| الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:31 am | |
| المحافظة على شعورها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الإسلام أن تعيش المرأة فى البيت كمَّا مهملا، ينظر إليها بمنظار أسود، وتعامل كجارية لا إحساس لها ولا شعور؟
الجواب من ميزة الإسلام أنه كرم المرأة وأزال الصورة القاتمة التى صورت بها من قبل. وقرر لها كثيرا من الحقوق التى أضاعتها هذه الصورة، واعتد بإنسانيتها التى سلبتها إياها بعض الأفكار وطبقها بعض الرسول - والله سبحانه أمر بمعاشرتها بالمعروف كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، ومن أهم مظاهر هذه المعاشرة التى تتصل بإحساسها وشعورها: 1 - صون اللسان عن رميها بالعيوب التى تكره أن تعاب بها، سواء أكانت خِلقية لا تملك من أمر تغييرها شينا كدمامة وقصر، أم كانت خُلقية لها دخل فيها كتباطؤ فى إنجاز العمل، أو ثرثرة كثيرة، فالله نهى بوجه عام عن السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسباب، والنبى صلى الله عليه وسلم قال فيما يخص المرأة، كما رواه أبو داود بإسناد حسن "ولا تضرب الوجه ولا تقبح "أى لا تقل لها: قبَّحك الله، يقول الحافظ المنذرى بعد ذكر هذا الحديث: أى لا تسمعها المكروه ولا تشتمها ولا تقل قبحك الله. 2 - ومع عدم رميها بالعيوب، لا ينبغى الاشمئزاز وإظهار النفور منها، ولتكن النظرة إليها بعينين لا بعين واحدة، فكما أن فيها عيوبا فيها محاسن ينبغى ألا تغفل وتنسى، والله سبحانه يقول {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء: 19، والحديث يقول كما رواه مسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى منها آخر" ويعجبنى فى هذا المقام ما جاء فى "الأحكام السلطانية للماوردى" أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يطوف حول الكعبة وعلى عاتقه امرأة حسناء، وهو يقول: عُدْت لهذى جملا ذلولا * مُوطَّأً أتبع السهولا أعدلها بالكف أن تميل * أحذر أن تسقط أو تميلا أرجو بذاك نائلا جزيلا فقال له: من هذه التى وهبت لها حجك؟ فقال: امرأتى يا أمير المؤمنين، وإنها حمقاء مرغامة، أكول قمامة، لا يبقى لها خامة. فقال له: لم لا تطلقها؟ لا قال: إنها حسناء لا تُفْرَك، وأم صبيان لا تُترك. قال: فشأنك بها. 3 - عدم ذكر محاسن غيرها من النساء أمامها بقصد إغاظتها، فليس أقتل لشعور المرأة من ذلك وبخاصة إذا كانت هذه المرأة ضرتها أو جارتها أو لزوجها صلة بها أيا كانت هذه الصلة اللهم إلا إذا كان يقصد بمدح غيرها تأديبها وتوجيهها لتكون مثلها. روى البخارى ومسلم عن عائشة قالت: ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها فى صدائق خديجة فربما قلت له: كأن لم يكن فى الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت. . . . وكان لى منها ولد". 4 - حفظ أسرارها وبخاصة ما يكون من الأمور الداخلية التى لا يعرفها إلا زوجها. يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفض إليه ثم ينشر سرها". أراد بعض الصالحين أن يطلق امرأته فقيل له: ما الذى يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لى ولامرأة غيرى؟ (الإحياء ج 2 ص 52) 5 -نداؤها بلفظ يشعر بكرامتها مثل: يا أم فلان، والعرف مختلف فى ذلك. 6 -إلقاء السلام عليها عند دخول البيت، لإيناسها واطمئنانها، ففى حديث الترمذى وصححه "يا بنى، إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك ". تلك بعض المظاهر التى تدل على احترام الإسلام لشعور المرأة، ليعاملها زوجها على ضوئها معاملة كريمة، وهناك أكثر وأوضح من ذلك فى كتاب "الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء الثالث " (10/8) ________________________________________ وطء شبهة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن أرسل رجلا نائبا عنه لعقد النكاح، ثم سأفر فى اليوم نفسه، ولما عاد وقع على خطيبته ظانا أن نائبه عقد له عليها،وظهر أنه لم يعقد عليها وحملت منه، فهل يعتبر الحمل منسوبا إليه أم لا؟
الجواب الاتصال الجنسى بين الرجل والمرأة على ثلاثة أضرب، ضرب حلال وضرب حرام وضرب ليس بحلال ولا بحرام، أما الحلال فهو ما كان بعقد نكاح صحيح مستوف للأركان والشروط، أو كان تمتعا بملك اليمين للأمة غير الحرة، والحرام ما كان على غير هذه الصورة مع عدم وجود شبهة ومع العلم والاختيار، قال تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون:5-7، وفى الحرام عقوبة بالجلد والتغريب لغير المُحْصَنِ، وبالرجم للمحصن. وأما الاتصال الذى لا يوصف بحل ولا حرمة فهو ما كان فيه شبهة، كأن جامع الرجل امرأة يظن أنها زوجته فبانت أجنبية عنه، وهذا لا حَدَّ ولا عقوبة فيه. لكن من جهة لحوق النسب فى الحمل فالمولود ينسب إلى أمه فى الأضرب الثلاثة لأنها هى التى حملت وولدت، وذلك لا خلاف فيه بين العلماء. أما نسبُه للرجل فهو ثابت له فى الاتصال الحلال، غير ثابت له لى الاتصال الحرام، وأما فى الاتصال بشبهة فإن كانت الموطوءة على فراش رجل آخر-يعنى متزوجة-فالولد يلحق الزوج، لحديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر" إلا إذا نفاه عنه باللعان المذكور فى أوائل سورة النور فلا يلحقه، وإن كانت غير متزوجة فإن الولد يلحق من وطئها، وذلك على رأى جمهور الفقهاء. جاء فى كتاب "المغنى" لابن قدامة "ج 9 ص 57" أنه لو وطىء رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه، وهذا قول الشافعى وأبى حنيفة، وقال أحمد بن حنبل كل من درأتُ عنه الحدَّ ألحقت به الولد، ولأنة وطء اعتقد الواطئ حِلَّهُ فلحق به النسب، كالوطء فى النكاح الفاسد - أى الذى اختل أحد أركانه أو شروطه - وفارق وطء الزنا -أى فى عدم لحوق النسب به -فإنه لا يعتقد الحل فيه، ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ، لأنه يعتقد حله فلحق به النسب كالوطء في نكاح فاسد. وجاء مثل هذا الكلام فى حاشية الشرقاوى على التحرير فى فقه الشافعية "ج 2 ص 219، 271 " وذكر أن شبهة الفاعل تمنع الحد وتوجب مهر المثل، ولا يوصف بها الوطء بحل ولا حرمة، ويثبت به النسب، وتثبت به العدة. من هذا يعرف جواب السؤال وهو لحوق الحمل بهذا الرجل الذى ظن أن من جامعها هى زوجته (10/9) ________________________________________ الخلوة بين الجنسين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال أنا فتاة ملتزمة للحجاب الشرعى، وأعمل سكرتيرة لأحد رجال الأعمال، وفى بعض الأحيان نمض ساعات وحدنا لمراجعة الأعمال، فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب ليكن معلوما أن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة وصيانة المجتمع من الفساد-عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها، فالأحاديث كثيرة فى النهى عنها لخطورتها، ومنها ما رواه البخارى ومسلم " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " وما رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء، فو الذى نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما". إن الغريزة الجنسية تتحين أية فرصة للاستجابة لرغبتها، ومن أجل ذلك حرم الإسلام النظر واللمس والخضوع بالقول، والخلوة، أخرج أبو داود والنسائى أن رجلا من الأنصار مرض حتى صار جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية تعوده وحدها فهشَّ لها ووقع عليها، فدخل عليه رجال من قومه يعودونه فأخبرهم بما حصل منه وطلب الاستفتاء من النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا لرسول الله: ما رأينا بأحد من الضر مثل ما الذى هو به، ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلدة على عظم، فأمر رسول الله: بإقامة الحد عليه، بضربه بمائة شمراخ ضربة واحدة. إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة فى هذه الأيام، فقد تكون فى البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية، حتى فى الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار. إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط، أو باجتماع امرأة برجلين، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء. والخلوة لا تجوز إلا للضرورة، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو فى بعض الأحيان، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2) وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها، أو المخدوم بخادمته، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك، وليس هؤلاء الخدم مملوكين ملك اليمين حتى يكون لهم مع سادتهم وضع خاص، بل هم أجانب تجرى عليهم كل أحكام سائر الناس. وفى حكم الخلوة سائقو السيارات الخاصة، المترددون على النساء كثيرا فى البيوت، دون أن يكون هناك من يخشى معهم السوء. هذا، ولا يعتبر من الخلوة المحرمة وجود الطالبات مع الطلبة فى أماكن الدراسة، كما لا تتحقق الخلوة فى الشوارع والمحال التجارية والمواصلات التى تغص بالرجال والنساء، وإنما المطلوب هو الحشمة فى الملابس والأدب فى الكلام، وعدم الاحتكاك بين الطرفين، وبخاصة فى الزحام، وحديث الطبرانى يقول "لأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له " وحديثه أيضا "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وحديث البيهقى "إذا استقبلتك المرأتان فلا تمر بينهما، خذ يمنة أو يسرة". هذا، والرحلات المختلطة إذا أمنت فيها الفتنة وكانت تحت رقابة مؤمنة يقظة، وكانت النساء ملتزمات بالآداب الشرعية فى الستر والجدية والعفاف، لا بأس بها، وإلا حرمت والأولى أن تكون الرحلات؟ لنوع واحد، اطمئنانًا للقلب وصيانة للشرف ومنعا للتهم والظنون (10/10) ________________________________________ شعر المرأة والباروكة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها، وما حكم لبس الشعر المستعار "الباروكة "؟
الجواب من المعلوم أن الجمال محبب للنفس إذا وصف به أى كائن فى الوجود، وله حاسة جعلها المفكرون مستقلة عن الحواس الخمس، وجالت فى فنونه أقلام الكتاب وآراء الباحثين، ولا عجب فى ذلك، فالله جميل يحب الجمال، كما فى الحديث الذى رواه مسلم. وجمال المرأة بالذات له خطره وأهميته فى حيلة الأفراد والأمم، فكم ربط بين جماعتين على أثر إعجاب تَمَّ بزواج، وكم فرق بينهما إثر تنافس انتهى بقتال، وكم جدت فى الأسر مشاكل غيرة منه وتحزُّبا ضده، وكم أطلق ألسنة العشاق بروائع المنظوم والمنثور، وكم خلدت آثار فى الفن والأدب كان هو ملهمها الأول، وواضع قصتها ومخرج مشاهدها على مسرح الوجود. وتجمل الزوجة لزوجها من أهم الوسائل لكمال متعته بها وحبه لها، والحديث الذى رواه ابن ماجه يقول "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن اقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته فى نفسها وماله ". ومظاهر التجمل كثيرة، منها جمال الشعر الذى لا ينكر أثره فى إعجاب الرجل بالمرأة، وفى تفنن الشعراء والأدباء فى التغنى والغزل به، فما حرك أساطيل اليونان قديما فى حرب "طروادة" إلا الشعر المعقوص المضفر بشرائط الذهب لهيلانة الجميلة، وما سحر البلاط الفرنسى ورجال الأدب والسياسة والدين إلا شعر مدام بومبادور، وما نسى فحل الشعراء فى الجاهلية أن يضمن معلقته غزلا فى شعر كهداب الدمقس المفتل، وما كان لأمير الشعراء فى العصر الحديث ليلان إلا عند جارة الوادى، فرعها والدجى. والإسلام عنى بجمال الشعر: ترجيلا أى تمشيطا، وتصفيفا أى تنظيما فى ضفائر وغدائر ونحوها، وتهذيبا بالتقصير والتطويل والتلميع، وتطييبا بالدهن المعطر والروائح الطيبة، فهو القائل فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود "إذا كان لأحدكم شعر فليكرمه " وهو عام فى الرجال والنساء. أما قص الشعر للسيدة فليس هناك ما يمنعه شرعا، فقد كان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعر رءوسهن حتى تكون كالوفرة، كما رواه مسلم. والوفرة ما قصر عن اللمة أو طال عنها، واللمة ما يلم من الشعر بالمنكبين كما قاله الأصمعى. [هناك خلاف فى تحديد معنى الوفرة واللمة والجمة موجود فى "نيل الأوطار"ج 1 ص 137 وثلاثيات أحمد ج 2 ص 207] وقد قصر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم من شعورهن بعد وفاته، لتركهن التزين واستغنائهن عن تطويل الشعر وتخفيفا لمئونة رءوسهن كما قاله القاضى عياض وغيره، ولم يكن ذلك فى حياته. هذا، وقد روى النسائى عن على رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. والحلق هو إزالته بالمرة، وذلك لا يليق بالمرأة فهو من خصائص زينتها، أو المراد النهى عن حلقه عند المصائب كالحزن على وفاة زوج أو ولد. لكن محل جواز تقصير شعرها إذا كان بإذن الزوج، فهو صاحب حق فيه لمتعته، وألا يكون التقصير بيد رجل أجنبى أو اطلاعه عليه، وإلا تقصد به التشبه بالرجال، فالأعمال بالنيات. والشعر المستعار "الباروكة " ورد فيه أن امرأة قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: إن لى ابنة عُرَيِّسًا-تصغير عروس -أصابتها حصبة فتمزق شعرها، أفأصله؟ فقال "لعن الله الواصلة والمستوصلة" رواه البخارى ومسلم. وبعد كلام العلماء فى شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغش والتدليس، وهو ما يفهم من السبب الذى لعنت به الواصلة والمستوصلة، ومبنى أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببا فى هلاك بنى إسرائيل حين اتخذه نساوهم. وكن يغشين بزينتهن المجتمعات العامة والمعابد كما رواه الطبرانى. هذا، وجاء فى كتب الفقهاء: أن لبس الشعر المستعار حرام مطلقا عند مالك، وحرام عند الشافعية إن كان من شعر الآدمى، أو شعر حيوان نجس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعية فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعى بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو. ومن هذا يعلم أن تصفيف شعر المرأة عند "الكوافير "الرجل الأجنبى حرام، وأن لبسها "الباروكة" عند الخروج، أو عند مقابلة الزائرين الأجانب حرام (10/11) ________________________________________ الزواج من خالة الأم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يصح للرجل أن يتزوج من خاله أمه؟
الجواب جاء فى كتاب الأحوال الشخصية للدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج "ص 69" أن من المحرمات من النساء بسبب النسب فروع أجداده وجداته بمرتبة واحدة، وهن العمات والخالات لا غير، سواء كن عمات وخالات للشخص نفسه أم كن عمات وخالات لأبيه أو أمه أم لأحد أجداده وجداته، أما ما دون العمات والخالات من المراتب فلسن من المحرامات، فلا تحرم بنات العمات والأعمام ولا بنات الخالات والأخوال، ومن باب أولى إذا نزلت المراتب عن ذلك (10/12) ________________________________________ الولد الأسود لوالدين أبيضين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا وله طفل أسود من أبوين أبيضى اللون، فهل يعد ذلك دليلا على خيانة الزوجة؟
الجواب لا تدل مخالفة لون الولد للون أبويه على أن هناك خيانة زوجية، فالمؤثر على الجنين قد يكون أمرا وراثيا من بعيد، وقد يكون عارضا بسبب تركيز الأم على لون أسود بأى سبب من أسباب التركيز فيظهر هذا فى الجنين. ومما يدل على أن مخالفة اللون لا يجوز أن يتخذ دليلا على الخيانة الزوجية ما رواه مسلم أن رجلا من بنى فزارة قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن امرأتى قد ولدت غلاما اسود، وفى رواية: وإنى أنكرته أى كرهته، فقال صلى الله عليه وسلم "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " فما ألوانها؟ قال حمر" قال: " هل فيها من أورق؟ " أى أسود غير صافى السواد، قال " إن فيها لورقا" قال: " فأنى أتاها ذلك "؟ قال: " عسى أن يكون نزعه عرق "، قال: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق " يريد النبى بهذا أن يحافظ على العرض مما يشينه من شبهة لا أصل لها، فالعرض إذا خدش قل أن ترجع إليه سمعته الطيبة الأولى، إن الزجاجة كسرها لا يشعب ولا يجبر. وهناك حوادث كثيرة تدل على أن الوحم العارض للحامل قد يؤثر على الجنين، فالصفات المكتسبة إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأعصاب والأحاسيس قد تورث فى الجنين، جاء فى ذيل تذكرة داود (ص 231) أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين. وتحدث العلماء عن حمل الغيرة وهو الشعور بالحمل وانتفاخ البطن دون أن يكون فيه جنين. ولعل مما يؤكد هذا-وإن أنكره البعض -ما جاء فى سفر التكوين (1ص ج 30) أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة، وفى مختار تاريخ الجبرتى (ج 1 ص 107) أن امرأة ولدت ولدا يشبه الفيل وكان الفيل قد حضر لأول مرة (1ص10) فالخلاصة أنه لا يجوز اتهام الزوج لزوجته بالخيانة إذ ولدت ولدا لونه غير لونهما (10/13) ________________________________________ الأبناء وذنوب الآباء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يؤاخذ الله سبحانه وتعالى الأبناء بذنوب فعلها الآباء؟
الجواب يقول الله سبحانه {ولاتزر وازرة وزر أخرى} الإسراء: 15، وقال {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38، وقال {كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21، هذه الآيات وأمثالها التى تدل على أن الله لا يظلم أحدا فيعاقبه بما جناه غيره، متفق على أنها فى يوم القيامة عند الحساب والجزاء، لكن فى عقاب الدنيا قد يؤخذ البرىء بسبب معصية غيره عندما يجىء عقاب عام كالخسف والزلزال بسبب شيوع المعاصى، كما فى حديث البخارى ومسلم " يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على قدر نياتهم "ومنه ما جاء فى بعض الأدعية، (لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا) فالأبناء وغيرهم يؤخذون بذنوب آبائهم ومجرميهم إذا كثر الفساد، وذلك فى عقاب الدنيا، وسيعوض الله الأبرياء خيرا فى الآخرة، والآباء إذا كانوا مجرمين سرت العدوى إلى أولادهم بالتقليد والمحاكاة، وكرههم الناس لكراهتهم لآبائهم، فشؤم معصية آبائهم يلحقهم فى معاملات الدنيا طوعا أو كرها، أما الأعمال، فكل واحد مسئول عن عمله يوم القيامة أمام الله، وعلى ضوء هذا يفهم الحديث القدسى الذى رواه أحمد عن وهب (أنى إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتى نهاية، وإذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتى تبلغ السابع من الولد) ، وعلى شاكلة هذا لو اختار الرجل زوجة صالحة كان هناك أمل فى صلاح الأولاد، وبالعكس لو اختار الرجل زوجة غير صالحة نشأ الأولاد، وقد نزعهم عرق من الأم، ومن هنا كانت الوصية (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ، وقال أبو الأسود الدولى لأولاده: قد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا، حيث اخترت لكم أما لا تسبون بها، فجناية الآباء تصيب الأبناء فى مثل هذه الأمور الدنيوية (10/14) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:32 am | |
| المرأة على منصب القضاء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم تولية المرأة للقضاء؟
الجواب فى تولى المرأة للقضاء ثلاثة آراء: الرأى الأول: وهو رأى الجمهور وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد، أنه لا يجوز، بناء على حديث رواه البخارى وغيره "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لأن منعها من القضاء أولى من منعها من الولاية العامة، قال ابن حجر فى " فتح البارى ": وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة فى القاضى إلا عند الحنفية، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير. الرأى الثانى: جوازه مطلقا فى كل الأمور، ونسب إلى ابن جرير الطبرى، بحجة أن الأصل أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى، ورد بأن شهادتها إذا كانت على النصف من شهادة الرجل بنص القرآن فهى لا تستقل بالحكم الذى هو نتيجة الشهادة، وعلق الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية " على هذا الرأى بقوله: ولا اعتبار بقول يرده إجماع، هذا ونص أبو بكر بن العربى على أن نسبة هذا القول إلى ابن جرير كاذبة، كما قال الشيخ محمد الخضر حسين "الأهرام 27/ 6/1953" وانظر تفسير القرطبى ج 12 ص 184. الرأى الثالث: جواز قضائها فيما تصح فيه شهادتها، وذلك فى غير الجنايات التى فيها حدود، وهو منسوب لأبى حنيفة. وقال أبو بكر بن العربى: مراد أبى حنيفة ولايتها فى جزئية لا أن يصدر لها (مرسوم) بولاية القضاء العام. ووضح بعضهم رأى أبى حنيفة بقوله: هناك مسألتان: أولاهما: تولية منصب القضاء وهو غير جائز، وذلك كرأى الجمهور. وثانيهما: نفاذ حكمها لو وليت. فقالوا: إذا أثم الحاكم فى توليتها فحكمت فإن حكمها ينفذ إلا فى الأمور التى لا تصح شهادتها فيها، وهى الحدود والقصاص " فتح القدير للكمال بن الهمام جـ 5 ص 486 " وأختار رأى الجمهور، وأنصح المرأة أن تبعد عن هذه المجالات الدقيقة المحتاجة إلى فكر عميق ودراسة واعية ووقت طويل، وهى بطبيعتها ومهمتها الأساسية تتحمل ما لا يطاق، مع عدم وجود ضرورة تدعو إلى المزاحمة فى هذا المجال فالجديرون به كثير، والمجالات الأخرى المناسبة لها كثيرة وفى غاية الأهمية، ولا يصلح المجتمع إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، أما إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضُيِّعت الأمانة وقربت الساعة (10/15) ________________________________________ توارث الزوجين بالعقد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال عقد رجل قرانه على فتاة، وتوفى قبل الدخول بها، فكيف يكون ميراثها، وهل يحق لها أن ترث فى المعاش المستحق له فى التأمينات الاجتماعية، وهل يحق لابنه الزواج منها؟
الجواب ما دام عقد الزواج قد تم فكل من الزوجين يرث الآخر عند الموت سواء كان قبل الدخول أو بعده، أما المعاش فله نظام خاص وإذا لم يعين المتوفى من يستفيد من معاشه يوزع كالميراث. وليس لابنه أن يتزوج منها لأنها زوجة أبيه بمجرد العقد، قال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} النساء: 22، ويدخل فى النكاح هنا الزواج بلا وطء (10/16) ________________________________________ ملابس الحداد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يوجد نص فى الدين الإسلامى يشير إلى ضرورة ارتداء الملابس السوداء حدادا عند حدوث حالة وفاة؟
الجواب الحزن على الميت شىء طبيعى أقره الدين الإسلامى ومن مظاهره الامتناع عن الزينة بالعطور وبالأصباغ سواء فى البدن أو فى الملابس، وهذا الامتناع واجب على المرأة عند وفاة زوجها حتى تضع الحمل إن كانت حاملا، وحتى تنتهى أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وحرام على غير زوجها كأبيها وابنها أكثر من ثلاثة أيام، وهذا الامتناع يطلق عليه اسم الحداد أو الإحداد. وهو غير جائز للرجال بل هو خاص بالنساء، جاء فى البخارى ومسلم أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة -أى طيب فيه لون كالخلوق المعروف عندهم- فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها -أى صفحتى وجهها- ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا". ومن مظاهر الإحداد بالنسبة للملابس الامتناع عن لبس ما يتنافى مع الحزن، وذلك يختلف فى الشكل واللون والنوع باختلاف الأعراف، وقد ذكرت كتب التاريخ والرحلات أن الملابس البيضاء هى المختارة للحداد فى بعض البلاد. والنبى صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا لما كان عند العرب فنهى عن الثوب المصبوغ بالعصفر لأنه من ملابس الزينة التى لا تتناسب مع الحداد. وإذا كان اللون الأسود فى الثياب هو المختار فى بعض البلاد للحداد فليس ذلك لوجود نص عليه فى الدين، وإنما هو راجع للعرف والعادة، وقد ذكر الإمام السيوطى فى كتابه "الأوائل" أن أول ما لبس العباسيون السواد حين قتل مروانُ الأموى إبراهيمَ الإمام الذى ادعى الخلافة، وصار السواد شعارا لهم، وقيل إن المصريين اختاروا الملابس السوداء للحزن حدادا على شهداء الأقباط فى عصر "دقلديانوس" حيث ذبح مائة وثمانين ألف مسيحى فى يوم واحد، فلبست نساؤهم الملابس السوداء. والخلاصة أنه لا يوجد نص دينى فى القرآن والسنة يشير إلى ارتداء الملابس السوداء حدادا على المتوفى، وإنما الموجود هو النهى عن الملابس التى تتنافى مع الحزن، ويُترك تحديد ذلك للعرف، مع التنبيه على أن الحداد خاص بالنساء وجوبا لفقد الزوج، وجوازا لفقد أى قريب آخر، ولا حداد للرجل فعقله أقوى من عاطفته (10/17) ________________________________________ عدة الفراق والإحداد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى المدة التى تنتظرها الزوجة بعد فراق زوجها لتتزوج غيره؟ وما هو المطلوب منها حال العدة؟
الجواب يقول الله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} البقرة: 228، ويقول {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} الأحزاب: 49، وقال تعالى {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234. العدة مدة تتربص فيها المرأة ولا تتزوج حتى تنتهى، وذلك عند انتهاء الحياة الزوجية، وانتهاؤها يكون بالفراق أو الموت. فإذا حصل فراق بالطلاق إن كان قبل الدخول فلا عدة على الزوجة، وإن كان بعد الدخول وجبت العدة وهى ثلاثة قروء، أى أطهار أو حيضات على خلاف للفقهاء فى معنى القرء، وذلك إن كانت ممن تحيض، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض كالصغيرة والآيسة، وإن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل، وإذا حصل الفراق بموت الزوجة فلا عدة على الرجل عند الجمهور، وإذا حصل بموته كانت عدة الحامل وضع الحمل، يعنى تنتهى بوضع الحمل، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام. وذلك من أجل التأكد من براءة الرحم والوفاء للحياة الزوجية والعشرة السابقة. والفراق يلزمه الإحداد وهو الامتناع عن الزينة مدة العدة، وعدة الوفاة مجمع على وجوب الإحداد فيها، أما عدة الطلاق فالإحداد فيها اختلفت الأقوال فيه، ما بين الوجوب وعدمه، وما بين الوجوب فى الطلاق البائن وعدمه فى الرجعى. ومظاهر الإحداد الامتناع عن كل ما يتنافى عقلا وشرعا وعرفا مع الحزن والأسف على الفراق، وذلك كالطيب والأصباغ والمساحيق والاكتحال وما إلى ذلك مما كانت تتجمل به لزوجها حال حياته، جاء فى سنن أبى داود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة. .. ولا تكتحل ولا تختضب "، إلا إذا كانت هناك ضرورة لما منعت منه فى مثل الدواء. وهذا الإحداد الواجب هو على موت الزوج فقط، أما على موت غيره من أب أو أخ أو ابن مثلا فلا يجب هذا الإحداد، وإنما يجوز لها لمدة ثلاثة أيام فقط، ويمتنع أكثر من ذلك، بدليل ما ورد فى الصحيحين أن زينب بنت أم سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبى حين توفى والدها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره، فدهنت به جارية، ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" وفى هذا دليل على حرمة ما تلتزم به النساء من الحزن والإحداد على موت غير الزوج عاما أو أعواما وإذا حرم على المرأة حرم على الرجل، فليس عليه إحداد لموت أحد لا زوجته ولا غيرها. وبهذه المناسبة نقول: إن تجديد الحزن بعد موت الميت بخمسة عشر يوما أو أربعين يوما إو إقامة الميعاد السنوى وغير ذلك ليس من الدين فى شىء، فالتعزية بعد ثلاثة أيام غير مشروعة، وأكثر هذه المظاهر ميراث فرعونى قديم (تاريخ الحضارة المصرية للدكتور مراد كامل ج 2 ص 291.) وكذلك عادة المبيت فى القبور وكسر أوانى الفخار عقب خروج الجنازة حتى لا تعود روحه وذبح الثور عند القبر (المرجع نفسه ج اص 234.) (10/18) ________________________________________ العدة بين الرجل والمرأة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل للرجل المطلق عدة كما للمرأة؟
الجواب العدة مشروعة للمرأة للتأكد من براءة رحمها إذا كانت مطلقة وللإحداد على زوجها إذا كان متوفى عنها، والأيات كلها تتحدث عن عدة المرأة. {والمطلقات يتربصن بأنفسض ثلاثة قروء} البقرة: 228، {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} الطلاق:1، {واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الطلاق: 4، {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} البقرة: 234. فالمرأة لا يجوز لها أن تتزوج غير زوجها إذا كانت فى العدة، كما قال تعالى: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} البقرة: 235. فإذا كان الطلاق رجعيا ولم تنته العدة جاز للرجل أن يعيدها إلى عصمته بالرجعة قولا أو فعلا. وما يقال إن على الرجل عدة فذلك ليس بعدة شرعية واجبة عليه، وإنما هى عدة المرأة، غاية الأمر أن الرجل المطلق لا يجوز له أن يتزوج أخت المطلقة ولا عمتها ولا خالتها ما دامت زوجته المطلقة طلاقا رجعيا لم تنته عدتها، لأنها فى حكم الزوجة، وكذلك لو كان متزوجا بأربع نسوة ثم طلق إحداهن طلاقا رجعيا لا يجوز له أن يتزوج خامسة حتى تنتهى عدتها. فمنعه من الزواج فى هاتين الحالتين حتى تنتهى عدة المرأة، يطلق عليه بعض الناس أن الرجل عليه عدة، وليس كذلك، إنما هو انتظار منه حتى تنتهى عدة المرأة (10/19) ________________________________________ مزاحمة الرجال النساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "لأن يزحم أحدكم خنزيرا متلطخا بالطين خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له "؟
الجواب هذا حديث رواه الطبرانى عن أبى أمامة وقال عنه: إنه غريب، أى رواه راو واحد، وظاهر الحديث أن المزاحمة بالمناكب مع سترها ممنوعة فكيف إذا كانت غير مستورة؟ والحديث يدل على خطر الاحتكاك بين الجنسين بأية وسيلة من الوسائل، فهو يؤدى إلى الفحشاء التى وضع الإسلام لها احتياطات كثيرة، كغض البصر وعدم الكلام اللين وعدم الخلوة. ويؤيد ذلك حديث "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من ان يمس امرأة لا تحل له " رواه الطبرانى والبيهقى عن معقل ابن يسار، ورجال الطبرانى ثقات رجال الصحيح (10/20) ________________________________________ القواعد من النساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما المراد بالقواعد من النساء المذكورات فى القرآن الكريم؟
الجواب سورة النور نزلت فيها أحكام كثيرة خاصة بالمحافظة على الأعراض، من وضع عقوبات رادعة للتعدى عليها، ومن آداب تتبع للوقاية من الوقوع فى الفاحشة المنكرة، وقد أمر الله فيها ألا يبدى النساء زينتهن إلا ما ظهر منها، وأن يضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الداخلية التى من شأنها أن تستر -إلا لجماعة مخصوصين لا يخشى منهم السوء غالبا، كالمحارم- وكل ذلك للحفاظ على المرأة وعلى سمعتها وسمعة أهلها، وبعدا بالمجتمع عن الفوضى والفساد. والمرأة يجب عليها ستر كل جسمها عن الأجانب بما لا يصف ولا يشف، مع آراء فى كشف الوجه والكفين عند عدم الفتنة، وكل ذلك فى الشابة أو غير المتقدمة فى السن. أما العجوز فقد جاء فيها قوله تعالى {والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم} النور:65. والقواعد جمع قاعد، وهى العجوز التى قعدت عن التصرف من أجل كبر السن، وقعدت عن الولد والعادة الشهرية كما قال أكثر العلماء، وقال ربيعة: هى التى إذا رأيتها تستقذرها من كبرها. ومعنى وضع الثياب: خلعها، والمراد أن العجوز لا حرج عليها فى أن تتخفف من بعض ثيابها الكثيفة التى كانت معتادة عند الخروج لزيادة التصون والستر، بمعنى أنه يجوز لها أن تخلع خمارها الذى يستر رأسها، أولا لثقله عليها وهى المسنة، وثانيا لأن شيب شعرها لا يفتن من يقع نظره عليه، وبخاصة أنها فى الغالب ملازمة للبيت لا تخرج منه لغير ضرورة، وقد يدخل رجل أجنبى فلا عليها أن يرى بعض شعرها، ومع ذلك فالاستعفاف بدوام الستر أفضل، وكل هذا بشرط ألا يكون هناك تبرج وظهور بالزينة المغرية، كوضع أصباغ وغيرها من أجل لفت الأنظار إليها على الرغم من كبر سنها، فإن ذلك حرام لسوء القصد. ومع ذلك فقد قال بعض العلماء: إن العجوز كالشابة فى وجوب الستر الكامل، ومعنى وضع ثيابها هو خلع الجلباب أو العباءة التى فوق غطاء الرأس للتخفيف مع بقاء الرأس مستورا، ومهما يكن من شىء فليكن هناك حساب للفتنة وحساب للقصد والنية وأثر التطور والظروف فى ذلك (10/21) ________________________________________ المرأة والانتخاب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية؟
الجواب من ضمن ما حصلت عليه المرأة المسلمة حديثا حق إعطاء صوتها لمن يرشح لبعض المجالس، فى ظل الحكم الديمقراطى، وليس فى إعطائها هذا الحق أو ممارسته ما يمنعه شرعا، وبخاصة إذا طلب منها ذلك، فهو لا يعدو أن يكون شهادة بصلاحية شخص أو عدم صلاحيته، وقضية التواصى بالحق والتناصح تؤكد هذا الحق. لكن العلماء اشترطوا فيمن يختارون الخليفة: العدالة الجامعة لشروطها، والعلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها، والرأى والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح للامامة وبتدبير المصالح أقوم وأعرف. وإذا كانت هذه الشروط لم تتحقق حتى فى الرجال، حيث إن الانتخاب فى الدساتير المعمول بها فى كثير من البلاد الإسلامية لا يحتم وجودها، فهل يمكن أن تتحقق فى النساء؟ وإذا أمكن أن تتحقق فهل يوجد ذلك فى عالم الواقع، ذلك يحتاج إلى نظر. "الأحكام السلطانية للماوردى ص 6 ". أقول هذا لأن الدساتير الحالية تعطى حق الترشيح لمن أعطى حق التصويت، فلو أن الأمر اقتصر على إعطاء صوتها إذا وجدت فيها المواصفات التى ذكرها الماوردى ما كان هناك اعتراض، لكن الذين ينادون بإعطائها هذا الحق يربطون بينه وبين حق الترشيح لتمثيل الشعب فى المجالس التشريعية، وبالتالى إذا اشتركت فى انتخاب الإمام أو الحاكم جاز لها الترشيح لهذا المنصب، فالتصويت سلم للترشيح، والقوانين الوضعية لا تلتزم حدود الدين فى الوقوف عند منح امتياز معين. ومن هنا لا يجوز القول بجواز تصويتها لأنه وسيلة إلى ممنوع، كما قررته لجنة الفتوى بالأزهر ونشر فى المجلة فى يونية 1952 م، ونصها مذكور فى ص 448 من الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، وجاء فيها: أن وسيلة الشىء تأخذ حكمه، وأن حركة عائشة ضد على رضى الله عنه لا تعد تشريعا وقد خالفها فيها كثيرون، وأن مبايعة النساء للنبى لا تثبت زعامة ولا رياسة ولا حكما للرسول، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين ثم ذكرت اللجنة عدم جواز ترشيح المرأة للمجالس التشريعية، لأن فيه معنى الولاية العامة وهى ممنوعة بحديث البخارى وغيره: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا ما فهمه أصحاب الرسول وجميع أئمة السلف، ووضحت المبررات لذلك، ثم ذكرت أن منع المرأة من التصويت والترشيح لم ينظر فيه إلى شىء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين، أما ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير إلى نهايته فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك، مما نشفق على المرأة أن تزج بنفسها فيها، ويجب تقدير الأمور وتقدير الأحكام على أساس الواقع الذى لا ينبغى إغفاله أو التغافل عنه. هذا ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1952، فهل يقبل فى هذه الأيام أو يرفض؟ وهل للمادة الثانية فى الدستور المصرى اعتبار فى التشريع؟ (10/22) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:34 am | |
| الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال خطبنى شاب فوافق أبى عليه وقرأ الفاتحة معه،ثم تبين أنه ليس على ما كنا نظن فيه، فهل يجوز نقض الفاتحة وفسخ الخطبة أم أن ذلك حرام؟
الجواب الوعد بالزواج لا يلزم الوفاء به، وبخاصة إذا ظهر ما يبرره، وفترة الخطبة فترة اختبار وامتحان واستطلاع، لا تترتب عليها حقوق، ويجوز لكل من الطرفين أن يعدل عن الوعد على الرغم من قراءة الفاتحة، فالفاتحة ليست عقدا، ولكن قراءتها من باب التبرك بها. ومهما يكن من شىء فإن الوفاء بالوعد -كما قال ابن حجرالهيتمى فى كتابه "الزواجر" الجزء الأول ص 109- مندوب عند الشافعية وليس بواجب، ومخالفة المندوب جائزة ليست حرمة ولا عقوبة عليها، والنصوص الواردة بالأمر بالوفاء هى فى العهود والعقود، والفرق بينهما وبين الوعود يرجع فيه إلى الكتاب المذكور (10/23) ________________________________________ زواج المسلم بالكتابية فى الكنيسة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى بعض البلاد غير الإسلامية يصرون على أن المسلم لو تزوج بكتابية فلا بد من عقد الزواج بالكنيسة، فهل يعتبر ذلك حراما، مع أنه لم ينطق بكلمة مما يقوله القسيس؟
الجواب إذا تم زواج المسلم بالمسيحية على الطريقة المدنية - بإيجاب وقبول وحضور شاهدين مسلمين كان الزواج صحيحا شرعا، أما إجراوه فى الكنيسة على الطريقة المعهودة عندهم فلا يصح، وإذا تحتم العقد فى الكنيسة فليكن بعد إجراء العقد على الطريقة الشرعية فى أى مكان آخر، وإلا فليكن العقد بعد الانتهاء من إجراءات الكنيسة، أما إذا لم يتحتم العقد فى الكنيسة فلا حاجة إلى الذهاب إليها والعقد بها. "الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1927 " (10/24) ________________________________________ عقد الزواج فى شهر المحرم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس إن عقد الزواج فى شهر المحرم حرام أو شؤم، فهل هذا صحيح؟
الجواب روى البخارى من طريق عروة أن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: تزوجنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شوال، وبنى بى فى شوال، فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى؟ قال عروة: وكانت عائشة تستحب أن تُدخل نساءَها فى شوال. لقد حرص كثير من الناس على تحرى عقد الزواج فى يوم معين من الأسبوع، أو شهر معين من السنة، تحريا يترتب عليه أحيانا نزاع أو تشاؤم ورجم بالغيب عن فشل الزواج إن خولف فيه المعتاد من هذه الأوقات. وهذه عادة جاهلية ترد على بطلانها السيدة عائشة بهذا الحديث، فقد كانوا يتطيرون أى يتشاءمون من شهر شوال، لما فى اسمه من معنى الإشالة والرفع، فيقال عندهم: شال لبن الناقة أى ارتفع وقَلَّ، ويقال: شالت الناقة بذنبها إذا امتنعت عن الفحل أن يطرقها. فهم يخافون أن تمتنع الزوجة عن زوجها إذا أرادها، ويقال: شالت نعامتهم إذا ماتوا وتفرقوا، والنعامة يراد بها الجماعة، فالمهم أنهم كانوا يتطيرون بهذا الشهر ويمتنعون عن الزواج فيه. وقد ذكرت كتب السيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم عقد لفاطمة بنته عَلَى عِلىٍّ بن أبى طالب بعد بنائه بعائشة بأربعة أشهر ونصف الشهر، وحيث قد علمنا أن زواجه وبناءه بعائشة كان فى شوال فيكون زواج فاطمة فى شهر صفر، وذكر بعضهم أنه كان فى أوائل المحرم. ومهما يكن من شىء فلا ينبغى التشاؤم بالعقد فى أى يوم ولا فى أى شهر، لا فى شوال ولا فى المحرم ولا فى صفر ولا فى غير ذلك، حيث لم يرد نص يمنع الزواج فى أى وقت من الأوقات ما عدا الإحرام بالحج أو العمرة (10/25) ________________________________________ سكن المطلق مع مطلقته
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال رجل طلق زوجته طلاقا بائنا ولم يجد مسكنا لأولاده حيث ستكون هى حاضنة لهم، إلا السكن الذى هو فيه، فهل يجوز أن يسكن هو فى هذا البيت أم لا بد من الفصل بينه وبينها بمسكن آخر؟
الجواب إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبية عن زوجها فى بعض الأحكام. وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى أو كبرى فلا يحل له أن يتمتع بها بأى نوع من أنواع التمتع بل يحرم عليه أن يختلى بها أو ينظر إلى غير وجهها وكفيها، أما إذا كان الطلاق رجعيا فله كل ذلك ما دامت فى العدة، لأنها فى حكم الزوجة. ومن المقرر شرعا أن المطلقة طلاقا بائنا لها الحق فى حضانة أولادها الصغار ما لم تتزوج، ونفقتهم ونفقة حضانتها على أبيهم، ومن النفقة إعداد المسكن اللائق لذلك، وهو مسكن لها ولا صلة للمطلق به. فإن لم يجد لها مسكنا أو لم يجد هو لنفسه مسكنا يستقل فيه بعيدا عن مسكنها فلولى الأمر تمكينه من البقاء فى مسكن الزوجية السابقة، وذلك بصفة مؤقتة - نظرا لأزمة المساكن فى بعض البلاد- حتى يجعل الله له من بعد عسر يسرا، على شرط أن يكون وجوده فى هذا المسكن المشترك كالرجل الغريب تماما عنها، وذلك من حيث حرمة النظر والخلوة والملامسة وغيرها. فلكل منهما غرفة أو جزء من المسكن مستقل، كأنهما نازلان فى فندق، وإن كان الالتزام بذلك صعبا جدا. وهذا -كما قلت- إجراء مؤقت حتى يستقل كل منهما بمسكن، وللضرورة أحكام ولا تظهر هذه الصعوبة إلا إذا كان هناك أولاد يحق لها حضانتهم، التى قد تستمر سنوات طوالا، أما إذا لم يوجد أولاد للحضانة فالأمر سهل، وهذا إجراء يجب أن يعطينا درسا فى التفكير أكثر من مرة عند الزواج وعند الطلاق. "انظر فتوى الشيخ أحمد هريدى سنة 1965 فى الفتاوى الإسلامية- المجلد السادس ص 2200" (10/26) ________________________________________ الزوجة تكون فى الجنة لآخر أزواجها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال تزوجت امرأة فى حياتها أكثر من زوج، أحدهم بعد الآخر، فإذا ماتت ستكون زوجة للأول أم للآخر؟
الجواب هناك رأيان للعلماء فى ذلك، رأى يقول: إنها لآخر أزواجها، ودليله أن هجيمة بنت حُيى الأوصابية أم الدرداء الصغرى خطبها معاوية بن أبى سفيان، فأبت وقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرأة لآخر أزواجها" ولست أريد بأبى الدرداء بديلا، وهو حديث صحيح رواه الطبرانى وأبو يعلى برجال ثقات ولفظه: "أيما امرأة توفى عنها زوجها فتزوجت بعده فهى لآخر أزواجها" "المطالب العالية لابن حجر ج 2 ص 67، والجامع الصغير". وكما فعلت أم الدرداء فعلت زوجة حذيفة "تفسير القرطبى سورة الأحزاب ص 229". ورأى يقول: إنها ستكون لأحسنهم خلقا، وإن خيرت بينهم اختارته، واستأنس هذا الرأى بحديث رواه الطبرانى فى معجمه الكبير، عن أنس قال: قالت أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت المرأة يكون لها زوجان فى الدنيا فتموت ويموتان ويدخلون الجنة، لأيهما تكون؟ قال "لأحسنهما خلقا كان عندها فى الدنيا، يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخيرى الدنيا والآخرة" إحياء علوم الدين ج 3 ص 45، فلنترك الأمر إلى الله، فهو من المغيبات التى لا نلتزم فى اعتقادها إلا بخبر قاطع فى ثبوته ودلالته، ولعل القول بأنها تكون لأحسنهم خلقا أنسب لما تكون عليه الجنة من نعيم عظيم لا غل فيه ولا هم ولا حزن (10/27) ________________________________________ نفقة علاج الزوجة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجب على الزوج نفقة علاج زوجته، أم أن النفقة عليها هى؟
الجواب قال الله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} النساء: 19 وقال صلى الله علية وسلم "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. " رواه مسلم، وحذر من التقصير فى ذلك فقال "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يَقُوت " رواه أبو داود وروى مثله مسلم. وقد فصل العلماء هذه المعاشرة المطلوبة وأنواع النفقة اللازمة، من غذاء وكساء ومسكن ومتعة وخدمة، وما يعتاد فى المواسم والمناسبات "يراجع الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 203". ومن جهة علاجها قال الذين أوجبوا لها ما تطلبه الحامل أثناء الوحم، بوجوب علاجها من المرض، فإن المرض له دخل كبير فى التأثير على تمتعه بها، وعلاجها فهو من المعاشرة بالمعرف، وللفقهاء اجتهاد فى ذلك. وفقهاء الشافعية "الإقناع للخطيب ج 2 ص 191 " لا يوجبون على الزوج ثمن الدواء ولا أجر الطبيب، متعللين بأن ذلك لحفظ الأصل ولا صلة له به، وكيف يقال ذلك والمرض مانع أو منغص على الزوج متعته وما يلزمها وما تقوم به الزوجة من واجبات الأسرة؟ مثل الشافعية قال الحنابلة "معجم المغنى ص 970 ". وفى القانون المصرى للأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979 م نصت المادة 2/ 4 على أن النفقة تشمل الغذاء والكساء والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقض به العرف "الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص 1387 ". وتجهيزها من الموت إلى الدفن بدون إسراف ولا تبذير يكون على الزوج كما ذهب إليه أبو يوسف من الأحناف، وصدر به قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 " مادة 4 " الفتاوى الإسلامية - المجلد الخامس ص 1938 (10/28) ________________________________________ طلاق زوجة الغائب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى شاب عقد قرانه علي ابنة عمه وسافر إلي الخارج منذ خمس سنوات ولم يدخل بها، وفى كل عام يرسل خطابا يقول إنه سوف يحضر ثم لا يحضر فهل لها حق الطلاق؟
الجواب إذا غاب الزوج ولم تصبر الزوجة ولم تتحمل وخيف عليها من السوء كان لها أن تطلب التفريق، ويجيبها القاضى إلى مطلبها بطلاق بائن، بعد عمل الإجراءات اللازمة. واختلف أصحاب الإمام مالك القائلون بذلك فى الحد الأدنى للغيبة التى تعتبر إضرارا بالزوجة وتسوغ لها طلب التفريق، فقدَرها بعضهم بثلاث سنين، وقدرها آخرون بسنة، وبهذا الرأى جاء القانون رقم 25 لسنة 1929م كما يلى: مادة (12) -إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضى طلاقها بائنا إذا تضررت من بُعده عنها ولو كان له مال يستطيع الإنفاق منه. مادة (13) - إذا أمكن وصول الرسائل إلى الغائب وضرب له أجلا وأعذر إليه بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها أو ينقلها إليه - فإذا انقضى الأجل ولم يفعل ولا يُبد عذرا مقبولا فرق القاضى بينهما بتطليقة بائنة، وإن لم يمكن وصول الرسائل إلى الغائب طلقها القاضى عليه بلا إعذار وضرب أجل (10/29) ________________________________________ عقد الزواج بالإشارة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى حاله زواج مسلم من كتابية لا تتحدث باللغة العربية وليس لها ولى، هل يكتفى بأخذ موافقتها فقط بالإشارة كالإيماء برأسها، أم أخذ شهادة اثنين من أهل الكتاب حيث لا يوجد شهود مسلمون؟
الجواب جمهور الفقهاء على أنه لا يشترط فى عقد الزواج أن يكون باللغة العربية، بل يصح باللغة التى يفهم بها كل طرف ما يقوله الطرف الآخر. أما الولى فهو ضرورى عند الجمهور، وعند الحنفية يجوز للمرأة الرشيدة أن تزوج نفسها بدون ولى. والقادر على الكلام لا يصح عقد زواجه بالكتابة فقط ولا بالإشارة وحدها، أما العاجز عن الكلام فإن كان لا يحسن الكتابة ينعقد الزواج بالإشارة المعروفة، لأنه لا سبيل إلى التعبير عن إرادته إلا بها. أما إن كان يحسن الكتابة فعند أبى حنيفة روايتان: الأولى- يصح العقد، لأن المقصود معرفة الغرض بأية وسيلة، ويستوى فى ذلك الإشارة والكتابة، والرواية الثانية: لا يصح العقد بالإشارة ولا بد من الكتابة، والعمل فى مصر على الرواية الثانية. وإذا لم يتيسر وجود شاهدين مسلمين صح العقد بشاهدين كتابيين عند أبى حنيفة وأبى يوسف، ولا يصح عند الأئمة الثلاثة ومحمد بن الحسن ونفر من الحنفية، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وأبى يوسف "أحكام الأسرة فى الإسلام ص 102، 104، 105، 128" (10/30) ________________________________________ الاختلاط فى العمل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى العمل بالشركات مع الرجال والنساء الأجانب غير الملتزمات بالملابس التى تراعى الآداب والأخلاقيات، وإذا لم أجد عملا إلا فى هذا الجو فماذا أفعل؟
الجواب العمل بأية مؤسسة فيها رجال ونساء مثل المشى فى الطرقات وارتياد الأسواق والاجتماعات العامة، وعلى كل جنس أن يلتزم بالآداب الموضوعة فى الشريعة، التى من أهمها ما جاء فى قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} النور: 30، وقوله: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن. . .} النور: 31، وما جاء فى السنة النبوية من عدم الخلوة المريبة والملامسة المثيرة والكلام الخاضع والعطر النفاذ والتزاحم إلى غير ذلك من الآداب. ومع حفاظ كل جنس على الآداب المطلوبة عليه أن يوجه من يخالفها، من منطلق قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة: 71، وذلك بأسلوب حكيم يرجى منه الأمثال، أو على الأقل تبرأ به ذمته من وجوب الوعظ على كل حال كما قال تعالى: {واذ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} الأعراف: 164. ولا يجوز السكوت على مخالفة الآداب اعتمادا على قوله تعالى {عليكم أنفسكم. لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} المائدة: 105، فالاهتداء لا يكون إلا بعد القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما جاء فى نصوص أخرى، وإن لم ينتج النصح ثمرة وجب الإنكار بالقلب، وهو يظهر فى معاملة المخالفين معاملة تشعرهم بعدم الرضا عنهم، فقد يفكرون فى تعديل سلوكهم. ومن العسير أن يترك الإنسان العمل فى مثل هذا المجال المختلط، فالمجالات كلها أو أكثرها فيها هذا الاختلاط، سواء على المستوى المحلى أو العالمى، فعلى من يلجا إلى هذا العمل أن يلتزم بالآداب مع القيام بواجب النصح بالحكمة والموعظة الحسنة (10/31) ________________________________________ المرأة رئيسة فى العمل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أن تكون المرأة رئيسة على الرجل فى العمل مع أن الله يقول {الرجال قوامون على النساء} ؟
الجواب رئاسة المرأة للرجل فى أى عمل لا تكون ممنوعة إلا فى الرئاسة أو الولاية العامة التى جاء فيها الحديث الصحيح "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخارى وغيره. وذلك أمر اتفق عليه العلماء، لخطورة هذه الولاية وحاجتها إلى مواصفات عالية فيمن يتولاها، وبدون نقاش "الرجال اقدر من النساء فى هذا المجال " وليس هذا تحيزا أو تعصبا، فالحياة أساسها التعاون ولا يتم الخير إلا بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، كما سبق أن ذكرناه فى حق المرأة فى العمل. وآية {الرجال قوامون على النساء} النساء: 34 تفيد معنى المسئولية الواجبة على الرجال نحو النساء إن كن بنات أو زوجات بالذات، وذلك لوجوب الإنفاق والرعاية، ومؤهلات هذه المنزلة مذكورة فى الآية نفسها، {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} والواجب هو الاعتراف بالواقع الفعلى الذى خلق عليه الرجل والمرأة وبالنصوص المؤكدة لذلك. ومهما أعطى من معنى "القوامة" بأنها رئاسة أو غيرها فإن المرأة لا تمنع منها إلا كما قلت فى الولاية العامة، وبشرط أن تكون محافظة على جميع الآداب الشرعية عند خروجها لأى عمل من الأعمال، حفاظا عليها وعلى غيرها مما لا يمكن تجامله. والرئاسة فى الأعمال الأخرى مدارها على الكفاية والخبرة والأمانة التى لخصها سيدنا يوسف فى قوله {قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم} يوسف:55، وأشارت بها بنت شعيب عليه لاستئجار موسى {إن خير من استأجرت القوى الأمين} القصص: 26. والنصوص فى شرط الكفاءة فى مزاولة أى عمل كثيرة، يستوى فى ذلك الرجل والمرأة وفى الحديث "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قيل: وكيف إضاعتها؟ قال "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" رواه البخارى (10/32) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:36 am | |
| المرأة وكحل العين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للمرأة أن تخرج وهى مكحلة العينين يراها الأجانب؟
الجواب كان الكحل معروفا عند العرب قبل الإسلام، يستعمله الرجل والنساء للدواء والزينة، والإسلام فى احتياطه لصيانة الأعراض ومنع الفتنة أمر بالامتناع عن كل ما يغرى بالسوء، وأمر المرأة بالذات بستر مفاتنها فقال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} النور: 31، والظاهر المعفو عنه فيه خلاف للمفسرين، يقول القرطبى: الزينة قسمان، خلقية ومكتسبة، فالخلقية وجهها، والمكتسبة كالثياب والحلى والخضاب والكحل، ومنه قوله تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف: 31، وعلى هذا فالكحل فى العينين من الزينة الظاهرة المعفو عنها، وذلك للحاجة إلى كشف العينين بالذات تبعا لكشف الوجه الذى جاء الترخيص به وبكشف الكفين. غير أنى أنبه إلى أن الكحل إذا كان زينة معفوا عن إبدائها فالمراد به ما لا يكون مبالغا فيه يلفت النظر، وما لا يقصد به الفتنة، لأن الكحل العادى قد تكون العين فى غير حاجة إليه إذا كانت جميلة بالطبيعة بما يعرف باسم "الكَحَل " أما ما يزيد على ذلك مما يتفنن فيه نساء العصر فإن المقصود منه غالبا ليس تحسين العين لذات التحسين، بل الفتنة والإعجاب بما استحدث من أصباغ ذات ظلال وألوان خاصة للجفون وما يتبعها من أهداب صناعية وغيرها، وكل هذا لا يقر الإسلام أن يطلع عليه الرجال الأجانب، إلى جانب النية التى جاء فيها الحديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" رواه البخارى ومسلم، والقياس على التعطر الذى يقصد به أن يجد الرجال ريحها وهو دليل الفساد. فليتق الله النساء فإنهن بغير زينة فتنة ما بعدها فتنة، وليحس كل رجل مسئوليته نحو أهله، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} التحريم: 6 (10/33) ________________________________________ فاطمة ورأيها فى الاختلاط
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقال إن السيدة فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم ترى وجوب الفصل بين الرجل والمرأة، فهل هذا صحيح؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن عليا رضى الله عنه سيتزوج على ابنته فاطمة لم يوافق على ذلك وقال "فاطمة بضعة منى يريبنى ما راباها ويؤذينى ما آذاها " وروى البزار والدارقطنى من حديث على رضى الله عنه أنه قال: كنت ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أى شىء خير للمرأة"؟ فسكتنا جميعا ولما رجعت سألت فاطمة فقالت: ألا ترى رجلا، ولا يراها رجل. ثم أخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "من علَّمك هذا"؟ فقلت: فاطمة قال "إنها بضعة منى" وفى بعض الروايات أن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى سألها ذلك، ولما أجابت ضمها إليه وقال "ذرية بعضها من بعض " يقول العراقى فى تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى ج 2 ص 43 إن سنده ضعيف. فالحديث وإن كان معناه صحيحا إلى حد كبير، إلا أن نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نسبة ضعيفة السند، وليس كل معنى مقبول يلزم أن يكون صادرا عمن نسب إليه، فأما كون فاطمة بضعة من أبيها عليه السلام فذلك صحيح لا شك فيه، وأما كون الرأى وهو عدم اختلاط الرجال بالنساء إلا فى أضيق الحدود، مقبولا فإن الواقع يشهد له، والأدلة فى القرآن والسنة بعمومها تؤيده، وإن كانت نسبته إلى السيدة فاطمة رضى الله عنها غير مجزوم بها. هذا، وما جاء فى الكتب المطبوعة حديثا من أن هذا الحديث صححه الترمذى وابن حبان وأخرجه الأربعة لا يطابق الواقع بعد البحث والتحرى، ويرجى تدارك ذلك فى المستقبل إن شاء الله "موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام - ج 2 ص 93 "، "الصبان على هامش مشارق الأنوار" ص 162 (10/34) ________________________________________ خضراء الدمن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هن الحديث ما يقال "إياكم وخضراء الدمن "قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال "المرأة الحسناء فى المنبت السوء"؟
الجواب هذا الحديث رواه الدارقطنى، وذكره الإمام الغزالى فى كتابه "الإحياء " ورواه العسكرى فى كتابه "الأمثال " من طريق أبى سعيد الخدرى، وقد تفرد به الواقدى. وقال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء: إنه حديث ضعيف. والدمن جمع دِمْنَة وهى-كما قال ابن الأثير فى النهاية - ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها، أى تلبده فى مرابطها، وربما نبت فيها النبات الحسن النضير. والمراد من الحديث النهى عن تزوج المرأة لمجرد الإعجاب بحسنها وجمالها دون النظر إلى دينها وخلقها، فهى تشبه النبتة الرائعة فى مظهرها ولكنها تعيش فى وسط قذر، أو تستمد جياتها من منبع غير كريم، ومثل هذه المرأة لا تؤمن الحياة الزوجية معها. وقد جاء فى حديث البخارى ومسلم "تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وهو دعاء عليه بالفقر والتصاق يده بالتراب إن لم يفعل ذلك (10/35) ________________________________________ شهادة الكتابى على زواج المسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تجوز شهادة غير المسلم على عقد زواج المسلم؟
الجواب يشترط فى الولى والشاهدين على عقد الزواج الإسلام، والأئمة متفقون على شرط الإسلام فى الولى إلا إذا كانت الزوجة كتابية، فيجوز أن يكون وليها غير مسلم. وأما فى الشهادة فالأكثرون على اشتراط الإسلام حتى لو كانت الزوجة كتابية، وأبو حنيفة وأبو يوسف أجازا أن يكون الشاهدان غير مسلمين فى هذه الحالة، ويقال: إن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان ابن عفان رضى الله هذه كان وليها أخاها "ضبا" وكان مسلما كما ذكره ابن قتيبة فى كتابة "عيون الأخبار"ج 4 ص 46. والدليل على رأى الفقهاء فى اشتراط الإسلام فى الشاهدان أن الشهادة فيها معنى الولاية، وقد قال تعال {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: 141، وهو دليل على رأى الجمهور فى اشتراطه حتى لو كانت الزوجة غير مسلمة، وذلك لمنع ولاية غير المسلم على عقد فيه مسلم. واعتمد أبو حنيفة وأبو يوسف على أن الشهادة هى على الزوجة، فلا توجد ولاية لغير مسلم على مسلم. ورده الجمهور باشتراك الزوج فى هذه الشهادة، وبأن الإشهار والإعلان لا يتحقق بين المسلمين بغير المسلمين. هذا، وعمل المحاكم المصرية على رأى أبى حنيفة وأبى يوسف (10/36) ________________________________________ بالرفاء والبنين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سعنا أنه لا يجوز أن يقال فى التهنئة بالزواج بالرفاء والبنين، فهل هذا صحيح، وما معنا هذه الكلمة؟
الجواب من السنة أن يتقدم الناس بتهنئة العروسين والدعاء لهما بالبركة، بناء على التوجيهات العامة بالمشاركة الوجدانية بين المسلمين، أى الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم، ففى سنن الترمذى وأبى داود وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تزوج الإنسان قال له "بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما فى خير " وهذا الحديث كما يقول الترمذى: حسن صحيح. ويكره عند التهنئة أن يقال: بالرفاء والبنين، كما ذكره النووى فى كتابه "الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار" ص 281، فقد تزوج عقيل ابن أبى طالب امرأة من بنى جشم ولما ذهبوا إليه ليهنئوه قالوا: بالرفاء والبنين، فقال لهم: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم بارك لهم وبارك عليهم " رواه النسائى وابن ماجه وروى أحمد مثله، وفى رواية له "لا تقولوا ذلك، قولا بارك الله لها فيك، وبارك فيها". يقول ابن الأثير فى "النهاية". الرفأ هو الالتئام والاتفاق والبركة والنماء، ومنه قولهم: رفأت الثوب رفءا، ورفوته رفوا، وإنما نهى عنه كراهية لأنه كان من عادتهم، ذكر ذلك الشوكانى فى "نيل الأوطار" وابن مفلح فى "الآداب الشرعية". والخلاصة أن الكلمة معناها جميل، لأنها دعاء بالوفاق والبركة بين الزوجين، ودعاء بذرية البنين، وهو خير، والدعاء بالخير غير ممنوع، لكن قال العلماء بكراهة هذه العبارة، لأنها كانت من عادات الجاهلية، وبخاصة الدعاء للبنين الذى يدل على ما كان عندهم من كراهية البنات، والأولى أن يقال ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم (10/37) ________________________________________ سر الزوجين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للزوج أو الزوجة أن يفشى السر الخاص بينهما لطلب مشورة أو حل مشكله؟
الجواب إفشاء السر له خطورته، وبخاصة إذا كان فى الأمور الهامة، على المستوى العام كأسرار الدول والحكومات، وعلى المستوى الخاص كأسرار الأسر والشركات والجماعات، وإفشاء السر منهى عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحقوق الغير، فى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى وحسَّنه "إذا حدَّث الرجل الحديث ثم التفت فهى أمانة" وفى تاريخ الإسلام أحداث كان إفشاء السر فيها خطيرا، من ذلك نقل حاطب بن أبى بلتعة سر مسيرة النبى وصحبه لغزو مكة، ولم يعصمه من القتل إلا أنه قد شهد بدرا، وكان قصده حسنا، ونقل بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حديثه إلى بعضهن كما قال تعالى {وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض} التحريم: 3. ومن الأسرار التى لها حرمتها ما يحصل بين الزوج وزوجته فى الخلوة الخاصة، وقد أخرج أحمد بن حنبل عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنها كانت عند الرسول والرجال والنساء قعود عنده فقال "لعل رجلا يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرمَّ القوم، أى سكتوا، فقالت يا رسول الله، إى والله إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن، فقال ما معناه: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فكان منهما ما كان والناس ينظرون " وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفض إلى المرأة وتفضى إليه، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه ". هذا فى السر الخاص، أما الأسرار الأخرى للبيوت فلا ينبغى إفشاؤها لغير من تهمهم مصلحة الأسرة من الأقارب، بل إن البيوت الكريمة تحاول أن تخفى أسرارها حتى عن أقرب الناس إليها، لأن السر إذا خرج أوغر الصدر، إلى جانب ما يترتب عليه من آثار ضارة، أقلها الشماتة عند معرفة العيوب التى يشكو منها أحد الزوجين، وكثير من الناس يتصيدون أخبار البيوت للإفساد، وللنساء فى مجالسهن الخاصة أحاديث متشعبة وخبر أم زرع بشأن النسوة اللاتى تحدثن عن أزواجهن معروف. على أنه لا بأس بإفشاء بعض الأسرار عند الحاجة بقصد الإصلاح، كما شكت هند إلى النبى تقتير زوجها أبى سفيان، وذلك عند التقاضى، أما الحديث لمن لا يرجى عنده إصلاح فممنوع، ففى حديث مسلم "ومن ستر مسلما ستر الله فى الدنيا والآخرة" ومن كتم سره كان الخيار بيده (10/38) ________________________________________ غياب الزوج عن زوجته
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يسافر بعض الأزواج إلى بلد آخر لطلب العلم أو كسب العيش ويترك زوجته وأولاده، فما موقف الدين من ذلك؟
الجواب معلوم أن الزواج شركة يتعاون فيها الزوجان على توفير الأمن والراحة والسكن لكل منهما ولمن يأتى من ذريتهما، وحتى يكون هذا التعاون نابعا من الأعماق قوى الرسوخ فى النفس ربط الله بينهما برباط وثيق هو الشهوة والعاطفة، وبخاصة حين يحسان أن ثمرة اللقاء ستكون مولودا يشبعان به عاطفة الأبوة والأمومة، ويقدمان له أعز ما عندهما ويستعذبان فى سبيل توفير الراحة والسعادة له كل صعب وشاق. وحين يبتعد أحد الزوجين عن الآخر يحس بالفراغ وينتابه القلق للاطمئنان على نصفه الآخر، ويغذى هذا الشعور أمران أحدهما يحتاجه الجسد والآخر يحتاجه القلب، وإذا طال أمد البعد قوى ألم الفراق، وربما أحدث مرضا أو أمراضا، وعند طلب العلاج قد يكون الزلل إن لم يكن هناك عاصم من دين، وحصانة من أخلاق. جاء فى المأثور أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه سمع -وهو يتفقد أحوال الرعية ليلا-زوجة تنشد شعرا تشكو فيه بعد زوجها عنها لغيابه مع المجاهدين، ولولا تمسكها بدينها ووفاؤها لزوجها لانحرفت، فرقَ عمر لحالها، وقرر لكل غائب أمدا يعود بعده إلى أهله. وبالرغم من ترك الغائب لأهله النفقة اللازمة، فإن عليه حقوقا لزوجته وأولاده غير ذلك، والناس مختلفون فى الشعور بأداء هذا الحق، ولئن كان عمر جعل أمد البعد أربعة أشهر فى بعض الروايات فلعل ذلك كان مناسبا للبيئة والظروف التى ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفة، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكبار، ويختلف من زوجة فيها دين وخلق قوى إلى من ليس عندها ذلك، والزوج هو الذى يعرف ذلك ويقدره. وإذا كنت أنصح بتحمل بعض الآلام لمصلحة الأسرة ماديا فإني أنصح الزوج أيضا بألا يتمادى فى البعد، فالسعادة النفسية باللقاء على فترات متقاربة لها أثرها فى سعادة الأسرة. ويراجع فى الجز الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام توضيح حق إعفاف الزوج لزوجته (10/39) ________________________________________ عودة الزوج الغائب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى زواج امرأة بعد سفر زوجها، وانقطعت صلته بها عشر سنوات ولكنه عاد بعد زواجها بسنتين؟
الجواب إذا غاب الزوج لا يجوز للزوجة أن تتزوج إلا بعد رفع أمرها إلى القضاء ليتخذ الإجراءات اللازمة لاستدعائه أو للحكم بفقده، أما أن تتزوج هى بغير ذلك فإن زواجها باطل، وتبقى على ذمة زوجها الأول، تعود إليه عند عودته حتى لو تزوجت بغيره، لأن الزواج باطل. وإذا حكم القاضى بفقد الزوج بعد الإجراءات المعروفة ثم تزوجت وعاد زوجها فالقضاء يعيدها إلى زوجها الأول إن لم يكن الزوج الثانى قد دخل بها، فإن عاد بعد الدخول بها يخير بين أخذها وأخذ صداقها وتبقى للزوج الثانى، على تفصيل يرجع إليه فى قانون الأحوال الشخصية. والمهم أن زواجها قبل رفع الأمر للقاضى باطل، ولو عاد زوجها كان له الحق فيها دون الثانى (10/40) ________________________________________ الاستئذان بين الآباء والأبناء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الأوقات التى لا يجوز فيها دخول الأبناء على الآباء دون استئذان والأوقات التى لا يجوز فيها دخول الآباء على الأبناء؟
الجواب قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة للفجر وحتى تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاه العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم. وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم} النور: 58، 59. يؤخذ من هاتين الآيتين أن الاستئذان مطلوب من الخدم والأطفال الذين يعيشون مع الأسرة، وذلك فى الأوقات التى يغلب فيها النوم والإخلاد للراحة، بما يتبع ذلك من تخفيف الملابس وتعرض العورات للانكشاف وهى: 1 - قبل صلاة الفجر، لأنه وقت النوم المستغرق غالبا. 2 -وقت الظهيرة وتغلب فيه القيلولة والتخفيف من الملابس وطلب الراحة بالنوم. 3-بعد صلاة العشاء، لأنه وقت الاستعداد للنوم. وقد ورد عن ابن عباس أن الناس فرطوا فى هذا الأدب، وعلله بأنهم أولا كانوا لا يضعون ستورا على أبوابهم وحجالهم - مخادعهم - فربما يفاجىء الخادم أو الطفل الرجل مع أهله، لكن لما أثروا واتخذوا الستور والمخادع الخاصة تهاونوا فى الإذن، ظنا أنه لا حاجة إليه. قال المحققون: هذه الآية محكمة لم تنسخ بآية {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} النور: 59. لأن البالغ يستأذن قى كل وقت، أما الأطفال ففى هذه الأوقات الثلاثة. والآباء يدخلون على الأبناء الصغار لرعاية مصالحهم ولا حاجة إلى استئذانهم، فإذا بلغوا روعى معهم الاستئذان كما روعى استئذانهم على آبائهم (10/41) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:37 am | |
| الإيلاء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا حلف الرجل ألا يقترب من متعة من متع الحياة مثل معاشرة زوجته ولم يستطع فهل عليه كفارة؟
الجواب نعم من حلف على فعل شيء أو تركه ولم يستطيع تنفيذ ما حلف عليه وجبت عليه كفارة يمين وهى المذكورة فى قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} المائدة: 89 ولا يشترط أن تكون الأيام متتابعة. وإذا كان حلفه على الامتناع عن زوجته فذلك يعتبر إيلاء إن زاد الحلف على أربعة أشهر، فهنا يطالب بواحد من اثنين، هما: قربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة: 226، 227 أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجرى عليه حكم الإيلاء، إن رجع عن حلفه أى فاء فى هذه المدة المحلوف عليها وجبت عليه الكفارة، وإن لم يفىء فلا شىء عليه. قال عبد الله بن عباس: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون به إيذاء المرأة عند المساءة، فوقِّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمى، وذكر القرطبى "ج 3 ص 103 " فى تفسيره أن النبى صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه، لأنهن سألنه من النفقة ما ليس عنده كما فى صحيح مسلم. هذا فى الحلف على عدم قربانها، فإن امتنع بدون يمين حلفها، وذلك للإضرار بها أُمر بقربانها، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرا بها فرق القاضى بينه وبينها من غير ضرب أجل، وقيل يضرب أجل الإيلاء. وقيل لا يدخل على الرجل الإيلاء فى هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى الله فى ألا يمسكها ضرارا. هذا، والجمهور على أن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولى، لا تطلق زوجته إلا إذا طلقها، وعند أبي حنيفة تطلق ولا سبيل له عليها إلا بإذنها كالمعتدة بالشهور والأقراء، إذا انتهت فلا سبيل له عليها "تفسير القرطبى ج 3 ص 11 " (10/42) ________________________________________ المخطوبة التائبة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كيف تكفر الفتاة عن ذنوب تتعلق بجوانب أخلاقية ارتكبتها قبل زواجها، وهل لها أن تصارح من تقدم لخطبتها بتلك الذنوب أم ماذا تفعل؟
الجواب التوبة من المعصية واجبة لقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور: 31 وهى تكفر الذنوب إذا كانت نصوحا كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم. . .} التحريم: 8. والتوبة النصوح تقوم على الإقلاع عن المعصية والندم على العصيان والعزم الأكيد على عدم العود إليه، مع رد الحقوق إلى أصحابها أو تنازلهم عنها. والذنب مهما كبر فالتوبة إن شاء الله تغفره ما عدا الشرك كما قال سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48 وينبغى ألا يدخل اليأس قلب العاصى ويظن أن الله لا يغفر له، فهو القائل {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر: 53. وإذا لم تشتهر الفتاة العاصية بانحرافها ولم يعلم به إلا هى أو خاصة أهلها فلا حاجة إلى إخبار من يتقدم لخطبتها بماضيها، وقد نهى عمر رضى الله عنه رجلا أن يفضح بنته بما حدث منها عندما أراد أن يزوجها، وذلك فى الانحراف الذى لا غش فيه، فإن كان انحرافا ضاعت به بكارتها وقامت بعملية ترقيع أو إبدال فهو غش سينكشف أمره، وهنا يكون للخاطب الخيار بعد العقد فى إتمام الزواج أو فسخ العقد. ولو سألها الخاطب عن ماضيها أو عيوبها، فلا بد أن تخبره بها، ولعله إن عرف صدقها فى التوبة أنس إلى صراحتها وتزوجها. وأحذِّر ثم أحذر من يساعدون على تغطية الانحراف فى الشرف بالعمليات المعروفة وبخاصة إذا لم يكن هناك عذر لمن حدث لها ذلك، أحذرهم من القيام بهذه العمليات مهما كان الإغراء المادى، ففى ذلك تشجيع على الانحراف بضياع أعز ما يحرص عليه كل إنسان كريم (10/43) ________________________________________ عورة المسلمة مع غير المسلمة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر من جسمها شعرها وصدرها وذراعيها أمام غير المسلمة؟
الجواب إذا كان الإسلام قد أباح التعامل مع غير المسلمين بمثل قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} الممتحنة: 8 فإن لهذا التعامل حدودا لا يجوز الخروج عليها، ومن ذلك تحديد العورة التى لا يجوز كشفها من المرأة المسلمة أمام امرأة غير مسلمة مهما كانت العلاقة بينهما فهى معها كالرجل الأجنبى. يقول القرطبى فى تفسيره "ج 12 ص 233": لا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها أمام امرأة مشركة إلا أن تكون أمة لها، فذلك قوله تعالى {أو ما ملكت أيمانهن} النور: 31 وكان ابن جريج وعبادة بن نُسى وهشام القارئ يكرهون أن تقبل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها، ويتأولون {أو نسائهن} يعنى المسلمات، وقال عبادة بن نُسَىٍّ: وكتب عمر رضى الله عنه إلى أبى عبيدة بن الجراح: أنه بلغنى أن نساء أهل الذمة دخلن الحمامات مع نساء المسلمين، فامنع من ذلك وحل دونه، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة -ما يعرى منها وينكشف- قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه: وقال ابن عباس رضى الله عنهما: لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية لئلا تصفها لزوجها، وفى هذه المسألة خلاف، فإن كانت الكافرة أمة لمسلمة جاز أن تنظر إلى سيدتها، وأما غيرها فلا، لانقطاع الولاية بين أهل الكتاب وأهل الكفر لما ذكرنا (10/44) ________________________________________ استثناءات الحرمة بين الرضاعة والنسب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ورد حديث يقول "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ولكن فيه بعض مسائل مستثناة من هذه القاعدة، فما هى؟
الجواب هذا الحديث رواه البخارى ومسلم، ولكن جاء فى شرح الدردير لأقرب المسالك أن هناك ست مسائل مستثناة من هذه القاعدة وهى: 1- أم الأخ أو أم الأخت، لأنها من النسب إما أمك وإما امرأة أبيك، وكلاهما محرمتان، لكن أم الأخ من الرضاع لا تحرم وكذلك أم الأخت. 2- أم ولد ولدك من الرضاع، لأنها من النسب إما بنتك أو زوجة ولدك. 3- جدة الولد من الرضاع، لأنها إما أمك أو أم زوجتك. 4- أخت الولد من الرضاع، لأنها إما ابنتك وإما بنت زوجتك. 5- أم عمك وعمتك من الرضاع، لأنها إما جدتك أو زوجة جدك. 6- أم خالك أو خالتك من الرضاع، لأنها إما جدتك أم أمك أو زوجة جدك أبى أمك، "مجلة الإسلام - المجلد الرابع، العدد السابع عشر" (10/45) ________________________________________ الرضاع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال كم عدد الرضعات التى تحرم الزواج وهل يشترط أن يكون فى الصغر؟
الجواب هناك محرمات من النساء لا يجوز التزوج منهن، ومن أسباب التحريم الرضاع، كما قال تعالى فيمن حُرمن {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} النساء: 23 وإذا كانت الآية قد نصت على تحريم الأم والأخت من الرضاعة، فإن الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يدخل محرمات أكثر بسبب الرضاع كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وغيرهن. وقد ثبت فى الحديث الذى رواه مسلم أنه "لا تحرم المصة ولا المصتان،وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن. ومهما يكن من خلاف الفقهاء فى عدد الرضعات فإن الفتوى فى مصر على مذهب الإمام الشافعى، وهو خمس رضعات، والشرط أن يكن معلومات متيقنات، والشك لا يبنى عليه تحريم، وليس للرضعة مقدار معين كما رآه الشافعى، واشترط الفقهاء أن يكون الرضاع فى مدة الحولين، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه الترمذى وصححه "لا تحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان فى الثدى قبل الفطام " وقوله كما رواه الدارقطنى بإسناد صحيح "لا رضاع إلا فيما كان فى الحولين ". وجمهور الفقهاء على أن الرضاع بعد الحولين أو ما قاربهما لا يثبت التحريم، غير أن هناك جماعة من السلف والخلف قالوا: الرضاع يحرم ولو كان الذى رضع شيخا كبيرا، وحجتهم فى ذلك حديث رواه مسلم عن سهلة بنت سهيل التى قالت للنبى صلى الله عليه وسلم إنى أرى فى وجه أبى حذيفة وهو زوجها، من دخول سالم وهو حليفه، يعنى يغار من دخوله البيت ورؤيتها، فقال لها "أرضعيه تحرمى عليه " فقالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم وقال "قد علمت أنه كبير" وظاهر هذا أن رضاع الكبير يثبت به التحريم، وعليها أن تتصرف فى كيفية الرضاع، إما أن تحلب له اللبن ليشربه حتى لا يرى ولا يلمس شيئا من جسمها، وإما أن يكون الرضاع المباشر من ثديها ضرورة والضرورات تبيح المحظورات. وأكدت عائشة هذا الرأى لأم سلمة كما رواه مسلم، وفى رواية أبى داود أن عائشة كانت تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت هى أن يراها ويدخل عليها حتى لو كان كبيرا، لتكون عائشة عمة الرضيع أو خالته، لكن سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم لم يوافقنها على هذا الرأى، ويرين كما يرى الجمهور أن الرضاع المحرم لا يكون إلا فى الصغر، وقلن لعائشة: لعل مسألة سهيلة وسالم كانت رخصة خاصة ليست لسائر الناس. والخلاصة: أن لكل من الرأيين دليله ووجهة نظر، وقد ارتضى الفقهاء أن إرضاع الكبير لا يحرم الزواج، فلتكن عليه الفتوى (10/46) ________________________________________ التعقيم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم ربط المبايض والتعقيم كوسيلة من وسائل تنظيم النسل؟
الجواب خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما خصائص من أجل التناسل والتعاون على عمارة الأرض، وتعقيم واحد منهما معناه جعل الرجل أو المرأة عقيما لا يلد ولا يولد له، ويتم ذلك بوسائل متعددة، كان منها فى الزمن القديم سل الخصيتين من الرجل، وفى الزمن الحديث ربط الحبل المنوى، أو جراحة أو إعطاء دواء يمنع إفراز الحيوانات المنوية أو يبطل مفعولها، وتعقيم المرأة يكون بتعطيل المبيضين بجراحة أو دواء يمنع إفراز البويضات، أو بسد قناة فالوب، أو استئصال الرحم أو غير ذلك من الوسائل. وإذا جاز من الناحية الصحية أو غيرها تأجيل الحمل مدة معينة، مع بقاء الاستعداد للقدرة على الإنجاب عندما تتاح الفرصة، فإنه لا يجوز مطلقا تعطيل الجهازين تعطيلا كاملا عن أداء وظيفتهما، إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة قصوى. ففى ذلك مضادة لحكمة خلق الله للنوعين، مع ما ينتج عنه من فقد كل من الرجل أو المرأة بعض الخصائص المميزة لهما فى الصوت والشعور والإحساس وتأثير ذلك على السلوك ولو إلى حد ما. ومن هنا نهى الإسلام عن خصاء الرجل لما فى حديث البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه حيث سأل النبى صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فى الخصاء لعدم وجود ما يتزوج به وهو شاب يخاف على نفسه الوقوع فى الإثم. وكما فى حديث أحمد فى النهى عنه للغزاة الذين ليس معهم زوجاتهم، وفى قول النبى صلى الله عليه وسلم لرجل استأذنه فى الخصاء، "خصاء أمتى الصيام والقيام " رواه أحمد والطبرانى. وتعقيم المرأة كالخصاء للرجل فى الحكم وهو الحرمة، وقد قرر المختصون أن عملية الحمل ضرورية لتوازن الحيوية فى المرأة، والوقوف ضدها عناد للطبيعة، وبهذا يكون ربط المبايض حراما كما قاله جمهور الفقهاء، ومن كانت عندها أولاد تريد الاكتفاء بهم فتعقم نفسها، هل تضمن تصاريف القدر بالنسبة لهؤلاء الأولاد، مع أن هناك وسائل لتأجيل الحمل لا لمنعه، فيها مندوحة عن التورط فى أمر يكون من ورائه الندم حيث لا ينفع، وإذا كان الإمام أحمد أجاز شرب المرأة الدواء لقطع دم الحيض فلعله لغرض آخر غير التعقيم، ومع ذلك لا يصح أن يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى كتحقق الوراثة لمرض خبيث أعيا الطب علاجه، والضرورة تقدر بقدرها (10/47) ________________________________________ الجنين الحى فى بطن أم ميتة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز إخراج الجنين من بطن أمه، إذا توفيت وأثبت الأطباء أن الجنين مازال حيّا؟ وهل شق البطن فى هذه الحالة يعتبر تعديا على حرمة جسد الميت؟
الجواب قال ابن قدامة فى المغنى: والمذهب -أى الحنبلى- أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها، مسلمة كانت أو ذمية، وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة، وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجل عليه وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن، ومذهب مالك وإسحاق قريب من هذا، ويحتمل أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن أن الجنين يحيا، وهو مذهب الشافعى، لأنه -أى الشق - إتلاف جزء من الميت لإبقاء حى فجاز، كما لو خرج بعضه حيا ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق، ولأنه يشق لإخراج المال منه، فلإبقاء الحى أولى. ويرد ابن قدامة رأى الشافعى فيقول: ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة ولا يتحقق أنه يحيا، فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم،وقال النبى صلى الله عليه وسلم "كسر عظم الميت ككسره حيا" وفيه مثلة وقد نهى النبى عن المثلة اهـ. وأظن أن هذا النقل كاف للإجابة عن هذا السؤال، وقد يقبل كلام الحنابلة فى منع شق البطن إذا كانت حياة الجنين متوهمة غير راجحة أو متيقنة، أما لو أثبت الأطباء أن الجنين ما زال حيًّا فإن رأى الشافعى يكون قويا جدًا (10/48) ________________________________________ حدود الاختلاط بين الجيران
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى مقاطعة الجيران بدعوى أن الاقتصار فى الاختلاط بالآخرين عبادة؟
الجواب لا تجوز مقاطعة الجيران إلا إذا تحقق الضرر من جهتهم ولم يمكن دفعه، فإذا أمكن إصلاح الفاسد منهم وجب ذلك قيامًا بواجب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر. كما ينبغى تقديم حسن الظن وعدم التصرف بناء على وهم أو ظن غير راجح وليعلم الجميع أن الجار قد يكون أقرب وأنفع من الأقارب إذا كانوا بعيدين عن المسكن واستغاث الإنسان فلا يغيثه إلا جاره. فلتكن صلتنا بجيراننا طيبة، لادخارهم لمثل هذه الظروف، ولا يلزم من حسن الجوار كثرة الزيارات والاختلاط، فكل شىء له حد معقول لو زاد عنه قد يضر. وأقل ما يجب نحو الجار كف الأذى عنه، وما زاد على ذلك من تقديم الخير له فهو مندوب مستحب، إلا إذا كان فى حاجة أو ضرورة فالواجب تقديم ما يحتاجه ويدفع ضرورته (10/49) ________________________________________ الملابس الضيقة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى ارتداء المرأة للملابس الطويلة والحجاب، ولكنها ضيقة توضح أعضاء الجسم، وهل يعتبر هذا الزى ساترا لجسد المرأة؟
الجواب الشرط فى ملابس المرأة التى تسترها وتمنع الفتنة بها ألا تصف وألا تشف، يعنى ألا تكون ضيقة تصف أجزاء الجسم وتبرز المفاتن. وألا تكون رقيقة شفافة لا تمنع رؤية لون البشرة، ومن النصوص التى تنهى عن لبس ما يصف جسم المرأة ما رواه أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى أسامة بن زيد قبطية كثيفة، فأعطاها لامرأته فقال له "مرها أن تجعل تحتها غلالة، فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها" والقبطية لباس من صنع مصر يلتصق بالجسم،والغلالة شعار يلبس تحت الثوب. وأخرج أبو داود نحوه عن دحية الكلبى. وفى رواية للبيهقى أن عمر رضى الله عنه لما أعطى الناس الثياب القباطى نهى عن لبس النساء لها، لأنها إن لم تشف فإنها تصف. واخرج ابن سعد بسند صحيح أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما ردت ثوبا أهدى إليها من ثياب "مرو" وقيل لها: إنه لا يشف فقالت: لكنه يصف. وبهذا يعلم أن ثياب المرأة حتى لو لم تكن رقيقة شفافة، وحتى لو كانت سابغة تغطى كل جسمها حتى قدميها، لو كانت محددة لأجزاء جسمها ضيقة تبرز مفاتنها فهى محرمة، لأنها لا تحقق الحكمة من مشروعية الحجاب وهى عدم الفتنة. وأحذر من الاغترار بالإعلانات عن الأزياء الخاصة بالمحجبات فإن فيها لمسة فتنة لا تخفى على أى إنسان، والعبرة فى التنفيذ ليس بالشكل ولكن بتحقيق الهدف منه (10/50) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:37 am | |
| تعليم المرأة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى تعليم المرأة؟
الجواب التكاليف الشرعية موجهة للرجال والنساء جميعا، وإن كان أكثر النصوص فى القرآن والسنة تتحدث عن الرجل، لأنه الأصل وكل من بعده تبع له {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} النساء: 1 وفى بعض الأحيان تنزل نصوص تتحدث عن الجنسين لوجود سبب يدعو إلى ذلك، كما جاء فى رواية أحمد والنسائى أن أم سلمة قالت للرسول: ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال؟ فتلا قوله تعالى وهو على المنبر يا أيها الناس الله يقول {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى آخر الآية الأحزاب: 35، وفى رواية الترمذى أنها سألته: لِمَ لم تذكر النساء فى الهجرة؟ فنزل قوله تعالى {فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ... } إلى آخر الآية آل عمران:195،. وذلك كله مع مراعاة التناسب فى التكليف بين طبيعة كل من الجنسين، وطلب العلم واجب لمعرفة ما أمرنا الله باتباعه مما أنزله على رسله المبشرين والمنذرين، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى دليل، وأكثر النصوص الواردة تبين فضل المتعلم على غيره بأساليب كثيرة والرجل والمرأة فى ذلك سواء، وإذا كان قد جاء فى حديث ضعيف "طلب العلم فريضة على كل مسلم " دون لفظ "ومسلمة" فهي مضافة حكما لا رواية والواقع يشهد لذلك، فقد صح فى البخارى ومسلم طلب النساء من النبى تخصيص يوم لهن للتعلم، وأن كثيرات منهن سألنه فى أمور دقيقة قالت فى شأنها السيدة عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين، بل جاء فى رواية البخارى ومسلم "أيما رجل كانت عنده وليدة- أى أمة رقيقة-فعلَّمها فأحسن تعليمها، وأدَّبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران " وإذا كان هذا فى تعليم الأمة فكيف بالحرة؟ والنصوص عامة للجميع، لقد قال الفقهاء - كما جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى وغيره -يجب على الزوج أن يعلم زوجته القدر الضرورى الذى تصحح به عبادتها وتؤدى به واجبها المنوط بها، وذلك إما بنفسه هو أو بمن يستعين به، فإن لم يفعل كان لها أن تخرج لطلب العلم الواجب ولا يجوز أن يمنعها منه. وقد صح فى الحديث نهى الرجال عن منع النساء من الذهاب إلى المسجد، وذلك من أجل التعلم، لأن صلاتهن فى بيتهن أفضل. فإذا كان للمرأة أن تخرج لطلب العلم فعليها أن تلتزم بكل الآداب الواجبة لكل خروج من بيتها، من الحشمة والعفة والأدب وعدم المغريات من عطر نفاذ أو قول خاضع، أو خلوة مريبة، أو تزاحم متعمد، مع التأكد من الأمن عليها من الفتنة والفساد. وعلى المجتمع كله أن يوفر الجو الآمن لتحقيق الغرض من التعليم ومنع الفساد بأى وجه يكون. وبالفهم الجيد لنصوص الدين وروح الشريعة يمكن الحكم على أى عمل حكما صحيحا،بعيدا عن التخبط والانحراف (10/51) ________________________________________ فى الهندسة الوراثية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يمكن الآن تنشيط رحم المرأة بالهرمونات بعد سن اليأس ليصبح رحمها معدَّا لحضانة بويضة ملقحة، وبذلك تحمل بويضة لغيرها لأن جسمها توقف عن التبويض، فما الحكم، هل يكون الولد لها أم لصاحبة البويضة؟
الجواب هذه الصورة يطلق عليها اسم "الرحم المؤجَّر" أو "الأم الحاضنة" حيث إن البويضة الملقحة التى وضعت فى رحمها ليست بويضتها، والحكم هو التحريم، لأن فيها صورة الزنا، والزنا محرم بالكتاب والسنة والإجماع وذلك لأمور، من أهمها أمران: ا- المحافظة على الأنساب إذا كان الرجل والمرأة قابلين للإنجاب، بصلاحية مائه وصلاحية بويضتها، فلا يدرى لمن ينسب المولود ويكون مصيره الضياع، وقد صح فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر". ب - صيانة الأعراض عن الانتهاك وحماية الحقوق لكل من الرجل والمرأة، وفى الزنا وقعت المتعة الجنسية بغير الطريق الشرعى الذى يدل عليه قول الله تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} المؤمنون: 5-7. وتظهر الحكمة الثانية فى تحريم الزنا إذا كان أحد الطرفين غير صالح للإنجاب كما فى الصورة المذكورة فى السؤال، حيث توقف جسم المرأة عن التبويض فإذا كان مجرد دخول ماء الرجل الغريب عن المرأة فى رحمها حراما فكيف بدخول ماء وبويضة "بويضة ملقحة بمائه" أى دخول جنين أو أصل جنين غريب عنها؟! إن الحرمة تكون من باب أولى. السؤال الثانى- أصبح من الممكن الآن تلقيح بويضة بحيوان منوى وتجميد هذا الجنين لعدة سنوات حتى تحتاج إليه المرأة فيوضع فى رحمها وتحمل وتلد، ويطرح هذا التطور عدة أسئلة عن حالات واقعية: أولا: يقوم زوجان بتلقيح بويضة من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج قبل إقدام أحدهما على تناول العلاج الكيماوى أو الإشعاعى أو غيرهما من العلاجات التى لا تسمح للزوجين بالإنجاب، وبعد الانتهاء من العلاج تحمل الزوجة بهذه البويضة الملقحة. ثانيا: قد يتوفى الزوج أثناء العلاج أو لأى سبب، فتلقح الزوجة بعد الوفاة بهذه البويضة وتحمل من زوجها الذى توفى. ثالثا: تتوفى الزوجة فتلقح امرأة أخرى "أم حاضنة" بهذه البويضة فتحمل وتسلم الوليد للزوج. والجواب: أولاً: ما دامت الزوجية قائمة فلا مانع من وضع البويضة الملقحة من ماء زوجها فى رحمها وهى صاحبة البويضة، ويكون الجنين الذى حملته ووضعته منسوبا شرعا إلى الزوج والزوجة وهذه الصورة هى من صور التلقيح الصناعي الذي يتم فيه التلقيح بين الماء والبويضة خارج الرحم، ثم تعاد البويضة إلى الزوجة صاحبتها، وذلك مشروع لا مانع منه مع اتخاذ الاحتياطيات اللازمة. ثانيا: إذا توفى الزوج انقطعت العلاقة الزوجية من الناحية الجنسية بالذات بينه وبين زوجته، ووضع هذه البويضة الملقحة فى رحمها أصبح وضعا لشىء غريب منفصل عنها، فالمرأة صارت غريبة عنه، ولذلك يحل لها أن تتزوج من غيره بعد الانتهاء من العدة المضروبة لوفاة الزوج، وهى قبل انتهاء العدة أشبه بالمطلقة طلاقا بائنا، حيث لا يجوز أن تكون بينهما معاشرة زوجية تعتبر رجعة بالفعل فى بعض المذاهب الفقهية، بل لا بد أن يكون ذلك بعقد جديد، وهو فى هذه الصورة غير ممكن لوفاة الزوج، فلو وضعت المرأة - بعد وفاة الرجل - بويضتها الملقحة منه قبل وفاته فى رحمها وحملت وولدت كان الولد غير منسوب إليه كولد الزنا، وإنما ينسب إليها هى، مع حرمة هذه العملية. ثالثا: إذا توفيت الزوجة فوضعت بويضتها الملقحة من ماء زوجها فى رحم امرأة أخرى التى يطلق عليها اسم "الأم الحاضنة" صاحبة الرحم المؤجَّر كان ذلك حراما، لما سبق ذكره فى السؤال الأول من أنه زنا، حتى لو سلمت الولد للزوج. السؤال الثالث: من المعتقد أن الطب الحديث سيتمكن قريبا من تجميد الحيوانات المنوية، ويطرح البعض فكرة جديدة لتنظيم الحمل، وبعد الاحتفاظ بهذه الحيوانات المنوية المجمدة للرجل، ثم تعقيمه بربط الحبل المنوى عنده، بحيث لا تحتاج زوجته إلى استعمال وسائل منع الحمل مثل الحبوب وغيرها، فإذا أرادا الإنجاب استعملا بعض الحيوانات المنوية المجمدة، أى أنه على الرغم من انقطاع قدرة الرجل على الإنجاب من ناحية، فإنه يحتفظ خارج جسمه برصيد من الحيوانات المنوية المجمدة، يمكنه من الإنجاب، حتى لو طلق زوجته وتزوج بأخرى، فما حكم هذه العملية؟ الجواب: يجوز للزوجة فى هذه الحالة عند رغبتها فى الحمل أن تستعمل بعض هذه الحيوانات المجمدة لتحمل بها، لأنها من ماء زوجها والزوجية قائمة، ويكون الجنين منسوبا إلى الزوج على الرغم من تعقيمه. ولو طلق زوجته أو لم يطلقها وتزوج بأخرى ولقَّحها من منيه المجمد كان ذلك جائزا، وينسب المولود إليه لأنه من مائه، وكذلك ينسب إلى الزوجة الأخرى شرعا، لأنه من بويضتها الملقحة بماء زوجها. السؤال الرابع: الموقف السابق يطرح نفسه بالنسبة للزوجة وتجميد بويضاتها، فما حكمه؟ الجواب: ما دامت البويضة المجمدة هى لزوجته يجوز أن يلقحها بمائه هو ما دامت الزوجية قائمة، ولو طلقت منه وتزوجت بآخر جاز للزوج الآخر أن يلقح بويضة هذه الزوجة بمائه، حيث لا يوجد شىء غريب بين الطرفين. السؤال الخامس - فكرة الأم الحاضنة، أو الرحم المؤجر، بأن تلقح بويضة من الزوجة بحيوان منوى من الزوج، ثم تدخل هذه البويضة الملقحة فى رحم امرأة أخرى، ثم تمر بمراحل الحمل حتى تلد فتسلم المولود الى الزوجين الأصليين، هذه الطريقة يكون فيها المولود حاملا لكل الخصائص الوراثية من الزوجين، ولا علاقة للأم الحاضنة بالطفل إلا علاقة إنماء الجنين عن طريق دمائها وجسمها، والسؤال هنا: هل يمكن اعتبار الأم الحاضنة أمًا فى الرضاعة، حيث هناك تشابه كبير بين الحالتين، فالأم فى الرضاعة ينمى لبنها جسم الطفل كثيرا، ويحدث رباط عاطفى بينهما؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فلماذا مادامت ليست هناك شبهة زنا أو اختلاط فى الأنساب؟ والجواب: فكرة الأم الحاضنة أو الرحم المؤجر محرمة كما سبق ذكره فى إجابة السؤال الأول، لأن فيها صورة الزنا، حيث أدخلت الأم الحاضنة فى رحمها جنينا مكونا من ماء وبويضة ليس لها فيهما شىء. وقد قرر العلماء أن الحمل من الزنا ينسب لأمه الحامل به لتحقق ولادتها منه، كما صح فى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بالأم فى قضية رجل وامرأة تلاعنا فى زمنه، عندما اتهم الزوج زوجته بأن حملها ليس منه، ولا ينسب لمن زنى بها عند جمهور الفقهاء. ومحل ذلك إذا كان للمرأه الزانية اشتراك فى تكوين الجنين عن طريق بويضتها، وفى صورة الأم الحاضنة ليس لها هذا الاشتراك إذا كانت عقيما لا تفرز بويضات فلا ينسب لها الولد، لكن ينسب لصاحبى البويضة الملقحة، وإن كان لحملها تأثير أيضا على تكوينه من جهة البيئة التى تربى فيها كما يقول المختصون، فالولد يتأثر بمؤثرين، أحدهما الوراثة والثانى البيئة، كالمرضعة التى ترضع ولد غيرها بلبنها، لأن لها تأثيرا إلى حد ما على الرضيع، والحامل لجنين غيرها فى بطنها وقد غذته بدمها كما تغذى كل جزء من أجزاء جسمها لا تعدو أن تكون كالمرضعة، وعمل المرضعة مشروع، غير أن هناك فرقا بينهما، فالحامل أدخلت رحمها شيئا غريبا عنه كما قدمنا، فعملها محرم، والمرضعة عملها حلال، والولد فى كلتا الحالتين منسوب لأبويه بالأصالة فى تكوينه وبولادة أمه له فى صورة الإرضاع بالاتفاق، وفى صورة الرحم المؤجر على ما رجحته من الأقوال. السؤال السادس - إذا كان الرجل متزوجا من زوجتين، الأولى لا ينتج جسمها بويضات لسبب أو لآخر، أو لا يمكن أن تحمل باستعمال بويضاتها هى، فهل يمكن أن تؤخذ بويضة من الزوجة الثانية تلقح بحيوان منوى من زوج المرأتين، ثم يوضع الجنين فى رحم الزوجة الأولى لتحمل وتلد، هل يجوز ذلك؟ وإذا كان لا يجوز فلماذا ما دام الأب واحدا والعملية كلها تتم داخل إطار علاقة زوجية مشتركة؟ والجواب: إذا أخذت بويضة الزوجة الثانية الملقحة بمنى زوجها ووضعت بدون إذنها وموافقتها فى رحم ضرتها الأولى كان ذلك حراما، لأنه اعتداء على حق الغير بدون إذنه، والكل يعلم ما بين الضرائر من حساسية شديدة، وأثر ذلك على الأسرة. وإن كان بإذنها وموافقتها يثار هذا السؤال: لماذا يلجأ الزوج إلى هذه العملية؟ إن كان لمصلحة تعود عليه هو مثل كثرة الإنجاب الحاصل من زوجتين لا من زوجة واحدة فقد يكون ذلك مقبولا إن دعت إليه حاجة أو ضرورة، مع التأكد من القيام بواجب الرعاية الصحيحة، ومع ذلك لا أوافق عليه لما سيأتى بعد من العلاقة بين الإخوة الأشقاء والإخوة غير الأشقاء. وإن كان لمصلحة تعود على الزوجين، فإن المصلحة العائدة على الزوجة الثانية الصالحة للإنجاب ليست ذات قيمة، بل قد يكون فى ذلك ضرر على أولادها عند تقصير الأب عن الوفاء بحق هذه الكثرة من الأولاد، أو بضآلة نصيب أولادها من ميراث أبيهم حيث يوزع على عدد كبير من أولاده. وإذا كانت المصلحة عائدة على الزوجة الأولى التى لا تنجب فإنها تتمثل فى أمرين هامين، أولهما إرضاء عاطفة الأمومة وعدم الشعور بنقصها بالنسبة لضرتها،لكنها لا تتحقق إلا إذا كان أولادها ينسبون إليها، وقد تقرر-كما سبق ذكره- أنها مجرد أم حاضنة وما ينتج منها فهو لزوجها ولضرتها صاحبة البويضة، فإذا عرفت أن من يولد منها فهو لضرتها فلماذا تتعب نفسها بالحمل والوضع دون فائدة لها؟ إذًا ليست هناك مصلحة لها قيمتها من هذه العملية لكلتا الزوجتين ولا يجوز للزوج أبدا أن يجعل ما تلده الزوجة الأولى الحاضنة أولاداً لها، لمعارضته ما سبق ذكره ولأنهم سيكونون بذلك بالنسبة لأولاد الزوجة الثانية صاحبة البويضة إخوة غير أشقاء، أى إخوة من أب فقط، وهذا له أثره فى الميراث إذا توفى أحد الإخوة، فالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب، والحاضنة إذا ماتت لا يحق لها شرعا أن ترث ممن ولدتهم ولا أن يرثوا منها، فالأمومة النسبية مقطوعة، وذلك إلى جانب ما يكون بين الأولاد من كل من الزوجتين من حساسيات معروفة لها اثار غير طيبة. وهنا يمكن أن نقول إن المفاسد المترتبة على هذه العملية أكبر من المصلحة العائدة على الزوج والزوجتين والقاعدة الشرعية تقول: درء المفاسد مقدَّم على جلب،المصالح. ولهذا أرجح عدم جواز هذه العملية، وإذا كان للزوج رغبة فى كثره الإنجاب فأمامه الوسائل المشروعة الأخرى، مع مراعاة واجب العدل فى معاملة الزوجات والأولاد. السؤال السابع - فى الحالة نفسها وهى حالة زوج الاثنتين، هل يجوز أن تكون إحدى الزوجتين أمًا حاضنة لبويضة ملقحة هى لزوجة الأخرى؟ الجواب: قلنا: إن الأم الحاضنة لا يجوز لها أن تدخل رحمها ماء غير ماء زوجها، وفى الصورة المذكورة وإن كان الماء ماء زوجها فإن للبويضة ليست لها، وعلى فرض التجاوز فى ذلك إذا كانت حضانتها للبويضة بإذن صاحبتها فإن الآثار المترتبة عليها والتى سبق بيانها فى إجابة السؤال السابق تجعلنى أرجح عدم الجواز. السؤال الثامن - يقوم الأطباء الآن باختيار جنس الجنين عن طريقة دراسة مواصفات الحيوانات المنوية الذكرية والحيوانات المنوية الأنثوية، وعزل الحيوان المطلوب لتلقيح بويضة الزوجة به، والسبب فى محاولات تحديد جنس الجنين مسبقا يكون غالبا لأن بعض الأمراض الوراثية لدى الزوجين يتوارثها الذكور فقط، فيحاول الزوجان تفادى إنجاب الذكور، تفاديا لولادة أطفال معوقين أو مشوهين بدرجة كبيرة، وفى بعض الأحوال يكون الزوجان قد أنجبا عدة ذكور ويريدان إنجاب أنثى أو العكس، فيلجآن إلى الطب لإنجاب ما يريدان، فما هو الحكم فى ذلك؟ وهل يعتبر تدخلا فى الإرادة الإلهية واعتداء على التوازن البشرى، أم هو مجرد استغلال لما هو متاح من خلق الله؟ والجواب: قضية التحكم فى جنس الجنين شغلت العالم قديما وحديثا، ولهم فى ذلك طرق متعددة وأغراض متنوعة، والمدار فى الحكم على ذلك هو اتباع النص إن وجد، فإن لم يوجد كان المدار على معرفة الغاية والوسائل المتبعة لبلوغها، فيحرِّم الحرام ويحل الحلال من ذلك، ومعلوم ان الله سبحانه خلق آدم وخلق له حواء، وذلك من أجل التناسل وعمارة الكون، والتنوع لابد منه لحركة الحياة، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} الذاريات: 49 والتناسب بين نوعى الذكورة والأنوثة مطلوب، وطغيان أحدهما على الآخر ليس من المصلحة. والناس من قديم الزمان وقبل مجىء الإسلام يؤثرون الذكر على الأنثى لعوامل تتناسب مع أغراضهم وظروف حياتهم، ونظرا لما كان عليه العرب قبل الإسلام من تفضيل الذكر على الأنثى وما أدى إليه من وأد البنات وحرمانهن من كثير من الحقوق جاء قول الله تعالى {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} الشورى: 49، 50. وعلى الرغم من تقرير الإسلام لذلك ما تزال المحاولات جادة فى هذا السبيل، ويتلخص موقف الدين منها فيما يأتى: 1 - إذا كانت المحاولات يسيطر عليها الغرور بالعلم لحل المشكلات وعدم الإيمان بأن إرادة الله غالبة، كما هو شأن الماديين، كانت محرمة باتفاق، لأنها إن لم تكن كفرا فهى تؤدى إليه. 2 - وإذا كانت المحاولات تحت مظلة الإيمان بالله، واستغلال الفرص المتاحة للخير، لمجرد أنها أسباب ومقدمات، والآثار والنتائج مرهونة بإرادة الله، كالتداوى من الأمراض مع الإيمان بأن الشفاء هو من الله - فينظر إلى أمرين، الأول الهدف والغرض والنية الباعثة على ذلك، والثانى الأسباب والوسائل التى يتوصل بها إلى تحقيق الأهداف، ذلك لأن الأعمال بالنيات، والوسائل تعطى حكم المقاصد، والأمثلة على ذلك كثيرة، واقتصارا على موضوع السؤال نقول: ا - إذا كان الغرض من هذه العملية تجنُب وراثة بعض الأمراض فى الذكور أو الإناث، وكان ذلك بطريقة علمية مؤكدة ليس فيها ارتكاب محرَّم فلا أرى مانعا من ذلك، لأن الوقاية خير من العلاج. والقرآن ينهانا عن الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة والحديث يحذرنا من العدوى والتعرض لها، فلا ندخل بلدا سمعنا أن فيه طاعونا، ولا نخرج منه إذا وقع ونحن فيه، وينهانا عن الأكل مع المجذوم، وعن التعامل مع أى شىء فيه ضرر، فلا ضرر ولا ضرار فى الإسلام، إلى غير ذلك من النصوص. ب - إذا كان الغرض من هذه العملية هو الإكثار من أحد النوعين إلى الحد الذى يختل فيه التوازن ويؤدى إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات كالمتعة بين الجنس الواحد، أو يؤدى إلى إرهاب الغير بكثرة الذكور مثلا، أو إلى استغلال النوع الآخر لأغراض خبيثة كان ذلك حراما لا شك فيه، ويكفى فى ذلك قول الله تعالى فى حق بعض الكفار المناوئين لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم {أن كان ذا مال وبنين. إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطيرالأولين} القلم: 14، 15 وما جاء فى قوم لوط ومن يكرهون فتياتهم على البغاء لابتغاء عرض الحياة الدنيا. ج - وإذا كان من وسائل التحكم فى نوع،الجنين التعقيم النهائى الذى لا يكون بعده إنجاب كان ذلك محرما، لأن فيه تعطيلا لقوة لازمة لعمارة الكون، وتظهر فيه المعارضة لحكم الله وتقديره، ومن أجل ذلك. منع الحديث الذى رواه البخارى وغيره خصاء الرجال من الناس، وكذلك إذا كان التحكم فى جنس الجنين عن طريق إجهاض الحامل يكون محرما حتى فى أيام الحمل الأولى كما قال به كثير من الفقهاء فالخلاصة أن هذه المحاولات إن كان الغرض منها مشروعا، وكانت الوسائل مشروعة فلا مانع منها، وبغير ذلك تكون ممنوعة. السؤال التاسع - هناك طريقة حديثة أخرى تعتبر امتدادًا للطريقة السابقة وتأكيدًا لاحتمالاتها، ويجرى ذلك بتلقيح عدة بويضات من الزوجة بحيوانات منوية من الزوج، وتترك هذه فترة لتوالد الخلايا، ثم تؤخذ عينة منها وتحلل مكوناتها للتعرف على الكروموسومات، وبذلك يتعرف الطبيب على مواصفات الجنين فى هذه المرحلة المبكرة، وما إذا كانت ذكرا أو أنثى، ثم يوضع الجنين المطلوب فى رحم الزوجة لتحمل وتلد، وتترك الأجنَّة الأخرى فتموت، فهل يعتبر هذا إجهاضا لتلك الأجنة الأخيرة، رغم أن عمرها يكون عدة ساعات فقط؟ والجواب: عرَّف العلماء الإجهاض بأنه إنزال الجنين من بطن أمه قبل تمام نموه الطبيعى، وما دامت هذه البويضات الملقحة لم تكن فى بطن المرأة فلا يصدق على التخلص منها معنى الإجهاض، وقد جاء ذلك مصرحا به فى بعض أقوالهم ومع ذلك تدخل هذه العملية فى حكم العملية المذكورة فى السؤال السابق، وهو النظر إلى الغاية والوسيلة (10/52) ________________________________________ التسمية بأسماء عزيز وكريم وسيد
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن تسمية الولد باسم عزيز أو كريم أو سيد حرام، لأن هذه الأسماء من أسماء الله تعالى، فهل هذا صحيح؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى"ج 4 ص 77" عند شرح قوله تعالى عن يحيى {وسيدا} أن فى ذلك دلالة على جواز تسمية الإنسان "سيدا" كما يجوز أن يسمى: عزيزا أو كريما، وذكر ما قلناه فى صفحة 163 من المجلد الأول من بيان عدم حرمة قولنا "سيدنا محمد" لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبنى قريظة فى استقبال سعد بن معاذ "قوموا إلى سيدكم " وقال عن الحسن - كما رواه البخارى ومسلم "إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وكره العلماء التسمية بهذه الأسماء إذا كانت معرفة بأل مثل: العزيز - الكريم - السيد (10/53) ________________________________________ الطلاق فى بلد لا تعترف به
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال تزوجت امرأة زواجا شرعيا لكنه لم يسجل حسب القوانين المعمول بها فى بلد، لعدم اعترافه به، وقد ظهر للمرأة أن استمرار هذا الزواج فى غير صالحها، ولهذا تترك زوجها وتسافر للإقامة فى بلد آخر فما هى الطريقة لتخليص نفسها من الزوج الذى لا يرضى أن يطلقها ولو عن طريق الخلع، ويقصد بذلك إضرارها حتى لا تتزوج من غيره؟
الجواب إذا كان الزوج موفيا لها بحقوقها من النفقة والإعفاف فحرام عليها أن تتركه وتسافر بدون إذن، وعليها أن توسِّط أهل الخير ليطلقها إن أرادت ذلك. أما إذا قصَّر فى الإنفاق عليها فلها أن ترفع الأمر إلى القضاء لتطلب التطليق، وحيث إن دعواها لا تسمع لعدم توثيق الزواج فلها أن ترفع أمرها إلى جهة دينية معترف بها لتتولى بحث الموضوع، وبعد التأكد من صحة الدعوى وامتناع الزوج عن الإنفاق بعد محاولة التوفيق تطلقها هذه الجهة طلقة واحدة رجعية على مذهب الإمام أحمد. وإذا كان التقصير فى إعفافها ومضى على ذلك أربعة أشهر اعتبر الامتناع بمثابة الإيلاء عند مالك وأحمد، فيطالب من الجهة الدينية بالعودة إلى إعفافها أو تطليقها طلقة بائنة، وإذا امتنع عنهما انفسخ النكاح بدون أية إجراءات على مذهب الإمام أبى حنيفة ولا مخلص إلا ذلك منعا للضرر. ونحذر من تريد الزواج من رجل زواجا عرفيا غير موثق أن تقع فى مثل هذا المأزق ولهذا ننصحها، -إن تحتم الزواج العرفى -أن تشترط أن تكون عصمتها بيدها على ما رآه الإمام أبو حنيفة، حتى إذا لم توفق فى هذا الزواج أمكنها أن تطلق نفسها منه بدون اللجوء الى القضاء، لأنه لا يسمع دعواها، وبدون لجوء إلى لجنة وغيرها. تنبيه: الإجابة على السؤال تمت بعد بحث الموضوع مع فضيلة الشيخ عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فى تاريخ نشرها بمجلة منبر الإسلام عدد ذى الحجة 1403 هـ (10/54) ________________________________________ عدة الزوجة التى أسلمت
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال زوجة اعتنقت الإسلام وحصلت على حكم بالطلاق فكيف تحتسب عدتها؟
الجواب الزوجة التى أشهرت إسلامها ولم يسلم زوجها وحكم القاضى بطلاقها تحسب عدتها من وقت الحكم لا من وقت إسلامها، ذلك لأن امتناع الزوج عن الإسلام يعتبر نوعا من أنواع الفراق التى تتوقف على القضاء كما هو فى مذهب أبى حنيفة، الذى أخذ منه قانون الأحوال الشخصية فى مصر"الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 241" ولو أسلم الزوج قبل أن تنتهى عدتها من وقت إسلامها تبقى هى على ذمته، وهناك جماعة تقول: لا تعتبر العدة أجلا مضروبا لإسلامه أو عدم إسلامه، فلا يحكم بالطلاق إلا إذا حكم القاضى بذلك مهما طال الفصل بين إسلامها وحكم القاضى. والموضوع مبسوط فى "زاد المعاد لابن القيم ج 4 ص 13 " (10/55) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:38 am | |
| الذهب للنساء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال "من أحب أن يحلِّق حبيبته بحلقة من نار فليحلقها حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبته طوقا من نار فليطوقها طوقا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبته سوارا من نار فليسورها سوارا من ذهب، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها، العبوا بها" لأننى سمعت بعض العلماء يحرم الذهب على النساء؟
الجواب هذا الحديث ذكره الحافظ المنذرى "الترغيب والترهيب " بلفظ "حبيبة" وليس "حبيبته " ورواه أبو داود بإسناد صحيح، قال المنذرى: الأحاديث التى ورد فيها الوعيد على تحلى النساء بالذهب تحتمل وجوها من التأويل: أحدها: أنه منسوخ فإنه قد ثبت إباحة تحلى النساء بالذهب، والثانى: أن هذا فى حق من لا يؤدى زكاته دون من أداها، كما نص عليه الحديث، والثالث: أنه فى حق من تزينت به وأظهرته. انتهى. وإذا كان الذهب محرما على الرجال فهل يجوز لهم أن يلبسوه الأولاد الصغار غير المكلفين؟ قيل: يحرم، لأن الحديث فى حق من يلبس الأولاد، فقد ورد بلفظ "من أحب أن يسور ولده بسوار من نار فليسوره سوارا من ذهب، ولكن الفضة العبوا بها كيف شئتم " رواه أحمد وأبو داود. وقيل: لا يحرم لأنهم غير مكلفين، "نيل الأوطار للشوكانى ج 2 ص 86". هذا، وأرجو ألا يتعجل بعض الناس فى إصدار الحكم على شىء لمجرد أنهم قرءوا حديثا واحدا، ولم يستوعبوا ما ورد فى الموضوع وما تحدث به العلماء المختصون الذين اطلعوا على روايات متعددة وخلصوا منها إلى الحكم الصحيح (10/56) ________________________________________ العلاج بين الجنسين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أن يتولى علاج المرأة وتوليدها رجل أجنبى؟
الجواب من القواعد الفقهية أن الضرورات تبيح المحظورات، ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف عن شىء من جسمها لرجل أجنبى-فيما عدا الوجه والكفين على تفصيل فى ذلك - وبالتالى لا يجوز اللمس بدون حائل، أما عند الضرورة المصورة بعدم وجود زوج أو محرم أو امرأة مسلمة تقوم بذلك فلا مانع من النظر واللمس، مع مراعاة القاعدة الفقهية الأخرى وهى: أن الضرورة تقدر بقدرها. ولهذا الاستثناء احتياطات وآداب نورد فيها بعض ما قاله العلماء. جاء فى كتاب "الإقناع فى شرح متن أبى شجاع" للشيخ الخطيب فى فقه الشافعية "ج 2 ص 120" أن النظر للمداواة يجوز إلى المواضع التى يحتاج إليها فقط، لأن فى التحريم حينئذ حرجا، فللرجل مداواه المرأة وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم أو زوج أو امرأة ثقة إن جوزنا خلوة أجنبى بامرأتين وهو الراجح، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطى ذلك من امرأة، وعكسه كما صححه كما فى زيادة "الروضة" وألا يكون ذميًا مع وجود مسلم، وقياسه -كما قال الأذرعى- ألا تكون كافرة أجنبية مع وجود مسلمة على الأصح، ولو لم نجد لعلاج المرأة إلا كافرة ومسلما فالظاهر أن الكافرة تقدم، لأن نظرها ومسها أخف من الرجل، بل الأشبه عند الشيخين أنها تنظر منها ما يبدو عند المهنة، بخلاف الرجل. وقيد -فى الكافى- الطبيب بالأمين، فلا يعدل إلى غيره مع وجوده، ثم قال: وشرط الماوردى أن يأمن الافتتان ولا يكشف إلا قدر الحاجة، وفى معنى ما ذكر نظر الخاتن إلى فرج من يختنه، ونظر القابلة إلى فرج التى تولدها. ويعتبر فى النظر إلى الوجه والكفين مطلق الحاجة، وفى غيرهما -ما عدا السوأتين- تأكدها، بأن يكون مما يبيح التيمم كشدة الضنا، وفى السوأتين مزيد تأكدها، بألا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة. وفى حاشية عوض على شرح الخطيب المذكور ما يدل على أن المباح فى العلاج ما كان بالنظر، أما اللمس فيجوز عند الحاجة، وإلا فلا، وجاء فيها: رتب البلقينى المعالج فى المرأة بأن يقدم أولا المرأة المسلمة فى مسلمة، ثم صبى مسلم غير مراهق،ثم كافر غير مراهق، ثم مراهق مسلم، ثم مراهق كافر ثم المحرم المسلم، ثم المحرم الكافر، ثم الممسوح المسلم، ثم المرأة الكافرة، ثم الممسوح الكافر، ثم المسلم الأجنبى، ثم الكافر الأجنبى، والزوج مقدم على الكل. انتهى (10/57) ________________________________________ صورة من الخلوة بين الجنسين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز ركوب امرأة أو مجموعة من النساء مع سائق أجنبى عنهم ليوصلهن إلى مكان قريب داخل المدينة أو فى سفر طويل؟
الجواب الخلوة المنهى عنها والتى هى مظنة الغلط تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية فى مكان واحد لا يراهما فيه أحد، أما الاجتماع فى الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات فلا تتحقق به الخلوة المحرمة، وإن تحقق به محظور آخر، كالسفور والنظر إلى المفاتن والكلام اللين والملامسة ونحوها. ومحصل ما قاله العلماء فى اجتماع الجنسين هو: 1- إذا كان الاجتماع ثنائيا، أى بين رجل وامرأة فقط، فإن كان الرجل، زوجا أو محرما جاز وإن كان أجنبيا حرم. 2 - وإذا كان الاجتماع ثلاثيا، فإما أن يكون بين امرأة ورجلين، وإما أن يكون بين امرأتين ورجل، فإن كان الأول جاز إن كان أحدهما زوجا أو محرما، وإلا حرم "النووى على مسلم ج 9 ص 159 " وإن كان الثانى فإن كانت إحداهما محرما جاز وإلا ففيه قولان، وقد ذكر النووى فى شرح المهذب والخطيب على متن أبى شجاع "ج 2 ص 120 " جواز الخلوة بامرأتين. 3-وإن كان الاجتماع رباعيا فأكثر فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إذا تساوى العدد فى الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، كمن دخلوا على زوجة أبى بكر الصديق أسماء بنت عميس وكان غائبا، وإلا حرم. ويشترط فى المحرم الذى تجوز الخلوة بالأجنبى مع حضوره ألا يكون صغيرا لا يستحيا منه، كابن سنة أو سنتين، وقال بعض العلماء: تجوز الخلوة بالأجنبية إذا كانت عجوزا لا تراد، ولكن مع الكراهة، أما الشابة مع كبير السن من غير أولى الإربة فقيل لا تجوز الخلوة به، وقيل: تجوز مع الكراهة. هذا ملخص ما قاله العلماء فى الخلوة ومنه يعرف أن السائق الذى يوصل امرأة واحدة إن كان فى طريق مكشوف والناس ينظرون فلا حرمة فى ذلك، وإن كان معه مجموعة من النساء فلا حرمة أيضا، أما الطريق الخالى من الناس كطرق الصحراء وغيرها فيحرم سفر امرأة واحدة مع سائق أجنبى، أما مع مجموعة فينظر التفصيل السابق. ومثل السائق المدرس الخصوصى للبنت والبنات، حتى لو كان يعلمهن القرآن الكريم (10/58) ________________________________________ طلاق المكره
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال تزوجت وأحسست بالراحة والتوفيق فى زواجى، ولكن والدى يرغمنى على طلاق زوجتى، مهددًا لى بعدم الرضا عنى وحرمانى من الميراث فماذا أفعل؟
الجواب فى حديث حسَّنه النووى من رواية ابن ماجه وابن حبان يقول النبى صلى الله عليه وسلم "رُفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفى رواية لأبى داود وابن ماجه "لا طلاق فى إغلاق" أى إكراه كما فسره علماء الغريب وروى سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم ابن سلام أن رجلا على عهد عمر تدلى بحبل ليجنى عسلا من خلية نحلٍ، فهددته زوجته بقطع الحبل ليسقط ميتا إن لم يطلقها، فطلقها لإنقاذ حياته، فلم يجعله عمر طلاقا لأنه مكروه. بذلك قال جمهور الفقهاء خلافا لأبى حنيفة وأصحابه، فالله قد عفا عن النطق بكلمة الكفر ما دام القلب مطمئنا بالإيمان، والطلاق أخف من الكفر فالعفو عند الإكراه عليه أولى. غير أن للإكراه شروطا منها أن يكون ظلما وبعقوبة عاجلة لا مستقبلة، وأن يكون المكره غالبا قادرا على تنفيذ التهديد، بولاية أو تغلب أو هجوم مثلا، وأن يكون المكره عاجزا عن دفع الإكراه بنحو هرب أو مقاومة أو استغاثة، وأن يغلب على ظنه وقوع ما هدَّد به إن لم يُطلِّق، وألا يظهر منه ما يدل على اختياره كأن أكره على التطليق منجزا فطلق معلقا. ثم قال الفقهاء: إن المعفو عنه فى الإكراه هو التلفظ فقط بالطلاق فلو نواه بقلبه مع التلفظ وقع، لأن ذلك يدل على اختياره، وقالوا: إن أسلوب الإكراه يختلف بالأشخاص وما هُدِّد به، فهو يتحقق بالتهديد بكل ما يؤثر العاقل أن يُطلِّق ولا يقع ما هدَّد به، كالقتل والضرب الشديد والحبس الطويل وإتلاف المال الكثير ومثله الضرب اليسير والحبس القصير عند أهل المروءات، وإتلاف المال اليسير عند الفقير، وكذلك تهديد الوجيه بشتمه والتشهير به أمام الملأ كما قال الشافعية. هذا، وليس من الإكراه المعفو عنه تهديد الوالد لولده بعدم الرضا عنه إن لم يطلق امرأته أو بحرمانه من الميراث مثلا، وليس من بر الوالدين طاعتهما فى ذلك إذا كان لأغراض شخصية لا تمس الخلق والدين، وعليه فأقول لصاحب السؤال: لا تطلق زوجتك لإكراه والدك لك بمثل ما جاء فى سؤالك، ولو طلقت وقع الطلاق. وأنصح الوالدين بالتخلى عن مثل هذه الأساليب التى تخرب البيوت فأبغض الحلال إلى الله الطلاق، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمر بطاعة أبيه فى تطليق زوجته كما رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه، وقال الترمذى: حسن صحيح. لكن رفعت مثل هذه القضية إلى الإمام أحمد بن حنبل فلم يأمر الولد بطلاق زوجته إرضاء لوالده قائلا، ليس كل الناس كعمر، لأن عمر كان ينظر إلى المصلحة الدينية، أما الدوافع الشخصية والدنيوية فلا تلزم الاستجابة لها ما دامت الناحية الدينية موفورة (10/59) ________________________________________ قص شعر المولود فى اليوم السابع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب قص شعر المولود فى اليوم السابع من ولادته والتصدق بالفضة أو الذهب بما يساوى وزن الشعر الذى تم تقصيره؟
الجواب يُسَنُّ -ولا يجب- حلق رأس المولود والتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، يستوى فى ذلك الذكر والأنثى، وذلك لحديث رواه البيهقى أن فاطمة رضى الله عنها وزنت شعر الحسن والحسين، وزينب وأم كلثوم رضى الله عنهم، فتصدقت بوزنه فضة "نيل الأوطار ج 5 ص 145". وأما تلطيخ رأس المولود بدم الذبيحة التى يطلق عليها اسم العقيقة فباطل، لأن الدم أذى، والنبى صلى الله عليه وسلم قال "أميطوا الأذى" وكان المتبع عند العرب أن تستقبل أوداج الذبيحة بصوفة منها ثم توضع على يافوخ المولود حتى يسيل منها خيط الدم على رأسه، ثم يغسل بعد ذلك ويحلق. وجاء فى بعض روايات الحديث "ويدمى" وقد طعن المحققون فى هذا الحديث من جهة الإسناد، أو من جهة تصحيف كلمة "يسمى" إلى "يدمى" ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب زاد المعاد ج 2 ص 3 وما بعدها" (10/60) ________________________________________ عدة المسافرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا سافرت المطلقة إلى دولة يختلف توقيتها عن البلدة التى تم طلاقها فيها فكيف تحسب مدة العدة؟ وإذا ردها زوجها قبل إتمام العدة طبقا لتوقيت الدولة التى طلقت فيها وبفارق زمنى ساعة واحدة هل يعتبر عقد زواجها من شخص آخر باطلا؟
الجواب مدة العدة لمن يأتيها الحيض هى ثلاثة قروء، وهذه لا دخل لاختلاف المواقت فيها أبدا، فقد تطول مدتها وقد تقصر. أما إذا كانت العدة بالأشهر كاليائسة فهى ثلاثة أشهر قمرية، أى نحو تسعين يوما إذا كانت الأشهر كاملة العدد، أى ثلاثين يوما لكل شهر، لكنها قد تكون تسعة وعشرين يوما فى بعض الأشهر. وهذه الأشهر أيضا قد تختلف باختلاف الأماكن حسب ظهور الهلال، ومعلوم أن كل يوم من الشهر مدته أربع وعشرون ساعة، سواء كان الليل أطول من النهار أو العكس. وعلى هذا لا يظهر معنى لما جاء فى السؤال، اللهم إلا إذا كان يحسب الزمن مثلا بأن بدء الحيضة أو بدء الطهر منها -على الخلاف فى تفسير القرء- كان فى الساعة العاشرة صباحا فى بلدة، أى قبل وقت الظهر بنحو ساعتين، وعندما يسافر إلى بلد شرقى يحين وقت الظهر فيها قبل وقت الظهر فى بلده الأصلى -بحكم الفرق فى التوقيت - هذه المسألة تشبه مسألة الصيام، هل يفطر الإنسان على توقيت بلده الأصلى أو على توقيت البلد الذى سافر إليه؟ والصحيح أنه يأخذ بتوقيت المكان الذى غربت فيه الشمس فيفطر عند غروبها فيه حتى لو كان قبل غروبها فى بلده أو بعد غروبها فيه إن سافر إلى الغرب وقد يعمل بهذا فى المسألة التى معنا، لكن الأولى الاحتياط للأبضاع، وبخاصة أن الفرق ساعة أو ساعات قليلة لا يصعب انتظاره (10/61) ________________________________________ صيغة علىَّ الطلاق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يكثر على ألسنة الناس قولهم علىَّ الطلاق، فهل يقع الطلاق بهذه الصيغة؟
الجواب قال العلماء: إن هذه الصيغة وهى: علىَّ الطلاق أو يلزمنى الطلاق، تعتبر يمين طلاق يقصد به إثبات شىء أو نفيه، أو الحث على فعل شىء أو تركه، كقول القائل: علىَّ الطلاق أو يلزمنى الطلاق إن كان إبراهيم قد حضر أمس، أو: علىَّ الطلاق لأفعلن كذا أو أتركن كذا. وقد أفتى بعض الحنفية كأبى السعود بعدم وقوع الطلاق بمثل هذه الصيغة، اعتمادا منه على أن شرط صحة الطلاق أن يكون مضافا إلى المرأة أو إلى جزء شائع منها، وهذا اللفظ لا إضافة فيه إليها، فهو ليس من صريح الطلاق ولا من كنايته، فلا يقع به الطلاق. ويرى المحققون من الحنفية أن مثل هذا الطلاق واقع، لاشتهاره فى معنى التطليق وجريان العرف بذلك، والأيمان مبنية على العرف، وهو وإن كان بصورة ظاهرة فى اليمين إلا أن المتبادر منه أنه تعليق فى المعنى على فعل المحلوف عليه وإن لم يكن فيه أداة تعليق صريحة. ويرى الإمام على وشريح وعطاء والحكم بن عيينة وداود الظاهرى والقفال من الشافعية وابن حزم - أن تعليقات الطلاق لاغية، وصح عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس أنه قال فيها: إنها من خطوات الشيطان لا يلزم بها شىء، وروى عن طاووس أنه قال: ليس الحلف بالطلاق شيئا والشافعية يقيدون هذا من صيغ الطلاق ويوقعونه بها. والعمل الآن فى المحاكم المصرية حسب القانون رقم 25 لسنة 1929م - كما تنص عليه المادة الثانية منه- على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه لا غير لا يقع. وقد سبق فى ص 279 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى توضيح ذلك فيرجع إليه (10/62) ________________________________________ زواج الصغيرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال فى بعض البلاد يزوجون البنات وهن صغيرات غير بالغات، سواء أكان القانون يمنع أو يجيز فما حكم موافقة البنت على تزويج وليها لها؟
الجواب من المعلوم أن عقد الزواج يشترط فى صحته تمييز المتعاقدين، فإن كان أحدهما مجنونا أو صغيرا لا يميز فإن الزواج لا ينعقد، وهنا يكون للولى الحق فى عقد الزواج، فالصغيرة إن كانت مميزة لابد من استئذانها وموافقتها، أما إن كانت غير مميزة فإنه يجوز للأب والجد تزويجها بغير إذنها، لأن الغالب أنهما يرعيانها ويريدان لها الخير، وقد زوج أبو بكر الصديق رضى الله عنه ابنته عائشة من الرسول صلى الله عليه وسلم وهى صغيرة دون إذنها، حيث لم تكن فى سن يعتبر فيها إذنها، وليس لها الخيار إذا بلغت، فكان سنُّها ست سنوات. ومن أجل هذا استحب الشافعية ألا يزوجها الأب أو الجد حتى تبلغ ويستأذنها، ولا يجوز لغير الأب والجد أن يزوج الصغيرة كما رآه الجمهور، فإن زوجها لم يصح الزواج، لكن أبا حنيفة وجماعة من السلف أجازوا لجميع الأولياء وقالوا بصحة الزواج، ولها الخيار إذا بلغت، وذلك لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم زوَّج أمامة بنت حمزة - وهى صغيرة- وجعل لها الخيار إذا بلغت، وهو لم يزوجها بوصفه نبيا، بل لأنها قريبته وهو وليها لأنها بنت عمه، ولو زوجها بوصفه نبيا لم يكن لها الخيار، كما قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} الأحزاب: 36 وقال بهذا الرأى عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة. أما الكبيرة فلا يجوز إكراهها على الزواج كما تقدم توضيحه فى صفحة 593 من المجلد الأول من هذه الفتاوى (10/63) ________________________________________ التعامل مع المطلقة رجعيا
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال طلقت زوجتى طلقة أولى رجعية وفى أثناء قضائها للعدة فى المنزل كانت تعاملنى كزوج في عدم تحجبها منى، وخدمتها لى، فهل هذا حرام؟
الجواب الإجابة على هذا السؤال مبنية على الخلاف فى أن الطلاق الرجعى يرفع عقد الزواج أو لا يرفعه، يقول الجمهور: إن الطلاق الرجعى لا يمنع الاستمتاع بالمطلقة، ولا تترتب عليه آثاره ما دامت المطلقة فى العدة، فهو لا يمنع استمتاعه بها، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر، والنفقة عليها واجبة، ويلحقها الطلاق والظهار والإِيلاء، وله الحق أن يراجعها دون رضاها، كما لا يشترط الإشهاد على الرجعة وإن كان مستحبا، وهى تحصل بالقول مثل: راجعتك، وبالفعل مثل الجماع والقبلة واللمس. والإمام الشافعى يرى أن الطلاق الرجعى يزيل للنكاح، ولا بد لرجوعها أثناء العدة من القول الصريح،ولا يصح بالوطء ودواعيه. ويشترط ابن حزم مع ذلك الإشهاد لقوله تعالى {وأشهدوا ذوى عدل منكم} الطلاق: 2. ومن هنا يجوز على رأى الجمهور أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتتطيب له وتلبس الحلى وتضع الكحل، لكن لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة كالتنحنح مثلا. والشافعى قال: هى محرمة عليه تحريما قاطعا كالأجنبية تماما، وقال مالك: لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ولا ينظر إلى شعرها، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرها، وقيل: إنه رجع عن القول بإباحة الأكل معه. وقد قلنا فى أكثر من موضع: إن الأمر إذا كان فيه خلاف، فللإنسان أن يأخذ بما شاء من الآراء حسب الظروف التى تحقق المصلحة (10/64) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:39 am | |
| خروج المعتدة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال طلقنى زوجا طلاقا بائنا ولزمت البيت فى العدة وأنا أعمل لكسب عيشى فهل أنقطع عنه، ومن أين آكل إذا لم أخرج؟
الجواب سبق فى صفحة 337- من المجلد الثالث من هذه الفتاوى الكلام عن المكان الذى تعتد فيه المطلقة والمتوفى عنها زوجها، وحكم خروجها من مكان العدة، ولزيادة الإِيضاح أقول بالنسبة إلى خروجها من المنزل: يقول الله تعالى: {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرا} الطلاق: 1، اختلف الفقهاء فى خروج المعتدة من المكان الذى تعتد فيه، فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا البائن أن تخرج من بيتها ليلا ولا نهارا، أما المتوفى عنها زوجها فتخرج نهارا وبعض الليل، ولكن لا تبيت إلا فى بيتها. والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها فى مال زوجها فلا يجوز لها الخروج كالزوجة، بخلاف المتوفى عنها زوجها فإنها لا نفقه لها، فلا بد أن تخرج بالنهار لكسب عيشها وقضاء مصالحها. وكانت عائشة رضى الله عنها تفُتى المتوفى عنها زوجها بالخروج فى عدتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله لعمل عمرة. وذهب الشافعية إلى عدم خروج المطلقة رجعيا لا ليلا ولا نهارا. أما المبتوتة فتخرج نهارا فقط، وذهب المالكية إلى جواز خروج المطلقة بالنهار سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا، فقد روى مسلم عن جابر أن خالته لما طلقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال " بلى، فجذى نخلك فإنك عسى أن تصدقى أو تفعلى معروفا " وكان طلاقها ثلاثا. والحنابلة أجازوا خروجها نهارا، سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا. أما المتوفى عنها زوجها فلها الخروج نهارا فقط. فعندما استشهد رجال يوم أحد جاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال " تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها " وليس لها المبيت فى غير بيتها ولا الخروج ليلا إلا للضرورة، لأن الليل مظنة الفساد. وأقول لصاحبة السؤال: ما دام الطلاق بائنا فلك الخروج بالنهار أثناء العدة على أن يكون المبيت بالمنزل، وذلك على رأى الجمهور (10/65) ________________________________________ دية المرأة والكتابى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا قتلت امرأة هل تكون ديتها كدية الرجل أو على النصف من ديته كالميراث وما هى دية الكتابى؟
الجواب ذهب أكثر العلماء إلى أن دية المرأة إذا قتلت تكون على النصف من دية الرجل، فقد روى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت رضى الله عنهم أجمعين، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعا، وذلك قياسا على نصيبها فى الميراث، وعلى شهادتها فهى على النصف من نصيب الرجل وشهادته، وليس فى ذلك نص فى القرآن أو السنة الصحيحة. أما دية الكتابى وهو اليهودى والنصرانى فهى عند أبى حنيفة كدية المسلم لقول الله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة} النساء: 92 قال الزهرى: كانت كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة، حتى كان معاوية فجعلها على النصف يعطى له، ويوضع النصف الثانى فى بيت المال، ولما جاء عمر بن عبد العزيز ألغى النصف الذى يوضع فى بيت المال. وديته عند مالك على النصف عن دية المسلم، أما الشافعى فقال: إنها على الثلث ونساء أهل الكتاب ديتهن على النصف من دية الرجل منهم، وقال أحمد بن حنبل فى رواية عنه: دية الذمى مثل دية المسلم إن قتل عمدا، وإلا فنصف دية، والأدلة والمناقشة يرجع إليها فى " نيل الأوطار للشوكانى ج 7 ص 68 - 72" (10/66) ________________________________________ سن الزواج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل هناك سن محددة لصحة عقد الزواج، ولماذا قررت بعض الدول سنَّا معينة لذلك؟
الجواب ذكرت فى ص 357 من الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإِسلام أن التشريعات القديمة لم تهتم بتحديد سن للزواج، حتى جاء فى أوروبا "جوستنيان" فحدده باثنتى عشرة سنة للبنت وبأربع عشرة للولد، وإن كان ذلك لم يحترم بعد دخول النصرانية أوروبا، كما حدث فى زواج مارى ستيوارت بهنرى الثامن وسنها ست سنوات. والزواج المبكر كان منتشرا فى بعض البلاد الشرقية وما تزال صورته فى العصر الحديث كالهند التى تزوج الأجنة فى البطون، بناء على فلسفة دينية فيها أن مجرد اسم الابن يخلص أباه من جهنم ثم انتهى الأمر عندهم إلى تحديده. ومجاراة لسنة التطور لجأت الدول إلى وضع سن محددة للزواج، وإن كان الناس يتحايلون على عدم احترام ذلك بطرق شتى. والإِسلام لم يضع سنًّا محددة للزواج، وإنما وضع حدًّا للتكليف بوجه عام. وهو البلوغ إما بالعلامة الطبيعية أو بمرور خمس عشرة سنة قمرية، وللظروف أثرها فى العلامة الطبيعية، غير أن هذه السن لم يجعلها الإِسلام أساسا لصحة العقد، فقد أجازه قبل ذلك عن طريق أولياء الأمور. وعلى الرغم من عدم تحديد سن الزواج فيستحسن أن يبكر به بأن يكون فى أوائل سنوات البلوغ حيث يكون نضج الفتى والفتاة، وذلك لعصمتهما من الانحراف، ومع ذلك فى التبكير الشديد إرهاق بالتكاليف التى تحتاج إلى عقل ورشد، ومن هنا أرى أن قيام بعض الحكومات بتحديد سن الزواج فيه خير، على أن يراعى فى التحديد كل الظروف، وتجب طاعة أولى الأمر فى تنفيذ القوانين والقرارات ما دامت فيها مصلحة، فالله يقول: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59 (10/67) ________________________________________ صلاة المرأة على الجنازة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للمرأة أن تصلى على الجنازة؟
الجواب نعم يجوز، حيث لا يوجد دليل بمنعها بل أقرها الصحابة حيث صلت النساء على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الرجال عليه، والروايات ضعيفة، ولكن لم يثبت أن النساء مُنعن من الصلاة عليه وقد أمرت عائشة -رضى الله عنها- أن يؤتى بسعد بن أبى وقاص لتصلى عليه، وذكر ابن الأثير فى أسد الغابة فى ترجمته أن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم صلين عليه. وقال النووى: ينبغى أن تسن لهن الجماعة كما تسن فى غيرها، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثورى وأحمد والأحناف، وقال مالك: يصلين فرادى. فالمهم أنه لا مانع من صلاة المرأة على الجنازة وذلك باتفاق الأئمة (10/68) ________________________________________ العداوة فى الأسرة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد تفسير قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} وكيف يتناسب ذلك مع ما ورد فى الزواج من سكن ومودة ورحمة؟
الجواب الأسرة تقوم على الزوج والزوجة والأولاد، وهى إذا أحسن توجيهها حققت السكن والمودة والرحمة، لكن ليست كل الأسر تستطيع الالتزام بتوجيهات الدين، ومن هنا يأتى القلق والبغض والقسوة، وتكون المساءلة الشديدة أمام الله سبحانه، ولذلك أوصى الإِسلام ببناء الأسرة على أسس القيم الرفيعة الموجودة فى الرجل والمرأة، فتُختار المرأة ذات الدين والخُلق، ويُختار الرجل ذو الدين والأمانة كما جاء فى السنة النبوية. وإذا وجب على الأسرة أن تتعاون لتحقيق أهدافها فكيف تكون العداوة أو من أين تأتى؟ إن الآية الكريمة تبين أن بعض الأزواج -الزوجات- وبعض الأولاد قد يكونون أعداء للزوج والوالد، وليس الكل أعداء، وإلا ما كانت هناك حاجة إلى الزواج، ولذلك عبرت الآية بلفظ " مِنْ " التى تفيد التبعيض. والعداوة تأتى من مخالفة الوصية بحسن المعاشرة، وعدم التزام أفراد الأسرة بالواجبات المفروضة عليها، والاهتمام بالحقوق أكثر من الواجبات، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف} النساء: 19 وقال: {ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} البقرة: 228 وقال {الرجال قوَّامون على النساء بما فضًل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء: 34 وقال: {وبالوالدين إحسانا} الإِسراء: 23 إلى غير ذلك من النصوص التى تبين الحقوق والواجبات. جاء فى سبب نزول الآية التى فى السؤال أن بعض الرجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فى المدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم، فلما أتوا النبى صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد تفقهوا فى الدين همُّوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، رواه الترمذى بسند حسن صحيح فنزلت الآية ولذلك جاء فى آخر الأية {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} والعفو هو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح هو إزالة أثره من النفس، يقال: صفح عنه أعرض عن ذنبه، وضرب عنه صفحا أى أعرض عنه وتركه، والغفر هو الستر. وقيل: نزلت فى عوف بن مالك الأشجعى، كان إذا أراد الغزو بكت الزوجة والأولاد ورققوه قائلين: إلى من تتركنا؟ فيرق لهم. وفى حديث ضعيف "يكون هلاك الرجل على يد زوجته وأولاده، يعيّرونه بالفقر فيركب الصعب من أجلهم". ومن جهاد الزوج لهم ما فى البخارى أن الشيطان قعد لابن آدم -وسْوس أو أغرى زوجته وأولاده ليقولوا له- فى طريق الإيمان فقال: أتؤمن بالله وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه فآمن، فقعد له فى طريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر مالك وأهلك؟ فخالفه فهاجر، فقعد له فى طريق الجهاد فقال: أتجاهد فتقتل نفسك وتنكح زوجاتك ويقسم مالك؟ فخالفه وجاهد، فحق على الله أن يدخله الجنة وفي الحديث "الأولاد مَجبنة مبخلة" أو " مُجَبِّنَةٌ مُبَخِّلةٌ" رواه البغوى. وأخرج الترمذى عن خولة بنت حكيم قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مُختَضِنٌ أحد ابني بنته وهو يقول "إنكم لتبخِّلون وتجبِّنون وتجهلون، وإنكم لمن ريحان الله ". أى تحملون على البخل على غيركم إيثارا لكم، وتحملون على الجبن والقعود عن الجهاد، وتحملون على الاعتداء على غيركم دفاعا عنكم. والموضوع مبسوط فى كتابنا "تربية الأولاد فى الإِسلام" وفى هذا القدر كفاية (10/69) ________________________________________ شهادة المرأة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن الإسلام لم ينصف المرأة بمساواتها للرجل فى الشهادة حيث جعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل، فكيف نرد عليهم؟
الجواب يقول الله سبحانه {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} البقرة: 282. وأبادر فأقول: إن مساواة المرأة بالرجل ليست على إطلاقها فى أى دين من الأديان، بل ولا فى الشرائع المنصفة العاقلة، فذلك أمر مستحيل لاختلاف النوعين فى التكوين والاستعداد، وهو صنع الله سبحانه لإمكان تحقيق الإنسان للخلافة فى الأرض، وهو يعلم المصلحة، ولا نعلم نحن ما يعلمه الله سبحانه. وفى موضوع الشهادة قررت الآية السبب فى كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وهو تعرضها للنسيان كثيرا عند تحمل الشهادة وعند أدائها، ولا بد من التسليم بما قاله القرآن فى ذلك، وقد أثبت العلم أو أكد صحة هذا السبب، وشرحه الدكتور السيد الجميلى "مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1415 هـ " حيث تحدث عن مرض "الهستريا" الذى يكثر عند النساء، ومن مظاهره سرعة الانفعال والتحول من حال إلى حال قد يكون على النقيض، وقد يفضى إلى الانفصام، وكان القدماء يرون أن سمات هذه الهستريا لصيقة بالنساء لا تزايلهن، لكن الواقع يؤكد إصابة الرجل بها أيضا لكن فى أضيق الحدود. ولما كان للشهادة قيمتها فى إثبات الحقوق احتاط لها الشارع منعا للظلم وإقرارًا للعدل، وقرر الفقهاء فى هذا الخصوص أن لشهادة المرأة مجالات. 1 -ففى مجال الأمور الخاصة بالنساء والتى لا يطَّلع عليها الرجال فى الغالب كالولادة والبكارة تقبل شهادة المرأة ولا حاجة إلى شهادة الرجل معها، وروى فى ذلك حديث "شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه " وهذا لا يمنع قبول شهادة الرجال، كالأطباء الممارسين لأعمال التوليد والجراحة، سواء أكانوا منفردين أم كان معهم نساء ومع قبول المرأة فى هذا المجال اختلف الفقهاء فى العدد اللازم لاعتمادها، فقيل: تكفى شهادة امرأة واحدة، وقيل: لا يكفى أقل من اثنتين إلا فى حالتين خاصتين وهما: استهلال المولود للحياة، وحالة الرضاع. وقيل: لا بد من شهادة أربع من النساء إلا فى حالة الرضاع فتكفى شهادة امرأة واحدة. 2 - فى مجال الأمور المتصلة بالأسرة كالزواج، رأى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة، بل لابد من رجلين على الأقل، كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} المائدة: 106 وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " رواه ابن حبان فى صحيحه، وأجاز الحنفية شهادة رجل وامرأتين قياسا لشئون الأسرة على الشئون المالية. 3-وفى مجال المعاملات المالية نصت آية الدَّين على قبول شهادة المرأة مع الرجل، وهى مذكورة فى أول الإجابة، والتعليل كما سبق ذكره ليس فيه إهانة للمرأة، بل هو تقرير للحقيقة من أجل الحفاظ على الحقوق، وذلك هو الغالب فى النساء بالفطرة. 4 - وفى مجال الحدود والقصاص ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم قبول شهادتها فيها، وذلك لخطورتها، حيث تدرأ الحدود بالشبهات، وتقر القوانين أن الشك يفسر لصالح المتهم، وقد تحملها رقتها فى هذا المجال على التغيير لصالح المتهم، وأجاز ابن حزم شهادة النساء منفردات فى هذا المجال عدا حد الزنا "ملخص من مقال الدكتور عبد السميع أبو الخير فى المجلة المذكورة ". ومن أراد الاستزادة فليرجع إليها لتوضيح الرأى الطبى والفقهى (10/70) ________________________________________ الرضاع من ميتة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الحكم لو رضع طفل من امرأة ميتة، هل يثبت به التحريم أو لا يثبت
الجواب معلوم أن الرضاع فى الحولين يثبت حرمة بين الطفل وبين من رضع منها، وتمتد الحرمة إلى من يتصل بها على قاعدة " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " مع الخلاف فى عدد الرضعات التى تسبب التحريم، والوسيلة التى وصل بها اللبن إلى جوف الطفل. والرضاع من المرأة الميتة، إما أن يكون بعد موتها، بأن يؤخذ منها اللبن أو يرضع منها الطفل وهى ميتة، وإما أن يكون اللبن قد أخذ منها قبل موتها ثم رضعه الطفل بعد أن ماتت، ففى الحالة الأولى يقول جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والحنابلة - وأهل الظاهر: يقع التحريم برضاع اللبن المأخوذ من المرأة الميتة، لأن المقصود من اللبن التغذى وقد حصل، يستوى فى ذلك أن تكون المرضع حية أو ميتة، وأما الشافعية فيرون أن هذا الرضاع لا يثبت التحريم، لأن اللبن من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة " الخطيب ج 2 ص 183 والمغنى ج 9 ص 198 ". وفى الحالة الثانية التى حلب فيها اللبن وهى حية ثم شربه الطفل بعد موتها، فالجميع متفقون على أنه يثبت التحريم (10/71) ________________________________________ مدة الرضاع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم من يرضع وسنه أكبر من سنتين، هل يثبت التحريم برضاعه؟
الجواب اتفق الفقهاء على أن الرضاع المثبت للتحريم يكون فى مدة الرضاع ولو رضع بعد ذلك لا يثبت برضاعه تحريم، ولم يخالف أحد من العلماء فى ذلك، لكن جاء أن السيدة عائشة رضى الله عنها تثبت به التحريم وتبعها داود الظاهرى وابن حزم فى ذلك. وما هى مدة الرضاع التى يثبت التحريم فى أثنائها؟ الاتفاق بين الأئمة على أن الرضاع فى الحولين يثبت التحريم، إذا كان الطفل لم يفطم أما إذا فطم فى أثناء الحولين، ورضع قبل انتهائهما، أو رضع بعد الحولين، أو رضع وهو كبير ففيه خلاف. أما رضاع الكبير الذى جاوز ثلاثين شهرا فالكل متفق على أنه لا يثبت به تحريم وخالف فى ذلك أهل الظاهر كما سبق ذكره، فإن لم يجاوز الثلاثين شهرا ورضع ثبت برضاعه التحريم حتى لو فطم قبل الرضاع على رأى أبي حنيفة، لأن المدة عنده ثلاثون شهرا بناء على قوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} الأحقاف:15 حيث فسر الحمل بالحمل باليد وفى الحجر، وليس حمل الجنين فى البطن، وأما قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} البقرة: 233 فمحله عند تنازع الوالدين على أجرة الرضاع عند الطلاق، وقال بعض الأحناف: إن المدة ثلاثة أعوام وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبى حنيفة قالا: المدة حولان تكمل ثلاثين شهرا مع مدة الحمل وهى ستة أشهر، ويقال: إن أبا حنيفة رجع عن قوله ليطابق قول الصاحبين وقول سائر الأئمة فى أن من جاوز الحولين لا يثبت برضاعه تحريم. وأجابوا عن رأى عائشة الذى تابعها فيه داود وابن حزم بأنه منسوخ بحديث " لا رضاع إلا ما كان فى الحولين " رواه الدارقطنى. والمالكية زادوا على الحولين شهرا أو شهرين ما دام الطفل يعتمد على الرضاعة، أو يتناول معه شيئا يضره الاقتصار عليه، ولو فطم يوما أو يومين ثم عاد إلى الرضاعة يثبت التحريم. والشافعية جعلوا المدة حولين قمريين وكذلك قال الحنابلة وذكر الشوكانى " نيل الأوطارج 6 ص 333" تسعة أقوال فى تقدير المدة يرجع إليها من شاء. وأما رأى الظاهرية وابن حزم فمعتمد على حديث رواه مسلم وأحمد أن أم المؤمنين أم سلمة قالت لعائشة رضى الله عنهما: إنه يدخل. عليك الغلام الأيفع - المقارب للبلوغ - الذى ما أحب أن يدخل علىَّ، فقالت عائشة: أما لك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ وقالت:إن امرأة أبى حذيفة قالت: يا رسول الله إن سالما يدخل علىَّ وهو رجل، وفى نفس أبى حذيفة منه شىء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضعيه حتى يدخل عليك " وفى رواية عن أم سلمة أنها قالت: أبَى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا. ولم يأخذوا بخصوصية ذلك لسالم مولى أبى حذيفة، فهو رأى وليس حديثا لكن الجمهور قال: إن هذه خَصوصية، والحكم العام هو عدم تحريم رضاع الكبير، والشوكانى فى نيل الأوطار: "ج 6 ص 332" تحمس لرأى ابن حزم وقال: إنه مذهب على بن أبى طالب (10/72) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:41 am | |
| الطلاق السنى والبدعى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو الطلاق السنى والطلاق البدعى. وما معنى الطلاق البائن؟
الجواب الطلاق السنى فى عرف الفقهاء هو طلاق المرأة فى طهر جامعها فيه وليست حاملا ولا آيسة ولا صغيرة، والطلاق البدعى هو طلاق المرأة المدخول بها فى الحيض أو فى النفاس أو فى طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها. والطلاق البدعى وإن كان مكروها أو محرما يقع على رأى جمهور الفقهاء، وقد صح أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما طلق زوجته وهى حائض، فسأل عمر الرسول عن ذلك فقال " مُرهُ فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع ". وللعلماء كلام طويل حول هذا الحديث، رأى بعضهم أن الطلاق وقع لأن الرسول أمره بمراجعتها، والمراجعة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق، ورأى بعضهم عدم وقوعه. ويمكن الرجوع إلى توضيح ذلك فى كتاب " زاد المعاد " لابن القيم. هذا، والطلاق البائن نوعان، الأول بائن بينونة صغرى، وهو ما كان قبل الدخول، أو كان بعده وطلقها على عوض وهو الخلع، أو طلقها طلاقا رجعيا للمرة الأولى أو الثانية ثم انتهت عدتها. وهذا النوع لا بد فيه من عقد جديد مستوف للأركان، والشروط إذا أراد المطلق أن يعيدها إلى عصمته، والنوع الثانى بائن بينونة كبرى، وهو الطلاق المكمل للثلاث، وهو يحتاج إلى زواج آخر صحيح بنية التأبيد لا التحليل حتى يمكن أن يعيدها إلى عصمته، قال تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ..} البقرة: 229 ثم قال بعد ذلك {فإن طقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة 230] . وبشرط المباشرة الجنسية كما نص عليه الحديث الشريف، ويمكن الرجوع في توضيح ذلك إلى عنوان زواج التحليل فى صفحة 555 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى (10/73) ________________________________________ الرضاع وحقن اللبن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الحكم لو وصل لبن المرأة إلى الطفل بطريق الحقنة وليس بطريق الرضاع، هل يثبت به التحريم فى الزواج؟
الجواب النصوص الواردة قى القراَن والسنة عبَّرت بالرضاع، والرضاع معروف أنه مَصُّ اللبن من الثدى، أما وصول اللبن إلى الطفل بغير ذلك ففى حكمه خلاف، يرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن حكم الرضاع يثبت بمص اللبن من الثدى، وبصبه فى الفم، وهو ما يعبر عنه بالوجور، وكذلك بالسعوط وهو صبه فى الأنف، ومثله ما لو عمل اللبن جبنا وأكله الطفل، وأبو حنيفة يخالف فى مسألة الجبن، لزوال اسم اللبن عنه. أما داود وابن حزم الظاهريان فقصرا الرضاع المحرم على المص بالفم فقط، واستدل الجمهور بأن الغرض من الرضاع وهو طرد الجوع، وإنبات اللحم ونشز العظم يحصل بأية وسيلة تكون، كما جاء التعبير عن الغرض فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التى رواها البخارى وغيره. وإذا وصل اللبن إلى جوف الطفل بحقنة شرجية لم يحرِّم عند أبى حنيفة ومالك واحمد، ويحرِّم عند الشافعى، كما يفطر به الصوم. وله رأى آخر كالجمهور، لأن الحقنة فى الشرج ليست للتغذية ولكن للإسهال. ورأى الظاهرية معتمد على النص على الرضاعة وهى لا تكون إلا بمص اللبن من الثدى، فهم ملتزمون بالنص، والآخرون ناظرون إلى الحكمة، والوسائل فى تغير وتطور (10/74) ________________________________________ أدب النساء فى الطرق والمجالس
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى سير النساء ووجودهن فى الأماكن العامة مرتديات ملابس تثير غرائز الشباب؟
الجواب إذا خرجت المرأة من بيتها وكان هناك أحد أجنبى عنها وجب عليها أن تستر ما أمر الله بستره بملابس سابغة ليست محددة ولا شفافة، وأن تبتعد عن الزينة اللافتة للنظر، وعن العطور النفاذة، وان تلتزم الأدب فى مشيها وكلامها وفى كل أحوالها، كما نصت عليه الآيات والأحاديث. والمقصرة فى ذلك تسىء إلى نفسها بالتعرض لها أو التحرش بها، وتسئ إلى أسرتها وتسئ أيضا إلى المجتمع كله، والحديث الذى رواه البخارى ومسلم يقول " ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء" وعلى المسئولين من الأباء والأزواج بالذات أن يراقبوا ذلك منعا للضرر وحفاظا على الشرف، فالله يقول {نما أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} التحريم: 6 والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث المتفق عليه " والرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته ". وإذا كان على الرجال أن يراعوا أمر الله من الحفاظ على الشرف والحرمات فكذلك على النساء أن يراعين ذلك. فعندما قال عن الرجال {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} النور: 30 قال عن النساء {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن. . .} النور:31. وإذا كانت القوانين الوضعية - كالقوانين الدينية - تحرم الاغتصاب فعليها أيضا أن تحرم الخروج على الآداب من الطرف الاخر، ليتعاون الجميع على تحقيق الغرض من التشريع. ورحم الله مصطفى صادق الرافعى الذى قال: إذا عاقبت الفتى مرة فإنى أعاقب الفتاة مرتين، لأنها كشفت اللحم للقط. إن الإصلاح لا يكون من طرف واحد، بل لابد من تعاون كل الأطراف، وعدم المبالاة والسكوت على الباطل يأباهما الدين، والله يقول {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} الأنفال: 25] (10/75) ________________________________________ الطلاق بالرجال
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من الحديث ما يقال: الطلاق بالرجال، وكيف تكون العصمة بيد المرأة؟
الجواب روى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " يقول ابن عباس: أتى رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، سيدى زوجنى أمته وهو يريد أن يفرق بينى وبينها، فصعد النبى صلى الله عليه وسلم المنبر فقال " يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن " يفرق بينهما؟ إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " قال ابن القيم عن هذا الحديث: فى إسناده مقال ولكن القران يعضده. وذكره السيوطى فى الجامع الصغير ورمز له بأنه حسن من رواية الطبرانى عن ابن عباس، وقال لمناوى فى " فيض القدير" رمز المصنف بحسنه ليس فى محله. ولمهم -بيان أن الطلاق يكون بيد الرجل، لأن الله جعل له القيام على المرأة بسبب مواهبه وبما كلف به من دفع المهر لها والإنفاق عليها، قال تعالى {الرجال قوامون على لنساء بما فضَل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالمهم} النساء: 34 ومن لوازم هذا أن تكون العصمة بيده، إن شاء أمسك وإن شاء طلق. ولقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم لمؤمنات ثم طلقتموهن} لأحزاب: 49 وقوله {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} البقرة: 131 حيث جعل الله الطلاق لمن ينكح، إن شاء أمسك وإن شاء طلق. ولأن الرجل أعقل من المرأة وأضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب على الطلاق، وقد أفاض ابن القيم فى بيان حكمة التشريع فى جعل الطلاق بيد الرجل، وذلك فى كتابه" زاد المعاد" ج 4 ص70، 13 2 فمن الصواب أن يكون الطلاق بيده. ومع كون الطلاق حقا للرجال أجاز بعض العلماء أن ينيب غيره فيه بأن يجعل له حق تطليق زوجته استنادا إلى تخيير النبى صلى الله عليه وسلم لنسائه وقد مَرَّ توضيح،ذلك فى صفحة 591من المجلد الأول من هذه الفتاوى فليرجع إليه (10/76) ________________________________________ تقبيل زوجة الابن وأم الزوجة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز للرجل أن يقبل زوجات أبنائه، وما حكم الدين إذا صاحب ذلك نوع من الشهوة؟
الجواب زوجة الابن من المحرمات على الأب بمجرد عقده عليها، فهى كبنته فى الحرمة، قال تعالى فى آية التحريم فى النساء: 23 {وحلائل أبنائكم الظين من أصلابكم} فإذا كانت قبلته لبنته رحمة وحنانا وتكريما فلا حرج فى ذلك، والرحمة والحنان والتكريم يتنافى مع القصد الخبيث الذى يثير الشهوة، فإذا كانت القبلة بشهوة كانت محرمة دون شك فى ذلك، لأنها فتنة، وقد يستغل تحريم الزواج بها استغلالا سيئا، وبخاصة إذا كانت جميلة وهو لم يزل فى سِن لا تحول بينه وبين إشباع رغبته المعروفة، حتى لقد قال العلماء: إن تقبيل الولد لأمه إذا كان بشهوة فهو محرم. ومن أجل الخطورة فى مثل هذه الحالة حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء فى غيبة أزواجهن، ولما سأله واحد: أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال " الحمو الموت " والحمو هو قريب الزوج كأخيه وقريب الزوجة كابن عمها وابن خالها. رواه مسلم. هذا، ويقال مثل ذلك فى تقبيل الرجل لأم زوجته، فهو جائز بدون قصد الشهوة لأنها بمنزلة أمه، فهى من المحرمات عليه بمجرد العقد على بنتها قال تعالى {وأمهات نسائكم} النساء: 23 وكذلك تقبيل المرأة لزوج بنتها حلال لحرمة زواجه منها، فهو كابنها، ولكن أحذر من أن يكون ذلك بشهوة، وبخاصة إذا كانت المرأة غير متزوجة وفى سِن تحس فيه بالحاجة إلى ما تحس به كل امرأة، أو كان زوجها غائبا عنها مدة تحس فيها بألم الفراق. وقد يخفى الألم فى نفسه من يرى أن أباه يقبِّل زوجته، ومن يرى أن زوجته تقبل زوج بنته أو يقبلها، وبعض الزوجات الشابات يشكون من تقبيل أزواجهن لأمهاتهن وبخاصة إذا كان فى التقبيل مبالغة أو صاحبته أحضان، فالواجب مراعاة ذلك مع الإيمان بأن الله يعلم النيات، ولكل امرئ ما نوى (10/77) ________________________________________ لبن الفحل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال رجل له زوجتان، رضعت من إحدى هاتين الزوجتين، فهل يصح لى أن أتزوج بنت هذا الرجل من زوجته للأخرى التى لم أرضع منها؟
الجواب المعلوم أن الولد إذا رضع من امرأة فى مدة الحولين خمس رضعات معلومات صار- على رأى الشافعى وهو المختار للفتوى - اخا لكل أولادها، يستوى فى ذلك من رضع معه ومن رضع قبله أو بعده - فلا يصح أن يتزوج من إحدى بناتها لأنهن أخواته، ولا من أخوات المرضع لأنهن خالات له، وكذلك لو رضعت بنت من امرأة حرم عليها كل أولادها لأنهم أخوتها، وحرم عليها إخوة المرضع لأنهم أخوالها، وقد جاء فى الحديث المتفق عليه "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". لكن هل يصير زوج المرضع أبا للرضيع أو لا؟ هذه مسألة اختلف فيها الفقهاء قديما وحديثا، وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة، على أن الرضاع يثبت أبوة زوج المرضع للرضيع، فهو الذى تسبب فى نزول لبنها الذى رضعه، وعليه يكون جميع أولاد هذا الزوج إخوة وأخوات للرضيع يستوى فى ذلك أولاده من الزوجة التى أرضعت الرضيع، وأولاده من الزوجة الأخرى التى لم يرضع منها. ودليلهم فى ذلك ما رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل علىَّ أفلح أخو أبى القعيس، فاستترت منه ولم اذن له، فقال: أتستترى منى وأنا عمك؟ قلت: من أين؟ قال:أرضتك امرأة أخى، فقلت: إنما أرضعتنى المرأة ولم يرضعنى الرجل، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه، فقال: " إنه عمك فليدخل عليك ". ومن أدلتهم كذلك ما رواه البخارى أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية، والأخرى غلاما، فهل يتزوجان؟ فقال: لا، اللقاح واحد. يقول النووى: لم يخالف فى هذه المسألة إلا أهل الظاهر وقليل،ودليلهم عقلى أكثر منه نقليا، فما احتجوا به ليس نصا فى دعواهم. وتفريعا على رأى الجمهور فى ترتب التحريم على لبن الفحل وهو زوج المرضعة، قد يكون الأخوان من الرضاع شقيقين إذا رضعا من زوجة رجل واحد، وقد يكونان أخوين لأم، إذا أرضعت أحدهما بعد ولادتها من زوج، ثم أرضعت الاخر بعد ولادتها من زوج اخر، وقد يكونان أخوين لأب، إذا كان لرجل زوجتان، رضع أحدهما من زوجة والاَخر من زوجته الأخرى. وعلى هذا نقول لصاحب السؤال: لا يجوز لك ان تتزوج من بنت هذا الرجل من زوجته الأخرى، غير زوجته التى أرضعتك فهى أختك من الأب (10/78) ________________________________________ الزغاريد فى الأفراح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم زغاريد النساء فى الأفراح؟
الجواب زغاريد النساء فى الأفراح تعطى حكم صوت المرأة وغنائها، فإذا كانت بنبرات عادية غير فاتنة فلا بأس بها، وبخاصة إذا كانت فى محيط النساء لا تصل إلى الرجال الأجانب، أما إن كانت بنبرات فيها إثارة أو فتنة، فالشرع لا يوافق عليها إذا وصل صوتها إلى الرجال الأجانب كما هو الغالب فى أفراح اليوم (10/79) ________________________________________ نقوط الفرح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى المجاملات بين الناس فى حالات الزواج وغيرها بتبادل الهدايا والأموال بما يسمى "النقطة " بغرض المساعدة، وكثيرا ما ينتظر الناس هداياهم وأموالهم وقد يطالبون بردها؟ وهل تعد هذه الهدايا والأموال دينا إذا توفى الشخص المتلقى للهدايا والأموال، فيقوم أهله بردها؟
الجواب النقوط الذى اعتاد الناس تقديمه بمناسبة الزواج - قال عنه علماء الشافعية: إنه من باب الإعارة، يرجع به صاحبه سواء أكان مأكولا أم غير مأكول "حاشية عوض على الخطيب فى باب الهبة" وعلى هذا الرأى تكون الهدايا دينًا يلزم الوفاء به فى حياة الإنسان وبعد مماته، ويخرج ذلك من التركة قبل توزيعها كما نص القراَن الكريم فى آيات المواريث {من بعد وصية يوصى بها أو دين} وبعض الناس يحرصون على رده أورد مثله فى مناسبة مماثلة، وقد يسبب التقصير فى ذلك مشاكل كبيرة، والأعراف على كل حال تختلف. فيرجع إلى العرف ليحكم عليه بأنه هبة للمساعدة والمجاملة، لا ينظر إلى ردها، أو بأنه إعارة أو سُلفة لابد من ردها أو رد مثلها، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطا. وأرجو أن يدفع بسخاء نفس ولا ينظر إلى رده، فقد تحول الظروف دون ذلك، وقد تختلف القوه الشرائية فيكون الهمس والتعليق الذى يحز فى النفس. إن قصد الهبة قصد طيب يحقق معنى التعاون على البر، واجرها كبير عند الله، والأعمال بالنيات (10/80) ________________________________________ ما يثبت به الرضاع
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى الوسائل التى يثبت بها الرضاع؟
الجواب لا شك أن الرضاع من موجبات التحريم فى الزواج، بنص القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف. كما أنه يحتاط فى الأبضاع ما لا يحتاط فى غيرها. وإذا كان هناك خلاف فى عدد الرضعات المحرِّمة فإن الأحوط قبل الزواج أن يؤخذ بالقول الذى يحرم برضعة واحدة، وإن جاز الزواج على أقوال أخرى، كما أن الأحوط بعد الزواج، وبخاصة إذا كانت هناك ذرية، أن تبقى الأسرة على وضعها بناء على القول الذى لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات أو أكثر، وإن وجب التفريق على أقوال أخرى. والملاحظ أن أمر الرضاع يطلع عليه النساء أكثر من الرجال، ولذلك قبل فيه بعض الأئمة شهادة النساء دون حاجة معهن إلى الرجال، فيثبت بشهادة أربع نسوة. كما يلاحظ أن بعض النساء اللاتى لسن على الدرجة المطلوبة من خوف الله، إذا رغبن فى زواج رجل وامرأة ينكرن حدوث رضاع بينهما، وإذا لم يرغبن فى هذا الزواج، سواء أكان قبل إتمامه أو بعده يؤكدن أنه حدث بينهما رضاع،وهنا تكون المشكلة. وقد تحدث العلماء عما يثبت به الرضاع، فقالوا يثبت بالإقرار أو البينة. الإقرار: يراد بالإقرار اعتراف الطرفين، أو أحدهما، وهذا الإقرار قد يكون قبل الزواج أو بعده. 1 - فإذا أقر رجل بأن هذه المرأة أخته من الرضاع فإن صدقته فى إقراره ثبتت الحرمة بينهما بهذا التصادق، سواء أكان قبل الزواج أو بعده، وكذلك إذا أقرت المرأة وصدقها الرجل. وعند الافتراق قبل الدخول فلا شىء لها من المهر، وإن كان بعد الدخول وجب الأقل من المهر المسمى ومهر المثل، وذلك شأن كل نكاح فاسد أعقبه دخول، ولا تجب لها نفقة فى عدتها ولا سكنى. 2 - وإذا أقر الرجل وكذبته المرأة ثبت التحريم أيضا ووجب التفريق بعد الزواج، فإذا كان قبل الدخول وجب لها نصف المهر، وإذا كان بعد الدخول وجب المهر كله، إذا كان مسمى، كما أن لها النفقة والسكنى فى مدة العدة، لأن إقراره حجة قاصرة عليه، ولا يتعدى إلى حقوق المرأة بالإبطال ما دامت مكذِّبة له. فإذا رجع عن إقراره بالرضاع يقبل رجوعه بشرط ألا يكون قد أكد إقراره الأول بما يفيد اليقين. ولو كان رجوعه بعد العقد يبقى العقد قائما كما كان. 3- وإذا أقرت المرأة بالرضاع وكذبها الرجل فلا يجوز لها أن تتزوجه فإذا رجعت عن إقرارها يجوز لها الزواج، أما إن كان الإقرار بعد الزواج وكذبها الزوج فلا عبرة بإقرارهما حتى لو أصرت عليه لأنها متهمة فيه، فقد يكون لها غرض فى التخلص منه بهذا الادعاء، بخلاف إقراره هو فإنه يقبل ولا عبرة بإنكارها، لأنه غير متهم فى إقراره بأنه يريد التخلص منها، لأن تخلصه منها ممكن بالطلاق الذى يملكه، دون حاجة إلى الإقرار بالرضاع ولدوران الحكم على التهمة لو كان أمرها بيدها فى الطلاق تصدق فى إقرارها بالرضاع. البينة إذا كان هناك اتفاق بين العلماء على اعتبار البينة فى ثبوت الرضاع فإن بينهم خلافا فى قدر هذه البينة والعدد الذى يعتبر فيها. فمنهم من اكتفى بشهادة النساء وحدهن، وهؤلاء منهم من يكتفى بامرأة واحدة إذا كانت معروفة بالصدق والعدالة، ومنهم من يشترط العدد، وهو امرأتان على الأقل، ومنهم من يشترط أربع نساء، ومنهم من لا يكتفى بشهادة النساء وحدهن، فالرضاعة لا تثبت عندهم إلا برجلين، أو رجل وامرأتين. 1 - فالذين يكتفون بشهادة امرأة واحدة هم الحنابلة، وهو رواية عن مالك، وهذا القول مروى عن عثمان وابن عباس والزهرى والحسن وإسحاق والأوزاعى ومروى كذلك عن أبى عبيد إلا أنه قال: يجب على الرجل أن يعمل بقول المرأة فيفارق زوجته، لكن لا يجب على الحاكم أن يحكم بشهادتها وحدها إذا رفع الأمر إليه. واستدل هؤلاء بحديث رواه البخارى وغيره أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحى بنت إهاب، فجاءت بأمة سوداء وأخبرتهما بأنها أرضعتهما، ولما رفع الأمر إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أبره أن يفارقها على الرغم من أن عقبة يظنها كاذبة، ولما كرر عقبة على الرسول هذا الخبر قال له "كيف وقد قيل، دعها عنك ". فدل هذا على أن الزواج وقع فاسدا وتجب المفارقة. ولو كان قد وقع صحيحا وأراد له النبى أن يفارقها استحبابا لا وجوبا لقال له: طلِّقها، ولم يقل له ذلك. ثم قال أصحاب هذا الرأى، ردًّا على من يشترطون العدد فى الشهادة إن قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} البقرة: 282، قول عام يخصص بحديث عقبة المذكور. وردوا أيضا على ما روى أن عليًّا وابن عباس والمغيرة لم يفرقوا بين الزوجين بسبب شهادة واحدة على الرضاع بأن المقرر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عن الرسول، فكيف تكون حجة وهى معارضة لما ثبت عنه. 2 -والجمهور على عدم الاكتفاء بشهادة واحدة على الرضاع، ومن هؤلاء من اكتفى بشهادة امرأتين، وهو الإمام مالك ومنهم من اشترط أن يشهد رجلان أو امرأتان وهو أبو حنيفة، ومنهم من أجاز الشهادة من أربع نسوة وهو الشافعى. هذا، وقد قال الشوكانى فى نيل الأوطار، (ج 6 ص 338) : حكى فى البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية أنه يجب العمل بالظن الغالب فى النكاح تَحريما، ويجب على الزوج الطلاق إن لم تكتمل الشهادة، بدليل حديث الأمة التى شهدت برضاع عقبة وأم يحيى، وقال الإمام يحيى: الخبر محمول على الاستحباب، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى كتاب "أحكام الأسرة فى الإسلام " للدكتور محمد شلبى (10/81) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:41 am | |
| الطلاق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعنا أن الطلاق محرم فى الأديان الأخرى فلماذا أباحه الإسلام؟
الجواب الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية، لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه وهو السكن والمودة ورعاية النسل، وكل شركة لا توفَّق فى تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تنحل، ويسعى أصحابها للبحث عن شركاء آخرين صالحين لإنتاج الخير. وجاء الإسلام وهو خاتمة الرسالات فأبقى على هذا المبدأ ونظمه ووضع له ضوابط لعدم إساءة استعماله، فأباح للزوجة إن كانت كارهة لزوجها أن تفتدى منه بمال، وأباح للزوج إن تضرر من زوجته ولم يطق صبرا على ما يراه منها أن ينفصل عنها بعد محاولة التوفيق بين الطرفين، وحفظ الحقوق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ". ومن وجوه الحكمة فى تقرير مبدأ الطلاق: 1 -قد تكون الزوجة عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج، ولا ترضى الزوجة بأن يضم إليها أخرى. أو لا يستطيع هو أن ينفق على زوجتين، وبالمثل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وجود النسل، وهى تتوق لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق. 2 - وقد يكون بأحدهما مرض معد يحيل الحياة إلى متاعب وآلام، فيكون العلاج بالطلاق. 3-قد يكون الزوج سيئ العشرة خشن المعاملة لا يجدى معه النصح، وقد تكون هى كذلك فلا مفر من الفراق. وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لابد منه، والواقع يقرر أن للطلاق مضار بجوار ما فيه من منافع، فله أثره على المرأة إذا لم يكن لها مورد رزق تعتمد عليه ويخشى أن تسلك مسالك غير شريفة، وله أثره على الرجل فى تحمل تبعاته المالية والنفسية إذا لم يجد من تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يجدون الرعاية الصحيحة فى كنف الوالدين، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم، وإما أن يتشردوا فلا يجدوا ما يحميهم من الانحراف، وفى ذلك كله ضرر على المجتمع. من أجل هذا جعله الإسلام فى أضيق الحدود، ونهاية المطاف فى محاولة التوفيق، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التى يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية، فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول له: ما صنعت شيئا، قال ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال فيدنيه، أو قال: فيلتزم ويقول: نعم أنت " رواه مسلم. وكما حذر منه الرجل حذَر المرأة فقال: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن. وكان من هدى الإسلام فى الحد منه إلى جانب ما ذكر: 1 -أنه وصف الزواج بالميثاق الغليظ وذلك يدعو إلى احترامه وعدم التفكير فى حله، قال تعالى {وكيف تأخذونه وقد أفض بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 21. 2 -جعل الطلاق على مراحل من أجل التجربة فلم يحكم بهدم الحياة الزوجية من أول نزاع بين الزوجين، بل جعله على ثلاث مرات يملك بعد كل من الأولى والثانية أن يراجعها، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تتزوج غيره، قال تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} إلى أن قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} البقرة: 229، 230. 3- ندب إلى إمساك الزوجة وعدم طلاقها إن كرهها لأمر وفيها أمور تدعو إلى إمساكها، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء: 19، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر " رواه مسلم. 4 - أمر الزوج بضبط أعصابه والتريث فى تقويم زوجته، قال تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} النساء: 34. 5 -إذا لم يستطع الطرفان علاج المشكلة تدخلت عناصر للعلاج تهمها مصلحة الزوجين قال تعالى {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفِّق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا} النساء: 35. 6 - صان قداسة الزوجية من العبث فحذر من صدور كلمة الطلاق حتى على سبيل الهزل. ففى الحديث " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود. 7-لم يحكم بطلاق المجنون والمكره عليه ففى الحديث "رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبى حتى يدرك ومن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داود وصححه وفيه أيضا "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات وليس فيه علة قادحة، وفيه "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق " رواه أبو داود والحاكم وصححه. وفسر الإغلاق بالإكراه كما فسر بالغضب وألحق بعض العلماء السكران بالمجنون. 8 - لا يقع الطلاق بحديث النفس دون تلفظ به، ففى الحديث "إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " رواه البخارى ومسلم. 9 -حرم على المرأة أن تشترط لزواجها أن يطلق الزوج من هى تحت يده، ففى الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما فى صحفتها، فان لها ما قدِّر لها" رواه البخارى ومسلم. 10 - جعل العصمة أصلا بيد الرجل، لأنه هو الذى دفع المهر، ويتكفل بنفقة الزوجية وهو أضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب عليه. وفى دليله مقال. 11 - وهناك تشريعات أخرى كعدم وقوع الطلاق قبل النكاح، والطلاق المعلق الذى لا يقصد به التطليق، وما يسمى بالطلاق السنى والبدعى، وفيها نصوص وخلاف للعلماء. هذه بعض التشريعات التى تساعد على الحد من الطلاق، وقد علمنا أنه حل يلجأ إليه عند تعذر الإصلاح،. وأخذت به كل التشريعات قديمها وحديثها، وما لجأت إليه بعض الدول من تحريمه وإباحة التفريق الجسدى أدى إلى أخطار كثيرة وانحرافات شكا منها المصلحون. ومحاولات بعض الدعاة للتجديد وتحرير المرأة للحد منه باقتراحات وإجراءات قضائية، قد تزيد المشكلة تفاقما، وتقضى على فرصة العودة بعد تجربة الفراق وتكشف ما كان ينبغى أن يبقى مستورا، بل جعلت بعض الشباب يحجم أو يتأخر عن الزواج خشية تبعاته وتبعات الفراق، وفى ذلك إضرار بالمرأة أيضا من حيث يظن المتحررون أنهم يخدمونها. وفى اتباع هدى الإسلام تشريعات وخلقا، مع الإخلاص المتبادل، ما يغنى عن كل هذه الاقتراحات، التى لا يعدم من لا ضمير عنده أن يتحايل حتى لا يقع تحت طائلتها، والواقع يشهد بذلك، فلنحرص على التمسك بالدين ولنتعلم ما جاء عن الله ورسوله بفهم دقيق وإحاطة وشمول ففيه الخير كله {ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم} آل عمران: 101. هذا، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بالطلاق لا مجال لذكرها هنا، والمقصود هو بيان حكمة مشروعيته ورفع الاعتراض عن تقرير الإسلام له، أما ما تختلف فيه القوانين المعمول بها فى البلاد الإسلامية فهو فى مسائل فرعية وللاجتهاد فيها مجال كبير، وذلك لا يضر ما دام الأصل سليما وهو مشروعيته وعدم إبطاله. فهو تشريع حق عادل منصف لا عيب فيه، وإنما العيب على من يجهلونه أو يسيئون تطبيقه. وقد بحث موضوع الطلاق فى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى سنة 1385 هـ (1965 م) وانتهى فى قرارته إلى أن الطلاق مباح فى حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وأن طلاق الزوج يقع دون حاجة إلى إذن القاضى. وللاستزادة بعد كتب الفقه يمكن الرجوع إلى: 1 -كتاب الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج. 2-أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى. 3-بحث تنظيم الأسرة للشيخ (محمد أبو زهره) من بحوث المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية. 4 -الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء السادس (10/82) ________________________________________ نكاح الزانية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما علاقة الزنا بالشرك فى قوله تعالى {الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة} وما سبب نزول هذه الآية؟
الجواب يقول الله تعالى {الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرِّم ذلك على المؤمنين} النور: 3، جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآية أن "مرثدا الغنوى" وكان يحمل الأسارى بمكة - استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى نكاح "عناق " وكانت بغيا - تحترف الزنا - فقرأ عليه هذه الآية وقال "لا تنكحها" رواه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم. قال الخطابى: هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة أما الزانية المسلمة فإن العقد عليها صحيح لا ينفسخ وقال الشافعى: قال عكرمة: معنى الآية أن الزانى لا يريد ولا يقصد إلا نكاح زانية. وقال سعيد بن المسيب وغيره: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} النور: 32، فهى عامة. ومن شرط فى صحة العقد عدم الزنا قال: إن هذه الآية غير منسوخة، لان النبى صلى الله عليه وسلم حث على نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفة لأن زواجها يؤدى إلى فساد أخلاق الرجل ودينه، فتلحق به غير ولده، أو تنشئ أولاده على الفساد. وقد رأى ابن القيم حرمة الزواج بالزانية وقال فى كتابه "زاد المعاد" إن الزواج بها خبيث لقوله تعالى {الخبيثات للخبيثين} النور: 26، لكن قال فى كتابه "بدائع الفوائد" لو زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها لا يصح إلا بعد علمه بتوبتها. وبناء على هذا لا أرى بأسا بزواج من كانت زانية إذا علمت توبتها، ولا بأس بزواج رجل زنى بامرأة ثم تاب بامرأة عفيفة، وتفصيل ذلك فى الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص 333" (10/83) ________________________________________ اغتصاب المرأة وحملها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى حمل امرأة مسلمة اغتصبها عدو فى الحرب، هل يجوز لها أن تسقطه ولمن ينسب هذا الحمل؟
الجواب من حملت باغتصاب حملا غير شرعى فهو ابنها ينسب إليها لأنه تكوَّن من بويضتها، وولدته من بطنها، ولا يجوز نسبته إلى أحد إذا كانت غير متزوجة، وعليها أن ترعاه رعاية كاملة إذا وضعته، أما إن كانت متزوجة ولم تكن حاملا وقت الاغتصاب فحملت، فالولد ولدها أيضا ترعاه بعد الولادة رعاية كاملة. ولزوجها إن لم يستلحقه أن يتبرأ منه، وإن كانت حاملة من زوجها الشرعى واغتصبت فالولد ينسب إلى الزوج. لأن الولد للفراش كما ثبت فى الحديث المتفق عليه. وقد قال العلماء فى الحمل غير الشرعى: لا يجوز إجهاضه ولا التخلص منه بعد نفخ الروح فيه،أى بعد أربعة أشهر من الحمل، لأنه نفس بريئة يحرم قتلها بغير حق، ما لم يكن هناك خطر على الحامل من تمام الحمل، أما قبل نفخ الروح فيه فهناك وجهات نظر مختلفة للعلماء سبق الكلام عليها فى ص 480 من المجلد الأول من هذه الفتاوى. فبعضهم حرم الإجهاض مطلقا، وبعضهم أباحه مطلقا، وبعضهم كرهه مطلقا، ومنهم من قيد ذلك بعدم وجود العذر. ومن هنا يجوز لمن حملت من اغتصاب أن تتخلص من الحمل قبل نفخ الروح فيه على رأى من الآراء المذكورة (10/84) ________________________________________ الزوجة التى لا تصلى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ماذا على الزوج أن يفعل مع زوجته التى لا تؤدى الصلاة ولا تلتزم الزى الشرعى، وإذا رفضت الالتزام بهما فهل له أن يطلقها؟
الجواب ثبت فى الحديث أن الرجل راع فى أهله ومسئول عن رعيته، فعلى الزوج أن ينصح زوجته بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال رب العزة لنبيه صلى الله عليه وسلم {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} طه: 132، ذلك لأنها مقصِّره فى حقوق الله سبحانه، ويهددها بما يستطيع من التهديد إن ظن أن فى ذلك فائدة، كالهجر وعدم الاستجابة لرغباتها الكمالية. يقول الإمام الغزالى فى الإحياء "ج 2 ص 45" له حملها على الصلاة قهرا، ورأى صاحب "الفروع " أن الزوج لا يملك حق تعزيرها على الحقوق المتمحضة لله تعالى، فذلك من اختصاص الحاكم، وجاء فى معجم المغنى لابن قدامة الحنبلى أن للزوج ضرب امرأته على ترك الفرائض، وإن لم تصلِّ احتمل ألا يحل له الإقامة معها. ومن هذا نعرف أن الرأى الغالب أنه يعظها باللسان، فإن لم يفلح أنكر عليها تهاونها فى الواجب لله، وعاملها معاملة تدل على كرهه وبغضه لها، ولا يتحتم عليه أن يطلقها من أجل ترك الصلاة، لأن المسلمة المقصِّرة ليست أقل شأنا من الكتابية. وتركها للحجاب كذلك لا يحتم عليه طلاقها إلا إذا تأكد أن عدم التزامها بالزى الشرعى سيؤدى إلى الفاحشة وهى مصرَّة على ذلك فمن الخير أن يفارقها "انظر ص 25 من المجلد من هذه الفتاوى" (10/85) ________________________________________ الكذب بين الزوجين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال متى يباح للزوجة أن تكذب على زوجها، وهل هناك من الحديث الشريف ما يؤيد ذلك؟
الجواب تقدم فى ص 605 من المجلد الأول من هذه الفتاوى أن الكذب لا يجوز إلا عند الضرورة كالحالات الثلاثة المذكورة فى الحديث، ومنها الكذب بين الزوجين، وهذا الكذب المسموح به بين الزوجين هو فى مثل قوله لها أو قولها له: أنا أحبك، وقد يكون الواقع غير ذلك، او فى مثل قوله عند طلب شىء منه لا يستطيعه: سأحضره لك، وذلك لتطييب خاطرها فقط. جاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 3 ص 120 " أن ابن أبى عذرة الدولى حلف على زوجته أن تصدقه فى أنها تحبه أو لا تحبه، فأخبرته أنها لا تحبه، فاختصما إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فسألها: هل تحدثت أنك تبغضين زوجك؟ قالت: نعم، لأنه أنشدنى الله. أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم فاكذبى، فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك، أقل البيوت الذى يبنى على الحب. وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 5ص 209" خبر عبد الله بن رواحة الذى كذب على زوجته فى أنه باشر جاريته عندما رآها تحمل شفره -سكينا-لضربه حين رأته معها، وقال شعرا يوهمها بأنه قرآن، والجنب لا يقرأ القرآن، وعلم الرسول بذلك فضحك حتى بدت نواجذه، كما ذكر هذه القصة أيضا ابن القيم، في كتابه "إغاثة اللهفان ص 208، 257" ومن هنا يعلم أن الترخيص فى الكذب بين الزوجين يكون فى أضيق الحدود، وفيما يوثق العلاقة بينهما، ويوفر الاستقرار فى الأسرة، أما الكذب فى الأمور التى تهدد كيان الأسرة، كغيابها أو غيابه عن البيت فى متعة حرام، وادعاء أن الغياب كان بحكم العمل أو لقضاء مصالح، والواقع خلاف ذلك فهو حرام لا شك فيه، ومن أجل هذه الناحية وغيرها أرشد الإسلام إلى تلمس ناحية التدين فى كل من الرجل والمرأة عند الإقدام على الزواج، والنصوص فى ذلك معروفة (10/86) ________________________________________ التمريض بين الرجل والمرأة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى مهنة التمريض حيث تنكشف عورات المرضى أثناء علاجهم؟
الجواب سبق الكلام على العلاج بين الجنسين فى ص 135 من المجلد الخامس، وأؤكد هنا أن أى عمل فيه اطلاع على العورات حرام، ولا يجوز إلا عند الضرورة حيث لا يوجد الجنس الذى يعالج جنسه، ومعلوم أن الضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز تجاوز الحد فى استعمال هذه الرخصة، ومما يدل على تمريض الجنس للجنس الأخر عند الضرورة أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لامرأة أن يحجمها رجل، وجاء فى "فتح القدير" ج 8 ص 98 أن عبد الله بن الزبير استأجر عجوزا تمرضه، وكانت تغمز رجليه وتنظف رأسه وقال ابن مفلح فى كتابه "الآداب الشرعية" فإن مرضت امرأة ولم يوجد من يطبها غير رجل جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منها حتى الفرجين، وكذا الرجل مع المرأة، ونقل عن ابن حمدان وغيره مثل هذا الكلام، وقد أذن النبى لامرأة أن يحجمها رجل اسمه أبو طيبة. هذا، وإذا لم يوجد الجنس الماهر فى العلاج، أو وجد ولكن لم يكن ماهرا فلا مانع من العلاج عند الجنس الآخر الماهر، فالخطأ فى العلاج خطير، والدين حذر من تعريض النفس للتهلكة كما هو معروف (10/87) ________________________________________ الإشهاد فى عقد الزواج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى شهادة شخصين أجنبيين غير ناطقين باللغة العربية على زواج مسلم من مسلمة ناطقين باللغة العربية وإشهار وإتمام هذا الزواج فى دولة أجنبية، وهل يشترط كتابة عقد الزواج؟
الجواب فى هذا السؤال عدة نقط: 1 - مبدأ اشتراط الشهادة على عقد الزواج قال به جمهور الفقهاء، ومنهم الأئمة الأربعة. وذلك لحديث أحمد والدارقطنى"لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل " والشيعة الجعفرية لا يشترطون الشهادة فى عقد الزواج، فهو عندهم صحيح بدونها، لكنه أمر مستحب فقط كالإعلان، لأن القرآن لم يشترط الشهادة فى النكاح، والحديث المذكور لم يثبت عندهم، وصرح الباقر والصادق من أئمتهم بعدم اشتراطها. 2 -هذا الزواج بين مسلم ومسلمة، فيشترط فى الشاهدين الإسلام، لأن الشهادة فيها معنى الولاية والله يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} النساء: 141، فإذا كان الشاهدان على هذا الزواج غير مسلمين بطل العقد. 3- يشترط فى الشاهدين أن يفهما المراد من كلام العاقدين إجمالا وإن لم يفهما معانى المفردات. فلو كانا لا يفهمان المراد فلا يصح العقد، ويشترط سماعهما لكلام العاقدين إن كان العقد بالكلام، أما لو كان بالإشارة فلا بد من فهم المقصود من الإشارة. وكتب الحنفية فيها خلاف لفقهائهم فى شرط السماع والفهم، فمنهم من جعل الشرط هو حضور الشاهدين فقط وإن لم يسمعا، ومنهم من يقول: لابد من السماع، وهو الأصح. ومنهم من لم يشترط فهم الشاهدين للغة العقد، لكن الأصح أنه يشترط فهمهما للغة العقد ووفق بعض الفقهاء بين القولين "اشترط الفهم وعدمه " فقال: إن اشتراط الفهم محمول على فهم المقصود إجمالا من كلام العاقدين وانهما يقصدان عقد الزواج، وعدم اشتراطه محمول على فهم معانى الألفاظ بعد فهم أن المراد عقد الزواج، فيكون الأصح فى المذهب اشتراط السماع والفهم إجمالا للمقصود ولا يشترط فهم معانى الألفاظ، بل يكفى أن هذا اللفظ يقصد به الزواج " أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى". 4 - أما إشهار وإتمام هذا الزواج فى دولة أجنبية فلا دخل له فى صحة الزواج وكذلك كتابة عقد الزواج ليست شرطا فى صحته، فقد كانت عقود الزواج فى القرون الماضية لا تسجل، لكن فى هذه الأيام لابد من الكتابة، لا لصحة المعاشرة الزوجية، بل لحفظ الحقوق وعدم التقصير فى أداء واجب. بعد هذا نقول: إن كان الشاهدان يفهمان إجمالا ما يحصل من كلام المتعاقدين الدال على الزواج فالزواج صحيح، وعلى رأى عند بعض الأحناف يصح الزواج بمجرد حضورهما وإن لم يفهما ما يقوله المتعاقدان (10/88) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:42 am | |
| عقم الزوجة والزوج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعد أن تزوجت وتأخر حمل الزوجة عدة سنوات عرضتها على الأطباء المختصين فقرروا أنها لن تنجب لوجود عيب خلقى يمنع الإنجاب فهل عقد الزواج صحيح وهل ينفسخ بعد ظهور العيب أو لا ينفسخ؟ وما الحكم إذا ظهر أن الزوج لا يستطيع الإنجاب؟
الجواب لقد تحدث الفقهاء عن العيوب التى تعطى الزوج الحق فى فسخ النكاح ومنها البرص والجذام والجنون والرتق - أى انسداد مدخل الذكر من الفرج -والقرن شىء يبرز فى الفرج كقرن الشاة أو غدة تمنع المخالطة. وقال بذلك الأئمة الثلاثة دون أبى حنيفة. واتفق الفقهاء على أن عقم المرأة وعدم إنجابها ليس عيبا فيها يمنع استمتاع الزوج بها، فليس له خيار الفسخ لأن الإنجاب يرجع إلى إرادة الله سبحانه.؟ ومن هنا لا ينفسخ العقد بظهور عدم إنجاب الزوجة. ولكن له الحق فى طلاقها وتترتب أحكام الطلاق فى هذه الحالة، كأية حالة أخرى، فما دام الزوج قد دخل بها فلو طلقها كان لها مؤخر الصداق، ونفقة العدة وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شىء من حقوقها إلا إذا طلبت هى الطلاق فيمكن التفاهم على ما تتنازل عنه، وهذا ما يجرى عليه العمل فى المحاكم المصرية طبقا للقانون رقم 78 لسنة 1931 م. وإذا ظهر أن بالزوج عيبا يمنع الإنجاب. كأن كان مجبوبا -أى مقطوع الذكر-أو عنينا - أى غير قادر على الجماع لضعف خلقى أو كبر السن مثلا-أو خصيا-أى مقطوع الخصيتين -فللزوجة أن ترفع الأمر إلى القضاء لطلب التفريق بينه وبينها، وإذا ثبت ذلك عند القاضى بأى طريق من طرق الإثبات أمر الزوج بتطليقها، فإن لم يطلقها ناب عنه القاضى فى تطليقها منعا للضرر الذى يلحقها -وهذا الطلاق يكون بائنا بينونة صغرى. لكن التفريق مشروط بعدم علمها بحالته قبل الزواج، وبألا يوجد منها ما يفيد رضاها بالمكث معه بعد الزواج والعلم بحاله. والتفريق بسبب الجب فى الحال لا يحتاج إلى ضرب أجل، وبسبب العنة يمهل الزوج سنة لعله يقوى بالعلاج أو بغيره على الجماع،وبسبب الخصاء يمهل الزوج سنة. والتفريق بسبب الجب والعنة والخصاء يعتبر طلاقا عند الحنفية والمالكية وأكثر العلماء. هذا وإذا فرق بين الزوجة وزوجها العنين أو الخصى وكان قد خلا بها، فإنها تستحق جميع المهر، لأنها خلوة صحيحة وعليها العدة للاحتياط، وإذا كان مجبوبا وخلا بزوجته ثم فرق بينهما كان لها جميع المهر أيضا عند أبى حنيفة، ولها نصفه عند أبى يوسف ومحمد صاحبيه، وعليها العدة باتفاق الجميع بذلك للاحتياط. "الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 347 - 350 " (10/89) ________________________________________ وحم الحامل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال رأيت فى بعض كتب الفقه أن من ضمن نفقة الزوج لزوجته إحضار ما تتوحم عليه أثناء الحمل. فهل هذا صحيح، وهل الوحم نفسه صحيح؟
الجواب إن إنفاق الزوج على زوجته معروف أنه واجب والنصوص فيه كثيرة، وأهم أنواعها الطعام والكسوة والمسكن، وقد قرر بعض الفقهاء، ومنهم الشافعية، أن من المعاشرة بالمعروف التى أمر الله بها الأزواج توفير الكماليات لها مما تقض به العادة، وقد جاء فى حاشية الشيخ عوض على شرح الخطيب "الإقناع " لمتن أبى شجاع فى فقه الشافعية "ج 2 ص 190 " أنه يجب عليه لها فطرة العيد وكحك العيد وسمكه ولحم الأضحية وحبوب العشر والبيض فى خميس البيض وما تحتاجه عند الوحم.. . إن من المشاهد أن الحامل إذا توحمت على شىء ظهر أثره فى تكوين الجنين بصور مختلفة، بل إنها إذا توحمت عليه أثناء رضاعة الطفل ظهر الأثر أيضا. وقد أنكر كثير من الباحثين ذلك. لكن شوهد أن بعض النساء تأتى بمولود فيه شبه بأحد الناس أو بأحد الحيوانات، دون أن يكون هناك اتصال جنسى بينهما، أو اتصال بنسب ينحدر منه هذا الشبه، فهل يمكن أن يقال: إن التأثرات النفسية العصبية قد تكون بمثابة رسل أو وسائط توصل هذه الانطباعات إلى جسم الجنين أو الرضيع عن طريق اللبن؟ . رأيت فى سفر التكوين "إصحاح 30" ما يبين قدم هذه الظاهرة ومحاولة استغلالها وهى أن يعقوب وضع قضبانا من فروع الشجر مخططة فى مساقى الغنم، لتتوحم عليها وتلد أغناما مخططة. فليتأمل. وهذا يؤيد الرأى القائل: إن الصفات المكتسبة تورث إذا أثرت تأثيرا عميقا فى الأغصاب والأحاسيس. وفى ذيل تذكرة داود الأنطاكى "ص 31 " أن شبه الولد بوالديه قد يكون من التخيلات والأوهام ساعة الاتصال الجنسى، أو من تخيلات الحامل زمن تخلق الجنين. وتحدث العلماء عن حمل الغيرة، لأنها عبارة عن انفعال عصبى شديد يؤدى إلى حدوث انفعالات فى خلايا المخ -تؤثر بدورها على جزء منه يسمى " الهيبوتلاس " فتزداد إشارته العصبية الموجهة إلى الغدة النخامية فيزداد بالتالى إفرازها للهرمونات التى تساعد على حدوث التبويض "دكتور إسماعيل صبرى - الأهرام 27 / 12 / 1981 ". كما تحدثوا عن الحمل الكاذب وأثره. فى تغيرات الجسم، يقول الدكتور أحمد زكى: إن المرأة شديدة الرغبة فى الحمل أو شديدة الخوف منه تحدث لها أعراض الحمل وليس بها حمل، فينقطع حيضها ويثقل ثدياها، وتعرض لها فترة من الوحم والقىء ويكبر بطنها رويدا رويدا، كأن فيه جنينا ينمو شهرًا بعد شهر، ولو استمر ذلك الأمر حتى تبلغ أشهر الحمل لجاءها مخاض كاذب، بل استدعاء وطلق كالولادة غير أنها لا تلد شيئا. كل هذا دليل على ما للحالة النفسية من أثر، لا على العقل الواعى فحسب ولكن حتى فيما لا إرادة فيه ولا وعى كهذه الأعراض "مجلة العربى يونية 1968 ص 139 ". ويقول ابن القيم: الحجَّام يرى الخرَّاج فيشمئز منه فيخرج له مثله، ومداوى رمد يقشعر فيحصل له مثله، كالتثاؤب لمن يرى متثائبا "زاد المعاد - الاستفراغ بالقىء"، ويمكن الرجوع فى هذا الموضوع إلى الجزء الرابع من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص. 27". والخلاصة أن ظاهرة الوحم معروفة من قديم الزمان، والعلم يشهد لها. ومن المعاشرة بالمعروف أن يهيئ الزوج لزوجته الحامل ما تميل إليه نفسها أثناء فترة الوحم. لأن له تأثيرا على الجنين، وأن يهبىء لها الجو الذى يدخل على نفسها البهجة وبخاصة أثناء الحمل والرضاعة (10/90) ________________________________________ الشروط فى عقد الزواج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال بعض الحركات التحرريه للنهوض بالمرأة تتجه الآن إلى وضع قيود فى عقود الزواج تضمن للزوجة حقها وتساعدها على الإسهام بحرية فى تنمية المجتمع. فهل فى الشريعة الإسلامية ما يكفل للمرأة ذلك؟
الجواب إلى جانب ما تقدم ذكره فى صفحة 351 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى وكذلك فى صفحة 254 من المجلد الرابع، وفى صفحة 260 من المجلد الأول، وفى غير ذلك من المواضع التى تبين إنصاف الإسلام للمرأة والإشادة بدورها فى حياة الأسرة والمجتمع. والضمانات التى تصون عن الانحراف فى الحقوق والواجبات - إلى جانب ذلك أقول: 1 -إن الجهل بالإسلام يؤدى إلى الانحراف فى كل شىء، وإلى التردى فى هواية التقليد الأعمى. ثم نسبة ذلك إلى الإسلام وهو منه برئ. إن التشريع الإسلامى نظم العلاقة بين الرجل والمرأة مراعيا الاستعداد الطبيعى لكل منهما، والمهمة الأساسية التى خلقا من أجلها، والمكان المناسب الذى يباشر فيه كل منهما نشاطه، بروح التعاون والاشتراك فى المسئولية لصالح الطرفين ولصالح المجتمع. 3 -إن عدم الفهم الصحيح لهذا الإطار التعاونى ولإمكانات كل من الطرفين. يتيح الفرصة للتأثر بالآراء المتطرفة. ويحمل المرأة بالذات على النضال من أجل المساواة الكاملة بينها وبين الرجل، مع التغاضى عن التفاوت فى القدرات ونسيان شرف المهمة الأساسية المناسبة لها، وهذا يحول الرجل من شعوره بالحب نحو المرأة والعطف عليها لضعفها ورقتها، إلى الشعور بالكراهية والنفور، وإلى الغلظة والقسوة فى معاملتها، شأن كل عدوين يناضلان فى معركة حامية وجها لوجه. وتنقلب الحياة الزوجية بالذات من السكن والمودة اللتين جعلهما الله آية من آيات حكمته ونعمة من أكبر نعمه فى خلق المرأة للرجل والتزاوج لتكوين أسرة مستقرة هى اللبنة الأساسية فى بناء المجتمع والخلية الأولى فى جسم الجنس البشرى المؤهل لتحقيق الخلافة فى الأرض - تنقلب إلى جحيم يصلاه كل منهما ويصلاه النسل والمجتمع كله. وبهذا التحول فى الشعور نحو الطرفين سيكون أول من يكوى بناره هو المرأة التى بدأت المعركة وحاولت أن تصمد فيها على الرغم من شعورها بقسوة المعاناة، وحينئذ يصدق عليها المثل القائل: "على نفسها جنت براقش " وصدق الله إذ يقول: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} الطلاق: 1، ويقول: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} الفتح: 10، ويقول: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الشورى: 35. 4 -إن خلق المرأة للرجل وعدم استغناء أحد منهما عن الآخر أمر ضرورى للتكاثر وبقاء الجنس البشرى، ضمن القانون العام الذى قال الله فيه {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} الذاريات: 49. 5 -إن التناسل البشرى ليس كالتناسل الآخر يجتمع فيه أى ذكر مع أية أنثى وينتج عن ذلك نسل ضائع بينهما، بل إن هناك تنظيما للقاء بين الرجل والمرأة أساسه الزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات بالنسبة لكل منهما وبالنسبة للنسل الذى ينتج عنهما، ومن هنا أبطل الإسلام، بل أبطلت كل الأديان السماوية، أى لقاء بين الرجل والمرأة لا تلزم فيه الشروط والقواعد التى جاء بها الدين. والشروط الشرعية لصحة عقد الزواج معروفة. وأى إخلال بها يفسد العقد أو يعطى الفرصة لفسخه لمخالفته لحكمة الزواج وتكوين الأسرة. 6 -بعد هذا أقول: إن أى شرط فى عقد الزواج يتنافى مع حكمته أو مع نص شرعى أو أمر مجمع عليه يكون باطلا، وذلك لحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلال " رواه الحاكم وصححه بلفظ " المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك " ولحديث البخارى ومسلم "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ". وقد اتفق العلماء على عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء وترك الإنفاق والخلو من المهر، واختلفوا فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وألا يتسرَّى عليها أو لا يتزوج أخرى عليها. إن اشتراط عدم زواج الزوج بزوجة أخرى ممنوع ولا يصح أن يفرضه الحاكم، ولأنه يؤدى إلى مفسدة بل مفاسد. ذلك أن المحتاج إلى زوجة أخرى، وشرط عليه الامتناع سيلجأ إلى أحد أمور كلها صعبة، إما الطلاق وإما الكبت والحرمان إن كان متدينا وإما الانحراف بالزنا إن لم يعصمه دين، وإما إلى الزواج العرفى الذى لا تقيم له الجهات الرسمية وزنا، وإما إلى التحايل لإيجاد مبررات كاختلاق عيوب فى زوجته قد يطول تحقيق هذا الاختلاق، مع ما فيه من كشف للأسرار والسوءات، فالمنع لا يحل المشكلة إن كانت مشكلة بل يزيدها تعقيدا "ج 6 ص 155 من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ". يقول النووى: حديث الوفاء بالشرط هو فيما يقتضيه النكاح من نفقة وعشرة بالمعروف إلى آخره، لكن ما يخالف مقصود النكاح لا يجب الوفاء به كألاَّ يقسم لها-أى يعطيها نصيبها عند تعدد الزوجات - ولا يتسرى عليها-أى لا يتمتع بأمة يملكها- ولا يسافر بها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل " رواه البزار والطبرانى عن ابن عباس وصححه، وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشروط مطلقا لعموم الحديث. يقول ابن قدامة فى كتاب المغنى "ج 7 ص 448 - 451 " عن حكم الشروط فى النكاح ما ملخصة. هناك ثلاثة أنواع من الشروط: الأول: ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إلى الزوجة نفعه، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، فإن لم يف لها فلها الفسخ، فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط، وقيل:هو شرط لازم، لأنه لا ينافى العقد، ولها فيه فائدة. والثانى: ما يبطل الشرط ويصح العقد، كأن يشترط أن لا مهر لها، أو لا ينفق عليها، أو تشترط هى ألا يطأها، أو أن يكون لها النهار دون الليل، أو تنفق هى عليه فكلها شروط باطلة، أما العقد فهو صحيح. والثالث: ما يبطل النكاح من أصله، كما لو اشترط تأقيت النكاح، أو أن يطلقها لوقت بعينه، أو أن يعلق النكاح على شرط، كأن يقول: إن رضيت أمها. ومما أثر من اختلاف جهات النظر فى ذلك ما رواه الترمذى أن عمر رضى الله عنه قال: إذا تزوج الرجل المرأة وشرط لها ألا يخرجها من مصرها-بلدها-فليس له أن يخرجها بغير رضاها. ورفع رجل إلى عمر قضية زوجته التى شرط لها دارها، وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى، فقال له: لها شرطها، فقال الرجل: هلك الرجال، إذ لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها، إلا طلقت، فقال عمر: المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم. وعن على رضى الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال: شرط الله قبل شرطها. أخرجه الترمذى أيضا. وابن حجر فى "فتح البارى ج 9 ص 124 " تحدث عن الشروط فى النكاح وقول البخارى: قال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط، وذكر قول الخطابى: إن الشروط فى النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث -وهو: أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج - ومنها ما لا يوفى به اتفاقا، كسؤال طلاق أختها، ومنها ما اختلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله. وذكر ابن حجر أن أحمد يقول: بوجوب الوفاء بالشروط مطلقا- وأن عمر تضادت الروايات عنه فى رجل شرط لامرأته ألا يخرجها من دارها، فمرة قال: المرأة مع زوجها ومرة قال:لها شرطها. هذا بعض ما فى كتب الفقه، يتبين منه أن الاشتراط فئ عقد الزواج إذا كان ينافى مقصود النكاح فهو باطل، والبطلان إما للعقد وإما المشرط مع صحة العقد، أما ما لا ينافى مقصود النكاح مثل سفرها معه أو زيارتها لأهلها: فلا يبطل العقد، أما الوفاء به ففيه خلاف، قيل بوجوب الوفاء كما قال أحمد وقيل بعدم وجوبه كما قال الشافعى. وإذا كان الفقهاء قد ضربوا أمثلة من واقع حياتهم وعصورهم فالأمثلة تختلف باختلاف البيئات والعصور، وينظر فيها على ضوء القواعد الأساسية القديمة المشار إليها فيما ذكر (10/91) ________________________________________ ماء الزنا لا حرمة له
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن الإنسان لو زنى بامرأة فولدت منه بنتا يجوز له أن يتزوج هذه البنت وأنه من زنى بأخت زوجته حرمت عليه زوجته؟
الجواب يقول النبى صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخارى ومسلم. جمهور الفقهاء على أن الزنا لا يثبت به نسب الولد للزانى، بل ينسب إلى أمه بالولادة، وعليه فيجوز للزانى أن يتزوج من البنت التى نتجت من زناه، ويرى الحسن البصرى أن الولد ينسب إلى الزانى، وتحمس ابن القيم لهذا الرأى قائلا: إن القياس الصحيح يقتضيه، فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زانية به، وشد وجد الولد من ماء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما-فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدَّعه غيره؟ فهذا محض القياس، وكان الشافعى يقول بذلك فى مذهبه القديم. أما فى الجديد فماء الزنا لا حرمة له ولا يثبت به نسب. "زاد المعاد ج 4 ص 173 " وما بعدها وتفسير القرطبى ج 5ص114 " والأدلة والمناقشة متوفرة فيهما. ومن زنى بأخت زوجته أو أمها أو بنتها لا تحرم عليه زوجته عند جمهور الفقهاء وعقد النكاح باق على صحته، لأن النكاح الذى يحرم ذلك هو النكاح القائم على العقد الصحيح، وليس مجرد الوطء، ولأن الزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث، وقال به ابن عباس فى رواية وعن سعيد بن المسيب وعروه والزهرى فقد أجازوا أن يقيم الرجل مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها، قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزانى تزوج من زنى بها فنكاح أمها أو أختها أجوز، أى أولى بالجواز. وقال الزهرى: قال على: لا يحرم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وقال به أحمد، وهو رواية عن مالك. ورواية عن ابن عباس لكن الرواية ضعيفة: ففى حديث أخرجه ابن أبى شيبة "من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها" وإسناده مجهول كما قال البيهقى. وهؤلاء عمموا فى التحريم الخلوة والقبلة بشهوة " فتح البارى ج 9 ص 57 " (10/92) ________________________________________ القتال فى الإسلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء فى الحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " فكيف يتفق هذا مع قوله تعالى " لا إكراه فى الدين "؟
الجواب ليس المراد من الحديث أن القتال وسيلة من وسائل دخول الناس فى الإسلام، بل المراد أن الإسلام الذى يستدل عليه بالنطق بالشهادتين مانع من القتال، لا أنه غاية أو هدف له، ومثل ذلك قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} التوبة: 29، فليس المراد أن إعطاء الجزية هو الهدف من القتال ولكنه مانع منه. وإذا كان بعض الناس يفهم من الحديث أن الإسلام قد انتشر بالسيف فإن هذا الفهم غير صحيح. لأن العقائد لا تغرس أبدا بالإكراه، وذلك أمر معروف فى تاريخ الرسالات، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود: 28، وقال تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف: 29، وقال تعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس: 99، وقال تعالى {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} البقرة: 256، والنصوص والحوادث فى ذلك كثيرة. وأين كان السيف فى مكة عندما أسلم السابقون الأولون؟ لقد كان موجودا ولكن كان عليهم لا لهم. وقد أثر عن عمر رضى الله عنه أن عجوزا جاءته فى حاجة فعرض عليها الإسلام فأبت، وتركها عمر وخشى أن يكون فى قوله - وهو أمير المؤمنين -إكراه لها، فاتجه إلى ربه ضارعا معتذرا: اللهم أرشدت ولم أكره، ثم تلا قوله تعالى {لا إكراه فى الدين} ويراجع فى رد اتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف كتاب " الدعوة الإسلامية دعوة عالمية " (10/93) ________________________________________ الجندى وأسرار الحرب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ماذا يفعل المجاهد الحريص على الجنة حينما يحيط به العدو ويخشى أن يقع أسيرا فى أيديهم وربما تكون معه أسرار تجعله حريصا على عدم حصول العدو على شىء منها بوسائل التعذيب الشديدة؟
الجواب يجب على الجندى أن يبذل أقصى جهده فى الدفاع عن نفسه حتى لا يقع أسيرا، إلا بعد نفاذ كل وسيلة للخلاص من العدو، فإن أسر كان عليه أن يحافط على الأسرار الخطرة التى يضر إفشاؤها بمصلحة المسلمين، والكذب فى هذه الأحوال جائز، فإن الحرب خدعة كما ثبت فى الحديث، والإكراه يرفع المسئولية كما قال سبحانه {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} النحل: 106. فليبذل غاية جهده فى الدفاع عن النفس وحفظ السر، والضرورات تبيح المحظورات، ولا يجوز أن يفكر فيما يفكر فيه بعض الناس من الالتجاء إلى الانتحار خوف التعذيب لاستخراج الأسرار، فإن ذلك محرم أشد التحريم، وتعذيبهم للأسير لإفشاء الأسرار أمر مظنون غير محقق، فربما لا يلجأ العدو إلى ذلك، فالانتحار من أجل ضرر مظنون غير محقق لا يجوز (10/94) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الخميس 29 فبراير 2024, 9:43 am | |
| لقمان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل لقمان نبى أم ولى، وفى أى عصر كان يعيش؟
الجواب يقول الله سبحانه {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} لقمان: 112، أنزل الله فى القرآن سميت باسم لقمان، ونصت الآية على أن الله سبحانه آتاه الحكمة، كما ذكرت ال وصيته لابنه، وذلك لأهميتها. والخلاف فى نسبه ونشأته كبير، وليس لأى قول فى ذلك دليل قوى، فمثلا قال محمد بن إسحاق: هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح، وهو آزر أبو إبراهيم، وقال السهيلى: هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة، وقال الزمخشرى: هو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته، عاش ألف سنة وأدركه داود وأخذ عنه العلم، وقال الواقدى: كان قاضيا فى بنى إسرائيل، وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان أسود من سودان مصر. واختلف فى صنعته، فقيل كان خياطا، وقيل حطابا، وقيل: كان راعيا، وقيل: كان نجارا كما اختلف فى شكله فقيل: كان أسود مشقق الرجلين ذا مشافر، أى عظيم الشفتين وكل ذلك كلام لا دليل عليه يطمئن إليه القلب، لكن المهم أن نعرف هل كان نبيا أو وليا أى رجلا صالحا؟ . المتفق عليه أن الله آتاه الحكمة وسجل وصيته فى القرآن إشادة بها وتقريرا لها، وجمهور العلماء على أنه كان وليا ولم يكن نبيا، وقال بنبوته عكرمة والشعبى لأنها هى الحكمة التى آتاها الله إياه، ولكن الصواب كما ذكره القرطبى فى تفسيره لل " ج 14 ص 59 " أنه رجل حكيم بحكمة الله تعالى. ومهما يكن من شىء فلا يضرنا الجهل بذلك، والمهم هو الإقتداء بسيرته والأخذ بحكمته (10/95) ________________________________________ النحت والرسم والتصوير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم التصوير والرسم والنحت؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: احيوا ما خلقتم ". ورويا أيضا عن عائشة رضى الله عنها قالت: قدم علينا رسول صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة- الطاق فى الحائط يوضع فيه الشىء وقيل غيره -بقرام - ستر -فيه تماثيل. فلما رآه تلوَّن وجهه وقال لا يا عائشة، أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله " قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. ورويا أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تملثيل " وفى رواية البخارى (صورة) بدله (تماثيل) . اختلف الفقهاء فى حكم الصور والتماثيل وإليك ملخص ما قيل: أولا- حكم اقتنائها: اتفق العلماء على حرمة اقتنائها إذا كان الغرض منها العبادة أو التقديس، لأنها رجس والله يقول {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} الجج: 30 وإن لم يكن الغرض منها ما ذكر فهو حرام أيضا إذا توافرت هذه الشروط: 1 - أن تكون التماثيل تامة الأجزاء الظاهرية. 2 - ألا تكون هناك مصلحة تدعو إلى اقتنائها. 3- أن تكون من مادة تبقى مدة طويلة كالخشب والمعدن والحجر. وذلك للأحاديث السابقة، ولسد الذريعة إلى عبادة الأصنام، وعدم التشبه بمن يحرصون على تقديسها، كما مزق النبى صلى الله عليه وسلم ثوبا فيه تصاليب، لأنها ترمز إلى عقيدة جعلها بعض الناس من أصول دينهم. وبمقتضى هذه الشروط يقال: (أ) لو كان التمثال نصفيا أو نقص منه جز لو كان التمثال حيا لا يعيش بدونه كالرأس أو البطن، جاز اقتناؤه وإن كان ذلك مكروها. ونقل عن المالكية جواز اتخاذ التمثال التام إذا كان فيه ثقب فى مكان بحيث تمتنع معه الحياة حتى لو كان الثقب صغيرا، واشترط الحنفية والحنابلة فى هذا الثقب أن يكون كبيرا حتى يجوز اقتناؤه. (ب) ولو كانت هناك مصلحة فى اتخاذ التمثال كلعب البنات أو كوسيلة إيضاح فى التعليم جاز ذلك، لان النبى صلى الله عليه وسلم أقر وجود العرائس عند عائشة كما فى الصحيحين. وعلل العلماء هذا بأن فيها تمرينا للبنات على المستقبل الذى ينتظرهن، وهو اسثشاء من عموم النهى عن الصور. وتوسع بعض العلماء فأجاز التماثيل التى تقام لتخليد ذكرى العظماء، وإن كان ذلك مكروها فى نظرهم، لأنه قد يجر إلى عبادتها، كما عبدت تماثيل (وَدّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر) وكانت فى الأصل لتخليد ذكرى قوم صالحين كما ورد فى الحديث، ولان الأوْلى فى تخليد العظماء أن يكون بالمنشآت المفيدة كالمدارس والمصحات. (ج) ولو كانت التماثيل مصنوعة من نحو حلوى أو عجين فقد أجاز أصبغ بن الفرج المالكى اتخاذها. وذكر القرطبى جواز ذلك عند تفسير قوله تعالى فى سبأ {يعملون له ما يشاء من محاريب وتملثيل. . .} . ثانيا- حكم صنعها: اتفق العلماء على أن صنع هذه التماثيل حرام، وهو من الكبائر إذا قصد من عملها العبادة أو التعظيم على وجه يشعر بالشرك، وذلك للأحاديث السابقة، أما إذا لم يقصد بصنعها ذلك فيحرم إن كانت تامة وليس هناك غرض صحيح من صنعها، وكانت مادتها مما يطول بقاؤه عادة. وذلك لعموم الأحاديث الواردة فى النهى عنه، وقصر بعض العلماء الحرمة على ما قصد به مضاهاة خلق الله. وبهذا يعرف أن صنع التماثيل الناقصة غير محرم وكذلك وسائل الإِيضاج وتماثيل الحلوى والعجين. هذا هو حكم النحت، أما الرسم والنقش والتصوير للإنسان وكل ما فيه روح فهناك أربعة أقوال فى الصنع والاقتناء: ا - التحريم مطلقا، سواء أكانت تامة أم ناقصة فى ظاهرها، وسواء أكانت مكرمة لكونها على ستار أو جدار مثلا أم ممتهنة لكونها فى بساط مفروش مثلا - وذلك لعموم النهى فى الأحاديث المتقدمة. 2 -تحريمها إذا كانت تامة لا ناقصة. 3- تحريم إذا كانت مكرمة غير ممتهنة 4 - جوازها مطلقا، وهو منقول عن القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة. على أنهم استثنوا التصوير الشمسى، لأنه حبس ظل بمعالجة كيماوية على نحو خاص، وليست فيه معالجة الرسم المعروفة. هذا وأما تصوير ما لا روح فيه كالنباتات فلا مانع منه مطلقا، وهو من الفنون الجميلة التى لم يرد نهى عنها لذاتها. وقد تمنع الصور الحية إذا كان فيها كشف لما أمر الله بستره، أو كان فيها إغراء أو قصد بها ابتزا أو نحو ذلك (10/96) ________________________________________ العجز عن الوفاء بالنذر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نذرت أن أذبح كبش إذا نجح ابنى، ولكننى لم أستطع أن أوفى بالنذر فماذا أفعل؟
الجواب النذر تعهد بعمل طاعة ليست واجبة فتجب على الناذر، كصلاة ركعتين للَّه، وذبح شاة للفقراء، وقراءة القرآن، والواجب هو الوفاء بالنذر كما قال سبحانه {وليوفوا نذورهم} الحج: 29، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " رواه البخارى ومسلم. فمن نذر ذبح كبش إذا نجح ولده انعقد النذر ووجب الوفاء به، وليس الذبح مقيدا بوقت فهو فى ذمته ما دام حيا، والأولى التعجيل به كالدين، فإن لم يستطيع الوفاء به عند نجاح ولده فليكن فى أى وقت شاء، فإن وجوب الوفاء المطلق هو على التراخى، وذلك ما دام يرجى أن يجد ثمنه فى أى يوم من الأيام، كالمريض الذى أفطر فى رمضان عليه أن يقض ما دام مرضه يرجى شفاؤه. أما إذا تأكد أنه لن يجد ثمن النذر أبدا -أو مرض مرضا لا يرجى شفاؤه لا يستطيع معه الوفاء بالنذر مثل من نذر أن يقرأ القرآن كله كل أسبوع، فله أن يتحلل من النذر، أى من الالتزام بالوفاء به، وذلك - يسمى بالحنث كالحنث فى اليمين، والكفارة هى كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام لا يشترط فيها التتابع، كما نص عليه القرآن الكريم فى المائدة، الآية: 89. وكما جاء فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر كفارة يمين " قال النووى فى شرح هذا الحديث: اختلف العلماء فى المراد بهذا الحديث، فحمله جمهور أصحابنا - الشافعية - على نذر اللجاج - أى غير المجازاة أو المشروط بحصول شىء - فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة، وحمله مالك والأكثر ون على النذر المطلق، كقوله: علىَّ نذر، وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذور وقالوا: هو مخير فى جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين. (ج 11 ص 154) يقول الشوكانى فى " نيل الأوطار " ج 8 ص 256: والظاهر اختصاص الحديث بالنذر الذى لم يسم، وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها، سواء كانت متعلقة بالبدن أو المال. والذى أختاره بعد كل ذلك: أن صاحب هذا النذر عليه أن يذبح كبش فى أى وقت من الأوقات يتيسر فيه الحصول عليه ولو بعد سنين، أما إذا أراد أن يتحلل منه فعليه أن يكفر كفارة يمين على الوجه المذكور فى المائدة، وعليه أيضا أن يتوب من هذا الذنب، ويعزم ألا يعود إلى التورط فيما لا يقدر عليه (10/97) ________________________________________ الجن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نريد توضيحا لعالم الجن، وهل يمس الإنسان بِشَرِّ؟
الجواب 1 -الجن -كما يقوك الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى" - أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة. لها عقول وإفهام وقدرة على الأعمال الشاقة. 2 - وهم خلق موجودون بالنصوص الثابتة فى القرآن والسنة، وبالإجماع، والعقل لا يحيل ذلك. 3- وهم أصناف، فقد روى الطبرانى بإسناد حسن عن أبى ثعلبة الخشنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الجن ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها فى الهواء، وصنف حيَّات، وصنف يَحُلُّون ويظعنون " أى يمشون ويتحركون، وكذلك رواه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. وجاء فى حديث رواه ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " خلق الله الجن ثلاثة أصناف، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح فى الهواء، وصنف كبنى آدم، عليهم الحساب والعقاب ". وإذا كان اسم الجن يطلق على الهوام المؤذية فيمكن فهم هذا الحديث بسهولة، وهو ما رواه مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم " نهى عن إرسال الأطفال بعد غروب الشمس إلى العشاء، لأن الشياطين تنبعث فى هذه الفترة. وكذلك ما رواه البخارى ومسلم عن أبى لبابة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنَان التى فى البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفيتين، فإنهما اللذان يخطفان البصر ويطرحان أولاد النساء. والطفيتان - بضم الطاء - الخطان الأبيضان على ظهر الحية. والأبتر قصير الذَّنب. وقال النضر بن شميل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها " حياة الحيوان - للدميرى ". 4 - والجن مستترون، وقد يتشكلون بأشكال مختلفة، وتحكم عليهم الصورة كما قال العلماء، قال تعالى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف: 27. وقد تشكل شيطان فى صورة لص أراد أن يسرق من الصدقة التى كان يحرسها الصحابى، ولما أخبر النبىَّ به عرَفَه أنه شيطان رواه البخارى. وهم من ذرية إبليس على المشهور، قال تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} الكهف: 50. 5 - الجن مكلفون كالبشر ومحاسبون على أعمالهم كما يحاسب بنو آدم، وجاء ذلك فى القرآن الكريم فى مثل قوله تعالى {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى وينذرونكم لقاء يومكم هذا} الأنعام: 130، وقوله {سنفرغ لكم أيها الثقلان} الرحمن: 31، وقد ثبت أنهم سمعوا القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم، وأن منهم من آمن ومنهم من كفر، قال تعالى {قل أوحى إلَّى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا} الجن: 1، 2، وقال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستعمون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا. . } الأحقاف: 25، وقال على لسانهم {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} الجن: 11 وثبت فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب إليهم وتحدث معهم. ففى صحيح مسلم أنه قال " أتانى داعى الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن " وفيه أنهم سألوه الزاد فقال " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تأخذونه فيقع فى أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بَعْرٍ علَفٌ لدوابكم " ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه " فلا تستنجوا بهما فانهما طعام إخوانكم ". 6 -إن عدم رؤيتنا للجن إنما هو فى رؤيتهم على حقيقتهم، وقد يخص الله نبيه بأن يراهم كذلك أحيانا، وقد قيل: إنه لم يرهم فى أول الآمر ولم يحس بأنهم يستمعون القرآن منه، والله هو الذى أخبره بأنهم يستمعون، ثم بعد ذلك رآهم وكلمهم حين ذهب إليهم، إمَّا على حقيقتهم وإما بأشكال أخرى، وذلك ممكن لغير النبى صلى الله عليه وسلم كما سبق ذكره فى رؤية أبى هريرة له وهو يريد أن يسرق من زكاة رمضان، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إن عفريتا من الجن تفلَّت عل البارحة يريد أن يقطع علىَّ صلاتى، فَذعْتُه - أى خنقته - وأردت أن أربطه فى سارية من سوارى المسجد، فذكرت قول أخى سليمان، فأطلقته " وجاء فى رواية مسلم قوله " والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " كما جاء فى رواية النسائى بإسناد جَيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده. 7 - إن إبليس أقسم حين طرد من الجنة أن يُغوى الناس أجمعين إلا عباد الله المخلصين، وقد حذرنا الله منه بمثل قوله تعالى {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} فاطر: 6،. وقوله تعالى {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} يس: 60. وثبت أن كل إنسان يُوَكَّل به شيطان يطلق عليه اسم القرين. ففى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال " وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير ". 8- والشيطان كما يضر الأنسان بالإِغواء والفتنة، يمكنه أن يؤذيه بأى نوع من الأذى الحسى أو المعنوى، شأن الإِنسان مع الإِنسان، وإذا ثبت أن منهم الكافرين والمؤمنين، وأن منهم الطائعين والعاصين، كما جاء فى قوله تعالى {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} فإن العقل لا يحيل أن يؤذى الجن الإِنس بأى أذى، وليس هناك دليل صحيح يحيل هذا الأذى، فالجن قد سرق من الزكاة كما سبق وهو يشارك الإِنسان فى الطعام وغيره، ولذلك حثنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نسَمِّى الله عند الأكَل وعند دخول البيت، بل عند إرادة اللقاء مع الزوجة. 9-واتقاء شره فى الوسوسة يكون بمثل ما جاء فى قوله تعالى {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} الأعراف: 200، كما يستعان عليه بقوة الإِيمان بالله والمواظبة على العبادة والسلوك الحسن، حتى يكون الإِنسان من عباد الله المخلصين، الذين نجأهم الله من سلطان إبليس. 10 -والمسألة التى يسأل عنها كثيرا هى: هل يستطيع الجن أن يلبس جسم الإِنسان ويصيبه بما يسمى الصرع؟ . الجواب أنه لا يوجد دليل صحيح يمنع ذلك، وقال بعض الناس: إن ذلك ممنوع، لأن طبيعة الجن النارية لا يمكن أن تتصل بطببيعة الإِنس الترابية أو تلبسها وتعيش معها، وإلا أحرقتها، لكن هذا الاحتجاج مردود، لأن الطبيعة الأولى للجن والإِنس ذهبت عنها بعض خصائصها، بدليل الحديث السابق، فى إمساك الرسول للعفريت وخنقه وإحساسه ببرد لعابه على يده،، فلو كانت طبيعة النار باقية لأصابت يده الشريفة صلى الله عليه وسلم، ولاشتعل البيت والمكان والملابس نارا إذا أوى إليها الشيطان عندما لم يسم الإِنسان عند دخول البيت والأكل من الطعام. وفى هذا يقول ابن القيم فى كتابه زاد المعاد فى " الطب ": الصرع، صرعان، صرع من الأرواح الأرضية الخبيثة، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثانى هو الذى يتكلم فيه الأطباء، فى سببه وعلاجه، وأما صرع الأرواح فأثمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها، ثم يقول ابن القيم: لا ينكر هذا النوع من الصرع إلا من ليس له حظ وافر من معرفة الأسرار الروحية. وأورد بعض الحوادث التى حدثت أيام النبى صلى الله عليه وسلم وأثر قوة الروح وصدق العزيمة فى علاجها، وأفاض فى النعى على من ينكرون ذلك (10/98) ________________________________________ القرعة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قد تلجا بعض الجهات إلى عمل قرعة لتوزيع جائزة على بعض من قدموا عملا يستحق الجائزة، فهل هذا مشروع؟
الجواب القرعة جائزة شرعا، لأنها تُعَينَ، لا تحرم ولا تحلل وهى معروفة من قديم الزمان، ومن حوادثها: أ- القرعة فيمن يكفل مريم، كما قال تعالى {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} آل عمران: 44. ب - القرعة فيمن يرمونه من السفينة التى ركبها يونس. فى قال تعالى {فساهم فكان من المدحضين} الصافات 141. ج - صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج عليها السهم سافر بها. د - وروى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم عرض علي، قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم فى اليمين أيهم يحلف. ط -جاء فى السنن ومسند أحمد أن رجلين تداعيا فى دابة ليس لواحد منهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهما على اليمين، أحبا أو كرها. و وفيهما أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها ". ز- وجاء فى السنن عن أم سلمة رضى الله عنها: أن رجلين اختصما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما درست، ليس بينهما بينة، فقال "إنكم تختصمون إلى، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، وإنما أقض بينكم على نحو ما أسمع، من قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه،، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتى بها أسطاما فى عنقه يوم القيامة " فبكى الرجلان وقال كل منهما: حقى لأخى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما عليه، ثم ليتحلل كل منكما صاحبه " الاسطام جمع سطام وهو حد السيف. ح - وأقرع سعد بن أبى وقاص يوم القادسية بين المؤذنين " بدائع الفوائد لابن القيم " هذا، وهناك قرعة تجرى بين المتسابقين لأخذ جائزة، أو لإعطاء هدايا لمن يشترون بضاعة بثمن معين من محل تجارة، أو لأى غرض مباح، وهذه حلال لا حرمة فيها. جاء فى تفسير القرطبى (ج 4 ص 86) أن القرعة أصل فى شرعنا لكل من أراد العدل فى القسمة، وهى سنة عند جمهور الفقهاء فى المستويين فى الحجة، ورد العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه وردوا الأحاديث الواردة فيها وزعموا أنها لا معنى لها وأنها تشبه الأزلام التى نهى الله عنها، وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة أنه جوزها، وقال: القرعة فى القياس لا تستقيم، ولكنا تركنا القياس فى ذلك وأخذنا بالأَثار والسنة، قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس وذكريا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن المنذر: استعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء، فلا معنى لقول من ردها. وقد ترجم البخارى فى آخر كَتاب الشهادات " باب القرعة فى المشكلات " وقول الله عز وجل {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} وساق حديث النعمان بن بشير فى مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة. وحديث أم العلاء الذىَ جاء فيه: أن عثمان بن مظعون طار لهم سهمه فى السكتى حين اقترعت الأنصار سكنى المهاجرين، وحديث عائشة: كان النبى إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها. ثم يقول القرطبى: وقد اختلفت الرواية عن مالك فى ذلك أى فى القرعة بين النساء فى السفر فقال مرة بالقرعة لحديث عائشة، وقال مرة: يسافر بأوفقهن له فى السفر ثم ذكر القرطبى حديث " لو يعلم الناس ما فى النداء - الأذان - والصف الأول - فى صلاة الجماعة -ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " أى أجروا القرعة، والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة. ثم تحدث عن رأى أبى حنيفة فى شأن زكريا وأزواج الرسول بأن القرعة كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز، قال ابن العربي: وهذا ضعيف لأن القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفى عند التشاح - التنازع -ولا يصح لأحد أن يقول: إن القرعة تجرى مع موضع التراضى، فإنها لا تكون أبدا مع التراضى، بل تكون فيما يتشاح الناس فيه ويُضَنَّ به (10/99) ________________________________________ عقوبة السجن
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول بعض الناس: إن الحكم بالحبس أو السجن ليس فى الإسلام، فهل هذا صحيح؟
الجواب فكرة العقوبة بالسجن معروفة قبل الإسلام، وفى القرآن الكريم ما يدل على أن عزيز مصر كان عنده سجن ودخله يوسف عليه السلام، ودخل معه فتيان دعاهما إلى توحيد الله " انظر سورة يوسف 36- 42 " وفيه أيضا أن فرعون الذى أرسل إليه موسى كان له سجن هدده بإدخاله فيه، {قال لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين} الشعراء: 29. وفكرة السجن موجودة فى الإسلام ولم تكن أيام النبى صلى الله عليه وسلم بالمعنى المتبادر إلى الذهن من اتخاذ دار خاصة يوضع فيها من استحق عقوبة، ولم تكن كذلك أيام أبى بكر رضى الله عنه، ولكن كان هناك "حبس" بمعنى تعويق الشخص ومنعه من التصرف الحر حتى يقضى دينا وجب عليه، أو يرد حقا اغتصبه، وكان الذى يلازم المحبوس هو الخصم أو وكيله، ولهذا سماه النبى صلى الله عليه وسلم أسيرا، وروى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام حبس فى تهمة، وكذا رواه أبو داود والترمذى والنسائى، قال الترمذى: حسن. وزاد هو والنسائى: ثم خلى عنه. والحاكم صحح هذا الحديث، وله شاهد آخر من حديث أبى هريرة يقوى حديث بَهْزَ بن حكيم الذكور. وجاء فى حديث أبى هريرة أن الحبس كان يوما وليلة استظهارا وطلبا لإظهار الحق بالاعتراف. وروى البيهقى أن عبدا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فحبسه النبى صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له " وهذا الحديث وإن كان فيه انقطاع فإنه روى من طريق أخرىَ عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. والبخارى فى صحيحه جعل بابا بعنوان "باب الربط والحبس فى الحرم " قال ابن حجر فى شرح البخارى " فتح البارى ": كأنه أشار بهذا التبويب إلى رد ما نقل عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول: لا ينبغى لبيت عذاب أن يكون فى بيت رحمة. ويقال إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من اتخذ دار للسجن فى مكة، اشتراها من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، وكان ذلك بمعرفة عامله على مكة "نافع بن عبد الحرث الخزاعى" وقيل: إن أول مرن اتخذ دارا للسجن هو معاوية بن أبى سفيان: كما ذكره المقريزى "الخطط ج 3 ص 303 ". وكان القاضى شريح هو أول من حبس فى الدين. ومن وقائع الحبس أيام عمر رضى الله عنه، أنه حبس الحطيئة الشاعر الهجاء لتطاوله على ابن بدر، عامل عمر، أو هدده بالحبس حتى تضرع له بقصيدة معروفة منها قوله: ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر * ألقيت كاسبهم فى قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام الله يا عمر فعفا عنه. وكذلك حبس أبا محجن الثقفى، لما جلده على السكر ونفاه إلى جزيرة فى البحر فهرب من الرجل الذى كان يصحبه، ولحق بسعد بن أبى وقاص وهو يحارب، فكتب عمر إلى سعد أن يحبسه، وبعد نفيه إلى رابغ وهروبه منها قبض عليه وسجن قرب القادسية أسفل قصر الإمارة، وتوسل إلى سلمى بنت حفصة زوجة سعد فأطلقته واشترك فى الحرب وأبلى بلاء حسنا ثم عاد إلى القيد، وفى النهاية أفرج عنه بعد توبته، وأيضا معن بن زائدة، أمر المغيرة بن شعبة بحبسه فى حادث تزوير فى أوراق رسمية، ولما هرب من السجن عاد إلى عمر تائبا وفى النهاية عفا عنه. وعثمان بن عفان رضى الله عنه أقر عقوبة الحبس، ومن سجنائه جنائى بن الحرث الذى هجا بنى جرول. ويلاحظ أنه لم يكن له مكان خاص، بل كان يسجن أحيانا فى السجن ودهاليز البيوت. وأما على بن أبى طالب فيقال إنه حبس الغاصب وآكل مال اليتيم ظلما والخائن فى الأمانة، وخصص للسجن مكانا، وكان أولا من أعواد القصب، ثم بنى غيره محكما، ويقول البلاذرى والمسعودى: إن معاوية أربى على الخلفاء فى إعداد السجون والاهتمام بها. ومن أنواع السجن النفى، لأنه فصل عن المجتمع الذى كان يعيش فيه المَنفِى، ومنه قوله تعالى فى جزاء المحاربين المفسدين {أو ينفوا من الأرض} المائدة: 33. وقد قرر الفقهاء إيقاع الحبس على المشترك فى جناية حتى يفصل فيها، وكذلك أجازوا التعزير للردع وللديون حتى ترد، وللتأديب الذى يراه الحاكم، فالسجن الموجود الآن نوع من التعزيرات التى لم تحدد فى الإسلام لاَ كما ولا كيفا، بل ترك أمرها إلى القاضى ليقرر ما يراه مناسبا للجريمة أو المخالفة بوجه عام. ونظرًا لبعض المعاملات القاسية التى تتخذ مع المسجونين الآن، رأى بعض العلماء عدم جوازه، رجوعا إلى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وخليفته أبى بكر، مع استبدال إجراءات أخرى به تضمن رد الحقوق إلى أصحابها ومنع الضرر عن الناس. هذا، وقد تطورت السجون فى التشريعات الحديثة لدى بعض الدول، فجعلت كمؤسسة تربوية، يعامل فيها المسجون كمريض تدرس أحواله، ويعالج بطرق خاصة، لتجعل منه مواطنا صالحا بعد الانتهاء من مدة إحتجازة. والشوكانى فى نيل الأوطار "ج 9 ص 218 " يقول بعد بحث الموضوع " والحاصل أن الحبس وقع فى زمن النبوة وفى أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الآن فى جميع الإعصار والأمصار، من دون إنكار. وفيه من المصالح ما لا يخفى. . . " وأخذ يعدد هذه المصالح إلى أن قال. . وقد استدل البخارى على جواز الربط بما وقع منه صلى الله عليه وسلم من ربط ثمامة بن أثال بسارية من سوارى مسجده الشريف، كما فى القصة المشهورة فى الصحيح. "يراجع نيل الأوطار ج 7 ص 160، قضايا عصرية للشيخ جاد الحق ج 5 ص 269 " (10/100) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:20 am | |
| على كرم الله وجهه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال لماذا إذا ذكر الإمام على بن أبى طالب قيل: كرم الله وجهه أو عليه السلام؟
الجواب ذكر ابن كثير أنه قد غلب فى عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد على رضى الله عنه بأن يقال: عليه السلام، من دون الصحابة، أو كرم الله وجهه، وهذا وإن كان معناه صحيحا لكن ينبغى أن يسوى بين الصحابة فى ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، والشيخان - أبو بكر وعمر - وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه. نقله السفارينى عنه " غذاء الألباب ج 1 ص 23 " ثم قال: قد ذاع ذلك وشاع وملأ الطروس والأسماع، قال الأشياخ: وإنما خص على رضى الله عنه بقول: كرم الله وجهه لأنه ما سجد إلى صنم قط، وهذا إن شاء الله تعالى لا بأس به. هذا ما قيل، وقد يكون السبب غير ذلك، ولا يوجد سند صحيح لما يقال. (10/101) ________________________________________ قتل الحيوان المريض لإراحته
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قتل الحيوانات التى لا يؤكل لحمها إذا مرضت أو عجزت وأصبحت غير نافعة؟
الجواب أخرج الشافعى وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً -أى إلى صلى الله عليه وسلم- وقال صحيح الإسناد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها " قال: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها" نيل الأوطار ج 8 ص 142. فإذا كان قتل العصفور -وهو مأكول اللحم- لغير أكلها منهياً عنه فإن قتل ما لا يؤكل لحمه أولى بالنهى. وقد نص الشافعية على أنه لا يجوز ذبح ما لا يحل أكله كالحمار الزَّمن -العجوز- ولو لإراحته عند تضرره من الحياة "حاشية الشرقاوى على التحرير ج 2 ص 459" "كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لوزارة الأوقاف ص 607". وأرى أنه لو ذبح لأخذ جلده والانتفاع به بعد دبغه فلا حُرمة فى ذلك، لأنه ذبح لغرض مشروع. وكذلك لو قدم لحمه طعاما لبعض الحيوانات الموجودة فى حدائق الحيوان فلا مانع منه، لأن هذه الحدائق لها أغراض مشروعة، منها دراسة طبائع وأحوال الحيوانات المتوحشة التى لا يتيسر رويتها للكثيرين. ومن ذلك أيضا اصطياد الحيوانات البرية للانتفاع بفروها أو عظامها أو أظلافها أو أى شىء منها. فهذه كلها أغراض مشروعة، يقتل الحيوان لها سواء أكان مريضا أم غير مريض، فالمنهى عنه هو القتل الذى لا فائدة منه، كاتخاذ حيوان أو طير غرضا للتسابق فى الرمى بالنبل أو الرصاص، ففى صحيح مسلم " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا " وفيه أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وجعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم - فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً. (10/102) ________________________________________ الصيد بالبنادق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى صيد الطيور المأكولة كاليمام والعصافير، وهل يحل أكلها إذا ماتت قبل أن تذبح؟
الجواب (أ) روى البخارى ومسلم عن عدى بن حاتم أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم وقال: فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيد. قال: (إذا رميت بالمعراض فخزق فكل، وما أصاب بعرضه فلا تأكل) . المعراض قيل هو السهم الذى لا ريش له ولا نصل، قيل هو خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وشد لا يحدد، واختاره النووى تبعا لعياض. وقال ابن التين: المعراض عصا فى طرفها حديدة يرمى بها الصائد، فما أصاب بحده فهو ذكى فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ. وخزق أى نفذ. وجاء بلفظ وخسق أى خدس. (ب) وروى البخارى ومسلم أيضا عن عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال: (إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) الخذف أى الرمى بحصاة أو نواة بواسطة المخذفة وهى كالمقلاع. (ج) وروى أحمد عن عدى أيضا أنه قال: يا رسول الله، إنا قوم نرمى، فما يحل لنا؟ قال: (يحل لكم ما ذكيتم، وما ذكرتم الله عليه وخزقتم فكلوا منه) . (د) وروى أحمد مرسلا عن عدى عن النبى صلى الله عليه وسلم: (ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت) والبندقة تتخذ من طين وتيبس. نستنتج من هذه الأحاديث ما يأتى: 1 - إذا أدرك المصيد حيا حياة مستقرة وذبح فهو حلأل بالاتفاق. واشترط التسمية أو عدم اشتراطها عند الذبح فيه خلأف بين الفقهاء، وهو يكون فى الصيد المذبوح وفى غير الصيد 0 2 -إذا مات الصيد قبل أن يذبح، وكان موته بشىء محدد كالسهم الذى يجرح أو يخترق، فهو حلال، واشترط بعضهم التسمية ولم يشترطها بعضهم عند إطلاق السهم. 3-إذا مات الصيد قبل أن يذبح وكان موته بشىء محدد أى لم يجرح ولم ينفذ كالحجر والبندقة فإن الجمهور يقول بحرمته، وعن الأوزاعى وغيرة من فقهاء الشام أنه يحل مطلقا كل صيد، سواء أكان بمحدد أم بغير محدد، ولكن النصوص تشهد لقول الجمهور. والرصاص الذى يطلق من البنادق والمسدسات هل يعد كالسهم فيحل صيده؟ رأى جماعة أنه كالسهم لأنه يخترق جسم الصيد وينفذ منه بل هو أشد منه. وعلى هذا فيحل الصيد به، ورأى آخرون أن الرصاص ليس محددا جارحا كالسكين والسهم بل يقتل الصيد بثقله الشديد، وعلى هذا فلا يحل أكله. وأختار أن الصيد بالرصاص يحل أكل ما صيد به، والأحوط أن يذكر اسم الله عند إطلاق الرصاص، خروجا من خلاف من أوجبه (10/103) ________________________________________ شعر الغزل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال الشعر الذى يتغزل فى النساء، منهى عنه، فكيف يسمعه النبى صلى الله عليه وسلم من كعب بن زهير؟
الجواب كان من عادة الشعراء العرب أن يبدأوا قصائدهم بالغزل، وقد تكون القصيدة كلها قائمة عليه، وروت كتب السيرة أن كعب بن زهير ابن أبى سلمى لما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم تائبا قال قصيدته التى جاء فيها: بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم أثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين اذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذى ظلم اذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول ويقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم أعجب بها والبسه بردته. وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع الشعر فى المسجد من حسان بن ثابت، ودعا أن يؤيده الله بروح القدس كما رواه البخارى، وجاء فى الأدب المفرد للبخارى أنه عليه الصلاة والسلام استنشد عمرو بن الشريد من شعر أمية بن أبى الصلت، فأنشده مائة قافية، وروى أنه كان يستزيده عقب كل قافية بقوله: هيه، كما رواه مسلم، وكاد أمية أن يسلم، أى فى شعره، كما رواه البخارى ومسلم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن من الشعر لحكمة " كما رواه البخارى، وقال فى شعر لبيد بن ربيعة: أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد ألا كل شىء ما خلا الله باطل، كما رواه البخارى ومسلم 0 ومن الصحابة، غير حسان، قال الشعر عبد الله بن رواحة وغيره، ولم ينكر عليهم أحد. وإلى جانب هذه النصوص التى تفيد جواز قول الشعر وسماعه، جاءت نصوص تفيد كذلك النهى عنه والتنفير منه، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لأن يمتلىء جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلىء شعرا " معنى يريه يأكل جوفه ويفسده، مأخوذ من الورى، وهو داء يفسد الجوف. وروى البغوى من حديث مالك بن عمير السلمى أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشعر فنهاه عنه. وجاء فيه "فإن رابك منه شىء فأشبب بامرأتك وامدح راحلتك " 0 وفى الأدب المفرد اللبخارى حديث " أن أعظم الناس فرية الشاعر يهجو القبيلة بأسرها" وسنده حسن. وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ " أعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها " وصححه ابن حبان. كذلك وردت فى الشعر نصوص تفصل حكمه، فقد أخرج أبو يعلى بإسناد جيد مرفوعا " الشعر كلام، فحسنه حسن وفى وقبحة قبيج " وقريب من هذا الكلام جاء عن عائشة وعبد الله بن عمر كما رواه البخارى فى الأدب المفرد، واشتهر عن الإمام الشافعى. إزاء هذه المجموعات الثلاث من النصوص لم يقل العلماء بمدح الشعر مطلقا ولا بذمه مطلقا بل حملوا المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، فقالوا: ما كان منه حسنا فهو حسن، وما كان منه قبيحا فهو قبيح، ويحدد الحسن والقبيح من الشعر قول ابن حجر فى فتح البارى "ج 13 ص 155 ": والذى يتحصل من كلام العلماء فى حد الشعر الجائز أنه إذا لم يكثر منه فى المسجد وخلا عن هجو وعن الإغراق فى المدح والكذب المحض والتغزل بمن لا يحل، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك. وبناء على هذا يكون ما سمعه النبى صلى الله عليه وسلم من الشعر هو ما كان حسنا، وشعر كعب بن زهير وإن كان فيه تغزل فهو تغزل حلال. وقد تحدث العلماء فى الغزل الحلال، وخلاصة كلامهم: أن الشاعر إذا لم يقصد بالتشبيب امرأة معينة، أى كان مرسلا، أو اختلق لها اسما كسعاد وسلمى غير مقصود به معينة فهو جائز، فإن قصد به امرأة معينة وكانت على قيد الحياة فهو حرام إن كانت أجنبية عنه، لأنه يهيج إليها، كما يحرم وصف الخمر وصفا يغرى بها، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تنعت المرأة المرأة لزوجها، أما غير الأجنبية كزوجته فقد اختلف العلماء فى حكمه، وأختار القول بجوازه، على ألا يتخذ الشعر ديدنا يقصر عليه أكثر أوقاته، فإن المواظبة على اللهو جناية، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة كذلك بعض المباحات (10/104) ________________________________________ حكم التمثيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم دراسة فن التمثيل واحترافه؟
الجواب التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت، أو أحداث متخيلة فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل. وهو أسلوب للتثقيف والترفيه. وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات. فهناك القراءة والرحلات وغيرها. وقد يكون التمثيل لشخصيات تاريخية يصور حياتها بالقول والفعل، أى بالكلمة والحركة، فإن كان صادقا شكلا وموضوعا، ويستهدف غرضا شريفا أعطى حكم الخبر الصادق، وهو الجواز، وإن كان غير صادق فى شكله كيفا أو كمًّا، أو فى موضوعه قولا أو فعلا أعطى حكم الخبر الكاذب وهو المنع، ولا يستباح هذا الكذب حتى لو كان الغرض صحيحا، فهو ليس من الضرورات التى تباح من أجلها المحظورات. وإن كانت الشخصيات اختراعيه، كما هو الشأن فى القصص الذى لا يعنى شخصا معينا، وقد يكون على لسان بعض الحيوانات كما فى كتاب " كليلة ودمنة " فإن كان الهدف صحيحا، والمادة لا تحوى أمرا محظورا، والأداء نفسه يكون ملتزما بالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلمه أو احترافه إلى تقصير فى واجب أو ضرر بدنى أو عقلى أو مالى أو خلقى أو غير ذلك من الأضرار كان التمثيل حلالا، يستعان به على إبراز المعانى بصورة محسوسة كأنها حقيقية. هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروج على أى واحد منها يجعله ممنوعا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة. فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخلق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوى مثلا، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصير فى واجب دينى أو وطنى مثلا، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل كان ممنوعا. ولا يقال إن القبلات أو شرب المحرمات أو الرقص هو لتصوير حال بعض الناس وليس المراد من ذلك حقيقة ما يعمل، بل هو تمثيل. لا يقال ذلك لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة، كحكاية الخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع، كما فى الكتب المشحونة بالقصص وحكاية أحوال السابقين بكل ما فيها. كما لا يقال إن هذه الأمور هى من وسائل الإيضاح، فوسائل الإيضاح المباحة موجودة وليس ذلك ضرورة كما قلنا، فحياة المسلمين بالذات قامت فى أزهى عصورها على الثقافة الأصيلة والترفيه الحلال، ولم تعرف تمثيلا رخيصا أو هابطا كما يشاهد فى هذه الأيام. هذا فى تمثيل الشخصيات العادية، أما فى تمثيل الرسل والصحابة فقد مر حكمه (10/105) ________________________________________ المخدرات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل المخدرات التى اكتشفت بعد الخمر تعطى حكمها؟
الجواب من المعلوم من الدين بالضرورة أن الخمر المتخذة من عصير العنب محرمة ومن أكبر الكبائر، ويكفر مستحلها، ويحد شاربها، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} المائدة: 90، 91، وقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " رواه البخارى ومسلم. والعلة أو الحكمة فى تحريمها صيانة العقل الذى كرم الله به الإنسان وجعله مناط التكليف، وبالتعدى على العقل أمكن التورط فى فعل المنكرات والاستجابة للشهوات كما نصت عليه الآية السابقة والحديث الذى رواه الحاكم وصححه " اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر " والذى رواه ابن حجات فى صحيحه " اجتنبوا أم الخبائث " وفيه أنها حملت على القتل والزنى. ومن أجل خطورتها حرم الإسلام الاشتراك فيها بأى نوع من الاشتراك، وجاء فى ذلك حديث أنس ابن مالك رضى الله عنه قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال: حديث غريب، أى رواه راو واحد فقط. قال الحافظ المنذرى: ورواته ثقات. حتى الجلوس مع شاربى الخمر منهى عنه قال تعالى {وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم} النساء: 140، وقد قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز عندما أمر أن يُحَدَّ جماعة كانوا فى مجلس خمر، فقالوا له: إن فلانا لم يشرب لأنه صائم، فقال ابدءوا به، يقول القرطبى فى تفسير هذه الآية: فكل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم: يكون معهم فى الوزر سواء، فان لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يقوم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. ومثل الخمر فى الحرمة كل ما اشترك معها فى مخامرة العقل أى تغطيته من أية مادة كانت، روى البخارى ومسلم عن عمر رضى الله عنه أنه قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن الخمر قد حرمت وهى من خمسة، من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. والنبى صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر دون قصره على مادة معينة، روى البخارى أن أبا موسى الاشعرى رضى الله عنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البِتْع والمِزْر، فقال " كل مسكر حرام " والبتع نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير. روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأشربة التى تنتبذ من العسل والذرة والشعير فأجاب " كل مسكر خمر وكل خمر حرام ". ويدخل فى ذلك المواد الطبيعية والمصنعة. وتغيير اسم المشروب المسكر لا يغير من الحكم كما لا تغيره المادة المسكرة، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء، وقد ورد فى ذلك حديث رواه ابن ماجه وابن حبان فى صحيحه " يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات - المغنيات - يخسف الله بهم الأرض ويجعل الله منهم القردة والخنازير. ويستوى فى الحكم كل وسائل التناول للمسكر، من شرب أو أكل أو شم أو تدخين أو حقن أو غير ذلك. والحشيش، وإن كان لم يعرف فى العالم الإسلامى إلا حوالى القرن السادس أو السابع الهجرى عند ظهور التتار، إلا أنه كان معروفا فى التاريخ القديم فى الشرق والغرب ولما عرفه المسلمون ولمسوا آثاره طبقوا عليه عموم الحديث الذى حرم كل مسكر وكذلك عموم قول أم سلمة رضى الله عنها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر ومفتر، كما رواه أبو داود فى سننه. فهو محرم إما بالنص وإما بالقياس، وقد نقل الإجماع على حرمته غير واحد من الأئمة، منهم القرافى وابن تيمية، وقد جمع بعض الباحثين القدامى نحو مائة وعشرين مضرة دينية وبدنية فى الحشيش، ولهذا أكد ابن تيمية حرمته وقال: إن مستحله يكفر، وصرح فى كتابه " السياسة الشرعية " بأنه أخبث من الخمر من جهة أنه يفسد العقل والمزاج حتى يصير فى الرجل تخنث، وهو داخل فيما حرمه الله ورسوله من اخمر والمسكر لفظا ومعنى. وابن القيم فى كتابه " زاد المعاد " قال: إن الخمر يدخل معها كل مسكر، مائعا كان أو جامدا، عصيرا أو مطبوخا. وإذا كانت هذه المسكرات أو المخدرات أو المفترات محرمة كالخمر، فإن عقوبتها المنصوص عليها فى الأحاديث تشملها أيضا، وهى عقوبة أخروية شديدة، والقليل من المسكر حرام كما نص عليه الحديث الذى رواه النسائى وأبو داود وقال الترمذى: إنه حسن " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". وفى رواية للنسائى " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " وإسناده صحيح. فمن شرب المسكر - وهو مسلم بالغ عاقل مختار عالم بأنه مسكر وعالم بتحريمه -وجب عليه الحد، سواء سكر أم لا، والحد الأدنى فى العقوبة أن يجلد أربعين كما روأه مسلم من فعل النبى صلى الله عليه وسلم، وروى مسلم أيضا أن عبد الله بن جعفر جلد الوليد بين يدى عثمان وعلى يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك، ثم قال: " جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعثمان ثمانين والكل سنة، وهذا أحب إلى " فإذا رأى الإمام أن يبلغ بالحد ثمانين فعل لما رواه مسلم عن عمر جعله ثمانين، وقال على لعمر: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد المفترى ثمانون، فأخذ به عمر ولم ينكره أحد 0 واتفق الصحابة على ذلك، فالعقوبة مقررة بصرف النظر عن الخلاف فى كون الحد أربعين وما زاد على ذلك فهو تعزيز. والعقوبة لا تنفذ حال السكر حتى يحس بها، ولو نفذت حال السكر، قيل يعتد بها وقيل لا يعتد. " كفاية الأخيار ج 2 ص 116 ". وعقوبة الحد مقررة لمن شرب الخمر، أما من تعاطى غيرها من المائعات أو الجوامد فعقوبته الحد كالخمر عند بعض العلماء ومنهم ابن تيمية، أو التعزير كما قال آخرون. مع مراعاة أن الحد لا يجوز العفو عنه، أما التعزير فيجوز، ومع مراعاة الخلاف فى أن التعزيز يصل إلى الحد أو لا يصل، وأجاز أبو حنيفة أن يصل، التعزير إلى حد القتل، تاركا تحديده لما يراه القاضى أو الحاكم حسب مقتضيات الأحوال (10/106) ________________________________________ اللقطة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ماذا يفعل الإنسان إذا وجد شيئا أو مالا، وقد أعلن عنه مرارا ولم يستدل على صاحبه؟
الجواب هذا المال من اللقطة، وهى كل مال معصوم معرض للضياع لا يعرف مالكه، وهذه اللقطة يستحب التقاطها أى أخذها وقيل يجب، وذلك لصيانتها من التلف أو الضياع، وفى الوقت نفسه يجب على من التقطها أن يعلن عنها رجاء أن يعرفها صاحبها، والإعلام أو التعريف يكون لمدة يغلب على الظن أن صاحبها يبحث عنها، وذلك يختلف باختلاف قيمة اللقطة وأهميتها عند صاحبها. وجاء فى الحديث أن مدة التعريف بها سنة، فان جاء صاحبها وعرف علاماتها دفعها له، وإن لم يجىء بعد سنة حلَّ له أن ينتفع بها أو يتصدق بها، جاء فى صحيح البخارى وغيره أن رجلا وجد صرة فيها مائة دينار، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "عرِّفها حولا " فعرفها حولا فلم يجد صاحبها فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم " احفظ وعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها " والوعاء هو الشىء الذى تكون فيها اللقطة كالصندوق والكيس، والوكاء هو الخيط الذى يربط به الكيس، والمراد تمييز هذه اللقطة حتى لا تختلط بماله وأمتعته. وإذا وجد الملتقط مشقة فى حفظها والإعلان عنها فليسلمها إلى الحكومة الأمينة التى عندها محل لهذه الأمانات لتتولى هى التعريف عنها والتصرف فيها. وإذا كانت اللقطة شيئا مأكولا يخاف عليه التلف لو حفظه الملتقط وعرَّف عنه جاز أكله، وقيل يضمن ثمنه لو طلبه صاحبه، وقيل لا يضمن. وإذا كانت شيئا تافها لا يسأل عنه صاحبه جاز الانتفاع به بعد تعريفه مدة تتناسب مع أهميته. روى أحمد وأبو داود أن جابر بن عبد اللَّه قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به. هذا فى غير لقطة الحرم بمكة، أما لقطته فيحرم أخذها إلا لتعريفها، ولا يجوز تملكها أو التصرف فيها، ويمكن تسليمها لحكومة الحرم لتتولاها، ففى الحديث عن مكة " ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها " (10/107) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:20 am | |
| حلقات الذكر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى حلقات الذكر التى يبدو الناس فيها كأنهم يرقصون؟
الجواب ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم أنه قال " يقول اللَّه: أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم " وروى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقعد قوم يذكرون اللَّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللَّه فيمن عنده " وروى البخارى ومسلم حديثا جاء فيه " أن لله ملائكة سيارة يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وأن اللَّه قد غفر لهؤلاء الذاكرين ولمن جلس معهم " هم القوم لا يشقى جليسهم ". يؤخذ من هذا أن مجالس الذكر مشروعة، وأن الله يبارك أهلها ويرضى عمن يشارك فيها ولو بمجرد-الحضور دون ذكر، وقد قال المحققون: إن الذكر كأية عبادة لا يقبل إلا إذا كان خالصا لوجه الله، لا رياء فيه ولا سمعة، وإذا كان نابعا من القلب يعبر عنه اللسان، أما اللسانى فقط مع الغفلة عن معنى الذكر وعدم الإحساس بجلال من يذكره الذاكر فلا أثر له فى الوجدان والسلوك، والله وحده هو الذي يقدره، وكذلك إذا صحب الذكر أصوات صاخبة أو حركات خاصة تذهب الخشوع كان عبادة ظاهرية جوفاء خالية من الروح، ومثل ذلك يقال إذا كانت هذه المجالس تؤذى الغير كالمرضى المحتاجين إلى الراحة أو المشتغلين بمذاكرة علم أو عبادة أخرى، فقد روى أحمد عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتكف فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم في قبة لهم، فكشف الستور وقال " ألا إن كلكم مناج لربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة" (10/108) ________________________________________ التداوى بالمحرم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لبعض المرضى أن يشربوا أبوال الإبل، وإذا صح فكيف يتفق ذلك مع قوله: لم يجعل اللَّه شفاء أمتى فيما حرم عليها؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن ناسا من قبيلة عُكْل أو عُريْنَة قدموا المدينة فمرضوا لعدم ملاءمة جوها لهم، فوصف لهم النبى صلى الله عليه وسلم " أن يخرجوا منها إلى المراعى وأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ففعلوا فصحت أجسادهم ". وروى مسلم عن طارق بن سويد الحضرمى أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم "إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها فقال " لا " فراجعه وقال: إنا نستشفى للمريض، فقال " إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء". وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها " وروى ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى أم سلمة تَغلِى نبيذا لتداوى به ابنتها فقال " إن اللَّه تعالى لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها ". وروى الترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا عباد الله تداووا، فان الله لم يضع داء إلا وضع له دواء " وفى رواية لأبى داود " فتداووا ولا تتداووا بالمحرم ". وروى أيضا النهى عن الدواء الخبيث، والخمر أم الخبائث. إزاء هذه النصوص تحدث العلماء عن التداوي بالمحرم، وبخصوص الخمر اتفق العلماء على أنه لا يجوز شربها إلا للضرورة القصوى كإنقاذ حياته من الموت لشدة العطش، أو من لقمة غُصَّ بها فى حلقه، ولا يجد شيئا حلالا أو أخف حرمة يرويه أو يمنع الغصة، وذلك قياسا على ما نص عليه من تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها ثم قال تعالى فى الآية نفسها {فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} المائدة: 3، وهى الأصل الذى أخذت منه القاعدة المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات. أما استعمال الخمر فى غير ذلك فالجمهور على منعه حتى لو تعينت الخمر ولا يوجد غيرها من الحلال، بناء على ظاهر الأحاديث التى نصت على حرمتها مطلقا، ولا يقاس التداوى بها على شربها للعطش أو الغصة، لأن فائدتها فيهما محققة، أما فى غيرهما فمظنونة غير مقطوع بها، وأجاز بعضهم التداوى بها عند الضرورة قياسا على أكل الميتة والدم ولحم الخنزير بشرط أن يخبر بذلك طبيب مسلم عدل، وألا يوجد دواء حلال أو شىء أخف حرمة يقوم مقام الخمر، سئل ابن تيمية عن التداوى بالخمر فقالع ما نصه: وأما التداوى بالخمر فإنه حرام عند جماهير الأئمة، كمالك وأحمد وأبى حنيفة، وهو أحد الوجهين فى مذهب الشافعى. انتهى. ولو خلطت الخمر بالماء أو أضيف المخدر إلى مادة أخرى فالتناول والتداوى حرام، أما العقوبة بالحد فتكون إذا غلب المخدر أو تساوى مع ما أضيف إليه، فإن كان أقل فلا يعاقب بالحد إلا عند السكر " مجلة الأزهر- المجلد الثالث ص 0 49، 91 4 ". أما التداوى بالنجس غير الخمر، وتناول النجس حرام، فقد قال العلماء: إنه لا يجوز إلا عند الضرورة، أما عند الاختيار وتوافر الدواء الحلال فلا يجوز. والحديث الذى ذكر أن الخمر ليست دواء ولكنها داء، وأن اللَّه لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها هو خاص بالخمر، أما المحرمات الأخرى فيجوز أن يكون فيها الشفاء ويمكن التداوى بها عند الضرورة، فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " إن فى أبوال الإبل شفاء للذَّرِبَة بطونهم " أى الفاسدة معدتهم، ولعل ذلك لما ترعاه من الشيح والقيصوم ونباتات البادية التى تعالج بها بعض الأمراض، ومع ذلك لا يعالج بها إلا عند الضرورة، كما رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام بلبس الحرير لوجود حِكَّة فى جسده. وكل هذا الخلاف في التداوى بالبول بناء على القول بنجاسته، وهو ما ذهب إليه الشافعى وغيره من القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها، سواء أكانت من مأكول اللحم أم من غيره، محتجين بعموم الحديث الصحيح الذى أخبر عن عذاب الميت لأنه كان لا يستبرئ من بوله، ووضع الرسول على قبره جريدة لعل اللَّه يخفف بها من عذابه. لكن ذهب فريق من العلماء إلى أن أبوال الإبل وغيرها من مأكول اللحم طاهرة، وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، محتجين بهذا الحديث، وهو عام ليس خاصا بالقوم الدين مرضوا فى المدينة، لعدم الدليل على الخصوصية. وأرى أن التداوى بالخمر ممنوع فليس فيها شفاء، والحلال متوفر، أما المحرمات الأخرى فلا مانع من التداوى بها إذا لم يوجد الحلال أو ما هو أخف حرمة (10/109) ________________________________________ آكل لحم الآدمى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يدخل أكل لحم الآدمى فى حكم المضطر إلى التداوى بالحرام؟
الجواب أثار القرطبى فى تفسيره " ج 2 ص 229 " مسألة قال فيها: إذا وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولحم ابن آدم أكل الميتة لأنها حلال أى فى حال - والخنزير وابن اَدم لا يحل بحال، والتحريم المخفف أولى أن يقتحم من التحريم المثقل، وهذا هو الضابط للأحكام، ولا يأكل ابن آدم ولو مات، قاله علماؤنا - أى المالكية - وبه قال أحمد وداود، احتج أحمد بقوله عليه السلام " كسر عظم الميت ككسره حيا ". وقال الشافعى: يأكل لحم ابن آدم ولا يجوز له أن يقتل ذميا، لأنه محترم الدم، ولا مسلما ولا أسيرًا لأنه مال الغير، فإن كان حربيا أو زانيا محصنا جاز قتله والأكل منه. وشنَّع داود على المزنى- صاحب الشافعى - بأن قال: قد أبحت أكل لحوم الأنبياء. فغلب عليه ابن سريج بأن قال: فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر. قال ابن العربى: الصحيح عندى ألا يأكل الآدمى إلا إذا تحقق أن ذلك ينجيه ويحييه. وجاء فى " الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3711" قول الشيخ جاد الحق على جاد الحق: وفى جواز أكل لحم الآدمى عند الضرورة قال فقهاء الحنفية-على ما جاء فى الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى الجزء الخامس -إن لحم الإنسان لا يباح فى حال الاضطرار ولو كان ميتا، لكرامته المقررة بقول الله تعالى {ولقد كرمنا بنى آدم} الإسراء: 70، وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حى وأكله ولو كان مباح الدم كالحربى والمرتد والزانى المحْصَن، لأن تكريم الله لبنى آدم متعلق بالإنسانية ذاتها، فتشمل معصوم الدم وغيره، وبهذا أيضا قال الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية. ويقول الفقه المالكى: إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمى، وهذا أمر تَعَبُّدى، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمى إذا كان ميتا، بناء على أن العلة فى تحريمه ليست تعبدية وإنما لشرفه، وهذا لا يمنع الاضطرار، على ما أشار إليه فى الشرح الصغير بحاشية الصاوى فى الجزء الأول. وأجاز الفقه الشافعى والزيدى أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها: ألا يجد غيره، كما أجاز للإنسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله، استبقاء للكل. بزوال البعض، كقطع العضو المتاَكل الذى يخشى من بقائه على بقية البدن، وهذا بشرط ألا يجد محرما آخر كالميتة مثلا، وأن يكون الضرر الناشىء من قطع الجزء أقل من الضرر الناشىء من تركه الأكل، فإن كأن مثله أو أكثر لم يجز قطع الجزء، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمى آخر معصوم الدم، كما لا يجوز للآخرأن يقطع عضوا من جسده ليقدمه للمضطر ليأكله. وفى الفقه الحنبلى: إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله فى حال الاضطرار، ولا إتلاف عضو منه، مسلما كان أو غير مسلم، أما الإنسان الميت ففى إباحة الأكل منه فى حال الضرورة قولان، أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل منه، لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت. قال ابن قدامة فى " المغنى " إن هذا القول هو الأولى.. ثم قال الشيخ جاد الحق فى " ص 3712 " ونخلص إلى أنه يجوز اضطراراً أكل لحم إنسان ميت فى قول فقهاء الشافعية والزيدية، وقول فى مذهب المالكية ومذهب الحنابلة، ويجوز أيضا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق ذكرها. كان هذا ما خلص إليه فى فتواه فى 5 من ديسمبر 1979 م، وفى فتواه فى 16 من يناير 1980 م قال بالنص: والذى نختاره للإفتاء هو قول الحنفية والظاهرية وبعض فقهاء المالكية والحنابلة القائلين بعدم جواز أكل لحم الآدمى الميت عند الضرورة لكرامته، والضرورة هى دفع الهلاك وحفظ الحياة (10/110) ________________________________________ العلاقة بين المسلم وغيره
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى حدود المعاملة بين المسلم وغيره أو كيف نظم الإسلام العلاقة عند اختلاف الأديان؟
الجواب من المعلوم أن الناس مختلفون فى الرأى والعقيدة والسلوك بحكم طبيعتهم البشرية التى تخطىء وتصيب، قال تعالى {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} هود: 118، 119، وقد أمدهم اللَّه بهدى من عنده عرَّفهم فيه الخير ودعاهم إليه وعرفهم فيه الشر وحذرهم منه، وقال لآدم ومن معه حين أهبطهم إلى الأرض {فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} طه: 123، وأرسل إليهم الرسل تترى لينبهوهم إلى هذه الحقيقة، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، حتى جاء خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأكد ما دعوا إليه من العقائد الأساسية، وبيَّن أنه ليس غريبا عنهم فى هذه الدعوة، وقرر وجوب الإيمان بهم جميعا {لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة: 136،. وكانت دعوة الإسلام عامة غير خاصة بزمان أو مكان، فهى لكل الناس، سواء منهم من كان على دين سابق ومن ليس على دين، قال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الاَخرة من الخاسرين} آل عمران: 85، وكان عرض الدعوة على ضوء قوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران: 20، فليس هناك إكراه، لأن العقائد لا تغرس إلا بالاقتناع، وما على الرسول إلا البلاغ {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، الكهف: 28، {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} البقرة: 256، وحينما أرسل الرسول الكتب لدعوة الملوك والرؤساء عرض عليهم الإيمان ولم يلزمهم به، فإن أسلموا فبها، وإن أبوا طلب منهم الاعتراف بالوضع الجديد للإسلام وعدم التعدى عليه، ففى بعض الكتب {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} آل عمران: 64، وعندما خرجت قوافل الدعوة ومرت على جماعة عرضت عليهم الإسلام، فإن أسلموا فبها، وإلا طلبوا منهم عدم التعرض لمسيرتهم وتركوهم وما يدينون، وتعهدوا بحمايتهم وضمان حريتهم لقاء مقابل رمزى يطلق عليه اسم الجزية، وهؤلاء معاهَدون، فإن تعرضوا للمسلمين كانوا حربيين، يقاتلون ليفسحوا لهم الطريق، فإذا انتشر الإسلام فى إقليم أو دار أو جماعة وبقى بعضهم على دينه كانوا ذميين، لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات الاجتماعية مثل من يعيشون معهم من المسلمين. يتبين من هذا أن غير المسلمين ثلاثة أصناف، صنف محارب، وضنف معاهد، وصنف ذمى، والمحارب لا نبدؤه بحرب ولكن نرد عليه إن حاربنا، وحربه ضرورة تقدر بقدرها قال تعالى {وقاتلوا فى سبيل اللَّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن اللَّه لا يحب المعتدين} البقرة: 190، وقال تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للَّه، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} البقرة: 193،. وهؤلاء تحرم مودتهم وموالاتهم ضد المسلمين كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} الممتحنة: 1، وقال أيضا {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللَّه فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم اللَّه نفسه وإلى الله المصير} آل عمران: 28،. والمعاهد من لم يقبل الإسلام وتعهد بعدم حرب المسلمين، وهؤلاء يحترم عهدهم، لا يحاربون إلا إذا نكثوا العهد، قال تعالى {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} . التوبة: 7، وقال تعالى {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} التوبة: 12. وحذر النبى صلى الله عليه وسلم من الغدر بهذا العهد وأمر المسلمين باحترامه، وهو الذى ردَّ أبا جندل وقد فر هاربا من أهل مكة وأسلم، لأن العهد فى الحديبية كان يقضى برده، وقال فى ذلك: " نفى لهم بعهدهم ونستعين اللَّه عليهم " وقال مثل ذلك فى أبى بصير، وقال فى احترام العهد " من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة لما رواه أبو داود، وعهد عمر لأهل إيلياء معروف، وفيه الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وعدم إكراههم على الدين وعدم الإضرار بهم. والذمى هو من عاش بين المسلمين. فهو مواطن معهم، له ما لهم وعليه ما عليهم، ولا يأس بالتعاون مع الذميين على الخير ومن برهم ومجاملتهم فى الحدود المشروعة، كما كان اليهود فى المدينة أيام النبى صلى الله عليه وسلم، والمعاهدة معهم معروفة. وفى هولاء وغيرهم من المعاهدين جاء الحديث الذى رواه البغوى " إن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذى فرض عليهم " وفيهم أيضا يقول اللَّه سبحانه {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} الممتحنة: 8، 9. والنبى صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود واقترض منهم الطعام، ولم يرض للمسلم أن يتعدى على اليهودى الذى فضَّل موسى عليه، ونهى عن تفضيله على الأنبياء، مع أنه أفضلهم، وذلك منعا للفتنة. وقال فى حديث رواه مسلم " الأنبياء إخوة من عَلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه ليس بينى وبينه نبى " ورأى عمر يهوديا ضريرا يسأل، فجعل له من بيت المال ما يكفيه، وكتب للولاة بمعونة الذميين الفقراء، وكانت هذه المعاملة لغير المسلمين من منطلق أن الإسلام دين السلام، لا يبدأ أحدا بحرب ما دام مسالما، قال {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه} الأنفال: 61. وبخصوص أهل الكتاب من اليهود والنصارى أباح التزوج من نسائهم وأكل ذبائحهم ولا يقال: إن أخذ الجزية من أهل الذمة ظلم لهم أو جعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، فإنها تقابل الزكاة التى فرضت على المسلمين، وكلتاهما لمصلحة المواطنين جميعا، وهى مفروضة بنسب بسيطة على الذكور القادرين فقط. وهناك حوادث كثيرة فى أيام الرسول وخلفائه، ونصوص وتشريعات كثيرة فى القرآن والسنة تدل على العدل والإنصاف والرحمة والسلام فى تعامل المسلمين مع غيرهم، وضعت فيها تآليف خاصة. جاء فى كتب الأحكام السلطانية للماوردى "ص 145 " أن عقد الجزية مع الذميين يشترط فيه شرطان، أحدهما مستحق والاَخر مستحب، وذكر أن المستحق فيه ستة شروط: أحدها: ألا يذكروا كتاب اللَّه تعالى بطعن فيه ولا تحريف له. والثانى: ألا يذكروا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتكذيب له ولا ازدراء. والثالث: ألا يذكروا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه. والرابع: ألا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح. والخامس: ألا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا لدينه. والسادس: ألا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم، فهذه حقوق ملتزمة فتلزمهم بغير شرط، وإنما تشترط إشعاراً لهم وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم. وتحدث الماوردى عن الأمور المستحبة التى تتعلق بالملابس والأبنية والنواقيس والمجاهرة بالمعاصى، وما يتعلق بالموتى ووسائل، الانتقال، وقال إنها لا تلزم حتى تشترط، ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم، لكن يؤدبون عليها زجرا، ولا يؤدبون إن لم تشترط، ثم تحدث عن كنائسهم إنشاءً أو تعميرا، ولو نقضوا العهد لم يستبح بذلك قتلهم ولا غنم أموالهم ولا سبى ذراريهم ما لم يقاتلوا، ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشرك، فإن لم يخرجوا طوعا أخرجوا كرها. وجاء فى كتاب " غذاء الألباب للسفارينى "ج 1 ص 12 كلام طويل عن التعامل معهم وموقف أحمد بن حنبل منهم لا داعى لذكره فيرجع إليه من شاء. إن عقد الذمة يجوز مع من يعيشون معنا فى بلاد الإسلام، كما يجوز مع من لا يقيمون فيها، فقد عقد الرسول عقدا مع نصارى نجران مع بقائهم فى أماكنهم وديارهم دون أن يكون معهم أحد من المسلمين (10/111) ________________________________________ سد الأسنان بالذهب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الإسلام فى استبدال الإنسان لبعض أسنان الفم التالفة أو المشوهة بأخرى مصنوعة من الفضة أو الذهب؟
الجواب حشو الأسنان بالذهب أو الفضة أو عمل سنٍّ منهما جائز عند الضرورة إذا كان غير الذهب والفضة لا يفيد، ففى مسند أحمد أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب " حرب " فاتخذ أنفا من فضة فأنتن، فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأن يتخذ أنفا من ذهب، وثبت أن كثيرا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب، مثل موسى بن طلحة وأبى رافع وإسماعيل بن زيد بن ثابت، ورخص فيه الحسن البصرى وأئمة الحنفية. جاء فى فتوى للشيخ حسنين مخلوف بتاريخ 18 نوفمبر 1946 ما نصه: فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز، سواء أخذنا ما روى عن الإمام أحمد من إجازة اليسير منهما أو على مذهب الإمام محمد بن الحسن من أئمة الحنفية، أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالهما، والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يرد فيها ما يمنع جواز استعمالها. " الفتاوى الإسلامية ج 4 ص 1302، ج 10 ص 1710 " و " وغذاء الألباب للسفارينى ج 2 ص 174 " (10/112) ________________________________________ زرع الشعر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز لشاب مصاب بالصلع الشديد أن يجرى عملية زرع شعر أو يلبس شعرا مستعارا، أو يستخدم دهانات لتثبيت ونمو الشعر؟
الجواب هذا العمل يدخل تحت حديث " لعن الله الواصلة والمستوصلة " وقد مر الحكم فى علميات التجميل، وخلاصته كما قال المحققون كابن الجوزى وغيره أن زرع الشعر إذا كان يدوم كالشعر العادى فلا غش فيه ولا خداع، أما إذا كان ينبت مؤقتا لمدة ثم يختفى فهو كالباروكة إن قصد به التدليس والغش عندما يريد الزواج مثلا، أوقصد به فتنة الجنس الاَخر للوقوع فى الإثم فهو حرام لا شك فيه. . أما إذا لم يقصد شيئا من ذلك فلا حرمة فيه (10/113) ________________________________________ الفيديو والتلفزيون والراديو
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم اقتناء الفيديو والتليفزيون والراديو ومشاهدة وسماع ما يذاع فيها؟
الجواب هذه الأجهزة الحديثة كأى جهاز يستعمل فى الخير والشر، كالقلم نكتب به درسا علميا ونكتب به سبًّا وإشاعة، وكالكوب، تشرب فيه ماء وشرابا حلالا، وتشرب فيه شرابا حراما. ولهذه الأجهزة فوائد عظيمة إذا استعملت فى الخير تسجيلا أو إذاعة أو مشاهدة أو سماعا، وذلك إذا أمكن للإنسان أن يتحكم فيها، أما إذا لم يتمكن من التحكم فعلى من يذيعون ويعرضون أن يتقوا اللَّه ويختاروا ما هو أنفع وأجدى، وأن يبتعدوا عن كل ما يتنافى مع الدين والذوق، وعلى القاعدة المستقبلة لما يذاع ويعرض أن تنبه المسئولين عن البث إلى مراعاة ذلك، على ضوء قوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل: 125 (10/114) ________________________________________ الإطعام فى كفارة القتل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء فى كفارة القتل تحرير الرقبة، وعند العجز صيام شهرين متتابعين فما هو الحكم لو عجز عن الصيام؟
الجواب قال تعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللَّه، وكان الله عليما حكيما} النساء: 92. تفيد الآية أن كفارة القتل هى تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجدها القاتل أو لم يجد ثمنها انتقل إلى صيام شهرين متتابعين. هذا هو منطوق الآية، ولكن ما حكم ما لو عجز عن الصيام؟ اختلف الفقهاء فى ذلك فقال الحنفية والمالكية والشافعية فى الأظهر من مذهبهم، والحنابلة فى رواية: يثبت الصيام فى ذمته ولا يجب الإطعام كما يجب فى كفارة الظهار، وحجتهم فى ذلك أن اللَّه لم يذكر الإطعام ولو كان واجبا لذكره حيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما قالوا: إنه من المقادير، والمقادير لا تعرف إلا سماعا. وفى رواية عن أحمد والظاهر من مذهب الشافعية أنه يطعم ستين مسكينا، قياسا على كفارة الظهار وكفارة الفطر فى رمضان. وأرى أنه من المصلحة الأخذ بالرأى الثانى، ففيه تحقيق المقصود من شرعية الكفارة، وهو شعور الإنسان بخطئه فسنزجر عن معاودة الإثم، وذلك بالقياس على جريمة أخرى انتقل فيها العاجز عن الصيام إلى الإطعام (10/115) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:21 am | |
| الكبائر والصغائر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال جاء فى بعض التعبيرات عن الذنوب بأن منها كبائر، فهل هناك من ضابط تميز به الكبائر عن الصغائر؟
الجواب اختلف السلف فى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، فذهب الجمهور إلى ذلك، ومنعه جماعة منهم الإسفرايينى، ونقله عن ابن عباس، وحكاه القاضى عياض عن المحققين. ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية. وحجتهم أن المخالفة بالنسبة إلى جلال اللَّه كبيرة على كل حال. أما الجمهور فحجتهم قوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء: 31، وقوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} النجم: 32، وحديث تكفير الذنوب الوارد فى الصلاة والوضوء مقيد باجتناب الكبائر. وبهذا ثبت أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات العامة ومنها ما لا يكفر بها، ولهذا قال الإمام الغزالى: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه. ثم إن مراتب الصغائر والكبائر تختلف بحسب تفاوت مفاسدها، قال الطيبى: الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان، فلابد من أمر يضافان إليه، وهو أحد ثلاثة أشياء: الطاعة والمعصية والثواب، فأما الطاعة فكل ما تكفره الصلاة مثلا فهو من الصغائر، وأما المعصية فكل معصية يستحق فاعلها بسببها وعيدا أو عقابا أزيد من الوعيد أو العقاب المستحق بسبب معصية أخرى فهى كبيرة، وأما الثواب ففاعل المعصية إن كان من المقربين فالصغيرة بالنسبة إليه كبيرة، فقد وقعت المعاتبة فى حق بعض الأنبياء على أمور لم تعد من غيرهم معصية. انتهى. قال النووى: واختلفوا فى ضبط الكبيرة اختلافا كثيرا منتشرا، فروى عن ابن عباس أنها كل ذنب ختمه اللَّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. قال: وجاء نحو هذا عن الحسن البصرى. وقال آخرون: هى ما أوعد اللَّه عليه بنار فى الآخرة أو أوجب فيه جزاء فى الدنيا. يقول الشوكانى فى نيل الأوطار "ج 8 ص 222" وممن نص على هذا الإمام أحمد، ومن الشافعية الماوردى، ولفظه: الكبيرة ما أوجبت فيها الحدود أو توجه إليها الوعيد. وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخر، منها قول إمام الحرمين: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، وقال الحليمى: كل محرم لعينه منهى عنه لمعنى فى نفسه، وقال الرافعى: هى ما أوجب الحد، وقيل: هى ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب أو سنة. وقد استشكل بأن كثيرا مما وردت النصوص بكونه كبيرة لا حد فيه كعقوق الوالدين، وأجيب بأن مراد قائله ضبط ما لم يرد فيه نص بكونه كبيرة، أما العقوق مثلا فقد صح فيه حديث أنه من أكبر الكبائر. قال ابن عباس فى القواعد: لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض، والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بذنبه إشعارا دون الكبائر المنصوص عليها، قال الحافظ: وهو ضابط جيد. هذا، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار، والإصرار قيل هو التسويف، أى أن يقول: أتوب غدا. وقيل هو الثبات على المعصية، وقيل هو أن ينوى ألا يتوب، وهو بالمعنى الذى قبله، وروى فى الحديث " لا توبة مع إصرار " القرطبى ج 4 ص 211". أما عدد الكبائر فمختلف فيه، وما جاء منها فى بعض الأحاديث فليس للحصر، وروى الطبرانى عن ابن عباس أنها إلى السبعين أقرب، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى مقدمة كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى (10/116) ________________________________________ تحلية الخنجر بالفضة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نرى بعض الرجال يعتزون بحمل الخناجر أو السيوف أو اقتنائها، ونرى على بعضها حلية من الفضة. فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب روى أبو داود والترمذى بإسناد حسن أن قبيعة سيف النبى صلى الله عليه وسلم كانت من الفضة. والقبيعة هى التى على رأس قائم السيف، وهى التى يدخل القائم فيها، وربما اتخذت من فضة على رأس السكين، وقيل: ما تحت شاربى السيف مما يكون فوق الغمد، فيجىء مع قائم السيف. والشاربان أنفان طويلان أسفل القائم، أحدهما من هذا الجانب والآخر من هذا الجانب. وقيل: قبيعة السيف رأسه الذى فيه منتهى اليد إليه، وقيل: قبيعته ما كان على طرف مقبضه من فضة أو حديد. وقال هشام بن عروة: كان سيف الزبير محلى بالفضة، أنا رأيته "المغنى لابن قدامة ج 8 ص 323 ". قال الأثرم: قيل لأبى عبد الله: الحلية لحمائل السيف؟ فسهل فيها، وقال: قد روى: سيف محلى؟ ولأنه من حلية السيف فأشبه القبيعة، ولذلك يخرج فى حلية الدرع والمغفر والحوذة والخف والران، ولأنه فى معناه. قال أحمد: قد روى أنه كان لعمر رضى الله عنه سيف فيه سبائك من ذهب. وروى الترمذى بإسناده من مزيدة العصرى قال: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة. وقال: هذا حديث غريب. ولا يباح الذهب فى غير هذا إلا لضرورة كأنف الذهب وما ربط به أسنانه إذا تحركت (10/117) ________________________________________ الرق فى نظر الإسلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال تحدث القرآن والسنة عن ملك اليمين، ويعيب بعض الناس ذلك لأنه يتنافى مع كرامة الإنسان، فكيف نرد عليهم؟
الجواب الرق فى نظر الإسلام موضوع درست أحكامه فى الكتب الدينية، وألفت فيه كتب خاصة اهتمت ببيان أصل مشروعيته وموقف الإسلام منه، والرد على الشبه المثارة حوله. والرقيق قوة بشرية كان لها أثرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية قى الأزمان الغابرة، وجاء الإسلام فوجد الرق موجودا فى كل أنحاء الدنيا، وكانت وسائله متعددة، بعضها يقوم على الخطف والسرقة، فلم يشأ الإسلام أن يمنعه مرة واحدة حتى لا تكون هناك هزة، وهو فى الوقت نفسه ظاهرة موجودة عند كل الأمم عندما تقوم الحروب بينها ويقع فيها أسرى من الجانبين يساوم كل على فدائهم. فضيق الإسلام منابع الرق وحصرها فى الحرب المشروعة التى تقوم بين المسلمين والكفار، وكذلك فيما يتوالد من الأرقاء السابقين. وجعل ضرب الرق على الأسير بأمر الحاكم إن رأى فيه المصلحة. ثم وسع أبواب الحرية بالعتق قى مخالفات كثيرة، كالفطر فى رمضان والظهار والقتل والقسم أى الحلف وغير ذلك، كما حبب فى العتق بدون سبب موجب، ورغب فيه ترغيبا كبيرا، وإذا ضاق المنبع واتسع المصب كانت النتيجة قضاء على الرق بالتدريج. وفى المسافة التى بين الرق والعتق أمر الإِسلام بالإِِحسان إلى الرقيق، ونصوصه فى ذلك كثيرة جاء فيها التعبيرعن المملوكين بأنهم إخوان من ملكوهم، وهى إخوة فى الإِنسانية تقتضى الرحمة والحفاظ على كرامتهم، حتى كان عتق العبد كفارة عن ضربه وإهانته، ولعل هذه الطيبة قى معاملتهم تكون دعاية للإِسلام ومبادئه الإِنسانية العظيمة، على يد من يعتقون. وموقف الإِسلام بهذه الخطوات الثلاثة الحكيمة: تضييق منابع الرق، وتوسيع منافذ الحرية، والإِحسان إلى المملوك والترغيب فى عتقه - موقف شريف يزرى بالأساليب التى كانت موجودة قبل الإِسلام فى بلاد الحضارة، وبالأساليب التى اتخذها تجار الرقيق قى القرون الأخيرة لتعمير الأراضى المكتشفة، وحين اشتد التنافس بين الدول فى هذه التجارة قرروا الاتفاق على منعها، متذرعين - صدقا أو كذبا - بأنها منافية لكرامة الإِنسان، واستبدلوا به رقا آخر بالاستعمار وبسط النفوذ المسلمون من أول 17 والتحكم فى مصائر الشعوب الضعيفة، وكانت من وافقوا على منع هذه التجارة، وإن كانت له اَثار قليلة باقية. وفى النهاية نهتف مباهين بالإِسلام وتشريعه وأسلوبه فى معالجة المشكلات، مؤمنين حقا بقول اللَّه سبحانه {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107، والموضوع كل موجود فى رسالتى "الرق فى نظر الإسلام " (10/118) ________________________________________ دار الإسلام ودار الحرب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما المقصود بدار الحرب، ومتى يطلق على منطقة بأنها دار حرب، وهل تقام فيها الحدود؟
الجواب جاء فى كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف، ج 1 ص 248 " أن تقسيم البلاد إلى دار كفر وإسلام أمر اجتهادى من واقع الحال فى زمان الأئمة المجتهدين، وليس هناك نص فيه من قرآن أو سنة. والمحققون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد حرب هو الأمن على الدين. حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير دين الإسلام، ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها. وذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة فى رسالة عن نظرية الحرب فى الإسلام " ص 38" رأيين للفقهاء فى دار الإسلام ودار الحرب. ثم اختار رأى أبى حنيفة وهو: أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان اَمنا بوصف كونه مسلما فالدار دار إسلام وإلا فهى دار حرب. وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام، ويوافق الأصل فى فكرة الحروب الإسلامية وأنها لدفع الاعتداء. انتهى. وبخصوص الحدود قال فريق من الفقهاء منهم أبو حنيفة: إذا غزا أمير أرض الحرب فإنه لا يقيم الحد على أحد من جنوده فى عسكره، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبه ذلك، فيقيم الحدود فى عسكره، وحجتهم أن إقامتها فى دار الحرب قد تحمل المحدود على الالتحاق بالكفر. وقد نص على عدم إقامتها أحمد وإسحاق بن راهويه والأوزاعى وغيرهم، وعليه إجماع الصحابة. وكان أبو محجن الثقفى لا يطيق الصبر عن شرب الخمر، فشربها بالقادسية فحبسه أمير الجيش سعد بن أبى وقاص وأمر بتقييده، ثم طلب من امرأة سعد أن تطلقه ليشترك فى المعركة وتعهد بالعودة إلى الحبس، وكان ذلك، ولما عرف سعد بلاءه فى الحرب عفا عنه فتاب عن الحمر. ورأى جماعة آخرون عدم الفرق بين إقامة الحدود فى دار الإسلام وغيرها، ومنهم مالك والليث بن سعد. وبعد، فهذا سؤال تقليدى عن الحدود قضت به ظروف كان المسلمون فيها أصحاب قوة وسلطان يفتحون البلاد بالإسلام، فهل يمكن فى ظروفنا الحاضرة أن يكون لنا هذا الوضع؟ هذا، ويثار هنا سؤال عن حكم إقامة المسلم فى بلاد المشركين، ورأى الإسلام فى الجاليات الإسلامية. روى أبو داود والترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". وهذا الحديث يلتقى مع الآيات التى تحث على الهجرة من مكة إلى المدينة، وتنعى على من يستطيعون الهجرة ولا يهاجرون، ومنها قوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} النساء: 97،. والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، لكن هل هى واجبة أم مندوبة؟ قال العلماء: إن خاف المسلم على دينه وخلقه أو على ماله وجب أن يهاجر، وإن لم يخف لم تجب الهجرة، وتكون سنة. لكن قال المحققون: إذا وجد المسلم أن بقاءه فى دار الكفر يفيد المسلمين الموجودين فى دار الإسلام، أو يفيد المسلمين الموجودين فى دار الكفر بمثل تعليمهم وقضاء مصالحهم، أو يفيد الإسلام نفسه بنشر مبادئه والرد على الشبه الموجهة إليه - كان وجوده فى هذا المجتمع أفضل من هجره، ويتطلب ذلك أن يكون قوى الإيمان والشخصية والنفوذ حتى يمكنه أن يقوم بهذه المهمة. وقد كان لبعض الدعاة والتجار فى الزمن الأول أثر كبير فى نشر الإِسلام فى بلاد الكفر " انظر الجزء الأول من كتاب بيان للناس من الأزهر الشريف " (10/119) ________________________________________ حد عمر لابنه
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ضرب عمر ابنه بسبب الخمر حتى مات؟
الجواب هذه الحكاية تتردد كثيرا على ألسنة المتحدثين عن عدالة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وعدم محاباته فى تطبيق الشريعة، وسيدنا عمر- وإن كان معروفا أنه يمثل العدالة فى أسمى معانيها أو يكاد، إلا أنه وكذلك كثير من المشهورين فى التاريخ - قد نسبت إليه أمور لم يصح سندها، يحكيها الناس توكيدا لعدله. ونشرت فى مجلة إسلامية فتوى حول هذا الموضوع جاء فيها: إن أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوز ذكر فى كتابه " سيرة عمر بن الخطاب " أن عبد الرحمن بن عمر ومعه أبو الروعة عقبة بن الحارث، وهو من أهل بدر، كانا فى مصر وشربا نبيذا، وظنا أنه لا يسكر، فسكرا، وكان يكفيهما الإحساس بخطئهما والتوبة إلى اللَّه، غير أنهما غضبا للَّه على أنفسهما، فذهبا إلى عمرو بن العاصى وهو والى مصر، وطلبا منه إقامة الحد عليهما. وقد كان عبد الله بن عمر سمع أن أخله شرب، ثم علم أنه رفع أمره إلى عمرو بن العاصى، فذهب معه وشهد إقامة الحد عليهما فى دار عمرو. ثم سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إلى عمرو خطابا شديد اللهجة، يذكر فيه محاباته لابنه، حيث لم يقم الحد عليه فى مكان عام مكشوف، كما يقام على غيره من عامة الناس، وطلب منه أن يرسله إليه بالمدينة فى ثوب خشن،1717 أوعلى مركب خشن فلما حضر مع أخيه عبد الله وسأله عمر عما حدث: أقر واعترف فغضب منه وضربه وعبد الرحمن يستغيث وهو لا يرحمه، ثم حبسه بعد أن انتهى من ضربه، ثم مرض عبد الرحمن ومات. وأخرج الديلمى فى كتابه " المنتقى " كما حكاه صاحب " الرياض النضرة " أن حادثة الحد كانت عن زنى عبد الرحمن بجارية فى حائط - بستان - بنى النجار، وكان سكران من خمر شربه عند يهودى اسمه "نسيك " كما نقله الشبلنجى فى كتابه " نور البصائر والأبصار ". والكتب الصحيحة لم تشر إلى هذه الحادثة، وقد قال ابن الجوزى فى كتابه: إن عمر لم يقم الحد على ابنه، فإن ضربه ليس حدا، بل غضبا وتأديبا، لأن الحد لا يتكرر، ثم يقول: وقد أخذ هذا الحديث قوم من القصاص فبدأوا فيه وأعادوا، فتارة يجعلون هذا مضروبا على شرب الخمر، وتارة على الزنى ويذكرون كلاما ملفقا يبكى العوام لا يجوز أن يصدر عن مثل عمر، وقد ذكرت الحديث بطرقه فى كتاب "الموضوعات " ونزهت هذا الكتاب عنه " ص 167 ". وأرى أن مثل هذه الأمور التى تمس الشخصيات الكريمة ينبغى أن يحتاط فى الحديث عنها مهما كان الغرض من الحديث، وبخاصة الخلفاء الراشدون الذين أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديهم (10/120) ________________________________________ الحدود زواجر أم جوابر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال إذا أقيم الحد على الزانى، هل هذا الحكم يكفى لمحو الذنب عنه أم أن الله يعاقبه عليه فى الآخرة؟
الجواب روى البخارى ومسلم عن عبادة بن الصامت فى حديث المبايعة على عدم الشرك والسرقة والزنى والقتل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فى الدنيا فهو كفارة له لما وروى مسلم حديث الجهنية التى أقيم عليها حد الزنى، وصلى عليها النبى صلى الله عليه وسلم وقال جوابا عن استفهام: " لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للَّه " وروى الترمذى والحاكم وصححه حديث: " من أصاب ذنبا فعوقب به فى الدنيا فاللَّه أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده فى الآخرة ". بناء على هذه الأحاديث رأى أكثر العلماء أن الحدود كفارات للذنوب أى جوابر لا يعاقب اللَّه عليها بعد ذلك، ولكن قال بعض التابعين والمعتزلة وابن حزم: الحدود زواجر لا جوابر، وعلى من أقيم عليه الحد أن يتوب إلى اللَّه توبة نصوحا حتى يكفر الله ذنبه. وتوقف جماعة فى الحكم بناء على حديث رواه الحاكم وقال عنه الحافظ ابن حجر: إنه صحيح على شرط الشيخين، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا أدرى: الحد كفارة لأهلها أم لا ". ولكن الرأى الأول أرجح، لأن أدلته أقوى، وهذا كله فى الحق الخالص للَّه، الذى ليست له علاقة بحقوق العباد، أما ما فيه حق للعباد فمع الحد والتوبة لا بد من رد هذه الحقوق أو طلب العفو والتنازل عنها، فإن لم يفعل ذلك طالبه أهل الحقوق بحقوقهم يوم القيامة، وإن كان صادق التوبة فى الدنيا مع الله، وحاول رد الحقوق لأصحابها، أو طلب العفو منهم ولم يستطع فالمرجو من اللَّه - ورحمته واسعة - أن يطلب له العفو منهم، والله أعلم (10/121) ________________________________________ دهن الخنزير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أكل ما طبخ يدهن الخنزير للضرورة، كان كان الإنسان فى الجيش أو فى طريق لا يوجد فيه أكل آخر؟
الجواب شحم الخنزير كلحمه محرم لقوله تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} المائدة: 3، فلا يجوز أكل اللحم أو الشحم أو ما طبخ به، وذلك بشرط الاختيار بأن يكون هناك طعام حلال آخر، ولم يكرهه على تناوله أحد. فإن لم يوجد إلا لحم الخنزير أو ما طبخ بشحمه، أو أكرهه على تناوله من هو أقوى منه جاز أكله، لأن هذه حالة ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، بدليل قوله تعالى فى الآية نفسها {فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن اللَّه غفور رحيم} وحكم الاضطرار هذا راجع إلى جميع المحرمات المذكورة فى الآية. والمخمصة هى الجوع الشديد والتجانف هو تجاوز الحد الأدنى فى الأكل، أو هو العصيان فى السفر على اختلاف للفقهاء فى ذلك. فالآية تدل على تناول لحم الخنزير أو شحمه عند الضرورة بشرط ألا يزيد على ما يمسك الرمق، فإن الضرورة تقدر بقدرها. والحال الواردة فى السؤال وهى وجود الشخص فى الجيش، إن كان فى الجيش طعام آخر ليس فيه لحم أو شحم الخنزير، ويمكن الحصول عليه ولو بالشراء لا يجوز أكل الخنزير. فإن لم يوجد إلا هو ولا يمكن الحصول على غيره جاز له تناوله بقدر يسير. وكذلك من كان فى طريق لا يوجد فيه غير لحم الخنزير أو ما طبخ بشحمه، يجوز له أن يأكل منه بقدر الضرورة حتى يصل إلى مكان فيه طعام حلال (10/122) ________________________________________ الجهاد فى الإسلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هى حكمة مشروعية الجهاد فى الإسلام؟
الجواب الجهاد من الكلمات التى أُسىء استعمالها لعدم فهم معناها فهما صحيحا، فالجهاد مأخوذ من الجَهْد وهو التعب، أو الجُهد وهو القوة، فالمجاهد يبذل جُهْدا يحس فيه بِجَهْد، أي يبذل قوة يحس فيها بتعب، ومعنى الجهاد بذل الجهد لنيل مرغوب فيه أو دفع مرغوب عنه، يعنى لجلب نفع أو منع ضر، وهو يكون بأية وسيلة وفى أى ميدان حسى أو معنوى، ومنه جهاد النفس والشيطان وجهاد الفقر والجهل والمرض وجهاد البشر. والنصوص فى ذلك كثيرة، وجهاد البشر يكون بدفع الصائل المعتدى على النفس أو المال أو العرض، والميت فى هذا الجهاد شهيد كما صح فى الحديث، كما يكون الجهاد عند الاعتداء على الأوطان والحرمات، أو الوقوف ضد الدعوة إلى الخير. والجهاد فى سبيل الله عرف فى الشرع بما يرادف الحرب لإعلاء كلمة اللَّه، ووسيلته حمل السلاح وما يساعد عليه ويتصل به من إعداد وتمويل وتخطيط، ويشترك فيه عدد كبير من الناس، من زراع وصناع وتجار وأطباء ومهندسين وعمال ورجال أمن ودعاة وكُتَّاب، وكل من يسهم فى المعركة من قريب أو بعيد. وكان هذا الجهاد هو الشغل الشاغل للمسلمين فى بدء تكوين المجتمع الإسلامى وأكثر آيات القراَن وأكثر الأحاديث كانت للأمر به والتشجيع عليه: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل اللَّه} التوبة: 41، وهو فرض عين على كل قادر عليه إن أغار علينا العدو، وفرض كفاية إن لم تكن إغارة علينا، وإذا استنفر الإمام القوة وجب الخروج، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض. . .} التوبة: 38، وحديث البخارى ومسلم " وإذا استنفرتم فانفروا " لقد كان هناك انتقال بالدعوة لنشرها فى ربوع العالم حيث يقوم بذلك جماعة من القادرين نيابة عن غيرهم ما دامت فيهم كفاية، وكل مسلم يجب أن يكون مستعدًّا لإجابة الداعى إلى الجهاد، وعليهم جميعا أن يكونوا على أقصى درجات الاستعداد {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. . . .} الأنفال: 60،. لكن: هل حمل السلاح هو الوسيلة الوحيدة لنشر الدعوة؟ إن مهمة حمل السلاح كانت لغرضين أساسيين، أولهما رد العدوان الواقع أو المنتظر، والثانى تأمين طريق الدعوة. ورَدُ العدوان ظهر فى غزوات بدر وأحد والخندق وغيرها، وكان عدوانا حقيقيا واقعا، ومنه إغاثة المظلومين: {وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر. . . } الأنفال: 72، أما رد العدوان المنتظر فكان فى فتح مكة حيث نقضت قريش عهدها الذى أبرمته مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديبية، وفى غزوة تبوك وغيرها. وتأمين الطريق كان فى تحرك المسلمين خارج حدود المدينة لنشر الدعوة فى أنحاء العالم، لأنها دعوة عالمية للناس جميعا. إن الإسلام إذا كان قد فرض القتال، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا أخبر أنه بعث بالسيف، وجُعل رزقه تحت ظل رمحه، كما رواه أحمد عن ابن عمر، فإن الواجب أن نفهم أن الإسلام أمر بالقوة، بل دعا إلى أن يكونوا فى أعلى درجاتها، والسبب فى ذلك أن الإسلام قوة جديدة فالمنتظر أن تحاربها القوات القائمة إذا ذاك حتى لا تزاحمها فى سلطانها، وذلك شأن الناس فى كل العصور، فلا بد من الدفاع عن الكيان الجديد ليثبت وجوده ويؤدى رسالته، ولو أن الإسلام كان دعوة محلية أو مؤقتة لكانت مهمة التسلح هى من أجل الدفاع، لكنه دعوة عالمية لابد أن تبلغ للعالم كله، والوسيلة إذ ذاك هى السفر والضرب فى الأرض، والسفر كان وما يزال تحفُّه المخاطر، فكان لا بد من التسلح حتى لا يقف الأعداء فى طريق الدعوة. وإذا كان السيف لابد منه لتأمين طريق الدعوة فى الماضى، فإنه فى هذه الأيام لا مهمة له إلا الدفاع ضد من يريدون شرًّا بالإسلام وأهله، أما نشره فله عدة وسائل لا تحتاج إلى سفر ولا تخشى معه مخاطر لطريق، فالصحف والمكاتبات وما إليها أصبحت تتخطى الحدود، ولئن أمكن التحكم فيها إلى حد ما، فإن الإذاعات اليوم أصبحت من القوة والانتشار، بحيث لاحقت الناس وهم في بيوتهم وعلى أسِرّةِ نومهم لا تمنعها سلطة ولا تقف دونها حدود ولا أبواب. هذا، وما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة قبل الهجرة " أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح " كما رواه الطبرانى- فهو حديث ضعيف يرده العقل والنقل، أما الأول فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يصرح بذلك فى بدء الدعوة وهو منفر لها لا مرغب فيها؟ وكيف يقوله وهو ضعيف لا يستطيع حماية نفسه فضلا عن حمايته لأتباعه القلة؟ ولماذا تركته قريش وهم يعلمون ما جاء به من الذبح ليحقق ما يريد، ولم يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم؟ وأما الثانى فلمنافاته لآية {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 107، وحديث " إنما أنا رحمة مهداة" رواه الحاكم والطبرانى، وما يماثله من نصوص وأحداث تدل على رقة قلبه وعظيم رحمته. ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم متعطشا للدماء، وبخاصة من قريش ما عفا عنهم عند فتح مكة وهو القادر على الانتقام منهم، كما أن الحديث لا يراد به قهرهم على الإسلام فهو يتنافى مع طبيعة الدعوة. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم الذى رواه أحمد بسند صحيح " جُعل رزقى تحت ظل رمحى" أن رزقه من الغنائم التى يحصل عليها المسلمون من الحروب التى كان يباشر أكثرها بنفسه، وكفاية رئيس الدولة توفر من الخرينة العامة بمواردها المتعددة، ومنها الغنائم، وهو مبدأ إسلامى أقره الصحابة لأبى بكر وعمر والخلفاء. إن الفهم السطحى لمشروعية القتال بالآيات والآحاديث ربما يوحى بأن الإسلام قد انتشر بقوة السلاح، ولولا ذلك ما كان له وجود أو ما كان بهذه المساحة الكبيرة من الأرض، أو من نفوس الناس، وكيف يقال ذلك والإسلام دين الرحمة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو الذى قال {ادخلوا فى السلم كافة} البقرة: 208، {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه} الأنفال: 61، " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " رواه البخارى ومسلم. إن الدعوة الإسلامية للعرض لا للفرض، فما كانت العقائد تغرس بالإكراه أبدا، لا فى القديم ولا فى الحديث، والله يقول عن نوح {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود: 28، ويقول لمحمد عليه الصلاة والسلام {أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس: 99، إلى غير ذلك من النصوص. وعندما أرسل النبى صلى الله عليه وسلم عليًّا لقتال يهود خيبر قال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ يعنى أرغمهم على الإسلام، فقال له " انفذ على رِسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإِسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدى اُلله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم " رواه مسلم. وإذا جاءت نصوص تدل بظاهرها على الأمر المطلق بالقتال فهناك نصوص أخرى تقيدها بما إذا كان ذلك ردًّا لعدوان وقع، أو جزاء على نكث العهد، أو منعا لعدوان سيحدث، قال تعالى {وقاتلوا فى سبيل اللَّه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} البقرة: 190، وقال تعالى {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر} التوبة: 14، فيُقَيَّدُ بذلك قوله تعالى {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} التوبة: 36، وقوله {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} البقرة: 191، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} البقرة: 193،. ولو جاءت نصوص تفيد فى ظاهرها أن القتال لأجل الإِسلام فالمراد أن القتال ينتهى لو أعلن الناس، الإِسلام، ويسر خوض المعركة أساسا من أجل أن يسلموا، وذلك مثل حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه " رواه البخارى ومسلم، وكذلك قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية. . .} التوبة: 29، فلم يكن أخذ الجزية باعثا على القتال ولكن كان غاية ينتهى عندها إذا دفعوها، ويؤكد أن الغرض من القتال ليس مادة أن أبا عبيدة ردَّ على أهل المدن ما أخذه منهم جزية حين استدعوا إلى مقابلة الروم فى اليرموك، لأنها كانت فى مقابل حمايتهم، وحيث إنهم تخلوا عنها فلامعنى لبقائها فى حوزتهم كما ذكره أبو يوسف فى كتابه " الخراج ". هذا، ولعل الذين ينادون بالجهاد عن طريق حمل السلاح يقصدون الجهاد لتغيير الوضع الحالى للمجتمعات الإِسلامية، وقد قلنا: إن وسيلة الإِصلاح لن تؤمن عاقبتها إذا كانت قائمة على العنف، فإن للقوة إعدادها وتخطيطها الكبير الجبار، وكذلك لدراسة كل الظروف القائمة أهميتها فى القيام بمثل هذه الحركة، ولا يجوز أن يفهم من هذا أننا نهوشّ من شأن الجهاد بمعناه العام، فإنه ماض إلى يوم القيامة فى ميادينه الواسعة وبأساليبه المتعددة، لحديث " والجهاد ماض مذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " رواه أبو داود، فإنه يدل بعمومه على بقاء الجهاد فى الميادين السلمية، ويدخل فيه الجهاد المسلح دخولا أوليا، وقد يرشح دلالته عليه بخاصة ذكر فتال الدجال بعد. وإذا كان الجهاد مفروضا بالسلاح لتأمين طريق الدعوة والدفاع عن الحرمات، فذلك واضح فى الجهاد ضد الكفار، أما الجهاد بين الدول الإِسلامية فلا يجوز مطلقا أن يكون للعدوان على الحقوق، بل لرد العدوان، ولا يلجأ إليه إلا إذا فشلت كل الطرق السلمية، على حد قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله. . .} الحجرات: 9، وفى الدفاع يقول الحديث " من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد. " رواه أبو داود، ويُحَذر من العدوان على الأفراد أو الجماعات أو الدول بين المسلمين فيقول " إخا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار " قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال " كان حريصا على قتل صاحبه " رواه البخارى ومسلم (10/123) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:21 am | |
| الانتفاع بالمشيمة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل جمع فضلات الإنسان كالدم والشعر والسن والمشيمة لاستخراج مواد طبية منها حرام أم حلال؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 102 " أن الحكيم الترمذى ذكر فى " نوادر الأصول " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم، ونقُّوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم من الطعام، وتسنَّنوا ولا تدخلوا علىَّ فُخْرًا بخْرًا " (المحفوظ -كما فى تفسير القرطبى "ج 2 ص 154 " قُحْلاً وقلحا. والقُحل جمع أقلح وهو الذى اصفرت أسنانه حتى بخرت وأنتنت رائحتها والتسنن تنظيف الأسنان بالسواك.) ثم تكلم عليه فأحسن. وفى شرحه لدفن القلامات قال: إن جسد المؤمن ذو حرمة، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم، فيحق عليه أن يدفنه، كما أنه لو مات دفن، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه، كيلا يتفرق ولا يقع فى النار أو فى مزابل قذرة، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن دمه حيث احتجم كيلا تبحث عنه الكلاب. ثم ذكر حديثا عن عائشة رضى اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإِنسان: الشعر والظفر والذم والحيضة والسن والقلفة والبشيمة. لم يذكر سند هذا الحديث حتى يمكن الاستشهاد به، وقد تحدث العلماء عن دفن الشعر والظفر والدم فقالوا: إنه سنة، وجاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 382" نقلا عن " الإِقناع " أن الخلاَّل روى بإسناده عن مثل بنت بشرح الأشعرية قالت: رأيت أبى يقلم أظفاره ويدفنها ويقول: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. وعن ابن جريج عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعجبه دفن الدم. وقال مهنا: سألت أحمد ابن حنبل عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه. قلت: بلغك فيه شىء؟ قال: كان ابن عمر يفعله. فدفن فضلات الإِنسان سنة: لتكريم الإِنسان بتكريم أجزائه، وللنظافة بمواراتها وعدم التلوث بها، وصونا لها عن استخدامها فيما يضر كما كان يفعله المشتغلون بالسحر واستخدام آثار الإنسان فى ذلك. وقد ذكر ابن حجر فى أخذ معاوية لقصة الشعر أن دفنها ليس بواجب. لكن لو لم تدفن هذه الأشياء فلا يعاقب عليها، لأن المكروه وهو مقابل السنة لا عقاب عليه. ومحل ذلك إذا لم تكن هناك فائدة ترجى من وراء هذه الفضلات. وبفضل التقدم العلمى أمكن الانتفاع بهذه الفضلات، وهذا أولى من إهدارها، وكما يقال: إذا وجدت المصلحة فثم شرع اللَّه، وذلك فيما لم يرد فيه نص قاطع ولم يعارض حكما مقررا. ولذلك أرى أنه لا مانع من استغلال هذه الفضلات فى المنفعة (10/124) ________________________________________ الإنسان مسير أم مخير
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل الإنسان مسير أم مخير؟
الجواب الله سبحانه خلق الإنسان وعلم ما سيكون عليه من خير وشر، وجعله قابلا للطاعة والمعصية، وكلفه بأمور ينفذها وترك له الحرية في اختيار التنفيذ وعدم التنفيذ، ليكون محاسبا أمام اللَّه على ما فعله بحريته واختياره من طاعة أو معصية، والإنسان لا يعلم ما قدر له في علم اللَّه إلا بعد وقوع المقدر، ولو أقدم على فعل محرم متعللا بأنه مقدر عليه فهو مخطئ فى هذا التعلل، لأنه ربما يحول بينه وبين فعل المحرم حائل يمنعه، وهنا يعلم أنه لم يُقدر عليه. فالإنسان مخير في الأمور التكليفية التى يستطيع فعلها أو تركها بحريته واختياره، أما الأمور التى لا تقع تحت حريته واختياره، كالكوارث العامة من الزلازل والبراكين والعواصف والسيول وغيرها فهو فيها مسير. ثم أقول: لماذا يكثر السؤال فى هذا الموضوع، وبخاصة من يقول: إن المعاصى مقدرة علينا فلماذا نعاقب عليها ونحن مرغمون لا مفر لنا من القضاء والقدر؟ إن اللَّه سبحانه علم أن أبا لهب لن يؤمن بسيدنا محمد، ومع ذلك أمر اللَّه نبيه أن يطلب منه الإيمان، ليكون إيمانه وعدم إيمانه بحريته واختياره، فاختار أبو لهب الكفر، واستمر على ذلك حتى مات كافرا، وهنا علم تماما أن اللَّه سبحانه قضى في علمه أن أبا لهب سيختار الكفر ويموت عليه. ثم أقول: لماذا يسأل الناس عن تقدير المعاصى لتبرير فعلها لأنها قضاء اللَّه حتى لا يعاقب عليها، ولا يسأل عن تقدير الطاعات، ويطالب بالثواب عليها، مع أن المعاصى والطاعات مقدرة فى علم اللَّه؟ إن الإنسان هنا فى الطاعات حريص على أن ينال الثواب على طاعته لأنها عمله. وفى المعاصى حريص على أن يفر من العقاب على معصيته لأنها ليست عمله - فى ادعائه -بل مقدرة عليه. لا ينبغى أن يغالط الإنسان نفسه، فهو مسئول عن كل شيء فعله بحريته واختياره من خير أو شر، قال تعالى {كل امرئ بما كسب رهين} الطور: 21، وقال تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} المدثر: 38، إن الأمر لو كان كما يريد هؤلاء من تقدير كل الأمور علينا وعدم الحساب عليها ما كانت هناك حاجة إلى إرسال الرسل ولا إلى البعث ولا إلى الحساب ولا إلى الجنة والنار (10/125) ________________________________________ يأجوج ومأجوج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال قرأت أن يأجوج ومأجوج خلقا من نطفة آدم التى امتزجت بالتراب، كما قرأت عنهم أمورا غريبة. والمرجو توضيح الحقيقة حتى لا تختلط بالخيال؟
الجواب معرفة الحقيقة فى هذه الأمور لا تكون إلا عن طريق صحيح من القرآن والسنة، وكونهما من نطفة آدم المخلوطة بالتراب قول حكاه النووى فى شرح مسلم عن بعض الناس، وهو قول غريب لا دليل عليه من نقل أو عقل، ولا يجوز الاعتماد على ما يحكيه بعض أهل الكتاب من هذه الغرائب. ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم كما ورد فى الصحيحين، وجاء فيهما أن الله يطلب من آدم أن يبعث بعث النار، ويقول: إن فيكم أمتين ما كانتا فى شىء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج. وجاء فى الصحيحين حديث: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا ". وذكر مسلم حديث خروجهم فى آخر الزمان وأن عيسى يدعو عليهم فيرسل اللَّه عليهم النغف -وهو دود يكون فى أنود الإبل والغنم -ثم يرسل الطير لتأكل جثثهم. . وجاءت أحاديث موقوفة عن أشكالهم وإفسادهم عند الخروج لا يعتمد على كثير منها والخلاصة أنهم من خلق آدم، وكانوا موجودين أيام ذى القرنين، وسيخرجون آخر الزمان، وهذا القدر كاف فى معرفتهم، وما وراء ذلك لا داعى إليه، ولا يضر الجهل به، والاهتمام بغير ذلك مما يفيد واقع المسلمين الآن أولى، واللَّه أعلم. وأما السد الذى أقامه ذو القرنين فسيذكر مع السؤال الخاص بذى القرنين (10/126) ________________________________________ المهدى المنتظر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يوجد تضارب كبير فى ظهور المهدى المنتظر فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب سنذكر كلمة موجزة عن المهدى المنتظر ملخصة من عدة كتب ومقالات قديمة وحديثة. فنقول: ظهور المهدى فيه أربعة أقوال: القول الأول: أن المهدى هو المسيح ابن مريم عليهما السلام، ودليله حديث ابن ماجه، "لا مهدى إلا عيسى بن مريم " وهو حديث ضعيف، لتفرد محمد بن خالد به، ولورود أحاديث بوجود المهدى وصلاته مع عيسى ابن مريم تمنع الحصر الوارد فى هذا الحديث فى عدم وجود مهدى إلا عيسى. على أن هذا الحديث لو صح لم تكن فيه حجة، لأن سيدنا عيسى عليه السلام أعظم مهدى بين يدى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والساعة، فيكون الحصر إضافيا، والمراد لا مهدى كاملا إلا عيسى عليه السلام. القول الثانى: أن المهدى رجل من آل البيت من ولد الحسين بن على، يخرج آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأكثر الأحاديث تدل على هذا، وهى وإن كانت ضعيفة يقوى بعضها بعضا، وقد صحح بعضهم بعضها، منها حديث أحمد وأبى داود والترمذى وابن ماجه "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل البيت يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواية أبى داود هذه وثقها الهيتمى فى مجمع الزوائد القول الثالث: أنه المهدى الذى تولى الخلافة فى الدولة العباسية فى القرن الثانى الهجرى، والأحاديث التى رويت فى هذا ضعيفة، وعلى فرض صحتها فالمهدى هذا أحد المهديين، وهناك غيره، ويصح أن يقال: إن عمر ابن عبد العزبز كان مهديا، بل هو أولى بهذه التسمية من مهدى بنى العباس. القول الرابع: الأقوال السابقة هى لأهل السنة، وهذا القول هو للشيعة الإمامية، حيث يقولون: إنه محمد بن الحسن العسكرى المنتظر، من ولد الحسين بن على، ويقولون فى صفته: الحاضر فى الأمصار، الغائب عن الأبصار، وأنه دخل سردابا فى "سامرا" وقيل فى مدينة تدعى "جابلقا" وهى مدينة وهمية ليس لها وجود. وزعم أحمد الأحسائى الممهد للبهائية أنه فى السماء وليس فى الأرض. . دخلها وكان طفلا صغيرا منذ أكثر من خمسمائة عام، فلم تره بعد ذلك عين ولن يحس فيه بخبر، وهم ينتظرونه كل يوم، يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون بأن يخرج إليهم ثم يرجعون، وقال فى ذلك بعض الشعراء: ما آن للسرداب أن يلد الذى * كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم * ثلثتم العنقاء والغيلانا هذا، وهناك مهديون كثيرون ظهروا في التاريخ، فى الشرق وفى الغرب، واليهود ينتظرون الذى يخرج آخر الزمان، لتعلو كلمتهم وينصروا به على سائر الأمم، ويعتقد هذا سبعون ألفا من يهود أصفهان، وكذلك النصارى ينتظرون المسيح يوم القيامة، وبهذا تكون الملل الثلاثة منتظرة للمهدى. إن المهدى وردت فيه أحاديث كثيرة صحح بعضها وضعف الكثير منها، ويؤخذ من مجموعها أنه من اَل البيت، وسيخرج آخر الزمان، ويلتقى مع سيدنا عيسى عليه السلام. فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث اللَّه فيه رجلا من عترتى يملؤها عدلا كما ملئت جورا". ويؤخذ من الأحاديث أن اسمه "محمد" وأن اسم والده "عبد الله " كاسم والد النبي صلى الله عليه وسلم وتقول الشيعة إنه اختفى بعد موت والده، وذكر محيى الدين بن العربى فى "فتوحاته " أن والده هو الإمام حسن العسكرى، وساق نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ابن حجر فى "الصواعق " أن ظهوره يكون بعد أنه يخسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في النصف منه، وذلك لم يوجد منذ أن خلق الله السماوات والأرض كما قرره علماء الفلك، فهل سيكون ذلك من باب الإعجاز؟ . بل ذكر الشعرانى فى " اليواقيت والجواهر" أنه يولد فى ليلة النصف من شعبان سنة1255 هـ قائلا: إنه تلقى ذلك من الشيخ حسن العراقى ووافق عليه الخواص. هذه صور من أفكار المسلمين عن المهدى، وفى بعضها بُعد يصعب تعقله، ولا يجوز أن نبنى العقائد على مثل هذه القواعد غير الثابتة. لقد استغل كثير من الناس قضية المهدى فتكونت دول وظهرت شخصيات على مسرح التاريخ، وقامت دعوات تتمسح بها، وكل يدعى أن آخر الزمان المقصود فى الكلام عنه هو زمانه الذى كثر فيه الظلم، وكل زمان لا يخلو من ذلك كما يتصوره بعض الناس. لقد استغلها الفاطميون وأقاموا دولتهم أولا بالمغرب، ثم انتلقت إلى مصر واتسع نطاقها، استغلها "ابن تومرت " فأسس دولة الموحدين بنى عبد المؤمن، وفى أيام الدولة المرينية بفاس قام رجل اسمه "التوبرزى" مدعيا أنه المهدى أيضا، كما ادعاها مغربى من طرابلس قابل نابليون بين دمنهور ورشيد، وقيل إن المهدى صاحب ثورة السودان كان أتباعه يطلقون عليه المهدى المنتظر.. . يقول القلقشندى فى ادعاء الشيعة الإمامية لوجود المهدى: إنهم يقفون عند باب السرداب بغلة ملجمة من الغروب إلى مغيب الشفق، وينادونه ليخرج حتى يقضى على الظلم الذي عم البلاد. ويروى ياقوت أنهم كانوا فى "كاشان " من بلاد الفرس يركبون كل صباح للقائه وذلك فى أواخر القرن الخامس الهجرى، ويروى مثل ذلك ابن بطوطة، والكيسانية يدعون أنه "محمد ابن الحنفية " وكان من العادات فى زمن ملوك الصفوية فى فارس إعداد فرسين مسرجين دائما فى القصر لاستقبال المهدى وعيسى. . وهذا يشبه عمل المتهوسين من الإفرنج فى القدس الذين ينتظرون مجىء المسيح يوم الدينونة. يقول "هوارت " الفرنسى فى " تاريخ العرب ": إن إنكليزيا ذهب إلى بيت المقدس وأقام بالوادى الذى ستكون فيه الدينونة، وفى كل صباح يقرع الطبل منتظرا للحشر. وجاءت امرأة إنكليزية إلى القدس، وكانت تعد الشاى كل يوم لتحيى به المسيح عند ظهوره. ويقول " لامرتين " عند زيارته لجبل لبنان: إنه رأى في قرية "جفن " السيدة " استير ستاتهوب " بنت أخى"بيت " الوزير الإنكليزى الشهير، رأى عندها فرسا مسرجا، زعمت أنها تعده ليركبه المسيح. إن ظهور المهدى ليس له دليل صريح فى القرآن الكريم، وقد رأى ابن خلدون عدم ظهوره كما جاء فى الفصل الذى عقده فى مقدمته خاصا بذلك والشوكانى ألف كتابا سماه "التوضيح فى تواتر ما جاء فى المنتطر والدجال المسيح " جاء فيه أن الأحاديث الواردة فى المهدى التى أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبروهى متواترة بلا شك ولا شبهة. ومهما يكن من شيء فإن ظهوره ليس ممنوعا عقلا، ولم تثبت استحالته بدليل قاطع كما أن أدلة ظهوره لم تسلم من المناقشة، والعقائد لا ثثبت بمثل هذه الأدلة على ما رآه المحققون. فمن أثبت فهو حر فيما يرى، لكن لا يجوز أن يفرض رأيه على غيره، ومن نفى لم يخرج من الإيمان إلى الكفر. . وأولى لنا أن نتناقش فى أمر عملى يعيد لنا قوتنا الأولى، أو على الأقل يخلص المسلمين من الوضع الذى هم فيه الآن والعقائد الأساسية واضحة، وأدلتها موفورة. يمكن الرجوع للاستزادة إلى: 1- المنار لابن القيم. 2- صبح الأعشى للقلقشندى. 3-التوضيح للشوكانى. 4-مقالات الصديق الغمارى فى مجلة الإسلام في السنوات الأولى. 5- سيد البشر يتحدث عن المهدى المنتظر، جمع حامد ليمود. 6-القطرة من بحار ومناقب النبى والعترة والعثرة رضى الدين الموسيوى التبريزى. 7-القول المختصر فى علامات المهدى المنتظر. لابن حجر الهيتمى. 8-المشرب الوردى فى أخبار المهدى لملا على القارى (10/127) ________________________________________ المسيح الدجال
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هو المسيخ الدجال ومتى يظهر؟
الجواب من أصح ما ورد بشأن المسيخ الدجال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله كثيرا من فتنته، وفى صحيح مسلم أن خروجه هو أول علامات الساعة الكبرى وأنه يخرج من ناحية المشرق، وسيمكث أربعين يوما يفتن الناس عن الإيمان باللَّه، يوم منها كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر الأيام كالأيام العادية. وفى اليوم الذى هو كسنة لا تكفى فيه خمس صلوات، بل يجب أن يقدر كل أربع وعشرين ساعة لخمس صلوات كما فى الحديث المذكور " اقدروا قدره " وسيقتله سيدنا عيسى عليه السلام عند باب " لُدّ " كما في صحيح مسلم "ج 18 ص 65-76 ". وجاء فى كتاب " مشارق الأنوار " للشيخ العدوى كلام كثير عنه بروايات صحيحة وغير صحيحة وتحدث عن أتباعه، وهل ولد أيام الرسول أم سيولد قرب قيام الساعة. وتحدث عن علامات خروجه وتشويه شكله، والخوارق التى يقوم بها، ومكتوب بين عينيه " كافر" وأنه لا يستطيع دخول مكة والمدينة لحراسة الملائكة لهما، وأن معه مغريات كثيرة يمتحن بها الناس ليؤمنوا به، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قابله وعرض عليه الإسلام. فارجع إلى هذا الكتاب لتعرف كثيرا عنه، ويكفينا ما ثبت فى الصحيح (10/128) ________________________________________ المبشرون بالجنة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هم المبشرون بالجنة، ولماذا؟
الجواب المؤمنون الذين سبقوا بالإيمان وتحملوا المشاق في سبيل الحفاظ على العقيدة وطاعة اللَّه فى كل المجالات مبشرون جميعا بالجنة، كما قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار} ، البقرة: 25، وكما قال سبحانه {إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} ، فصلت: 30. وأدنى تكريم بالبشارة بالجنة أن المؤمن سيموت على الإيمان وتلك هى الخاتمة الحسنة، حتى لو كانت عليه ذنوب لم يغفرها اللَّه سيعذب عليها فى النار بقدرها إن لم تكن شفاعة تحول دون دخولها أو تخفف من المدة التى سيمكثها فيها، وسيخرج منها ويدخل الجنة، أما التكريم الذى فوق ذلك لمن بشر بالجنة فهو أنه سيموت على الإيمان وسيغفر الله له ذنوبه ولن يدخل النار إلا تحلة القسم كما قال سبحانه {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} مريم: 71، 72، على الرأى المختار فى معنى ورود النار. وأكثر المبشرين بالجنة هم من خير القرون، وهو قرن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث ومع ذلك فقد بشر الرسول جماعة من أصحابه بوجه خاص بأنهم من أهل الجنة، وهم عشرة، وردت فى بعضهم أحاديث خاصة بهم، كما وردت فيهم جميعا بعض الأحاديث، منها حديث سعيد بن زيد-وهو أحدهم -الذى يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "عشرة فى الجنة: أبو بكر فى الجنة، وعمر فى الجنة، وعثمان وعلى والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص " وسكت عن العاشر ولما سألوه أخبر عن نفسه. رواه الترمذي. وقال البخارى: هو أصح من حديث عبد الرحمن بن عوف. والخلفاء الأربعة معروفون، وما كتب عنهم كثير. أما الزبير فهو ابن العوام، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم "لكل نبى حوارى وحواريى الزبير" كان أول من سَلَّ سيفا فى سبيل اللَّه، وقال له الرسول يوم الأحزاب "فداك أبى وأمى" توفى سنة 36 هـ. وطلحة هو ابن عبيد اللَّه، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم على ظهره إلى صخرة فى أحد دعا له وقال "أوجب طلحة" أى وجبت له الجنة-توفى سنة 36 هـ. وعبد الرحمن بن عوف كثر ماله بعد الهجرة وأنفق منه على الكثيرين وتوفى سنة 30 أو 32 هـ. وأبو عبيدة هو عامر بن الجراح، لقَّبه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمين الأمة، عندما أرسله مع وفد نصارى نجران، وتوفى سنة 18 هـ في طاعون عمواس. وسعد بن أبى وقاص كان أول من رمى بسهم فى سبيل اللَّه. وكان مستجاب الدعوة، قال له النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم أحد"ارم فداك أبى وأمى" وهو بطل معركة القادسية، توفى سنة 55هـ. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كان مستجاب الدعوة، توفى سنة 51 هـ (10/129) ________________________________________ إفساد اليهود
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال وردت آيات فى القرآن تدل على أن اليهود أفسدوا مرتين، نريد تفسير هذه الآيات، وهل إفسادهم انتهى بالمرتين أم يمكن أن يستمر؟
الجواب قال الله تعالى {وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} ، الإسراء: 4 -8، المهم في هذه الآيات هو معرفة المرتين اللتين أفسد فيهما بنو إسرائيل، وهناك كلام طويل وخلاف كبير بين العلماء في ذلك، ومن أقرب الأقوال أنهم أفسدوا أولاً بقتل النبى زكريا عليه السلام كما قال ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم، أو بقتل النبى أشعياء كما يقول ابن إسحاق، أو بتكذيب النبى أرمياء كما نقل عن ابن عباس، فأرسل الله عليهم غزاة من فارس "سنحاريب أو بختنصر" فعذبوهم وأسروا منهم كثيرا وساقوهم إلى بابل. ولما تابوا خلصهم اللَّه من الأسر، وأمدهم بالنعيم والقوة، محذرا لهم من العودة إلى الإفساد فأفسدوا مرة ثانية، وذلك بقتل النبى يحيى بن زكريا، فسلط اللَّه عليهم من انتقم منهم، واختلف فى الذى انتقم منهم، فقيل: أحد ملوك بابل "خردوس " وقيل كما فى حديث نسب إلى الرسول - قيصر الروم، حيث سبى منهم وقتل، وأخذ النساء والأموال، وأودع حُلِىَّ بيت المقدس فى مكان ينتظر من يرده قرب قيام الساعة. هذا ما فى تفسير القرطبى، ويدل على أن المرتين اللتين أفسد فيهما بنو إسرائيل قد انتهتا قبل ظهور الإسلام، المرة الأولى كانت قبل رسالة عيسى، والثانية بعدها. ويا تُرى هل المكتوب عليهم من الإفساد هو مرتان فقط، أو سيكون منهم إفساد آخر، لأن العبارة لا تقتضى الحصر؟ قيل بالثانى أى سيحصل منهم إفساد آخر بدليل قوله تعالى {وإن عدتم عدنا} . وقيل فى تفسيرها: إنهم أفسدوا فسلط الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم وأجلاهم المسلمون عن جزيرة العرب، وامتلكوا بيت المقدس، وفر اليهود تائهين فى أقطار الأرض. وعلى فرض أنهم سيعودون كما عادوا من قبل إلى بيت المقدس فإن القرار الإلهى {وإن عدتم عدنا} باق، فإن أفسدوا فسيسلط اللَّه عليهم من ينتقم منهم من عباد اللَّه أولى البأس الشديد. لكن من هم أولو البأس الشديد؟ هل يكونون هم العرب والمسلمون أو غيرهم؟ اللَّه أعلم (10/130) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:22 am | |
| ليلة النصف من شعبان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل ليلة النصف من شعبان لها فضل وهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بها، وهل هناك صلاة مخصوصة أو دعاء مخصوص يقال فيها؟
الجواب الكلام هنا فى ثلاث نقط: 1 -النقطة الأولى: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟ والجواب: قد ورد فى فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضا منها وضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها فى فضائل الأعمال. ومنها حديث رواه أحمد والطبرانى "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من شعر غنم بنى كلب، وهى قبيلة فيها غنم كثير". وقال الترمذى: إن البخارى ضعفه، ومنها حديث عائشة رضى الله عنها، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك، فرجعت، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: "يا عائشة- أو يا حميراء-ظننت أن النبى صلى الله عليه وسلم -قد خاس بك "؟ أى لم يعطك حقك. قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضت لطول سجودك، فقال: "أتدرين أى ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال "هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين. ويؤخر أهل الحقد كما هم " رواه البيهقى عن طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيد. يعنى أن العلاء لم يسمع من عائشة. وروى ابن ماجه فى سننه بإسناد ضعيف عن على رضى الله عنه مرفوعا- أى إلى النبى صلى الله عليه وسلم "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر". بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبان فضلا، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائى عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر تغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم ". ا-النقطة الثانية هل كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتفل بليلة النصف من شعبان؟ ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتفل بشهر شعبان، وكان احتفاله بالصوم، أما قيام الليل فالرسول عليه الصلاة والسلام كان كثير القيام بالليل فى كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه قى أية ليلة. ويؤيد ذلك ما ورد من الأحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها فى فضائل الأعمال، فقد أمر بقيامها، وقام هو بالفعل على النحو الذى ذكرته عائشة. وكان هذا الاحتفال شخصيا، يعنى لم يكن فى جماعة، والصورة التى يحتفل بها الناس اليوم لم تكن فى أيامه ولا فى أيام الصحابة، ولكن حدثت فى عهد التابعين. يذكر القسطلانى فى كتابه "المواهب اللدنية"ج 2 ص 259 أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان فى العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال أنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم عطاء وابن أبى مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، ثم يقول القسطلانى: اختلف علماء أهل الشام فى صفة إحيائها على قولين، أحدهما أنه يستحب إحياؤها جماعة فى المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان ابن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون فى المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال فى قيامها فى المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرمانى فى مسائله. والثانى أنه يكره الاجتماع فى المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعى إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم. ولا يعرف للإمام أحمد كلام فى ليلة النصف من شعبان، ويتحرج فى استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه فى قيام ليلتى العيد، فإنه فى رواية لم يستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه فعلها، واستحبها فى رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام، انتهى. ملخصا من اللطائف. هذا كلام القسطلانى فى المواهب، وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعة قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض الآخر، وما دام خلافيا فيصح الأخذ بأحد الرأيين دون تعصب ضد الرأى الآخر. والإحياء شخصيا أو جماعيا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال فى هذه الليلة ليس على هذا النسق وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنما يكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع عدم الجزم بأنه كان فى هذه الليلة فهناك أقوال بأنه كان فى غيرها، والاحتفال بالذكريات له حكمه. والذى أراه هو عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعا، والهدف خالصا للَّه سبحانه. 1- النقطة الثالثة: هل هناك أسلوب معين لإحيائها وهل الصلاة بنية طول العمر أو سعة الرزق مشروعة، وهل الدعاء له صيغة خاصة؟ إن الصلاة بنية التقرب إلى الله لا مانع منها فهى خير موضوع، ويسن التنفل بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل، أما أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه، فليكن نفلا مطلقا. قال النووى فى كتابه المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا تغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب - لأبى طالب المكى-وإحياء علوم الدين - للإمام الغزالى - ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتابا نفيسا فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد. "مجلة الأزهر - المجلد الثانى ص 515 ". والدعاء فى هذه الليلة لم يرد فيه شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم، لأن مبدأ الاحتفال ليس ثابتا بطريق صحيح عند الأكثرين، ومما أثر فى ذلك عن عائشة رضى الله عنها سمعته يقول فى السجود "أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه البيهقى من طريق العلاء كما تقدم. والدعاء الذى يكثر السؤال عنه فى هذه الأيام هو: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقترا على فى الرزق فامح اللهم بفضلك شقاوتى وحرمانى وطردى وإقتار رزقى.. . ... وجاء فيه: إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم، التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ... . .. وهى من زيادة الشيخ ماء العينين الشنقيطى فى كتاب "نعت البدايات ". وهو دعاء لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء إنه منقول بأسانيد صحيحة عن صحابيين جليلين، هما عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما، وعمر-من الخلفاء الراشدين الذى أمرنا الحديث بالأخذ بسنتهم، ونص على الاقتداء به وبأبى بكر الصديق فى حديث آخر، وأصحاب الرسول كالنجوم فى الاقتداء بهم كما روى فى حديث يقبل فى فضائل الأعمال. ولكن الذى ينقصنا هو التثبت من أن هذا الدعاء ورد عن عمر وابن مسعود ولم ينكره أحد من الصحابة،كما ينقصنا المثبت من قول ابن عمر وابن مسعود عن هذا الدعاء: ما دعا عبد قط به إلا وسع الله فى مشيئته أخرجه ابن أبى شيبة وابن أبى الدنيا. ومهما يكن من شىء فإن أى دعاء بأية صيغة يشترط فيه ألايكون معارضا ولا منافيا للصحيح من العقائد والأحكام. وقد تحدث العلماء عن نقطتين هامتين فى هذا الدعاء، أولاهما ما جاء فيه من المحو والإثبات فى أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وهو سجل علم الله تعالى الذى لا يتغير ولا يتبدل، فقال: إن المكتوب فى اللوح هو ما قدره الله على عباده ومنه ما هو مشروط بدعاء أو عمل وهو المعلق والله يعلم أن صاحبه يدعو أو يعمله وما هو غير مشروط وهو المبرم، والدعاء والعمل ينفع فى الأول لأنه معلق عليه، وأما نفعه فى الثانى فهو التخفيف، كما يقال: اللهم إنى لا أسألك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه وقد جاء فى الحديث "إن الدعاء ينفع فيما نزل وما لم ينزل " والنفع هو على النحو المذكور. روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: فيم العمل اليوم؟ أفيم جفت به الأقلام وجرت به المقادر أم فيما يستقبل؟ قال "بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير" قالوا: ففيم العمل؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له "وفى رواية: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال "من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، اعملوا فكل ميسر ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى *وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} الليل 5 - 10، ولم يرتض بعض العلماء هذا التفسير للمحو والإثبات فى اللوح المحفوظ، فذلك يكون فى صحف الملائكة لا فى علم الله سبحانه ولوحه المحفوظ، ذكره الآلوسى والفخر الرازى فى التفسير. والنقطة الثانية: ما جاء فيه من أن ليلة النصف من شعبان هى التى يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم. فهو ليس بصحيح، فقد قال عكرمة: من قال ذلك فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها فى رمضان، فالليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم نزل فيها القرآن، والقران نزل قى ليلة القدر. وفى شهر رمضان. ومن قال: هناك حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه فى الموتى" فالحديث مرسل، ومثله لا تعارض به النصوص "المواهب اللدنية ج 2 ص 260 " وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل فى شعبان هو نقل ما فى اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة. ولا داعى لذلك فالدعاء المأثور فى الكتاب والسنة أفضل. وللاستزادة يمكن الرجوع إلى مجلة الأزهر، المجلد الثانى ص 515 والمجلد الثالث ص 501ومجلة الإسلام المجلد الثالث، العددان 35، 36 (10/131) ________________________________________ أطفال الأنابيب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الشرع فيما يسمى الآن أطفال الأنابيب؟
الجواب أطفال الأنابيب هم الذين تخلقوا بطريق غير طريق الاتصال الجنسى المباشر بين الذكر والأنثى، ويسمى بالتلقيح الصناعى، الذى أجريت تجربته الأولى بين الآدميين سنة 1799 م على يد الطبيب الإنجليزى دكتور "جون هنتر". وحكم الشرع في هذه العملية أنها إذا تمت بين الزوج وزوجته، أى بين مائه وبويضتها وكان التلقيح فى رحمها مباشرة أو فى أنبوبة خارجية ثم نقل إلى رحمها لاستكمال نموه، لا مانع منها، مع التنبيه على الحيطة والحذر عند القيام بهذه العملية فى الأنبوبة أو الحقنة أو غيرهما، حتى لا يكون هناك اختلاط بمادة أجنبية عن الزوج والزوجة. أما إذا كان التلقيح بغير ماء الزوج وبويضة الزوجة أو رحم آخر فهو حرام لأنه فى حكم الزنى، وإن لم يكن زنى موجبا للحد، سواء أكان ذلك برضاهما أم بغير رضاهما ولولا أن صورته تختلف عن صورة الزنى -وهو اللقاء الجنسى المباشر- لوجب فيه الحد. ويمكن الرجوع إلى الجزء الأول من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " لمعرفة الكثير عن هذا الموضوع (10/132) ________________________________________ النظر إلى صورة المرأة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم النظر إلى الصورة الشمسية للمرأة أو إلى صورتها فى المرآة، هل هو مماثل للنظر إلى صورتها الحقيقية؟
الجواب معلوم أن الإسلام حرم النظر إلى أى جزء من جسم المرأة الأجنبية حتى الوجه والكفين إذا كان النظر بشهوة، لأن النظر بريد الزنى، والنصوص فى ذلك كثيرة، أما لو كان النظر بغير شهوة فيجوز فقط إلى الوجه والكفين عند بعض العلماء، ورأى بعضهم عدم جواز النظر إليهما فى كل الأحوال، إلا ما هو مستثنى لعلاج ونحوه مما هو مفصل فى موضعه " الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ". هذا هو حكم النظر إلى الأصل، أما النظر إلى الصورة فقد مثل لها القدامى بالنظر إلى صورتها فى المرآة أو فى المياه، واختلفوا فى قياس الصورة على الأصل وعدم قياسها، بناء على تصورهم أن الرؤية تحصل من أشعة خارجة من العين، أو أشعة منعكسة من المرئى على العين، والثانى هو الرأى الصحيح الذى أثبته العلم. ومهما يكن من شىء فإن صورة المرأة لا يجوز النظر إليها بشهوة باتفاق الجميع كما لا يجوز النظر إلى أى شيء يثير الفتنة، لأن حكمة التشريع موجودة فى الأصل والصورة. وتشتد الحرمة إذا كان النظر إليها فى الصور المتحركة، فإنها لا تقل فتنة عن النظر إلى الأصل، إن لم تكن أقوى، وبخاصة فى الأوضاع التى لا تليق ذوقا وشرعا. يقول الشيخ طه حبيب "عضو المحكمة العليا الشرعية سابقا " ما نصه. والذى تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب هو أن النظر إلى المرأة الأجنبية إنما كان محرما بسبب أنه داع وذريعة إلى الوقوع فيما هو أشد منه حرمة، وهو الوقوع فى المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبية المعينة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز، لأنه ذريعة إلى محرم،، وكل ما كان كذلك فهو حرام، سواء أكان ذلك مباشرة أم بواسطة المرآة، انتهى "مجلة الأزهر- المجلد الثالث، صفحة 393" (10/133) ________________________________________ الوقوف تحية للقادم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم قيام التلاميذ تحية للمدرس عندما يدخل الفصل؟
الجواب القيام للقادم من أجل التعظيم والاحترام إذا كان يستحقه لا بأس به، كالإمام العادل والوالدين والعلماء، وكذلك للقادم من السفر ولكبير السن والمدرس وغيرهم ممن ينبغى أن نوفر لهم الاحترام. جاء فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما جاء سعد بن معاذ راكبا على حمار وكان جريحا " قوموا لسيدكم " ولم يكن القيام لأجل معاونته فقط، فقد كان رجال من بنى الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقام طلحة رضى الله عنه لكعب بن مالك رضى الله عنه لما تاب الله عليه ولم ينكر عليه النبى ذلك، كما رواه البخارى ومسلم. وروى الترمذى بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا" وروى أحمد قوله أيضا " ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه ". وروى أبو داود بإسناد جيد حديث " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذى الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والمتجافى عنه وذى سلطان مقسط " وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة قام إليها وأخذ بيدها وقبلها وأجلسها فى مجلسه رواه النسائى والترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح. وكان يقوم لعبد الله بن أم مكتوم كلما أقبل عليه ويقول "مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى". ويكره القيام تحية لمن لا يستحق التكريم، وبخاصة إذا طلبه، اللهم إذا خاف الإنسان بطشه، فيرفع عنه شره بالقيام له، ويحمل على ذلك حديث حسن لأبى داود والترمذى "من أحب أن يتمثل له الرجِال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وحديث أبى داود وابن ماجه بإسناد حسن عن أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا إليه فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم -لعظم بعضهم بعضا" قال العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء: فى سنده أبو العديس وهو مجهول. وذكر ابن حجر فى الفتح عن الطبرى بأنه ضعيف. جاء فى كتاب "غذاء الألباب للسفارينى ج 1 ص 275 وما بعدها " أن أبا الوليد بن رشد قال: القيام يقع على أربعة أوجه. الأول: محظور وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبرا وتعاظما على القائمين إليه. الثانى: مكروه وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة. الثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل الإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة. الرابع: مندوب وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه، ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنيه، أو مصيبة فيعزيه، انتهى. وجاء فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبى طالب لما قدم من الحبشة فالتزمه وقبل ما بين عينيه. وروى البيهقى عن الصحابى واثلة بن الخطاب أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فتحرك له النبى، فقال رجل: إن فى المكان سعة، فقال " للمؤمن - أو للمسلم - حق لا كما روى البيهقى من طريق الواقدى بسنده مرفوعا والحاكم فى المستدرك ورواه مالك عن الزهرى مرسلا، أن عكرمة بن أبى جهل لما دخل على النبى صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا قام إليه فرحا بقدومه. وروى الترمذى وحسنه عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه،. والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبَّله. وجاء فيه أيضا أن أبا داود روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فى المجلس يحدثنا، فإذا قام قمنا قياما حتى نراه قد دخل بيوت أزواجه. . وروى أبو داود عن عمرو بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم عليه أبوه من الرضاعة فأجلسه على بعض ثوبه، ثم أقبلت أمه فوضع شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه، وهو حديث مرسل جيد. ثم ذكر السفارينى أن مجد الدين بن تيمية تحدث فى "منتقى الأحكام " عن قيام المغيرة بن شعبة على رأس النبى صلى الله عليه وسلم بالسيف فى صلح الحديبية، وقال: فيه استحباب الفخر والخيلاء فى الحرب لإرهاب العدو، وأنه ليس بداخل فى ذمه لمن أحب أن يتمثل له الرجال قياما، وكذا قال غيره: وقال الخطابى: فيه دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه فى مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن يتمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار" إنما هو فيمن قصد به الكبر وذهب مذهب النخوة والجبرية. انتهى كلامه. وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى "ج 2 ص 268": والقيام عند الدخول للداخل لم يكن من عادة العرب، بل كان الصحابة رضى الله عنهم لا يقومون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحوال كما رواه أنس رضى الله عنه [رواه الترمذى وقال: حسن صحيح، ولكن إذا لم يثبت فيه نهى عام فلا نرى به بأسا فى البلاد التى جرت العادة فيها بإكرام الداخل بالقيام فإن المقصود منه الاحترام والإكرام وتطييب القلب به. وجا فى الأذكار للنووى (ص 267) أنه قال: وأما إكرام الداخل بالقيام فالذى نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام، لا للرياء والإعظام، وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف. هذا عرض لبعض ما قيل فى الوقوف للتحية، وللتوفيق بين النصوص المجيزة والمانعة أختار ما نقله السفارينى عن ابن رشد من التفصيل، وللنيات وظرف الأحوال دخل فى تكييف الحكم (10/134) ________________________________________ الرد على تحية المذيع والكاتب
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجب رد التحية إذا سمعها الإنسان من المتحدث فى المذياع أو التلفاز أو قرأها فى كتاب أو صحيفة؟
الجواب ذكر النووى فى كتابه "الأذكار ص 245 " عن أبى سعد المتولى أن الإنسان إذا كتب كتابا فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان فبلغه الكتاب وجب عليه أن يرد السلام، وكذا ذكر الواحدى وغيره أيضا أنه يجب على المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه السلام. وقال النووى فى شرح صحيح مسلم، لو بلغه سلام فى ورقة من غائب وجب عليه أن يرد السلام باللفظ على الفور إذا قرأه. وهذا ظاهر فى وصول السلام مكتوبا أو مبلغا على لسان أحد إلى إنسان أو جماعة مقصودة، فيجب الرد على من أرسل إليه الكتاب وفيه السلام، ومثل الكتابة التسجيل على شريط، فيجب على من يستمع إلى التسجيل أن يرد. أما التسجيل على الشريط لحديث بدئ أو ختم بالسلام، فهل يجب على المستمعين للسلام فيه أن يردوا التحية، وهل يجب على المشاهدين لما يعرض على الشاشة أنْ يردوا التحية؟ ومن يلقى عليهم السلام ليسوا جماعة مخصوصين، فهل يعطون حكم الشخص المعين أو الجماعة المعينة فى شريط التسجيل؟ لا أستطيع أن أجزم بالحكم وإن كنت قد قرأت فى فقه المذاهب الاربعة أن اَية السجدة لو كانت مسجلة على شريط أو سمعها إنسان لا ينبغى ولا يُسنُّ أن يسجد للتلاوة، وإن كان تعليلهم مختلفا، فقال بعضهم: السبب عدم صحة التلاوة لفقد التمييز من الآية المسجل عليها القرآن، وقال بعضهم: السبب أن التلاوة من غير اَدمى، وقال بعضهم: السبب أن القراءة من الحاكى - الفونوغراف -غير مقصودة. ولو قسنا السلام على قراءة آية السجدة فلا ينبغى رد السلام على للشريط المذاع أو المعروض. وفى نفسى شيء من هذا الحكم الذى لم أعثر على دليل يؤيده. لكن ما هو الرأى فى المذيع أو المتحدث على الهواء مباسرة دون تسجيل سابق، ومثله ناشر الكتاب أو المقال؟ يبدو أنه يجب الرد، لأن الصوت صادر من إنسان قاصد للتحية، والراديو أو التليفزيون ومثلهما الكتاب والصحيفة كلها ناقلة فقط كالميكروفون الذى يبلغ سلام المتكلم لمن يبعدون عنه ولا يرونه فى المسجد الكبير أو الحفل الكبير، فإذا أعيدت إذاعة هذا الحديث أو عرضه لأنه سجل، أعطى حكم الشريط المسجل فلا ينبغى رد التحية بناء على ما سبق بيانه فى سجود التلاوة. وقد يقال: إن المذيع أو المتحدث المباشر أو الناشر لا يسلم على أشخاص حقيقيين بل متخيَّلين فى ذهنه وتصوره، لأنه لا يرى ولا يحس بأناس معه، ومن هنا لا يجب الرد. لكن إذا وجب رد السلام على من ألقيت عليه التحية قال العلماء: أقل ما يؤدى به الواجب أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلِّم، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الرد. نقله النووى فى "الأذكار" عن المتولى، ولم يعقب عليه. وعلى هذا فإن رد المستمعين إلى الإذاعة أو المشاهدين للتلفزيون السلام على من سلَّم عليهم واجب، حتى لو لم يسمعه المذيعون - ولن يسمعوه قطعا-كما تقدم فى أول الكلام أن من بلغه سلام فى كتاب وجب الرد، ومعلوم أن المرسل لن يسمعه. هذا، ولما كان رد التحية الملقاة على جماعة واجبا وجوبا كفائيا، فإنه لو قام به البعض سقط الطلب عن الباقين. وأغلب الظن - إن لم يكن يقينا - أن الآلاف أو الملايين من المستمعين أو المشاهدين سيرد منهم واحد على الأقل على هذه التحية، فيغنى ذلك عن رد الآخرين والله أعلم (10/135) ________________________________________ تحية السلام مع غير المسلم
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يصح أن أحيى غير المسلم بتحية الإسلام، وهل يجب على أن أرد عليه التحية؟
الجواب روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " وروى مسلم أيضا أنه قال "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " قال الإمام ابن القيم. اختلف السلف والخلف فى ذلك، فقال أكثرهم: لا يبدءون.أى لا يلقى عليهم السلام ابتداء وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم وجواز الرد عليهم، وروى ذلك عن ابن عباس وأبى أمامة وغيرهما، وهو وجه فى مذهب الشافعى، على أن يكون بلفظ "السلام عليك " بدون ذكر الرحمة وبلفظ الإفراد، وقالت طائفة: يجوز الابتداء لمصلحة راجحة من حاجة تكون إليه أو خوف من أذاه، أو لسبب يقتضى ذلك. وجاء فى "الأذكار للنووى" مثل هذا، ثم نقل عن أبى سعد أنه لو أراد أن يحبى ذميًّا: حياه بغير السلام، بأن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك، ثم قال النووى: هذا الذى قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه فيقول: صبحت بالخير أو بالسعادة أو بالعافية، أو صبحك الله بالسرور أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرة أو ما أشبه ذلك، وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار ألا يقول شيئا. وما دام الأمر خلافيا فى ابتدائهم بالسلام والرد عليهم فليكن ذلك مرهونا بالظروف التى تحقق مصلحة أو تدفع مضرة، ودين الله يسر، وكما هو معروف: إذا وجدت المصلحة فثم شرع الله. ولو أن حديث النهى عن تحيتهم كان قاطعا وعاما ما حدث خلاف بين العلماء على النحو الذى ذكره ابن القيم وذكره النووى (10/136) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:23 am | |
| الإشارة باليد عند السلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أن يكتفى الإنسان إذا مر على شخص أو جماعة بالإشارة باليد بدلا من التلفظ بالسلام؟
الجواب روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد قالت: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نسوة فسلم علينا، وفى رواية قالت: مر رسول الله فى المسجد يوما ونحن عصبة من النساء، فلوى بيده بالتسليم، رواه الترمذى وقال: حديث حسن. وله شاهد من حديث جابر عن أحمد. إن التحية بالسلام تكون باللفظ ولا تكفى الإشارة دون تلفظ، ولكنها تكون علامة عليه ومساعدة على شعور الناس بإلقاء السلام عليهم، فلا مانع من ذلك، أما الاكتفاء بالإشارة باليد دون تلفظ بالتحية فلا تحصل بها السنة، ومثل ذلك رد التحية، تكون الإشارة علامة ومساعدة ولكن لا يكتفى بها وحدها. جاء فى كتاب "الأذكار للنووى" ص 244 روينا فى كتاب الترمذى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى. فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف ". قال الترمذى: إسناده ضعيفا (10/137) ________________________________________ التعليم فى كليات الحقوق
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال سمعت أن الانتساب إلى كليات الحقوق بالجامعات حرام لأنها تدرس القوانين الوضعية، فهل هذا صحيح؟
الجواب الدراسة كمعرفة لا بأس بها أبدا، والمهم هو أثرها على العقيدة والسلوك، وتطبيقها فى المجالات النافعة، وموقف الدين من الحث على العلم وتكريم العلماء معروف، والواجب هو الاستفادة منه بتعميق الإيمان بالله واستثمار خيرات الأرض لتحقيق خلافة الإنسان فيها وقد قال الله تعالى فى سورة فاطر بعد ذكر مجالات مختلفة للعلم فى السماء والأرض بالنبات والجبال والإنسان والحيوان {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فاطر: 28. فإذا استخدمت مواد كليات الحقوق فى التعاون على الخير، بالوصول إلى الحق ودفع الظلم كان ذلك خيرا، بل طاعة لله سبحانه يثاب عليها، وإن استخدمت فى غير ذلك كانت إما عبثا وإما فسادا والحًق هو ما قرره الشرع فى مصادره المعروفة، والظلم ما سوى ذلك، كما أن دراستها لو كانت للمقارنة بينها وبين الشرع ليتبين الحق من الباطل، وليظهر سمو التشريع الإسلامى فهى دراسة مشروعة يثاب عليها بمقدار النية الباعثة عليها، كما قالوا فى جواز تعلم السحر لمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة، وفى تعلم الشر من أجل البعد عنه، كما جاء فى القول المشهور: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه. وأنبه الدارسين للقوانين بوجه عام إلى قول الله سبحانه {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} النساء: 107، وقوله تعالى {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} النساء: 109، وقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والطبرانى بإسناد جيد "من خاصم فى باطل وهو يعلم -وفى رواية أو أعان عليه -لم يزل فى سخط الله حتى ينزع لما وقول الله سبحانه {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة: 44،وفى آية أخرى {فأولئك هم الظالمون} وفى آية أخرى {فأولئك هم الفاسقون} المائدة:45 -47 (10/138) ________________________________________ الغش فى الامتحان
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى محاولات الطلاب للغش أثناء الامتحانات، وهل يجوز للملاحظين أن يساعدوهم نظرا لصعوبة الامتحان؟
الجواب من المقرر أن الغش فى أى شىء حرام،والحديث واضح فى ذلك "من غشنا فليس منا"رواه مسلم وهو حكم عام لكل شىء فيه ما يخالف الحقيقة، فالذى يغش ارتكب معصية، والذى يساعده على الغش شريك له فى الإثم. ولا يصح أن تكون صعوبة الامتحان مبررة للغش، فقد جعل الامتحان لتمييز المجتهد من غيره، والدين لا يسوى بينهما فى المعاملة، وكذلك العقل السليم لا يرضى بهده التسوية، قال تعالى {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} ص: 28 وبخصوص العلم قال {قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر: 9. وانتشار الغش فى الامتحانات وغيرها رذيلة من أخطر الرذائل على المجتمع، حيث يسود فيه الباطل وينحسر الحق، ولا يعيش مجتمع بانقلاب الموازين الذى تسند فيه الأمور إلى غير أهلها، وهو ضياع للأمانة، وأحد علامات الساعة كما صح فى الحديث الشريف. والذى تولى عملا يحتاج إلى مؤهل يشهد بكفاءته، وقد نال الشهادة بالغش يحرم عليه ما كسبه من وراء ذلك، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به وقد يصدق عليه قول الله تعالى {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} آل عمران: 188. وإذا كان قد أدى عملا فله أجر عمله كجهد بذله أى عامل، وليس مرتبطا بقيمة المؤهل، وهو ما يعرف بأجر المثل فى الإجارة الفاسدة، وما وراء ذلك فهو حرام (10/139) ________________________________________ الترضى على الصحابة والصالحين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل من المشروع أن يقول الإنسان عند ذكر صحابى أو واحد من الصالحين: رضى الله عنه؟
الجواب عبارة "رضى الله عن فلان " دعاء من الإنسان أن يرضى الله عن فلان، فهى جملة خبرية تفيد الإشارة بالدعاء، كأن الإنسان قال: اللهم ارض عن فلان، مثل قولنا: صلى الله على محمد يعنى: اللهم صلى على محمد، أى ندعوك يا رب أن ترحم محمدا. جاء فى كتاب "الأذكار" للنووى ص 121: يستحب الترضى والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء العباد وسائر الأخيار: فيقال: رضى الله عنه أو رحمه الله ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله رضى الله عنه مخصوص بالصحابة ويقال فى غيرهم "رحمه الله " فقط فليس كما قال ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذى عليه الجمهور استحبابه. ودلائله أكثر من أن تحصر، فإن كان المذكور صحابيا ابن صحابى قال: قال ابن عمر رضى الله عنهما، وكذا ابن عباس وابن الزبير وابن جعفر وأسامة بن زيد ونحوهم، لتشكله وأباه جميعا. فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم هل يصلى عليهما كالأنبياء أم يترضى كالصحابة والأولياء أم يقول: عليهما السلام: فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذ من قال: نبيان. ولا التفات إليه ولا تعريج عليه. وقد أوضحت ذلك فى كتاب "تهذيب الأسماء". فإذا عرف ذلك فقد قال بعض العلماء كلامًا يفهم منه أنه يقول: قال لقمان أو مريم صلى الله على الأنبياء وعليه -أو عليها -وسلم. قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يقال: رضى الله عنه، لما فى القرآن مما يرفعهما 0 والذى أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضى الله عنه، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء، ولم يثبت كونهما نبيين،وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبية، ذكره فى الإرشاد، ولو قال: عليه السلام أو عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، والله أعلم، انتهى ما قاله النووى وفيه كفاية (10/140) ________________________________________ كوافير السيدات
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز لى أن أقوم بقص الشعر وتزيين السيدات بالألوان وغيرها؟
الجواب إذا كان الرجل هو الذى يقوم بهذا العمل، يكون آثما، لأن فيه نظرا لعورة المرأة بالنسبة للرجل الأجنبى، ولأن فيه لمسا لما لا يحل له، ولأن فيه إعانة على المحرم إذا كان يعرف أنها تتزين لمن لا يحل له أن يطلع عليها، وكل ذلك وردت به النصوص. وإذا كانت المرأة هى التى تقوم بذلك للمرأة بعيدا عن أعين الأجانب ومنهم صاحب المحل الذى تزاول فيه هذه المهنة، فلا مانع من ذلك إلا إذا علمت أنها تتزين للأجانب أو لما لا يحل لها من عمل يتطلب إظهار زينتها، فيكون ممنوعا لما فيه من الإعانة على الممنوع. وإذا كانت المرأة تقوم بقص الشعر وتزيين الرجال فعملها حرام، من أجل النظر لما لا يحل ولمس ما لا يحل. ومن النصوص فى ذلك ما رواه مسلم " العينان تزنيان وزناهما النظر واليد تزنى وزناها البطش " وفسر بالتلامس. ولا يقبل تبرير ذلك بالحاجة إلى كسب العيش، فالوسائل الحلال لكسب العيش متوفرة والرضا بالقليل من الحلال خير من الكثير من الحرام (10/141) ________________________________________ تغيير محل النذر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال نذرت أن أتصدق على فقراء بلد معين، أو أشخاص معينين، فوجدت أن هناك من هم أشد حاجة منهم، فهل يجوز لى أن أوجه النذر إليهم؟
الجواب ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الالتزام بما نذره الناذر فى العين وفى المصرف، ويجوز عند أبى حنيفة تغيير محل الصرف إذا رأى فى ذلك مصلحة، لأن المال خرج من ذمته تقربا إلى الله، فلا فرق بين أن يعطيه لفلان أو لفلان، إلا إذا كان فيما عيَّنه زيادة قربة كالأقارب، فإن الصدقة عليهم صدقة وصلة رحم، وكلك إذا رأى أن بناء مسجد أو مدرسة لتحفيظ القرآن وتعليم الدين، أو مصحة لعلاج الفقراء أحسن من إعطاء كل فقير مبلغا ينفقه فى مصلحة وقتية غير دائمة النفع، فإن توجيه النذر للفقراء إلى هذه المرافق العامة المفيدة أفضل، وهو رأى طيب لا مانع من الأخذ به، بناء على رجحان المصلحة. ومثل ذلك ما لو نذر أن يصلى الضحى أو التراويح فى مسجد معين، فإنه على رأى أبى حنيفة: يجوز له أن يصلى فى أى مسجد آخر، فالأرض كلها مسجد، وكل المساجد بيوت الله، اللهم إلا إذا نذر أن يصلى فى المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو المسجد الأقصى فإنه لا يجوز أن يصلى فى أى مسجد سواها، لما لها من الفضل الذى وردت به الأحاديث (10/142) ________________________________________ الزنى لا يكفره الزواج
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل صحيح أن من زنى بامرأة وتزوج بها يغفر الله له هذا الذنب؟
الجواب ما دام الزنى قد حصل وجب فيه الحد، وهو الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن فإن أقيم عليه الحد كان ذلك توبة يرفع الله بها الإثم. كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الجهنية التى رجمت للزنى وصلى عليها "إنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أعظم من أن جادت بنفسها للَّه "؟ . وإذا لم يقم الحد على الزانى، وهو مستعد له راض به، فلا يغفر الذنب إلا بالتوبة النصوح القائمة على الإقلاع عنه والندم عليه والعزم الأكيد على عدم العود للعصيان وطلب العفو والسماح ممن اغتصبها بغير رضاها. إذا حدث ذلك يرجى أن يغفر الله هذا الذنب، وبدون ذلك لا يكون مجرد الزواج بها مسقطا للعقوبة، لا عقوبة الدنيا ولا عقوبة الآخرة، وإذا كان الزواج بها مظهرا من مظاهر التوبة، فالله سبحانه هو وحده الذى يقدرها. أما حكم العقد على الزانية وحملها من الزانى فسيذكر بعد إن شاء الله (10/143) ________________________________________ خصاء الحيوانات ووسمه بالنار
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقوم بعض الذين يربون المواشى بخصاء بعض الحيوانات من الغنم والماعز وغيرها بقصد تسمينها كما يشاهد آثار الكى على أجسام بعض الحيوانات،فما رأى الدين فى ذلك؟
الجواب جاء فى تفسير القرطبى عند قوله تعالى {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} النساء: 119، عن خصاء الحيوان أنه رخص فيه جماعة إذا قصدت به المنفعة لسمن أو غيره، والجمهور على جواز التضحية بالخصى، واستحسنه بعضهم إذا كان أسمن. ومنهم منكره خصاء الذكر وذلك لحديث "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " ولنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن خصاء الغنم والبقر والإبل والخيل، وجاء فى الموطأ عن ابن عمر أنه كان يكره الإخصاء، ويقول: فيه تمام الخلق، أى فى ترك الإخصاء تمام الخلق، وروى نماء الخلق، وروى الدارقطنى"لا تخصوا ما ينمى خلق الله ". أما خصاء الآدمى فمصيبة، لأنه يقطع النسل المأمور به وقد يفضى إلى الهلاك وفيه مثلة. أما عن الوسم وهو الكى بالنار فقد أخرج مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم فى وجهه فقال: "لعن الله الذى وسمه " فهو حرام إن كان للتعذيب، ويجوز إن كان للتمييز والتعريف فقد قال فيه القرطبى: إن الرسول أجازه، استثناء من تعذيب الحيوان بالنار. ثبت فى مسلم عن أنس قال: رأيت فى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الميسم، وهو يسم إبل الصدقة والفىء وغير ذلك، حتى يعرف كل مال فيؤدى فيه حقه ولا يتجاوز به إلى غيره. ولا يجوز فى الوجه، وذلك لشرفه، وهو مقر الحسن والجمال، وبه قوام الحيوان، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم من كان يضرب عبده وقال "اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " أى على صورة المضروب، أى أن وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم، فينبغى أن يحترم لشبهه (10/144) ________________________________________ قراءة كتب الفلسفة والكفر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى دراسة المواد الفلسفية لعلماء مسلمين وغير مسلمين، وما مدى الضرر أو النفع من هذه الدراسات؟
الجواب لا مانع من دراسة المواد الفلسفية أبدا، إذا كانت الدراسة للإحاطة بالأفكار ومقارنتها بالدين، فإن كانت متفقة معه قبلت وإلا رفضت، مع بيان وجه رفضها، وعلى هذا الأساس ألفت كتب فى الملل والنحل والعقائد المختلفة "الصحيح منها والباطل " وناقشها العلماء مناقشة علمية على ضوء الدين والعقل الصحيح. أما دراستها لمن لا يعرف الحق من الباطل، وترك الباطل منها دون بيان بطلانه ففيها ضرر كبير. والقرآن الكريم نفسه ذكر عقائد المشركين، والمنكرين لوجود الله والدهريين والمنكرين للبعث والحساب وغيرهم، وذكر الأدلة على بطلان ما يعتقدون، كما ذكر الأدلة على العقائد الصحيحة التى جاء بها الإسلام. وقد أثيرت قديما مسألة تعلم علم المنطق الذى وضعه قدامى اليونان، فكان لعلماء المسلمين منه مواقف بالجواز والمنع، وسجل ذلك بعض المؤلفين بقوله: فابن الصلاح والنووى حرما * وقال قوم ينبغى أن يعلما. والقولة المشهورة الصحيحة * جوازه لكامل القريحة. أى لمن عنده قدرة على تمييز الطيب من الخبيث من هذه المواد، وعيب بعض المؤلفات التى تدرس فى بعض مراحل التعليم الآن أنها تعرض الأفكار ولا تناقشها مناقشة علمية على ضوء الدين، فيحسبها البعض أنها أمور مسلمة ما دامت منسوبة لكبار العلماء،، وكم فى هذه الآراء مما يتنافى مع مقررات الدين، ولا يتفق ومكارم الأخلاق. وللإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين " كلام طويل فى العلوم المحمودة والعلوم المذمومة، وهو نفسه ألف فى الرد على الفلاسفة بعد دراسة مذاهبهم (10/145) ________________________________________ إبليس والجن والشياطين
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما الفرق بين الجن والشيطان وإبليس، ولماذا خلقهم الله سبحانه؟
الجواب جاء في تفسير القرطبى لسورة الجن أن أهل العلم اختلفوا فى أصل الجن، فقال الحسن البصرى: إن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء فى الثواب والعقاب، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان. وقال ابن عباس: الجن هو ولد الجان، وليسوا بشياطين وهم يموتون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. انتهى. وجاء فى تفسير سورة الناس أن قتادة قال: إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطين، وهو يعزز رأى الحسن البصرى المذكور- قال تعالى {وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن} الأنعام: 112. وجاء فى "حياة الحيوان الكبرى " للدميرى عن الجن أن المشهور أن جميع الجن من ذرية إبليس وقيل: الجن جنس وإبليس واحد منهم ولا شك أن الجن ذريته بنص القرآن الكريم. يريد قوله تعالى {أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} الكهف:55،ومن كفر من الجن يقال له شيطان. وجاء فى " آكام المرجان فى أحكام الجان " للمحدث الشبلى "ص 6 " أن الجن تشمل الملائكة وغيرهم ممن اجتنَّ -أى استتر-عن الأبصار، قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجِنة نسبا} الصافات: 58، لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله وقال: الشياطين هم العصاة من الجن وهم ولد إبليس، والمردة هم أعتاهم وأغواهم بقوا، الجوهرى: كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان، والعرب تسمى الحية شيطانا. هذا ما قيل عن الجن والشيطان وإبليس، أما الحكمة من خلقهم فهى امتحان بنمط آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة، فان استقر الإيمان بعد الانتصار فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين -كان جزاء هذا المؤمن عظيما، لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له. قال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} العنكبوت: 69. والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لآدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية، وقد تزعَّم الشيطان هذه المعركة انتقاما من آدم الذى طرد الشيطان من الجنة بسبب عدم السجود له. فقال كما جاء فى القرآن الكريم. {قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف: 16، 17،وحذر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال {ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} يس: 60، وقال {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} فاطر: 6. فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات والحركة سر الحياة، وقد سئل أحد العلماء: لماذا خلق الله إبليس؟ فقال: لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه، فكل خير فيه شر ولو بقدره (10/146) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 9:24 am | |
| اللحوم المستوردة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز أكل اللحوم المستوردة مع عدم العلم بأنها ذبحت على الطريقة الشرعية؟
الجواب اللحوم المحفوظة والمستوردة إذا علمنا بطريق موثوق به أنها ذبحت على غير الطريقة الإسلامية فلا يجوز أكلها قطعا، أما إذا علمنا أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية جاز أكلها دون حرج، فإذا لم نعلم طريقة ذبحها فإذا كانت هناك أمارات ترجح أن ذبحها شرعى جاز أكلها، ومن هذه الأمارات أن يكتب عليها عبارة " مذبوح على الطريقة الإسلامية " أو تكون هذه الذبائح مستوردة من بلاد تدين باليهودية أو النصرانية، للنص على حل ذبائحهم فى قوله تعالى {وطعام للذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} المائدة:5. وبعض النشرات التى تحذر من تناول هذه اللحوم لا يصح أن تكون دليلا قاطعا على أنها لم تذبح على الطريقة الشرعية، وعلى ذوى الاختصاص أن يثبتوا إن كانت هذه اللحوم مستوفية لشروط الذبح الشرعى أولا، وإلى أن يحصل هذا التثبت يكون العمل بالقاعدة الشرعية وهى: الأصل فى الأشياء الإباحة، واليقين لا يزول بالشك. هذا، ويغلب على البلاد التى تدين باليهودية أو النصرانية أن تكون صادراتها، للبلاد الإسلامية من الذبائح مذكاة حسب شريعتهم فهى حلال، أما البلاد التى لا تدين باليهودية أو النصرانية فيقال: إن ما أعد للتصدير منها إلى البلاد الإسلامية يتولى ذبحه كتابى، ويكتب عليه: مذبوح على الطريقة الإسلامية. ويمكن الاعتماد على ما كتب عليه، أما ما لا يكتب عليه ذلك فلا يطمأن إليه، وعلى المسئولين مراقبة ذلك عند الاستيراد وزيادة فى الإيضاح لهذا الموضوع ننقل لك ما نشر فى الجزء الثانى من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف ": أثيرت فى هذا الموضوع عدة مسائل نذكر أهمها فيما يلى: 1 - تخدير الحيوان قبل ذبحه: قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} المائدة: 3، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " إن اللَّه كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم وغيره. فإذا كانت الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير تساعد على التمكن من ذبح الحيوان بأضعاف مقاومته وقت الذبح، وكانت لا تؤثر فى حياته، بمعنى أنه لو ترك بعدها دون ذبح عاد إلى حياته الطبيعية - جاز استعمال الصدمة الكهربائية أو غيرها من طرق التخدير بهذا المفهوم قبل الذبح، وحلت الذبيحة بهذه الطريقة. أما إذا كانت تؤثر فى حياته بحيث لو ترك بعدها دون ذبح فقد حياته، فإن الذبح وقتئذ يكون قد ورد على ميتة، فلا يحل أكلها فى الإسلام، لاحتمال موت الحيوان بالصدمة الكهربائية أو التخدير قبل الذبح. إذ تقضى نصوص فقه الشريعة الإسلامية أنه إذا اجتمع فى الذبيحة سبب محرم وآخر مبيح تكون محرمة، كما إذا رمى شخص طائرا فجرحه فسقط فى الماء فانتشله الصائد ميتا فإنه لا يحل أكله لاحتمال موته غرقا لا بجرح الصيد. 2 - ضرب الحيوان على رأسه بحديدة أو تفريغ شحنة مسدس قاتل فيها، أو صعقه بتيار الكهرباء وإلقاؤه فى ماء مغلى ليلفظ أنفاسه: إذا مات الحيوان بهذه الطرق فهو ميتة، والميتة محرمة بنص القرآن الكريم، وهى ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح، أو ما مات حكما من الحيوان حتف أنفه من غير قتل بذكاة، أو مقتولا بغير ذكاة. والميتة بهذه الطرق هى الموقوذة التى ورد النص بتحريمها فى آية المائدة المذكورة فى المسألة السابقة " رقم 1 ". والوقذ شدة الضرب قال قتادة: كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه، وقال الضحاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها. وفى صحيح مسلم عن عدى بن حاتم قال: قلت: يا رسول اللَّه فإنى أرمى بالمعراض الصيد فأصيب. فقال " إذا رميت بالمعراض فخزقه فكله، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله " وفى رواية " فإنه وقيذ " المعراض سهم يصيب بعرض عوده دون حده، خزق السهم أى نفذ فى الرمية، والمعنى نفذ وأسال الدم، لأنه ربما قتل بعرضه ولا يجوز. والفقهاء اتفقوا على أنه تصح تذكية الحيوان الحى غير الميئوس من بقائه، فإن أصابه ما يوئس من بقائه مثل أن يكون موقوذا أو منخنقا فقد اختلفوا فى استباحته بالزكاة. ففى فقه الإمام أبى حنيفة: وإن علمت حياتها -وإن قلَّت -وقت الذبح أكلت مطلقا بكل حال. وفى إحدى روايتين عن الإمام مالك، وأظهر الروايتين عن الإمام أحمد: متى علم مستمر العادة أنه لا يعيش حرم أكله ولا تصح تذكيته، وفى الرواية الأخرى عن الإمام مالك: أن الزكاة تبيح منه ما وجد فيه حياة مستقرة. وينافى الحياة عنده أن يندق عنقه أو دماغه. وفى فقه الإمام الشافعى: أنه متى كانت فيه حيلة مستقرة تصح تذكيته، وبها يحل أكله باتفاق فقهاء المذهب. والذكاة فى كلام العرب الذبح وفى الشرع عبارة عن إنهار الدم وفرى الأوداج فى المذبوح، والنحر فى المنحور، والعقر فى غير المقدور عليه. واختلف العلماء فيما يقع به الذكاة، والذى جرى عليه جمهور العلماء أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج فهو آلة للذبح، ما عدا الظفر والسن، إذا كانا غير منزوعين، لأن الذبح بهما قائمين فى الجسد من باب الخنق. كما اختلفوا فى العروق التى يتم الذبح بقطعها، بعد الاتفاق على أن كماله بقطع أربعة، هى: الحلقوم والمرىء والودجان. واتفقوا كذلك على أن موضع الذبح الاختيارى، بين مبدأ الحلق إلى مبدأ الصدر. وإذا كان ذلك، كان الذبح الاختيارى الذى يحل به لحم الحيوان المباح أكله فى شريعة الإسلام، هو ما كان فى رقبة الحيوان فيما بين الحلق والصدر، وأن يكون بآلة ذات حد تقطع أو تخزق بحدها لا بثقلها، سواء كانت هذه الآلة من الحديد أو الحجر، على هيئة سكين أو سيف أو بلطة أو كانت من الخشب بهذه الهيئة أيضا. لقول النبى عليه الصلاة والسلام " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ما لم يكن سنًّا أو ظفرا " فإذا ثبت قطعا أن اللحوم والدواجن والطيور المستوردة لا تذبح بهذه الطريقة التى قررها الإسلام، وإنما تضرب على رأسها بحديدة ثقيلة، أو يفرغ فى رأسها محتوى مسدس مميت، أو تصعق بتيار الكهرباء ثم تلقى فى ماء مغلى تلفظ فيه أنفاسها-إذا ثبت هذا دخلت فى نطاق المنخنقة والموقوذة المحرمة بنص الآية الكريمة. 3 - المؤلفات والنشرات التى توصى بمنع استيراد اللحوم المذبوحة فى الخارج: ما ينقل عن بعض الكتب والنشرات عن طريقة الذبح لا يكفى لرفع الحل الثابت أصلا بعموم نص الآية الكريمة: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} المائدة: 5، وليس فى هذه النشرات ما يدل حتما على أن المطروح فى أسواقنا من اللحوم والدواجن والطيور مستورد من تلك البلاد التى وصف طرق الذبح فيها من نقل عنهم، ولابد أن يثبت أن الاستيراد من هذه البلاد التى لا تستعمل سوى هذه الطرق، ومع هذا فإن الطب - فيما أعلم -يستطيع استجلاء هذا الأمر وبيان ما إذا كانت هذه اللحوم والطيور والدواجن المستوردة قد أزهقت أرواحها بالطرق المذكورة فى المسألة السابقة " رقم 2 ". فإذا كان الطب البيطرى أو الشرعى يستطيع علميا بيان هذا على وجه الثبوت، كان على القائمين بأمر هذه السلع استظهار حالها بهذا الطريق أو بغيرها من الطرق المجدية لأن الحلال والحرام من أمور الإسلام التى قطع فيها بالنصوص الواضحة. فكما قال الله سبحانه {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال سبحانه قبل هذا {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللَّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} . وقد جاء فى " أحكام القرآن " لابن عربى فى تفسيره للآية الأولى: فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذه ميتة، وهى حرام بالنص. وهذا يدل على أنه متى تأكدنا أن الحيوان قد أزهقت روحه بالخنق أو حطم الرأس أو الوقذ كان ميتة ومحرما بالنص. والصعق بالكهرباء حتى الموت من باب الخنق، فلا يحل ما انتهت حياته بهذا الطريق. أما إذا كانت كهربة الحيوان لا تؤثر على حياته، بمعنى أنه يبقى فيه حياة مستقرة ثم يذبح كان لحمه حلالا فى رأى جمهور الفقهاء، أو أى حياة وإن قلت فى مذهب الإمام أبى حنيفة. وعملية الكهرباء فى ذاتها إذا كان الغرض منها فقط إضعاف مقاومة الحيوان والوصول إلى التغلب عليه وإمكان ذبحه، جائزة ولا بأس، وان لم يكن الغرض منها هذا أصبحت نوعا من تعذيب الحيوان قبل ذبحه، وهو مكروه، دون تأثير فى حله إذا ذبح بالطريقة الشرعية حال وجوده فى حياة مستقرة. أما إذا مات صعقا بالكهرباء فهو ميتة غير مباحة ومحرمة قطعا. فالفيصل فى الموضوع أن يثبت على وجه قاطع أن اللحوم والدواجن والطيور المستوردة المتداولة فى أسواقنا قد ذبحت بواحد من الطرق التى تصيرها من المحرمات المعدودات فى آية المائدة. وما فى الكتب والنشرات لا يعتمد عليه فى ذلك. وعلى الجهات المعنية أن تتثبت من ذلك، وإلى أن تتثبت يكون العمل بالقاعدة الشرعية: الأصل فى الأشياء الإباحة، واليقين لا يزول بالشك، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أخرجه البزار الطبرانى من حديث أبى الدرداء بسند حسن " ما أحل اللَّه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من اللَّه عافيته، فإن اللَّه لم يكن لينسى شيئا ". وحديث أبى ثعلبة الذى رواه الطبرانى " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها "وفى لفظ "وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها، رحمة لكم فاقبلوها " وروى الترمذى وابن ماجه من حديث سلمان أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والغراء التى يصنعها غير المسلمين فقال " الحلال ما أحل اللَّه فى كتابه، والحرام ما حرم اللَّه فى كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " وثبت فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة، ولم يسألها عن دباغها ولا عن غسلها واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. 4 - ذبائح أهل الكتاب: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لأنهم فى الأصل أهل توحيد، وقد جاء حكم الله فى الآية بإباحة طعامهم للمسلمين، وإباحة طعام المسلمين لهم فى قوله سبحانه {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} . وكلمة طعام عامة تشمل الذبائح والأطعمة المصنوعة من مواد مباحة، وجمهور المفسرين والفقهاء على أن المراد من الطعام فى هذه الآية الذبائح أو اللحوم، لأنها هى التى كانت موضع الشك، أما باقى أنواع المأكولات فقد كانت حلالا بحكم الأصل. وتثار فى ذبائحهم نقطتان، الأولى طريقة ذبحهم، والثانية التسمية عند الذبح. أما فى الأولى فقد اشترط أكثر فقهاء المسلمين لحل ذبائحهم أن يكون الذبح على الوجه الذى ورد به الإسلام. وقال بعض فقهاء المالكية: إن كانت ذبائحهم وسائر أطعمتهم مما يعتبرونه مذكى عندهم حل لنا أكله وإن لم تكن ذكاته عندنا ذكاة صحيحة، وما لا يرونه مذكى عندهم لا يحل لنا، ثم استدرك هذا الفرق فقال: فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؟ فالجواب أن هذه ميتة وحرام بالنص، فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال ومن طعامهم، وهو حرام علينا فهذه أمثله واللَّه أعلم، وفتوى الشيخ محمد عبده لأهل الترنسفال فى 6 من شعبان سنة 1321هـ لم تذكر هذا الاستدراك " الفتاوى الإسلامية- المجلد 4 ص 1298 ". إن من القواعد التى قررها الفقهاء " ما غاب عنا لا نسأل عنه " وهى مأخوذة من نصوص فقهية. ففى فقه الإمام أبى حنيفة: إنما تؤكل ذبيحة الكتابى إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شىء، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده. وقد روى عن الإمام على بن أبى طالب حين سئل عن ذبائح أهل الكتاب قوله: قد أحل اللَّه ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. وفى فقه الإمام الشافعى: لو أخبر فاسق أو كتابى أنه ذكى هذه الشاة قبلناه، لأنه من أهل الذكاة. فإذا ذكرت شائعات فإنه عندئذ يلزمنا التحرى. وفى هذه الحالة استفاضت الشائعات أن أوروبا (وهى أهل كتاب) تستعمل وسائل غير الذبح، فلا يصح إهمال ذلك بعدم السؤال، بل ينبغى التحرى. وأما فى النقطة الثانية وهى التسمية عند الذبح، فقد جاء حديث البخارى فى اللحم الذى لا يدرى: هل سمى عليه اللَّه أو لا، " سموا اللَّه أنتم وكلوا ". وقد حفلت كتب السنة والسيرة بأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من ذبائح اليهود دون أن يسأل هل سموا اللَّه عند الذبح أم لا، وكذلك الصحابة رضوان اللَّه عليهم، وقد مر قول الإمام على: قد أحل اللَّه ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. اهـ. هذا، ولو سمعنا ذكر اسم غير الله عند الذبح فالجمهور على عدم الأكل من هذه الذبيحة، حتى من قال منهم بأن التسمية سنة غير واجبة، أما إذا لم نسمع تسمية فالذبيحة حلال للنصوص المذكورة. والبلاد التى تدين باليهودية أو النصرانية يغلب أن تكون صادراتها من الذبائح مذكاة حسب شريعتهم فهى حلال، أما البلاد التى لا تدين باليهودية أو النصرانية فيقال إن ما أعد للتصدير منها إلى البلاد الإسلامية يتولى ذبحه كتابى، ويكتب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية، ويمكن الاعتماد على ما كتب عليه، أما ما لم يكتب عليه ذلك فلا يطمأن إليه، وعلى المسئولين مراقبة ذلك عند الاستيراد، حتى نعتمد على أنفسنا بتوفير ما نحتاج إليه دون حاجة إلى استيراد ما فيه شبهة. ومن يعيش أو يزور بلادا كتابية يطمئن إلى ما يذبح فيها إلا إذا رأى بعينيه أنه لم يذبح وكان من المحرمات المذكورة فى آية المائدة على الوجه المبين فيما سبق، أو أخبره بذلك ثقة وصدقه. والذى يزور بلادا ليست كتابية أو يعيش فيها يجب عليه أن يستوثق مما يأكله من ذبائحهم، فالغالب عليه أنه لم يذبح كما يذبح الكتابيون والمسلمون. ولا يكفى عدم العلم بحال هذا المطعوم، بخلاف البلاد الكتابية فيكفى فيها عدم العلم، لأن الغالب أنهم يذبحون (10/147) ________________________________________ تحضير الأرواح
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل تحضير الأرواح صحيح؟
الجواب تقرر الأديان كلها أن الإنسان مادة وروح. قال تعالى: {إذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين} ص: 71، 72، وأنه أحد العوالم الثلاثة التى كلفها الله بعبادته، وهى: الملائكة والإنس والجن، وكلها مادة وروح وإن كانت مادة الملائكة هى النور، ومادة الإنس هى الطين، ومادة الجن هى النار. والروح سرها عجيب لا يدرك الإنسان منه إلا قليلا، على الرغم من إدراكه الكثير من سر المادة، قال تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} الإسراء:85، واهتم علماء المسلمين بدراستها وبيان أثرها فى الحياة وفى الفكر وفى السلوك وفى مصيرها بعد خروجها من البدن بالموت. ومن الكتب المؤلفة فى ذلك كتاب الروح لابن القيم. وعلى الرغم من الاتجاه المادى للعالم الغربى نشطت أخيرا الدراسات الروحية، فى كليات أو معاهد خاصة، وتكونت جمعيات تمارس أنشطة متصلة بالروح، كبعض الأنشطة التى مارسها بعض المسلمين وغيرهم، باسم السحر وتحضير الأرواح، وما إلى ذلك، ونريد هنا أن نبين موقف الإسلام من تحضير الأرواح. إن الأرواح هى لثلاثة أصناف من العوالم، الملائكة، والإنس ومعهم الحيوانات والطيور وكل ما يدب على الأرض، والجن. فما هى صلة الإنسان بهذه الأرواح؟ . 1 - الملائكة عالم شفاف مخلوق من نور، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة، ولئن كان الله سخَّرهم لصالح البشر فى مهمات وكلها إليهم كتبليغ الوحى وتسجيل ما يقع من الناس من أقوال وأفعال، ومعونة المؤمنين فى الحرب وغيرها، فإن كل أنشطتهم بأمر الله وتوجيهه، لا سلطان لأحد غيره عليهم، ولا يستطيع إنسان أن يتسلط عليهم ولا أن يستعين بهم مباشرة، إلا بأمر الله سبحانه، ولما فتر الوحى عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشتاق لنزول جبريل عليه، فلم ينزل إلا عندما أذن الله له. فقد روى البخارى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل: " ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا "؟ فنزلت {وما تتنزل إلا بأمر ربك} مريم: 64، ومن هنا لا يمكن لبشر أن يحضر ملكا أو يحضر روحه. 2 - الإنسان عندما تفارق روحه جسده لا يعرف بالضبط مكانها إلا الله سبحانه، وإن جاءت الأخبار بأن لها صلة بالميت بقدر ما يسمع ويجيب على سؤال الملكين، ويحس بالنعيم والعذاب ويرد السلام على من سلم عليه، أو بقدر أكبر من ذلك كما قيل عن الأنبياء فى قبورهم، وكما قيل عن الشهداء فى قوله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} آل عمران: 169، فقد روى مسلم وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: "أرواحهم فى جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أى شىء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ فعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا حتى نقتل فى سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا". وستظل الأرواح محبوسة عند الله لا ترد إلى الأجساد إلا عند البعث من القبور للحساب. قال تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون. لعلى أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} المؤمنون: 99،100، ولا يمكن لبشر أن يتسلط على روح الميت ويحضرها ويتحدث إليها لتخبره بما هى فيه من نعيم أو عذاب، أو بأحداث فى الكون غائبة عنه، وقد يحدث الاتصال بها-دون تسلط عليها-فى الرؤى والأحلام، ويقول المهتمون بتعبير الرؤيا: إن أحوال الميت وما يقوله ويخبر به حق، لأنه انتقل من دار الباطل إلى دار الحق. وقد سبق بيان قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخارى ومسلم " من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة- أو كأنما رآنى فى اليقظة- لا يتمثل الشيطان بى " لكن هذه الرؤى ليست باختيار الإنسان، وليس فيها تسلط على الأرواح. 3 - الجن عالم شفاف خلق من نار، يعطيهم الله القدرة على التشكل بالأشكال المختلفة، وكما لا ترى الملائكة فى حالتها النورانية، إلا بإعجاز من الله تعالى كما قيل فى رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل فى الغار وليلة المعراج، لا يرى الجن فى حالتهم الشفافة، كما قال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف: 27، ولهم عالمهم الخاص من الأكل والشرب والتزاوج، وسائر الأنشطة التى تنظم حياتهم ومنهم الصالحون وغير الصالحين، كما قال سبحانه: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا} الجن: 11،. وقد التقى النبى صلى الله عليه وسلم ببعضهم واستمعوا القرآن وآمنوا، كما جاء فى الأحقاف (الآية: 29 وما بعدها) . وتسلط الإنس على الجن لم يكن لأحد إلا لسيدنا سليمان عليه السلام بأمر ربه، حيث سخَر الله له الريح والشياطين كما فى قوله تعالى: {قال رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى،إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب. والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين فى الأصفاد} ص: 35-38، وقد روى البخارى ومسلم،أن عفريتا من الجن تفلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقطع عليه صلاته، فأمسك به وخنقه، وأراد أن يربطه فى سارية من سوارى المسجد، لكنه تذكر دعوة أخيه سليمان، فأطلقه. وجاء فى رواية مسلم قوله: "والله لولا دعوة أخى سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " وفى رواية النسائى بإسناد جيد أنه خنقه حتى وجد برد لسانه على يده. ومن هنا لا يمكن لبشر أن يتسلط على الجن بتحضيره وقهره على عمل معين، لكن الجن يتسلطون على الأنس ويقهرونهم على سلوك معين، إلا من أعطاه الله القوة فنجاه منهم، قال تعالى على لسان إبليس: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين} ص: 82، 83،. كما أن المتمردين منهم يمكنهم بغير الوسوسة والإغواء أن يضروا الإنس بأى نوع من الضرر، حيث لا دليل يمنع من ذلك. وقد صح أن كل واحد من بنى آدم له قرين يلازمه من يوم ميلاده إلى أن يموت، روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه " ثم قال أبو هريرة راوى الحديث: اقرءوا إن شئتم {وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} آل عمران: 36،. ويتسلط هذا القرين على صاحبه يحاول إفساد حياته عليه، إلا العباد المخلصين كما التزم وهو أمام الله بقضاء منه سبحانه {إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} الحجر: 42،. يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: " وإياى، إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير " أى فأسلم القرين، أو فأسلم أنا من القرين لأن الله أعاننى عليه. غير أن الإنسان إذا لم يستطع التسلط على الجن إلا بإذن الله، فليس ذلك بمانع أن يتصل به ويتعاون معه ليحقق له بعض الأغراض وهذا الاتصال يتم بعدة أساليب، ووقع ذلك لبعض الناس فى القديم والحديث، وعرف منهم الكهان والعرافون والسحرة. وكان من هذا الاتصال ما يسمى الآن بتحضير الأرواح. وهذا التحضير كما سبق ذكره لا يكون لأرواح الملائكة ولا الآدميين بعد موتهم، وإنما هو لهذه الأرواح المعروفة بالجن. والقرين من الجن له قدرة على تقليد صاحبه فى صوته وقد يتشكل بشكله، وهو على دراية واسعة بحاله الظاهرة، وقد يكون بحاله الباطنة أيضا مما تدل عليه الظواهر، وللقرناء صلة ببعضهم يعرفون عن طريقها الأخبار التى تحدث للناس، فيمكن لقرين سعد مثلا أن يعرف أحوال سعيد عن طريق سؤال قرينه، ومن هنا يمكن لقرين سعد أن يخبر سعدا بحال سعيد، إما بصوت يسمعه ولا يرى صاحبه، وهو ما يعرف باسم الهاتف، وإما بطريق آخر من طرق الأخبار، وقد يكون هذا القرين مساعدا لصاحبه فى بعض الأعمال فتسهل عليه، وقد يكون على العكس مشاكسا فيضع العراقيل فى طريقه فيحس بالضيق والألم وقد يحصل غير ذلك فإن عالم الجن عالم غريب يخفى علينا الكثير من أحواله. وكل هذه التصرفات فى دائرة الإمكان. فإذا قام إنسان -على مواصفات معينة وبطرق مختلفة-بتحضير روح إنسان فهو يحضر روح قرينه، الذى يستطيع أن يقلد صوته ويخبر عن كثير من أحواله، وعن أمور غائبة عرفها القرناء وتبادلوا أخبارها، فيحسب الإنسان أن الروح التى تتكلم هى روح آدمى، وهى روح قرينه، التى لا تستطيع أبدا أن تخبر عن المستقبل فمجالها هو الحاضر الذى يخفى على بعض الناس. ذلك أن الجن لا يعلمون الغيب أبدا، قال تعالى: {قل لا يعلم من فى السماوات والأرض الغيب إلا الله} النمل: 65، وقال عن جن سليمان بعد موته {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين} سبأ: 14، وقد يكذب القرناء فى أخبارهم، فيقول قرين الكافر مثلا إنه فى نعيم، وهو بنص القرآن فى عذاب أليم، والروح الحقيقية لأى إنسان لا تكذب بعد الموت، فهو فى دار الحق التى لا كذب فيها، ولم يحدث أن ادعى من يزاولون تحضير الأرواح أنهم أحضروا روح نبى من الأنبياء، وذلك لأن الشياطين لا تتمثل بهم ولا تستطيع تقليد أصواتهم، كما يحدث من القرناء مع بقية البشر. فالخلاصة أن تحضير الأرواح هو تحضير لأرواح الجن وليس لأرواح الملائكة أو البشر، ولا يجوز الاعتماد على ما تخبر به هذه الأرواح، فقد تكون صادقة وقد تكون كاذبة فيما تقول. وتحضير أرواح الجن أمر ممكن غير مستحيل، لعدم ورود ما يمنعه، ولحدوثه واقعا والذى لا يمكن ويسمى خرافة هو تحضير أرواح الملائكة وأرواح بنى آدم. ومن الواجب ألا يستغل إمكان تحضير الجن استغلالا سيئا، كما يفعل الدجالون والمشعوذون، كما أن من الواجب ألا يخرج بنا الحماس فى مقاومة الدجل والشعوذة إلى حد الإنكار لوجود الجن، فهم موجودون ومكلفون مثل البشر، وهم يستطيعون الإضرار بالناس بإذن الله، كما يضر الناس بعضهم بعضا، وليس هذا الإضرار قاصرا فقط على الوسوسة والإغواء، بل منه ما يكون فى الماديات التى تتعلق بالإنسان فى مأكله ومشربه وملبسه، بل وفى جسمه، فليس هناك دليل على منعه، والأمر بالتسمية لطرد الشيطان معروف. والواجب أن نتحصن بقوة الإيمان والثقة بالله، والإقبال على طاعته والبعد عن معصيته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نزن أمورنا بميزان العقل الذى كرمنا الله به، وأن نحكمه فيما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وما استعصى علينا فهمه ينبغى ألا نبادر بإنكاره، بل علينا التريث والتدبر حتى تتضح الأمور وتظهر الأدلة القاطعة على صدقه أو كذبه (10/148) ________________________________________ الإضراب عن الطعام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فيمن يضرب عن الطعام إذا وقع عليه ظلم وكيف يكون التصرف معه؟
الجواب ليس فى الدين شىء اسمه الإضراب عن الطعام أو الشراب لتحقيق غرض من الأغراض، فهو وسيلة سلبية يجب ألا يأخذ بها أحد، والوسائل المشروعة كثيرة. ومن سلك هنا المسلك فقد أضر نفسه بالجوع والعطش فى غير طاعة، والحديث معروف (لا ضرر ولا ضرار" وفى الوقت نفسه عرَّض نفسه للموت والله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 195،. ومن مات بهذا الإضراب يكون منتحرا، والانتحار من كبائر الذنوب، فإن استحله كان كافرا، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين (10/149) ________________________________________ حبس الطيور والأسماك للزينة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز حبس الطيور فى أقفاص للتمتع بمنظرها أو صوتها؟
الجواب بعض الطيور فيها جمال فى أصل الخلقة أو فى الألوان أو فى الأصوات أو فى غيرها، والجمال محبب إلى كل نفس سوية، وهو من نعم الله التى يجب أن تشكر، كما قال تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف: 22، وقال {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل: 8. وإذا كانت الزينة التى خلقها الله وأخرجها لعباده فى الحيوانات والنباتات وغيرها مباحة وغير محرمة، فكذلك التزين - وهو فعل الزينة - ليس ممنوعا فى كل الأحوال، وإذا كان ممنوعا عند التكبر والخيلاء أو الإسراف فهو غير ممنوع إن خلا من هذه الأشياء جاء فى تفسير القرطبى "ج 7 ص 97 " ليس كل ما تهواه النفس يذم وليس كل ما يتزين به الناس يكره، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو كان على وجه الرياء فى باب الدين، فإن الإنسان يُحِب أن يُرىَ جميلا. وذلك حظ للنفس لا يلام فيه، ولهذا يسرح شعره، وينظر فى المرآة، ويسوى عمامته، ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج، وليس فى شىء من هذا ما يحرم أو يذم. وقد روى مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب، فخرج يريدهم، وفى الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر فى الماء ويسوى لحيته وشعره، فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟ قال " نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال ". وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ". بعد هذه المقدمة فى الزينة وأن الأصل فيها الحل، وفى أهمية الجمال فى حيلة الناس، وموقف الإسلام الرائع فى تشريعه العادل الذى لا يهمل الفطرة الإنسانية إهمالا تاما ولكن يوجهها ويهذبها - بعد هذه المقدمة أقول: إن صنع الزينة واستعمالها والاتجار فيها لا بأس به فى حد ذاته، ومن الزينة بعض الطيور والأسماك، فيجوز اقتناؤها وبيعها ما دام ذلك فى حدود الشرع وبشروط، ومن هذه الشروط: 1 - ألا يقصد بها التفاخر والخيلاء، كما هو دأب المترفين، والأعمال بالنيات. 2 - ألا يلهى التمتع بها أو الانشغال برعايتها واستثمارها عن واجب من الواجبات. 3 - ألا يهمل فى رعايتها بالتقصير فى تغذيتها مثلا، فالحديث معروف فى تعذيب الله للمرأة التى حبست القطة دون أن تطعمها أو تسقيها. هذا، وقد ورد فى الصحيحين عن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا، وكان لى أخ لأمى فطيم يقال له عمير، فكان رسول الله @ إذا جاءنا قال "يا أبا عمير ما فعل النُّغَير "؟ وعمير تصغير عمر أو عمرو. والفطيم بمعنى المفطوم، والنغير تصغير نُغَر وهو طير كالعصافير حمر المناقير، وأهل المدينة يسمونه البلبل. قال الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى ": فى الحديث دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير. وقال العلامة أبو العباس القرطبى: لكن الذى أجازه العلماء هو أن يمسك له وأن يلهو بحبسه، وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله. وقال غيره: معنى قوله. يلعب به، يتلهى بحبسه وإمساكه، وفيه دليل على جواز حبس الطير فى القفص والتلهى به لهذا الغرض وغيره. ومنع ابن عقيل الحنبلى من ذلك، وجعله سفها وتعذيبا، لقول أبى الدرداء رضى الله عنه: تجئ العصافير - يوم القيامة تتعلق بالعبد الذىَ كان يحبسها فى القفص عن طلب أرزاقها وتقول: يا رب هذا عذبنى فى الدنيا. والجواب أن هذا فيمن منعها المأكول والمشروب، وقد سئل القفال عن ذلك فقال -: إذا كفاها المؤونة جاز، بل فى الحديث دليل على جواز قنصها - صيدها - للعب الصبيان بها، وكان بعض الصحابة يكره ذلك، ورأيت لأبى العباس أحمد بن القاص مصنفا حسنا على هذا ويؤخذ مما ذكره الدميرى أن حبس الطيور للزينة وغيرها جائز ما دام يكفيها مؤونتها، وما دام لا يعذبها، ومن كره ذلك من بعض العلماء محله عند التقصير والإيذاء، والكراهة على كل حال لا تعنى الحرمة، فالحرام معصية يعاقب عليها، والمكروه ليس معصية ولا يعاقب عليه. وحكم الطير يسرى على الأسماك المتخذة للزينة فى أحواض ضيقة ليست فى سعة الأنهار، والبحار، وكذلك على الحيوانات فى الحدائق المعدة لها، وقد حبست فى أقفاص أو أبنية ليست فى سعة الصحراء والغابات التى كانت تعيش فيها من قبل (10/150) ________________________________________ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 10:42 am | |
| اقتناء الكلاب والاتجار فيها
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم تربية الكلاب والاتجار فيها؟
الجواب أولا: حكم اقتناء الكلاب: روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تماثيل " وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من اقتنى كلباً، إلا كلب ماشية أو ضارٍ نقص من عمله كل يوم قيراطان " وفى رواية " إلا كلب صيد أو ماشية " وفى رواية إلا كلب ضارية أو ماشية " وفى رواية "إلا كلب ماشية أو كلب صيد " وفى رواية " إلا كلب زرع أو غنم أو صيد "0 وجاء فى بعض الروايات "نقص من عمله كل يوم قيراط ". وروى أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ". يؤخذ من هذا حرمة اقتناء الكلاب التى لا فائدة فيها، كما نصت الأحاديث على استثناء ما فيه فائدة، وهى كلاب الصيد، وكلاب حراسة الزرع، وكلاب حراسة الماشية، وقد يُقاس عليها الكلاب البوليسية لأن لها منفعة، قال النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 10 ص 236 ": وأما اقتناء الكلاب فمذهبنا -الشافعية- أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة. ويجوز اقتناؤه للصيد وللزرع وللماشية، وهل يجوز لحفظ الدور والدروب ونحوها؟ فيه وجهان أحدهما لا يجوز لظواهر الأحاديث فإنها مصرحة بالنهى إلا لزرع أو صيد أو ماشية، وأصحهما يجوز، قياسا على الثلاثة، عملا بالعلة المفهومة من الأحاديث وهى الحاجة، وهل يجوز اقتناء الجرو وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية؟ فيه وجهان لأصحابنا - الشافعية - أصحهما جوازه. والكلب الضارى هو المعلَّم الصيد المعتاد له، ويترتب على حرمتها عدم دخول ملائكة الرحمة للبيت الذى هى فيه أما الحفظة فلا يفارقون الإنسان بأى حال من الأحوال ونقصان الثواب الذى يستحقه المرء على عمله فى كل يوم بمقدار اختلفت فيه الروايات ما بين قيراط وقيراطين، والقيراط قدر معلوم عند الله تعالى، وقيل عن نقص القيراط أو القيراطين أن ذلك فى نوع يكون أذاه أشد من النوع الآخر، فيزيد نقص الثواب، وقيل نقص القيراطين لكلاب المدن والقرى، ونقص القيراط لكلاب البوادى، وقيل كان النقص قيراطا فأراد النبى التغليظ فأخبر أنه قيراطان، والمهم أن ثواب العمل ينقص سواء مما مضى أو مما يستقبل وذكر العلماء أن سبب نقصان الأجر هو امتناع الملائكة من دخول البيت بسبب الكلب لأن رائحته كريهة والملائكة تكره للرائحة الخبيثة، ولأن بعض الكلاب يسمى شيطانا كما جاء فى الحديث، والملائكة ضِدَّ الشياطين، وقيل لما يلحق المارين من الأذى من ترويع الكلب لهم، وقيل عقوبة لاتخاذ ما نهى عن اتخاذه وعصيانه فى ذلك، وقيل لما يبتلى به من ولوغه فى غفلة صاحبه ولا يغسله بالماء والتراب " انظر: الإسلام ومشاكل الحياة ص 258 ". ثانيا: الاتجار فيها: روى مسلم عن أبى مسعود الأنصارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن، وفى رواية عن رافع بن خَدِيج أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول " شر الكسب مهر البغى وثمن الكلب وكسب الحجام " وفى رواية " ثمن الكلب خبيث ومهر البغى خبيث، وكسب الحجام خبيث ". ومهر البغى هو ما تأخذه فى مقابل الزنا بها، وسمى مهرا لكونه على صورته، وهو حرام بالإجماع، وحُلْوان الكاهن ما يعطاه على كهانته، وسمى بذلك لأنه سهل من غير كلفة فله حلاوة معنوية، وهو حرام بالإجماع لأنه عوض عن محرم وأكلٌ لأموال الناس بالباطل. يقول الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " ج 2 ص 261: لا يصح بيع الكلاب عندنا - أى الشافعية - خلاَفا لمالك فإنه، أباح بيعها حتى قال سُحْنُون: ويحج بثمنها، وقال أبو حنيفة: يجوز بيع غير العقور. ويقول النووى " شرح صحيح مسلم ج 10 ص 232 " وأما النهى عن ثمن الكلب وكونه من شر الكسب وكونه خبيثا فيدل على تحريم بيعه، وأنه لا يصح بيعه ولا يحل ثمنه، ولا قيمة على متلفه، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا. وبهذا قال جماهير العلماء ومنهم الشافعى وأحمد، وقال أبو حنيفة يصح بيع الكلاب التى فيها منفعة، وتجب القيمة على متلفها. وحكى ابن المنذر عن جابر وعطاء والنخعى جواز بيع كلب الصيد دون غيره. وعن مالك روايات إحداها لا يجوز بيعه ولكن تجب القيمة على متلفه ودليل الجمهور هذه الأحاديث. وأما الأحاديث الواردة فى النهى عن ثمن الكلب إلا كلب صيد وفى رواية إلا كلبا ضاريا، وأن عثمان غَرَّم إنسانا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا، وعن ابن عمرو بن العاص التغريم فى إتلافه فكلها ضعيفة باتفاق أئمة الحديث. وجاء فى كتاب " نيل الأوطار للشوكانى "ج 5 ص 153 تعليقا على حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب: فيه دليل على تحريم بيع الكلب، وظاهره عدم الفرق بين المعلَّم وغيره، سواء كان مما يجوز أو مما لا يجوز، وإليه ذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: يجوز، وقال عطاء والنخعى: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره. ويدل عليه ما أخرجه النسائى من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد. وفى هذا الحديث مقال. يؤخذ من كل ما سبق أن الاتجار فى الكلاب جائز عند الإمام مالك فى رواية كما قال سحنون. وكذلك عند أبى حنيفة فيما لا يضر، وغير جائز عند الشافعى مطلقا. هذا، وحكم قتل الكلاب الضالة سيأتى بعد عند الكلام على قتل الحيوانات والطيور الضارة. (10/151) ________________________________________ السحر
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى السحر؟
الجواب يقول الله تعالى {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله فى الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} البقرة: 102. مادة السحر التى وردت فى القرآن الكريم ستين مره تعطى فيما تعطى من المعانى: الغرابة والخروج على المألوف بما يجذب الانتباه ويثير العجب، ومنه القول المأثور: إن من البيان لسحرا، وله أنواع وأساليب ذكرها الفخر الرازى فى تفسيره. وقد أشار القرآن الكريم إلى اشتهار المصريين القدماء به، وذكر موقفهم من دعوة موسى عليه السلام، ومعجزة العصا التى انقلبت حية وابتلعت حبال السحرة وعصيهم التى يخيل لمن يراها أنها تسعى، كما مارسته بابل القديمة حتى ضرب به المثل فى كل جميل غريب فيقال: " سحر بابلى ". وعرفه العرب قبل الإسلام، وما يزال معروفا إلى الآن. وتفيد الآية الكريمة المذكورة عدة أمور: (أ) أن السحر حقيقة تاريخية موجودة، بصرف النظر عن كونه تخييلا يجعل الإنسان ينظر إلى الشىء على غير حقيقته، أو كونه يقلب الشىء عن حقيقته ويحوله إلى حقيقة أخرى، والذى يجب الإيمان به أن ما كان من انقلاَب عصا موسى إلى حية ليس سحرا، وإنما هو معجزة من صنع الله تعالى، خرق بها العادة، وحول حقيقة العصا الجامدة الميتة إلى حية متحركة بقدرته سبحانه، سم أعادها بقدرته أيضا إلى حقيقتها الأولى. وجاء تعبير القرآن الكريم عما فعله السحرة بقوله {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} الأعراف: 116، وقوله تعالى {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} سورة طه: 66. (ب) أن للسحر تأثيرا بالنفع والضر {يفرقون به بين المرء وزوجه} . (ج) أن تأثيره لا يكون إلا بإذن الله " {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} . (د) أن السحر كفر {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} فما هو متعلق الكفر فيه، هل هو تعليمه وتعلمه، أو هو العمل به، أو هو اعتقاد أنه يؤثر بنفسه دون تدخل إرادة الله؟ . حول هذه الأسئلة الثلاثة ثار اجدل واحتدم النقاش وتعددت الآراء وذلك مبسوط فى كتب التفسير، وعلى الأخص تفسير الفخر الرازى، وفى كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمى من علماء القرن العاشر الهجرى. ومن بين هذه الآراء يمكن اختيار ما يأتى: 1 - أن اعتقاد تأثيره بعيدا عن إرادة الله تعالى كفر، وذلك محل اتفاق. 2 - أن ممارسته من أجل الإضرار بالناس حرام، حتى مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار. 3- أن ممارسته لتحقيق مصلحة مع اعتقاد أنه يؤثر بإذن الله لا حرمة فيها. قال القرطبى: هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور؟ قال البخارى: عن سعيد بن المسيب رضى الله عنه يجوز وإليه مال المارزى، وكرهه الحسن البصرى. وقال الشعبى: لا بأس بالنشرة، وفسرت بالرقية لعلاج المسحور (الزواجر لابن حجر: ج 2 ص 104) . 4 - أن تعلمه أو تعليمه يرجع فيه إلى المقصود منه، فإن كان خيرا كمعرفة الفرق بينه وبين المعجزة -كما جاء فى أمثلة العلماء- أو استعماله للمصلحة فلا حرمة فيه، كنوع من الثقافة التى عبر عنها بعض الحكماء بقوله: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه * ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه. وإن كان المقصود من ذلك شرا فهو حرام، فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى. وبهذا يفهم حديث البخارى ومسلم الذى جعل السحر من السبع الموبقات، أى كبائر الذنوب، والوسائل التى تستخدم فى السحر يعرفها الممارسون له والخبراء به - فقد تكون بالاستعانة بالجن، وقد تكون بمعرفة خواص بعض الكائنات، وقد تكون بالإيحاء والاستهواء، وبغير ذلك، فالوسائل إما من ذات الساحر، وإما من غيره، وهذا الغير إما كائن حى أو غير حى، وقد ذكر الفخر الرازى منها ثمانية أنواع جاء فيها أنه قد يكون من أصحاب النفوس القوية بالتسلط على أصحاب النفوس الضعيفة، وقد يكون بالاستعانة بالجن والعزائم والبخور، وقد يكون بما يقال عنه الآن خفة اليد، يلهى العين بعمل شىء ليعمل غيره، وقد يكون بالفن والصنعة التى تخلب الألباب - ومنه حيل التصوير السينمائى -، وقد يكون باستعمال أدوية لها خواص معينة كالتى يدهنون بها أجسادهم فلا تحرقهم النار. هذا، وقد تحدث العلماء عن الحديث الذى ورد فى البخارى ومسلم أن رجلا من بنى زريق حليف لليهود اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبى @ فأثبته جماعة، وقالوا: ذلك جائز، فهو مرض من الأمراض التى تصيب الإنسان، وهو لم يؤثر عليه من ناحية تبليغ الرسالة والتزام أحكامها، وأولوا قوله تعالى {والله يعصمك من الناس} المائدة: 67، بعصمة القلب والإيمان دون الجسد، فقد شج وجهه وكسرت رباعيته وآذاه جماعة من قريش. والجصاص من أئمة الحنفية قد نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر، على الرغم من صحة الحديث، وذلك استنادا إلى الآية، ولعدم فتح الباب للطعن فيما بلغه من الرسالة.- وقد وضح ابن القيم ذلك فى كتابه: " زاد المعاد " كما وضحه النووى فى شرح صحيح مسلم بما يثبت العصمة للنبى صلى الله عليه وسلم فى أمور التبليغ، ويجيز تأثره بما يتأثر به الناس من الأمراض التى لا تخل بهذه العصمة. وخلاصة ما فى زاد المعاد (ج 3 ص 104) : قد أنكر هذا طائفة من الناص وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصا وعيبا، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما، وقد ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتى نساءه ولم يأتهن، وذلك أشد ما يكون من السحر، قال القاضى عياض: والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل يجوز عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح فى نبوته، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشىء ولم يفعله فليس فى هذا ما يدخل عليه داخلة فى شىء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هنا فيما يجوز طروؤه عليه فى أمر دنياه التى لم يبعث لسببها ولا فصل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلى عنه كما كان انتهى. هذا، وقد تأثر موسى عليه السلام بما فعله السحرة، فقال تعالى {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس فى نفسه خيفة موسى} وليس ذلك قادحا فى رسالته عليه السلام. ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى: 1 - تفسير الفخر الرازى وابن كثير والقرطبى فى سورة البقرة والمعوذتين. 2- زاد المعاد لابن القيم. 3- مفتاح دار السعادة لابن القيم. 4- حياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة كلب " (10/152) ________________________________________ الرشوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما هو التحديد الشرعى للرشوة وما حكمها؟
الجواب الرشوة فعلها رشا يرشو، وهى إما مصدر وإما اسم للشىء الذى يرشى به، ويقال أيضا أرشاه يرشيه أى قدم له الرشوة، فالفعل إما ثلاثى وإما رباعى " مختار الصحاح ". 1 - قال ابن الأثير فى " النهاية " الرشوة ما يتوصل به إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرِّشَا الذى يتوصل به إلى الماء، فالراشى من يعطى الذى يعينه على الباطل، والمرتشى هو الآخذ، والرائش هو الذى يسعى بينهما، يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، فأما ما يُعْطَى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه، يروى أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة فى شىء، فأعْطَى دينارين حتى خلى سبيله، وروى عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم. جاء فى تاج العروس وحاشية الطحطاوى على الدر "ج 3 ص 177 " أن الرشوة فى الإصطلاح ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل. وأرى أنها تطلق فى العرف الجارى على ما يدفع لنيل ما يصعب الحصول عليه، وذلك إما لأنه ممنوع شرعا أو قانونا، وإما لأنه غير ممنوع ولكن يحتاج إلى جهد للحصول عليه، فالأول كالقضاء له بشىء لا يستحقه، أو بظلم أحد لا يستحق الظلم، والثانى كحصوله على حقه ويحتاج إلى دفع شىء للتعجيل به وعدم التسويف فيه أو محاولة منعه، وكدفع ظلم عنه لا يمكن إلا بما يقدم لمن يستطيع دفع هذا الظلم. 2 - والرشوة فى النوع الأول حرام لأن الممنوع شرعا أو عقلا حرام، وكل ما يوصل إلى الحرام فهو حرام، سواء كان ذلك بين الأفراد بعضهم مع بعض، أم بين الأفراد ومن بيدهم سلطان قضائى أو تنفيذى، وذلك من أجل أن ينال هذا الشىء الحرام من الأول بالحكم ومن الثانى بالتنفيذ، قال تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} البقرة: 58، وقال {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} النساء: 29. وورد فى السنة عن عبد اللَّه بن عمرو قال: لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى. رواه أبو داود والترمذى، وقال: حسن صحيح. وعن أبى هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشى والمرتشى والرائش، يعنى الذى يسعى بينهما، رواه الترمذى وحسَّنه، وابن حبان فى صحيحه والحاكم، وجاء فى بعض الروايات: والمرتشى فى الحكم وفيه حديث ابن اللتبية الذى كان يعمل لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الصدقات ورجع بالصدقات وبهدايا، فغضب الرسول وقال " هلا قعد فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته "؟ ونص الحديث: عن أبى حميد عبد الرحمن بن سعد الساعدى قال: استعمل النبى صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له " ابن اللتبية " على الصدقة، فلما قدم قال هذا لكم وهذا اهدى إلى، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال " أما بعد، فإنى أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولانى اللَّه فيأتى ويقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلى، أفلا جلس فى بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، واللَّه لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقى الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن واحدا منكم لقى اللَّه يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار، أو شاة تَيْعَر " ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه فقال " اللهم هل بلَّغت " رواه البخارى ومسلم. 3- بعد هذا أنقل شيئا مما قاله العلماء فى موضوع الرشوة: (أ) جاء فى كتاب " الآداب الشرعية والمنح المرعية " لشمس الدين أبى عبد اللَّه محمد بن مفلح المقدسى الحنبلى المتوفى بتاريخ 2 من رجب سنة 762 هـ عن الهدية ما ملخصه: حرم ابن تيمية الهدية فى كل شفاعة فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرم، وفى شفاعة عند ولى أمر ليوليه ولاية أو يستخدمه فى المقاتلة وهو مستحق لذلك. أو ليعطيه من الموقوف على الفقراء أو القراء أو الفقهاء أو غيرهم وهو من أهل الاستحقاق، وهذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار، وقد رخص بعض الفقهاء المتأخرين فى ذلك، وجعل هذا من باب الجعالة، يعنى الشافعية. قال: وهو مخالف للسنة وأقوال الصحابة والأئمة وهو غلط، لأن مثل هذا من المصالح العامة التى يكون القيام بها فرض عين أو كفاية، فيلزم من اخذ الجعل فيه ترك الحق، والمنفعة ليست للباذل بل للناس، وطلب الولاية منهى عنه فكيف بالعوض فهذا من بلب الفساد. انتهى كلامه. والخبر الذى احتج به هو: روى أبو داود فى سننه " باب الهدية للحاجة " ثم روى عن أبى أمامة مرفوعا للنبى صلى الله عليه وسلم " من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا " ضعفه بعضهم [جاء فى بلوغ المرام " ص 177 " أن ابن حجر قال: فى إسناده مقال، يعنى حديث ضعيف] لكن نص أحمد رضى الله عنه. على أنه لو قال: اقترض لى مائة ولك عشرة أنه يصح، قال أصحابنا: لأنه جعالة على فعل مباح، وقالوا: يجوز للإمام أن يبذل جعلا لمن يدل على ما فيه مصلحة للمسلمين، وأن المجعول له لا يستحق الجعل، مسلما كان أو كافرا، وقاسو على أجرة الدليل [أى دليل النبى صلى الله عليه وسلم " فى الهجرة، وكان كافرا] . (ب) والإمام الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين "ج 2 ص 136 طبعة عثمان خليفة " فصَّل الموضوع تفصيلا لا مزيد عليه فى الفرق بين الرشوة والهدية، وسأحاول تلخيص ما قال فيما يأتى: باذل المال لا يبذله قط إلا لغرض، ولكن الغرض إما اَجل كالثواب وإما عاجل، والعاجل إما مال وإما فعل وإعانة على مقصود معين، وإما تقرب إلى قلب المهدى إليه بطلب محبته، إما للمحبه فى عينها وإما للتوصل بالمحبة إلى غرض وراءها، فالأقسام خمسة: الأول: ما غرضه الثواب فى الآخرة، كأن يهدى لمحتاج أو عالم، أو ذى نسب دينى أو صالح متدين، فلا بأس، وعلى هؤلاء ألا يأخذوا ذلك إلا إذا كان بهذه الصفة التى من أجلها أهدى الناس إليهم. الثانى: ما يقصد به فى العاجل غرض معين، كالفقير الذى يهدى إلى الغنى طمعا فى غناه، فهذه هبة بشرط الثواب لا يخفى حكمها، وإنما تحل عند الوفاء بالثواب المطموع فيه. الثالث: أن يكون المراد إعانة بفعل معين. كالمحتاج إلى السلطان يهدى إلى وكيل السلطان وخاصته ومن له مكانة عنده، فهذه هدية بشرط ثواب يعرف بقرينة الحال فينظر لهذا العمل الذى هو الثواب، فان كان حراما، بأخذ ما لا يستحق أو بظلم غيره حرم الأخذ، وإن كان العمل الذى هو الثواب واجبا، كدفع ظلم متعين على من يقدر عليه أو بشهادة متعينة فيحرم عليه ما يأخذه، وهى الرشوة التى لا يشك فى تحريمها، وإن كان مباحا لا واجبا ولا حراما وكان فيه تعب بحيث لو عرف لجاز الاستئجار عليه فما يأخذه حلال إن وفى بالغرض، وهو كالجعالة، مثل اقترح على فلان أن يعيننى فى غرض كذا أو ينعم على بكذا، وكان ذلك يحتاج إلى كلام وجهد فهذه جعالة، كما يأخذ الوكيل بالخصومة " المحامى " بين يدى للقاضى، فليس بحرام إذا كان لا يسعى فى حرام، أما إن كان مقصوده يحصل بكلمة لا تعب فيها، ولكن تلك الكلمة أو كانت تلك الفعلة من ذى جاه تفيد، كقوله للبواب: لا تغلق دونه باب السلطان، وكوضعه قصته بين يدى السلطان فقط فهذا حرام، لأنه عوض عن الجاه ولم يثبت فى الشرع جواز ذلك، بل ثبت ما يدل على النهى عنه، كما سيأتى فى هدايا الملوك، ومثل ذلك أخذ الطبيب العوض على كلمة واحدة ينبه بها على دواء ينفرد بمعرفته، فلا يذكره إلا بعوض، فإن عمله وهو التلفظ غير متقوم، كحبة من سمسم، فلا يجوز أخذ العوض عليه ولا على علمه، إذ ليس ينتقل علمه إلى غيره، وإنما يحصل لغيره مثل علمه ويبقى هو عالما به، وهذا غير الحاذق فى الصناعة، كالذى يصقل السيف أو المرآة بدقة واحدة لحسن معرفته بموضع الخلل ولحذقه بإصابته، فقد يزيد بدقة واحدة مال كثير فى قيمة السيف والمرآة، فهذا لا أرى بأسا بأخذ الأجرة عليه، لأن مثل هذه الصناعات يتعب الرجل فى تعلمها ليكتسب بها، ويخفف عن نفسه كثرة العمل (فى رأيى لا فرق بين الصانع والطبيب، لأن الطبيب بذل جهدا فى تعلم الطب ليكتسب به أيضا كالصانع، ولولا دلالته على الدواء لكان أخطر) . الرابع: ما يقصد به المحبة وجَلبها من قبل المهدى إليه لا لغرض معين، بل لتأكيد الصحبة وتودد القلوب، فهذا مندوب إليه عقلا وشرعا، لحديث " تهادوا تحابوا " رواه البخارى فى الأدب المفرد، والبيهقى، قال الحافظ: إسناده حسن وضعفه ابن عدى كما قاله العراقى وحتى لو كانت المحبة لا تطلب لذات المحبة بل لما وراءها فان ما وراءها غير معلوم، فتسمى هدية ويحل أخذها. الخامس: أن يطلب التقرب إلى قلبه ليتوصل بجاهه إلى أغراض لولا جاهه ما أهداه شيئا، فإن كان جاهه لأجل علم أو نسب فالأمر فيه أخف، وأخذه مكروه، فإن فيه مشابهة الرشوة ولكنها هدية فى ظاهرها فإن كان جاهه بولاية تولاها من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية مال أو غيره من الأعمال السلطانية فهذه رشوة فى شكل هدية، ولولا سلطانه ما أهدى إليه، بدليل أنه لو عزل من سلطانه دفعت الهدية إلى من يخلفه، وهذا متفق على كراهته الشديدة. لكن اختلفوا فى كونه حراما والمعنى فيه متعارضا، لأنه دائر بين الهدية المحضة والرشوة المبذولة لغرض، وإذا تعارضت المشابهة القياسية وعضدت الأخبار والآثار أحدهما تعين الميل إليه، وقد دلت الأخبار على تشديد الأمر فى ذلك، لحديث " يأتى على الناس زمان يستحل فيه السحت بالهدية والقتل بالموعظة، يقتل البرئ لتوعظ به العامة" [قال العراقى: لم أقف له على أصل] وأورد حوادث منها: أن مسروق بن الأجدع [من التابعين] شفع شفاعة فأهدى له المشفوع له جارية، فغضب وردها، وسئل طاووس [من التابعين] عن هدايا السلطان فقال: سحت، وأخذ عمر ربح مال القراض الذى أخذه ولداه من بيت المال وقال: إنما أعطيتما لمكانكما منى. وأهدت امرأة أبى عبيدة ابن الجراح إلي " ماتون " ملكة الروم خَلُوقًا - طيبا - فكافأتها بجوهر، فأخذه عمر فباعه وأعطاها ثمن الخلوق ورد باقيه لبيت المال ولما رد عمر بن عبد العزيز هدية قيل له: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، فقال: كان ذلك له هدية ولنا رشوة " تاريخ السيوطى ص 157 " أى كان يتقرب به إليه لنبوته لا لولايته، ثم ذكر الغزالى حديث ابن اللتبية الذى سبق ذكره. انتهى ملخصا. (ج) ومما يؤثر فى هذا الموضوع أن محمد بن مسلمة عندما أرسله عمر بن الخطاب ليشاطر عمرو بن العاص ماله امتنع عن الأكل عنده وعده رشوة " العقد الفريد لابن عبد ربه ج 1 ص 14 ". (د) وبعث النبى صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه بن رواحة إلى أهل خيبر ليقدر الزكاة الواجبة عليهم، فأرادوا أن يرشوه فقال: تطعمونى السحت؟ واللَّه لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى، ولأنتم أبغض إلىَّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملنى بغضى لكم وحبى إياه ألا أعدل بينكم فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض " زاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 119". (هـ) وجاء فى تفسير القرطبى"ج 6 ص 183 "عن عمر رضى اللَّه عنه قوله: رشوة الحاكم سحت، وعن النبى صلى الله عليه وسلم " كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به " قالوا: يا رسول اللَّه وما السحت؟ قال " الرشوة فى الحكم " (رواه ابن جرير عن عمر كما فى الجامع الكبير للسيوطى ولم يحكم عليه) وقيل لوهب بن منبه: الرشوة حرام فى كل شىء؟ قال لا إنما يكره من الرشوة أن ترشى لتعطى ما ليس لك، أو تدفع حقا قد لزمك، فأما أن ترشى لتدفع عن دينك ومالك ودمك فليس بحرام، قال أبو الليث السمرقندى الفقيه: وبهذا نأخذ، لا بأس أن يدفع الرجل -عن نفسه وماله بالرشوة، وهذا كما روى عن عبد اللَّه بن مسعود أنه كان بالحبشة، فرشا بدينارين وقال: إنما الإثم على القابض دون الدافع. (و) جاء فى فتاوى الإمام النووى المسماة بالمسائل المنثورة (ص 85) ملحق مجلة الأزهر صفر 1411 ما نصه: (192) مسألة: إذا كان الإنسان فى حبس السلطان أو غيره من المتعذرين حبس ظلما، فبذل مالا لمن يتكلم فى خلاصه بجاهه أو بغيره هل يجوز، وهل نص عليه أحد من العلماء؟ " والجواب " نعم يجوز، وصرح به جماعة منهم القاضى حسين فى أول باب الربا من تعليقه، ونقله عن القفال المروزى قال: هذه جعالة مباحة، قال: وليس هو من باب الرشوة، بل هذا العوض حلال كسائر الجعالات. (ز) وجاء قى كتاب " مفيد العلوم ومبيد الهموم " للخوارزمى ص 162 بيان للفرق بين الهدية والرشوة بما لا يخرج عما قاله الإمام الغزالى فى الإحياء، ثم قال أخيرا: متى كان هذا الفعل الحرام مثل الظلم وسماع بينة الزور وتقوية الظالم فكل ما يأخذه حرام، وكذا إذا كان الفعل متعينا عليه مثل دفع الظالم وسماع بينة الحق فكل ما يأخذه سحت. (ح) وذكر ابن القيم فى كتابه " بدائع الفوائد "ج 3 ص 195: أن يحمى بن معين لما دخل مصر استقبلته هدايا أبى صالح كاتب الليث، ومعها جارية ومائة دينار، فقبلها ودخل مصر، فلما تأمل حديثه قال لا تكتبوا عن أبى صالح، ذكره الحاكم فى كتابه " الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار ". (ط) جاء فى فتاوى ابن تيمية " المجلد 31 ص 286 " أن ابن مسعود سئل عن السحت فقال هو أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدى لك هدية فتقبلها، فقال له: أرأيت إن كانت هدية فى باطل؟ فقال: ذلك كفر {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك.هم الكافرون} .ثم قال ابن تيمية ما ملخصه: من أهدى هدية لولى أمر ليفعل معه ما لا يجوز: كان حراما على المهدى والمهدى إليه، وهذه من الرشوة المنهى عنها، وتسمى البرطيل. فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت حراما على الآخذ وجاز للدافع أن يدفعها إليه، كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " إنى لأعطى أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا " قيل: يا رسول اللَّه فَلِمَ تعطيهم؟ قال " يأبون إلا أن يسألونى ويأبى اللَّه لى البخل ". " انظر فتوى شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق. فى مجلة الأزهر عدد ربيع الأول 1413 سبتمبر 1992 ". 3- والرشوة فى النوع الثانى رأى جماعة حرمتها لعموم الخبر الذى جاء فيه لَعْن الراشى والمرتشى والرائش، ونقله الشوكانى عن الإمام المهدى، لكن قال آخرون، وهو قول معقول،: إن كان هذا الأمر فى يد من لا سلطان له، وسيبذل جهدا متبرعا به غير واجب عليه، فإعطاء شىء فى مقابل ذلك.حلال لا بأس به، وأخذ هذا الوسيط له لا بأس به أيضا،. فهو من باب الجعالة، أى جعل عوض معلوم على عمل غير معلوم تفصيلا وإن كان معلوما إجمالا، كمن يقول: من رد لى الشىء الضائع منى فله كذا، ومن بحث لى عن عمل طيب فله كذا أما إذا كان هذا الأمر فى يد من له ولاية عليه، كرئيس مصلحة ينجز للشخص عملا هو من حقه، وتحت سلطان هذا الرئيس، فإنَّ إعطاء شىء له لتسهيل الإجراءات للوصول إلى الحق جائز، لكن أخذ الرئيس له حرام، لأن المفروض أنه يؤدى واجبه المشروع بدون وساطة أو مقابل ورأى البعض أن إعطاءه حرام لأنه يساعده على الحرام. ومثل ذلك ما إذا كان ذو السلطان ظالما ويريد الإنسان أن يدفع ظلمه عنه فيعطيه شيئا فذلك لا بأس به، وعلى الظالم الإثم فى أخذه. وكل ذلك إذا كان فيه اتفاق سابق على العمل فى مقابل الرشوة، أما إذا لم يكن اتفاق مشروط أو معروف عرفا، وبعد إنجاز المهمة المشروعة أعطاه صاحب الحاجة شيئا فلا حرمة فيه. ثم قال العلماء: إن للقاضى حكما فى هذا الموضوع غير ما يكون للسلطة التنفيذية ويريدون بذلك المحافظة على نزاهة القاضى وعدم تأثره بأى شىء يجعله يميل فى الحكم، فيمنعون عنه كل ما فيه شبهة فقالوا: إذا كانت للمهدى قضية عند القاضى فلا يجوز مطلقا أن يقبلها القاضى، سواء أكانت هناك مهاداة سابقة بين الطرفين أم لا، أما إذا لم تكن هناك قضية وأراد أن يهديه. هدية، فإن لم تكن هناك مهاداة سابقة فلا يجوز للقاضى أخذها، لأن الداعى لها هو توليه القضاء، رجاء أن يكون فى صفِّه إذا عرضت أمامه قضية تخصه، فإن كانت هناك مهاداة سابقة كان من الظاهر جواز دفعها وقبولها، لكنهم قالوا أيضا من باب الاحتياط لنزاهة القاضى: إن زادت الهدية عن المعتاد السابق كانت غير جائزة، لأن زيادتها هى لغرض، فإن لم تزد فلا حرج فيها (10/153) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 10:43 am | |
| نقل الأعضاء
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال هل يجوز نقل عضو من شخص إلى آخر؟
الجواب اختلفت آراء الفقهاء ورجال القانون فى هذا الموضوع، وبعد استعراض أدلتهم وما جاء فى كتب الفقه نرى ما يأتى: أولا: إذا كان المنقول منه ميتا، فإن كان قد أوصى أو أذن قبل وفاته بهذا النقل فلا مانع من ذلك حيث لا يوجد دليل يعتمد عليه فى التحريم وكرامة أجزاء الميت لا تمنع من انتفاع الحى بها، تقديما للأهم على المهم، والضرورات تبيح المحظورات كما هو مقرر. وإن لم يوص أو لم يأذن قبل موته، فإن أذن أولياؤه جاز، وإن لم يأذنوا: قيل بالمنع وقيل بالجواز، ولا شك أن الضرورة فى إنقاذ الحى تبيح المحظور. وهذا النقل لا يصار إليه إلا للضرورة. ثانيا: إذا كان المنقول منه حيا، فإن كان الجزء المنقول يفضى إلى موته مثل القلب كان النقل حراما مطلقا، أى سواء أذن فيه أم لم يأذن، لأنه إن أذن كان انتحارا، وإن لم يأذن كان قتلا لنفس بغير حق، وكلاهما محرم كما هو معروف. وإن لم يكن الجزء المنقول مفضيا إلى موته، على معنى أنه يمكن أن يعيش بدونه فينظر: إن كان فيه تعطيل له عن واجب، أو إعانة على محرَّم كان حراما، وذلك كاليدين معا أو الرجلين معا، بحيث يعجز عن كسب عيشه أو يسلك سبلا غير مشروعة وفى هذه الحالة يستوى فى الحرمة الإذن وعدم الإذن. وإن لم يكن فيه ذلك كنقل إحدى الكليتين أو العينين أو الأسنان أو بعض الدم، فإن كان النقل بغير إذنه حرم، ووجب فيه العوض، على ما هو مفصل فى كتب الفقه فى الجناية على النفس والأعضاء، وإن كان بإذنه قال جماعة بالتحريم، واحتج بعضهم عليه بكرامة الآدمى التى تتنافى مع انتفاع الغير بأجزائه، وبأن ما يقطع منه يجب دفنه. يقول النووى فى حرمة وصل الشعر بشعر الآدمى: لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمى وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه (المجموع ج 3 ص 149، شرح مسلم ج 14 ص 103) . ويمكن الرد على ذلك بأن وصل الشعر بالشعر مختلف فى حرمته إذا كان لغير الغش والتدليس أو الفتنة. وبأن وجوب دفنه ليس عليه دليل صحيح. قال ابن حجر: وفى حديث جواز إبقاء الشعر وعدم وجوب دفنه (فتح البارى ج 12 ص 497) ، وبأن الضرورات تبيح المحظورات. واحتج بعض هؤلاء المحرمين أيضا بأن جسم الإنسان ليس ملكا له فلا يجوز التصرف فيه. وهذا كلام غير محرر، وليس عليه دليل مسلم فإن الذى لا يملكه الإنسان هو حياته وروحه، فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس فى التهلكة إلا للضرورة القصوى وهى الجهاد والدفاع عن النفس فقد أمر به الإسلام، أما الإنسان من حيث أجزاؤه المادية فهو مالكها، له أن يتصرف فيها بما لا يضره ضررا لا يحتمل، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار. هذا هو ملخص الحكم فى الموضوع. على أن الحكم فى بقاء الجسم وعدمه بعد نقل العضو منه يرجع فيه إلى الثقات المختصين. وعلى أن يكون هناك يقين أو ظن غالب بانتفاع المنقول إليه بهذه الأجزاء، وإلا كان النقل عبثا وإيلاما لغير حاجة، ونحن نعلم أن. بعض الأجسام ترفض الأجزاء المنقولة إليها، ويحاول العلم أن يتغلب على هذا الرفض، بالمنع أو الحد منه. وإذا كنا نختار جواز النقل للأعضاء فهل يجوز أن يؤخذ عوض للعضو المنقول؟ يرى جماعة عدم جوازه، محتجين بحرمة بيع الآدمى الحر، كله أو بعضه، لحديث " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بى ثم غدر، ورجل باع حرا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى ولم يوفه " (رواه البخارى وغيره) ويرى آخرون جواز أخذ العوض كثمن أو هبة، قياسا على بيع المرضع لبنها، ولعدم ورود دليل يحرمه، والحديث المذكور هو للنهى عن ضرب الرق على غير الرقيق والاتجار فيه بالبيع كما كان يحصل فى الجاهلية من خطف الأحرار وبيعهم. وهل لو كان المنقول منه عبدا وباع عضوا منه لآخر هل يأخذ سيده ثمنه بناء على أنه يملك رقبته؟ والحديث فى بيع الحر وليس فى بيع العبد، كما أن الذى يأكَل ثمن الحر هو من اعتبده وباعه وليس هو الحر نفسه الذى يأكل ثمنه، فالاستدلال بالحديث المذكور غير مسلم. ومهما يكن من شىء فإن الأفضل عدم المساومة على العضو المنقول، فإن إنقاذ حياة المحتاج إليه لا يعدله أى عوض، لكن لا مانع من قبول الهدية التى تعطى بسخاء نفس دون شروط سابق (الإسلام ومشاكل الحياة ص 21) (10/154) ________________________________________ التقبيل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى التقبيل؟
الجواب موضوع التقبيل، تاريخا وموضعا، وغرضا وحكما بين الجنس الواحد وبين الجنسين موضوع طويل ذكرت كثيرا منه فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، ورجعت فيه إلى عدة مراجع منها " غذاء الألباب للسفارينى " وكتب التفسير والأدب، ورسالة " رحيق الفردوس فى حكم الريق والبوس " لإبراهيم الجنينى المتوفى 1108 هـ ورسالة " إعلام النبيل بجواز التقبيل " للصديق الغمارى المغربى. وهذه خلاصة مركزة لما جاء عنه، مجردة عن الأدلة ومناقشتها: إن كان التقبيل بين الجنس الواحد، كالرجل للرجل والمرأة للمرأة فلا مانع منه شرعا بشرطين، الأول ألا يكون فيه لذة، والثانى ألا يكون لغرض فاسد، ومنه تقبيل يد الفاسق لتكريمه، أما إن كان خوفا من بطشه فهو جائز للضرورة، ومما أثر فى ذلك: 1 - أن النبى صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبى طالب عند عودته من الحبشة فالتزمه وقبل ما بين عينيه. 2 - لما دخل زيد بن حارثة عليه فى بيت عائشة قام إليه عرْيًا يجر ثوبه، كما تقول عائشة: والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبله. 3- لما عاد الغزاة من " مؤتة " قبَّلوا يد النبى صلى الله عليه وسلم. 4 - لما تاب الله على الذين خلفوا عن غزوة تبوك قبلوا يد النبى صلى الله عليه وسلم 5 - سمح النبى صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس أن يقبِّلوا يده، بل ورجله. 6- سمح لأسيد بن حضير أن يقبله حين طلب أن يكشف عن جسمه ليقتص منه لما طعنه بعود، وكان ذلك تبركا. 7 - سأله يهوديان عن تسع آيات بينات، فلما بينها لهما قبَّلا يده ورجله وأسلما. 8- لما قدم عمر بن الخطاب الشام قبَّل أبو عبيدة يده، وجاء فى رواية أن أبا عبيدة أراد أن يقبلها فقبضها عمر فتناول أبو عبيدة رجله وقبلها. 9 - قبَّل زيد بن ثابت يد عبد اللَّه بن عباس حين أخذ بركابه وهو يركب احتراما للعلماء، فقبلها زيد احتراما لآل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. 10 - قبل الناس يد سلمة بن الأكوع لما علموا أنه بايع النبى صلى الله عليه وسلم بها. والذى رخص فى التقبيل للتكريم والتدين أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة، أما مالك وجماعة آخرون فقد كرهوه، أى كرهوا مَدَّ اليد ليقبلها الناس، لأن ذلك مظهر من مظاهر العجب والكبرياء، واستأنسوا فى المنع بقبض عمر يده لما أراد أبو عبيدة تقبيلها أما التقبيل بين الجنسين فحكمه يتحدد بسبب الغرض منه، وبحسب موضع التقبيل، فقد يكون للعطف والحنو، كتقبيل الوالد لبنته والوالدة لابنها، والأخ لأخته والأخت لأخيها، وذلك لا مانع منه ما لم يكن بشهوة، وقد جاء من ذلك: 1 - أن النبى صلى الله عليه وسلم قبَّل بنته فاطمة حين دخلت عليه فقام إليها وقبلها وأجلسها فى مجلسه، بل صرحت بعض الروايات أنه قبلها فى فمها، كما قبلها وهو فى مرضه الأخير. 2 - لما دخل أبو بكر على أهله وكانت عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى، قبلها فى خدها. وكذلك قبل خالد بن الوليد أخته. وقد يكون التقبيل للتكريم كتقبيل الولد لأمه والبنت لأبيها، وتقبيل الكبير من العمات والخالات. وهو يكون غالبا فى الرأس أو اليد، ولا مانع منه، لكنه مكروه فى المواضع الحساسة كالخد والفم إن كان بغير شهوة، فإن كان بشهوة كان حراما. وقد يكون التقبيل بين الجنسين للذة، وهو بين الزوجين لا مانع منه فإن ما هو أكبر من ذلك حلال لهما. أما بين الأجانب فهو حرام. هذا هو ملخص حكم التقبيل، ومع كونه مباحا فى بعض الصور فيستحسن الإقلال منه، والبعد عن الفم وما قد يكون منه ضرر صحى كما نصح الأطباء. وللاستزادة يرجع إلى المراجع المذكورة (10/155) ________________________________________ قتل الحيوانات الضارة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما حكم الدين فى قتل الحيوانات الضارة؟
الجواب الحيوانات الضارة منها ما يكون الضرر من طبيعته ولذلك يعيش غالبا بعيدا عن الإنسان فى الغابات والجبال كالسباع والذئاب، أو يعيش مع الإنسان مع أخذ الحذر منه كالعقارب والحيات، ومنها ما لا يكون الضرر من طبيعته ولذلك يعيش غالبا مع الإنسان أو قريبا منه، ولكن قد يجئ منه الضرر لعارض يعرض له، كالكلاب والقطط. والحكم المبدئى العام أن النوع الأول وهو ما يكون الضرر من طبيعته يجوز قتله، إما للدفاع عن النفس وإما للانتفاع بجلده أو عظمه مثلا، وأن النوع الثانى الذى لا يكون الضرر من طبيعته ولكن قد يطرأ عليه يجوز قتله إذا خيف منه الضرر كالكلب العقور والكلب الكَلِب، أى الذى يصيبه داء الكلَب، وكالقط الخائن الذى يخطف الدجاج أو الحمام مثلا، والدليل على ذلك هو حديث " لا ضرر ولا ضرار " فلا يجوز لأحد التعرض للضرر ولا إلحاقه بالغير، إلى جانب وجوب أخذ الحذر وعدم تعريض النفس للتهلكة، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} النساء: 71، وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} البقرة: 195. وهناك أنواع من الحيوانات نص الحديث على قتلها بخصوصها، روى مسلم وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم، الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحُدَيَّا " أى الحدأة، وفى رواية لأبى داود ذكر العقرب بدل الغراب، وفى رواية لأحمد ذكر الغراب بدل الحدأة، وليس فيها وصف الغراب بالأبقع - وقد تحدث الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى " عن كل نوع على حدة وأورد ما جاء فيه من الآثار وحكم قتلها والأحكام الأخرى. وفيما عدا ما نص على قتله نتحدث عن حكمه فيما يلى: 1- الكلاب:جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى"ج 10 ص 234 " عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، فأرسل فى أقطار المدينة أن تقتل. قال: فنبعث فى المدينة وأطرافها فلا ندع كلبا إلا قتلناه حتى إنا لنقتل كلب المُرية يتبعها، والمُرية تصغير امرأة، وفى رواية عن عبد اللَّه بن عمر أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية. فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبى هريرة زرعا - مع ترك الخلاف فى كون أبى هريرة سمع ذلك من النبى أو كان قياسا منه لكلب للزرع على كلب الصيد والماشية. وعن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله -ثم نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال "عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان " وعن عبد اللَّه بن المُغَفَل قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال " ما بالهم وبال الكلاب " ثم رخص فى كلب الصيد والغنم. يؤخذ من هذه الروايات أن الكلب غير الضار أى غير العقور والكلِب. إن كانت فيه فائدة فلا يقتل، ككلب الحراسة للماشية أو الزرع أو المسكن وكلب الصيد. ومثله الكلب البوليسى لفائدته المعروفة. أما إن لم تكن فيه فائدة، كالكلاب الضالة فبعض الروايات تأمر بقتلها وتشدد فى التنفيذ، وبعضها ينهى عن قتلها. ويأمر بقتل الأسود البهيم فقط. فما هو الحكم المختار الذى استقر عليه الأمر أخيرا؟ إليكم نموذجا مما قاله شراح الحديث فى ذلك. (ا) يقول النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 10 ص 235 ": أجمع العلماء على قتل الكلب الكَلِب والكلب العقور. واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا - الشافعية -: أمر النبى صلى الله عليه وسلم أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم. ثم استقر الشرع على النهى عن قتل جميع الكلاب التى لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل. وقال القاضى عياض. ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث فى قتل الكلاب إلا ما استثنى من كلب الصيد وغيره، قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهى عن اقتنائها إلا الأسود البهيم. قال القاضى: وعندى أن النهى أولا كان نهيا عاما عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع - الاقتناء فى جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية. يقول النووى: وهذا الذى قاله القاضى هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود. (ب) ويقول الدميرى، بعد ذكر الأحاديث الواردة فى قتل الكلاب حمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب الكلِب والكلب العقور، واختلفوا فى قتل ما لا ضرر فيه منها، فقال القاضى حسين وإمام الحرمين والماوردى فى باب " بيع الكلاب " والنووى فى أول البيع من شرحى المهذب ومسلم: لا يجوز قتلها، وقال فى باب " محرمات الإحرام ": إنه الأصح، وإن الأمر بقتلها منسوخ، وعلى الكراهة اقتصر الرافعى فى الشرح وتبعه فى الروضة، وزاد أنها كراهة تنزيه لا تحريم. لكن قال الشافعى فى " الأم " فى باب الخلاف فى ثمن الكلاب: واقتلوا الكلاب التى لا نفع فيها حيث وجدتموها، وهذا هو الراجح انتهى. نستخلص من كل ما سبق أن الكلاب التى فيها فائدة كالصيد والحراسة لا يجوز قتلها، والكلاب التى لا فائدة لها إن كانت تضر كالكلب العقور يجوز قتلها، وإن كانت لا تضر ففيها رأيان، رأى بعدم قتلها فيكون القتل حراما أو مكروها كراهة تنزيه، ورأى بجواز قتلها. والكلاب الضالة غير المقتناة إن كانت تؤذى بتخويف المارة وبخاصة الأطفال، أو بالبول والبراز وإتلاف أشياء لها قيمتها يجوز قتلها. هذا هو حكم قتلها، أما نجاستها فقد تقدم الحديث عنها، وكذلك عن اقتنائها والاتجار فيها. 2 - للقطط: خلاصة أحكامها فيما بأتى: (1) هى طاهرة ليست نجسة كالكلاب، فقد روى أحمد والدارقطنى والحاكم والبيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم دُعِىَ إلى دار قوم فأجاب، وإلى دار آخرين فلم يجب، فقيل له فى ذلك فقال " إن فى دار فلان كلبا " فقيل له: وإن فى دار فلان هرة، فقال صلى الله عليه وسلم " الهرة ليست نجسة إنما هى من الطوافين عليكم والطوافات " وفى السنن الأربعة وصححه البخارى من حديث كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت تحت بعض ولد أبى قتادة-أن أبا قتادة رضى الله عنه دخل فسكبت له وَضُوءًا فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فراَنى أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخى؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات " أى كالخدم المماليك فى البيوت، وفى سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال " الهرة لا تقطع الصلاة، إنما هى من متاع البيت ". (ب) ذكر النووى فى شرح المهذب أن بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عند الشافعية إلا ما حكاه البغوى فى شرح مختصر المزنى عن ابن القاص أنه قال: لا يجوز وهذا شاذ باطل، والمشهور عنه جوازه وبه قال جماهير العلماء. قال ابن المنذر: أجمعت الأمة على جواز اتخاذها، ورخَّص فى بيعها ابن عباس والحسن وابن سيرين وحماد ومالك والثورى والشافعى وإسحاق وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأى. وكرهت طائفة بيعها، منهم أبو هريرة وطاووس ومجاهد وجابر بن زيد روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور، أى القط. يقول النووى: إن النهى هنا يراد به الهرة الوحشية، فلا يصح بيعها لعدم الانتفاع بها، إلا على وجه ضعيف فى جواز أكلها، أو المراد له النهى التنزيه لا التحريم. (ج) يقول الدميرى فى كتابه " حياة الحيوان الكبرى ": إذا كانت الهرة ضارية بالإفساد فقتلها إنسان فى حال إفسادها دَفْعًا جاز ولا ضمان عليه، كقتل الصائل دفعا،وينبغى تقييد ذلك بما إذا لم تكن حاملا، لأن فى قتل الحامل قتل أولادها ولم تتحقق منهم جناية. وأما قتلها فى غير حالة الإفساد ففيه وجهان، أصحهما عدم الجواز ويضمنها.وقال القاضى حسين: يجوز قتلها ولا ضمان عليه فيها، وتلحق بالفواسق الخمس فيجوز قتلها، ولا تختص بحال ظهور الشر. وكلام الدميرى فى مسألة خطف هرة لحمامة أو غيرها وهى حيه. لكن لو حدث من الهرة إفساد آخر بخطف الطعام أو التبرز على الفراش أو فى مكان هام، واعتادت ذلك على الرغم من مطاردتها فلا وجه لتحريم قتلها، لأنه من باب دفع الضرر، مثلها فى ذلك مثل الكلاب الضالة المؤذية. 3 - الطيور: من الطيور ما هو ضار بطبيعته فيجوز قتله كما مثل له الحديث بالغراب والحدأة. وهى بطبيعتها لا تستأنس، وهناك طيور لسيت ضارة تطعيعتها منها ما يستأنس كالحمام، ومنها ما لا يستأنس كالعصافير، والنوع الأول يذبح ليؤكل وكذلك الثانى يصاد ليؤكل وما لا يحل أكله لا يقتل إن كانت فيه فائدة مثل " أبى قردان " صديق الفلاح كما يقولون. لكن قد يثار هنا سؤالان، أحدهما عن الحمام الذى يسقط على الأجران التى تدرس فيها الحبوب ويأكل منها كثيرا، وثانيهما عن العصافير التى تهجم على المحصولات كالقمح والشعير وتلتهم منها كثيرا وهى مازالت فى طور نموها أو نضجها. فهل يجوز قتلها من أجل ضررها؟ . أما الحمام فضرره بسيط يمكن أن يطارد دون اصطياد، ولو صيد هل يضمن ثمنه لصاحبه؟ إن لم يعرف له صاحب بيقين فلا ضمان، وإن عرف صاحبه بيقين ضمن، لأن حبس الطيور أمر عسير، فلابد لها من التجوال، ويعتبر صاحبها غير مقصر فلا يضمن ما أتلفته من طعام غيره، وإن اشتبه عليه أمر الحمام أو اختلط فيه المملوك لأصحابه وغير المملوك، فالأشبه عدم الضمان. ومع ذلك فأفضل عدم اصطياده، لأن غالب بيوت القرى فيها حمام، وهو يطلب رزقه من كل المواقع، فحمام الكل يأكل من طعام الكل غالبا، والأمر متبادل بين البيوت، والتسامح فى ذلك من وسائل التواد والتراحم والتعاون على الخير، فلنحرص على هذه الروح السمحة، ولا نتورط فى شىء قد يكون من ورائه ما لا تحمد عقباه، مذكرا للناس بهذا الحديث الصحيح " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " رواه مسلم. وأما العصافير-وهى غير مملوكة لأحد فيكتفى بطردها إن أمكن، أما إذا لم يمكن طردها فلتوضع لها شباك تصاد بها وينتفع بلحمها، أو تصاد بالرصاص الخارق -على رأى بعض العلماء -ويقوم ذلك مقام ذبحها والصيد بالشباك للانتفاع بالعصافير، بدل إبادتها وضياع الاستفادة من لحمها هو ما أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائى والحاكم وصححه لقوله "ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها لغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها " قيل: يا رسول اللَّه وما حقها؟ قال "يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمى بها " وفيما رواه النسائى وابن حبان فى صحيحه بقوله " من قتل عصفورا عبثا عج إلى اللَّه يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانا قتلنى عبثا ولم يقتلنى منفعة". وهذا توجيه اقتصادى إسلامى إلى عدم ضياع المنفعة من الشىء فى الوقت الذى يدافع فيه ضرر هذا الشىء، وهذا كما يقال: ضرب عصفورين بحجر واحد. دفعنا الشر واستفدنا مما فيه من خير. فإن كانت بشكل "وبائى" ولا يفيد معها الاصطياد فهل يمكن قتلها بمثل المواد الكيماوية أو بطريقة أخرى؟ نعم لا مانع من ذلك لدفع ضررها، وحماية لقوت الإنسان منها، فحياته ومصلحته مقدمة على حياة أى مخلوق دونه وعلى مصلحته، وهى كلها جعلت من أجل الإنسان لتبقى حياته ويستطيع أن يؤدى رسالته، وبمثل ذلك قال الدميرى فى الجراد. وفى مثل هذه الحالة الاستثنائية التى تكاثرت فيها العصافير وأكلت جزءا كبيرا من المحصولات، قامت بعض الدول، فى شكل جماعى بمطاردتها طول النهار حتى اضطرت إلى الأشجار العالية وباتت ليلها جائعة، تساقط بعضها ميتا فى أوال ليلة ثم قضى عليها فى أيام قلائل. وقد يشبه هذا الحكم فى العصافير حكم مكافحة الجراد، وهو من نوع الحشرات الطائرة ويحل أكله كما نص عليه الحديث " أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، الكبد والطحال " رواه الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وروى موقوفا على ابن عمر وهو الأصح - وروى البخارى وغيره عن عبد اللَّه بن أبى أوفى: غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. ولو أبيد بأية طريقة حل أكله ما لم يكن فيه ضرر بسبب المواد التى أبيد بها. جاء فى " حياة الحيوان الكبرى- جراد " روى الطبرانى والبيهقى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " لا تقتلوا الجراد فانه جند الله الأعظم " قلت: هذا وإن صح أراد به ما لم يتعرض لإفساد الزرع وغيره، فإن تعرض لذلك جاز دفعه بالقتل وغيره. 4 - الحشرات: الحشرات منها ما يدب على الأرض كالحيات والعقارب ومنها ما يطير فى الجو كالنحل والزنابير، ونص الحديث على قتل الحيات والعقارب والفأرة، وقد تحدث الدميرى فى كتابه "حياة الحيوان الكبرى " عن كل أنواعها، كما تحدث عن كل ما يعرفه من المخلوقات الحية، وبين حكم كل منها، وبخاصة فى إبادتها وفى حث الدين على مكافحتها حماية للإنسان من شرها، ففى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم " من قتل وزغة من أول ضربة فله مائة حسنة، ومن قتلها فى الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى ومن قتلها فى الثالثة فله كذا وكذا حسنة دون الثانية " والوزغة هى سام أبرص المعروف بالبُرْص. " حياة الحيوان -وزغة " وجاء فى تعليل الاهتمام بقتلها حديث البخارى وابن ماجه وأحمد أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم ليزداد اشتعالها. وهنا يثار سؤالان، أحدهما عن النحل والثانى عن النمل. هل يجوز قتل النحل أو لا يجوز، وهل يجوز قتل النمل بالنار أو لا يجوز؟ . (1) أما النحل فمن الحشرات التى تفيد الإنسان بالعسل الذى تحدثت النصوص فى القرآن والسنة عن فوائده، لكنه مع ذلك يلسع ويؤذى فهل يجوز قتله؟ قال الدميرى: كره مجاهد قتل النحل، ويحرم أكلها على الأصح وإن كان عسلها حلالا، كالآدمية لبنها حلال ولحمها حرام. وأباح بعض السلف أكلها كالجرادة وهو وجه ضعيف فى المذهب، ويحرم قتلها. والدليل على الحرمة نهى. النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها. ثم قال: كان القياس جواز قتل النحل لأنه من ذوات الإبر، وما فيه من المنفعة يعارض بالضرر، لأنه يصول ويلدغ الآدمى وغيره، فالمضرة التى فيها مبيحة لقتلها ولم يجعلوا المنفعة التى فيها عاصمة من القتل، لكن الرسول نهى عن قتل النحل وليس فى قوله إلا طاعة اللَّه بالتسليم لأمره صلى الله عليه وسلم انتهى. فالخلاصة أن بعض العلماء كره قتل النحل، وبعضهم حرمه، والخلاف مفرع على منع أكله، فإن أبيح جاز قتله كالجراد، وإن لم يبح أكله منع قتله على وجه الكراهة أو التحريم. (ب) وأما النمل فقد جاء فى " حياة الحيوان الكبرى " أن هناك حديثا رواه البخارى ومسلم جاء فيه أن نبيا من الأنبياء نزل تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت بالنار، فأوحى اللَّه إليه: فهلا نملة واحدة. قال الترمذى الحكيم فى نوادر الأصول: لم يعاتبه اللَّه على تحريقها وإنما عاتبه على كونه أخذ البرى بغير البرى، وقال القرطبى: إن هذا النبى هو موسى، وليس فى الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر فى قتل النمل، فإن من آذاك حل لك دفعه نفسك، ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن، وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل، على ما له من المقدار فكيف بالهوام والدواب التى قد سخرت للمؤمن، وسلط عليها وسلطت عليه فإذا آذته أبيح له قتلها. وقيل إن شرع هذا النبى كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة، وهو بخلاف شرعنا، فإن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان بالنار، وقال " ولا يعذب بالنار إلا اللَّه تعالى " فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق، فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجانى. ثم قال: وأما قتل النمل فمذهبنا لا يجوز، لحديث ان عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب:.النملة والنحلة والهدهد والصُرَد. رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين، والمراد النمل الكبير السليمانى كما قاله الخطالى والبغوى فى شرح السنة. وأما النمل الصغير المسمى بالذر فقتله جائز، وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل، وأطلق ابن زيد جواز قتل النمل إذا آذت. "يراجع القرطبى فى سورة النمل ". هذا، وفى حالة الجواز لقتل ما يستحق القتل يراعى الإحسان الذى نبَّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله " إن اللَّه تعالى كتب الإحسان على كل شىء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة، ولْيُحدَّ أحدكم شفرته ولْيُرحْ ذبيحته " رواه مسلم وأبو داود والترمذى وغيرهم (10/156) ________________________________________ الكذب الأبيض وكذبة أبريل
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يتعمد بعض الناس أن يقولوا غير الحق مدعين أنه كذب أبيض، فما حكم هذا الكذب؟
الجواب من الأمور المتفق عليها في الأديان والعقول السليمة أن الصدق فضيلة والكذب رذيلة، والصدق هو التعبير المطابق للواقع قولا أو فعلا، والكذب هو التعبير المخالف للواقع، قولا أو فعلا، ومن أخطر الكذب في القول شهادة الزور، وفى الفعل النفاق، والوعيد عليهما شديد في القرآن والسنة. ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة شأن كل حرام، فالضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها، بمعنى أن يكون ذلك في أضيق الحدود إذا لم توجد وسيلة أخرى تحقق الغرض وتمنع الضرر، ومن هذه الوسائل المشروعة ما يسمى بالمعاريض حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يفرض على الإنسان أن يقولها، فيقولها بالمعنى الحلال لا بالحرام، ومثلوا لها بما إذا قيل للإنسان: اكفر بالله، فيقول: كفرت باللاهى، ويريد الشيطان وما يشبهه من كل ما يلهى وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة للغير تذكر، وذلك فيما رواه البخارى ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول خيرا" وفى رواية زيادة هى: قالت: ولم أسمعه يرخص في شىء مما يقول الناس إلا فى ثلاث، تعنى الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة، والشواهد عليه كثيرة وليس في أمور أخرى تضر بالحياة الزوجية. ورأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزى ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا فهو واجب. وقال ابن القيم في "زاد المعاد"ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب،، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التى حصلت بالكذب. إلى أن قال: ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعمال الحق، كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدى المرأتين بشق الولد نصفين، حتى يتوصل بذلك إلى معرفة عين أمه. انتهى. ومنه كذب عبد الله بن عمرو بن العاص على الرجل الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، فلازمه أياما ليعرف حاله، وادعى أنه مغاضب لأبيه، رواه أحمد بسند مقبول " الترغيب والترهيب ج 3 ص 219 " ويقاس عليه حلف اليمين لإنجاء معصوم من هلكة، واستدل عليه بخبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخذه عدو له فحلف أنه أخوه، ثم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " صدقت، المسلم أخو المسلم " الآداب الشرعية لابن مفلح. ويمكن الرجوع في استيضاح هذه النقطة إلى "نيل الأوطار للشوكانى ج 8 ص 85 " وإلى "إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 7 ص 119 ". ومن هذا الباب كذبات إبراهيم عليه السلام، وهي معاريض، حيث قال عندما كسر الأصنام "بل فعله كبيرهم هذا " وعندما طلب لمشاركتهم في العيد "إنى سقيم " وقوله عن زوجته: إنها أخته لينقذها من ظلم فرعون "مصابيح السنة للبغوى ج 25 ص 157 " الموضوع طويل وله جوانب متعددة، ونخلص إلى أن الكذب الأبيض هو الذي لا يترتب عليه ضرر وتتحقق به مصلحة مشروعة، وهو جائز ولكن ينبغى أن يكون في أضيق الحدود. لما فيه من ضرر للغير ولو كان بسيطا في نظر الكاذب فقد يكون كبيرا في نظر المكذوب عليه. وفي المعاريض مندوحة عنه. وكذلك في المداراة التى هي بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهى خلاف المداهنة التى يمكن معرفة الفرق بينهما من كتاب: المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 1 ص 291 " وسراج الملوك للطرطوشى "ص 79" وإحياء علوم الدين للغزالى "ج 3 ص 138 " هذا ونقل عن الغرب ما يعرف بكذبة أبريل وتورط فيها بعض المسلمين والروايات -في أصلها كثيرة، فقيل إن أول من اخترعها أحد ملوك فرنسا في القرن السادس عشر، وهو شارل التاسع الذي قرر أن تكون بداية السنة في أول يناير بدلا من أول أبريل كما كانت، فقابل الناس ذلك بالتذمر، لأن من عادتهم فيه تبادل الهدايا، لأنه رأس السنة، فاضطروا خوفا من الملك أن يتبادلوها في أول يناير مع استمرارهم في تقديمها أول أبريل التى جعلوها تافهة، وقيل إنها في فرنسا تدعى "سمكة أبريل " لأن موسم الصيد يبدأ في أبريل، لكن الأسماك تكون قليلة وهزيلة، وقد يرمى الصياد شبكته فلا يخرج شيئا أو يخرج شيئا تافها. ومن هناك كانت تسمية سمكة أبريل تقال للشيء التافة أو للكذب، وقيل غير ذلك. والمهم أن نعلم أن الكذب لا يجوز إلا في أضيق الحدود حيث تحقق المصلحة به لا بوسيلة أخرى من غير مضرة كبيرة للغير، والأولى البعد عنه حتى لا يعتاده اللسان، وفي المعاريض مندوحة عنه كما تقدم. وأساس المعاريض حسن استخدام الألفاظ ذات المعانى المتعددة المتقابلة. كالذي يقول: أنا أحب الفتنة، ويريد المال، وأكره الحق، ويريد الموت، وكمن يصف عسل النحل بلفظ تتقزز النفس منه، كما جاء في كتاب "مفتاح دار السعادة"ج 1 ص 141: تقول: هذا جنى للنحل تمدحه * وإن تشأ قلت: ذاقىء الزنابير مدحا وذما وما جاوزت وصفهما * والحق قد يعتريه سو تعبير (10/157) ________________________________________
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة الإثنين 18 مارس 2024, 10:48 am | |
| الحياة على الكواكب الأخرى
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال يقول الله سبحانه {ومن آيايه خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} الشورى: 29، ألا تدل هذه للآية على أن هناك كائنات حية فى غير الأرض التى نعيش عليها؟
الجواب لقد نشط البحث عن الحياة فى الكواكب الأخرى خلال الأربعين سنة الماضية، واستخدمت منذ ثمان عشرة سنة الموجات اللاسلكية لهذا الغرض، ومنذ ستة أعوام اهتم الفلكيون بالتسمع على الكون لالتقاط الإشارات الصادرة منه، وذلك فى مختبر الدفع النفاث فى " باسادونا " ومركز الأبحاث " آميس " التابع لمؤسسة " ناسا " بكاليفورنيا. ومؤسسة " سيتى" وهى رمز لمشروع البحث عن المخلوق الذكى الموجود خارج الأرض، والدى يضم أكثر من مليون يد عاملة تعاون فيه الخبراء الأمريكيون والروس على تحليل ألف ساعة من الإشارات التى تم استقبالها من الفضاء الخارجى بأجهزة إليكترونية معقدة وشديدة الحساسية. وقد قرروا أنه لا يتم لهم النجاح إلا إذا استطاعوا إرسال إشارة يمكن للعالم الخارجى التقاطها. لكن النجوم الهائلة العدد لا يمكن أن تسلط أشعة على نجم منها مرة ثانية إلا بعد مرور مائة ألف عام على المرة الأولى، وهذا كله فى نجوم مجرتنا فقط " التبانة " فكم من الزمن يكفى لتسليط أشعة على نجوم المجرات الأخرى وما أكثرها؟ . ذكرت هذه المقدمة لترى أيها القارئ أن سعة الكون وتعدد نجومه والاكتفاء مرة واحدة بتسليط الأشعة على كل نجم، كل ذلك لا يكفى للاعتقاد أو غلبة الظن أن فى الكَون حياة من جنس حياتنا البشرية، أو من جنس آخر. ومهما يكن من شيء فإن هذه الأبحاث متروكة لعقل الإنسان، وموقف الإسلام منها موقف المشجع على النظر فى ملكوت السموات والأرض، ونصوصه أشهر من أن تذكر، والإنصاف فى البحث سيؤدى إلى تعميق الإيمان بالله، كما قال سبحانه فى ختام الآيتين اللتين تتحدثان عن النظر فى الكون أرضه وسمائه بمائه ونباته ومعادنه وحيوانه وإنسانه {إنما يخشى اللَّه من عباده العلماء} فاطر: 27. والقرآن يكفيه أن يضع دستور البحث ويشجع عليه، وليس من شأنه أن يدون جزئيات العلوم فى أكثرها، وعلى امتداد الحياة البشرية ستكشف أمور تتطلبها حاجة الإنسان فى نموه المطرد، وما دام اللَّه هو الحق، وهو خالق العالم على هذا النظام البديع فإن كلامه لا يتعارض مع قوانينه أبدا، وإذا توصل الباحثون إلى ما يوهم التعارض مع القراَن فلا يجوز أن نسرع بالشك أو التأويل ما دامت النتائج لم تصل إلى مرتبة الحقائق العلمية التى لا يتطرق إليها الشك، ولست موافقا على مسلك بعض الكتاب الذين يسرعون إلى الربط بين القرآن والعلم كلما لاح فى الأفق كشف جديد، وقد يسرفون فى التأويل والتوفيق ثم تظهر البحوث التالية فساد ما سبق من نتائج ظلمنا القراَن بحمل آياته عليها ومع إحسان ظنى بأن كثيرًا من الباحثين عندهم غيرة دينيهَ حملتهم على هذا الربط فإنى أدعوهم إلى التريث، أو إلى جعل الأمر محل الاحتمال بعيدا عن القطع والجزم به. والمفسرون للقرآن سلكوا فى مثل هذه المواقف مسلك الحيطة والحذر فلجأوا إلى القول بالاحتمال وعدم المانع، يقول النسفى فى قوله تعالى {ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} الدابة تكون فى الأرض وحدها، لكن يجوز أن ينسب الشىء إلى جميع المذكور أى السموات والأرض -وإن كان متلبسا ببعض، كما يقال: بنو تميم فيهم شاعر مجيد، وإنما هو فى فخذ من أفخاذهم، ومنه قوله تعالى {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج من الملح، ولا يبعد أن يخلق فى السموات حيوانات يمشون فيها مشى الأناسى على الأرض ويكون للملائكة مشى مع الطيران، فوصفوا بالدبيب كما وصف الأناسى انتهى. انظر إلى قوله: ولا يبعد أن يخلق فى السماوات حيوانات. هذا هو الموقف العلمى الصحيح من كل ما لا يجزم به الإنسان، فإذا تحقق أن فى السموات كائنات حية فظاهر الآية {وما بث فيهما من دابة} تحقق أن فى السموات كائنات حية فظاهر الآية {وما بث فيهما من دابة} لا يتعارض مع هذه الحقيقة، وإذا لم يتحقق وجود كائنات حية فيها فالآية باقية على معناها على النحو الذى وضحه المفسر من أن النسبة إلى الجزء نسبة إلى الكل، وهو أسلوب معروف عند العرب الذين نزل القراَن بلغتهم، ففى مجموع السماوات والأرض دواب، وفى مجموع المياه العذبة والملحة لؤلؤ ومرجان. وإن كانت الدواب فى الأرض واللؤلؤ والمرجان من البحر الملح. وبعد، فإن الموضوع ليس عقيدة نحاسب عليها، ولا يترتب على الجهل بها شيء، ونحن لم نحل مشاكل الأرض ولم نأت على نهاية العلم بأسرارها حتى نهتم بأسرار الكائنات العليا، ويكفينا أن القرآن وهو أصدق خبر يحدثنا عما يهمنا منها، والقرآن كلام اللَّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن وجد كشف جديد يزيدنا يقينا بصدقه فذاك وإلا فهو صادق على الرغم من عجزنا نحن {لكن اللَّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا} (10/158) ________________________________________ الصحابى الذى اهتز له العرش
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال من هو الصحابى الذى اهتز له عرش الرحمن، وما معنى الاهتزاز؟
الجواب ذلك الصحابى هو سعد بن معاذ رضى الله عنه زعيم الأوس إحدى قبائل الأنصار فى المدينة، روى مسلم فى صحيحه عن جابر رضى اللَّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم - "اهتز لها عرش الرحمن " وجاء مثله من رواية أنس بن مالك رضى اللَّه عنه. قال النووى فى شرح هذا الحديث "ج 16 ص 22": اختلف العلماء فى تأويله، فقالت طائفة هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحركه فرحا بقدوم روح سعد، وجعل الله فى العرش تمييزا حصل به هذا، ولا مانع منه، كما قال تعالى - عن الحجارة - {وإن منها لما يهبط من خشية اللَّه} البقرة: 74، ولهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار. وقال المازرى: قال بعضهم هو على حقيقته وأن العرش تحرك لموته، قال: وهذا لا ينكر من جهة العقل، لأن العرش جسم من الأجسام يقبل الحركة والسكون. قال: لكن لا تحصل فضيلة سعد بذلك، إلا أن يقال: إن اللَّه تعالى جعل حركته علامة للملائكة على موته. وقال آخرون: المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة، فحذف المضاف - وهو أهل - والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول. ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم، لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها. وقال الحربى: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشىء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة. وقال جماعة: المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش، وهذا القول باطل يرده صريح هذه الروايات التى ذكرها مسلم: اهتز لموته عرش الرحمن، وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التى فى مسلم، والله أعلم (10/159) ________________________________________ الاحتفال بالأعياد القومية
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى احتفال بعض الدول بأعياد مثل أعياد النصر وعيد العمال وعيد رأس السنة وغيرها؟
الجواب فى بحث طويل فى الجزء الثانى من كتاب " بيان للناس من الأزهر الشريف " جاء أن كلمة الأعياد تطلق على ما يعود ويتكرر، ويغلب أن يكون على مستوى الجماعة، سواء أكانت الجماعة أسرة أو أهل قرية أو أهل أقليم، والاحتفال بهذه الأعياد معناه الاهتمام بها، والمناسبات التى يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة وقد تكون دينية أو عليها مسحة دينية، والإسلام بالنسبة إلى ما هو دنيوى لا يمنع منه ما دام القصد طيبا، والمظاهر فى حدود المشروع، وبالنسبة إلى ما هو دينى قد يكون الاحتفال منصوصا عليه كعيدى الفطر والأضحى، وقد يكون غير منصوص عليه كالهجرة والإسراء والمعراج والمولد النبوى، فما كان منصوصا عليه فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجه الذى شرع، ولا يخرج عن حدود الدين، وما لم يكن منصوصا عليه، فللناس فيه موقفان، موقف المنع لأنه بدعة، وموقف الجواز لعدم النص على منعه، ويحتج أصحاب الموقف المانع بحديث النسائى وابن حبان بسند صحيح أن أنسًا رضى الله عنه قال: قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال " قد أبدلكم اللَّه تعالى بهما خيرا منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى " فكل ما سوى هذين العيدين بدعة، ويرد عليه بأن الحديث لم يحصر الأعياد فيهما، بل ذكر فضلهما على أعياد أهل المدينة التى نقلوها عن الفرس، ومنها عيد النيروز فى مطلع السنة الجديدة فى فصل الربيع، وعيد المهرجان فى فضل الخريف كما ذكره النويرى فى " نهاية الأرب " وبدليل أنه سمى يوم الجمعة عيدا. ولم يرد نص يمنع الفرح والسرور فى غير هذين العيدين، فقد سجل القرآن فرح المؤمنين بنصر اللَّه لغلبة الروم على غيرهم بعد أن كانوا مغلوبين " أوائل سورة الروم ". كما يردُّ بأنه ليس كل جديد بدعة مذمومة، فقد قال عمر فى اجتماع المسلمين فى صلاة التراويح على إمام واحد " نعمت البدعة هذه ". فالخلاصة أن الاحتفال بأية مناسبة طيبة لا بأس به ما دام الغرض مشروعا والأسلوب فى حدود الدين، ولا ضير فى تسمية الاحتفالات بالأعياد، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء (10/160) ________________________________________ من أدب الدعوة
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما رأى الدين فى جماعات تجوب البلاد وتترك عملها لتدعو إلى الله؟
الجواب لكل جماعة منهج،ولا يصح الحكم عليها إلا بعد معرفته معرفة جيدة، دون الاعتماد على ما يقال عنها فقد يكون غير صحيح، ومع ذلك فأقول بالنسبة لأى فرد أو جماعة تقوم بالدعوة إلى الله: ا - لا يصح أن يدعو أحد بما لم يفهمه فهما صحيحا من أحكام الدين. 2 -لا يصح التعصب لرأى اجتهادى فيه خلاف بين العلماء. 3 - لا يصح أن يُغيَّر المنكر بأسلوب يؤدى إلى منكر آخر، وإلا لضاعت فائدة الدعوة التى تستهدف الإصلاح. 4 - الدعوة فرض كفاية وليست فرض عين، فإذا قام بها البعض سقط الطلب عن الباقين، وذلك إذا وجد غير واحد يصلح لها، قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} آل عمران: 104، وقال {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} التوبة: 122. 5 -ترك عمل واجب مهم من أجل الدعوة التى يمكن أن يقوم بها الغير-أمر لا يجوز. 6 - العمل نفسه ما دام فى الخير فهو طاعة، والدعوة طاعة، ويجب التنسيق والتخصص "اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". 7-يمكن أن تمارس الدعوة أثناء العمل بين الزملاء، فيفوز الشخص بالحسنيين. 8 - إذا كان الله يقول {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة: 71، فذلك فيما يعرفه الشخص ويستطيعه، أما مالا يعرفه بصدق ولا يستطيعه فسيقوم به غيره ممن يعرف ويستطيع (10/161) ________________________________________ الرياضة البدنية فى نظر الإسلام
المفتي عطية صقر. مايو 1997
المبادئ القرآن والسنة
السؤال ما مدى علاقة الدين بالرياضة البدنية، وما تأثير ذلك على الإنتاج، وما هى أنواع الرياضات التى يحلها الإسلام؟
الجواب ا - الرياضة مصدر راض، يقال: راض المهر يروضه رياضا ورياضة فهو مروض أى ذلله وأسلس قياده، ورياضة البدن معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة، وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضا ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هى أحسن الطرق فى هذا المجال. 2 -والناس من قديم الزمان لهم طرق وأساليب فى تقوية أجسامهم بالرياضة، وكل أمة أخذت منها ما يناسب وضعها ويتصل بأهدافها، فالأمة الحربية مثلا عنيت بحمل الأثقال وبالرمى واللعب بالسلاح، والأمة التى تكثر فها السواحل تعنى بالسباحة. والأمة المسالمة الوادعة تعنى بالتمرينات الحركية للأعضاء بمثل ما يطلق عليه الألعاب السويدية. وهكذا ... واشتهر بين الناس هذه الأيام اسم الألعاب الأوليمبية، وهى لقاءات تتم كل أربع سنوات بين الرياضيين من جميع أنحاء العالم، واسمها منسوب إلى أولمبيا واد فى بلاد اليونان أقيمت فيه أول الألعاب سنة 776 قبل الميلاد، وكانت تقام عندهم بوحى من عقيدة دينية وسياسية، واعتبروها الوسيلة الوحيدة لقوة الجسم فى نظر الشعب وإلى حكم الشعب فى نظر الزعماء. وكانت للعرب، كغيرهم من الأمم -أنواع من الرياضة أمْلَتها عليهم ظروف معيشتهم التى تعتمد على الرحلات والصيد والغارات والثارات. 3- والإسلام لا يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات، فهو يريد أن يكون أبناؤه أقوياء فى أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم لأنه يمجِّد القوة، فهى وصف كمال لله تعالى ذى القوة المتين، والحديث الشريف يقول "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " رواه مسلم، والجسم القوى أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، والإسلام لا يشرع ما فيه إضعاف الجسم إضعافا يعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل خفف من بعض التشريعات إبقاء على صحة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمن عجز عن القيام، وأباح الفطر لغير القادرين على الصيام، ووضع الحج والجهاد وغيرهما عن غير المستطيع، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص. وقد أرهق نفسه بالعبادة صياما وقياما " صم وأفطر وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا" رواه البخارى ومسلم. وقد ذكر ابن القيم فى كتابه زاد المعاد عند الكلام على الرياضة، أن الحركة هى عماد الرياضة، وهى تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعى، وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتصلب المفاصل وتقوى الأوتار والرباطات وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية، إذا استعمل القدر المعتدل منها فى دقة وكلن التدبير يأتى صوابا، وقال: كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، وأما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهى قالعة لأمراض مزمنة. 3 - مظاهر الرياضة البدنية فى الإسلام كثيرة، والتكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للروح واستقامة للسلوك، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات لمعظم أجزاء الجسم، والحج بمناسكه المتعددة، وزيارة الإخوان وعيادة المرضى والمشى إلى المساجد وأنواع النشاط الاجتماعى كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت فى الحد المعقول. وهناك فى غير العبادات والتكاليف الشرعية رياضات تشبه إلى حد كبير كثيرا مما تواضع عليه للناس فى هذا العصر، أقرها الإسلام وشجعها وإليك صورا لها: ا -العَدْوُ: وهو تدريب على سرعة المشى، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعى لتحصيل الرزق وغير ذلك، ويذكر التاريخ العداء المشهور " فيديبدس " من قرية ماراثون باليونان وما كان له من أثر فى إخطار البلاد بهجوم الجيش الفارسى عليهم فى سبتمبر سنة 490 قبل الميلاد وفى انتصارهم على العدو، وقد خلد اسمه بعد ذلك بسباق ماراثون. والعدو داخل ضمنا تحت الأمر بالمسارعة إلى الخير، فهى مسارعة روحية وجسمية، وقد روى أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: هذه بتلك، وجاء فى بعض الروايات أن سبقه لها فى المرة الثانية كان لثقل جسمها وسمنتها، وروى الطبرانى أنه عليه الصلاة والسلام قال " من مشى بين الغرضين -علامتين لتحديد المسافة-كان له بكل خطوة حسنة". وقد اشتهر من العرب فى سرعة العدو حذيفة بن بدر، وكان قد أغار على هجائن النعمان بن المنذر بن ماء السماء، وسار فى ليلة مسير ثمان، فقال قيس بن الحطيم: هممنا بالإقامة ثم سرنا * كسير حذيفة الخير بن بدر وكذلك من العدائين المشهورين ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب فقد سار من مكة إلى المدينة فى يوم وليلة "المسافة حوالى 500 كيلو متر" ولما قدم على أبى هريرة خليفة مروان على المدينة وصلى العتمة قال أبو هريرة: حاج غير مقبول منه. فقال: ولم؟ قال: لأنك نقرت قبل الزوال، -ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التى يدخل وقتها بالزوال - فأخرج له كتاب مروان بعد الزوال وقال: ألم ترنى كلفتهم سير ليلة * من آل منى نصا إلى آل يثرب فأقسمت لا تنفك ما عشت سيرتى * حديثا لمن وافى بجمع المحصب 2 - ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها، والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا} العاديات: ا - 5، فهى من أهم أدوات الحرب، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل: 8، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الأنفال: 60، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره، وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التى قد أضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع والمسافة نحو ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التى لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق، والمسافة نحو ميل (تضمير الخيل هو إعطاؤها علفا قليلا بعد سمنها من كثرة العلف، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت أى الأكل العادى. كما يقال إن تضمير الخيل يكون بأن تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويحمل عليها غلمان خفاف يجرونها ولا يعنفون بها إذا فعل بها ذلك أمن عليها البهر الشديد عند حضرها، أى لا تنهج عند العدو) . وابن عمر قد سابق فى هذا السباق، رواه البخارى، وفى مسلم أن رسول الله قال يوم حنين: يا خيل الله اركبى، وقال "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل " وقد سابق النبى أيضا على الجمال فسابق على ناقته العضباء وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابى على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقال النبى صلى الله عليه وسلم "إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه " رواه البخارى. وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين أن عمر أرسل كتابه إلى الأمصار يقول فيه: علموا أولادكم السباحة، والفروسية. وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر. 3-الرماية، عن عقبة بن عامر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. .. " "ألا إن القوة الرمى، ألا إن القوة الرمى" رواه مسلم، وعن سلمة بن الأكوع أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم ينتضلون بالسوق، فقال: "ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بنى فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله ما لكم لا ترمون؟ فقلنا كيف نرمى وأنت معهم؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم " رواه البخارى ومسلم. وعن عقبة أيضا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب فى صنعته الخير، والرامى به، ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، ومن ترك الرمى بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة تركها، أو قال: كرها" رواه أبو داود والنسائى والحاكم وصححه. وفى رواية أن فقيما اليخمى قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك؟ فقال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه، والكلام الذى سمعه هو "من علم الرمى ثم تركه فليس منى. أو فقد عصا " رواه مسلم. 4 -اللعب بالسلاح - الشيش: وكان معروفا عند العرب باسم "النقاف " وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة فى شكلها الحالى، وكان من صوره رقص الحبشة الذى رآه النبى صلى الله عليه وسلم منهم فى المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام، ففى رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفنون ويلعبون بحرابهم يتلقونها. وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه فى بدر والخندق وغيرهما معروفة. والتحطيب المعروف عندهم باسم "اللبج " أو "اللبخ " يشبه اللعب بالسيوف لأنه محاولة للأخذ قوامها هجوم ودفاع بالعصى. 5 - المصارعة ومثلها الملاكمة: وقد صارع النبى جماعة، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم، قال ابن إسحاق: لقيه النبى صلى الله عليه وسلم فى شعب من شعاب مكة فقال له: يا ركانة، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال: يا محمد هل لك من شاهد يدل على صدقك؟ فقال: أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. وقال البلاذرى: إن السائل للمصارعة هو ركانة، فقال له: تهيأ للمصارعة، فقال: تهيأت، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه، فتعجب من ذلك ركانة، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا: فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب، وأسلم عقبها، وقيل أسلم فى فتح مكة. رواه الحاكم وأبو داود والترمذى، كما صارع النبى ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم، فقال: يا محمد هل لك أن تصارعنى؟ قال: وما تجعل لى إن صرعتك؟ قال: مائة من الغنم، فصارعه فصرعه، ثم قال: هل لك فى العود؟ قال: وما تجعل؟ قال: مائة أخرى. فصارعه فصرعه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمد، ما وضع جنبى فى الأرض أحد قبلك، ثم أسلم ورد عليه غنمه، روى عنه أنه قال: ماذا أقول لأهلى؟ شاة افترسها الذئب، وشاة شذت منى، فماذا أقول فى الثالثة؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك، خذ غنمك وانصرف (ذكره الزرقانى فى شرح المواهب ج 4 ص 293) وكذلك صارع النبى أبا الأسود الجمحى، وكان رجلا شديدا بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه، وكان من المشهورين بالمصارعة فى الإسلام محمد بن الحنفية، جلس كالجبل يحركه رسول الروم لمعاوية يتحدى به أقوياءه، فأقر رسول الروم بقوة محمد، ثم رفعه محمد مرات وجلد به الأرض. 6- رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يعرف عند العرب باسم "الربع " وهو أن يُشال الحجر باليد، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل، والربيعة والمربوع هو الحجر الذى يرفع، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا أو يتربعون فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء (ذكره فى لسان العرب) وأول من فكر فى تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان مشهورا بقوته البدنية، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب فإنه فى غزوة خيبر لما ضاع ترسه أمسك بباب كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، وكان سبعة نفر ينوءون بحمله (ذكره فى الروض الأنف ج 2 ص 239) . 7 - القفز أو الوثب العالى: وكان يعرف أيضا عند العرب باسم " القفيزى" حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافزون عليها ولها نظام خاص لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج اص 133) . 8-الكرة: وهى تشبه لعبة البولو فى هذه الأيام، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة فى كتب الأدب، قال الحارثة بن رافع. كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحى، والدحو رمى اللاعب بالحجر والجوز وغيره، والمداحى حجارة كشكل القرصة، وتحفر حفرة فترسل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قرصته فيها فهو الغالب، وذكر أن ابن المسيب سئل عن الدحو بالحجارة فقال لا بأس به. 9 -السباحة: عن عطاء بن أبى رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصارى يرميان فملَّ أحدهما فجلس فقال له الآخر: كسلت؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال. مشى الرجل بين الغرضين، وتأديبه لفرسه وملاعبته أهله، وتعليم السباحة" رواه الطبرانى بإسناد جيد، وروى البيهقى بسند ضعيف من حديث أبى رافع: حق الولد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمى. وعن ابن عباس قال: ربما قال لى عمر بن الخطاب: تعال أباقيك فى الماء، أينا أطول نفسا ونحن محرمون. وفى تاريخ الخلفاء للسيوطى (ص 264) عندما تغلب معز الدولة أحمد بن بويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة، حتى كان السبَّاح يحمل الموقد عليه القدر باللحم إلى أن ينضج. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم سبح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله فى المدينة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دفن أبوه قال: هاهنا نزلت بى أمى وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطى على أن النبى عَامَ وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم سبح هو وأصحابه فى غدير، فقال ليسبح كل رجل إلى صاحبه، فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر حتى عانقه، وقال: أنا وصاحبى (الزرقانى على المواهب اللدنية ج اص 164) . هذه نماذج للتربية الرياضية أقرها الإسلام، وشجع عليها. تعرف بها مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكل مظاهر الحضارة الصحيحة. وفى الإطار العادل الذى وضعه للمصلحة، ويلاحظ أن التربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية، وإذا كانت هناك مباريات يجب أن يحافظ على آدابها، التى من أهمها عدم التعصب الممقوت فإذا حدث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشرية، وجب أن يكون فى أدب وذوق، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما لا يسره، وقد تكون الجولات المستقبلة فى غير صالح الفائز الآن. ولا يحب أن تكون هناك شماتة به، فيجب عليه أن يحب للناس ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وقد رأيتم أن الأعرابى سبق بقعوده ناقة النبى التى كانت لا تُسبق، ولما شق على المسلمين ذلك تمثلت الروح الرياضية الصحيحة-كما يعبر المتحدثون -عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، وذلك ليهدىء من ثائرة المتحمسين له. وقد سبق أنه قال لعائشة لما سبقها: هذه بتلك. والأدب الإسلامى عند الخصومة والمنافسة يحتم عدم نسيان الشرف والذوق؟ وعدم الفجور فى المخاصمة فتلك من خصال المنافقين، ففى حديث البخارى ومسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". والإسلام لا يرضى الانحراف عن هذه الآداب فى ممارسة الرياضة وفى إقامة المباريات. (ا) لا يرضى أن يلهو الشباب بها إلى حد نسيان الواجبات الدينية والوطنية والواجبات الأخرى، ولا يرضى أن نصرف لها اهتماما كبيرا يغطى على ما هو أهم منها بكثير. (ب) لا يرضى أن نمارس الرياضة بشكل يؤذى الغير، كما يمارس البعض لعب الكرة فى الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس، وفى أوقات ينبغى أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها. والإسلام نهى عن الضرر والضرار. (جـ) لا يرضى التحزب الممقوت، الذي فرق بين الأحبة، وباعد بين الأخوة، وجعل فى الأمة أحزابًا وشيعا، والإسلام يدعو إلى الاتحاد ويمقت النزاع والخلاف. (د) لا يرضى أن توجه الكلمات النابية من فريق لآخر ويكره التصرفات الشاذة التى لا تليق بإنسان له كرامته. وبشخص يشجع عملا فيه الخير لتكوين المواطن الصالح جسميا وخلقيا. (ر) لا يرضى عن الألعاب الجماعية التى يشترك فيها الجنسان ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور ينهى عنها الدين. (و) لا يرضى عن الألعاب التى تثير الشهوة وتحدث الفتنة، كرياضة الرقص من النساء حين تعرض على الجماهير. (ز) لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تليق به ولا تتناسب مع غيره فى تكوينه وفى مهمته ورسالته فى الحياة. ذلك أن الإسلام حين يبيح شيئا ويجيزه يجعل له حدودا تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتسق مع الحكمة العامة للتشريع، وفى إطار هذه الحدود يجب أن تمارس الرياضة، وإلا كان ضررها أكبر من نفعها، وذلك مناط تحريمها، كما هى القاعدة العامة للتشريع. ويشير إلى ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87، فالآية بعموم لفظها تحرم الاعتداء فى كل تصرف سواء أكان ذلك مطعومًا أم ملبوسًا أم شيئا آخر وراء ذلك، والاعتداء هو تجاوز الحد المعقول الذى شرعه الدين (10/162) |
|
| |
| الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة | |
|