وعلا فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعوا ويقول ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولد.....) فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سأل به أعطى وإذا دعي به أجاب ) رواه أبو داود والترمذي وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني
2-أن تقصد الله وحده في طلب حاجاتك وتفريج كرباتك لأن الله جل وعلا هو الصمد الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد فيقضي حوائج الخلائق ولا ينقص ذلك من ملكه إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، فيا عجبا لمن يطرق أبواب الناس يستعطفهم ويرجوا نوالهم وأعطياتهم ونسي أو تناسى رب الناس من بابه مفتوح وفضله وكرمه يغدوا ويروح
وصدق الشاعر القائل
لا تسألن بُني آدم حاجةً وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب
قال عليه الصلاة والسلام ( من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل ) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه الألباني انظر حديث رقم (6566) في صحيح الجامع
3-ينبغي للمخلوق أن يقضي للناس حوائجهم ويعينهم فيقتدي بربه جل وعلا فيصمد للناس فيما يقدر عليه ولا يعيش لنفسه 0
(( الرحمن ، الرحيم ، ذو الرحمة الواسعة ))
مشتقةٌ من الرحمة ، والرحمن أبلغ لأنه على وزن ( فعلان ) وهو أبلغ عند العرب وقد ذكر أهل العلم من الفروقات بين الرحمن والرحيم ما يلي :
1-الرحمن تشمل جميع الخلائق فهي رحمةٌ عامة والرحيم ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين قال تعالى{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (43) سورة الأحزاب فتقديم الجار والمجرور والمعمول وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر ، لكن قد يشكل عليه قوله تعالى { إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة
2-أن الرحمن صفة ذات والرحيم صفة فعل فالرحمن يدل على الرحمة الذاتية التي هي صفة ذات لله تعالى لا تنفك عنه والرحيم القدر المتعدي من الرحمة ولذا قال تعالى{ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (117) سورة التوبة ولم يقل ( رحمان ) ولما تكلم عما هو مختصٌ به وهو العرش ذكر الرحمن فقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه ولم يقل ( الرحيم ) وهو ما اختاره بن القيم ذكره خالد السبت ، وقيل قرنه به لسعة رحمتة بالمخلوقات كما أن عرشه أوسع المخلوقات 0
3-الرحمن من الأسماء المختصة بالله تعالى فلا يقال عن المخلوق أنه رحمان ، ولم يتجرأ أحدٌ على أن يتسمى به إلا مسيلمة الكذاب فكان يقال له ( رحمان اليمامة ) فوصم بالكذب فلا يذكر إلا قيل ( الكذاب ) ازدراءً واحتقاراً لمن تجرأ على أسماء الله المختصة به فتسمى بها 0
مسألة /
العرب تعرف اسم الله الرحمن وانكارهم له في قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ } (60) سورة الفرقان وقولهم ( ما نعرف إلا رحمان اليمامة ) إنما هو من باب الكبر والطغيان والمخاصمة لكن الكذب صاحبه مفضوح ولذا لما أرادوا أن يخاصموا الرسول صلى الله عليه وسلم في المشيئة قالوا كما قال تعالى {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم } (20) سورة الزخرف وورد ذكر الرحمن كثيراً في أشعارهم في الجاهلية 0
الأدلة على هذين الاسمين كثيرة في الكتاب والسنة منها :
1-قوله تعالى (( بسم الله الرحمن الرحيم )) في ابتداء كل سورة عدا براءة وبعض آيةٍ من سورة النمل{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (30) سورة النمل
2-قوله تعالى (( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم )) سورة الفاتحة
3-قوله تعالى (( الرحمن علم القران )) بداية سورة الرحمن
4-قوله تعالى { وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (104) سورة التوبة
5-قوله تعالى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (9) سورة الشعراء والآيات كثيرة وأما الأحاديث فمنها:
6-قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت الغفور الرحيم ) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني
7-عن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك ( أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته ) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني
أنواع الرحمة من حيث إضافتها للرب جل في علاه نوعين :
1-مخلوقة وهي التي تضاف إلى الله عز وجل من باب إضافة المخلوق إلى خالقه نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( تحاجت الجنة والنار ) وفيه فقال للجنة ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) متفق عليه والجنة مخلوقة و ولذا جاز أن يقال : اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك ، يعني الجنة ، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ) متفق عليه والرحمة التي في المخلوقات مخلوقة 0
2-غير مخلوقة وهي التي تضاف إلى الله عز وجل من باب إضافة الصفة إلى متصف بها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 4777 )
والرحمة من حيث تعديها للمخلوقات نوعين أيضاً :
1-رحمة عامة للمخلوقات بالرزق والصحة وغير ذلك فتشمل حتى الكفار والبهائم وجميع المخلوقات قال تعالى{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (156) سورة الأعراف
2-رحمة خاصة بالمؤمنين بتأييدهم ونصرهم وهدايتهم وإسعادهم وغير ذلك 0
من آثار رحمة الله :
1-أن سخر لنا كل ما في السماوات والأرض كما قال تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (20) سورة لقمان وقال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (13) سورة الجاثية وقال تعالى{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} (33) سورة إبراهيم وقال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) سورة النحل وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (14) سورة النحل وقال تعالى{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (65) سورة الحـج
2-من رحمته إرسال الرسل وإنزال الكتب كما قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) (107) سورة الأنبياء وقال تعالى {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (61) سورة التوبة وقال تعالى {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} (157) سورة الأنعام وقال تعالى{وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (52) سورة الأعراف وقال تعالى{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (154) سورة الأعراف وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (57) سورة يونس
3-من آثار رحمة الله قبول التوبة كما قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر فما أوسع رحمة الله كيف فتح باب التوبة لمن عصاه فإن سلكه فرح بتوبته وجعله من أولياءه وأحبه كما قال تعالى{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } (222) سورة البقرة فهل أحدٌ منكم يعامل من عصاه بمثل هذه المعاملة مع فقرنا إلى الله وغناه عنا ، قال صلى الله عليه وسلم ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت عنه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه مسلم
4-ومن آثار رحمته ما جعله في قلوب الآباء والأمهات تجاه أولادهم حتى ترفع الدابة حافرها عن وليدها خشية أن تؤذيه ، ولو نزع الله الرحمة منهم تجاه أولادهم لما رعت الأم أولادها ولما تعبت من أجلهم وكذا الأب ولهلكوا دون نظرٍ لحالهم ولا شفقةٍ عليهم بانعدام الرحمة 0
5-ومن رحمته بعباده تكليفهم بما يطيقون ورفع الحرج عنهم فلو كلفنا بما يشق علينا كتكرار الحج كل سنة وتحريم الصيد ونحو ذلك لوجب علينا ولما استطعنا وعصينا فهلكنا 0
6-المصائب من رحمة الله فكم من مسرف على نفسه بالعصيان لمَّا أصيب بمصيبةٍ رجع وأعلن التوبة والإذعان ولولا ذلك لكان من حطب النيران ، ولذا الطبيب حين يبتر عضواً من أعضاء المريض فهو مع كونه فعلٌ قاسي ولكن ذلك لمصلحة المريض نفسه لئلا يتعدى المرض على سائر أعضائه فيهلك فكذلك المصائب التي يحدثها الله لعباده هي لمصلحتهم ، فإن كانت لعاصي فهي تخفيف ورحمة وإن كانت لمطيع فهي رفعة ومنحة 0
ملاحظة /
أنكر المبتدعة أن الله رحيم وقالوا الرحمة رقةٌ في القلب يتبعها ذلٌ وانكسارٌ للمرحوم وهذه صفة نقصٍ ينزه الله عنها 0
والجواب أن هذه رحمة المخلوق أما رحمة الله فهي رحمةٌ تليق بجلاله وعظمته لا ندرك كيفيتها 0
(( الحنان ))
الحنان هو الرحمة قال تعالى{وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} (13) سورة مريم أي رحمةً من عندنا أو تعطفاً منا يقال يحن فلان إلى فلان أي يشتاق ويحن فلان على فلان أي يعطف ، قال بن كثير : جعل الله الحنان صفةً ليحيى عليه السلام وقال غيره من المفسرين الحنان من الله فجعلوه صفةً لله وهو بمعنى الرحمة قال بن الأثير : الله هو الحنان ذو الرحمة على وزن فعال من المبالغة في الرحمة ، ولم يرد في القران إلا في هذا الموضع عند من يجعله صفةً لله لا ليحيى وورد في السنة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عياش زيد بن الصامت الزرقي وهو يصلي وهو يقول اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى )رواه أحمد واللفظ له وابن ماجه وصححه الألباني وحديث ( ثم يتحنن الله برحمته على من فيها فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبةٍ من إيمانٍ إلا أخرجه منها ) رواه أحمد والحاكم وصححه على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي وآثار الإيمان به كآثار الإيمان باسمه الرحمن الرحيم 0
(( الرؤوف ))
أخص الرحمة وأرقها وأشدها يقال لها رأفة ولا تكون إلا في المحاب وأما المصائب فيصاب بها الإنسان بمقتضى الرحمة لا بمقتضى الرأفة فينبغي لمن أصيب بمصيبة أن يجمع بين هذين الاسمين فيقول ( يا رؤوف ارأف بي ويا رحيم ارحمني ) فيعامل بمقتضى الرحمة فتكون المصيبة لرفعة الدرجات وتكفير السيئات ويعامل بالرأفة فتخفف عليه المصيبة أو ترفع ، وقد ورد في القران مفردا في قوله تعالى {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} (30) سورة آل عمران وورد مقرونا بالرحمة في قوله تعالى { إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة وقال تعالى{ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (9) سورة الحديد
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم :
1-محبة الإله العظيم حين تنظر إلى آثار رأفته بك وبمن حولك فتعلم أنه إله رؤوف رحيم كريم عظيم لم يخلق الخلق ويتركهم سدى بل أصح أبدانهم وأسلم عقولهم ورزقهم من كل شيء ورأف بهم من كل مكروه فله المنة والشكر 0
2-إذا أدرك الإنسان عظيم رحمة الله ورأفته لم يقنط من رحمته ولم ييأس من نعمته ولم يلقي للمصائب بالاً لأنه يعلم أن ربه رؤوف رحيم وأن فرجه قريب 0
3-أن يتصف المؤمن بالرأفة والرحمة اقتداء بربه جل وعلا لأنه إنما يرحم الله من عباده الرحماء ومن الرحمة بالناس الرأفة بالصغار والرحمة بالكبار وخفض الجناح للوالدين وصلة الأقارب والتودد إليهم ، والعفو عن المسيء من الناس وإكرام المحسن والتألم لآلآم المسلمين والفرح بفرحهم والحزن لزلاتهم والتواضع لعباد الله ، لكن ينتبه للساعات التي ينبغي فيها الحزم مع الرحمة كساعات قتال الكفار وساعات إقامة الحدود وساعات تأديب العصاة ونحو ذلك لأن من الناس من تغلبه العاطفة فلا يؤدي حق الله من قتال الكفرة أو إقامة الحدود على العصاة كالزناة ونحوهم وقد قال تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } (2) سورة النــور
4-التعرض لرحمات الله بالإحسان إلى خلقه كما قال تعالى { إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة الأعراف فينبغي على المؤمن أن يحسن إلى الناس فيكرم الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وسائر الضعفة وينفق عليهم ويلين لهم الكلام ، ومنه إحسان العبادات بأن تكون خالصة لله وفق شريعة رسول الله لارياء فيها ولا بدعة0
5- الحياء من الله فكما رحمك ورأف بك وستر عيوبك وأنالك مطلوبك تعصيه فلا يعاجلك بالعقوبة وتتوب إليه فتجده تواباً رحيماً فكان ينبغي لك أن تستحي منه كما تستحي ممن أحسن إليك أو أعظم بحسب إيمانك 0
6- من علم أن ربه رؤوف رحيم فلا ينبغي أن يرفع شكواه لغيره فهل يشكو من يرحم إلى من لا يرحم كما قال تعالى {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (84) سورة الأنبياء وهكذا سائر الأنبياء والصالحين كانت شكواهم لله وحده كما قال يعقوب { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (86) سورة يوسف
(( العزيز ، رب العزة ، المعز المذل ))
العزة في اللغة / تد على معانٍ كثيرةٍ منها القوة والغلبة والرفعة والامتناع ، يقال : رجلٌ عزيز أي منيع لا يغلب ولا يقهر ، ويطلق على الندرة فيقال : معدنٍ عزيز أي نادر 0
وأما معناه كاسمٍ من أسماء الله جل وعلا فقال العلماء يدل على إثبات صفة العزة لله جل وعلا وعزته جل وعلا لا حدود لها لكن ذكر العلماء ثلاثة معانٍ من معانيها وهي :
1-عزة القوة فهو القوي وما سواه ضعيف
2-عزة الامتناع فلن يبلغ العباد ضره فيضروه ولا نفعه فينفعوه.
3-عزة القهر والغلبة لكل شيء فلا يستطيع أحد أن ينازعه في سلطانه ولا أن يفعل فيه شيءٌ بلا إذنه وعلمه ، وما يفعله العبد من الطاعات فقد أذن الله له في ذلك قدراً وشرعاً ، وما يفعله من المعاصي فقد أذن له قدراً وحرمه عليه شرعاً ، فتنبه لهذا فإنه نفيس ، وإنما يحاسب العبد على الإذن الشرعي لا القدري وليس في الاذن القدري حجةٌ للعصاة كما قال تعالى{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } (35) سورة النحل أي إنما تحاسبون على ما جاءتكم به الرسل من الأوامر والنواهي لا على الأقدار
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية:
وهو العزيز فلن يرام جنابه أنى يرام جناب ذو السلطـان وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شـيء هذه صفتـان وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذٍ ثلاث مــعان
والأدلة على هذا الاسم كثيرة وإذا تتبعنا هذا الاسم في القران الكريم وجدناه غالباً ما يقرن بالحكمة كقوله تعالى {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (1) سورة الصف وربما قرن بالرحمة كما في قوله تعالى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (9) سورة الشعراء وربما قرن بالمغفرة كقوله تعالى {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (66) سورة ص وقوله {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك وربما قرن بالعلم كقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (78) سورة النمل
وذلك والعلم عند ربنا لئلا يتوهم أن عزته تدعو إلى الانتقام والبطش بلا سبب إنما ليهاب كما يفعل ملوك الأرض لكنَّ عزة ربنا مقرونةً بحكمةٍ ورحمة وعلم ولذلك كانت عزة ربنا سبباً لصلاح الدنيا والآخرة وسبباً لأن يشكر ويحمد كما قال تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (6) سورة سبأ وربما قرنت باسمه الوهاب كقوله تعالى {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} (9) سورة ص
ليُعلم أن عزته لم تدعوه إلى التضييق والتقتير على الناس كما هو فعل بعض الملوك بل هو سبحانه واهب العطايا كلها وليس في الوجود نعمةٍ إلا وهي منه جل في علاه حتى العزة التي في المخلوقين إنما هي منه جل وعلا ولو شاء لسلبها عنهم كما قال تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران ولذلك قال تعالى {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} (65) سورة يونس وقال تعالى{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (180) سورة الصافات
من ثمرات وآثار الإيمان بهذه الأسماء /
1-إذا علم المؤمن أن ربه عز وجل هو العزيز وما دونه الذليل ، دعاه ذلك إلى اللجوء إليه وحده دون من سواه والاعتزاز به وحده فأورثه ذلك عزةً في قلبه وعزةً في حياته وبعد مماته ، ومهما ابتغى العبد العزة عند غير الله فلن يجد إلا الذلة والهوان كما قال تعالى {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} (139) سورة النساء وقال تعالى {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } (10) سورة فاطر وقال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (8) سورة المنافقون
2-إذا علم المؤمن أن ربه هو القوي العزيز وأنه هو المعز المذل حمله ذلك على عدم الخضوع والاستكانة والذلة لأعداء الله وصار قوياً عليهم غير هائبٍ لهم كما قال تعالى في وصف عباده {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (54) سورة المائدة
فمهما قال لهم اللائمون أنتم تريدون قتال أقوى دولةٍ في العالم من تمتلك الصواريخ النووية والقنابل الذرية والتكنلوجيا الحربية ونحو ذلك من العبارات التخويفية لم يخوفهم ذلك ولم يقبلوا قول اللائمين في ترك قتالهم بل اعتزوا بربهم وعلموا أن العزة منه وحده والقوة له وحده ففعلوا ما يقدرون من الأسباب ثم استعانوا برب الأرباب ففازوا بقول الله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (174) سورة آل عمران وهذا أعظم النصر 0
3-إذا علم العبد أن الله هو العزيز وما سواه الذليل حمله ذلك على التواضع وترك التكبر ، وعلى العفو وترك التشفي والانتقام ، وعلى اللين وترك الغلظة والشدة كما قال صلى الله عليه وسلم ( ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه ) رواه مسلم
والعزة تنقسم من حيث الإضافة إلى الله إلى قسمين :
الأول / ما يضاف إلى الله من باب إضافة الصفة إلى متصفٍ بها كما جاء في الحديث عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . قال ففعلت فأذهب الله ما كان بي ) رواه مسلم
الثاني / ما يضاف إلى الله ممن باب إضافة المخلوق إلى خالقه وهي العزة المخلوقة التي يعز الله بها أنبياءه وعباده الصالحين 0 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنا كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله 0رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
(( العالم ، العليم ، علام الغيوب ، عالم الغيب والشهادة ))
العلم في اللغة / ضد الجهل وهو إدراك الشيء على حقيقته 0
والعالم اسم الفاعل من علم يعلم علماً فهو عالم والعليم والعلام من صيغ المبالغة
والله جل وعلا هو الموصوف بالعلم الكامل الشامل الذي لم يسبق بجهلٍ ولا يلحقه نسيان فهو العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون كما قال تعالى{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (22) سورة الأنبياء وقال تعالى{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (91) سورة المؤمنون وقال تعالى {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا} (100) سورة الإسراء
والعلم من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله جل وعلا قال تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (7) سورة المجادلة وقال تعالى{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (59) سورة الأنعام وقال تعالى{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة وقال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (9) سورة الرعد وقال تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} (81) سورة الأنبياء وقال تعالى{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (78) سورة التوبة وقال تعالى{يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (109) سورة المائدة وقال تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (48) سورة سبأ ومن الأحاديث عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول ( إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أوقال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به . قال ويسمي حاجته ) رواه البخاري وغيره
ثمرات الإيمان بهذه الأسماء /
1-تعظيم الله جل وعلا ومراقبته في كل حركةٍ وسكنة ، فإن العبد إذا علم أن ربه جل وعلا لا يخفى عليه شيءٌ من أمره ما ظهر منه وما بطن أصلح ظاهره وباطنه وخاف من ربه ولم يعمل إلا ما يرضي ربه فأثمر ذلك قوةً في الإيمان وسلامةً من العصيان وقرباً من الرحمن فنتج عن ذلك فوزاً بالجنان وسلامةً من النيران فما أعظم هذه الثمرة 0
2-إذا علم العبد أن ما يصيبه من تقلبات الحياة قد علمه الله وقدره عليه لم يبطر إذا أصابه خير ولم يقنط إذا أصابه ضير ، ورضي بما قدره ربه عليه كما قال تعالى {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (23) سورة الحديد
3-إذا علم العبد أن من أسماء الله العليم أدرك فضل العلم وأن الجهل صفةٌ ذميمةٌ ينزه عنها الرب جل وعلا ، حمله ذلك على طلب العلم والاستزادة منه ليمحو عن نفسه وصمة الجهل وليقتدي بربه عز وجل فإن الله عليمٌ يحب العلماء رحيمٌ يحب الرحماء كريمٌ يحب الكرماء وقد أثنى الله عز وجل على أهل العلم في كتابه فيحرص على أن يكون من الذين أثنى عليهم ربه عز وجل 0 (( السميع ))
السمع في اللغة / له أربعة معان :
1-سمع إدراك للأصوات نحو قوله تعالى{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (1) سورة المجادلة وقد جاء في النصوص على ثلاثة معان الأول / شمول السمع كالآية السابقة ، الثاني / سمع تأييد كقوله تعالى {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (46) سورة طـه الثالث / سمع تهديد كقوله تعالى {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } من الاية(181) سورة آل عمران
2- سمع فهم للمعاني ومنه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (104) سورة البقرة قال القرطبي : حض على السمع الذي في ضمنه الطاعة اهـ من تفسيره ولا تمتكن الطاعة إلا لما فهم معناه 0
3- سمع إجابة نحو قوله تعالى{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} (39) سورة إبراهيم ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع ) رواه مسلم وغيره ومعنى لايسمع هنا أي لا يستجاب له وإلا فالله يسمع كل شيءٍ سمع إدراك 0
4- سمع قبول وانقياد نحو{وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } (41) سورة المائدة أي قابلين منقادين له 0
اصطلاحاً / من أسماء الله ( السميع ) ويدل على أنه سبحانه لا يخفى عن سمعه مسموع ولا تختلط عليه الأصوات رغم تعددها في وقتٍ واحد واختلاف لغات أهلها وتفننهم في تعدد حاجاتهم وإخفاء أصواتهم ، ومع ذلك فلا يخفى على الله شيءٌ من حديثهم قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (1) سورة المجادلة رواه بن ماجة وغيره وصححه الألباني
ويدل على إثبات صفة السمع لله جل وعلا من غير تكييفٍ ولا تمثيل خلافاً للمعطلة والمؤولة الذين يقولون معنى السميع أي المسمع وقال بعضهم أي العليم وقال بعضهم إنه اسم مجرد لا يدل على صفة فهو السميع بلا سمع ، وكل هذا فراراً من إثبات صفة السمع لله رب العالمين وهذا من ضلالهم وانحرافهم عن الطريق السوي ، وأما أهل الحق فيثبتون لله سمعاً يليق بجلاله وعظمته بلا تمثيلٍ ولا تكييف كما أثبته الرب لنفسه جل في علاه فقال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى فهل هؤلاء أعلم بالرب من نفسه سبحانك هذا بهتانٌ عظيم 0
وينبغي الانتباه إلى أن إثبات صفة السمع لله رب العالمين لا يستلزم إثبات وجود الأذن كما أن إثبات صفة الكلام لا يستلزم وجود الفم ، فسمع الله وكلامه ليس كسمع وكلام مخلوقاته فلا يستلزم ما يلزم لها ، فلينتبه لهذا ، وليعلم المؤمن أن عقيدة أهل الحق إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ، وما لم يذكر في كتابٍ ولا سنة فلا يثبتونه ولا ينفونه ويكلون علمه إلى عالمه ولا يخوضون في صفات الرب بلا دليل فإن خطر ذلك عظيم إذ فيه تجرؤٌ على الرب جل وعلا 0
ثمرات الإيمان باسم الله السميع /
1-مراقبة الله جل وعلا فلا يتكلم العبد إلا بما يرضي الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني
2-إذا علم العبد أن ربه يسمع دعاءه وقد أمره بالدعاء ووعده بالإجابة حمله ذلك على الإكثار من دعاء ربه والالتجاء إليه وحده فكان قريباً من ربه عز وجل فإن الله يحب المكثرين من دعاءه الذين لا يرجون سواه 0
3-إيمان العبد بهذا الاسم يهون عليه ما يلاقيه من أذى الكفار وغيرهم من السباب والشتم والاستهزاء لأنه يعلم أن ربه يسمع كلامهم وسيجازيهم عليه عاجلاً أو آجلاً وأنهم ما آذوه إلا لكونه من عباد الله وأولياءه فيفرح لأنه يعلم أن ربه سيجازيه على صبره من أجل نصرة دينه فقد حصًّل السعادتين سعادة البال في الدنيا وسعادة الفوز في الأخرى 0
(( البصير ))
البصير له معنيان الأول / المبصر ، والثاني / ذو البصيرة أي الخبرة والاطلاع على بواطن الأمور وكلا المعنيين ثابتين في حق الرب جل وعلا فالله جل في علاه هو البصير الذي أحاط بصره بكل شيء ولا تؤثر على رؤيته الحواجز والأستار فيرى جريان الدم في عروق القلب ويرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى ما كان أصغر منها فلا يغيب عن عينه شيء مهما دق أوخفي ،
قال الشاعر
يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليـلِ ويرى مناط عروقها في نحـرها والمـخ في تلك العظام النحل أمنن عليّ بتوبة تمحو بهـا مـا كان مني في الزمان الأول
وقال بن القيم رحمه الله /
وهـو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصوان ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى نياط عـروقها بعيان ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كـذاك تقلب الأجفان
والله جل وعلا بصير ببواطن عباده خبيرٌ بهم عليمٌ بما يصلحهم كما قال تعالى {وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15) سورة آل عمران فيعلم أن هذا العبد يفسده الغنى فمنعه إياه رحمةً به وآخر يقنطه الفقر فأغناه في الدنيا وأخره خمسمائة يومٍ عن دخول الجنة بعد الفقراء لتلذذه بالغنى في الدنيا وهكذا الصحيح والمريض والأعمى والبصير ونحو ذلك 0
والأدلة على هذا الاسم كثيرة ومنها قوله تعالى {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (134) سورة النساء وقال تعالى{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (20) سورة غافر وقال تعالى{ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (110) سورة البقرة وغير ذلك من الأدلة ويتضمن هذا الاسم إثبات صفة البصر والرؤية للرب جل في علاه كما قال تعالى {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (46) سورة طـه
وقال تعالى{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (14) سورة العلق وقال تعالى {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (219) سورة الشعراء وروى أبو داود رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ) قال أبو داود قال بن يونس قال المقرئ يعني أن لله سمعاً وبصراً قال أبو داود وهذا ردٌ على الجهمية 0 صحح إسناده الألباني وقد ثبت أن لله جل وعلا عينان تليقان بجلاله وعظمته فنثبتهما أيضاً من غير تمثيل ولا تكييف ومن غير تأويلٍ ولا تعطيل كما قال تعالى{ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (39) سورة طـه
وقال تعالى{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } (27) سورة المؤمنون وقال صلى الله عليه وسلم ( ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) متفق عليه وقال ( إن الله لا يخفى عليكم إن الله تعالى ليس بأعور وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ) متفق عليه والأعور هو الذي قد ذهبت إحدى عينيه فلا يرى بها فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل العور فدلَّ على أن له عينين يرى بهما ، وأما الجمع في الآية فللتعظيم وأما الإفراد فلبيان الجنس أي بجنس العين تكون الرؤيه ، وقد وردت مضافة وقد تقرر في الأصول أن المفرد المضاف يعم فيكون المعنى : كل عينٍ لي 0
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) بالإفراد رواه أحمد والنسائي وغيرهما وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 3124 ) وسيأتي تفصيل الكلام على صفة العين في الكلام على الصفات الذاتية
من ثمرات الإيمان باسم الله البصير /
1-ترك المعاصي ما صغر منها أو كبر لأن العبد إذا علم أن ربه جل وعلا يراه وأنه مهما اختفى عن أعين الناس فلن يختفي عن عين الرب منعه ذلك من ارتكاب الفواحش خشية أن يراه الرب عليها فيسخط عليه فامتنع عن كثيرٍ من الذنوب بسبب إيمانه بهذا الاسم العظيم
2-إذا علم العبد أن ربه يراه أخلص العبادة له واجتهد فيها حتى يبلغ درجة المحسنين كما جاء في حديث جبرائيل وفيه فقال جبرائيل عليه السلام : أخبرني عن الإحسان قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) متفق عليه
ولأجل عدم الإطالة فإننا نذكر معنى الاسم والأدلة عليه ونترك الثمرات يخرجها المؤمن بما يفيض عليه ربه من فتوحاته فإن ما ذكرناه مما تقدم من الثمرات إنما هو غيضٌ من فيض وإلا فإن ثمرات الإيمان بأسماء الله أعظم من ذلك وأجل 0
* *
(( الحي ))
الله جل وعلا هو الحي الذي لا يموت ولا يفنى ، وحياته سبحانه أكمل الحياة وأتمها فهي تستلزم جميع الكمالات وينتفي عنها جميع النقائص فهو جل وعلا منزهٌ عن النوم والسنة كما قال تعالى {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } (255) سورة البقرة وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) رواه مسلم وهو منزهٌ عن التعب والسقم ومنزهٌ عن كل ما يضاد كمال الحياة ، وهو جل وعلا المحيي لغيره فحياة القلوب والأبدان بيده 0
* *
(( القيوم ))
القيوم الذي قام بنفسه فلم يحتج إلى أحد لكمال قدرته وغناه ، المقيم لغيره لفقرهم وحاجتهم إليه فلولاه ما قام الوجود ولا انتظم الكون 0
وورد أن اسم الحي واسم القيوم هما الاسم الأعظم وتقدم الكلام عنه 0
والأدلة على هذا الاسم كثيرة منها قوله تعالى {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } (255) سورة البقرة آية الكرسي وقال تعالى {اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) سورة آل عمران وقال تعالى {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} (111) سورة طـه وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه كربٌ أو أصابه همٌ أو غم قال ( يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث ) رواه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 4777 ) ورقم ( 4791 )
(( الأول والآخر والظاهر والباطن ))
قال تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3) سورة الحديد وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ) رواه أبو داود والترمذي وبن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 4424 ) فالأول هو الذي لم يتقدم عليه شيء وهو سبحانه أولٌ بلا ابتداء ، والآخر الباقي بعد خلقه بلا انتهاء والظاهر أي العالي علو عظمةٍ وعلو ذات فلا شيء فوقه ، وهذا من أدلة أهل السنة على إثبات العلو وسيأتي الحديث عنها مفصلاً إن شاء الله تعالى ، والباطن فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالقرب فهو جل وعلا مع علوه المطلق الذي لا يدانيه شيء إلا أنه أقرب إلى عباده ومخلوقاته من أنفسهم كما قال تعالى { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (16) سورة ق وقال تعالى {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الثلاثاء 28 يونيو 2011, 12:28 am | |
| وعن أبي موسى الأشعري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيراً وهو معكم والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) متفق عليه والمراد قرب إحاطةٍ وعلمٍ وقدرة لا قرب ذات فإن ذاته في العلو 0
* * *
(( الحكم ، الحكيم ، أحكم الحاكمين ، خير الحاكمين ))
الحكم / القاضي العدل الحاكم بين خلقه بأمره فلا يخرجون عن ما حكم الله عليهم به إما شرعاً وإما قدراً قال تعالى{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (70) سورة القصص وقال تعالى{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} (26) سورة الكهف
والحكيم / الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب فلا يأمر ولا ينهى ولا يخلق عبثاً إنما ذلك صادرٌ عن حكمةٍ بالغة 0
والإسمان يدلان أيضاً على الإحكام وهو الإتقان فالله جل وعلا هو المتقن في خلقه وشرعه فخلقه متقن كما قال تعالى {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (88) سورة النمل وقال تعالى {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } (7) سورة السجدة وشرعه متقن فما شرع شيئاً إلا وهو في مصلحة العباد ، وما قدر عليهم شيئاً إلا لأنه خيرٌ لهم ، فشرعه متقن وتقديره متقن فمن وفق لمعرفة ذلك فقد حصَّن نفسه من الشيطان ووفق لما يرضي الرحمن ، ومن شك في أقدار الله أو في شرعه أو ظنَّ أن شرع غيره خيراً منه أو مساوياً له فقد خرج من الدين وباء بسخط رب العالمين 0
ومن العجائب أن يظهر من يدعي الإسلام ثم ينفي عن الله الحكمة ويقول إن الله لم يخلق الخلق لحكمة ولا شرع الشرع بحكمة إنما هي مشيئةٌ مجردةٌ عن الحكمة وهم الجبرية والجهمية وقالوا : كل لام في القران توهم التعليل فهي لام العاقبة ، وكل باء توهم السببية فهي باء المصاحبة 0ولا شك أنهم ضلال منحرفون وأن نفي الحكمة عن الرب جل وعلا اتهامٌ له بالسفه والتخبط وذلك الكفر بعينه 0
والأدلة على هذين الاسمين كثيرة قال تعالى {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (32) سورة البقرة وقال تعالى{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (6) سورة آل عمران وقال تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (18) سورة الأنعام وفي حديث أبي شريح رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم ) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1845 )
(( اللطيف ))
اللطف في اللغة له معنيان / الأول : بفتح الطاء ومعناه الرفق والحفاوة والبر والإكرام 0
والثاني :بضم الطاء ومعناه الغموض والخفاء 0
وشرعاً /
اللطيف من أسماء الله عز وجل وهو الرفيق بعباده كما قال تعالى {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ } (19) سورة الشورى قال القرطبي : قال ابن عباس: حفي بهم. وقال عكرمة: بار بهم. وقال السدي: رفيق بهم. وقال مقاتل: لطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم 000الخ والله جل وعلا اللطيف الذي شمل علمه الخفايا وبواطن الأمور فلا يغيب عن علمه وقدرته شيءٌ مهما غمض أو دق كما قال العبد الصالح {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (16) سورة لقمان ويمكن أن يكون اللطيف هو الموصل رفقه ورحمته لعباده بخفاءٍ عنهم ليشمل المعنيين اللغويين في موضعٍ واحد ومن فتح الله على قلبه أدرك أنه لولا فضل الله ورحمته بالعالمين لهلكوا فأنزل الله عليهم من رحماته ووقاهم شروراً كثيرةً ورفق بهم وهم لا يشعرون 0 فتبين أن لطف الله يشمل هذه الأمور وأكثر مما لم نطلع عليه 0
قال بن القيم :
وهو اللطيف بعبده ولعبده واللطـف في أوصافـه نوعان إدراك أسرار الأمور بخبرةٍ واللطف عند مـواقع الإحسان فيريك عزته ويبدي لطفه والعبد في الغفلات عن ذا الشأن
والأدلة على هذا الاسم كثيرة منها قوله تعالى{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام وقال تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34) سورة الأحزاب وقال تعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك
(( الخبير ))
الخبير / أي العالم بدقائق الأمور وبواطن الأشياء
والأدلة على هذا الاسم كثيرة قال تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (18) سورة الأنعام وقال تعالى{ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (30) سورة الإسراء وقال تعالى{وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} (58) سورة الفرقان وقال تعالى{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (88) سورة النمل وقال تعالى{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (34) سورة لقمان
* *
(( القدير ، القادر ، المقتدر ))
القادر ذو القدرة على الشيء ، والقدير صيغة مبالغة على وزن فعيل ، والمقتدر صيغة مبالغة على وزن مفتعل وهي أبلغ وهذه الأسماء الثلاثة ثابتةٌ لله عز وجل فهو القادر ذو القدرة المطلقة على كل شيء فلا يعجزه شيء مهما عظم كما قال تعالى{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (44) سورة فاطر وقال تعالى{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} (38) سورة ق وقال تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (82) سورة يــس قال بن القيم :
وهو القدير فكل شيءٍ فهو مقدورٌ له طوعاً بلا عصيان
فقدرته لا حدود لها كما قال تعالى {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} (27) سورة الأحزاب وقال تعالى{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} (45) سورة الكهف وقال تعالى{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (54) سورة الفرقان وقال تعالى{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (55) سورة القمر * *
(( الرازق ، الرزاق ، خير الرازقين ))
ثبت هذين الاسمين لله جل وعلا فقد قال تعالى{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (58) سورة الذاريات وقال تعالى{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (72) سورة المؤمنون وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ) رواه أبو داود و الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ومعنى الرازق والرزاق / أي المتكفل بأرزاق المخلوقات كما قال تعالى{وما من دآبةٍ في الأرض إلا على الله رزقها}هود 6 وقال تعالى {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (60) سورة العنكبوت والرزق نوعان :
الأول / عامٌ يشمل البر والفاجر والمسلم والكافر ويشمل جميع المخلوقات 0
والثاني / خاص وهو الرزق الحلال ورزق القلوب بالإيمان والعلم وهو خاصٌ بالمؤمنين ، ثم يتفاوتون في ذلك بحسب ما تقتضيه حكمة الله ورحمته 0
* *
ومن أسمائه جل وعلا /
(48-49) الواحد الأحد / أي المنفرد بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فلا يشاركه فيها أحد 0
50-القوي / فالله جل وعلا هو الموصوف بالقوة المطلقة الذي لا يعتريها ضعفٌ ولا عجز
51-المتين / أي شديد القوة 0
52-الوارث / أي الباقي بعد فناء خلقه وهم يرجعون إليه وما ملكوا 0
53-القدوس / أي المنزه عن الشرور والنقائص والأنداد ومشابهة الخلق 0
54-السبوح / يشابه معنى القدوس فيقال ( سبحان الله ) أي أنزه الله عن كل عيبٍ ونقص وند 0
55-السلام / أي السالم من كل نقصٍ وعيب ، المسلم عباده من كل آفةٍ وسوء 0
56-المؤمن / له معنيان : التصديق والأمان ، فالله جل وعلا هو الصادق في وعده وقوله كما قال تعالى{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} (87) سورة النساء وقال تعالى{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} (122) سورة النساء وهو جل وعلا المصدق لرسله وأوليائه بالبينات والمؤيدات 0 وهو جل وعلا المؤمن لأوليائه من الخوف والفزع ، الذي قد أمن خلقه منه أن يظلمهم 0
57-الحق / ضد الباطل ، فالله جل وعلا هو الذي ألوهيته وربوبيته حق وما سواه من الآلهة والأرباب فباطلة 0
58-المتكبر / أي صاحب العظمة والعلو والسلطان المطلق لذا كان هذا الاسم خاصٌ بالله محرمٌ التسمي به والاتصاف بمعناه على من سواه ، فهو مدحٌ في حق الله ، ذمٌ في حق من سواه 0
59-العظيم / في اللغة : صاحب الرياسة فيقال عظيم بني فلان أي صاحب الرياسة عليهم وفي الحديث ( من محمدٍ رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ) متفق عليه أي صاحب الرياسة عليهم
والعظيم من أسماء الله جل وعلا أي صاحب العظمة والرياسة المطلقة المتصف بكل صفات الكمال الموجبة لتعظيمه فهو العظيم في ذاته والعظيم في أسمائه وصفاته والعظيم في ألوهيته وربوبيته والعظيم في كل شيء الذي لا يدانيه عظيم ولا ينازعه في عظمته أحد 0 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول الله تعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار) رواه مسلم
60-الكبير / يشابه العظيم في المعنى ومنه قوله تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (67) سورة الأحزاب أي عظماءنا ورؤساءنا 0
(63،62،61)-العلي والأعلى والمتعال / الله جل وعلا هو من له العلو المطلق علو الذات وعلو الصفات وعلو القدر، كما قال تعالى { وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ } (60) سورة النحل أي الصفات العليا التي لا يماثله فيها أحد وهو الأعلى من كل شيءٍ فلا ينازع فضلاً عن أن يغلب ، وهو المتعالِ عن صفات النقص والعيب ، الذي لا يعلوه شيء كما قال تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } (18) سورة الأنعام
64-الواسع / في اللغة : السعة ضد الضيق فيقال بيتٌ واسع أي فسيح ليس بضيق 0 وتأتي بمعنى الغنى فيقال فلانٌ ذو سعةٍ أي ذو غنى 0
والله جل وعلا الواسع بذاته الموسع على خلقه فهو جل وعلا الغني بذاته العظيم في صفاته الكبير عن مخلوقاته ، وهو جل وعلا قد أوسع خلقه جوداً وكرما وعطاءً ونعما كما قال تعالى {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (53) سورة النحل
65-الحميد / المستحق للحمد بما أولاه من جزيل الفضل والإنعام على عباده
66-المجيد / في اللغة يدل على الكثرة والسعة والماجد الكثير الشرف
والله جل وعلا هو المجيد لكمال صفاته وسعة رحمته وبركاته وكثرة خيره وإنعامه 0 قال السعدي : المجد هو عظمة الصفات وسعتها فكل وصفٍ من أوصافه عظيمٌ شأنه فهو العليم الكامل في علمه الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء القدير الذي لا يعجزه شيء 000الخ
(68،67)-القاهر والقهار / القهر في اللغة الغلبة والتذليل فيقال أخذتهم قهراً أي غلبتهم وأخذتهم من غير رضاهم وهم أذلة لا قدرة لهم عليَّ ولا يستطيعون الدفع عن أنفسهم0
والله جل وعلا له الغلبة على كل شيء فالخليقة كلها له ذليلةٌ خاضعة كما قال تعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } (18) سورة الأنعام وقال تعالى{ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (48) سورة إبراهيم
69-الجبار / في اللغة له ثلاثة معان :
الأول / الإجبار وهو إكراه الغير على فعل ما يريد 0 والثاني / الجبر الذي هو سد الحوائج كجبر الكسير بعلاج كسره وجبر الفقير بمساعدته للتخلص من فقره ويقال : أجبر خاطري أي سد ما حصل فيه من نقص بسبب أمرٍ ماء الثالث / القوة والعظمة والعلو يقال : رجلٌ جبار إذا كان طويلاً قوياً عظيما 0
شرعاً / الله جل وعلا هو الجبار أي صاحب القوة والعظمة والعلو ، وهو جل وعلا الجبار الذي سد حوائج الخليقة فتكفل بأرزاقهم وأقواتهم ويسر لهم أسباب العيش ، جبر كسيرهم وأغنى فقيرهم وأعطاهم سؤلهم وكل نعمةٍ بهم فهي من عنده جل وعلا ، وهو الجبار الذي يسير الخليقة على أمره القدري شاءوا أم أبوا 0
تنبيه / الجبرية يقولون :
إن الله قد أجبر الخليقة على كل شيء فهم مجبورون على فعل المعصية والطاعة 0 وهذا باطل فإن الله جعل للعباد مشيئةً شرعية وأجبرهم على المشيئة القدرية كما قال تعالى {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (29) سورة التكوير فالأولى المشيئة الشرعية والثانيه القدريه وإنما يحاسبهم على المشيئة الشرعية لا القدرية فتنبه لهذا تسلم من الزلل 0
70-المهيمن / الشهيد الرقيب على خلقه بما يكون منهم من قولٍ وعمل الحافظ القائم على عباده بمصالحهم 0 وقد وصف الله كتابه بأنه مهيمنٌ على الكتب السابقة لأنه قد أودع فيه ما كان فيها من علمٍ فحفظه وقام مقامها فنسخت به 0
(72،71)-الحافظ والحفيظ / الله جل وعلا هو الحافظ لعباده من كل سوءٍ ومكروه وهو جل وعلا الحافظ على عباده أعمالهم من خيرٍ وشر ، والحفيظ صيغة مبالغة 0
(74،73)-الولي والمولى / أي المعين والمؤيد والنصير وهذا خاصٌ بالمؤمنين ويأتي المولى بمعنى السيد وحينئذٍ يشمل جميع المخلوقات حتى الكافرين كما قال تعالى {وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} (30) سورة يونس وأما قوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} (11) سورة محمد بالمعنى الأول أي لا معين ولا مؤيد ولا ناصر لهم 0
(77،76،75)-النصير ، الناصر ، خير الناصرين / أي الناصر لأوليائه الممدهم بعونه وتأييده 0
78-الوكيل / في اللغة المعتمد عليه في القيام بأمر فيقال : وكلت فلان / أي اعتمدت عليه في القيام بأمرٍ ما ومنه قول : توكلت على الله : أي لجأت إليه واعتمدت عليه في أموري 0
والله جل وعلا هو المعتمد عليه في كل شيء وهو المتولي لتدبير خلقه 0
(80،79)-الفتاح ، خير الفاتحين/ الفتح في اللغة : إزالة الإغلاق والإشكال ، ويأتي بمعنى النصر والاستفتاح طلب النصرة ومنه قوله تعالى{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (19) سورة الأنفال ذلك أن الكفار لمَّا أرادوا الخروج لبدرٍ تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أهدى الطائفتين وأفضل الدينين 0 ذكره القرطبي في تفسيره فكان النصر للنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لأنهم أهدى الطائفتين ، فكان استفتاح الكافرين على أنفسهم 0
والله جل وعلا هو الحاكم الذي يقضي بين عباده بالحق كما قال تعالى{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } (26) سورة سبأ وهو الذي نصر أوليائه وأعز جنده كما أخبر المولى عن قول العبد الصالح{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} من الاية (89) سورة الأعراف وهو الذي فتح لمخلوقاته أبواب الرزق ويسر لهم سبل المعيشة ، وهو الذي فتح قلوب أوليائه لقبول الحق ونصرته والقيام به 0
81-الهادي / الله الهادي هداية دلالةٍ وإرشاد وهداية توفيق وإلهام كما قال تعالى{الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (50) سورة طـه هداه لمعرفة ما تقوم به دنياه وهذه يشترك فيها جميع المخلوقات والهداية الخاصة بالمؤمنين هي هداية التوفيق لسلوك الصراط المستقيم الموصل إلى جنات النعيم ورضا رب العالمين 0
82-الودود / هو الذي يحب أوليائه ويحبونه أعظم الحب وأكمله والمتودد هو الذي يسعى إلى التقرب إلى من يوده بكل ما يرضيه ، ورأيت شراح هذا الاسم يجعلون معناه الذي يُتَوَدَدُ إليه بما يحب سعياً في إرضائه ولا شك أن هذا لا جدال فيه لكني أستغرب لماذا تركوا الشق الآخر للمعنى وهو كون الرب جل في علاه هو الذي يَتَوددُ إلى عباده وقد رأينا من لطائف بره وإحسانه وجوده وكرمه بنا وبعباده ما يعلم المؤمن قطعاً أنه جاء من قبل هذه الصفة في الرب وهذا من كرمه وبره وإحسانه لا لحاجته فهو الغني عنا ونحن الفقراء إليه ، فلو رأيتم ملكاً غنياً متفضلاً منعماً يتودد إلى صعلوكٍ فقيرٍ حقير بخيل فما عساكم قائلين إلا ثناءً ومدحاً للأول وذماً للأخير ، فاعلموا أن ربكم ملك الملوك وأغنى الأغنياء وما بالمخاليق من نعمةٍ وفضلٍ فهي من عنده ثم يتودد لهذا المخلوق الضعيف الفقير البخيل فما أعظمه من رب وما أكرمه من إله 0
83-البر / العطوف المحسن على عباده ، يقال في حق المخلوق : بر والديه إذا أحسن إليهما ولم يريا منه ما يكرهان ، والله جل وعلا بر بالطائعين فأنالهم رضوانه وبر بالمقصرين فأنالهم عفوه وغفرانه 0
84-الحليم / الذي يكثر الصفح ولا يعجل بالعقوبة مع كمال قدرته عليها 0
(88،87،86،85،89)-الغفور ، الغفار ، غافر الذنب ، أهل المغفرة ، خير الغافرين / أصل الغفر في اللغة التغطية والستر ومنه المغفر وهو حِلق يتقنع بها المقاتل لتقيه وتستره من ضربات السيوف 0 والله جل وعلا يستر عباده فلا يفضحهم بذنوبهم مباشرةً بل يمهلهم ويقبل توبتهم إن تابوا ويسترهم في الآخرة بمقتضى هذه الأسماء 0
90-العفو / الذي يكثر العفو فيتجاوز عن الخطيئة ولا يعاقب عليها كما قال تعالى{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} (45) سورة فاطر
91-التواب / إذا تاب العبد إلى ربه تاب الله عليه والتوبة الرجوع فالعبد يعود إلى ربه فيعمل بطاعته ويترك معصيته والله يرجع إلى عبده بالفضل والإحسان فيقبل توبته ويغفر زلته ، والتواب صيغة مبالغة أي كثير الرجوع إلى عباده بالمن والعفو والغفران فاغتنموا الفرصة يامعشر العصاة وكلنا ذاك بالتوبة والإنابة إلى الله لعله يتوب علينا ويغفر زللنا أنه ولي ذلك والقادر عليه.
(94،93،92)-الكريم ، الأكرم ، أكرم الأكرمين / سريع الإجابة كثير العطاء ، وأكرم المخلوقين لا يجود بالعطاء على من سبه وتنقصه ، لكن الله جل وعلا يسبغ النعمة والصحة والرزق على من أشرك به ونسب له الصاحبة والولد فهل بعد هذا الكرم من كرم 0
(96،95)-الشكور ، الشاكر / الشكور والشاكر معناه في حق الله جل وعلا هو أنه يقبل القليل ويجازي عليه بالكثير فيضاعف الحسنات ويعفو عن الزلات ، وإذا علم العبد أن ربه شكور حمله ذلك على عدم احتقار الأعمال الصالحة لأنه يعلم أن ربه شكور يضاعف الحسنات وفي الحديث ( أتقوا النار ولو بشق تمرة ) والعبد الشكور الذي يجتهد فيما يرضي ربه عز وجل 0
والحمد أعم من الشكر فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى إحسانه ولا تشكره إلا على إحسانه 0
97-الشهيد / الذي لا يغيب عنه شيء ، يقال : فلانٌ كان شاهداً لهذا الأمر / أي حاضراً لم يغب عنه ومنه قوله تعالى (( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) البقرة 185 أي من كان حاضراً لم يغب عنه بموتٍ أو غيره 0
98-الرقيب / الله جل وعلا الرقيب المراقب المطلع على كل شيء الذي لا يغيب عنه شيء ظاهراً كان أو باطناً فالرقيب والشهيد مترادفان 0
99-القريب / الله جل وعلا أقرب إلى الخلق من أنفسهم بإحاطته وعلمه وقدرته وأما ذاته فهي عليَّة 0
100-المجيب / الذي يعطي من سأله ودعاه 0
101-المحيط / الله جل وعلا قد أحاط بخلقه علماً وقدرةً فلا يفوته شيء ولا يعجزه شيء
(104،103،102)-الحسيب ، أسرع الحاسبين ، سريع الحساب / لها عدة معانٍ في اللغة منها : الكافي ومنها : الشرف فيقال فلانٌ ذو حسب أي شريفٌ في قومه لشرف آباءه ، ومنها : الجزاء ، ومنها العد 0
والله جل وعلا هو الكافي كما قال تعالى { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (3) سورة الطلاق أي كافيه ، والله جل وعلا هو المحاسب للعباد على أعمالهم قد عدها لهم ثم يجازيهم عليها كما قال تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } (47) سورة الأنبياء قال القرطبي : أي محاسبين على ما قدموه من خير وشر. وقيل: حاسبين إذ لا أحد أسرع حسابا منا. والحساب العد 0
105-الغني / من أسماءه جل وعلا وهو الذي لا يحتاج إلى شيء وكل شيءٍ محتاجٌ إليه 0
106-الوهاب / قيل إنه من الأسماء الخاصة بالله جل وعلا ولا يصلح أن يطلق على غيره إلا واهب وهو الذي يهب أحياناً ، وأما الوهاب فهو الذي كثرت هباته وعم فضله ونواله وهذا لا يصلح وصفاً لغير الله والله تعالى أعلم 0 والمخلوق لا يستطيع أن يهب كثيراً مما يود أن يهبه لخليله فلا يستطيع أن يهب ولداً لعقيم ولا هدىً لضال ولا عافيةً لمريض ، لكن ذلك على الله سهلٌ يسير وكل نعمةٍ بالخلق فهي من هباته جل وعلا 0
107-المقيت / وقد اختلف أهل العلم في معناه فقيل : القدير ، وقيل : الحافظ ، وقيل : مقسم الأقوات 0 وكلها معاني ثابتة في حق الرب جل وعلا فهو الحافظ لعباده القدير بهم وهو الذي قسم أقواتهم وأرزاقهم 0
108-الرفيق / الرفق ضد العنف والله جل وعلا رفيقٌ بعباده فلا يعاجلهم بالعقوبة 0
109-المنان / من أسماء الله الثابتة إطلاقاً في السنة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عياش زيد بن الصامت الزرقي وهو يصلي وهو يقول اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى )رواه أحمد واللفظ له وابن ماجه وصححه الألباني وهو ثابت إشتقاقاً من القران قال تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران
والمن الإحسان والإنعام وقد يطلق على كثرة التفاخر والتفاضل على المنون عليه وهذا قبيحٌ في حق المخلوق إذ فيه ترفعٌ وكبرياء وتنقصٌ للآخر وهذا كله لا يجوز في حق المخلوق ، ولكن الله جل وعلا له الكبرياء وله الفضل المطلق وله المنن المتتابعة على الخلق أجمعين ، ومع ذا فلا يذكر مننه على عباده إلا ليرجعوا ويتوبوا إليه فيكون ذكره مِنَنَهُ منَّةً أخرى على عباده يستوجب عليها الشكر 0
110-الجواد / الكثير العطاء وفي الحديث ( إن الله تعالى جوادٌ يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ) رواه البيهقي وغيره وصححه الألباني انظر صحيح الجامع حديث رقم ( 1744)
111-المحسن / قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله محسنٌ يحب الإحسان ) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (1824) والمحسن في اللغة : هو الذي ينعم على الغير 0 والله جل وعلا هو المنعم المتفضل على كل موجود ولا يستغني الوجود عن إحسانه طرفة عين 0
(114،113،112)-الستير ، الساتر ، الستار / أي كثير الستر أي التغطية فلا يفضح عباده بذنوبهم بل يسترهم وفي الحديث ( إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1756 )
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس ويقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ) متفق عليه
115-الديان / وفي الحديث ( يقول الله تعالى يوم القيامة : أنا الملك أنا الديان ) رواه أحمد والحاكم وصحح إسناده ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في ظلال الجنة ومعنى الديان أي الحاكم الذي يجازي كل عاملٍ بما عمل 0
116-الوتر / أي الفرد الذي لا شريك له ولا مثيل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى وترٌ يحب الوتر فأوتروا يا أهل القران ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1831)
117-الحيي / قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1757)
فيترك جل وعلا ما لا يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم منه وعفوه 0
118-الطيب / قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً 000) رواه مسلم ومعناه في حق الله جل وعلا أي المنزه عن النقائص والعيوب 0
119-الجميل / الجمال الحق للرحمن جل في علاه فهو الجميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه وهو المجمل عباده في المظهر والمخبر قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله جميلٌ يحب الجمال ) رواه مسلم وغيره ومن جمال الرب جل وعلا أن أهل الجنة يذهلون عن كل ما هم فيه من نعيم إذا رأوا الرب جل وعلا ويرون أن رؤيته جل وعلا أعظم نعيم وهو كذلك 120-الرب / الذي ينشئ الشيء حالاً بعد حال حتى يبلغ به تمامه ، وقيل هو المالك المتصرف في مملوكه بما يشاء وقيل المتصرف بالأصلح له وقيل السيد المطاع وقيل غير ذلك وكل معناً من من هذه المعاني وغيرها فلله منها أجلها وأكملها 0 وقد ورد اسم الرب مفرداً ومضافاً ولا يطلق الرب مفرداً على غير الله جل وعلا لكن يقال ( رب الدار ورب الأولاد ورب الإبل ) ونحو ذلك0
وهكذا في سائر أسماء الله عز وجل يبحث المؤمن عن معناها ثم يستخرج الثمرات من هذا المعنى فيعمل بها فمن فعل ذلك استقامت له الدنيا والآخرة وصلح حاله وفاز برضى ربه 0
((( الصفات العلى )))
تنقسم صفات الرب جل وعلا إلى /
1- صفاتٌ ذاتية / وهي التي لا تنفك عن الله جل وعلا كالملك والعظمة والكبرياء والعزة والعلو والغنى ومثل الوجه والسمع والبصر واليد والساق والقدم والإصبع ونحوها 0
2- صفاتٌ فعلية / وهي التي يفعلها الرب جل وعلا متى شاء كيف شاء مثل الاستواء والنـزول والمجيء والضحك والرضى والعجب والسخط والفرح والغضب والكره والحب ونحوها، وتسمى أيضاً صفات اختيارية لأنها تتعلق بمشيئة الرب واختياره. 3-صفاتٌ ذاتية فعلية / كالرحمة والكلام فالرحمة صفة ذاتٍ للرب جل وعلا فهو الرحيم جل في علاه وهي أيضاً صفة فعلٍ فإنه يرحم من شاء كيفما شاء وقتما شاء وكذلك الكلام فإن الله عز وجل متكلم ويتكلم متى شاء كيفما شاء مع من يشاء ويقال لها صفاتٌ قديمة النوع حادثة الآحاد 0
وبعضهم يقسم الصفات إلى /
1-صفات ثبوتية / مثل العلم والحياة والقدرة والعزة والكلام والرضى والعجب والسخط
2-صفات سلبية / وهي المنفية كالسنة والنوم والغفلة ونحوها ولابد أن تتضمن كمال ضدها 0
وبعضهم يقسمها إلى /
1-سمعية عقلية / وهي التي يمكن أن تعرف بالعقل ولو لم يرد بها النقل كالحياة والعلم والخلق والرزق ونحوها لكن لا نثبتها إلا بالدليل السمعي وهو النص 0
1- خبرية / وهي التي لا يمكن أن يدركها العقل لولا ورود النقل بها كالفرح والضحك والعجب والاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا ونحوها 0
وأفعال الرب جل وعلا نوعين :
1-أفعالٌ متعدية / وهي التي يفعلها جل وعلا لغيره لا لنفسه كالرزق والإحياء والإماتة فإنه يرزق غيره لا نفسه فهو غنيٌ عن الرزق فهو الرزاق وغيره المرزوق وهو المحي المميت لغيره وهكذا فهذه تسمى صفات متعدية 0
2-أفعالٌ لازمة / وهي التي يفعلها لنفسه كالنزول والمجيء والضحك والكلام فهو الذي ينزل ويجيء ويضحك ويتكلم بنفسه جل وعلا فتسمى صفات لازمة 0
* *
ما ينـزه الرب عز وجل عنه ينقسم إلى قسمين:
1- متصل كالنوم والإعياء والتعب واللغوب والموت والجهل والظلم والغفلة والنسيان الذي بمعنى الذهول وعن احتياجه إلى طعامٍ وزرقٍ ونحو ذلك 0
2-منفصل كالزوجة والشريك والكفؤ والظهير والشفيع بدون إذن الله والولي من الذل ونحو ذلك 0
* *
(( النفي يستلزم كمال الضد )))
النفي يلزم منه إثبات ما يضاده من الكمال فنفي الشريك والند والنظير لإثبات تفرده في ربوبيته والاهيته وأسمائه وصفاته ، ونفي العجز لإثبات كمال قدرته ، ونفي الجهل وعزوب شيء عن علمه لإثبات سعة علمه ، ونفي الظلم لإثبات كمال عدله ، ونفي السنة والنوم لإثبات كمال حياته وقيوميته ، ونفي العبث لإثبات كمال حكمته 0
وذلك لأن النفي المحض ليس فيه مدحٌ ولا كمال فلزم أن يكون مراد الشارع بنفي صفات النقص عن الرب جل وعلا إثبات ما يضادها من صفات الكمال 0
* * *
(( حكم ما أضيف إلى الله ))
المضاف إلى الله نوعان :
1-أعيانٌ قائمةٌ بنفسها منفصلةٌ عن الله كبيت الله وناقة الله وعبد الله وروح الله ورسول الله فهذه إضافتها إلى الله تقتضي الاختصاص والتشريف والتكريم وهي من جملة المخلوقات 0
2- صفاتٌ لا تقوم بنفسها كالعلم والحياة والسمع والبصر واليد والكلام ونحوها فهذه إن وردت مضافةً إلى الله تعالى فهي إضافة صفةٍ إلى متصفٍ بها كقوله تعالى ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن:27) فالوجه لا يمكن قيامه بنفسه إنما يقوم بغيره وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه في هذه الآية فيكون إضافة صفةٍ إلى متصفٍ بها فنثبت لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته وهكذا في سائر الصفات 0
وبهذا تعرف الفرق بين ما أضيف إلى الله وهو مخلوق وما أضيف إلى الله وهو منه ليس بمخلوق 0
القسم الأول من صفات الرب جل وعلا
(( الصفات الذاتية ))
(( إثبات النفس لله جل وعلا ))
يعتقد أهل الحق أن لله نفساً تليق بجلاله وعظمته كما قال تعالى{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (54) سورة الأنعام وقال تعالى {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } (12) سورة الأنعام
وقال تعالى لموسى عليه السلام: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (41) سورة طـه وقال تعالى: { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران: من الآية28) وقال تعالى {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (116) سورة المائدة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) متفق عليه
وعن جويرية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم . قال ( لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ) رواه مسلم وأبو داود وعن أبي ذر رضي الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه عز وجل ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا....الحديث ) رواه مسلم
( إثبات الوجه للرب جل في علاه والرد على من أنكره )
قال تعالى{وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} (52) سورة الأنعام وقال تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف وقال تعالى {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (88) سورة القصص وقال تعالى {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (22) سورة الرعد وقال تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (39) سورة الروم وقال تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27) سورة الرحمن وقال تعالى{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } (9) سورة الإنسان وقال تعالى {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} (20) سورة الليل يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الثلاثاء 28 يونيو 2011, 12:44 am | |
| وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) رواه مسلم .
وعن جابر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ) قال النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك. قال ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) قال عليه الصلاة والسلام أعوذ بوجهك . قال ( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) (65) سورة الأنعام قال : هذه أهون أو أسهل ) رواه البخاري وكان يقول في دعائه ( وأسألك لذة النظر إلى وجهك ) رواه النسائي وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1301)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سألكم بوجه الله فأعطوه ) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 6020)وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حديث مرضه بمكة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملاً تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني وعن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) متفق عليه
فهذه الآيات والأحاديث تدلُّ على أن لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته وأنه أعظم الصفات الذاتية وإن كانت كلها عظيمة لأن الرب جل وعلا قد عبَّر به عن ذاته العلية في بعض الآيات كما سيأتي في الرد على المعطلة والمحرفة فدلَّ على أنه أشرف صفات الذات ، وأهل الحق يثبتون لله جل وعلا وجهاً يليق بجلاله وعظمته لا يشبه أوجه المخلوقات لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى
وقال نفاة الصفات ليس لله وجه والمراد بالوجه في هذه الأدلة الجهة أو الثواب أو الذات وشبههم التي يزعمون أنها أدلة والرد عليها كما يلي :
الشبهة الأولى / أننا لو أثبتنا لله عز وجل وجهاً لاقتضى ذلك مشابهة المخلوقات التي لها أوجه والله عز وجل منزهٌ عن مشابهة المخلوقات قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (11) سورة الشورى
الجواب / إن إثبات صفةٍ للرب جل وعلا لها سميٌ في صفات مخلوقاته لا يستلزم مشابهة الاسم مشابهة الصفة فإن الله جل وعلا قد ذكر عن نفسه أنه رؤوفٌ رحيم فقال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (7) سورة النحل ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه رؤوف رحيم فقال تعالى {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة ولا تماثل قطعاً بين رأفة ورحمة الرب جل وعلا ورأفة ورحمة الرسول فلكلٍ رأفةٌ ورحمةٌ تليق به ، وقد وصف الله نفسه بأنه حليمٌ وعليم ووصف إسماعيل بأنه حليم قال تعالى{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (101) سورة الصافات وإسحاق بأنه عليم وقال تعالى{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } (28) سورة الذاريات ولا تماثل ، وهكذا في سائر الصفات فإن الله جل وعلا قد ذكر لنا من أسمائه وصفاته ما نعرف معناه لوجود نظير مسمىً له في المخلوقات فسمى اسمه جل وعلا ( السميع ) فندرك أن معناه إدراك المسموعات لأننا نعرف أن السميع في المخلوقات هو الذي يدرك المسموعات ثم نفى عن نفسه المماثلة لِيُعلم أن سمعه لا كسمع المخلوقات فيتبين الفرق بين صفات الخالق وصفات المخلوقات وهذا فقهٌ عظيم لو أدركه المعطلة والمؤولة لزالت عنهم هذه الشبهة 0
وأيضاً فإن هذه المخلوقات لها صفاتٌ تتشابه في المسميات وتختلف في الحقائق فإن للفيل يدٌ وللنملة يد وله رأسٌ ولها رأس وله أرجلٌ ولها أرجل وله وجهٌ ولها وجه وله سمعٌ وبصر ولها سمعٌ وبصر 000الخ فهل يقتضي التشابه في أسماء الصفات بينهما تشابهٌ في الحقائق؟ قطعاً لا ، فإذا كان كذلك بين المخلوقات فكيف إذا كان ذلك بين الخالق العظيم وبين المخلوق الضعيف لا شك أن التماثل أبعد ، هذا بالعقل فكيف وقد ورد النقل بنفي التماثل وعليه فإننا نقول إن لله وجهاً نثبته كما أثبته ربنا جل في علاه وهو أعلم بنفسه لاكن نجزم قطعاً أنه لا يشبه أوجه المخلوقات كما تقدم فيما ذكرنا فسلمنا من رد النصوص وسلمنا من انتقاص الرب جل وعلا فأي الفريقين أحق بالهدى 0
الشبهة الثانية / أننا لو أثبتنا الوجه لله جل وعلا لكان معنى قوله تعالى{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(27) سورة الرحمن وقوله تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (88) سورة القصص أن ذات الرب تهلك إلا وجهه وهذا لا يقوله مسلم فدلَّ على أن المراد بالوجه الذات 0
الجواب / في الآية الأولى قال تعالى{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}فأضاف الوجه إلى نفسه عز وجل فدلَّ على أن وجهه غير ذاته وإلا لقال (( ويبقى ربك )) لكنه أضاف الوجه إلى الذات وأضاف النعت إلى الوجه فقال (( ذو الجلال والإكرام ))ولو كان ذكر الوجه صلة أي: زيادة كما يقوله بعض المبتدعة ولم يكن صفةً للذات لقال: ذي الجلال والإكرام.
لأن النعت يتبع المنعوت في الإعراب وقد جاءت لفظة ( ربك ) في الآية مجرورةً بالإضافة فلو كان النعت لها لكان مجروراً بالياء لأنه من الأسماء الخمسة وهي تجر بالياء ، فلمـا جاء النعت مرفوعاً علمنا أنه نعتٌ للوجه لأنه جاء في الآية مرفوعاً ، وعلمنا أن الوجه صفةٌ للذات ، وهكذا في الآية الثانية فإنه ربط الوجه بالضمير العائد إلى ذاته فدلَّ على أن وجهه من ذاته لا أنه هو ذاته 0
ويبقى هل معنى الآيتين أن ذات الرب تهلك إلا وجهه ؟ الجواب : لا قطعاً وإنما هو كقول العرب : سلمت يداك أو يمينك ، ويريدون السلامة لكله فيعبرون ببعضه عن كله ولولا وجود يدين له في الحقيقة لما عبروا بذلك لأنه كذب 0
فهو إثباتٌ لليدين لا نفيٌ لها وإن كان المقصود بالتعبير عنها الكل ، والقران نزل بلغة العرب فيعبر الرب جل وعلا ببعض صفاته عن ذاته ولولا وجود هذه الصفة فيه لما عبر بها لأنه كذبٌ والرب عز وجل منزهٌ عن الكذب فدلت هذه الآيات على إثبات صفة الوجه لا نفيه ، وقد يقال إن العرب تقول وجه النهار ووجه الطريق ووجه الرأي ونحو ذلك وليس لهذه المذكورات أوجهٌ في الحقيقة ..
والجواب أن هذه المذكورات لها أوجهٌ في الحقيقة لأن وجه كل شيءٍ بحسبه فوجه النهار والطريق أوله ووجه الرأي أحسنه وهكذا ، ثم هذه المذكورات لا تدل على الذات فليس معنى وجه النهار أي كله ولا وجه الرأي أو الطريق أي كله بل المراد بعضه فتبين بطلان قولكم أن المراد بالوجه الذات 0
الشبهة الثالثة / أن بعض السلف ورجحه شيخ الإسلام بن تيمية قد فسروا الوجه بالجهة في قوله تعالى{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(115) سورة البقرة
الجواب / قد قال شيخ الإسلام في مناظرته على الواسطية : هذه الآية ليست من آيات الصفات وما فسرها السلف به بقولهم فثم قبلة الله حق ، لأن الآية جاءت في سياق بيان القبلة {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي أينما تتجهون بوجوهكم مطيعين لأمره وتعبدون الله سبحانه وتعالى مخلصين في صلاتكم فثم قبلة الله سبحانه وتعالى 0ا0هـ
فنقول ليس هذا تأويلاً للصفة وإنما بياناً لمعنى الآية فمن فسرها بالجهة هنا من السلف يرون أن هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلاً حتى يخوضوا فيها بنفيٍ أو إثبات وإنما أشترك اللفظ واختلف المعنى فكلمة ( وجه ) يمكن أن يراد بها الوجه المعروف ويمكن أن يراد بها الجهة فتقول للمسافر : أين وجهتك فيقول : وجهتي كذا 0 أي إتجاه سفري 0
تنبيه / قد يرد في تفسير السلف التفسير باللازم فقد ورد في بعض نسخ البخاري تفسيره قوله تعالى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}ببقاء ملكه وهذا تفسيرٌ باللازم لأنه يلزم من بقاء الرب جل وعلا بقاء ملكه ولا يعني هذا أن البخاري أو غيره من السلف ممن يفسرون بعض آيات الصفات باللوازم ينكرون الصفات حاشاهم من ذلك لكن التفسير باللازم جائزٌ عند السلف ولا يدَّعون أن هذا هو كامل معنى الآية وإنما خصوه لأنهم رأوا أن ذكره مناسبٌ لمن يفسرون لهم 0
ثم إننا لو فسرنا الوجه بالجزاء الثواب فكيف نفسر قوله تعالى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (27) سورة الرحمن فهل يوصف الثواب بأنه صاحب الجلال والإكرام ، وكيف نفسر حديث ( لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) وحديث ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ) ونحو ذلك من الأدلة ، فهل يوصف الثواب بأن له سبحات ونور ، فهذا يدلُّ على بطلان قولهم وفساد مذهبهم 0
* *
(( إثبات صفة العينين للرب جل وعلا ))
صفة العينين ثابتةٌ للرب جل وعلا قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } (27) سورة المؤمنون وقوله تعالى {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } (48) سورة الطور وقوله تعالى{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (14) سورة القمر
وإثبات صفة العينين يدل على إثبات صفة الرؤية
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ) متفق عليه قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله : وجه الاستدلال به ظاهرٌ جداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين لأمته شيئاً مما ينتفي به الاشتباه عليهم في شأن الدجال في أمرٍ محسوسٍ يتبين لذوي التفكير العالمين بالطرق العقلية وغيرهم ، بذكر أن الدجال أعور العين والرب سبحانه ليس بأعور ، ولو كان لله تعالى أكثر من عينين لكان البيان به أولى لظهوره وزيادة الثناء به على الله تعالى فإن العين صفة كمال فلو كان لله أكثر من اثنتين كان الثناء بذلك على الله أبلغ ، وتقرير ذلك أن يقال : ما زاد على العينين فإما أن يكون كمالاً في حق الله تعالى أو نقصاً ، فإن كان نقصاً فهو ممتنع على الله تعالى لامتناع صفات النقص في حقه ، وإن كان كمالاً فكيف يهمله النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه أبلغ في الثناء على الله تعالى !! فلما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم عُلِمَ أنه ليس بثابت لله عز وجل وهذا هو المطلوب. فإن قيل: ترك ذكره من أجل بيان نقص الدجال بكونه أعور. قلنا : يمكن أن يذكر مع بيان نقص الدجال فيجمع بين الأمرين حتى لا يفوت ذكر كمال صفة الله عز وجل. واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه العلامة الحسية ليبين نقص الدجال وأنه ليس بصالحٍ لأن يكون رباً ، ولظهورها لجميع الناس لكونها علامةً حسية بخلاف العلامات العقلية ، فإنها قد تحتاج إلى مقدماتٍ تخفى على كثيرٍ من الناس لا سيما عند قوة الفتنة واشتداد المحنة ، كما في هذه الفتنة فتنة الدجال ، وكان هذا من حسن تعليمه صلى الله عليه وسلم حيث يعدل في بيانه إلى ما هو أظهر وأجلى مع وجود علاماتٍ أخرى . انتهى
وعن بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور عينِ اليمنى كأن عينه عنبة طافية ) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب قوله تعالى (( ولتصنع على عيني )) وعن جابر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من نبي إلا قد حذر أمته الدجال ولأخبرنكم منه بشيء ما أخبر به أحد كان قبلي ) ثم وضع يده على عينيه وقال ( أشهد أن الله عز وجل ليس بأعور ) أخرجه الحاكم وابن منده قال الألباني : إسناده جيد ورجاله ثقات وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ قوله تعالى{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء فوضع إبهامه على أذنه وأصبعه التي تليها على عينه وقال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ) أخرجه أبو داود وابن خزيمة في التوحيد والبيهقي في الأسماء والحاكم وابن منده قال الألباني : صحيح على شرط مسلم وكذا قال الحاكم والذهبي والحافظ وقد أعله الكوثري في تعليقه على ( الأسماء ) بدون حجة كعادته في أحاديث الصفات انتهى كلامه رحمه الله من كتاب قصة المسيح الدجال 0
وقد وردت صفة العين في الأدلة مفردة كقوله تعالى{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (39) سورة طـه ومثناة كحديث ( إن العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عيني الرحمن ) قال الألباني في السلسلة الضعيفة ضعيفٌ جداً وحديث ( وإن ربكم ليس بأعور ) متفق عليه ومجموعة كقوله تعالى {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } (48) سورة الطور
ولا إشكال في ذلك فأما ورودها مثناة فإن أهل السنة يثبتون لله تعالى عينين اثنتين على ما يليق به جل وعلا كما تقدم ، وأما ورودها مفردة فلأن المفرد المضاف يعم ويراد به أكثر من واحد كقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ} (20) سورة المائدة أي اذكروا كل نعمةٍ لله عليكم وكقوله تعالى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} (18) سورة النحل أي نعم الله المتعددة ولو كانت واحدةً لأمكن إحصائها فتبين أنها لا تحصر بعدد ولو جاءت في اللفظ مفردة لأن المفرد المضاف يعم فكذلك قوله تعالى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (39) سورة طـه أي كل عينٍ لي وليس المراد الحصر بعينٍ واحدة كقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } (187) سورة البقرة 0أي كل ليالي الصيام ، وأما ورودها مجموعة فإن النون هنا ليست نون الجمع وإنما هي نون المعظم نفسه كقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (40) سورة مريم وقوله {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} (43) سورة ق وقوله{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر فتبين أن النصوص تأتلف ولا تختلف وصدق الله إذ يقول {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء
وقال أهل البدعة : ليس لله عين والنصوص التي فيها ذكر العين إنما يراد بها الحفظ والرعاية وهذا ظاهر البطلان في حديث جابر وحديث أبي هريرة حين وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على عينه مع ذكره لصفة العين فدل على أنها عينٌ حقيقة ، وأما الحفظ والرعاية فهو أثرٌ من آثار رؤية الله لعباده فلا تفسر العين بأثرها وإنما بحقيقتها ويتبعها الأثر المترتب عليها ، فيقال مثلاً لشخصٍ يقول أو يفعل منكراً ( إتق الله فإن الله يسمعك ويراك ) فعلى تفسير المبتدعة نعطل السمع والبصر ونقول الله لا يسمع ولا يبصر ولكن أردنا تحذيره من بطش الله فهذا تفسيرٌ بالأثر وتعطيل للصفة التي نتج عنها هذا الأثر ، ونحن نقول ( نحذرك بطش الله لأن الله يسمعك ويراك ) فنثبت الصفة ونثبت الأثر وكذلك في العين فإننا نثبت العين ونثبت أن الله يحفظ ويرعى أولياءه بمقتضى رؤيته لهم 0
* * *
(( إثبات اليدين للرب جل وعلا ))
يعتقد أهل الحق أن لله تعالى يدين اثنتين لائقتين بجلاله وعظمته لا تماثل أيدي المخلوقين والأدلة على ذلك كثيرةٌ منها : قوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } (64) سورة المائدة فهذه الآية تدل على أنه ليس للرب جل وعلا إلا يدين اثنتين إذ لو كان له أكثر من ذلك لقال ( بل أيديه مبسوطة ) لأن المقام مقام تمدح وكلما كثرت الآلة المعطية كثر العطاء فحسن التمدح بها فلما لم يذكر إلا يدين اثنتين دلَّ على أن يديه اثنتين لا أكثر ويؤيد ذلك قوله تعالى{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} (75) سورة ص ومن الأدلة على إثبات صفة اليد للرب جل وعلا قوله تعالى{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (83) سورة يــس وقال تعالى ( بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) (1) سورة الملك وقال تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران وقال تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (10) سورة الفتح وقال تعالى {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الحديد وقال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (71) سورة يــس وقال تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه مسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع ) متفق عليه وفي رواية لمسلم ( وبيده الأخرى ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي ) رواه الترمذي وبن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1803) وفي حديث الشفاعة قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فيأتونه فيقولون يآدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه 00الخ ) متفق عليه
وأيضاً في حديث المحاجة بين آدم وموسى عليهما السلام وفيه فيقول موسى ( أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه 00) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ) متفق عليه وعند مسلم ( يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله وفي رواية يأخذهن بيده الأخرى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ) وقال صلى الله عليه وسلم ( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة ) متفق عليه
وقال أهل التعطيل والتأويل المراد باليد القدرة أو النعمة 0
والجواب عن ذلك من عدة وجوه /
الأول / أن السلف كانوا يثبتون صفة اليد للرب جل وعلا ولم يكونوا يقولون إن معناها القدرة أو النعمة ومذهب السلف أعلم وأسلم وأحكم فهم الذين شاهدوا التنزيل وتلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أعلم بالكتاب والسنة وهم أيضاً أعلم بلغة العرب فإنه لم يدخلها التغيير في زمانهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) متفق عليه فتبين أن قولكم هذا محدث وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه وقال ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلاله) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وبن ماجة وغيرهم وصححه الألباني في الجامع حديث رقم ( 2549)
الثاني / أنه صرفٌ للأدلة عن ظاهرها ولا دليل على هذا الصرف فهو في حقيقته تحريف إذ الأصل في الكلام الحقيقة ولا يصرف إلى المجاز عند من يقول به إلا بدليل ولا دليل هاهنا 0
الثالث / أن تفسير اليد بالقدرة أو النعمة يمتنع في لغة العرب إذا كانت اليد مثناةً مضافة وقد وردت مثناةً مضافة في قوله تعالى { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } (64) سورة المائدة وقوله تعالى{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} (75) سورة ص فهل يقال قدرتاه ونعمتاه ، ولا يصح تثنية القدرة والنعمة فإن نعم الله لا حصر لها وقدرته لا حدود لها وحصرها في نعمتين وقدرتين إنتقاصٌ للرب جل وعلا وهو منزهٌ عن النقص 0
ولا تُفَسَرُ اليد بالقدرة أو النعمة مجازاً عند من يقول به إلا إذا وردت مفردةً أو مجموعة فيقال : له عندي يدٌ يجزيه الله بها وله عندي أيادي ، ولا يقال : له عندي يدين ، وقد تفسر بالقدرة إذا وردت مثناةً غير مضافة في مثل قول ( لا يدان لي بهم ) أي لا قدرة ولا طاقة ومنه حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم في خروج يأجوج ومأجوج قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أوحى الله إلى عيسى أني قد بعثت عباداً لا يدان لأحدٍ بقتالهم )أي لا قدرة و لا طاقة لأحدٍ بقتالهم 0
قال الشيخ عبد الرحمن البراك : لفظ اليد مثناةً لها في اللغة العربية عدة استعمالات:
1- تستعمل غير مضافة وتلزم الألف ، وهذه هي التي بمعنى القدرة ، تقول: لا يدان لي بهذا
الأمر 0 أي لا قدرة لي عليه ومنه حديث ( إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنياً مؤثرة وإعجاب كل ذي رأىٍ برأيه ورأيت أمراً لا يدان لك به فعليك بخويصة نفسك ) رواه بن ماجة وضعفه الألباني
2- تستعمل مضافةً إلى ضمير من قامت به ، أو اسمه الظاهر كقولك : بيديّ ، أو بيديه ، أو بيدي محمد ، ويجري فيها إعراب المثنى . وهي في هذا الاستعمال لا تكون بمعنى القدرة ، بل يتعين أن يراد بهما : اليدان اللتان يكون بهما الفعل والأخذ ومن شأنهما القبض والبسط
3-أن يعبر بهما عن الفاعل للفعل ، وإن لم يكن باشره بيديه كقولك هذا ما فعلت يداك ، ومنه قوله تعالى {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } (10) سورة الحـج
4-استعماله مضافاً إليه بعد ( بين ) فيكون بمعنى أمام ، كقولك : جلس بين يديه و مشى بين يديه ، ويجري هذا الاستعمال في العاقل وغير العاقل كقوله تعالى عن سليمان { وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } (12) سورة سبأ وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } (57) سورة الأعراف ونظائر ذلك كثيرة ، فهذه أربعة وجوه من الاستعمالات : ثلاثة منها مجاز وهي : الأول ، والثالث ، والرابع .والثاني: حقيقة .
ويمتنع المجاز في اليدين إذا أسند الفعل لفاعل وعدي إلى اليدين بالباء كقولك : عملت بيدي ومنه قوله تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } (75) سورة ص وأما إذا أسند الفعل إلى اليدين كقولك: هذا ما فعلت يداك ، فهو من قبيل المجاز العقلي لأنه عبر باليدين عن الفعل مطلقاً ، وإن لم يكن فعل بيديه .
وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}(71) سورة يــس وقوله تعالى{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }(75) سورة ص فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين ، وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم بيديه فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس .فمن جعل آية "ص" نظيراً لآية "يس" فقد أخطأ فبين الآيتين فروق :ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه ، وعداه إلى اليدين بالباء ، وذكر اليدين بلفظ التثنية ، وأضافهما إلى ضمير المفرد .وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع ، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم . انتهى كلامه حفظه الله 0
قلت : قد يكون ( لا يدان ) من الأيد لا من اليد كقوله تعالى {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47) سورة الذاريات وقوله تعالى{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (17) سورة ص وقوله تعالى{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} (45) سورة ص فمعنى الأيد في الآيات القوة والقدرة والطاقة قال ابن فارس: أيد الهمزة والياء والدال أصلٌ واحد، يدلّ على القوة والحِفْظ. يقال أيّدَه الله أي قوّاه الله 0وقال في القاموس المحيط :آدَ يَئِيدُ أيْداً : اشْتَدَّ وقَوِيَ وقال بن دريد في الجمهرة : والأَيْد: القوّة وكذلك الأَوْد ورجل ذو آد وذو أَيْدٍ، أي قوة. انتهى
الرابع / لو سلمنا جدلاً أن اليدين يصح إطلاقها في اللغة مجازاً على القدرة والنعمة سواء جاءت مضافةً أو غير مضافة فإنه لا يصح كونها مجازاً في هذه الآيات فلو كان معنى قوله تعالى{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} (75) سورة ص بقدرتي أو نعمتي لقال إبليس لا يا رب لم أستكبر ولم أكن من العالين ولا كني مثله خلقتني بقدرتك ونعمتك فأي مزيةٍ له عليَّ 0 وكذلك قوله تعالى (( بل يداه مبسوطتان )) لا يصح أن يقال قدرتاه ونعمتاه إذ فيه حصرٌ لقدرة الرب ونعمته وفيه تكذيب لما تواتر من الأدلة من أن قدرة الله ونعمته لا حصر لها وفيه إنتقاصٌ للرب وانتقاص الرب كفر فهو المنزه عن النقائص والعيوب فانظر شناعة تأويلهم 0
الخامس / تكرار استعمال لفظ اليد في الآيات والأحاديث بإفرادٍ وتثنيةٍ وجمع وذكر اليمين والشمال واليد الأخرى والقبض والبسط والإمساك ونحو ذلك مما ورد في النصوص يمنع المجاز ، فلو كان المراد باليد القدرة والنعمة مجازاً لم تستعمل لفظة اليمين والشمال واليد الأخرى والقبض والبسط كما قال تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (64) سورة المائدة وقوله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم وعنه أيضاً رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله وفي رواية يأخذهن بيده الأخرى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ؟ ) رواه مسلم ولا تعارض بين الحديثين فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول ( وكلتا يديه يمين ) من اليمن أي البركة وقد جاء في حديث قصة خلق آدم ( فقال الله له ويداه مقبوضتان اختر أيهما شئت قال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال أي رب ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك 000الحديث) رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5209) وفي قصة محاجة آدم وموسى عليهما السلام قال موسى ( أنت آدم الذي خلقك الله بيده 000 ) وقال آدم ( أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده 000 ) رواه مسلم
تنبيه / قد يشكل على بعض الناس ورود اليد في الأدلة مفردة كقوله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } (1) سورة الملك ومثناة كقوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} (64) سورة المائدة ومجموعة كقوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (71) سورة يــس
والجواب / أما ورودها مثناة فلا إشكال فيه لأن أهل السنة يثبتون لله تعالى يدين اثنتين على ما يليق به جل وعلا ، وأما ورودها مفردةً فقد تقرر في الأصول أن المفرد المضاف يعم فيكون المعنى كل ما لله من يد ، وأما ورودها مجموعه فليست نون الجمع وإنما هي نون المعظم نفسه ، كقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر وقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا} (23) سورة الإنسان وهو معروفٌ في لغة العرب 0
تنبيه / قال بعض المبتدعة : إن معنى قوله تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } (75) سورة ص أي توليت خلقه بنفسي 0
والجواب / أن الله قد تولى خلق جميع المخلوقات بنفسه حتى إبليس فلو كان هذا هو المعنى لم يكن لآدم مزية على إبليس ، وإن قلتم لم يتولى الله خلق إبليس بل خلقه غيره فقد أشركتم في الربوبية وجعلتم مع الله خالقاً آخر 0
(( إثبات الكف للرحمن عز وجل ))
ولله تعالى كفٌ تليق بجلاله وعظمته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما تصدق أحدٌ بصدقةٍ من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرةً فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ويربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ) رواه الترمذي والنسائي وبن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 5600)
* * *
(( إثبات الأصابع للرب جل في علاه ))
ولله تعالى أصابع تليق بجلاله وعظمته فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبرٌ من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك أنا الله . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له . ثم قرأ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر متفق عليه
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ) رواه مسلم
* * *
(( إثبات الرجل والساق والقدم ))
يعتقد أهل الحق أن لله تعالى رجلاً وساقاً وقدماً تليق بجلاله وعظمته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم . قال الله تعالى للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدةٍ منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله رجله فتقول قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحداً وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ) متفق عليه وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعضٍ فتقول قط قط بعزتك وكرمك ، ولا يزال في الجنة فضلٌ حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة ) متفق عليه وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه في حديث يوم القيامة الطويل وفيه ( فيقول هل بينكم وبينه آيةً فتعرفونه بها فيقولون نعم الساق فيكشف عن ساق فلا يبقي من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقةً واحدةً كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ) روياه في الصحيحين واللفظ لمسلم ولفظ البخاري ( فيكشف عن ساقه )
وأنكر أهل الضلالة من المبتدعة هذه الصفات وقالووا إن إثباتها يقتضي التجسيم ثم أخذوا يحرفون معاني النصوص فقالوا :
1-إن قوله تعالى (( يوم يكشف عن ساق )) كنايةً عن اشتداد الأمر ، فالعرب تقول : كشفت الحرب عن ساقها ، إذا اشتدت 0
فيقال لهم قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها صفةٌ للرب جل وعلا وأخبر أن الرب جل وعلا يكشف عن ساقه يوم القيامة والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بتفسير كلام الله 0 قالوا : خبر آحاد ولا نقبل خبر الآحاد 0
فنقول إذن ارجعوا إلى الأخطل وأضرابه من اليهود والنصارى وخذوا دينكم من عندهم فإن ديننا نأخذه من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا نرد ما صح مطلقاً سواءً تواتر أو كان آحاداً في العقائد والعبادات وجميع أمور الدين0
2-قالوا : إن قوله صلى الله عليه وسلم ( يضع فيها قدمه ) أي ما قدمه لها من الخلق ، أي ما حكم في القدم أنهم من أهلها 0 لكن ورد عليهم إشكال وهو أنه قد ورد في الرواية الأخرى ( يضع فيها رجله ) قالوا لا إشكال المراد الجماعة من الرجال لأن العرب تقول: جاءتنا رجلٌ من جراد، أي جماعة فيكون المراد بالحديث أي الجماعة الذين خلقهم الله للنار وحكم أنهم من أهلها0
والجواب / أن هذه التأويلات من وحي الشيطان لهم ليعطلوا الرب من صفات الكمال ونعوت الجلال ثم الحديث واضحٌ أن وضع الرب جل وعلا قدمه أو رجله في النار هو بعد دخول أهل النار النار وأنه يبقى فيها فضلٌ بعد دخولهم وهي تطلب المزيد كما قال تعالى{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (30) سورة ق فيضع الرب جل وعلا قدمه أو رجله فيها فينزوي بعضها على بعضٍ وتقول قط قط أي قد امتلأت قد امتلأت ، فأين هذا من تفسير المبتدعة 0
* * *
(( إثبات صفة العلو للرب جل في علاه ))
يعتقد أهل الحق أن لله تعالى العلو المطلق فهو العليُّ بذاته وصفاته ومن أسماءه العلي 0
وقد تكاثرت الأدلة على إثبات علو الله جل وعلا فمن ذلك :
1-التصريح بعلوه جل وعلا كآخر آية الكرسي وكقوله تعالى{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (4) سورة الشورى وقوله تعالى {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (51) سورة الشورى وقوله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1) سورة الأعلى وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية قال ( سبحان ربي الأعلى ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 4766 ) وقال تعالى {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} (20) سورة الليل وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال في سجوده ( سبحان ربي الأعلى وبحمده ) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 4734 )
2-التصريح بفوقية الرب جل وعلا قال تعالى{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (50) سورة النحل وقال تعالى{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } (18) سورة الأنعام وقال تعالى {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ} (5) سورة الشورى قال الشوكاني : قال الضحاك ، والسدّي : يتفطرن يتشققن من عظمة الله ، وجلاله من فوقهنّ . وقيل : المعنى : تكاد كلّ واحدةٍ منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولداً . وقيل : من فوقهنّ : من فوق الأرضين ، والأوّل أولى . انتهى من فتح القدير وقد كانت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول ( زوَّجكنَّ أهاليكنَّ ، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات ) رواه البخاري وفي قصة دخول بن عباس رضي الله عنهما على أم المؤمنين عائشة في مرض موتها فكان مما قال لها ( وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات ) رواه أحمد وغيره وصححه الألباني في مختصر العلو
3-التصريح بأن الأشياء تنزل من عنده والنزول يكون من الأعلى إلى الأسفل كقوله تعالى{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (23) سورة البقرة وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء وقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر والآيات في هذا كثيرة 0
4-التصريح بصعود الأشياء ورفعها إليه كقوله تعالى عن عيسى عليه السلام{بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ } من الآية (158) سورة النساء وقوله تعالى{إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }(55) سورة آل عمران وقوله تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5) سورة السجدة وقوله تعالى{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} من الآية (10) سورة فاطر وقوله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (4) سورة المعارج والعروج هو الصعود إلى العلو 0
وكحديث عروج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج 0 وقال صلى الله عليه وسلم ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) متفق عليه وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال قلت : يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان قال ( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي وحسنه الألباني فيه وفي صحيح الترغيب حديث رقم ( 1022 )
5-التصريح بأنه جل وعلا استوى على العرش وأنه فوق العرش ، والعرش هو أعلى المخلوقات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش ) متفق عليه
6-التصريح بأنه جل وعلا في السماء كقوله تعالى{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (17) سورة الملك وقال صلى الله عليه وسلم ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ) متفق عليه وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال : كانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَلَ أحدٍ والجوانية فاطلعت ذات يومٍ فإذا الذئب قد ذهب بشاةٍ من غنمنا وأنا رجلٌ من بني آدم آسف كما يأسفون لكن صككتها صكةً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك عليَّ ، قلت يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال ائتني بها ؟ فأتيته بها فقال لها أين الله ؟ قالت في السماء ، قال من أنا ؟ قالت أنت رسول الله قال ( أعتقها فإنها مؤمنة ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) متفق عليه
وقد أخبر المولى جل وعلا في كتابه أن فرعون أراد الصعود إلى السماء لينظر إلى إله موسى مما يدل على أن موسى عليه السلام قد أخبره أن إلهه في السماء قال تعالى{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} (37) سورة غافر فذمَّ الله فرعون حين كذب موسى أن إلهه في السماء 0 فنفاة العلو على هدي فرعون ، ومثبتي العلو على هدي الأنبياء 0
والمراد بالسماء العلو فكل ما علاك فهو سماء قال تعالى {وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } (99) سورة الأنعام وإنما نزل الماء من السحاب فتبين أن المراد بالسماء العلو ، وليس معنى ( في السماء ) الظرفية أي أن السماء تظله أو تقله تعالى الله علواً كبيراً وهذا يحتج به أهل الباطل حين يقال لهم الله في السماء ليردوا النصوص ويكذبوا الوحي بالشبه وقد جاء في كتاب الله ما يبطل شبههم وأن ( في ) قد ترد بمعنى على كقوله تعالى حكايةً عن قول فرعون {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } (71) سورة طـه أي عليها لا داخلها وقوله تعالى {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (11) سورة الأنعام أي عليها 0
7-التصريح بأنه ترفع إليه الأيادي في الدعاء فعن سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1757 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد خطبته في حجة الوداع ( وأنتم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟ ) قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت 0 ثم قال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ) رواه أبو داود وبن ماجة وصححه الألباني فيهما
8-أنه قد تقرر في الفطر السليمة أن الرب جل وعلا في العلو ولذا تجد كل داعٍ يتجه بقلبه ويديه إلى السماء لعلمه أن الله جل وعلا هناك وقد روي أن الهمذاني قال لشيخه وكان ينكر العلو : أخبرني بضرورة أجدها في نفسي ويجدها كل داعٍ أن قلبه يتجه إلى السماء 0فقال الأستاذ : حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني 0
وأما من يقول إن السماء قبلة الداعي فأي دليلٍ أخبر بذلك ، لكنهم لمَّا تصادم معتقدهم من إنكار العلو مع الأدلة النقلية والعقلية عمدوا إلى هذه الشبهة كحالهم مع بقية النصوص وتحريفها فحسبنا الله ونعم الوكيل 0
9-أن ضد العلو السفل أو المحاذاة والسفل نقصٌ والمحاذاة توجب المساواة وهي نقصٌ في حق الله تعالى والله منزه عن النقص فدلَّ ذلك على أن الله في العلو 0 يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الثلاثاء 28 يونيو 2011, 12:57 am | |
| (( معية الله لخلقه ))
قال تعالى{وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} (12) سورة المائدة وقال تعالى {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ } (12) سورة الأنفال وقال تعالى{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (46) سورة طـه وقال تعالى{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (35) سورة محمد وقال تعالى{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } (4) سورة الحديد إلى غير ذلك من الأدلة على معية الله جل وعلا لعباده ، والناس مع هذه الأدلة على طوائف فمنهم من قال إن الله مع خلقه بذاته وهؤلاء طائفتين الحلولية والاتحادية والفرق بينهما أن أهل الحلول يفرقون بين الحال والمحلول مثل الماء إذا حلَّ في الإناء فإن الماء غير الإناء وإن كان قد حلَّ فيه وهكذا اللاهوت غير الناسوت وإن كان قد حلَّ فيهم ، وأما أهل الإتحاد فيقولون إن اللاهوت امتزج بالناسوت كامتزاج الماء باللبن حتى صارا شيئاً واحداً فالله والناس شيءٌ واحد تعالى الله عمَّا يقولون علواً كبيراً ولذلك لمَّا سئل بعضهم أين الله ؟ فتح بردته وقال في هذه البردة يريد أنه امتزج به والعياذ بالله ، وهذا من أقبح الكفر وأعظمه ولازمه أن يكون الله معهم في دورة المياه وفي الأماكن النجسة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وكردة فعلٍ لهذا الكفر الصراح خرجت طائفةٌ أخرى فأنكرت أن يكون الله مع خلقه مطلقا 0
والحق الذي عليه أهل السنة أن معية الله لخلقه لها معنيان:
1-معية علمٍ وإحاطةٍ وقدرة وهي المعية العامة كقوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } (4) سورة الحديد وقوله تعالى{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (7) سورة المجادلة
2-معية نصرٍ وتأييدٍ وحفظ وهي المعية الخاصة وهي قسمان:
أ- مخصوصة بشخص كقوله تعالى{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(40) سورة التوبة وقوله تعالى لموسى وهارون {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (46) سورة طـه وقوله تعالى لهما{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ} (15) سورة الشعراء
ب- مخصوصة بوصف كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153) سورة البقرة وقوله تعالى{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (128) سورة النحل
والفرق بين المعية العامة والمعية الخاصة يتلخص فيما يلي :
1- العامة من مقتضاها العلم والقدرة والإحاطة ، والخاصة من مقتضاها الحفظ والنصرة والتأييد 0
2-المعية العامة تكون لجميع الخلق ، والمعية الخاصة تكون لأولياء الله المؤمنين 0
3-تذكر المعية العامة للتخويف والتقريع وتذكر المعية الخاصة في سياق التكريم والتأييد 0
* * *
(( إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الدار الآخرة ))
يعتقد أهل الحق أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا في الآخرة كما قال تعالى {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (26) سورة يونس وقال تعالى {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (35) سورة ق فالحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فعن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (26) سورة يونس ) رواه مسلم وغيره قال بن كثير : قد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ، عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم من السلف والخلف وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عفان أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البُناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه فيقولون: وما هو ؟ ألم يُثقِّل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار؟ قال ( فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم ) وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة من حديث حماد بن سلمة به . وقال بن جرير حدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني شبيب عن أبان عن أبي تميمة الهجيمي أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث يوم القيامة منادياً ينادي يا أهل الجنة بصوتٍ يُسْمِعُ أولهم وآخرهم إن الله وعدكم الحسنى وزيادة فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل ورواه أيضاً بن أبي حاتم من حديث أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي به وقال بن جريرٍ أيضاً حدثنا بن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن بن جريج عن عطاء عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال النظر إلى وجه الرحمن عز وجل وقال أيضاً حدثنا بن عبد الرحيم حدثنا عمر بن أبي سلمة سمعت زهيراً عمن سمع أبا العالية حدثنا أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل ورواه بن أبي حاتم أيضاً من حديث زهير به 0 انتهى كلامه رحمه الله 0
وقال تعالى{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (23) سورة القيامة وقال تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (15) سورة المطففين فلمَّا حجب أعداءه في حال السخط دلَّ على أن أولياءه يرونه في حال الرضا وإلا لكانوا مشتركين في الحجب وحينئذٍ لا فائدة من تهديد الكفار بالحجب عن ربهم ويكون ذكر هذه الآية عبثاً وهذا ينزه عنه كلام الرب جل وعلا
وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر وقال ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أناساً قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا لا يا رسول الله فقال : هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا لا يا رسول الله قال : فإنكم ترونه كذلك ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( إنكم لن ترو ربكم حتى تموتوا ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 2459 ) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه ( وأسألك لذة النظر إلى وجهك ) رواه النسائي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1301 )
إلى غير ذلك من النصوص التي بلغت حد التواتر ولذا قال الناظم :
ومما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤيةٌ شفـاعةٌ والحوض ومسح خفين وهذي بعض
وقال أهل الضلالة من الجهمية والمعتزلة والخوارج والإمامية وغيرهم إن الله لا يرى ولهم شبهٌ زعموا أنها أدلة ومنها :
1-أن الرؤية الواردة في النصوص هي رؤية الثواب والجزاء 0
وهذا بطلانه من أوضح ما يكون فلا يلتفت إليه إذ هو مخالفٌ للشرع واللغة والعقل فالشرع قد صرح برؤية الله في الآخرة بأدلةٍ لا تحتمل التأويل ، وأما اللغة فلا تسعفهم بشيء فلا يمكن أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنكم ترون ربكم ) وقوله ( وأسألك لذة النظر إلى وجهك ) وغيرها مما قدمنا من الأدلة أن يكون معناها لغةً الثواب وأما عقلاً فيستحيل أن تتواتر الأدلة ويجمع السلف على أمرٍ باطل 0
2-استدلو بقوله تعالى{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام وقالوا إذا كان لا يدرك فهو لا يرى 0
والجواب أن هذا غير صحيح فإنه نفيٌ للإدراك لا للرؤية فالرؤية واقعة والإدراك منفي فنحن نرى السماء والأرض ولكن لا ندركها فهذه من مخلوقات الله فكيف بالخالق ، فهذه الآية حجةٌ عليهم لا لهم لأنه لمَّا نفى الإدراك تبين أنه يرى لا كن لا يدرك والذي لا يرى لا يقال إنه لا يدرك ولكن يقال إنه لا يرى 0
3-استدلو بقوله تعالى لموسى عليه السلام ( لن تراني ) وقالوا إن ( لن ) للتأبيد أي لن تراني حتى في الدار الآخرة 0
والجواب /
1-أنهم لا يفقهون الشرع ولا يدركون معاني اللغة فإن لن لا تكون للتأبيد كما قال تعالى {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } (95) سورة البقرة وقال تعالى في آية أخرى {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} (77) سورة الزخرف فأخبر جل وعلا في الآية الأولى أنهم لن يتمنوا الموت وأخبر في الآية الأخرى أنهم سيتمنون الموت للخلاص من النار مما يدل على أن لن الأولى ليست للتأبيد وإنما لفترةٍ زمنيةٍ محددة وهي وقت الحياة الدنيا ولذا قال بن مالك في ألفيته وهو من علماء اللغة الكبار:
ومن يرى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا0
2-أن لازم قولهم هذا أنهم أفقه من موسى عليه السلام وأنهم أعلم بالله منه وأنه سأل أمراً غير ممكنٍ أبداً فهو سؤالٌ في غير محله وهذا اتهامٌ لنبيٍ كريم من أولي العزم من الرسل الذين هم أعلم الناس بربهم عز وجل وأكثرهم خشيةً وأرجحهم عقلاً وإدراكاً لما هو ممكنٌ أو غير ممكن ، ثم إن الله جل وعلا لم ينكر عليه سؤاله هذا كما أنكر على نوحٍ عليه السلام سؤاله النجاة لابنه الكافر لأنه سأل ما لا يمكن شرعاً ومثله إبراهيم عليه السلام حين سأل أن يستغفر لأبيه المشرك ومحمداً عليه الصلاة والسلام حين سأل أن يستغفر لأمه التي ماتت في الجاهلية فأنكر عليهم الرب جل وعلا لكونهما سألا ما لا يجوز شرعاً ، لكنه هنا لم ينكر على موسى عليه السلام سؤاله هذا وما قال إني لا أرى ولا يجوز لك أن تسأل مثل هذا السؤال وإنما قال ( لن تراني ) أي في الحياة الدنيا كما أخبر عن اليهود أنهم لن يتمنوا الموت في الحياة الدنيا لكنهم في الآخرة سيتمنون الموت وسيرى موسى عليه السلام ربه جل وعلا
3-قوله تعالى{وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (143) سورة الأعراف فعلق الرؤية بأمرٍ ممكن وهو استقرار الجبل فإن الله لو شاء جعله مستقراً لكن جعل المشيئة للجبل فلم يتمالك حين تجلى له الرب حتى صار دكاً ، فتجلي الرب جل وعلا للجبل وإخباره أنه لو استقر الجبل لأمكنت الرؤية دليلٌ واضح على أن الرؤية ممكنة لكن المخلوقات في الدنيا لا تتمالك خوفاً وفزعاً ولأنه قد جاء في الحديث أنه لو كشف حجابه عز وجل لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه 0 رواه مسلم لكنه جل وعلا في الآخرة يجعل الخلق في صفةٍ يستطيعون بها أن يتمالكوا رؤيته جل وعلا لما ثبت من الأدلة التي ذكرناها على أن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا ويتلذذون بالنظر إليه جل وعلا 0
4-أنه لما جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب جاز أن يتجلى لأوليائه في دار كرامته .
القسم الثاني من صفات الرب جل وعلا
(( الصفات الفعلية ))
(( الإستواء على العرش ))
يعتقد أهل الحق أن الرب جل وعلا مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته وقد ورد إثبات ذلك في سبع آيات من القرآن جمعها الناظم بقوله :
في السجدةِ الرعد الحديد ويونس وبطه والأعراف والفرقان
قال تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (54) سورة الأعراف وقال تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} (3) سورة يونس وقال تعالى{اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (2) سورة الرعد وقال تعالى{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه وقال تعالى{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (59) سورة الفرقان وقال تعالى{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (4) سورة السجدة وقال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4) سورة الحديد
والاستواء في لغة العرب له عدة معانٍ منها :
1-بلوغ مرحلة الكمال والنضج كقوله تعالى{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (14) سورة القصص أي بلغ مرحلة اكتمال العقل والجسم ونضج التفكير 0
2- القصد ومنه قوله تعالى{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (11) سورة فصلت أي قصدها 0
3-التساوي فيقال : استوى الفريقين في النتائج واستوى الماء والخشبة والمراد التساوي 0
4-إذا قيَّد (بعلى) كقوله تعالى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (13) سورة الزخرف وقوله تعالى {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}(هود من الآية44) فيكون معنى استوى هنا أي علا وارتفع واستقر ومنه الآيات السبع التي ذكرناها في استواء الرب جل وعلا على عرشه فإنها وردت مقيدةً بعلى 0
قال ابن القيم رحمه الله عن تفسير السلف للاستواء :
ولهم عبارات عليـها أربـع قد حصلت للفـارس الطعان وهي استقر وقد علا وقــد ارتفـع الذي ما فيه من نكران وكـذاك قـد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيبان يختار هذا القول في تفســيره أدرى من الجـهمــي بالقرآن والأشعري يقول تفسير استوى بحقيقـة استولى عـلى الأكـوان
وقد قال الأشاعرة وغيرهم من أهل الضلالة إن معنى استوى أي استولى وقالوا إن هذا واردٌ في لغة العرب ويدل له قول الأخطل أو غيره 0
قد استوى بشرٌ على العراق من غير سيفٍ أو دمٍ مهــراق
قالوا معناه / قد استولى ، وقالوا لو فسرنا الاستواء بالعلو والارتفاع والاستقرار فإن ذلك يعني تشبيه الله بملوك الدنيا الذين يعلون ويرتفعون ويستقرون على عروشهم 0
والجواب عن ذلك من عدة أوجه :
أولاً / أن الاستيلاء عند العرب معناه أخذ شيءٍ من آخر بالقوة ، فهل كان العرش عند آخر ثم استولى عليه الرب بعد ذلك لا شك أن هذا فيه ادعاء وجود إلهٍ مع الله ينازع الله في ملكه وهذا شركٌ في الربوبية فانظر كيف أن لازم قولهم هو الشرك الأكبر المخرج من الملة وهذه نتيجة من ابتعد عن الكتاب والسنة واتبع الأهواء فإنها تزيغه حتى ترديه في الهاوية 0
ثانياً / لو سلمنا جدلاً أنه ليس معنى الاستيلاء في لغة العرب الأخذ من الآخر بالقوة وإنما هو بسط السيطرة على مملكته ، فنقول فلماذا خصَّ العرش بذلك ولم يقل واستوى على الأرض وعلى البشر وعلى الشمس والقمر وعلى سائر المخلوقات فإنها كلها تحت سيطرته وملكه ، فتبين أنه ليس معنى الاستواء ذلك وإنما معناه ما أجمع عليه السلف وهو العلو والارتفاع والاستقرار 0
ثالثاً / أنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولو مرةً واحدة تبديل كلمة ( استوى ) ب ( استولى ) مع تكرار ذكرها وكثرة ورودها في الكتاب والسنة مما يدل على أنه لا ترادف بين الكلمتين وأن لكل واحدةٍ معنىً خاص ، وعلى من ادعى الترادف أن يأتينا بدليلٍ واحد من الكتاب والسنة فسر الشارع فيه ( استوى ) ب (استولى ) 0 ولذلك قال بن القيم في أدلة إثبات العلو :
منها استواء الرب فوق العرش في سبعٍ أتت في محكم القـران وكذلك اضطردت بلا لامٍ ولو كانت بمعنى اللام في الأذهان لأتت بها في مـوضعٍ كي يحمل الباقي عليها وبالبيان الثاني
رابعاً / أن البيت المذكور لكافرٍ نصرانيٍ على أنه قد قيل إنه لا أصل له وإنما هو من اختراع المؤولة ليثبتوا باطلهم ، ولكن لو سلمنا جدلاً أنه للأخطل ، فأي خيرٍ فيمن يرمي الكتاب والسنة وراء ظهره ثم يتبع كافراً نصرانيا ولذا قال شيخ الاسلام أو غيره :
سحقاً لمن نبذ الكتاب وراءه وإذا استدل يقول قال الأخطل
وهؤلاء المحرفة لا يقبلون السنة بحجة أنها خبر آحاد فيرمونها وراء ظهورهم ثم يقبلون على خبر آحادٍ ينقل عن نصراني فيقدمونه ويقبلونه ويناضلون عنه فأي دينٍ في هؤلاء 0
وقد تقدم في المدخل إلى العقيدة في طرائق أهل البدع في الصد عن السنة ذكر أبيات الأخطل التي يتبرأ فيها من الدين الإسلامي والعبادات ويذكر دينه فراجعه إن شئت 0
خامساً / لا نسلم أن معنى استوى في البيت المذكور هو استولى بل معناه علا وارتفع واستقر على ملك العراق وحينئذٍ لا يوجد تفسيرٌ عند العرب لاستوى باستولى فبطل دليلهم وخاب تأويلهم وصدق الله إذ يقول{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }(18) سورة الأنبياء وقوله {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}(81)سورة الإسراء
سادساً / قولهم إن في ذلك تشبيهٌ للخالق بالمخلوق ، تقدم الرد على دعوى التشبيه التي يعطلون صفات الرب من أجلها وقلنا إن التشابه في المسميات لا يعني التشابه في الصفات فيد النملة ليست كيد الفيل مع تشابههما في الاسم وهكذا ناب الأسد ليس كناب الهرة مثلاً فإذا كانت هذه المخلوقات لا تتشابه صفاتها مع اتحاد مسمياتها فمن باب أولى أن لا تشابه بين صفات الخالق وصفات المخلوق ولو اتحدت في الاسم فإن الرب جل وعلا قد صرح في كتابه أنه لا مثيل له ولا كفء ولا ند دفعاً لتوهم التشابه كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11) سورة الشورى فنفى المثيل مع إثباته للصفة وقال تعالى {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4) سورة الإخلاص وقال تعالى {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} (22) سورة البقرة والأدلة في ذلك كثيرةٌ والحمد لله 00
وقال بعض أهل البدع / إن المراد بالعرش الملك فيكون معنى الآية ( استوى على الملك ) 0
والجواب / من عدة أوجه :
1-أن العرش في لغة العرب الذين نزل القران بلغتهم هو سرير الملك 0
2-أن الله وصفه بأنه يحمل كما قال تعالى {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } (17) سورة الحاقة فهل يكون ملك الله محمولاً يوم القيامة بأيدي ثمانية من الملائكة هذا تنقصٌ لملك الله الواسع ثم قوله تعالى (( فوقهم )) أي فوق المخلوقات فعلى قولكم تكون المخلوقات خارج ملك الله لأن ملكه محمولٌ فوقها فهي منفصلةٌ عنه ، وهذا لا يقوله مسلمٌ عاقل 0
3-وصفه الله بأنه محفوف كما قال تعالى {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ } (75) سورة الزمر مما يدل على أنه شيءٌ محسوس يمكن أن يحف وأن يحمل 0
4-قال تعالى{وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء }(7) سورة هود فهل يكون المعنى وكان ملكه على الماء ومعناه أن الماء خارج ملكه ثم خلق السماوات والأرض منفصل عن ملكه بحسب تعبيركم 0 ولاشك أن هذا قولٌ ظاهر البطلان وأن العرش داخلٌ في ملك الله فهو أحد المملوكات لله لا أنه هو ملك الله فهو تفسيرٌ ظاهر البطلان 0 * * *
(( النزول إلى السماء الدنيا ))
يعتقد أهل الحق أن الله جل وعلا ينزل في ثلث الليل الآخر نزولاً يليق بجلاله وعظمته إلى السماء الدنيا كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) متفق عليه
قال الناظم :
والله ينـزل دون كيفٍ يا فتى نحو السماء إذا مضى الثلثان فـيقول هل من سائلٍ فأجيبه هل من منيبٍ طالب الغفران
وقال أهل الضلالة : إن الله عز وجل منزهٌ عن النـزول إلى السماء الدنيا وإنما الذي ينزل أمره أو رحمته أو ملكٌ من الملائكة وإنما أضاف النزول إلى نفسه مجازاً لا حقيقة 0
ويجاب عن هذا في عدة نقاط /
الأولى / أن هذا صرفٌ للفظ عن ظاهره بلا دليل لأن قوله عليه الصلاة والسلام ( ينزل ربنا ) يدل على أن النزول وقع من الرب جل وعلا فهو الفاعل للنزول لا غيره لأن الفاعل عند العرب هو من وقع منه الفعل أو قام به ولا يمكن أن يقال ( قام سعد ) ومرادهم قام أمره أو غير ذلك إنما يريدون أنه قام بذاته ، فهكذا لا يمكن صرف نزول الرب جل وعلا إلى نزول رحمته وأمره إذ لا يستقيم هذا في كلام العرب الذين نزل القران بلغتهم ، وأما حجة تنزيه الرب جل وعلا عن مشابهة الخلق فقد قدمنا الرد عليها وهنا نقول لا يلزم من اتحاد الاسم اتحاد الصفة فلله جل وعلا نزولاً يليق بجلاله وعظمته وللمخلوق نزولاً يليق بضعفه وعجزه فلا تشابه ولا تماثل البتة 0
الثاني / أن السلف رضي الله عنهم وهم الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وتعلموا منه الكتاب والسنة لم يكونوا يؤولون بما ذكرتم بل يثبتونه كما جاء في التنزيل ومنهجهم هو الأعلم والأسلم والأحكم والمتمسكين به هم الفرقة الناجية كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق 0
الثالث / أن أوامر الله جل وعلا ورحمته تنزل في كل وقت ولا تتقيد بالثلث الأخير من الليل ولا تتوقف عند السماء الدنيا بل تصل إلى الكون كله وأي مصلحةٍ لنا في رحمةٍ لا تصل إلينا سكان الأرض بل تتوقف في السماء الدنيا لو كان ما ذكرتموه صحيحاً ومثلها الأمر ، فتقييدكم للأمر والرحمة بزمانٍ معين ومكانٍ معين لا دليل عليه بل هو تحجيرٌ لواسع وتنقصٌ لعظيم 0
الرابع / أنه لا يمكن أن يقول الأمر والرحمة والملك : من يسألني فأعطيه من يدعوني فأستجيب له من يستغفر فأغفر له ، فلا يصدر هذا الكلام إلا من الله عز وجل 0
الخامس / أن قولهم إن معنى ( ينزل ربنا ) أي ( ينزل أمر ربنا ) أو ( تنزل رحمة ربنا ) هذا اتهامٌ للشارع بأنه انتقص الكلام ولم يأت به تاماً وهذا اتهامٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم إتمام الكلام وأنه لم يبلغ البلاغ المبين الذي أمر به مع إجماع أهل الأصول أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولذلك لم يفهم جميع المسلمين مراد الشارع حتى جاء هؤلاء المؤولة فبينوه في آخر الزمان فسبحانك هذا بهتانٌ عظيم 0
ملاحظة /
هناك شبهةٌ يوردها الشيطان وأعوانه على بعض الجهال وهي ( هل يخلو العرش من الرب حين نزوله أم لا ؟ )
والجواب /
أولاً / أن هذا سؤالٌ مبتدعٌ لم يكن معروفاً عند السلف ، وإنما ظهر بعد زوال القرون الفاضلة وظهور أهل التعطيل والتأويل الذين يتجرؤن على صفات الرب جل وعلا بالتعطيل والتأويل 0
ثانياً / أن الله جل وعلا أخبرنا أنه استوى على العرش وأخبرنا نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إلى السماء الدنيا ولم يرد في النصوص ما يدل على خلو العرش منه أو عدم ذلك فيجب التوقف مع النص وعدم الزيادة بسؤالٍ وغيره إذ كيفية صفات الرب جل وعلا غير معلومةٍ لنا فلا نعلم كيف استوى على العرش ولا كيف ينزل إلى السماء الدنيا فإذا جهلنا كيفية ما ثبت عندنا من صفات الرب فكيف نعلم كيفية ما لم يرد لنا ، فيجب التوقف عن السؤال عن كيفية صفات الرب ، فإن هذا فيه قلة أدبٍ مع الرب جل وعلا ، ولو قلت لأحدٍ من الناس إن أبي جالسٌ في البيت فسألك عن كيفية جلوسه هل هو متربع أو جالسٌ القرفصاء أو جالسٌ جلسة التشهد لحكمت بقلة أدب هذا الرجل وأنه سفيه ، فهذا الذي يسأل عن كيفية صفة بشر فكيف بخالق البشر جل وعلا لا شك أنه أمرٌ عظيم ولذلك لمَّا سُئِلَ الإمام مالك عن كيفية الإستواء ، علته الرحضاء وتغير وجهه وطرد السائل وعظَّم الإنكار عليه لجرأته على الرب جل وعلا ، وهكذا ينبغي أن يُفعل مع كل من يسأل عن كيفية صفات الرب جل وعلا 0
ملاحظة / لمَّا سئل بن تيمية رحمه الله عن هذا السؤال أجاب / بأنه ينزل جل وعلا وهو مستوٍ على عرشه لأنه جل وعلا أخبرنا بأنه مستوٍ على عرشه وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بنزوله ولم ينف استواءه فدلَّ على أنه جل وعلا ينزل وهو مستوٍ على عرشه 0 انتهى قلت : هو قولٌ وجيهٌ كما ترى لأن الاستواء والنزول كلاهما ثابت فلا يمتنع اجتماعهما لكونهما غير متناقضين في لغة العرب الذين نزل الوحي بلغتهم ، غير أن التوقف أسلم لأنه لا يمتنع أيضاً في لغة العرب خلو العرش عند النزول فالتوقف مع نصوص الصفات وعدم الزيادة عليها بإثباتٍ أو نفي ولو وافق اللغة أو العقل فيه تعظيمٌ للنص وتعظيمٌ للرب جل وعلا وهو أسلم 0
(( إثبات صفة المجيء والإتيان ))
يعتقد أهل الحق أن الله عز وجل يجيء ويأتي يوم القيامة مجيئاً وإتياناً يليق بجلاله وعظمته وقد تواترت نصوص الوحيين بذلك فمن ذلك قوله تعالى{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} (210) سورة البقرة وقوله تعالى{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (158) سورة الأنعام وقوله تعالى {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (22) سورة الفجر وقال صلى الله عليه وسلم ( يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز 000) متفق عليه
وقال أهل الضلالة المراد بمجيء الله مجيء أمره ورحمته أو ملكٍ من ملائكته وكذا الإتيان وقد تقدم الرد على تأويلهم نزول الرب جل وعلا بنزول أمره ورحمته فيصلح رداً عليهم هاهنا أيضاً ويضاف إليه ما يلي :
أولاً / قوله تعالى{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (22) سورة الفجر يدل على أن مجيء الرب جل وعلا مغايرٌ لمجيء الملائكة فليس المعطوف هو المعطوف عليه فلكلٍ مجيءٌ يليق به ، وتدل الآية أيضاً أن مجيئه سبحانه حقيقة كما أن مجيء الملائكة حقيقة ، ومثله الإتيان في قوله تعالى{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (158) سورة الأنعام ففرق بين إتيان الملائكة وإتيان الرب وإتيان بعض آيات الرب فهذا التقسيم يدل على امتناع كونها واحداً 0
ثانياً / أن مجيء رحمة الله وأمره وملائكته لا يختص بيوم القيامة فلماذا خصصت الآيات والأحاديث مجيء الرب بيوم القيامة ؟ فهذا يدل على أنه يجيء ويأتي بذاته جل وعلا 0
ثالثاً / أن الأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره بلا إضمارٍ إلا بدليلٍ صحيحٍ ظاهر يدلُّ على أن المراد أمرٌ مضمر غير الظاهر نحو قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (2) سورة الحشر فقوله تعالى هنا (( فأتاهم الله ) أي بالعذاب فسياق الآية يدل على هذا المضمر وأنه ليس الإتيان هو الإتيان الحقيقي الذي بمعنى المجيء فصرف هنا لدليلٍ ظاهر وهو :
1-أن الإتيان في الدنيا والأدلة تدل على أن الله لا يرى في الدنيا وأن إتيانه للناس سيكون في الآخرة 0
2-أنه قد ذكر الإتيان بلفظ الماضي ومعلومٌ أن الله لم يأتهم بذاته فيما مضى فدلَّ على أن الإتيان هنا غير المجيء وأنه إتيانٌ بالعذاب 0
3-أن الله جل وعلا قد بيَّن معنى الإتيان في الآية وأنه لم يرد به مجيئه بذاته جل وعلا وإنما أراد العذاب فقوله تعالى (( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله )) أي من بطشه (( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا )) أي أتاهم بعذابٍ لم يكونوا يتوقعونه ثم ذكر صنفاً من العذاب الذي جاءهم به في قوله تعالى (( وقذف في قلوبهم الرعب )) فدلَّ هذا على أن المراد بالإتيان العذاب 0 قال بن كثير : (( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا )) أي: جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال كما قال في الآية الأخرى{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} (26) سورة النحل
فهذه الآيات دلَّ سياقها على أن المراد غير الظاهر بخلاف ما تقدم من الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة التي لا تحتمل الإضمار وتدلُّ على الإتيان والمجيء الحقيقي يوم القيامة 0
(( إثبات أن الرب جل وعلا يحب ويبغض ويكره ويمقت ))
يعتقد أهل الحق أن الرب جل وعلا يحب أوليائه وأهل طاعته ويبغض أعدائه وأهل معصيته وقد تواترت النصوص بذلك فمن ذلك قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} من الآية(222) سورة البقرة وقوله تعالى{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران وقوله تعالى{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76) سورة آل عمران وقوله تعالى {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} من الآية (134) سورة آل عمران وقوله تعالى {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} من الاية (146) سورة آل عمران وقوله تعالى{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} من الاية (159) سورة آل عمران وقوله تعالى { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} من الاية (42) سورة المائدة وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} من الاية (54) سورة المائدة
وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} من الاية (4) سورة الصف وصرح جل وعلا بعدم محبته لأصنافٍ من الأعمال التي يرتكبها الناس كما في قوله تعالى{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} من الاية (190) سورة البقرة وقوله تعالى{ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} من الاية (205) سورة البقرة وقوله تعالى { وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} من الاية (276) سورة البقرة وقوله تعالى {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (32) سورة آل عمران وقوله تعالى { وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} من الاية (57) سورة آل عمران وقوله تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} من الاية (107) سورة النساء وقال تعالى {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } من الاية (148) سورة النساء وقوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف وقوله تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ } من الاية (58) سورة الأنفال وقوله تعالى {لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} (23) سورة النحل وقوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} من الاية (38) سورة الحـج وقال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} من الاية (18) سورة لقمان وقال تعالى {وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا } من الاية (39) سورة فاطر وقال تعالى {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} (35) سورة غافر وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3) سورة الصف والآيات في هذا كثيرة
وأما من السنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا ابغض عبداً دعا جبريل فيقول إني أبغض فلاناً فأبغضه . فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه . قال فيبغضونه . ثم يوضع له البغضاء في الأرض ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) متفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) رواه الترمذي وحسنه الألباني وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ) رواه البخاري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله تبارك وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله يبغض الفاحش البذيء ) رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
وقال صلى الله عليه وسلم ( لا يتناجى اثنان على غائطهما ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه فإن الله يمقت على ذلك ) رواه أبو داود وبن ماجة وبن خزيمة وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب صحيح لغيره
وقال المؤولة من الأشاعرة وغيرهم / لا يوصف الله بالمحبة والمحبة الواردة في النصوص هي إرادة الإنعام لأن المحبة هي ميل النفس إلى المحبوب بسبب رقةٍ تحصل فيه وهذا نقص والله منزهٌ عن النقص 0
والجواب / أن التعريف الذي ذكرتموه هو في محبة المخلوق ونحن نثبت صفة المحبة لله على وجهٍ لا يشابهه فيها أحد ، فهي محبةٌ تليق بجلال الله وعظمته ، ويقال لهم أيضاً أنتم أثبتم الإرادة وهي : ميل النفس لجلب محبوب أو دفع مكروه فسيقولون نحن نثبتها على وجهٍ يليق بجلال الله وعظمته فيقال لهم كذلك في المحبة فإن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر 0
قالوا نحن نستدلُّ على إثبات الإرادة بالعقل لأن التخصيص يدلُّ على الإرادة فوجود أخوين من النسب بينهما فرقٌ في الجسم أو المال أو الذكاء أو الديانة أو غير ذلك فهذا تخصيصٌ لكل واحدٍ بما قسم له فيدلُّ على أن الله عز وجل أراد ذلك 0
فيقال لهم ونحن نستدل على إثبات المحبة بالعقل فنحن نشاهد أن الله ينصر أولياءه ويؤيدهم ويكرمهم فهذا دليل محبته لهم ، ونشاهد أن الله يخذل أعدائه ويهزمهم ويجعل الدائرة عليهم ويحل بهم العقوبات مما يدلُّ على أنه يبغضهم ولا يحبهم 0 يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) الثلاثاء 28 يونيو 2011, 1:06 am | |
| (( إثبات أن الرب جل وعلا يرضى ويغضب ويسخط ويأسف ))
يعتقد أهل الحق أن الرب جل وعلا يرضى عن عباده الصالحين ويغضب على أعدائه والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(100) سورة التوبة وقال تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (18) سورة الفتح وقال تعالى {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (8) سورة البينة وقال تعالى في الغضب {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء وقال تعالى {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (6) سورة الفتح وقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} (13) سورة الممتحنة وقال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (14) سورة المجادلة وقال تعالى{تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (80) سورة المائدة وقال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (28) سورة محمد وقال تعالى {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} (55) سورة الزخرف والأسف والسخط بمعنى الغضب الذي هو ضد الرضا ، والآيات الدالة على هذه الصفات كثيرة 0
وأما من السنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير إلى رباعيته اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك إن طالت بك مدة أن ترى أقواما في أيديهم مثل أذناب البقر يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله ) رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ( اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك لا ملك إلا الله ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة ) رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 1619) وقال صلى الله عليه وسلم ( من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ) رواه الترمذي وبن حبان والبيهقي في كتاب الزهد الكبير وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة وفي حديث الشفاعة عندما يأتي الناس للأنبياء ليشفعوا عند الله فيقول كل نبي ( إن ربي قد غضب اليوم غضباًلم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله 000الحديث ) متفق عليه والأدلة من السنة كثيرة 0
وقال أهل الضلالة / إن الغضب هو فوران دم القلب ونحو هذه العبارات لينفوا صفة الغضب عن الرب جل وعلا وقالوا المراد بالغضب في النصوص إرادة الإنتقام 0
ونرد عليهم بأن هذا غضب المخلوقات والله جل وعلا منزهٌ عن مشابهة المخلوقات فغضبه يليق بجلاله وعظمته وإرادة الانتقام من أسبابها الغضب لا أنها هي المراد بالغضب 0
* * *
(( إثبات الكلام للرحمن جل وعلا ))
يعتقد أهل الحق أن الرب جل وعلا متكلمٌ ويتكلم متى شاء كيفما شاء مع من شاء وأن كلامه لا نفاد له كما قال تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان وقد كلَّم الرب جل وعلا الملائكة عليهم السلام كما قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (30) سورة البقرة وكلَّم السماوات والأرض كما قال تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (11) سورة فصلت وكلَّم آدم وحواء عليهما السلام كما قال تعالى {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} من الاية(22) سورة الأعراف وكلَّم موسى عليه السلام كما قال تعالى {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} من الاية (164) سورة النساء وكلَّم محمداً عليه الصلاة والسلام في ليلة الإسراء والمعراج وسيكلم الله عيسى عليه السلام يوم القيامة كما قال تعالى {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (116) سورة المائدة وسيكلم جميع المؤمنين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة ) متفق عليه وقد تقدم في أول الكتاب أن القران كلام الله وأن الله يتكلم بحرفٍ وصوت ، ورددنا هناك على من أنكر الحرف والصوت أو أنكر أن يكون القران كلام الله فراجعه إن شئت 0
وقد تنوعت ألفاظ النصوص في إثبات الكلام للرحمن فمن ذلك /
1- إثبات لفظ التحديث قال تعالى{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} (87) سورة النساء وقال تعالى{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (6) سورة الكهف أي القران وقال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23) سورة الزمر أي القران والحديث هو الكلام سمي بذلك لأنه يحدث شيئاً فشيئاً حرفاً بعد حرف وكلمةً بعد كلمة من الحدوث وهو التجدد ، وهذه الآيات ونحوها تدل على أن الله يتحدث أي يتكلم وأنه لا أحد أصدق منه حديثاً أي كلاماً وأن القران حديثه أي كلامه 0
2-إثبات لفظ القول قال تعالى {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (55) سورة آل عمران وقال تعالى {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} (51) سورة النحل وقال تعالى{ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (4) سورة الأحزاب وقال تعالى{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} (122) سورة النساء فهذه الآيات ونحوها فيها إثبات القول لله جل وعلا والقول هو الكلام 0
3- إثبات لفظ الكلام قال تعالى{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (75) سورة البقرة وقال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (6) سورة التوبة وقال تعالى{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (15) سورة الفتح وقال تعالى {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (119) سورة هود أي قوله كما بينه تعالى في قوله{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (13) سورة السجدة وقوله{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (7) سورة يــس وقوله{لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} (70) سورة يــس وأخبر جل وعلا أن كلماته لا حصر لها كما قال تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان وقد صرح الرب جل وعلا بتكليمه لموسى كما قال تعالى {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (164) سورة النساء وقال تعالى {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } (143) سورة الأعراف وقال تعالى{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة الأعراف وعاب على بني إسرائيل عبادتهم العجل لكونه لا يتكلم كما قال تعالى {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} (148) سورة الأعراف وتوعد أقواماً بعذابٍ شديد وهو أنه لا يكلمهم يوم القيامة وذلك أعظم الخسران كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174) سورة البقرة وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (77) سورة آل عمران فخاب من حرم التلذذ بسماع كلام الرب جل في علاه 0
4-إثبات لفظ النداء كما قال تعالى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (10) سورة الشعراء وقوله تعالى {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (52) سورة مريم وقال تعالى عن الأبوين{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (22) سورة الأعراف والنداء هو الكلام بصوتٍ مرتفع ، وقد يرد في الكلام بصوت منخفض إذا دلت القرينة على ذلك كقوله تعالى عن زكريا عليه السلام {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} (3) سورة مريم قال قتادة أي سراً نقله بن كثير وغيره ، فبيَّن الرب جل وعلا هنا أن النداء كان خفياً حتى لا يظن أن نداءه كسائر النداءات بصوتٍ مرتفع ، وتبين أن المراد بالنداء هو الكلام 0
5-إثبات لفظ المناجاة وهي الكلام بصوتٍ منخفض أو الكلام بين اثنين بحيث لا يسمع كلامهما غيرهما كقوله تعالى عن موسى{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (52) سورة مريم
* * *
(( إثبات صفة العجب للرب جل وعلا ))
يعتقد أهل الحق أن الرب جل وعلا يعجب عجباً يليق بجلاله وعظمته كما ثبت ذلك في نصوص الوحيين قال تعالى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (12) سورة الصافات قُرِأت في قراءةٍ صحيحةٍ ثابتة بضم التاء على أن الرب جل وعلا هو المتعجب من صنيع الكفار وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة وزوجته رضي الله عنهما ( لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( عجب ربنا من رجلين ، رجلٌ ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته فيقول الله لملائكته انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبةً فيما عندي وشفقاً مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم مع أصحابه فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع فرجع حتى هريق دمه فيقول الله لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبةً فيما عندي وشفقاً مما عندي حتى هريق دمه ) رواه في شرح السنة وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث رقم ( 1251 ) وقال صلى الله عليه وسلم ( يعجب ربك من راعي غنمٍ في رأس شظيةٍ بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 8102 )
والعجب نوعان :
الأول / ما يكون سببه خفاء الأمر كأن يرى تاجراً أصبح فقيراً فيتعجب لخفاء سبب فقر التاجر عليه حتى إذا علم أنه أصابته جائحة أو أنه كان يظهر أنه تاجر بما يأخذه من أموال الناس تديناً فلمَّا طالب الدائنون بمالهم سُلب ما كان عنده ورد إلى أصحابه أو غير ذلك من الأسباب فحينئذٍ يبطل عجبه ، وهكذا العكس كفقير أصبح تاجراً فيتعجب من ذلك حتى إذا علم أنه ورث ذلك المال أو أهداه إليه أحد التجار أو الرؤساء زال عجبه ونحو ذلك ، فهذا النوع من العجب منفيٌ عن الرب جل وعلا لأن الله جل وعلا لا يخفى عليه شيء 0
الثاني / ما يكون سببه خروج الشيء عن حكم نظائره مع العلم بسبب الخروج كقصة أبي طلحة وزوجته مع ضيفهما حين باتا وصغارهما طاوين ليطعموا الضيف بطعامهم ، فهذا خروجٌ عن المعتاد من كون الإنسان لا يقدم على نفسه وأهله وأولاده أجنبياً ففعلهم هذا خروجٌ عن نظائره مع كون سببه معلومٌ وهو ابتغاء رضوان الله والله جل وعلا يعلم أنهم سيفعلون ذلك فليس بخافٍ عليه جل وعلا ، فهذا هو العجب الذي يوصف به الرب جل وعلا وهو الذي جاءت به النصوص كما تقدم 0
* * *
(( إثبات صفة الضحك للرب جل وعلا ))
يعتقد أهل الحق أن الرب جل وعلا يضحك ضحكاً يليق بجلاله وعظمته لا يماثل ضحك المخلوقين مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد ) متفق عليه وفي قصة آخر من يدخل الجنة قال ( فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك أذن له في دخول الجنة ) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم ( ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) فقال أبو رزين أو يضحك الرب يا رسول الله ؟ قال ( نعم ) قال : لن نعدم من ربٍ يضحك خيراً 0 رواه أحمد وبن ماجة والدار قطني وغيرهم 0
* * *
(( إثبات صفة الفرح للرب جل وعلا ))
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه مسلم
* * *
(( بيان معنى النسيان الوارد في النصوص ))
النسيان عند العرب له معنيان /
الأول / بمعنى الذهول والغفلة عن الشيء فهذا لا يوصف الله تعالى به لأنه نقصٌ والرب جل وعلا منزهٌ عن النقص ولذا قال تعالى{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم وقوله تعالى{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52) سورة طـه
الثاني / بمعنى الترك ، وهو كمالٌ إذا كان مقابلةً بأن يقابل التارك بالترك عقوبةً له فهذا النوع من النسيان يوصف الله به كما في قوله تعالى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (67) سورة التوبة وقوله تعالى{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (14) سورة السجدة وقوله تعالى{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} (34) سورة الجاثية وقوله تعالى{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (126) سورة طـه
وقد فصَّل الزبيدي في تاج العروس معاني النسيان عند العرب وذكر كلام علماء اللغة على معاني الآيات والأحاديث الواردة في النسيان فراجعه إن شئت 0
* * *
(( حكم الإشارة بالحواس عند الإخبار عن صفات الرب جل وعلا ))
القول الراجح في هذه المسألة هو الجواز لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره لمن فعل فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ( يأخذ الجبار سماواته وأرضيه بيده وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ثم يقول أنا الجبار أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ) قال ويتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم 0 رواه بن ماجة وصححه الألباني فيه وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء قال فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه0 رواه أبو داود وقال الألباني : صحيح الإسناد وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : جاء حبرٌ من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك أنا الله . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له . ثم قرأ ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) متفق عليه وقد روى الترمذي هذا الحديث عن بن عباس بلفظ ( كيف تقول يا محمد إذا وضع الله السماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه 000 الحديث) قال الترمذي حديث حسن غريب صحيح قال الألباني ضعيف قلت يغني عنه ما تقدم 0 انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله كتاب توحيد الربوبية. تم بحمد الله الجزء الأول... ويتبع الجزء الثاني إن شاء الله... |
|
| |
| كتاب طريق الناجين في بيان عقيدة الموحدين (ج 1) | |
|