منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون Empty
مُساهمةموضوع: مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون   مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024, 9:50 pm

مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون
مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون Ocia1318
مشاهدها كثيرة، وفى كل مشهد منها إجابة على أسئلة حائرة، ففى مصر يولد موسى -عليه الصلاة والسلام- فى بيئة قاتمة خانقة قد أطبقت على بنى إسرائيل فأذاقتهم الهوان، حاضر شقى ومستقبل مظلم...

قصة نبى الله موسى وفرعون ذات مغزى، ولها دلالات وعِبر، يقرؤها اللبيب فتضئ له الطريق، ويبصر مواضع الأقدام: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف: 111].
 
مشاهدها كثيرة، وفى كل مشهد منها إجابة على أسئلة حائرة، ففى مصر يولد موسى -عليه الصلاة والسلام- فى بيئة قاتمة خانقة قد أطبقت على بنى إسرائيل فأذاقتهم الهوان، حاضر شقى ومستقبل مظلم، وقلة عدد، وفقر وسائل، وذلة نفوس، عدو قاهر وسُخرة ظالمة، لا قوة تدافع ولا دولة تحمى، أمة مصيرها معلوم ومصيرها محتوم، وكأنها ما خلقت إلا للشقاء، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

فهل من أمل وهل من سبيل للخلاص؟
فالنفوس تتوق للإفلات من هذا العناء فى التو واللحظة، لا فى قابل الأيام، وهنا يولد نبى الله موسى، وولادته كلها تحد لفلسفة الأسباب، ومنطق الأشياء والرب قدير لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وإذا أراد أمراً هيأ له أسبابه التى تحار فيها العقول، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] وينشأ موسى -عليه الصلاة والسلام- فى حضانة العدو، ورعاية القاتل.

وسبحان الله الحكيم العليم..

وهذا هو المشهد الأول.
 
المشهد الثانى:
انتقال موسى إلى قصر الفرعون، والسعيد من أحبه طبعاً وشرعاً، ولذلك قالت امرأة فرعون: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: 9]، تربى موسى فى قصر فرعون ونام على سريره وأكل من طعامه، ثم كان هلاك فرعون على يديه وهذا من عجائب التدبير، وتدبير الكافر تدميره، وكيده دائماً يرتد إلى نحره.
 
خرج موسى من مصر بعد أن علم بطلبهم له لقتله وتوجه إلى مدين: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].
 
وفى مدين يستقى الماء لابنتى شعيب، وكان ضاوياً خاوى البطن لثلاث ليال فيتوجه إلى ربه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿24﴾ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 24- 25] يجد الضيافة الكريمة، والزواج من ابنة شعيب، ويرجع بأهله فيلفه الليل المظلم والطريق الموحش، وتتمخَّض زوجته فيطلب لها ناراً تصطلى بها فيجد نوراً يسعد به بنو اسرائيل ويهتدى به العالم.

يطلب النجدة والمدد لامرأة واحدة فيجد النجدة والمدد للإنسانية كلها، ويُكرم بالنبوة والرسالة.

وهكذا فالرب لا يضيع أوليائه وعطيته هى أفضل العطايا وأهناها، والمؤمن الذى يتابع منهج الأنبياء والمرسلين لا ينسى دوره ومهمته فى ابلاغ الحق للخلق ويعلم أن حله وترحاله، نقضه وإبرامه، وصله وهجره، يجب أن يكون لله وفى سبيل الله.
 
المشهد الثالث:
خرج موسى من مصر خائفاً يترقَّب، فقد قتل رجلاً من شيعة فرعون، وسيحكم عليه قضاء فرعون، ولا ينتظر، ولا يتصور من ورائه عدالة، فهو يأتمر بأمر فرعون: {إِنهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

رجل يقول: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} ويدَعى الربوبية والألوهية، وبالتالى فالقضاء على شاكلته، أى إلى الظلم أقرب، موسى مطلوب لعدالة بلا شرع ولا دين، وويل لقاضى الأرض من قاضى السماء، ولعدالة الأرض من عدالة السماء.

قال المؤمن الذى كان يجالس الفرعون ويعرف مؤامرته: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}.  

وهكذا فالمؤمن ينصح، لا يخون ولا يغش ولا يتآمر، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، فخرج موسى إلى مدين بعد أن تمهدت أسباب الخوف، وقضى بمدين ما لا يقل عن عشر سنوات، وهو أتم الأجلين، مستأجراً عند شعيب، وكان ذلك مهر زواجه من ابنة شعيب؛ لا يملك من حطام الدنيا وقت خروجه وفى زواجه إلا الدعوات الصالحات وقلبٌ مُعَلَّقٌ بالله.

ويدخل موسى على فرعون فى أبهته وسلطانه وفى ملئه وأعوانه، وهو المطلوب بالأمس قد تحققت عليه الجناية، وفى لسانه حبسه وفى موقفه ضعف، فيقهر فرعون وملأه بدعوته وإيمانه وحجته وبيانه، ويؤمن سحرة فرعون برب موسى وهارون ورب العالمين، مُتَحَدِّينَ فرعون وأعوانه قال تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُون} ذهب موسى وهارون وقالا لفرعون ما أُمِرَا به: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وفرعون يومئذ يقول لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.

إنها المواجهة القوية الصريحة الواضحة، وبلا تدرج أو مواربة منذ اللحظة الأولى، وكان رَدُّ فرعون: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.

لم يعهد فرعون هذه المواجهة من قبل، فموسى يواجهه بأنه رسول من رَبِّ العالمين، ويطلب منه أن يُرسل معه بنى اسرائيل، حكمة فى مواجهة الغطرسة، والتهكم بالحق فى مواجهة تهكم الجبروت والضلال: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
 
المشهد الرابع:
كانت تربية موسى فى قصر الفرعون بسبب استعباد فرعون لبنى اسرائيل وقتله لأبناءهم، مما اضطر أمَّهُ أن تضعه فى التابوت وتقذف به فى البحر، فالتقطه آل فرعون، ولذلك تربَّى فى بيت فرعون لا فى بيت أبويه، وذلك لا يستحق المن والأذى حتى يقول لموسى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} فهل هذا هو الفضل العظيم؟

وعند ذلك انطلق فرعون يسأله عن صميم دعواه فى تجاهل وهزء وسوء أدب فى حق الله الكريم، نبرة اعتادها الطغاة والطواغيت فى كل عصر ووقت: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فأجابه موسى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ}.

فقال فرعون لمن حوله: {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} أى إلى هذا القول العجيب الغريب، وهذه قمة الخفة والطيش والسفه فما كان من موسى إلا أن أجابه بصفة أخرى من صفات رب العالمين: {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} فما فرعون إلا واحد من خلقه وعبيده ليس رباً ولا إلهاً كما يَدَّعِى بين قومه، وهل كانت بداية السفه والإدعاء من فرعون، أم أن القوم زعموه رباً وإلهاً فصدَق وتأله، والقرآن يذكر عنه قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} وقال سبحانه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}، وقيل فى المثل: قيل لفرعون ما فرعنك قال لم أجد أحداً يردنى.

سارع فرعون بإتهام موسى بالجنون: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} تهم جاهزة مُعلبة، لا يعجز عنها الطغاة والطواغيت يرمون بها الأبرياء كتهم الإرهاب وقلب نظام الحكم.

لم تَفُت هذه التهمة فى عضد موسى، بل مضى فى طريقه يقول كلمة الحق: {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} ولا يجرؤ فرعون ولا غيره من المتجبرين أن يدَعى تصريفهما، فالكون يسير وفق نظام محكم: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وفى كل شئ له آية تدل على أنه الواحد.

إن هذا التوجيه يهز القلوب البليدة هزاً، ويوقظ العقول الغافية ايقاظاً، إنه يدعوهم إلى التدبر والتفكر "إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" والطغيان لا يخشى شيئاً كما يخشى يقظة الشعوب وصحوة القلوب.
 
المشهد الخامس:
الوعى واليقظة الحقيقية، وهزة العقول والقلوب والضمائر الغافية، أهاجت فرعون وجعلته يثور وينهى حواره مع نبى الله موسى بلغة التهديد الذى لا يجيد الطغاة سواه عندما يسقط فى أيديهم وتخذلهم البراهين، فلا يستطيعون مواجهة الحجة بالحجة: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}.

دعاهم لخيرهم وسعادتهم فكان جزاؤه التهديد بالسجن، وهذا دليل عجز وعلامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الغالب، وهذه هى سمة الطغاة قديماً وحديثاً تهديد لم يُفقد موسى رباطة جأشه، فالله معه يؤيده ويسدده.

رد على فرعون ببرهان جديد {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ} وهذا إحراج لفرعون أمام الملأ يضطره للإستجابة: {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

وهنا تأتى معجزة من جملة ما برع فيه القوم: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ} معجزة الحياة التى تدب من حيث لا يعلم البشر، معجزة لا نلقى لها بالاً لطول الألفة والتكرار، فالرب قدير: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}.  

معجزة تقع على جهة التحدى، لا يستطيع فرعون الذى يدَعى الربوبية والألوهية ويستعبد المصريين أن يقاومها، أحس بضعفه فتخلى عن شئ من جبروته وأخذ يتملق قومه: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِن هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُون}.  

متى كان يأتمر بأمرهم وهم عبيده وله يسجدون من دون الله، تواضع مكذوب؛ وإذا كان موسى هو الذى سيهدد مصالحهم واستقرارهم ويخرجهم من أرضهم، إذاً فقد استحكمت المسألة وتوافقت المصالح ولا بد من الخلاص من موسى حتى لو كان أحد أولى العزم من الرسل فما بالك لو كان كأمثالنا، طبيعة الطغاة لا تتغير فعندما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم يلينون القول بعد التجبر، ويلجأون إلى الشعوب وقد كانوا يدوسونها بالأقدام، ويتظاهرون بالشورى فى الأمر وهم كانوا يستبدون بالهوى، ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر، ثم إذا هم جبابرة مستبدون ظالمون، لا يمكن أن يتحملوا الفشل وحدهم، فالمسئولية وكأنها تضامنية يتحملها معهم الملأ والشعب، فرعون يجيد توريط الجميع وقت اللزوم، حتى لا يغرق وحده فالمركب ستغرق بالجميع طالما ليس منهم رجل رشيد.
 
المشهد السادس:
أشار الملأ على فرعون أن يواجه سحر موسى بسحر مثله، وهكذا قلبوا الحقائق، فالمعجزة سموها سحرا كما يسمون الإيمان إرهاباً: {قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِين}.  

فرعون يَدَّعِى الربوبية والألوهية فلماذا لا يواجه التحدى ويجهز بنفسه على موسى ومعجزته، وكيف يستعين بالسحرة ويتبعهم وهو يدَعى هذه الدعوى العريضة لنفسه؟

قِمَّةُ العجز والضعف والتناقض، وتعجب غاية العجب كيف عبده شعبه وكيف أحبوه وأطاعوا أمره: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}.

جمعهم فرعون يوم الزينة ليشهدوا المباراة بين السحرة وموسى، ودائماً ما تتجمع الجماهير لمثل هذه الأمور دون أن تفطن إلى أن حكامها الطغاة يلهون بها ويشغلونها بهذه الاحتفالات والمباريات ليُلهوها عما تعانى من ظلم وقهر وبؤس: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.  

قيل جمع سبعين ألف ساحر لمواجهة موسى الأعزل إلا من سلاح الإيمان، جماعة مأجورة، تبيع نفسها للشيطان، جاهزة للاستعمال والاستخدام فى كل مكان وفى كل زمان، لا تتورع عن مواجهة الصالحين، حتى لو تأدى ذلك إلى البطش بهم، والحرة كانت ولا زالت لا تأكل بثديها، فأكل التراب أهون عندها من بيع عرضها ودينها، وتبدأ المواجهة: {قالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُون * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُون * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِين * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين * قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُون * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}.  

لا يثبت الباطل مهما انتفش أمام الحق، فهو أوهى من بيت العنكبوت، قد يحاول الباطل أن يستجمع شتاته وقواه من هنا ومن هناك، ولكن لا بد وأن ينتهى ويزول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} فيلجأ الطغاة إلى مزيد من التهديد والوعيد والتصعيد لعلهم يوقفون زحف الإيمان، وهيهات ثم هيهات، فالنفوس التى اعتصمت بالواحد القهار لا ترهبها قوى الأرض.



مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون Empty
مُساهمةموضوع: رد: مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون   مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون Emptyالثلاثاء 23 يناير 2024, 9:53 pm

 مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون Ocia1319
المشهد السابع:
إيمان عمره لحظات يصنع الأعاجيب، فقد أتى السحرة فى بداية اليوم راغبين فى الدنيا وحطامها الفانى ينتظرون الأجر والحظوة من فرعون، وكانوا فى نهاية يومهم شهداء، يرجون رحمة الله ويطلبون الأجر والمثوبة منه وحده سبحانه، باعوا الدنيا واشتروا الآخرة، لم يعرفوا الاستقامة ولا الالتزام والطاعة منذ عشرين وثلاثين سنة كما نُعبِر ونُعرِف أنفسنا، لا حجر على سعة رحمة الله، والخواتيم مطوية، والمهدى يصلحه ربنا فى ليلة يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وقد يتوب الفاجر وتحسن توبته.

إن السحرة لم يكونوا أصحاب عقيدة ولا قضية: {أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} الحق إذا مس شغاف القلوب أزال الضلال فى لحظة، وهى لحظة هداية لا يعلمها إلا الله، تجعل الكافر والساحر ينطق: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.

إن اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ -عدلاً- ويهدى مَنْ يَشَاءُ فضلاً، والخلق يتقلبون بين فضل وعدل، ولا ظلم بين العباد.

لقد انتكس وارتكس بلعام بن باعوراء وبرصيصا، وكلاهما أوتى اسم الله الأعظم، الذى إن سُئل به أعطى وإن دُعى به أجاب، ولذلك كان أكثر دعاء النبى -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك».

وكان من دعاء على -رضى الله عنه-: رب احملنى على فضلك ولا تحملنى على عدلك، وفى الحديث: «مَا مِنْ قَلبٍ إلا بينَ إصْبُعَين من أَصَابع الرّحمن إن شَاءَ أَقَامَهُ وإنْ شَاء أزَاغهُ».

قال آمنتم له لأنه عد ذلك استسلاماً له قبل إذنه، والطغاة قديماً وحديثاً لا يتوهمون فحسب، بل يصرحون أنهم يعطون المؤمنين الإذن بالإيمان والصلاة والدعوة، وكأنها منحة من جيوبهم الخاصة؛ وعندما يلجأ فرعون إلى التهديد بالعذاب والنكال، ويسارع باتهام السحرة بتدبير هذه الحيلة مع موسى -عليه السلام- وكأن من اقترب من الحق صار مشبوهاً، تعلم يقيناً حقيقة الصراع بين الإيمان والكفر، وأنه صراع عقائدى.

دين الحق فى مواجهة أديان الباطل والضلالة، ولذلك قال فرعون: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} ففرعون عنده دين فاسد كدين الشيوعيين واليهود والنصارى، القصة تتكرر فمَنْ وافق فرعون كان له الحظوة والمال، وصار من المقربين -وبئس القرب- أمَّا مَنْ خالفه وتابع منهج الأنبياء والمرسلين، واقترب من نبى الله موسى فله الطرد والإبعاد والقتل والاغتصاب.

وسبحان مَنْ له المرجع والمآب.
 
المشهد الثامن:
السحرة بإيمانهم يستعلون على الترغيب والترهيب الفرعونى الدنيوى، فالله خير وأبقى، وإنا إلى ربنا منقلبون، إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين، وما عند الله خير للأبرار.

فقيه من كانت تجارته مع الله، وباع قليلاً بكثير، ونافذاً بباق:
إن لله عباداً فطنا طلقوا          الدنيــا وخـــافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا         أنهــا ليست لحى وطنــاً
جعلوها لجة واتخذوا         صالح الأعمال فيها سفناً


الإيمان يبعث الطمأنينة فى النفوس، وصدق ابن تيمية وهو يقول: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه.

وقال: ماذا يفعل أعدائى بى، أنا جنتى وبستانى فى صدرى أينما رحت فهى معى، أنا سجنى خلوة، وقتلى شهادة، وإخراجى من بلدى سياحة.

بالإيمان يرتفع الإنسان بسلالة الطين إلى أعلى عليين، وتمتلئ القلوب بالغنى، فإذا كل ما فى الأرض تافه وحقير.

لم يرتدع فرعون عن غيه، بل استمر فى التآمر وتجميع جنوده للقضاء على بنى اسرائيل، فأوحى الله لموسى عليه السلام أن يرحل بهم ليلاً: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُون * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} وقال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ}.  

ويعبُر موسى وقومه ويتبعهم فرعون بجنوده بغياً وعدواً فيلتهمهم البحر الهائج، وهكذا ينجو موسى ومن آمن معه، ويهلك فرعون ومَنْ شايعه: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} الآيات تنطق، والواقع يصدق، ولكن أين مَنْ يتعظ ويعتبر؟

المشهد التاسع:
قصة موسى وفرعون هى قصة التدافع بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، صراع بدأ بين آدم وإبليس، ثم انتقل إلى بنى آدم وشياطين الإنس والجن، قصة كل أصحاب العقيدة الحقة فى مواجهة الباطل والطغيان وأصحاب الأديان الفاسدة، قصة بمثابة تربية لنفوس المسلمين فى مكة وهم يواجهون الأذى والكرب والضيق.

الباطل ينظر لأتباع الحق دوماً على أنهم قلة، كما قال فرعون: {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} ولا ينفع حذر من قدر، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

يُستدرج فرعون إلى البحر ليكون مقبرته، بل ليطفو على السطح جثة منتنة، وهو الذى ادَّعَى الألوهية بالأمس، لم يُلهم التوبة قبل الممات، قال: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}.

آيات الاتعاظ والإعتبار كثيرة، ولكن البعض حق فيه قول ربه:
{وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.

توجَّه موسى وبنو إسرائيل وأدركهم فرعون بجنوده، فكانت الهلكة مُحقَّقة، فالبحر أمامهم والعدو ورائهم، حالة ضعف ظاهرة، ولذلك قالت بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} قال موسى بلسان الواثق المطمئن: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وما كاد يقولها إلا وانفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، وهى كلمة شبيهة بما قاله النبى -صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر يوم الغار: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» وأبو بكر -رضى الله عنه- يقول: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.

وما أبعد الفرق بين أبى بكر وبنى اسرائيل، فمعية الله شملته حتى الممات، بينما انقلبت بنو اسرائيل على عقبهم القهقرى.

لقد كانت القوة التى قهر بها موسى أعظم قوة فى عصره ومصره، هى قوة الإيمان والطاعة والدعوة إلى الله، استفرغ وسعه فى تعاطى الأسباب المستطاعة والمقدورة، وتعلق قلبه بالواحد القهار، وتوكل على القوى المتين فتحقق له النصر، ولو نظرت بعين العقل للأسباب المادية وحدها وحسبة الواحد زائد واحد، لقلت لا يمكن أن يتحقق لموسى الغلبة على فرعون، ولكنه الوعد الصادق: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ".

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.
 
المشهد العاشر:
أعظم قوة فى الوجود هى قوة الإيمان وعمق اليقين، وهى القوة التى قهر بها موسى أعظم قوة فى عصره، وأعظم امبراطورية على وجه الأرض.

لم يسلك -عليه السلام- مسلك الزعماء السياسيين الميكيافيلليين ويستعرض الإمكانات والوسائل التى يملكها قومه ويزن كل شئ فى ميزان الواقع والحكمة العملية، لو قارن نبى الله موسى بين قومه وقوم فرعون لما جاز له فى شريعة العقل أن يواجه فرعون، ولتحتم عليه أن يقنع بحظه وحظ قومه، ويرضى بالوضع السائد، ولكنه وصل الأرض بالسماء والدنيا بالآخرة، والتجأ إلى جناب الله، وأعمل المنهج الإيمانى، هذا المنهج الذى غيَر مجرى التاريخ وأتى بالمعجزات وأدهش العقول وحيَر الألباب.

لقد نشأ نبى الله موسى نشأة اليتم، وما حدث معه حدث مثله وأعظم مع نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقد نشأ يتيم الأبوين، ومات يوم مات وهو سيد الأولين والآخرين، عُرض عليه أن يكون نبياً ملكاً فتواضع وكان عبداً رسولاً، وعرضت عليه قريش المُلك والمال والطب والجاه فرفض ذلك كله، وقال للناس اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيرُه، ولم يكن يفكر تفكير الزعماء أو يتطلع إلى قوة منسلخة من معانى الإيمان، دعا قريش ودعا العرب والعجم وخاطب الأكاسرة والقياصرة بلغة الإيمان، وكتب إلى سيدَى العالم المعاصر فارس والروم يوم ذاك يدعوهما إلى الإسلام، ولم يلتفت إلى ما تتمتع به هاتان الإمبراطوريتان من حول وطول وقوة، وهذا لا يمكن أن يحدث بالحساب العقلى المادى ولا بحسبة الواحد زائد واحد.

وإذا كان نبى الله موسى قد أورثه الله مال وديار فرعون وقومه، فأيضاً بَشَّرَ النبى -صلى الله عليه وسلم- بفتح قصور كسرى وقيصر، وأنفقت كنوزهما فى سبيل الله، ودخل الناس فى دين الله أفواجاً.

فبالمنهج الإيمانى تسعد البشرية ويطلع الفجر ويغير ربنا حالنا لأحسن الأحوال {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
 
المشهد الحادى عشر:
لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، انتصرت الأمة على فارس والروم وقامت دولة الإسلام العالمية، ويتكرر الأمر بإذن الله وتُقام خلافة إسلامية على منهاج النبوة، إذا تحققت وتجلت فينا صفة الإيمان، يحدث معنا مثل ما حدث مع نبى الله موسى ورسولنا الكريم من نصر وغلبة وعلو وتمكين قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فالضعيف مع نصره سبحانه قوى، والقوى مع خذلانه ضعيف: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.  

ينصر سبحانه من نصر الدين وأخذ بالأسباب المستطاعة وتوكل عليه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين}.
 
قال الشيخ محب الدين الخطيب: ليكن قول أحدكم للآخر إن الله معنا، ولن يكون الله معنا إلا إذا كنا مع الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.

الإيمان يصنع الأعاجيب، والنصر الحقيقى لا يتم بالعصبيات والوطنيات والقوميات، ولا بشرف الأنساب والتطلع للمجد والرياسات.

انتصر الأنبياء وأتباعهم بهذه العقيدة، وهذا المنهج الخاص للحياة: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون} نحن بحاجة لقراءة تاريخ الحروب الصليبية وحروب التتار، وكيف انتصر صلاح الدين الأيوبى على جحافل الصليبيين فى حطين، وكيف انتصر سيف الدين قطز على التتار فى عين جالوت، لقد كان الأعداء فى قمة الغطرسة والقوة المادية، سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وأذلوا عباد الله، والمسلمون فى المقابل فى غاية الضعف المادى، ولكنه الإسلام والإيمان والثقة بنصر الله، لحظات فارقة فى التاريخ وتحول من هزيمة إلى نصر، ومن ضعف إلى قوة عندما تتعلق القلوب بربها وتحسن التوكل عليه، وتستفرغ الوسع فى تعاطى الأسباب الكونية والشرعية: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} المادية والمعنوية، السلاح والعتاد، ووحدة الصف والإيمان بالله والجهاد فى سبيله من أجل إعلاء كلمة الله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ}.
 
المشهد الثانى عشر:
هذه الأمة تنتصر بالطاعة، وتهزم بالمعصية، تمرض ولا تموت، أمة رسالة لهداية البشر، قوتها الكبرى فى الإيمان والطاعة والدعوة إلى الله، نصرها الحقيقى فى ثباتها وصمودها واستعلائها على كل قوى الكفر: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} نُقتل ونُحرق ونُسجن ونُعذب ويتحقق فينا الوعد الصادق بمقدار اقترابنا من منهج الأنبياء والمرسلين: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.
 
يتحقق ذلك للأفراد والدول والجماعات، كما تحقق لصاحب يس ومؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف وعبد الله الغلام وأصحاب الأخدود، ومن قبلهم لموسى ونبينا -عليهم الصلاة والسلام- نحن بفضل الله القوة الحقيقية الكبرى فى العالم، فعندنا ما هو حاجة البشرية كلها، عندنا دعوة تنقذ العالم من نهايته الأليمة التى تنتظره وتقترب منه، عندنا الإيمان الذى هو منبع ومصدر كل خير وسعادة، عندنا شريعة تحل جميع المشكلات والأزمات التى يواجهها البشر فى هذا القرن وإلى نهاية الحياة، عندنا نبى أُرسل رحمة للعالمين: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، ليست الديمقراطية ولا الليبرالية ولا النظام العالمى أو الأمم المتحدة هى الحل، وحاجة الغرب والأمريكان... إلى اقتباس هذا الإيمان منا أشد وأعظم من حاجتنا إلى الإقتباس من صناعاتها وعلومها، هم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، لا بطح على أدمغتنا، ولا هزيمة نفسية عندنا، قد نكون فقراء وضعفاء ومتخلفون فى الصناعة وفى الإقتصاد والزراعة، ولكن عندنا سلعة وبضاعة لا تنهض أمامها أموال وثروات الدنيا.

فركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وقال الصادق المصدوق: {لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً}، أى سنة الفجر، نأخذ بأسباب التطور مع تمسكنا بمعانى الإيمان، نأخذ الطب والهندسة والعلوم النافعة من كل من أفلح فيها، ولا نفرط فى سُنَّةِ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ننطلق بدعوتنا لتخليص البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فإن أعوزتنا هذه الإمكانات وافتقرنا لبعض الأسباب المادية، أمدنا سبحانه بمدد من عنده إذا علم منا صدق الإيمان واستفراغ الوسع فى بذل الأسباب، قال سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

النصر من عند الله ولا تتعلق القلوب إلا بالله، ولا تتوكل إلا عليه، استجاب الله لهم فى بدر وهم يستغيثون، وأنبأهم أنه ممدهم بألف من الملائكة مردفين، وما ذلك إلا بشرى ولتطمئن به القلوب، دعوة مباركة ترفع من يستجيب لها وتعزه ويذل من يرفضها ويتنكر لها، فلنتوجه بها إلى الغرب الحائر والشرق التائه، إلى العرب والعجم، نقيم دولتنا العالمية، ونحتل مكان الزعامة والريادة بعدما عشنا زمناً طويلاً فى مؤخرة الركب وفى صف الحاشية والتلاميذ وفى مقاعد المتفرجين، بهذه الدعوة المباركة يتغيَّر مجرى التاريخ كما تغيَّر فى العهد الأول بإسلام الفرس والترك والديلم وفى العهد الأوسط بإسلام التتار والمغول، ولكن لا بد من ثورة فى المنهج والأخلاق والسلوك، ولا تغير من حال إلى حال إلا بفضل الله: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
 
سعيد عبد العظيم
من مشاهير الدُّعاة في مصر - الاسكندرية



مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسى (عليه السلام)
» القائد الفذ موسى بن نصير
» موسى بن نصير وقرار فتح الأندلس
» موسى وهارون (عليهما السلام)
» 30 قصة من قصص البحار في القرآن - المقدمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: الكتابات الإسلامية والعامة-
انتقل الى: