| | موسى (عليه السلام) | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: موسى (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 10:13 am | |
| موسى (عليه السلام) من ولادته حتى هلاك فرعون وجنوده هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقد ذكر اسمه في القرآن الكريم 136 مرة، في 34 سورة.
فقد اختاره الله واصطفاه على الناس بالرسالة وبكلامه مع الله عز وجل، لقوله تعالى: (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَاءَاتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الأعراف: الآية 144).
وقد أثنى الله عليه في القرآن الكريم ثناءً بليغاً, قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (مريم: الآية 51)، كما كان مقرباً إلى الله عز وجل، قال تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) (مريم: الآية 52).
وألقى الله على موسى (عليه السلام) محبته، قال تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه: الآية 39)، ويذكر القرآن الكريم ملخص قصة موسى (عليه السلام) وفرعون في سورة القصص، في قوله تعالى: (طسم(1)تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: الآيات 1-6).
لقد تجبر فرعون في الأرض, وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم (بني إسرائيل)، يستخدمهم في أخس الصنائع والحرف، يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وفى ذلك بلاء من ربهم عظيم، ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن يمُن على هؤلاء الذين استضعفوا في الأرض من بني إسرائيل، فينقلبوا آمنين من بعد خوف، ويصبح الضعيف قوياً، والذليل عزيزا، والفقير غنياً، ويؤول ملك فرعون إليهم ويجعلهم أئمة، ويورثهم جنات وعيوناً، وكنوزاً ومقاماً كريماً، من بعد إهلاك فرعون وجنوده.
كان بنو إسرائيل يتداولون بينهم ما يؤثرونه عن إبراهيم (عليه السلام) من خروج غلام من ذريته يكون على يديه هلاك ملك مصر، وكانت تلك البشارة مشهورة عند بني إسرائيل، وتحدث بها القبط فيما بينهم، وقصوا ذلك على فرعون وبعض أمرائه وأساورته ، فأمر فرعون بقتل كل من يولد ذكراً من بني إسرائيل، حذراً أن يكون ذلك الغلام من بينهم.
هكذا احترز فرعون كل الاحتراز، ألا يبقى ذكراً مولوداً حيا حتى لا تتحقق تلك النبوءة، فجعل رجاله وقوابله يدورون على الحبالى، فيعلمون ميقات وضعهن، وحين يأتي موعدهن يذبحون ما يولد منهن من الذكور، كان هذا قبل ولادة موسى (عليه السلام).
ولما كثر قتل الذكور من بني إسرائيل، خاف القبط أن يفنى كل بني إسرائيل فتؤول إليهم الأعمال الشاقة بدلا منهم، فشكوا ذلك إلى فرعون، فأمر رجاله بأن يقتلوا الولدان عاما،ً ويتركوهم عاماً، فولد هارون (عليه السلام) في عام لا يقتل فيه الذكور، وولد موسى (عليه السلام) في العام الذي يقتلون فيه الذكور، ولم تظهر علامات الحمل على أمه كباقي الحوامل، كما لم تفطن الدايات لحملها، فلما وضعت أم موسى، موسى (عليه السلام) ورأت أنه ذكر خافت عليه خوفاً شديداً، وأوحى الله إليها أن ترضعه فإذا خافت عليه من الموت، أن تلقيه في اليم، وألا تخاف، ولا تحزن على فراقه، فإن الله سيرده إليها، ويجعله من المرسلين قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص: الآية 7).
وكان بيت أم موسى (عليه السلام) على حافة النيل، فجهزت له تابوتاً، ومهدت فيه مهداً، وأخذت ترضعه، حتى إذا دخل عليها أحد رجال فرعون، أسرعت بوضعه في التابوت وربطته بحبل وسيرته في النيل، ثم نست الحبل فذهب التابوت مع الماء، وعندئذ طلبت من أخته أن تقص أثره فتسير بحذاء اليم، تراقبه عن كثب، دون أن تشعر بها أحداً، قال تعالى: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص: الآية 11).
كان موسى (عليه السلام) في رعاية الله وعنايته، كان الله (جل جلاله) يكلؤه ويسمع ويرى كل شيء (خوف الأم، ووفاء الأخت، وطفو تابوت موسى (عليه السلام) في النهر)، لقد نهى الله سبحانه وتعالى أم موسى عن الخوف عليه، أو الحزن، ووعدها بأن سيعيده إليها مرة أخرى، وعلى الرغم من ذلك فقد كان قلبها كقلب كل أم تخشى على وليدها، كادت أن تبوح بأمره، لولا أن ربط الله على قلبها، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) (القصص: الآية 10).
وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً فهي تعلم أن موسى (عليه السلام) قد يغرق في اليم، وهى التي ألقته فيه بنفسها ولا تعلم عنه شيئاً، إنه يسير مع تيار الماء الجاري في النهر إلى المجهول، وهو مُعرض للغرق في أي لحظة، لكن الله ثبت أقدامها وربط على قلبها لتكون من المؤمنين، فلم تفقد ثقتها بالله لحظة، فهي تعلم أن وعد الله حق، وعودته إليها لابد أن تتحقق.
سارت أخته بحذاء الساحل، تراقبه، وتقص أثره دون أن تشعر بها أحداً، فلما ألقاه اليم بالساحل (بجوار بيت فرعون)، التقطته الجواري واحتملنه إلى امرأة فرعون التي كانت مؤمنة، فلما رأته ورأت حسنه وبهاءه، سُرت به وأدخلته قصرها، وألقى الله عليها محبته في قلبها، غير أنه في علم الله سوف يكون عدواً لآل فرعون، وسوف يكون سبباً في هلاكهم، قال تعالى: (فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) (القصص: الآية8).
أولاً: تربية موسى (عليه السلام) في بيت فرعون وصل موسى (عليه السلام) بعناية الله إلى امرأة فرعون "آسيا" بنت مزاحم، ولما رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية، أحبته حباً شديداً، وعندما جاء فرعون سألها عنه، وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودافعت عنه، وقالت: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَك لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص: الآية 9) ذلك لأنهما لم يكن لهما أولاد من قبل، هكذا شاءت إرادة الله تعالى أن يجعل امرأة فرعون سبباً في إنقاذ موسى (عليه السلام)من القتل، وشاءت إرادة الله أن يعيش موسى (عليه السلام) في بيت فرعون، الذي هو عدو لله وعدو له.
أرادوا أن يرضعوا موسى (عليه السلام) فأبى، حاولوا أن يأتوا له بمرضعة ترضعه، لكن الله قد حرم عليه المراضع من قبل، تحريم منع، لا تحريم شرع، فلم يقبل طعاماً من أي ثدي، وهنا ظهرت أخته فأشارت عليهم بتلك المشورة حيث قالت: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُون) (القصص: الآية 12)، فشكَّوا في أمرها، وسألوها عن سبب معرفتها بآهل ذلك البيت الذي تتحدث عنه، وكيف أنهم سيكونون له ناصحين، فقالت لهم إن نصح أهل ذلك البيت له وشفقتهم عليه إنما لرغبتهم في إدخال السرور على الملك، وحرصاً منهم على منفعته، فذهبوا معها إلى أمه، وعرضوه عليها، فرضع من ثديها، ولما رأوا ذلك فرحوا فرحاً شديداً، واستدعت "آسيا" أمه إلى قصرها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن إليها، فأبت، وقالت إن لي بعلاً وأولاداً, فهل ترسليه معي، فأرسلته معها, وأعطتها النفقات اللازمة، فرجعت أم موسى به إلى بيتها فرحة قريرة العين، فقد جمع الله شملهما مرة أخرى، كما وعدها، قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (القصص: الآية 13)، تيقنت أم موسى (عليه السلام) أن وعد الله حق، فقد تحقق تماماً ما وعدها ربها به، وها هي تنتظر وعد الله بأن يكون موسى (عليه السلام) من المرسلين.
ثانياً: خروج موسى (عليه السلام) من مصر إلى أرض مدين بعد تمام رضاعة موسى (عليه السلام) سلمته أمه إلى قصر فرعون، وعاش موسى (عليه السلام) في هذا القصر وشب فيه وترعرع، وكان محبوبا من كل البشر، فلا يراه أحداً إلا أحبه، ولما بلغ أشده واستوى، آتاه الله حكماً وعلماً، قال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (القصص: الآية 14)، وفى ذات يوم دخل موسى (عليه السلام) المدينة على حين غفلة من أهلها، فإذا برجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من قوم فرعون، فاستغاثه الرجل الذي من بني إسرائيل، على الآخر الذي من آل فرعون، فسارع موسى (عليه السلام) لنجدته، ووكز الرجل بيده (وقيل بعصاه) فقتله على الفور، لقد قتل موسى (عليه السلام) الرجل دون عمد، فقد جاء أجله وانتهى عمره في تلك اللحظة بيد موسى (عليه السلام). (اُنظر خريطة خروج موسى (عليه السلام) من مصر)
استغفر موسى (عليه السلام) ربه وأناب، لام نفسه على تلك الفعلة، وحاسب نفسه على ذلك، وقال: إن ما حدث هو من عمل الشيطان ووسوسته، ثم ظل يدعو ربه ويستغفره، حتى استجاب الله لدعائه وغفر له، قال تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) (القصص: الآية 15-17).
فلما كان اليوم الثاني خرج موسى (عليه السلام) إلى المدينة وهو خائف من افتضاح فعلته التي فعلها بالأمس، ويترقب ما يمكن أن يحدث له، وكان الخبر بمقتل المصري قد وصل إلى فرعون.
وأصبح موسى (عليه السلام) في المدينة خائفاً يترقب ما قد يُفعل به، وبينما رجال فرعون يطوفون ويبحثون عن موسى (عليه السلام)، إذ تتكرر واقعة الأمس مرة أخرى أمامه، فقد رأى موسى (عليه السلام) الرجل الذي استغاثه بالأمس، يستصرخه، وهو يقاتل رجلاً من آل فرعون مرة أخرى، فتذكر موسى (عليه السلام) ما حدث بالأمس وقال للذي استغاثه: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) (القصص: الآية 18)، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما (أي الذي من قوم فرعون) صرخ الرجل، وقال لموسى (عليه السلام): (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ) (القصص: الآية 19)، وانطلق الفرعوني إلى قومه ليخبرهم بما حدث، ووصل الأمر إلى فرعون.
في تلك الأوقات العصيبة التي مرت بموسى (عليه السلام)، أتى رجل من أقصى المدينة يسعى، والتقى بموسى (عليه السلام) وحذره وأنذره من قوم فرعون، أخبره أنهم يتآمرون على قتله، ثم أشار عليه بالخروج من المدينة، فاستجاب موسى (عليه السلام) لنصيحته وخرج من المدينة خائفاً يترقب، قال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص: الآيات 20-21). فإنه لم يألف ذلك الشيء من قبل، لقد كان في قصر فرعون مرفها منعما، والآن لا يعلم إلى أين يذهب.
دعا موسى (عليه السلام) ربه أن ينجيه من القوم الظالمين، ثم اتجه إلى مدين سائلاً الله أن يهديه إلى سواء السبيل، فهو في حيرة من أمره، بعد هذا الموقف الجديد، الذي فرض عليه، ولم يألفه من قبل، ولما بلغ ماء مدين، وجد جماعة من الناس يسقون أنعامهم، ووجد من دونهم امرأتان تنتظران حتى يغادر الرعاء، فسألهما موسى (عليه السلام) عن أمرهما؟ فأخبرتاه أنهما لا يسقيان حتى ينتهي الرعاة من السقاية، وأن أباهما شيخ كبير، لا يستطيع أن يأتي لذلك، فرحمهما موسى (عليه السلام) وسقى لهما ثم تولى إلى الظل يناجي ربه: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: الآية 24).
قال تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: الآيات: 22-24).
جلس موسى (عليه السلام) يناجي ربه بعد أن تولى إلى الظل، فسمعته المرأتان، فلما رجعتا وقصتا على أبيهما ما حدث، وما كان من أمر موسى (عليه السلام) معهما، أمر إحداهما أن تذهب إلى موسى (عليه السلام) لتدعوه ليأخذ أجر سقايته لهما: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) (القصص: الآية 25)، فلما جاءته إحداهما، وعرضت عليه قول أبيها، لبى دعوة أبيها له، ثم ذهب معها إليه.
بعد أن حضر موسى (عليه السلام) إلى أبيها قص عليه قصته، وما كان من أمره مع فرعون وقومه، وكيف هرب من مصر فِراراً من فرعون، فرحب به وطمأنه وأكرمه، وقال له: (لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (القصص: الآية 25) أي خرجت من سلطانهم، ولست في دولتهم الآن، وقد اختلفوا في تعريف هذا الشيخ ؟ قيل: إنه نبي الله "شعيب"وهذا هو المشهور، وقيل: هو رجل مؤمن من قوم شعيب ذو قرابة به فقط، أمّا أهل الكتاب فقالوا هو "يثرون" كاهن مدين، وقيل أيضاً إنه نبي مثل شعيب، المهم أنه لما استضاف موسى (عليه السلام) عنده، وأكرمه، وطمأنه، وهنأه بنجاته من فرعون، عند ذلك قالت إحدى ابنتيه واسمها (صافورا): (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) (القصص: الآية 26)، ثم مدحته عند أبيها وقالت إنه قوي وأمين, فقال لها أبوها: كيف عرفت هذا؟ قالت: لقد رفع الصخرة التي لا يطيق رفعها عشرة رجال وحده ، وإني لما دعوته، وتقدمت أمامه، قال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاقذفي لي بحصاة أعلم بها الطريق.
ارتاح الشيخ لموسى (عليه السلام) وأراد أن يزوجه إحدى ابنتيه فعرض علي موسى (عليه السلام) ذلك، وقال: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القصص: الآية 27)، أدرك الرجل المؤمن بفراسته أن هذا أحق الناس بنكاح إحدى ابنتيه (صافورا أو شرفا)، فعرض عليه أن ينكح احد أبنتيه هاتين مقابل أن يستأجره للعمل لمدة ثماني سنوات، فإن أتمها عشراً فهذا كرم منه, ولن يشق عليه الأمر، فأي الأجلين قضى (ثماني سنين أو عشر سنوات) فهو موفٍ به، قال موسى (عليه السلام): (ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص: الآية 28).
ولما أكمل موسى (عليه السلام) الأجل سار بأهله مودعاً عشيرته، قيل أتمها عشر سنين كاملة، وفي هذا قال ابن عباس: قضى أكثرهما وأطيبهما، وقال سعيد بن جبير:(سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ أَيَّ الأجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى، قُلْتُ: لا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ فَقَدِمْتُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ فَعَلَ) (صحيح البخاري: 2487).
ثالثاً: خروج موسى (عليه السلام) من مدين وتلقي رسالة ربه قضى موسى (عليه السلام) الأجل الذي بينه وبين صهره، وخرج بأهله في ليلة باردة مظلمة، وبينما هو على هذه الحال إذ أبصر عن بعد ناراً متأججة (فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) (طه: الآية 10)، أراد أن يأتي أهله بشعلة من النار ليستدفئوا بها، لقوله تعالى: (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (القصص: الآية 29) وأراد أيضاً أن يأتي أهله من هناك بشهاب قبس أو بخبر يساعدهم على معرفة الطريق، وفى هذا قال موسى (عليه السلام): (لَعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ) (القصص: الآية 29)، فلما ذهب موسى (عليه السلام) إلى الشجرة رأى ناراً متأججة في البقعة المباركة من شاطئ الوادي الأيمن، وسمع هناك نداءً علوياً إلهياً يناديه: (يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (القصص: الآية 30).
لقد أحدث هذا النداء من الله عز وجل لموسى (عليه السلام) زلزالاً في نفسه، فهاهو الله رب العالمين يخاطبه، إنه سيتلقى تكليفاً من الله بالرسالة من هذا المكان الطاهر المقدس، قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين(8) يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (النمل: الآية 9,8).
أمره الله سبحانه وتعالى بأن يخلع نعليه، لقد ارتجت الأرض من تحت أقدام موسى (عليه السلام) في هذا الموقف المهيب، ارتجت بالخشوع والرهبة والإجلال، فهنالك اختار الله موسى (عليه السلام) ليكون رسولاً إلى بني إسرائيل، قال تعالى: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)) (طه: الآيات 11-13)، وانتفض موسى (عليه السلام) وهو يتلقى الوحي الإلهي، وأخذته الدهشة، فإن الذي يكلمه هو الله رب العالمين، وها هو ذا يتلقى أول أوامره سبحانه وتعالى له، قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) (طه: الآيات 14-16).
من هذا المكان المقدس، بالوادي المقدس طوى، أمر الله موسى (عليه السلام) بعبادته وعدم الشرك به، وإقامة الصلاة لذكره، كما أخبر موسى (عليه السلام) بأن الساعة آتية لا ريب فيها، يكاد الله يخفيها عن الناس، ليختبر كل نفس بما تعمل في تلك الحياة، حتى تجزى كل نفس بما تسعى في الآخرة. (اُنظر خريطة عودة موسى (عليه السلام) إلى مصر).
ثم خفف الله من روع موسى (عليه السلام) فقال له مخاطباً ومؤانساً: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى) (طه: الآية 17)، ما هذه العصى التي في يدك؟ فقال موسى (عليه السلام) (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) (طه: الآية 18)، وكان يمكن لموسى (عليه السلام) أن يجيب ربه على قدر سؤاله سبحانه وتعالى، لكنه أطال الجواب أنساً وحباً لذات الله، فقال تلك عصاي التي أعتمد عليها وأرعى بها غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، والله يعلم بالطبع ما في يمين موسى وما يفعل بها، لكنه أراد أن يدخل الأنس والطمأنينة على قلبه، أراد الله أن يُذهب عنه الخوف والرهبة من هذا الموقف الجليل، ثم أمره أن يلقي عصاه، فلم يتردد موسى (عليه السلام) لحظة واحدة في تنفيذ أمر ربه فألقاها على الفور، قال تعالى لموسى: (أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) (طه: الآيتان 20,19).
حينما ألقى موسى (عليه السلام) عصاه، تحولت في لمح البصر إلى حية تسعى، تتحرك وتهتز كأنها جان، فخاف موسى (عليه السلام) منها وولى مدبراً ولم يعقب، قال تعالى: (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ) (القصص: الآية 31)، صارت عصا موسى (عليه السلام) حية عظيمة، لها أنياب تصك، وتتحرك على الأرض بسرعة كأنها جان، لقد جمعت بين الضخامة والسرعة الشديدة، ولما أراد الله أن يُذهب خوف موسى، بعد أن ولى مدبراً منها، ناداه سبحانه وتعالى وقال: (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ) (القصص: الآية 31)، أكد الله تعالى لموسى (عليه السلام) أنه لن يصاب بسوء من تلك الحية، وأمره بالإمساك بها وأخذها دون خوف أو رهبة فهو آمن منها، وسيعيد الله عصاه إليه مرة أخرى، وما على موسى (عليه السلام) إلا أن يمد يده ليأخذها، قال تعالى: (خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى) (طه: الآية 21)، فوضع موسى (عليه السلام) يده في فمها، وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما وضع يده عليها، عادت كما كانت عصا ذات شعبتين، فسبحان الله العظيم القدير.
كان هذا تدريباً من الله لموسى (عليه السلام) على استخدام العصا، قبل أن يستخدمها مع فرعون والسحرة، ثم أمره بإدخال يده في جيبه، ثم نزعها، فإذا هي تتلألأ بياضاً من غير سوء، كالقمر في ليلة البدر، أي من غير برص ولا بهق، قال تعالي لموسى مبينا له آيته الثانية: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) (القصص: الآية 32)، قيل معنى ضم الجناح من الرهب: أي إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك، وهذا وإن كان خاصاً به، إلا أنه ينتفع به من فعل ذلك على وجه الاقتداء بالأنبياء.
لقد كانت العصا واليد آيتين من آيات الله وبرهانين وعلامتين من عنده، أعطاهما الله لموسى لتكونا معجزتين من الله إلى فرعون تؤكدان صدق موسى (عليه السلام)، قال تعالى: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإَيْهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (القصص: الآية 32)، إن الله تعالى أمر موسى (عليه السلام) بالذهاب إلى فرعون بهاتين الآيتين، ولما كان موسى (عليه السلام) يخشى فرعون لوجود ثأر قديم عليه لقتله رجلاً من قومه، لذا طلب من الله أن يعينه بأخيه هارون لفصاحة لسانه، قال: (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (القصص: الآيتان 34,33)، رجا موسى (عليه السلام) ربه أن يكون هارون وزيراً له يشد به أزره ويشركه في أمره، قال: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى) (طه: الآيات 29-36) فأجاب الله موسى (عليه السلام) وعضده بأخيه هارون (عليه السلام)، وقال: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (القصص: الآية 35).
ثم أمره بأن يذهب إلى فرعون بعد أن طغى وتجبر، قال تعالى لموسى: (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه: الآية 24)، كان موسى (عليه السلام) قد طلب من ربه ثلاثة أشياء، أن يشرح له صدره، وييسر له أمره، وأن يحل عقدة لسانه ليفقهوا قوله، قال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طه: الآيات 25-28)، وكان موسى (عليه السلام) قد طلب من الله كما ذكرنا أن يكون هارون وزيراً له، ليؤازره ويعاونه ويشاركه في الأمر، فتلك مهمة صعبة.
أمر الله موسى وهارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون لأنه طغى، وأمرهما أن يقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، قال تعالى لموسى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)) (طه: الآيات42- 44).
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: موسى (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 10:15 am | |
| رابعاً: عودة موسى (عليه السلام) إلى مصر ودعوته لفرعون: بعد أن أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام بأن يذهبا إلى فرعون، ليدعواه إلى عبادة الله تعالى وحده وعدم الإشراك به، وأن يرسل معهما بني إسرائيل ولا يعذبهم، قال تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء: الآيات 16،17)، خاف موسى وهارون عليهما السلام أن يفرط عليهما فرعون أو أن يطغى: (قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)) (طه: الآيات 45- 47) فثبت الله قلبيهما، وطمأنهما بأنه سيكون معهما يسمع ويرى ما يحدث بينهما وبين فرعون.
ذهب موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وأخبراه بأنهما رسولا رب العالمين إليه، فتكبر فرعون وعتا وأراد أن يذكر موسى (عليه السلام) بما أنعم عليه من تربيته في قصره حين كان وليداً، وقال: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) (الشعراء: الآية 18)، أي أنت الذي ربيناك في بيتنا، وأحسنا إليك، وأنعمنا عليك، وقضيت فينا سنيناً من عمرك، ثم تفعل فعلتك هذه، فتقتل رجلاً من رجالنا، ثم تفر بعيداً، والآن جئت لتأخذ بني إسرائيل منا؟.
لما قال فرعون لموسى (عليه السلام): (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (الشعراء: الآية 19)، قال موسى: (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (الشعراء: الآية 20)، أي قبل أن يوحي الله إليّ وينعم عليّ بالرسالة، ثم إن القتل لم يكن عمداً أو عن قصد، وقال لفرعون فررت هارباً لما خفت بطشكم، فوهبني الله حكماً وجعلني من المرسلين، قال موسى (عليه السلام): (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (الشعراء: الآية 21)، ثم قال لفرعون مستنكراً استعباده بني إسرائيل مقابل أنه رباه في قصره، قال فهل تلك نعمة تمنها على مقابل استعبادك لهذا الشعب بكامله، ومقابل تسخيرهم في أعمالك وخدماتك وشغلك: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء: الآية 22).
وقال موسى (عليه السلام) لفرعون إني رسول من رب العالمين، فاستنكر فرعون هذا القول، فكيف يجرؤ موسى أن يذكر إلهاً غيره؟!، وهو الذي جعل قومه يظنون أنه إلههم، عند ذلك حدثت مناظرة بينهما: (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ(25)قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (الشعراء: الآيات 23-28).
لقد اتهم فرعون موسى (عليه السلام) بالجنون لأنه يكلمه عن رب آخر سواه، وأشهد قومه على ذلك مستهزئاً بموسى (عليه السلام) ومستخفاً به، لقد كان فرعون جاحدا للصانع تبارك وتعالى، فزعم لقومه أنه الإله الأعظم، وأنه لا يوجد لقومه من إله غيره، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) (القصص: الآية 38)، ويصور الله سبحانه وتعالى كيف كان فرعون يستخف قومه، ويدعي الألوهية من دون الله، قال تعالى: (فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) (النازعات: الآيتان 24,23)، وقد هدد فرعون موسى (عليه السلام) بالسجن إذا اتخذ إلهاً غيره: (قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء: الآية 29).
فلما أقام موسى (عليه السلام) الحجج على فرعون، ومعه في ذلك هارون (عليه السلام)، ووجدا من فرعون المكابرة، عرض موسى (عليه السلام) على فرعون آياته التي أرسله الله بها، ودار حوار بينهما، فقال موسى: (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (الشعراء: الآيات 30-33).
فلما ألقى موسى (عليه السلام) عصاه تحولت بقدرة الله إلى ثعبان هائل، ظاهر وجلي وواضح، كان ذا قوائم وفم كبير وشكل هائل مزعج، ووضع يده في جيبه وأخرجها، فإذا هي بيضاء تتلألأ لمن ينظر إليها، كأنها قطعة من القمر، لها إشعاع وبريق يأخذ بالأبصار ويجعل العقول تتوه وتحتار، فانزعج فرعون مما شاهد ورأى من الآيات، وقال للملأ من حوله: إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون, قال الملأ من قوم فرعون: (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) (الشعراء: الآيتان 37,36).
خامساً: اتهام فرعون لموسى (عليه السلام) بالسحر والإفساد في الأرض لما رأى فرعون من موسى (عليه السلام) تلك الآيات البينات، وعلى الرغم من تأكده مما شاهد ورأى، إلا أنه تكبر، وكذب، وأبى أن يؤمن بما جاء به موسى (عليه السلام) واتهمه بالسحر، وقال إنه جاء ليخرجهم من أرضهم بهذا السحر، بعد أن يستولى على عقولهم، ثم طلب من موسى (عليه السلام) أن يواعده في وقت ومكان معلوم بينهما، ليتمكن من جمع السحرة الذين يستطيعون مغالبته، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى) (طه: الآيات 56-58).
وحدد موسى (عليه السلام) موعداً بينهما يجتمع فيه كل الناس، قيل هو يوم النيروز وقيل هو يوم السوق الذي يتزين فيه الناس، وقيل هو يوم عاشوراء كقول ابن عباس، وأن يحشر الناس ضحى حيث تكون الرؤية واضحة وجلية، وقال موسى (عليه السلام) لفرعون: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَة وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًىِ) (طه: الآية 59)، هكذا رأى موسى (عليه السلام) أن في أول النهار، وفي وقت اشتداد ضياء الشمس، يكون الحق أظهر وأجلى.
اقترح الملأ من قوم فرعون، أن يؤخر فرعون أمر موسى وهارون عليهما السلام، حتى يرسلوا رجالاً إلى المدن والأقاليم ليجمعوا منها السحرة الماهرين: (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)) (الشعراء: الآيتان 36، 37) فاستجاب فرعون لقولهم وأرسل إلى المدائن لجمع السحرة الماهرين، قال تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) (الشعراء: الآية53)، وكانت مصر في ذلك الوقت تعج بسحرة مهرة يبرعون في فن السحر، وبعد أن جمعوا السحرة المهرة من المدن، بدأوا في دعوة الناس لحضور هذا العرض المبهر بين موسى (عليه السلام) من جهة، وبين السحرة من جهة أخرى، قال تعالى: (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)) (الشعراء: الآيتان 38، 39).
وبدأ الناس يتوافدون لمشاهدة هذا الحدث العظيم وهم يقولون: (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) (الشعراء: الآية 40)، فلما تقابل السحرة بموسى (عليه السلام) في المكان والزمان المحددَّين قال موسى (عليه السلام) لهم: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) (طه: الآيات 61-64).
وأسرَّ السحرة النجوى فيما بينهم، وأجمعوا أمرهم على أن موسى وهارون عليهما السلام يريدان أن يستوليا على عقول الناس بسحرهما، و يريدان أن يخرجاهم من أرضهم بهذا السحر، فيذهبا بطريقتهم المثلى، أي تلك الطريقة التي يتبعونها والتي يرونها هي المثلى، ثم أمر السحرة بعضهم بعضاً أن يجمعوا مهارتهم وفنهم في السحر ضد موسى (عليه السلام) وألا يتفرقوا، وليقفوا أمامه وقفة رجل واحد، وليلقوا بسحرهم أمام موسى دفعة واحدة فيبهروا أبصار الناس في هذا اليوم، وقد أفلح من كان له الغلبة على الآخر في هذا اليوم!!.
سادساً: إيمان السحرة وعقاب فرعون لهم بدأ المشهد الذي ترقَّبه الجميع في هذا اليوم، بدأ بحوار بين السحرة المهرة وموسى (عليه السلام) فحددوا فيه من البادئ في تلك المناظرة العملية أمام هذا الحشد الكبير، قال السحرة لموسى (عليه السلام): (يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى(67)قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68)) (طه: الآيات 65-68) هكذا دار الحوار بينهم وبين موسى (عليه السلام)، أمرهم موسى (عليه السلام) بأن يلقوا حبالهم وعصيهم قبله، فلما ألقوها خيل إليه من سحرهم أنها ثعابين تسعى، وإن كانت ليست بثعابين، فأوجس في نفسه خيفة موسى (عليه السلام)، لكن الله عز وجل أوحى إليه بألا يخاف من كيد السحرة، فإن النصر والغلبة سيكونان له، فما فعله السحرة بالناس هو سحر للأعين، ورهبة في النفوس، لا أكثر، قال تعالى: (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: الآية 116).
وبعد أن ألقى السحرة بحبالهم وعصيهم، اعتقدوا أن لهم الغلبة على موسى (عليه السلام)، بما لديهم من علوم السحر وفنونه، فأقسموا بعزة فرعون أنهم هم الغالبون قالوا: (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) (الشعراء: الآية 44).
وبعد أن ألقوا بإفكهم، أمر الله عز وجل موسى (عليه السلام) أن يلقي بعصاه لتلقف ما يأفكون، قال تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طه : الآية 69)، فألقى موسى (عليه السلام) عصاه وهو على يقين مما سيحدث، فقد علمه الله ذلك حين ألقاها من قبل في الوادي المقدس، حين تحولت بمشيئة الله إلى ثعبان مبين، وقال موسى (عليه السلام) للسحرة: (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس: الآيتان 82,81)، وها هي عصاه تتحول مرة أخرى إلى حية عظيمة ذات قوائم تلقف حبالهم وعصيهم، لقد كان ما فعله السحرة هو كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، بهذا اللقاء المشهود أظهر الله الحق أمام السحرة وأمام فرعون وأمام الناس، وبطّل عمل السحرة، بعد أن ظنوا أنهم هم الغالبون، قال تعالى: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)) (الأعراف: الآيات 118-120).
فزع السحرة حين رأوا الحية تبتلع أمامهم ما ألقوه من الحبال والعصي، كانت تلقفها واحدة بعد أخرى بسرعة كبيرة وتستوعب كل ذلك في بطنها، والناس يتعجبون!!، وهال السحرة ما رأوا, وحيرهم ما لم يكن في خلدهم, وعرفوا أن هذا ليس بسحر أو شعوذة، بل هو حق لا يقدر عليه أحد، إلا الحق سبحانه وتعالى, الذي أرسل موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ إليهم بتلك الآية المعجزة (العصا)، وهنا كشف الله الغفلة عن السحرة، ورفع الغشاوة من على قلوبهم، فأنابوا إلى ربهم، وخروا لله ساجدين، وقالوا: (ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (طه: الآية 70).
واستشاط فرعون غضباً، فكيف يأتي بالسحرة لينصروه، فيتحولوا عنه جميعا، فجأة، وفي لحظة واحدة إلى موسى وهارون عليهما السلام، ويشهدوا أمام الناس وأمامه برب موسى وهارون، كيف يحدث ذلك دون إذنه؟!، إنهم لاشك يستحقون عقاباً رادعاً نظير خيانتهم له: (قَالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه: الآيات 71-73).
قال سعيد بن جبير وعكرمة وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم قد تهيأت لهم في الجنة، وتزينت لقدومهم، ولهذا لم يلتفتوا إلى هيبة فرعون وتهديده ووعيده، وأخذ فرعون يتهددهم ويتوعدهم, مرة متهماً موسى (عليه السلام) بأنه كبيرهم الذي علمهم السحر، ومرة يتهمهم بالتآمر عليه بغية التأثير على رعيته، الذين أخذتهم الدهشة من ذلك الحدث وانعقدت ألسنتهم لذلك، وقال فرعون للسحرة: (إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: الآية 123).
هكذا جمع فرعون السحرة لينصروه على موسى (عليه السلام)، لكن الله جعل خذلانه وهزيمته على أيديهم، فلذلك صب فرعون جامَّ غضبه على السحرة حتى لا يقتدي بهم أحد من رعيته, وأمر بصلبهم في جذوع النخل العالية، بعد أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ليراهم الناس في العشية والضحى فيكونوا لهم عبرة، فما كان من السحرة إلا أن أصروا على إيمانهم برب موسى وهارون, وقالوا افعل ما تشاء, فلن يتعدى حكمك علينا إلا هذه الحياة الدنيا، لقد آمنا بربنا عسى أن يغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى: (قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء: الآيتان 50، 51).
لقد جاء السحرة في أول النهار كافرين ثم أمسوا من المؤمنين، لم يترددوا في إيمانهم، بعد أن رأوا بأعينهم ما جاء به موسى (عليه السلام) من عند ربه، لقد اكتشفوا زيف فرعون فلم يصبح له ذلك التأثير السابق عليهم، لقد تحرروا من عبوديته إلى عبادة الله رب العالمين، رب موسى وهارون، أصبحوا بهذا الإيمان لا يخافون الموت، لقد جاء دورهم ليلقنوا فرعون درساً مما تعلموه، جاء دورهم ليعظوه ويخوفوه بأس ربهم العظيم، فقالوا: (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا) (طه: الآية 74)، فإيَّاك أن تكون منهم، (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلاَ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)) (طه: الآيتان75، 76)، فاحرص أن تكون منهم.
ونفذ فرعون عقوبته على السحرة، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم في جذوع النخل، حتى ماتوا جميعاً قال عنهم ابن عباس: كانوا أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة! ويؤيد ذلك قولهم في آخر اليوم (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) (الأعراف: الآية 126).
يخبرنا الله تعالى أن الملأ من قوم فرعون (أمراءه وكبراءه), قد حرضوه على إيذاء نبي الله موسى (عليه السلام) وقومه ومقاتلتهم بدلاً من التصديق بما جاء به، فكان رده أنه سيقتل أبناءهم, ويتمادى في إيذائهم بحكم سلطته وجبروته، قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (الأعراف: الآية 127)، وبعد أن تخلص فرعون من السحرة قرر أن يقوم رجاله بقتل الأبناء، ووقف موسى (عليه السلام) يشاهد ما يحدث دون أن يقوى على دفع ذلك عن قومه، فطلب منهم أن يستعينوا بالصبر على ذلك البلاء, وطمأنهم بأن الله سيجعل العاقبة للمتقين، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أوذينا من قبل مجيئك، وأوذينا من بعد مجيئك، فدعاهم إلى التضرع إلى الله بأن يهلك أعداءهم، ويستخلفهم في الأرض من بعدهم، لينظر ماذا يعملون، قال تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف: الآيتان 128-129).
لقد كان قتل الغلمان فترة ولادة موسى (عليه السلام) تخوفاً من الرؤيا التي رآها فرعون من قبل أن يأتي موسىv، وها هو ذا قد عاد للقتل ثانية بعد أن خاف من تأثير موسىر على قومه، كما تأثر السحرة به من قبل، لقد خاف فرعون أن يبدل موسىر دينهم فيعبدون إله غيره فقال لقومه: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر: الآية 26)، فكيف يقول هذا ويظهر تخوفه على الناس، وهو الذي يستعبدهم ويقول لهم (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) (النازعات: الآية 24). استعاذ موسىv بربه، واستجار به من سطوة فرعون وجبروته، وقال لقومه: (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) (غافر: الآية 27).
وجاء رجل يكتم إيمانه من آل فرعون إلى موسى (عليه السلام)، قيل هو ابن عم فرعون، قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا، وامرأة فرعون, والذي جاء من أقصى المدينة يسعى, ولما هم فرعون بقتل موسى (عليه السلام)، خاف الرجل المؤمن على موسى (عليه السلام) وقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) (غافر: الآيتان 29,28).
هذا الرجل يقول كلمة حق أمام قوم سيطر عليهم ملك جائر ظالم، هو فرعون الجبار، وما فعله هذا الرجل هو أفضل الجهاد عند الله، قال أبى سعيد الخضري: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) (سنن ابن ماجة: 4001). هكذا حذرهم ولي الله بالعقل والمنطق، إن كان موسى (عليه السلام) صادقاً في قوله فسيصيبهم بعض ما قاله من عذاب الله وبأسه, ثم من الذي سينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله وبأسه إذ جاءهم هذا العذاب أو البأس ؟!.
واستطرد الرجل المؤمن قوله لقومه، فقال: (يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)) (غافر: الآيات30 – 33)، ويبدو أن هذا الرجل المؤمن قد فتح الله عليه من نعمة الإيمان والعلم، فترى دعوته لقومه تأخذ طابع الإقناع والمنطق، وتنساب العبارات من لسانه في سلاسة ويسر، وهو يريد من قومه أن يتبعوه ليوصلهم إلى طريق الرشاد وبر الأمان، فيستطرد قائلاً: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (غافر: الآيات 38-40).
إن هذا الرجل يتحدث إلى قومه مشفقا عليهم من تضليل فرعون لهم، لقد حدد لهم هدفه من دعوته لهم، فهو يدعوهم إلى النجاة من عذاب الله في الآخرة، ويؤكد لهم أن الذي يدعون إليه سيوصلهم إلى عذاب النار: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)) (غافر: الآيات 41-44)، هكذا قال الرجل المؤمن ما يجب أن يقوله لقومه بعد أن ضللهم فرعون وأبعدهم عن طريق الله عز وجل، ثم فوض الرجل أمره بعدها إلى الله بعد أن بلغ ما كان يجب أن يبلغه، وفعل ما كان يجب فعله!!.
ولما قال الرجل المؤمن ما قال، وخشي فرعون أن يتمكن كلام الرجل المؤمن من قلوب القوم، استخف بعقول قومه وأصر على كفره وفرض رأيه على قومه وقال: (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: الآية 29)، وما كان فرعون ليعرف طريقاً للصلاح أو الرشاد كما يدعى أمام قومه، إنما كان يعرف طريقاً واحداً هو طريق السفه والكفر والضلال.
ولما استشاط فرعون غضباً مما حدث من السحرة، واهتزت صورته أمام قومه، أمر وزيره "هامان" أن يبني له صرحاً عالياً شاهقاً من الطين المحروق، لعله يصل إلى أبواب السماوات فيطلع إلى الإله الذي يتحدث عنه موسى (عليه السلام) أمام الناس، وقال لهامان: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ) (غافر: الآيتان 37,36)، هكذا كان فرعون يتحدى موسى (عليه السلام) ويكذبه ويسخر منه أمام الناس!!. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: موسى (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 10:19 am | |
| سابعاً: عذاب الله تعالى لآل فرعون اختبر الله آل فرعون بسني الجوع والقحط، ونقص الثمار والزرع، وكان آل فرعون إذا جاء الخير والخصب وزاد الرزق قالوا إن ذلك جاء بسببهم، وإذا جاء القحط والجوع ونقص الثمرات، تشاءَموا بموسى (عليه السلام) ومن معه من المؤمنين وأصروا على كفرهم وعنادهم، فأرسل الله عليهم آيات مفصلات من العذاب لعلهم إليه يرجعون، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)) (الأعراف: الآيات 130- 132)، فأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات لهم كي يعودوا إلى صوابهم، ويقلعوا عن جرمهم، قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَاتٍ مُفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) (الأعراف: الآية133).
غير أنه كلما وقع عليهم نوع من أنواع العذاب، كانوا يسارعون إلى موسى (عليه السلام) يطلبون منه أن يدعو ربه ليكشف عنهم هذا العذاب، حتى يؤمنوا له، ويرسلوا معه بني إسرائيل، قال تعالى: (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الأعراف: الآية 134).
وكان موسى (عليه السلام) يدعو الله في كل مرة ليكشف عنهم العذاب، فيستجيب الله له، ويكشف عنهم العذاب إلى أجل هم بالغوه، لكنهم كانوا ينكثون عهدهم في كل مرة، قال تعالى: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) (الأعراف: الآية 135).
وبعد أن نكث قوم فرعون عهودهم مع موسى (عليه السلام) مرات ومرات، جاء دور فرعون مع قومه الذين استخفهم فأطاعوه، قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ(53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف: الآيات 51-54)، لقد وجد فرعون في قومه ما ينشده، إنه يحدثهم عن مُلكه، وعن الأنهار التي تجري من تحته، لقد ألفوا أن يكون فرعون هو الإله، ولم يألفوا إلهاً غيره، وما جاء به موسى (عليه السلام) لا يصدقونه، فكيف يكون رسول من عند الله، ولم تلق عليه أسورة من ذهب، حتى يمكن تصديقه، ولا جاء معه ملائكة حتى يشهدوا له بالتصديق، هكذا استخف فرعون قومه، علم أنهم ماديون فخاطبهم من تلك الزاوية المادية، ولم يخاطبهم عن إله موسى الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار!!.
ثامناً: هلاك فرعون وجنوده وعلى الرغم مما جاء به موسى (عليه السلام) من الآيات وخوارق العادات، التي تبهر الأبصار وتحير العقول، إلا أن قوم موسى (عليه السلام) تمادوا في كفرهم، وخالفوا نبيهم، فلم يؤمن منهم إلا قليل، قال تعالى: (فَمَا ءَامَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلأِيْهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (يونس: الآية 83)، وكان إيمانهم خفية، لمخافتهم من أن يلحق بهم فرعون الأذى بسطوته وجبروته.
وكان موسى (عليه السلام) يذكر قومه بالله عز وجل، ويحثهم على التوكل عليه في كل أمورهم، فكان يقول: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ ءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (يونس: الآيات 84-86)، أمرهم موسى (عليه السلام) بالتوكل على الله والاستعانة به، والالتجاء إليه، فاستجابوا له ولدعوته، فجعل الله لهم فرجاً ومخرجاً.
ولما اشتد بهم البلاء من سطوة فرعون وقومه وضاقت بهم السبل، أوحى الله إلى موسى وهارون عليهما السلام أن يأذنا لقومهما بالصلاة في بيوتهم، وأن يجعلوا من بيوتهم مساجد للصلاة والعبادة تجاه الكعبة، قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: الآية 87).
لم يبق أمام موسى (عليه السلام) بعد كل ما حدث من فرعون وقومه، سوى أن يدعو ربه عز وجل أن يطمس على أموالهم، وأن يشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا بالله حتى يروا العذاب الأليم، قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (يونس: الآيتان 89,88)، فقد كذب فرعون وقومه بآيات الله التي أُرسل بها موسى وهارون عليهما السلام، وها هو ذا قد قتل السحرة ونكَّل بهم من أجل أنهم آمنوا بربهم رب موسى وهارون، وها هو يُنَكِّلُ بقوم موسى (عليه السلام) فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويبطش بمن يصلي لله جهرة أمامه، من أجل ذلك طلب موسى وهارون عليهما السلام من ربهما أن يهلك عدوهما، وأن يطمس على أموالهم، فاستجاب الله لهما.
وأوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) بأن يُخرج ليلاً ببني إسرائيل من مصر سراً، قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (الشعراء: الآية 52)، كما أوحى الله إليه بالسير بهم في اتجاه البحر فإن فرعون وجنوده سيلاحقونهم، ويتبعونهم، ويقتفون آثارهم، وعندما اكتشف فرعون أمر موسى (عليه السلام) وقومه، أرسل رجاله إلى المدن لجمع الجنود كي يلحقوا بهم، بعد أن اشتد غيظه وغضبه، فكيف لتلك الشرذمة القليلة من أتباع موسى (عليه السلام) أن يقوموا بأفعال تغيظهم ، بينما يستطيع هو بسلطانه أن يقضي عليهم بسهولة ويسر، قال تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)) (الشعراء: الآيات 53-56)، واستعار بنو إسرائيل من قوم فرعون حلياً كثيرة قبل خروجهم مع موسى (عليه السلام) من مصر.
وعند شروق الشمس تبعهم فرعون وجنوده حتى تراءى الجمعان، وأصبحوا قريبين من موسى (عليه السلام) ومن معه، ولما كان البحر أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم، وقربت المسافات بينهم، قال أصحاب موسى (عليه السلام) إنا لمدركون، وطمأن موسى (عليه السلام) قومه حين وجدهم خائفين، وأخبرهم أن الله معه، وسيهديه إلى مخرج من هذا الموقف العسير، قال تعالى: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)) (الشعراء: الآيات 60-62).
أوحى الله إلى موسى (عليه السلام) بأن يضرب بعصاه البحر، فانفلق البحر فكان كل فرق كالجبل العظيم، وفتح الله طريقاً يابساً لهم في هذا البحر ليتقدم عليه موسى (عليه السلام) ومن معه من بني إسرائيل، وقد بلغ عددهم في ذلك الوقت خمسة عشر ألفاً تقريباً.
قال تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) (الشعراء: الآيات 63-66).
ثم أمر الله موسى (عليه السلام) أن يعبر البحر، هو ومن معه من بني إسرائيل، من دون خوف من شيء، فالله ناصرهم على فرعون بإذنه، فأسرع موسى (عليه السلام) وقومه بعبور هذا الطريق اليابس في البحر خشية أن يلحق بهم فرعون وجنوده، واندفع فرعون وجنوده وراءهم مسرعين، ثم أمر الله موسى (عليه السلام) بأن يترك البحر رهواً، قال تعالى لموسى (عليه السلام): (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (الدخان: الآية 24)، فقد أراد الله أن يعبر موسى (عليه السلام) البحر هو ومن معه ثم يطبق البحر على فرعون وقومه فيهلكوا غرقاً، قال تعالى: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف: الآية 136).
هكذا صدق الله وعده فها هو فرعون وجنوده قد أغرقهم الله في البحر وأصبحوا مثلاً وعبرة لغيرهم، أخرجهم من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، كي يرثها من بعدهم بنو إسرائيل، قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) (الشعراء: الآيات 57 - 59).
ونجى الله موسى (عليه السلام) ومن معه من بني إسرائيل، فما استطاع فرعون اللحاق بهم، وما استطاع أن ينجو من الغرق، أغرقه الله هو وجنوده وجعلهم عبرة للآخرين، كذلك يفعل الله بالظالمين، قال تعالى: (فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ) (الزخرف: الآية 56).
أما ما كان من أمر غرق فرعون، فإنه حينما رأى الموت يحيط به من كل مكان، وصارعته نفسه وهو يتجرع الماء ويغرق، لقد كان ملكاً قوياً مستخفاً بقومه، فهو منذ لحظات كان يدعى أنه ربهم الأعلى، والآن يغرق مع جنوده بوسيلة إهلاك لم يكن يتصورها في يوم من الأيام، ولم تكن تخطر له على بال، إنه الآن يصارع الماء يداً بيد مع جنوده الذين اكتشفوا الآن حقيقة أمره، وتيقنوا من زيف قوله، وما كان يزعم من ألوهية من قبل، فكيف للإله المعبود أن يغرق كما يغرق أتباعه من الجنود؟!، إنه الآن يعلن أمام الغرقى من حوله أنه ليس إلهاً كما كان يزعم ويدعى؟، إنه الآن يشهد أمامهم بأن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: الآية 90).
لكن هيهات هيهات، يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، إن فرعون ظن أنه قد أفلت من عقاب الله بعد أن أعلن أنه من المسلمين، فهل ظن فرعون أن الإنسان يمكنه أن يتوب إلى الله حين يرى العذاب؟، كلا، إنما التوبة على الذين يتوبون من قريب، ولا يتمادون في ظلمهم، ولا يتجبرون في الأرض بغير الحق، قال تعالى لفرعون وهو يعلن توبته أثناء غرقه: (ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91)فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس: الآيتان 91-92)، إنها توبة مزيفة لا تصلح الآن عند الله، لذلك نجاه الله ببدنه ليكون عبرة وآية لمن يراه على هذا الحال، جسد بلا روح!!.
وفى قوله تعالى لفرعون: (ءَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس: الآية 91) قيل أن الله أمر البحر فرفع جسده فوق مرتفع، وكان جسده سوياً لم يتمزق، وعليه درعه التي يعرفونها، ليتحققوا من هلاكه، وليعلموا قدرة الله عليه، وقيل إن هلاك فرعون وجنوده كان في يوم عاشوراء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) (صحيح البخاري: 1865).
موسى (عليه السلام) من بعد هلاك فرعون حتى وفاته أولاً: ما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون قال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف: الآية 137).
يبين الله تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده، كيف سلبهم عزهم ومالهم وأنفسهم، وكيف أورث بني إسرائيل أموالهم وأملاكهم من بعدهم، لقوله تعالى: (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء: الآية 59).
وبعد نجاة موسى وهارون عليهما السلام ومن معهما من بني إسرائيل، أخذت نساء بني إسرائيل يضربن الدفوف فرحاً بنجاتهم وبغرق فرعون وجنوده، ولما جاوز بنو إسرائيل البحر، وجدوا قوماً يعبدون أصناماً على هيئة بقر، فطلبوا من موسى (عليه السلام) أن يجعل لهم عجلاً يعبدونه مثل هؤلاء القوم، قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف: الآيتان 139,138)، قالوا هذا من جهلهم وضلالهم، فحذرهم موسى (عليه السلام) من ذلك القول، وبين لهم أن هؤلاء القوم هالكون بفعلهم، وبأعمالهم الباطلة الذاهبة هباء وسدى !!، وقال (أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأعراف: الآية 140)، هكذا بين لهم موسى (عليه السلام) أنهم لا يعقلون شيئا ولا يفقهون، أخذ يذكرهم بنعمة الله عليهم، فقد جعلهم ملوكاً، واتخذ منهم أنبياء، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من أهل زمانهم، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَءَاتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) (المائدة: الآية20).
ولما ذهبوا قاصدين الأرض المقدسة بفلسطين مكثوا ثلاثة أيام لا يجدون الماء، ثم وجدوا ماءً زعاقاً أجاجاً لم يستطيعوا شربه، فأمر الله موسى (عليه السلام) أن يضرب بعصاه الحجر فانبجست منها اثنتا عشرة عيناً من الماء (عيون موسى بسيناء) قد علم كل أناس مشربهم، قال تعالى: (وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (البقرة: الآية 60)، فشربوا منها وأقاموا هناك، وعَلَّم الله موسى (عليه السلام) الفرائض والسُنن والوصايا.
وبجانب الماء الذي فجره الله لهم من الأرض، ساق إليهم المن والسلوى وظللهم بالغمام ، قال تعالي: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (البقرة: الآية 57).
ومع هذا الإكرام الإلهي لهم، تحركت نفوسهم المريضة واحتجوا على هذا الطعام، فقد اشتهت أنفسهم تلك الأطعمة المصرية التي كانوا قد اعتادوا عليها من قبل، من البقول، والقثاء، والفوم ، والعدس، والبصل، فقالوا لموسى (عليه السلام): (يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُم وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة: الآية 61).
ثانياً: أمر الله لبني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة بعد أن خرج موسى (عليه السلام) ببني إسرائيل من مصر، توجه بهم إلى الأرض المقدسة حيث أمره الله بدخولها، قال ابن كثير هي بيت المقدس، وكان موسى (عليه السلام) قد حرض بني إسرائيل على الجهاد ودخول بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب، ثم لما اعتلى يوسف (عليه السلام) العرش في مصر، ذهبوا إليه، وتركوا الأرض المقدسة التي كانوا بها، ثم ظلوا بمصر حتى خرجوا منها مع موسى (عليه السلام) هربا من فرعون وجنوده، فلما وصلوا إلى الأرض المقدسة أمرهم موسى (عليه السلام) بدخولها، وكان يسكنها في ذلك الوقت عمالقة جبارون، قال:( يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين) (المائدة: الآية21), لكن بني إسرائيل قوم اعتادوا الذلة وتمكن الصغار والهوان من أنفسهم، وألفوا الذل في أرض الفراعنة، فلم تكن لهم قوة على دخول تلك الأرض، وتمثل لهم شبح الموت فلم يشاءوا أن ينفذوا أمر ربهم، وقالوا لموسى (عليه السلام): (يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) (المائدة: الآية 22).
وقال لهم رجلان من الذين أنعم الله عليهم بالإيمان من الاثني عشر نقيباً: (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة: الآية 23)، قال الضحاك: هما رجلان على دين موسى (عليه السلام) كانا من مدينة الجبارين هما (يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا) فهما يعرفان العماليق (سكان مدينة الجبارين) حق المعرفة، يعرفان أنهم ذوو أجسام كبيرة، وقلوب ضعيفة، ولهذا قالا إذا دخلتم عليهم الباب أي (باب المدينة) فإنكم ستغلبونهم، فأبوا ذلك وقالوا لموسى (عليه السلام): (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: الآية 24).
وشكا موسى (عليه السلام) إلى ربه أمر بني إسرائيل، فقد أدرك أن قومه لا يصلحون لشيء وقال: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة: الآية 25)، فعاقبهم الله على ذلك بالتيه في الأرض أربعين سنة: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة: الآية26) فكانوا يسيرون فيها على غير هدى أو مقصد ليلاً ونهاراً صباحاً ومساء، ويُقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة، وخلال تلك الفترة مات هارون (عليه السلام) ومن بعده بثلاثة أعوام مات موسى (عليه السلام)، ولم يبق من ذراريهم سوى يوشع بن نون، وكالب عليهما السلام، وهكذا كتب الله التيه على بني إسرائيل، فظلوا تائهين لمدة أربعين سنة.
ثالثاً: بنو إسرائيل في التيه ونزول التوراة على موسى (عليه السلام) وطلبه رؤية ربه رجع بنو إسرائيل عن قتال الجبارين، فعاقبهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة, جرت خلالها أمور عجيبة، كانوا كأنهم يسيرون في دائرة مغلقة، فكلما ابتعدوا عن مكان عادوا إليه، من دون أن يدروا، يسيرون على غير هدى وبغير مقصد، ولما بلغوا جبل الطور، ترك موسى (عليه السلام) قومه تحت إمرة أخيه هارون (عليه السلام)، ثم صعد الجبل لميقات ربه، وقد سبق قومه متعجلاً الوصول إلى الميقات، شوقاً وحباً في ربه، وهناك أنزل الله عليه التوراة، لقد صعد موسى (عليه السلام) إلى الجبل ليتلقى من ربه التوراة لمدة ثلاثين ليلة، وهو صائم، فلما أتم ميقات ربه استاك بلحاء شجرة ليغير من ريح فمه، فزاده الله عز وجل عشر ليالٍ أخرى ليتم الميقات أربعين ليلة، قال أكثر المفسرين كانت الليالي الثلاثون الأُوَل هي شهر ذي القعدة، وكانت الليالي العشر المتممات للميقات هي الليالي العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف: الآية 142).
وكانت الوصايا العشر هي: عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، عدم الحلف بالله كذبا، تخصيص يوم السبت للعبادة، إكرام الوالدين، معرفة أن الله وحده هو المانح والمعطى، عدم قتل النفس بغير حق، عدم الزنا، عدم السرقة، عدم شهادة الزور، لا يمد المرء عينيه إلى بيت صاحبه، أو امرأته أو عبده أو ثوره أو حماره.
غير أن موسى (عليه السلام) كليم الله كان مشتاقاً لرؤية ربه، الذي يكلمه ولا يراه، فطلب النظر إلى ربه، أي أن الله يهيئه لرؤيته سبحانه وتعالى، فقال له ربه إنه لن يراه لأنه لن يصمد أمام رؤية نور الله عز وجل، ولكي يتأكد عملياً من مدى تأثير ذلك عليه، تجلى الله عز وجل للجبل، والمعروف أن الجبل هو أقوى وأكثر الأشياء ثباتاً على الأرض، فلما تجلى الله سبحانه وتعالى للجبل جعله دكا، ولم يتحمل موسى (عليه السلام) هول ذلك المشهد فخر مغشياً عليه، فلما أفاق سبح لله وتاب إليه، ولم تكن توبته توبة معصية، إنما كانت توبة إنابة وخشوع لله عز وجل، قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا ءَاتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الأعراف: الآيتان 143، 144).
وأنزل الله على موسى (عليه السلام) الألواح فيها من كل شيء، موعظة وتفصيلاً لكل شيء، وأمره بأن يأخذ ما جاء فيها بقوة، أي يطبق كل ما فيها بعزم وشدة، وأن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: موسى (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 10:22 am | |
| رابعاً: عبادة بنو إسرائيل للعجل في غياب موسى (عليه السلام) كان موسى (عليه السلام) قد اختار سبعين رجلاً من قومه للميقات، فلما قرب من الطور سبقهم شوقاً إلى سماع كلام ربه ورضاه، وسأل الله موسى (عليه السلام) عن سبب تعجله عن قومه إلى الميقات، قال سبحانه: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)) (طه: الآيات 83- 85)، وفى الميقات أخبر الله موسى (عليه السلام) عن فتنة السامري لقومه من بعده، فقد استغل السامري غيبة موسى (عليه السلام) وأضلَ قومه عن عبادة الله الواحد فصنع لهم عجلاً من الذهب له خوار كخوار الثور، وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى، فغضب موسى (عليه السلام) من قومه أشد الغضب لما سمع ذلك من ربه، وعاد إليهم وبيده الألواح أسفاً على ما فعلوه في غيبته، قال تعالى: (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاَ وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) (طه: الآيات83- 89).
عاد موسى (عليه السلام) إلى قومه ومعه الألواح ثائراً يتملكه الغضب، وألقى الألواح من يده وأخذ برأس أخيه يجره إليه، يسأله عما حدث من قومه، ومن فتنة السامري لهم في غيبته، يسأله معاتباً كيف له أن يتركهم على هذا الحال، لقد ظن موسى (عليه السلام) أن هارون (عليه السلام) قد قصر في نصحهم وهدايتهم، فقال لهارون (عليه السلام): (يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) (طه: الآيات 92- 94).
وكان موسى (عليه السلام) رجلاً فيه حدة وقوة، وحاول هارون (عليه السلام) أن يشرح لأخيه (عليه السلام) ما حدث بينه وبين قومه في غيبته، موضحاً له محاولاته الجاهدة معهم كي يثنيهم عن ذلك، لكنهم تكاثروا عليه، واستضعفوه، وكادوا يقتلونه، وحاول هارون (عليه السلام) أن يهدئ من غضب أخيه موسى (عليه السلام) وأن يفلت من قبضته مذكراً إياه بأمه، وطالباً منه ألا يشمت به أعداءه، الذين كادوا يقتلونه، وقال لموسى (عليه السلام): (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف: الآية 150).
استنكر هارون (عليه السلام) فعل قومه في غيبة موسى (عليه السلام) وقال لهم: (يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (طه: الآية 90)، لكن قومه كانوا أهل زيغ وضلال، فأصروا على عبادة العجل متحدين إياه، وعقدوا عزمهم على عبادة العجل فقالوا: (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) (طه: الآية 91) أي سيظلون عاكفين على عبادة العجل حتى يعود إليهم موسى (عليه السلام).
وكان السامري قد برع في صناعة وصياغة الذهب، وعلم أن قومه تستهويهم الأصنام، عرف ذلك منهم حين قالوا لموسى (عليه السلام) (اجعل لنا إلهاً كما لهم إله)، وذلك وقت أن مروا على أناس يعكفون على أصنام لهم، فهنالك أدرك السامري الزيغ الذي يملأ قلوبهم، عرف أن من السهل التأثير عليهم وتغيير عقيدتهم، فقرر أن يصنع لهم عجلاً يشبه العجل الحقيقي، وجعله يحدث لهم خواراً كخوار الثور.
وبعد أن أخبر هارون موسى (عليه السلام) بما حدث من قومه في غيبته، وبعد أن هدأ موسى (عليه السلام) من غضبه، وترك رأس أخيه ولحيته، استغفر موسى (عليه السلام) ربه وقال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأعراف: الآية 151)، ثم سأل موسى (عليه السلام) السامري عما فعل قال: (فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ) (طه: الآية 95).
وكان السامري من أهل "باجرما"، وكان هناك من يعبدون البقر من قومه، فتمكنت من نفسه عبادة البقر مثلهم، والمشهور أن السامري قد رأى ما لم يره الآخرون من قومه، قالوا إنه رأى جبريل (عليه السلام) على فرسه، وهو يغرق فرعون وجنوده، فقبض السامري بيده قبضة من أثر الفرس (أي من تحت حافره)، قال السامري: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)) (طه: الآية 96).
قال مجاهد ألقى السامري ما في يده على حلي بني إسرائيل، (وقد ذُكر أن بني إسرائيل قد استعاروا حلياً من آل فرعون قبل خروجهم من مصر)، ثم سبك السامري الحلي صنع منها عجلاً جسداً له خوار، ثم قال لقومه هذا إلهكم وإله موسى، هكذا أضل السامري قومه فعبدوا العجل في غياب موسى (عليه السلام)، فلما عرف موسى (عليه السلام) ذلك غضب من السامري غضباً شديداً وقال: (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ) (طه: الآية 97)، أي كما أخذت، ومسست ما لم يكن لك أن تأخذه وتمسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، فلا تمس الناس ولا يمسونك، عُزل عن المجتمع, وهام على وجهه في البراري, لا يمس أحداً, ولا يمسه أحد.
ثم شرع موسى (عليه السلام) في حرق ذلك العجل المصنوع من الذهب، ذلك الإله الذي ظل السامري عاكفاً عليه هو وقومه في غيبته، وقال للسامري: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) (طه: الآية 97)، فبعد أن أحرق موسى (عليه السلام) العجل، ألقاه في اليم فبرد، وتطايرت ذراته في الهواء، فلم يبق منه شيء، وقال لبني إسرائيل منبهاً إياهم إلى وجود الله الواحد الذي وسع كل شيء علماً: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) (طه: الآية 98).
خامساً: عقاب الله لبنى إسرائيل لعبادتهم العجل عاقب الله السامري على صناعته العجل لقومه، بألا يمس أحداً ولا يمسه أحد، أما بنو إسرائيل فقد توعدهم الله بغضبه وبمذلته لهم في الحياة الدنيا، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) (الأعراف: الآية152).
والغضب الذي صبه الله عليهم، ألا يقبل توبتهم عن عبادتهم العجل حتى يقتل بعضهم بعضاً، قال تعالي: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (البقرة: الآية-54).
فأخذ يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر والمشافر وغيرها، لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد، ثم عفا الله بعد ذلك عن الباقين، فكان الذين قُتلوا في منزلة الشهداء، ومن لم يقتل منهم قبل الله توبته.
ثم اختار موسى (عليه السلام) سبعين رجلاً من قومه ليعتذروا لله عن عبادة العجل، فلما ذهبوا لميقات ربهم، قالوا لموسى (عليه السلام) نريد أن نرى الله جهرة، فأخذتهم الرجفة فماتوا جميعاً، قال تعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) (الأعراف: الآية 155).
ولما أخذتهم الرجفة ناشد موسى (عليه السلام) ربه وأخذ يدعوه ويقول: يا رب ماذا يقول لي بنو إسرائيل حين أعود إليهم وقد مات خيارهم، لو شئت أن تهلكهم من قبل وإياي لأهلكتنا جميعا، أتهلكهم بما فعل السفهاء منهم، إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء، وأخذ موسى (عليه السلام) يتضرع إلى الله حتى استجاب له، وأحياهم من بعد موتهم لعلهم يشكرونه: قال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: الآيتان 55، 56).
سادساً: نتق الجبل فوق بني إسرائيل بعد أن عرض موسى (عليه السلام) على قومه ما جاء في التوراة من أمر ونهى، ثقل عليهم ذلك، وأبوا أن يقروا بما جاء فيها، فنتق الله الجبل فوقهم، أي رفعته الملائكة فوقهم كأنه سحابة تظلهم، ويقال إن الله أوحى إلى الجبل أن ينقلع من مكانه فانقلع إلى السماء، حتى إذا كان بين السماء وبين رؤوسهم قال لهم موسى (عليه السلام) ألا ترون ما يقول الله عز وجل، لئن لم تقبلوا بما في التوراة وتأخذوا ما آتاكم ربكم بقوة، أي بجد وعزم لأرمينكم بهذا الجبل: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا ءاَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأعراف: الآية 171)، فلما رأوا الجبل قد تعلق فوقهم ويلقي بظله على الأرض خروا لله سجداً على حاجبهم الأيسر، ونظروا إلى الجبل فوقهم خشية أن يسقط عليهم بأعينهم اليمنى، هكذا يفعل اليهود الآن فلا يسجدون إلا على حاجبهم الأيسر، ويقولون إن هذه السجدة هي التي رفعت بها العقوبة عنهم، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا ءاَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: الآية 63).
سابعاً: قصة بقرة بني إسرائيل قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة: الآيات 67-73).
قال ابن عباس وعبيدة السلماني وأبو العالية وغير واحد من السلف: إن رجلاً ثرياً من بني إسرائيل لم يكن له ولد يرثه, وكان له أقارب كل منهم يريد أن يستأثر بأمواله, والمال والذهب هما حياة بني إسرائيل، فتآمر على هذا الرجل ابن أخيه فقتله ليرثه ويستولي على أمواله، وأراد أن يُبعد التهمة عن نفسه, فحمل الجثة وألقاها على باب قرية مجاورة ليتهم أهلها بقتله, وفي الصباح قام أهل القرية فوجدوا جثة الثري أمام قريتهم, وعرفوا أنه غريب عن قريتهم، فسألوا عنه حتى وصلوا إلى ابن أخيه, فتجمع أهل القتيل عليهم واتهموهم بقتله, وكان أشدهم تحمساً ابن أخيه، فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا مالكم تختصمون ولا تأتون نبي الله؟ فجاء ابن أخيه فشكا أمر عمه إلى موسى (عليه السلام).
سألوا موسى (عليه السلام) أن يسأل ربه عز وجل عن القاتل، فسأل موسى (عليه السلام) ربه، فأمره أن يأمرهم بذبح بقرة، فقال موسى (عليه السلام) لهم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً) (البقرة: الآية 67)، قالوا هل تسخر منا؟، فنحن نسألك عن أمر هذا القتيل، وأنت تأمرنا بشيء آخر، (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (البقرة: الآية 67)، أي أعوذ بالله أن أقول لكم غير ما أوحي الله إلي، لكنهم شددوا على أنفسهم، وتراخوا في الفعل، فسألوه عن صفتها، ثم عن لونها، ثم عن سنها، فأجابهم موسى (عليه السلام) بعد أن سأل ربه عن أسئلتهم، وبعد أن عقَّدوا الأمر على أنفسهم وصعبوه، ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها, لتم المطلوب، ولكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم.
سألوا موسى (عليه السلام) أن يدعو ربه ليبين لهم ما هي تلك البقرة، فدعا موسى (عليه السلام) ربه فأجابه، فقال موسى (عليه السلام) لقومه: (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) (البقرة: الآية 68)، وصفات هذه البقرة أنها عوان أي الوسط بين الفارض (الكبيرة)، والبكر(الصغيرة)، فلم يذبحوها، وشددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوه عن لونها، فسأل موسى (عليه السلام) الله عز وجل عن لونها، فأجابه الله على ذلك، فقال موسى (عليه السلام): (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة: الآية 69) أي: لونها أصفر مشرب بحمرة، تسر الناظرين وهذا لون عزيز، ثم ساقوا حجة أخرى كي لا يذبحوها، فقالوا لموسى (عليه السلام): (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) (البقرة: الآية 70)، فرد عليهم موسى (عليه السلام) بصفات أضيق مما تقدم، حيث أمرهم بذبح بقرة ليست بالذلول، أي (المُذللة) بالحراثة، وسقي الأرض بالساقية وغير ذلك، ومُسلمة: أي (صحيحة لا عيب فيها)، وقوله (لا شِيَةَ فِيهَا) (البقرة: الآية 71) أي ليس فيها لون يخالف لونها، وخالية من أي عيب، فلما حددوا معالمها وصفاتها قالوا: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) (البقرة: الآية 71).
قيل إنهم لم يجدوا بقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم، كان باراً بأبيه، فطلبوها منه فأبى عليهم، فرغبوه في ثمنها حتى أخذوها, في البداية عرضوا عليه بوزنها ذهباً فأبى، فعرضوا عليه وزنها عشر مرات ذهبا، فباعها لهم، فأمرهم موسى (عليه السلام) حينئذ بذبحها فذبحوها وما كادوا يفعلون: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) (البقرة: الآية 72)، أي: ذبحوها، وهم مترددون في أمرها، ثم أمرهم الله أن يضربوا القتيل الذي وجدوه ببعضها (أي بأجزاء من جسمها) حتى يعلموا من القاتل، فلما فعلوا ذلك أحياه الله تعالى، فقام وتشخب أوداجه ، فسأله نبي الله موسى (عليه السلام)، من قتلك؟ فقال ابن أخي هو الذي قتلني، ثم عاد ميتاً كما كان، قال الله تعالى: (كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة: الآية 73)، أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل بأمر الله، كذلك أمره في الآخرة، حيث يحيى الله سائر الموتى يوم القيامة.
ثامناً: قصة قارون قيل هو قارون بن يصهب بن قاهث، ابن عم موسى (عليه السلام) (موسى بن عمران بن قاهث)، فهو رجل من بني إسرائيل آتاه الله سعة في الرزق, واختصه بثراء واسع وكنوز عظيمة، حتى إن مفاتيح خزائنه كانت تنوء بالعصبة أولي القوة، وقد أخبر الله تعالى عن كثرة كنوزه في سورة القصص، وكان قارون مرموقاً في قومه، كل من رآه في زينته وأبهته تمنى أن يكون مثله، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) (القصص: الآية 76).
وكان أولو العلم والإيمان من قومه يعظونه, ويبذلون له النصح والرشاد, ويحذرونه عاقبة ما هو عليه من الخيلاء والزهو والكبر والإفساد في الأرض، كما كانوا يقدمون له النصح بأن يبتغي فيما آتاه الله من الكنوز والأموال الكثيرة الدار الآخرة, وألا ينسى نصيبه من الدنيا، وألا يستخدم هذا الثراء فيما يُغضب الله بل يقوم بالإحسان إلى الفقراء كما أحسن الله إليه, قال تعالى عن قارون: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)) (القصص: الآيتان 76، 77).
لكن قارون لم يبال بنصح الناصحين ولا إنذار المنذرين، وقال لهم مختالاً فخوراً: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص: الآية 78)، نسي أن الله هو الذي أنعم عليه بهذا المال وتلك الكنوز العظيمة، نسي أن الله عز وجل قد أهلك من قبله من القرون السابقة من هم أشد منه قوة وأكثر جمعاً, فما أغنت عنهم قوتهم ولا أموالهم ولا كنوزهم.
وفى أحد الأيام خرج قارون على قومه في زينته، خرج في موكب تحتشد له الحشود من الناس على جانبي الطريق، يظهر موكبه من بعيد كأنه قطعة صغيرة من الشمس، تلمع وتتلألأ في عيون الناظرين من شدة انعكاس الشمس عليها، تتحرك عربته المزينة كلؤلؤة مشعة تسير على الأرض، تتقدمها الخيول الكثيرة والحراس، إن هذا الموكب قطعة فنية رائعة، فالمركبة التي يركبها قارون مرصعة بالجواهر ومطعمة بالذهب الخالص والفضة والمعادن الثمينة، تعكس على عيون الناس أشعة الشمس المختلطة بألوان الطيف.
أما الخيول فهي قوية ومزينة بزينة باهرة، كأن خبراء الجمال في الدنيا قد اجتمعوا على تزيينها، وأما الحراس فهم يحملون في أيديهم السيوف اللامعة يرفعونها عالياً ويمسكون بها في قوة وانضباط، يلبسون ثياباً مزركشة ومحلاة ومزدانة بالألوان الزاهية، هي وحدها تلفت الأنظار، وتُعَدّ تحفة للملابس التي يلبسها الإنسان، ليعطوا بذلك إحساساً بالهيبة والإجلال لهذا الموكب الفريد، قال تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ(81)) (القصص: الآيات 79-81).
هكذا نرى أن قارون عندما خرج على قومه في زينته, قال الذين يريدون الحياة الدنيا وزخرفها يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، فوعظهم أهل العلم بالبعد عن مطامع الدنيا وزخرفها، فإن الله لا يحب كل مختال فخور.
وفى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الذي يحذر فيه من الخيلاء وعقوبة الخسف، قال: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (صحيح البخاري: 3226)، لم يعلم هؤلاء أن الله سيخسف به الأرض وهو في هذا النعيم، وبعد أن خسف الله به وبداره الأرض أدرك الذين تمنوا مكانه بالأمس أن الله قد من عليهم إذ لم يجعلهم أثرياء، فلو جعلهم مثل أثرياء مثل قارون ووهبهم كنوزاً مثله، لبغوا في الأرض واستكبروا فيها واختالوا على الناس، ولكان مصيرهم الخسف كما فُعل بقارون، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين) (القصص: الآيتان82، 83)، فالعبرة بمن أراد الآخرة، وسعى لها سعيها، وهو مؤمن، فالدار الآخرة جعلها الله لمن لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا، بعكس ما كان يفعل قارون.
تاسعاً: قصة موسى والخضر عليهما السلام قصة موسى (عليه السلام) والخضر قصة العجائب الغيبية التي يقف أمامها العقل البشري حائراً، خاشعاً مسلماً لأمر الله وقضائه، فهي قصة رسول مُوحى إليه يكلم الله تكليماً، وقصة عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علماً.
قيل إن موسى (عليه السلام) قام خطيباً في بني إسرائيل، فلما انتهى من خطبته سأله رجل منهم: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ فقال: لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه سبحانه، فأوحى الله إليه بأن يذهب عند ملتقى البحرين ليلتقي هناك بعبد من عباده، قيل هو(الخضر) كما جاء في صحيح البخاري، آتاه الله رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علما. وفي حديث أبى بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قصتهما، حيث قال: (قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ) قَالَ مُوسَى (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ فَقَالَ أَنَا مُوسَى فَقَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا) قَالَ (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَوْكَدُ (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ) قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى (لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا) (صحيح البخاري: 119). |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: موسى (عليه السلام) الخميس 09 ديسمبر 2021, 10:25 am | |
| وتتلخص القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة أشترط فيها الخضر ألا يسأله موسى (عليه السلام) عن شيء خلالها، حتى يخبره هو بتأويلها: 1. المشهد الأول ركوب الخضر وموسى (عليه السلام) السفينة التي يمتلكها مساكين يعملون في البحر، ثم يقوم بخرقها بلا سبب، قال تعالى: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (72) قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)) (الكهف: الآيات 71 - 73)، لم يستطع موسى (عليه السلام) أن يتحمل هذا المشهد الظالم دون أن يبدي اعتراضه، فمن المنطقي أن من ركب في سفينة لمساكين يعملون في بحر، أن يحافظ علي وسيلتهم التي يرزقون منها لا أن يخربها لهم!!، فلما ذكره الخضر بما تم الاتفاق عليه بينهما (بعدم سؤاله عن أي شيء يحدث أمامهما حتى يخبره بتأويله)، اعتذر موسى (عليه السلام) له عن نسيانه وسؤاله له قبل أوانه.
2. المشهد الثاني قتل الخضر غلاماً بغير ذنب وهو يلعب، قال تعالى: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75)) (الكهف: الآيتان 74، 75)، لقد فوجئ موسى (عليه السلام) بهذا الفعل المنكر، فكيف يقتل الخضر غلاماً صغيراً بلا ذنب أو سبب، ذلك الدم الزكي الذي أهدره الخضر لا يمكن السكوت عليه، إن أقل ما يمكن لموسى (عليه السلام) فعله هو استنكاره لما حدث من الخضر، فلا يمكن أن يقبل المنطق والعقل ما حدث!!، ولما ذكَّره الخضر بما اتفقا عليه من قبل، رجع موسى واعتذر عن سؤاله الذي كان في غير وقته، وقال: (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا) (الكهف: الآية 76).
3. المشهد الثالث دخول الخضر وموسى (عليه السلام) قرية البخلاء، وامتناع أهلها عن ضيافتهما حين استطعما أهلها، ومع هذا قام الخضر ببناء جدار كاد أن يتهدم، بناه دون أن يأخذ عليه أجراً، قال تعالى: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (الكهف: الآية 77)، هنا يكتفي الخضر من مصاحبة موسى (عليه السلام) ويتوقف، فقد صبر على أسئلته ثلاث مرات، وهذا يخالف شرط مصاحبته، لقوله: (فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (الكهف: الآية 70).
وهنا يوضح العبد الصالح لموسى (عليه السلام) سبب قيامه بتلك الأفعال العجيبة والغريبة، ثم بدأ يبين لموسى (عليه السلام) علة ما حدث في المشاهد الثلاثة منه خلال آيات القرآن الكريم فيقول: 1. خرق السفينة: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (الكهف: الآية79). 2. قتل الغلام: (وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)) (الكهف: الآيتان80، 81). 3. بناء الجدار لقرية البخلاء: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) (الكهف: الآية 82)، إن أهل القرية لو علموا أو رأوا هذا الكنز لأخذوه، ولضاع حق اليتيمين فيه، فهؤلاء القوم لئام وبخلاء.
ويؤخذ في الحسبان أن الذي قص علينا قصة الخضر (عليه السلام) هو الله تعالى: وإنها حدثت مع نبيه وكليمه موسى (عليه السلام)، فهي رموز ضربها الله تعالى لنا حتى تكون قضية عقدية يستقبل بها الناس أحداث الحياة في مالهم إن كان سفينة، وفي ذواتهم إن كان ولداً، وفي جفوة الناس عنهم إن كانوا ظالمين.
إذاً الغاية من القصة هي الرضا بالقضاء والقدر، والتسليم لأمر الله تعالى تسليماً تاماً في كل الأمور سواء كانت خيراً أم شراً، فإن كل ما يحدث في الكون هو بقدر الله وقضائه، وعلى المرء أن يحمد الله تعالى ويشكره على كل حال، فأمر الله كله خير.
عاشراً: صفة موسى (عليه السلام) وحجه إلى البيت العتيق عن حجه (عليه السلام) عن ابن عباس: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا هَذَا وَادِي الأَزْرَقِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَم هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ) (صحيح مسلم: 241).
وعن صفته (عليه السلام) قال ابن عباس: (وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي) (صحيح البخاري: 5458).
وعن صفته أيضاً قال ابن عمر: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ) (صحيح البخاري: 3183).
وعن صفة موسى (عليه السلام) أيضاً في حديث أبى هريرة (رضي الله عنه) إذ يقول: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ) (صحيح البخاري: 3182).
حادي عشر: وفاة هارون وموسى عليهما السلام يقول أهل الكتاب إن هارون (عليه السلام) مات قبل موسى (عليه السلام)، أما موسى (عليه السلام)، فقد مات وعمره مائة وعشرون سنة، منها عشرون سنة في ملك أفريدون، ومائة سنة في ملك نبوخز، وعن مكان قبره في حديث أبى هريرة رضي الله عنه يقول: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ) (صحيح البخاري: 1253)، ويُروى أن يوشع بن نون رآه بعد موته في منامه، فقال له: كيف وجدت الموت يا نبي الله؟ قال: كشاة تُسلخ وهي في الحياة.
ثاني عشر: ثناء الله تعالى على موسى وهارون عليهما السلام علمنا من القصة ما كابده موسى وهارون عليهما السلام من بنى إسرائيل, وقد أثنى الله تعالى عليهما ثناءً طيباً لما كابداه من عنت قومهما وشدة مراسهم: 1. قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)) (مريم: الآيات 51-53).
2. وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ(114)وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَءَاتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (الصافات: الآيات 114-122).
3. وقال تعالى: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) (الأعراف: الآية 144).
4. وقال تعالى: ( وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى) (غافر: الآية53).
5. وقال تعالى: ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء: الآية 164).
6. وعن صبر موسى (عليه السلام) على الأذى قال عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ) (صحيح البخاري:2917).
7. واتفقت الروايات كلها على أن الله تعالى لما فرض على محمد (صلى الله عليه وسلم) وأمته خمسين صلاة في اليوم والليلة، مر بموسى (عليه السلام)، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل، ويخفف عنه كل مرة، حتى صارت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، فجزى الله عنا محمداً (صلى الله عليه وسلم) خيراً، وجزى الله عنا موسى (عليه السلام) خيراً.
ثالث عشر: العظات المستفادة من قصة موسى (عليه السلام) 1. إن الابتلاء الذي يُصاب به الإنسان في الدنيا يجب أن يقابله بالرضا، فقد يكون الخير العظيم في هذا الابتلاء، فها هو موسى (عليه السلام) قد خرج خائفاً من آل فرعون، متبعاً نصيحة ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة، ناصحاً له بالابتعاد عن مصر؛ لأن الملأ يأتمرون به، فهاجر من مصر، وكان الخير كله في هجرته، فقد أبدله الله أهلاً بأهل وجيراناً بجيران، واصطفاه على الناس برسالته وبكلامه، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل لينقذهم من فرعون وآله الطغاة الماكرين.
2. إن الذي يتوكل على الله يهيئ الله له من أمره يسراً، وقد قيض الله رجلاً لموسى (مؤمن آل فرعون) ليكون سبباً في نجاته.
3. إن الشخص المستمسك بربه لا يبالي بمن أمامه ولو كان عظيماً. فها هو فرعون يقول لموسى (عليه السلام): (إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) (الإسراء: الآية 101)، فيقول له موسى (عليه السلام) غير مبال ببطش فرعون وقوته وملكه وسلطانه: ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) (الإسراء: الآية 102).
4. إن الإيمان إذا تذوقه الإنسان، لا يبالي بما يحدث له من لوم أو تعذيب، فقد غلب الإيمان مشاعر السحرة فآمنوا بموسى (عليه السلام) وإله موسى، ولم يبالوا بما أعده فرعون لهم من العذاب.
5. حلم موسى (عليه السلام) وخوفه على قومه، فها هو يتشفع لهم عند الله ليكشف عنهم العذاب (الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم)، على الرغم من أنهم كانوا ينكثون عهدهم مع الله في كل مرة، وكذلك حين ذهب نقباء قومه معه لتقديم توبة قومهم لربهم، فلما طلبوا رؤية الله تعالى جهلاً وعنتاً, وأخذتهم الصاعقة، أخذ موسى يتضرع إلى الله ويقول: (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ) (الأعراف: الآيتان 155، 156). ---------------------------------- الهوامش: 1. أساورته: قواده ورؤساء جيشه. 2. القوابل: جمع قابلة، وهي المرأة التي تساعد النساء عند الولادة. 3. مدين: هي بلاد واسعة حول خليج العقبة عند نهايته الشمالية (شمال الحجاز، وجنوب فلسطين)، وتُنسب إلى مدين بن إبراهيم. 4. هذه الصخرة هي التي كان الرعاء يضعونها على البئر بعد سقايتهم حفاظاً على ماء البئر0 5. الطوفان: الأمطار المغرقة المتلفة للزروع – تفسير ابن كثير. 6. سُئل النبي عن الجراد فقال: أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهَُ (سنن أبي داود: 3318)، لما نزل الجراد على قوم فرعون أكل كل شيء حتى وقعت دورهم ومساكنهم. 7. القمل: عند أهل اللغة هو ضرب من القردان، وقيل هو السوس الذي في الحنطة، وقيل هو البراغيث، وقيل هو دواب سود صغار، كما قيل أيضاً هو ضرب من القراد – تفسير القرطبي0 8. الضفادع: هي الضفادع المعروفة التي تكون في الماء ونسمع نقيقها، قيل: إنها كانت تملأ فراشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم، فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، وإذا تكلم وثب الضفدع إلى فيه – تفسير القرطبي. 9. كان الماء والشراب يتحول إلى دم. 10. أي يصل إليهم منهم في كل وقت ما يغيظهم – تفسير ابن كثير. 11. المن: يميل طعمها إلى الحلاوة تفرزها بعض أشجار الفاكهة - والسلوى: نوع من أنواع الطيور يقال إنه "السمان". 12. الفوم: أي الثوم – تفسير ابن كثير. 13. قال مجاهد: هي "الطور وما حوله"، وقال ابن عباس والسدى وابن زيد: هي "اريحاء "، وقال الزجاج: هي "دمشق وفلسطين وبعض الأردن"، وقال قتادة: هي "الشام"، وهى تشمل كل ما قيل. 14. أي تسيل دماً.
المصدر: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/Prophets/sec16.doc_cvt.htm
|
| | | | موسى (عليه السلام) | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |