منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالثلاثاء 06 فبراير 2024, 5:20 pm

الزكاة والزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أن أدفع جزءا من زكاة أموالى مساعدة فى زواج أحد أقاربى أو إحدى قريباتى؟

الجواب
حدد اللَّه سبحانه مصارف الزكاة فى قوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من اللَّه واللَّه عليم حكيم} التوبة:65، فلا يجوز دفعها لغير هؤلاء كما تفيده أداة الحصر وهى " إنما " وكل هذه الأصناف حددها العلماء دون خلاف بينهم يذكر، إلا في قوله تعالى {وفى سبيل اللَّه} ففسره الجمهور بالجهاد وفسره سره بعضهم بمنقطعى الحجيج، وجعله آخرون شاملا لكل القربات ومع ذلك لا يدخل التزويج فيه كما قال المحققون، فكما قالوا:
لا يجوز صرف الزكاة للاستعانة بها على الحج لأن الله فرضه على المستطيع فقط، قالوا: لا يجوز صرفها من أجل التزويج الذىَ ندب اللَّه له من يستطيع أن يقوم بمسئولياته، فقال {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم اللَّه من فصله} النور: 33، وقال صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحْصَنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " رواه البخارى ومسلم، والباءة هى تكاليف الزواج.
والزواج فى هذه الأيام بالذات أخذ صورة مظهرية أكثر منها أدبية ودينية، سواء فى المهور الغالية أو الأثاث الفاخر أو حفلات الزفاف وما إليها، فلا ينبغى أن توجه الزكاة إليها، وفى المجتمع حالات هى أحوج ما تكون إليها، روى مسلم أن رجلا تزوج على صداق قدره أربع أواق لا يستطيع دفعها، ذهب إلى النبىصلى الله عليه وسلم يستعينه، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم فى حالته الخاصة لا يمكنه أن يساعد بمثل هذا القدر، وليس فى مال المسلمين حق يعين هذا الرجل، فقال له مستنكرا " كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، لكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه ". ولو تعين الزواج عصمة من المنكر للفتى أو الفتاة لا يتحمل معها الانتظار إلى وقت اليسار وجب عليه أن يتزوج بقدر يناسب وضعه الذى هو فيه، ما دام يقصد الخير من العفة والشرف، ولا يعدم أى مجتمع أن يكون فيه من يحقق له غرضه، فالخير موجود فى المسلمين إلى يوم القيامة. هذا، وإذا كانت للزكاة مصارف متعددة فينبغى مراعاة الأولوية فيها، والمسلمون كأمة واحدة يجب أن يتضامنوا فى تحقيق الخير ودفع الشر، وفيهم الآن من هم فى أشد الحاجة للعون الذى يحفط كرامتهم كآدميين ومسلمين، فأولى أن تدفع الزكاة إليهم، ولو كان للزكاة جهاز منظم يشرف عليها بصدق وإخلاص جمعا وتوزيعا لظهر أثرها الذى شرعت من أجله، سواء فى الوطن الصغير أو فى الوطن الإِسلامى الكبير
(9/215)
________________________________________
إعطاء الزكاة للأقارب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعت أن إعطاء الزكاة للأقارب لا يجوز، فهل هذا صحيح؟

الجواب
الأقارب هنا قسمان، قسم تجب على الإنسان نفقته كالأبوين والأولاد والزوجة وقسم لا تجب عليه نفقته، كالعم والخال والعمة والخالة.
وقد اتفق الفقهاء على جواز إعطاء الزكاة للقسم الثانى، بل هم أولى بها من غيرهم، لأنها تكون زكاة وصلة رحم فى وقت واحد كما رواه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما عن النبى صلى الله عليه وسلم "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى الرحم ثنتان، صدقة وصلة".
أما القسم الأول: وهو من تجب عليه نفقته فالإجماع على أنه لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة، لأن المفروض فى المزكى أن ينفق عليهم النفقة الكافية التى لا تجعلهم فقراء ولا مساكين يستحقون الزكاة، والمزكى عنده مال كثير زائد عن حاجته وحاجة من يعولهم فهم فى غير حاجة إلى الزكاة. فالوالدان لا يجوز إعطاء الزكاة لهما، وكذلك الأولاد الصغار، أو البالغون إذا كانوا غير قادرين على الكسب، فإن قدروا على الكسب فلا تجوز الزكاة لهم.
وكذلك الزوجة نفقتها واجبة على الزوج فلا يعطيها من زكاته، لأنه لو أعطى هؤلاء الذين تجب عليه نفقتهم فهو يعطى نفسه، لأن الزكاة ستخفف من عبء النفقة الواجبة عليه. روى الأثرم فى سننه عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إذا كان ذو قرابة لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك، وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 189 ".
والشوكانى يرى جواز إعطاء الزكاة للقريب، بصرف النظر عن كون نفقته واجبة على المزكى أو غير واجبة، مستندا إلى حديث البخارى ومسلم فى شأن زينب امرأة عبد اللَّه بن مسعود الثقفى وشأن امرأة معها، حيث سئل النبى صلى الله عليه وسلم: أتجزى الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام فى حجورهما؟ فقال "لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة" وفى رواية البخارى عن أبى سعيد "زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم ".
يقول الشوكانى فى وجه الاستدلال: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن الصدقة إن كانت واجبة أو تطوعا، وترك الاستفصال فى مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم فى المقال، والأصل عدم المانع، فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعان من إجراء الزكاة فعليه الدليل، ولا دليل.
وقد أجاز الشوكانى ذلك لأن الأم لا يلزمها أن تنفق علي ابنها مع وجود أبيه، لكن قد يقال: إن الأيتام ربما لا يكونون أولادها فتصح الزكاة عليهم.
وقد روى عن مالك أن الممنوع من أخذ الزكاة هم الأب والأم والأولاد، أما الجد والجدة ومن علا، وبنو البنين ومن نزل فيجوز صرف الزكاة إليهم، أما غير الأصول والفروع ممن تجب نفقتهم -كالزوج والزوجة - فذهب مالك والشافعى إلى أنه لا يجزئ صرف الزكاة إليهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز ويجزئ، وذلك لعموم الدليل فى التصدق على الأقارب، حيث لم يفصل، بين قرابة وقرابة، ولا بين وجوب النفقة وعدم وجوبها، كما وضحه الشوكانى. وهذا كله فى الصدقة الواجبة كالزكاة، أما صدقة التطوع فالأقارب بوجه عام أولى بها كما سبق ذكره، ومما يرغب فى ذلك أيضا حديث رواه مسلم "دينار أنفقته فى سبيل اللَّه، ودينار أنفقته فى رقبة-يعنى تحرير رقبة من الرق -ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك لما وجاء في تفسير القرطبى "ج 8 ص 190 "جواز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير بناء على حديث زينب الثقفية، حتى لو كان يستعين بها على النفقة عليها كما كان يفعل ابن حبيب، وقال أبو حنيفة لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا يجوز، وذهب الشافعى وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك إذا لم يصرفه إليها فيما يلزمه لها، وإنما يصرف ما يأخذه منها فى نفقته وكسوته على نفسه، وينفق عليها ماله.
وفى الفتاوى الإسلامية "مجلد 1 ص 115 " لو دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه جاز إذا لم يحسبها من النفقة، وذلك فى غير الزوجة والأبوين والفروع، كما وضحتها فتوى فى المجلد الخامس ص 1799 "
(9/216)
________________________________________
زكاة الجنين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم ما لو ذبحت البقرة الحامل بجنينها كامل النمو، هل يجوز أكل هذا الجنين إذا مات فى بطن أمه؟

الجواب
روى أحمد والترمذى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الجنين "ذكاته ذكاة أمه " وفى رواية لأحمد وأبى داود: قلنا يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفى بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكل؟ قال "كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه ".
يؤخذ من هذا أن الحيوان المأكول اللحم إذا ذبح وفى بطنه جنين، فإن ذبح أمه ذبح له ما دام قد تم بالطريقة الشرعية، وأكل لحمه حلال ولا يحتاج إلى ذبح، وهذا ما رآه الإمام الشافعى والإمام مالك، وإن كان مالك اشترط أن يكون الجنين قد أشعر، أى نبت له شعر، لكن دليله فى ذلك ضعيف، فإنه قطعة من أمه، سواء نبت له شعر أولا.
وأبو حنيفة خالف مالكا والشافعى، كما خالف صاحبيه، فحرم أكل الجنين إذا خرج ميتا، لأن ذكاة أمه لا تغنى عن ذكاته أى ذبحه، محتجا بعموم قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة} وهى التى لم تذبح ولكن هذا الاحتجاج ضعيف، لأنه من ترجيح العام على الخاص، والمعمول به هو العكس.
فالمعتمد أو الراجح هو مذهب الجمهور فى أن ذكاة الجنين هى ذكاة أمه، أى لا حاجة إليها بعد ذكاة أمه
(9/217)
________________________________________
زكاة الزروع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تحتاج الزراعة إلى مصاريف كثيرة فى الرى والتسميد والحصاد وغير ذلك، فهل تخصم هذه المصاريف من جملة المحصول وتخرج الزكاة عن الباقى بعد الخصم؟

الجواب
1-الزكاة واجبة على المحاصيل الزراعية كما جاء فى قوله تعالى {وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المشرفين} الأنعام: 141.
وبعيدا عن التى تجب فيها الزكاة من الزروع، فإن ما يورد منها إلى الجمعيات أو جهات أخرى يدخل ضمن النصاب ولا يخصم، ولا يكتفى بتزكية ما بقى بعد الخصم، فالآية تأمر بإخراج الزكاة عند الحصاد.
ومعلوم أن المحاصيل قد تصرف عليها مصاريف فى الرى والتسميد والتنقية والحصاد وغير ذلك، فهل تخصم هذه المصاريف من المحصول، وتخرج الزكاة عن الباقى؟ .
لا يجوز هذا الخضم عند جميع الأئمة المعروفين، وهم أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد رحمهم اللَّه تعالى، لكن جاء عن عبد الله بن عمر وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهم أجمعين أن الزكاة تكون على ما بقى بعد استقطاع التكاليف، ونقله ابن حزم عن عطاء بن يسار.
ولعل وجهة نظرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الزكاة على الزروع والثمار التى تسقى بماء السماء العشر أما التى تسقى بتعب ومصاريف للسواقى والماكينات وغيرها فالزكاة نصف العشر.
ويحصل فى بعض المناطق التى تعتمد على المطر فى زراعة القمح والشعير أن يشتط العمال المدربون على أعمال الزراعة، فى تقدير أجرهم كنصف المحصول، وهنا يمكن العمل برأى ابن عمر وابن عباس وعطاء فى هذه الحالة، وكل هذا مع مراعاة قول اللَّه تعالى {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللَّه من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم} آل عمران: 130، وقوله تعالى {وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} سبأ: 39
(9/218)
________________________________________
الزكاة على الراتب والعمارة والسيارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجب الزكاة على الراتب أو الأجر الذى يأخذه الإنسان على عمله؟

الجواب
لقد حدد القرآن الكريم والسنة النبوية الأصناف التى تجب فيها الزكاة، ولم يرد نص خاص فى وجوبها فيما عداها، ما عدا قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} البقرة: 267.
وقد رأى الأئمة الثلاثة عدم وجوب الزكاة فى غير ما حدده بخصوصه القرآن والسنة، وحملوا هذه الآية على الإنفاق العام الذى يدخل فيه صدقة التطوع، والأمر فيها للإرشاد والاستحباب، أو منصب على اختيار الصالح والجيد، بدليل مقابلته بالنهى عن الإنفاق من الخبيث بأسلوب قوى مؤثر " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " والصدقة من الطيب المحبوب للنفس، فيها جهاد للنفس وإيثار للغير، ولو كان الإنسان آخذا شيئا من الغير لا يقبل إلا الطيب منه، أما الردى فلا يقبله إلا مع امتعاض وعند شدة الحاجة إليه، والإيمان الصادق يدفع إلى أن يحب الإنسان للناس ما يحبه لنفسه أما الإمام أبو حنيفة فقد أخذ بظاهر العموم فى الآية وأوجب الزكاة فى كل ما ينبت من الأرض حتى الخضر غير مقيد بالأنواع الواردة فى الحديث، كما أوجبها فى كل ما يكسب -الإنسان من وجوه الحلال.
وعلى هذا تجب الزكاة عنده فى عائد الممتلكات من العمارات والسيارات وفى الرواتب والأجور.
ولو وجبت الزكاة اشترط فيها الحول والزيادة عن الحاجة، كما اشترطه فى زكاة المال، فلو استغلت العمارات والسيارات للتجارة وجبت فيها زكاة التجارة، ولو استغلت للإيجار ونتج عن ذلك مال مدَّخر فائض وحال عليه الحول وجبت الزكاة باتفاق الأئمة، لأنها زكاة مال كالنقدين.
هذا فى الوجوب، أما التطوع بالصدقة وشكر اللَّه على النعم فلا حد لنصابه ولا لقدره ولا لزمنه، بل إن ميدان البر يتسع فيتجاوز حدود المال كما صح فى الحديث " تعدل بين اثنين صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وتبسمك فى وجه أخيك صدقة، وكل معروف صدقة"
(9/219)
________________________________________
الزكاة وحكمة التشريع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا تفرض الزكاة على المسلمين فى حين أن الدولة تحصل الضرائب من جميع المواطنين على السواء، أريد إجابة منطقية لأنى لا اقتنع بقوله تعالى {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} ؟

الجواب
سبقت الإجابة على الفرق بين الزكاة والضرائب، ولا تغني الضرائب عن الزكاة وأحب أن يعلم كل مسلم أن التكاليف الشرعية لابد من تقبلها والعمل بها بصرف النظر عن فهم حكمة التشريع، فإن الحكمة قد تذكر مع الحكم وربما لا تذكر، ولا يترتب على عدم ذكرها أو عدم فهمها رفض الحكم وإنكاره. فالواقع أن أفعال اللَّه خالية عن العبث، ولكل فعل من أفعاله حكمة، فهو الحكيم الخبير وإن كنا لا ندرك هذه الحكم {واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون} .
وإذا كانت معرفة حكمة التشريع تبعث في النفس النشاط للعمل وتشرح الصدر للقبول، وتساعد على رد الشبه وتحمى من الأباطيل، فإن مجرد الامتثال لأنه أمر من اللَّه فقط - وهو الموصوف بالحكمة البالغة -يدل على قوة الإيمان وتمام الخضوع لأوامر اللَّه، ومهما يكن من شيء فإن إنكار أي تكليف وارد في النصوص الصحيحة يؤدي إلى الكفر، لأنه تكذيب لما ثبت بالتواتر وبخاصة القراَن الكريم المجمع على أنه كلام اللَّه تعالى.
والزكاة فرضت على المسلمين بالأوامر الصريحة في القرآن والسنة، منها قوله تعالى {وأتوا الزكاة} البقرة: 403، وكثير من السور، وقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} التوبة: 103، إلى غير ذلك من النصوص.
والإيمان بفرضيتها واجب، بصرف النظر عن معرفة حقها، وقد أشارت الآية إلى الحكمة وهي التطهير والتزكية، أي تخليص النفوس من شوائب البخل والشح والأنانية والحرص والطمع والفردية وأسر المادة وعبودية الشهوة، وتحليتها بالرحمة والحنان والغيرية والتعاون والرضا والقناعة وراحة الضمير، والحيلولة دون الوقوع فيما تجر إليه الأنانية وحب المال من كذب وزور وغش واحتكار وسرقة وما إلى ذلك، كما أن الزكاة أساس العدل الاجتماعي الذي يدعو إلى رعاية الحقوق والمبادرة إلى أداء الواجبات والحفاظ على الحرمات، وتقوية روابط المجتمع بوجه عام.
وإذا كانت المقادير المفروضة في الزكاة تعد رمزًا لامتثال أوامر اللَّه في التعاون فإن مطالب الحياة الاجتماعية في الدول المنظمة ربما لا يعطيها هذا المورد الرمزي، وقد أجمع العلماء على أن للحاكم أن يفرض من الضرائب، والواجبات الأخرى ما يراه محققًا لمصلحة الجماعة، فلا تنافي بين فرض الزكاة وجباية الضرائب أبدًا، وبخاصة إذا عرفنا أن بعض الاحتياجات العصرية ربما لا تدخل تحت المصارف المحددة للزكاة، ولا نحتاج إلى التعسف في تطويعها حتى تشمل هذه الاحتياجات ما دام عندنا مورد أخر مشروع وهو ما يفرضه ولى الأمر من الضرائب وغيرها. "انظر رسالتى عن الزكاة "
(9/220)
________________________________________
الزكاة فى المضاربة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تجب الزكاة فى المضاربة على صاحب المال أو على المال أو عليهما معا؟

الجواب
المضاربة أن يدفع شخص مالا لشخص آخر يتاجر فيه على أن يقسم الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها كالنصف أو الثلث مثلا.
والعامل فى المضاربة ليس شريكا فى رأس مال التجارة، فهو كله لصاحب المال، ولا يشاركه إلا فى الربح الناتج من رأس المال، فهو بمثابة الأجير الذى يؤدى عملا لصاحب المال، وبدل أن يحدد له أجرا معلوما كل شهرا وكل سنة أو كل صفقة تجارية جعل له نسبة من الربح أيا كان قدرها، ولئن كان فى ذلك بعض الجهالة من جهة المقدار فالأجر معلوم من جهة النسبة، ويغتفر ذلك لحاجة الناس إلى هذه المعاملة فقد يملك الشخص مالا ولا يعرف كيف يستثمره،ويملك شخص آخر المعرفة والخبرة ولكن لا يملك المال، فيتعاونان على خيرهما وعلى خير المجتمع وكانت هذه المعاملة معترفا بها أيام النبى صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا تكون الزكاة على صاحب المال زكاة تجارة، يخرج ربع العشر على الأصل والربح بعد خصم الديون والمصاريف التى منها حصة العامل، على ما رآه ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم، وأخذ به ابن حزم فى خصم القرض والنفقة من محصول الزروع والثمار، وتكون الزكاة على ما بقى. وهذه الزكاة فى آخر الحوْل، أما العامل فليست عليه زكاة لأنه لا يملك شيئا من رأس المال،وإنما زكاته على حصته من الربح إن بلغت نِصابا وحال عليها الحول
(9/221)
________________________________________
موعد زكاة الفطر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لا يوجد فى البلد الذى أعمل فيه فقراء يستحقون الزكاة يوم العيد، وقد أكون فى بلدى قبل يوم العيد وفيها فقراء، فهل يجوز أن أدفع إليهم الزكاة قبل يوم العيد؟

الجواب
يجوز إخراج زكاة الفطر من أول يوم من رمضان على ما رآه الشافعية، ويجوز أن تؤدى قبل يوم العيد بيوم أو يومين عند بعض الأئمة، بل يجوز ذلك قبل رمضان، أخرج البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال:
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر. . . إلى أن قال: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين.
ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد. والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد، لما روى البخارى ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال ابن عباس رضى الله عنهما: فمن أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات. وفى حديث الدارقطنى: أغنوهم عن الطواف فى هذا اليوم، أى أغنوا الفقراء عن الطواف والسعى فى الأسواق ونحوها بطلب الرزق فى هذا اليوم، وهو يوم العيد، وذلك بإعطائهم الزكاة. وحرمة التأخير عن يوم العيد محلها إذا وجد المستحقون لها ولم يكن هناك غائبون أولى منهم، فإذا عدموا، أو كان هناك غائب أولى كالأرحام مثلا فلا يحرم التأخير
(9/222)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالثلاثاء 06 فبراير 2024, 5:21 pm

شروط هدى التمتع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك مذهب يقول بعدم وجوب الهدى على المتمتع؟

الجواب
يقول الله سبحانه {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} البقرة: 196، وقد اشترط العلماء شروطا يتحقق بها التمتع الموجب للهدى واتفقوا منها على ما يأتى:
ا -ألا يكون المتمتع من حاضرى المسجد الحرام كما نصت عليه الآية "ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام " وهم أهل مكة ومن يسكن قريبا منها دون مسافة القصر على خلاف للعلماء فى تحديدهم.
2 - أن تقع العمرة فى أشهر الحج، وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة، وشذ عن هذا الشرط طاووس فقال: من اعتمر فى رمضان ثم أقام حتى حج فهو متمتع.
3- أن تقع العمرة فى العام الذى وقع فيه الحج، فلو اعتمر فى أشهر الحج ثم لم يحج سواء أقام بمكة أو سافر، وحج فى عام آخر فليس متمتعا. وشذ عن هذا الشرط الحسن فقال: لا يشترط للتمتع أن يقع النُّسُكَان فى عام واحد. "المغنى لابن قدامة ج 3 ص 499 ".
4 -ألا يسافر بين العمرة والحج سفرا بعيدا تقصر فيه الصلاة، وشذ الحسن عن هذا الشرط.
5 -ألا يعود إلى الميقات ليحرم بالحج منه. فإن عاد وأحرم منه فلا دم عليه.
6 - أن يحل من إحرامه بالعمرة قبل أن يحرم بالحج، فلو استمر على إحرامه حتى أحرم بالحج لم يكن متمتعا، بل يكون قارنا، وعلى كل حال فالمتمتع والقارن عليهما دم.
7- اشترط مالك فقط زيادة على ذلك أن تكون العمرة والحج عن شخص واحد ولا يقول الأئمة الثلاثة بذلك، ويوضحه ما جاء فى حاشية قليوبى وعميرة على منهاج النووى فى فقه الشافعية "ج 2 ص 129 " أنه لا يشترط أن يقع النسكان أى العمرة والحج عن شخص واحد فلو استأجره واحد للحج واستأجره آخر للعمرة فتمتع عنهما أو اعتمر عن نفسه وحج عن غيره أو عكسه فهو متمتع.
ويمكن العمل بمذهب مالك عند الحاجة أو الضرورة كمن يتكرر حجه ويريد التمتع دون هدى أن يجعل واحدا منهما عن أحد والديه المتوفيين وجوبا، أو لهما ندبا أو نيابة عن عاجز عن الحج، والدين يسر
(9/223)
________________________________________
الأكل من الهدى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز لمن وجب عليه ذبح هدى أن يأكل منه، أو لابد من توزيعه كله على المحتاجين؟

الجواب
قال الله تعالى فى شأن الهدى {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} الحج:
28.
يدل ظاهر هذا الأمر على إباحة الأكل من أى هدى كان، سواء أكان واجبا أم مندوبا وقد اختلف الفقهاء فى هذا الحكم، وفرقوا بين هدى التطوع المندوب فجوزوا الأكل منه، وبين الهدى الواجب فحرموه، وإن كان بعضهم أجاز الأكل من بعض الهدى الواجب دون البعض الآخر فذهب أبو حنيفة وأحمد إلى جواز الأكل من هدى التمتع وهدى القران وهدى التطوع ولا يأكل مما سواها، وقال مالك: يأكل من الهدى الذى ساقه لفساد حجه ولفوات الحج، ومن هدى التمتع، ومن الهدى كله إلا فدية الأذى وجزاء الصيد والنذر للمساكين وهدى التطوع إذا عطب قبل محله.
وعند الشافعي: لا يجوز الأكل من الهدى الواجب مثل الدم الواجب فى جزاء الصيد وإفساد الحج، وهدى التمتع والقران، كذلك ما كان نذرا أوجبه على نفسه، أما ما كان تطوعا فله أن يأكل منه ويهدى ويتصدق.
وللتوضيح يمكن الرجوع إلى المغنى لابن قدامة " ج3 ص 565 ".
وأقول: إن غالب ما يذبح هناك جزاء هو عن التمتع والقران، وعموم الآية يجيز الأكل منه، إلى جانب أحاديث تفيد أن النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع كان معه نساؤه وكن متمتعات أي محرمات بالعمرة أولا، أو قارنات أى محرمات بالحج والعمرة معا، وأكلن من اللحم، وفى صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام أمر من كل بدنة -جمل - بضعة -قطعة-فى قِدر، فأكل هو وعلى رضى الله عنه من لحمها وشربا من مرقها.
هذا والأولى أن تطعم كلها للفقراء وبخاصة بعد الاستعدادات الجديدة لتنظيم الذبح والتوزيع، والأكل منها أفضل من أن ترمى وتضيع دون توزيع
(9/224)
________________________________________
الزواج أم الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إنى شاب لم أتزوج، فأيهما أفضل الحج أم الزواج؟

الجواب
لاشك أن الحج فرض لازم على كل مستطيع كما قال تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: 97.
ووجوبه على الفور عند جمهور الفقهاء، يحرم تأخيره عن أول فرصة له، والزواج مشروع ومرغب فيه بالآيات والأحاديث الكثيرة، غير أن الفقهاء قالوا: إنه قد يكون واجبا وقد يكون مندوبا، فهو واجب على من وجد نفقته وقدر على كل تبعاته وخاف العنت أى الوقوع فى الفاحشة إن لم يتزوج، ويكون مندوبا إن قدر عليه ولم يخف العنت إن لم يتزوج، بأن كانت حالته طبيعية وعنده من القدرة ما يكف به نفسه عن الفاحشة إن أخر الزواج.
وعلى هذا نقول: إن كان الزواج واجبا قدمه على الحج لأنه لو لم يتزوج وقع فى الفاحشة، والحج يكون واجبا على المستطيع، ومن الاستطاعة وجود مال زائد على حاجاته الضرورية، ومن حاجاته الضرورية الزواج فى مثل هذه الحالة وبخاصة أن الحج واجب على التراخى عند بعض الأئمة، يعني لو أخره سنة لا يأثم.
وإن كان الزواج مندوبا له قدم الحج عليه، ضرورة تقديم الواجب على المندوب
(9/225)
________________________________________
الصدقة على الكافر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندنا جار فقير لكنه غير مسلم فهل يجوز أن أعطيه من الزكاة؟

الجواب
اتفقت الأئمة على عدم جواز إعطاء الزكاة لغير المسلمين، فيما عدا المؤلفة قلوبهم - وهم الذين يرجى إيمانهم أو يخشى شرهم، وإن كان هناك خلاف فى وجودهم الآن وفى جواز إعطائهم إن كانوا - والدليل على عدم إعطاء الكفار من الزكاة قول النبى صلى الله عليه وسلم {صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم} فى حديث معاذ لما أرسله إلى اليمن. والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم، رواه البخارى ومسلم.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمى لا يعطى من زكاة الأموال شيئا، واختلفوا فى زكاة الفطر فجوزها أبو حنيفة، وعن عمرو بن ميمون وغيره أنهم كانوا يعطون منها الرهبان، وقال مالك والليث وأحمد وأبو ثور لا يعطون، ونقل صاحب البيان عن ابن سيرين والزهرى جواز صرف الزكاة إلى الكفار "المجموع للنووى ج 6 ص 246" لكن صدقة التطوع يجوز أن يعطى منها غير المسلم، لما صح من إجازة النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبى بكر أن تبر أمها وكانت مشركة وقال لها "صِلى أمك " ويؤيد هذا قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} الممتحنة: 8.
وقال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} الإنسان: 8، فالآية مطلقة والأسير بالذات قد يبقى على دينه ولا يسلم، قالوا: ومنه إعطاء عمر صدقة لليهودى الذى وجده يسأل.
وأختار أنه لا يجوز لك أيها السائل أن تعطى من زكاتك لغير المسلم ويجوز أن تساعده بصدقة تطوع، رعاية لحق الجوار
(9/226)
________________________________________
زكاة المال المدخر لحاجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندى مال أدخره لمشروع ينفذ بعد سنتين، ولو أخرجت عنه الزكاة نقص المال وتعطل المشروع. فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
ما دام المبلغ وصل إلى حد النصاب وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة ما دام فائضا عن حاجاتك الحالية أما المستقبلة فلا عبرة بها، لأن المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله، والزكاة نسبتها قليلة جدا (5، 2%) لا تؤثر على المشروع تأثيرا واضحا، والمبادرة إلى أداء حق الله يبارك الله بها المال {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} الطلاق: 4.
هذا، ولو نقص المال المدخر فى أثناء الحول عن النصاب لا تجب فيه الزكاة حتى يكمل النصاب، وهنا يبدأ حول جديد وإذا كان النقص عن النصاب مقصودا به سقوط الزكاة كان من الحيل المحرمة، أما إذا زاد المال المدخر فى أثناء الحول فإن الزيادة تأخذ حول النصاب حتى لو وضعت فى آخر الحول، وذلك على رأى بعض الفقهاء، ورأى بعضهم أن يبدأ للزيادة حول جديد تزكى عند انتهائه، والرأى الأول أسهل فى الحساب، ويدخل تحت جواز إخراج الزكاة قبل موعدها، والرأى الثانى أدق وأضبط للحساب، ولا مانع من الأخذ بأحد الرأيين
(9/227)
________________________________________
دفع الزكاة للمدين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز دفع الزكاة لإنسان عليه دين عاجز عن الوفاء به؟

الجواب
قال الله تعالى فى مصارف الزكاة {والغارمين} التوبة: 60، يقول القرطبى عنهم: هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم به، ولا خلاف فيه، اللهم إلا من ادَّان فى سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب، ويعطى منها من له مال وعليه دين محيط به ما يقضى به دينه -يعنى دين مستغرق لما يملكه -فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير وغارم فيعطى بالوصفين. روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تصدقوا عليه " فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول صلى الله عليه وسلم لغرمائه " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ".
ويجوز لمن تحمل مالاً فى إصلاح وصلاح أن يعطى من الصدقة ما تحمل به إذا وجب عليه، وإن كان غنيا إذا كان ذلك يجحف بماله كالغريم.
واختلفوا هل يقضى منها دين الميت أم لا، فقال أبو حنيفة: لا، ولا يعطى منها من عليه كفارة ونحو ذلك من حقوق الله، وإنما الغارم من عليه دين يسجن فيه -وقال علماؤنا وغيرهم: يقض منها دين الميت لأنه من الغارمين، قال صلى الله عليه وسلم "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضَيَاعًا-عيالا-فإلىَّ وعلىَ".
وذكر الماوردى فى "الأحكام السلطانية" ص 123 أن الغارمين صنفان، صنف منهم استدانوا فى مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم، وصنف منهم استدانوا فى مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر والغنى قدر ديونهم من غير فضل
(9/228)
________________________________________
إسقاط الدين من الزكاة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اقترض منى رجل مبلغا من المال ثم عجز عن أدائه، هل يجوز أن أسقط عنه هذا الدين وأجعله من الزكاة الواجبة علىَّ؟

الجواب
يقول النووى فى كتابه "المجموع ": لو كان على رجل معسر دين، فأراد الدائن أن يجعله من زكاته وقال له: جعلته عن زكاتى فهناك وجهان صحيحان، أصحهما أنه لا يجزئه، وهو مذهب أحمد وأبى حنيفة، لأن الزكاة فى ذمة صاحبها فلا يبرأ إلا بإقباضها، والوجه الثانى يجزئه، وهو مذهب الحسن البصرى وعطاء بن أبى رباح، لأنه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز، فكذلك إذا لم يقبضه. كما لو كانت له دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة فإنه يجزئه، سواء قبضها أم لم يقبضها.
وإذا دفع إليه الزكاة وشرط عليه أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة، ولا يصح قضاء الدين بذلك، لكن لو نويا ذلك ولم يشترطاه جاز وأجزأه عن الزكاة، وإذا رده إليه عن الدين برىء هذا، وهذه الصورة هى من صور الغارمين الذين لهم سهم فى الزكاة وقد مر توضيحها فى سؤال سابق
(9/229)
________________________________________
سقوط زكاة الفطر على الزوجة الناشز

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب على الزوج أن يخرج زكاة الفطر عن زوجته الناشز؟

الجواب
قال جمهور الفقهاء: إن الزوج يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تجب عليه نفقتهم، ومنهم الزوجة ما دامت الزوجية قائمة حقيقة أو حكما كالمطلقة، وأبو حنيفة لا يوجب هذه الزكاة على الزوج، فهى التى تخرج زكاتها، لكن لو تبرع هو بإخراجها عنها أجزأت ولو كان ذلك بغير إذنها.
فإذا لم تكن الزوجية قائمة بسبب الموت أو الفراق فللنفقة أحكام مذكورة فى مواضعها، لكن النفقة تسقط بالنشوز، الذى يتحقق بأخذ أمرين، امتناعها عن تمتع الزوج بها، وخروجها من منزل الزوجية بغير إذنه وبغير ضرورة.
وزكاة الفطر تابعة للنفقة وفى وجوبها خلاف فقد تجب النفقة ولا تجب الزكاة (انظر زكاة الفطر عن الزوجة غير المسلمة) لكن إذا سقطت سقطت زكاة الفطر إذا كان النشوز فى وقعت وجوب الزكاة، وهو آخر ليلة من رمضان أو أول يوم من شوال. وعلى الزوجة أن تخرج زكاتها هى عن نفسها حينئذ
(9/230)
________________________________________
الزكاة فى العسل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل عسل النحل فيه زكاة؟

الجواب
معلوم أن عسل النحل من نعم الله على عباده، وجاء فى ذلك قوله تعالى {فيه شفاء للناس} النحل: 169، وتحدث العلماء قديما وحديثا فى معنى الشفاء الموجود فيه، ويراجع فى ذلك كتاب "الطب النبوى" لابن القيم أو "زاد المعاد" له. أما الزكاة فيه فقد جاء فى تفسير القرطبى "ج 10 ص 140 " أن الإمام مالكا وأصحابه ذهبوا إلى أنه لا زكاة فيه وإن كان مطعوما مقتاتا، واختلف فيه قول الشافعى، ففى القديم أن فيه زكاة، وفى الجديد قطع بأنه لا زكاة فيه، وقال أبو حنيفة بوجوب الزكاة فيه قليله وكثيره، لأن النصاب عنده ليس بشرط، وقال محمد بن الحسن: لا شىء فيه حتى يبلغ ثمانية أفراق، والفرق ستة وثلاثون رطلا عراقيا، وقال أبو يوسف: فى كل عشرة أزقاق زق، متمسكا بما رواه الترمذى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فى العسل فى كل عشرة أزقاق زق " قال أبو عيسى: فى إسناده مقال، ولا يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب كبير شىء، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس فى العسل شىء. انتهى، فالخلاصة: أن جمهور العلماء لا يوجبون الزكاة فى عسل النحل، لعدم وجود الدليل الصحيح، قال ابن المنذر: ليس فى وجوب الصدقة فى العسل خبر يثبت ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور.
والذى قال بالزكاة فيه أحمد وأهل الرأى، وهم أبو حنيفة وأصحابه.
على خلاف فى نصابه، ومقدار الزكاة. وإذا لم تجب الزكاة فصدقة التطوع مندوبة
(9/231)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالثلاثاء 06 فبراير 2024, 5:22 pm

زكاة الفطر عن الزوجة غير المسلمة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تزوج مسلم مسيحية وله منها أولاد، هل يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنها؟

الجواب
زكاة الفطر يجب على الرجل أن يخرجها عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم ومنهم الزوجة، والزوجة غير المسلمة وإن وجبت على الزوج نفقة الزوجية لها باتفاق العلماء فإن إخراج زكاة الفطر عنها فيه خلاف، فالجمهور من الأئمة وهم مالك والشافعى وأحمد يرون عدم وجوب إخراجها، لأنها لم تجب عليها أصلا لعدم إسلامها، بناء على الرأى القائل بأن الكافر غير مكلف بفروع الشريعة، وللحديث: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل حر وعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. ولأن من حكم زكاة الفطر أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث كما رواه أبو داود بإسناد حسن عن ابن عباس رضى الله عنهما، والكافر لم يصم فلا معنى لتطهير الزكاة له.
والقيد المذكور فى الحديث وهو "من المسلمين " يحتمل أن يقصد به المؤدَّى عنه وليس المؤدَّى، فلا يجب على الرجل إخراج زكاة الفطر عن عبده غير المسلم مع وجوب نفقته عليه، وكذلك عن زوجته غير المسلمة "المغنى لابن قدامة ج 2 ص 646، 647 ".
ويرى أبو حنيفة وأصحاب الرأى إخراج الزكاة عن الابن الصغير إذا ارتد - مع مراعاة أن الردة تكون من المكلف البالغ -كما يخرجها عن عبده الذمى، أى غير المسلم، بناء على وجوب إنفاق الوالد على ولده الصغير، وإنفاق السيد على عبده. ورووا فى ذلك حديثا يقول "أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير يهودى أو نصرانى أو مجوسى نصف صاع من بر" ورد عليهم الجمهور برفض هذا الحديث، حيث لم يذكره أصحاب الدواوين وجامعو السنن. وقد يقال: إن زكاة الفطر إن لم تكن طهرة للصائم من اللغو والرفث -والكافر لم يصم -فهى طعمة للمساكين كما نص عليه حديث أبى داود، فتخرج عمن لم يصم كأصحاب الأعذار ومنهم الكفار كالزوجة والعبد، ويرد عليه بأن المسلم إذا لم يصم - ولو بغير عذر - مكلف بأمرين، الصيام والزكاة، فإذا قصر فى أحدهما طولب بالآخر.
فالخلاصة أن الزكاة عن الزوجة غير المسلمة غير واجبة على رأى الجمهور، وواجبة عند أبى حنيفة وأصحابه "كفاية الأخبار ج 1 ص 173 "
(9/232)
________________________________________
دفع الزكاة لتارك الصلاة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز دفع الزكاة إلى مسلم بالغ عاقل لكنه تارك للصلاة؟

الجواب
وجه هذا السؤال وذكرت إجابته فى فتاوى الإمام النووى عن المسألة " 104 " فقال: إن كان بالغا تاركا للصلاة واستمر على ذلك إلى حين دفع الزكاة لم يجز دفعها إليه، لأنه محجور عليه بالسفه فلا يصح قبضه، ولكن يجوز دفعها إلى وليه فيقبضها لهذا السفيه وإن كان بلغ مصليا رشيدا ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر القاضى عليه جاز دفعها إليه وصح في قبضه لنفسه كما تصح جميع تصرفاته. انتهى لكن هذا الحكم فيمن ترك الصلاة كسلا وهو معتقد وجوبها عليه، أما من تركها عمدا جاحدا لوجوبها فهو كافر، والكافر لا يعطى من الزكاة، ومهما يكن من شىء فإن دفع الزكاة للفقير المستقم المواظب على الصلاة والطاعة أولى من دفعها إلى غير المستقيم، وذلك تشجيعا على الطاعة، ومقاومة للعصيان
(9/233)
________________________________________
زكاة التجارة من السلع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز إخراج زكاة صيدلية الدواء فى صورة أدوية للمستشفيات التى تعالج غير القادرين؟

الجواب
الصيدلية التى تشترى وتبيع الأدوية نشاطها تجارى، فتجب فيها الزكاة آخر الحول بمقدار ربع العشر، وجمهور العلماء يقول: تُقوَّم الأدوية والسلع التي هى موضع التجارة وتخرج الزكاة من القيمة وليس من عين السلع، للخبر المشهور عن عمر وهو يفرض الزكاة على تاجر الجلود بأن يقومها ويخرج من ثمنها، وعلى رأيهم لا يجوز إخراج الزكاة من الأدوية والسلع نفسها، فقد يكون الفقير غير محتاج إلى السلعة.
وعند أبي حنيفة والشافعى فى أحد قوليه جواز إخراج الزكاة من عين السلع التى يتاجر فيها، ولا مانع من الأخذ بهذا الرأى، والأولى اعتبار ما فيه مصلحة المحتاج من نقود أو دواء كما أشار إليه ابن تيمية فى فتاويه.
وإذا كنا نعتبر المستشفيات من سهم "سبيل الله " المنصوص عليه فى آية {إنما الصدقات.. .} فإن العلماء قالوا: لابد أن تصرف الزكاة للمسلمين، فإذا كان هناك مريض مسلم أو جماعة مرضى منهم يعالجون فى مستشفى علاجا تلزمه أدوية خاصة لا طاقة لهم بشرائها، كان صرف الأدوية لهم قد وقع موقعا صحيحا من الزكاة
(9/234)
________________________________________
زكاة الماس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عرفنا أن الذهب والفضة فيهما زكاة، فهل الماس والأحجار الكريمة فيها زكاة أيضا؟

الجواب
روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "المعدن جبار، وفى الرِكاز الخمس " الركاز هو المدفون من كنوز الجاهلية ولا يحتاج العثور عليه إلى نفقة وكبير عمل، كالذهب والفضة والحديد والياقوت والماس والزبرجد، والواجب على من وجده أن يخرج عنه زكاة، ومقدارها الخُمس، وهو قول جمهور الفقهاء. وهناك قول للشافعى أن الخمس لا يجب إلا فى الذهب والفضة فقط.
أما المعدن فهو كل ما استخرج من الأرض مما له قيمة ببذل جهد كبير وإنفاق مال. ومعنى "جُبار" فى الحديث أن من استأجر شخصا ليحفر له حتى يستخرج المعدن فسقط عليه شىء منه فلا دية له.
والمعدن لا زكاة فيه عند بعض الفقهاء، لأنه استخرج بجهد بدنى ومالى، وقال أحمد بن حنبل، كل ما استخرج من الأرض ففيه زكاة إذا بلغ نصابا بنفسه أو بقيمته وجعل منه الياقوت والزبرجد والنفط والكبريت، وكذلك منه الماس.
وذهب أبو حنيفة إلى أن الذى تجب فيه الزكاة هو ما يُدقُّ عليه ويتمدد ويذوب بالنار كالذهب والحديد. أما المائع كالنفط والجامد الذى لا يذوب بالنار كالياقوت وكذلك الماس فلا زكاة فيه.
والزكاة فى النوع الأول كالحديد لا يشترط فيها النصاب، بل تجب فى القليل والكثير عنده. والزكاة الواجبة هى الخمس.
وذهب مالك والشافعى إلى أن الزكاة فى المعدن لا تجب إلا فى الذهب والفضة، فلا تجب فى الماس ولا فى غيره من الأحجار الكريمة والمعادن، والزكاة الواجبة عند مالك والشافعى وأحمد هى ربع العشر.
هذا، وليس هناك دليل خاص من قرآن أو سنة على وجوب الزكاة فى المعادن والأحجار الكريمة وغيرها مما يستخرج من الأرض بجهد ونفقة، وإنما هى آراء اجتهادية ولذلك اختلفت أقوال الفقهاء فيها، ولا بأس بالأخذ من الآراء بما فيه المصلحة، وللحاكم أن يختار منها ما يحققها، هذا هو حكم استخراجها، أما التجارة فيها فهى كسائر التجارات لابد فيها من إخراج الزكاة
(9/235)
________________________________________
الزكاة لفك الأسرى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للحاكم أن يجمع أموال الزكاة ويدفعها إلى الأعداء نظير الإفراج عن جنود المسلمين من أسرى الحرب؟

الجواب
كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر بجباية الزكاة ويقوم بتوزيعها فى مصارفها، وفعل ذلك أبو بكر وعمر من بعده، ثم رؤى أن يتولى كل إنسان إخراج زكاة أمواله الباطنه وتوزيعها بنفسه على المصارف الثمانية المعروفة، التى منها "سبيل الله " وسبيل الله وإن كان العلماء السابقون قد قصروه على الجهاد فى سبيل الله لنشر الدين وحماية المقدسات فقد رأى العلماء المحدثون سعة مجاله وتعدد ميادينه تبعا لتطور الظروف، ليشمل كل خير تعم منفعته المسلمين، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وفداء الأسرى على التفسير القديم والحديث داخل فى سبيل الله لأنه مرتبط بالجهاد الذى يدفع به العدو عن الوطن، فلا مانع من دفع حصة من الزكاة من أجل ذلك
(9/236)
________________________________________
زكاة أوراق النقد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
معلوم أن زكاة النقدين هى فى الذهب والفضة، فهل فى أوراق النقد زكاة؟

الجواب
تحدَّث العلماء عن الأوراق التى تحمل قيمة مالية، وقالوا: إنها سندات دين لحاملها، وهى ليست ذهبا ولا فضة ولا عروض تجارة، فهى من قبيل الدين القوى الذى تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول، والورقة ضامنة لقيمتها عند أى شخص، فعوملت معاملة النقدين فى وجوب الزكاة، لجريان التعامل بها، إلا أنه بمقتضى النص المرقوم عليها وعدم دفع قيمتها نقدا ممن يعطيها وهو المدين اعتبرت حوالة على الغير بقيمتها، فيراعى فى التعامل بها شروط الحوالة وأركانها.
فمن يرى جواز المعاملة بالمعاطاة كالصيغة المخصوصة يوجب فيها الزكاه بشروطها، وذلك لصحة الحوالة فيها، وهذا رأى الحنفية والمالكية والحنابلة، ومن يرى تحتم الصيغة فى الحوالة وأنها ركن فيها وأنه لا تجوز الحوالة بالمعاطاة -كما هو الأصح عند الشافعية- يقول بعدم صحة الحوالة فى الأوراق المالية "البنك نوت "وعلى هذا القول لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قبض قيمتها ذهبا أو فضة وبلغت نصابا وحال عليه الحول.
وقد نشرت فتوى للشيخ محمد بخيت المطيعى فى مجلة الإرشاد - العدد الثامن لسنة 1351 هـ جاء فيها ما يؤدي هذا الكلام، من أن المعاملة بهذه الأوراق تتخرج على الحوالة بالمعاطاة من غير اشتراط صيغة الحوالة كالبيع، فهى من الدَّين القوى الذى هو فى حكم العين المقبوضة، لتمكنه من استبدالها فى أى وقت شاء، والحوالة بالمعاطاة جائزة عند الأئمة الثلاثة، ومن هنا تجب فيها الزكاة، ويجوز أن يدفع ربع العشر من عينها على طريق الحوالة للفقير بما يأخذه "مجلة الإسلام - السنة الثالثة، العدد الرابع والثلاثون ".
هذا فى الأوراق التى يكتب عليها التعهد بدفع قيمتها، أما الأوراق التى تكتب عليها القيمة فهى عملة غير ذهبية ولا فضية ولا سند حوالة، والزكاة فى غير النقدين غير واجبة إلا فى مذهب الإمام مالك، حيث جعلها بمنزلة النقدين. وهو رأى فيه مصلحة للفقير فيرجَّح العمل به
(9/237)
________________________________________
زكاة البترول والمعادن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعت أن البترول فيه زكاة ومقدارها الخمس، فهل هذا صحيح؟

الجواب
بناء على عموم قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} البقرة:267 وعلى ما رواه الجماعة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "والمعدن جُبار وفى الركاز الخمس " تحدث الفقهاء عما يوجد فى باطن الأرض وحصل عليه الإنسان بدون بذل مال أو جهد، وأسموه الركاز وأوجبوا فيه الزكاة بمقدار الخمس، كما تحدثوا عن المعادن المستخرجة من الأرض بجهد كالذهب والبترول والكبريت، وأوجبوا فيها الزكاة على خلاف بينهم فى أنواعها ومقدارها، فقال الشافعى ومالك: لا زكاة إلا فى الذهب والفضة فقط، وقال أحمد بن حنبل: تجب الزكاة فى كل ما يستخرج من الأرض حتى القار والنفط والكبريت، وخص أبو حنيفة الزكاة فى الجامد الذى يتمدد أويذوب بالنار كالحديد والذهب، أما المائع كالقار والنفط فلا زكاة فيه، وكذلك ما لا يتمدد بالنار أو يذوب كالياقوت وكل ما يسمى بالأحجار الكريمة فلا زكاة فيه.
والقدر الواجب فى المعدن عند مالك والشافعى وأحمد هو ربع العشر عند العثور عليه، دون اشتراط لحولان الحول. أما عند أبى حنيفة فهو الخمس، قلَّ أو كثر.
ثم إن جمهور العلماء على أن الخمس إذا وجب فى الركاز فهو على كل من وجده، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، وقصره الشافعى على من توفرت فيه شروط الزكاة ويصرف فى الوجوه التى تصرف فيها الزكاة، لكن الجمهور جعله كالفىء، مستندا فى ذلك إلى أثر عن عمر رضى الله عنه.
بعد ذلك يمكن أن يقال: إن فى البترول زكاة على رأى أحمد بن حنبل، ولا زكاة فيه عند بقية الأئمة. ولو كان تشريع الزكاة معمولا به كبقية القوانين جاز لأولى الأمر أن يفرضوا عليه زكاة وبخاصة إذا كان له تأثير فعال فى الاقتصاد القومى.
وإذا كان الذى يملك البترول هم المسئولون أى إنه ملك للدولة فهل تجب الزكاة فيه؟ إن ما شرع بخصوص الركاز والمعادن هو بالنسبة إلى الأفراد والشركات المستقلة، أما إذا كانت الدولة هى التى تملك البترول، فهو مالها الذى هو مال الشعب كله يُنفَق فى مصالحه، ولا معنى لفرض زكاة عليه فالزكاة من أجل الأصناف والمجالات التى تحتاج إليها، والمملوك للدولة داخل ضمن الميزانية العامة كمورد من الموارد التى تصب فى بيت المال أو خزانة الدولة يترك لولى الأمر التصرف فيه بما يحقق المصلحة المشروعة
(9/238)
________________________________________
المؤلفة قلوبهم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جعل الله من مصارف الزكاة المؤلفة قلوبهم، فما هى مواصفاتهم، وهل يوجد أحد منهم الآن؟

الجواب
قال الله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله} التوبة: 60.
المؤلفة قلوبهم منهم مسلمون ومنهم كافرون، والمسلمون أقسام أربعة:
القسم الأول - قوم من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، إذا أعطيناهم من الزكاة يُرجى إسلام نظرائهم، كعدى بن حاتم والزبرقان ابن بدر حيث أعطاهما أبو بكر مع حسن إسلامهما.
القسم الثانى- زعماء ضعفاء الإيمان لكنهم مطاعون فى أقوامهم، ويرجى بإعطائهم من الزكاة تثبيت الإيمان فى قلوبهم، كمن أعطاهم النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين، وهم مسلمة الفتح، أى الذين دخلوا فى الإسلام حديثا عند فتح مكة التى كانت غزوة حنين عقب الفتح قبل أن يعود النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
القسم الثالث - قوم من المسلمين يخشى أن يستميلهم العدو لمصلحته، وهم العملاء الذين ينشطون حين يرون الفائدة ميسرة لهم.
القسم الرابع - قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجباية الزكاة، لأنهم ذوو نفوذ فى أقوامهم، لا تجبى إلا بسلطانهم أو بقتالهم، فيرتكب أخف الضررين ويعطون شيئا من الزكاة بدل أن تضيع كلها.
أما الكافرون من المؤلفة قلوبهم فهم قسمان:
القسم الأول: من يرجى إيمانه، كصفوان بن أمية الذى أعطاه الرسول من غنائم حُنين.
القسم الثانى: من يخشى شره فيعطى من الزكاة ليكف شره عن المسلمين كأبى سفيان، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس.
ويقال: إن هؤلا أسلموا فى فتح مكة قبل أن يعطيهم النبى صلى الله عليه وسلم من حنين، فهم داخلون فى القسم الثانى من المسلمين.
والإمام الشافعى قال: لا تعطى الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم إلا إذا كانوا مسلمين، فلا تعطى لكافر، وأما الفاسق فلا مانع من إعطائه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بانتشار الإسلام، كما فعل عمر رضى الله عنه، فلا تعطى الزكاة لأحد منهم، مسلما كان أوكافرا.
والمختار الآن عدم إعطاء الكفار من هذا السهم لدفع شرهم، وإن جاز إعطاؤهم من سهم "سبيل الله" لأنه جهاد، والجهاد وسائله كثيرة، منها المال. ويمكن الرجوع إلى تفسير المنار لمن يريد مزيدا من التوضيح، وكذلك إلى " المغنى لابن قدامة" باب الزكاة
(9/239)
________________________________________
الزكاة للزوج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
زوجى مريض ويحتاج إلى علاج لا يملك نفقته فهل يجوز أن أساعده على العلاج من زكاة مالى؟

الجواب
سبق فى صفحة 616 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى حديث البخارى أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: يا نبى الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندى حُلى، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم "صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم ".
فإعطاء الزكاة للزوج جائز عند الشافعى، وأبى يوسف ومحمد صاحبى أبى حنيفة، وعند أحمد بن حنبل فى رواية. أما أبو حنيفة فذهب إلى أنه لا يجوز للزوجة أن تدفع لزوجها من زكاتها، وحمل حديث زينب على صدقة التطوع لا على الزكاة المفروضة، ومالك قال: إن كان الزوج يستعين بزكاة امرأته على نفقتها فلا يجوز، أما إن كان يستعين بها على غير الإِنفاق عليها فيجوز.
ومن هنا نقول لصاحبة السؤال: ما دام زوجك يحتاج إلى نفقة لعلاج نفسه فيجوز أن يأخذ من زكاتك عند الأئمة الثلاثة
(9/240)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالثلاثاء 06 فبراير 2024, 5:54 pm

عذاب مانع الزكاة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا خص الله الجنب والجبهة والظهر بالكى فى قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم} ؟

الجواب
هاتان الآيتان من سورة التوبة: 34، 35 وقال القرطبى فى التفسير: الكى فى الوجه أشهر وأشنع، وفى الجنب والظهر آلم وأوجع. فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء.
وقال علماء التصوف: لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحا من الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم والكشح هو الجنب ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها كويت ظهورهم.
وقال علماء الظاهر -أى غير الصوفية-: إنما خص هذه الأعضاء لأن الغنى إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه، وإذا سأله طوى كشحه، وإذا زاده فى السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره، فرتب الله العقوبة على حال المعصية.
هذه آراء اجتهادية لا مانع من قبولها فى تفسير هذه الآية، وفى عذاب مانعى الزكاة نصوص كثيرة فى القرآن والسنة يسهل الرجوع إليها
(9/241)
________________________________________
زكاة التجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف تُقَّوَّم السلع التجارية عند إخراج زكاتها، هل تقوَّم بثمنها عند الشراء، أو بقيمتها عند انتهاء الحول؟

الجواب
إن الزكاة ركن من أهم الأركان التى بنى عليها الإسلام وهى واجبة فى كل ما فيه نماء من النقد والثروة الحيوانية والثروة الزراعية، والتجارة إحدى وسائل التنمية، لأنها تقليب للمال بالمعاوضة لغرض الربح، ويكاد الإجماع يكون منعقدا على وجوب الزكاة فيها، والدليل على وجوبها قبل الإجماع مع القياس على الثروات النامية، ما رواه أبو داود والبيهقى عن سمرة بن جندب قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذى نُعِدُّه للبيع، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطنى والبيهقى عن أبى ذر " فى الإبل صدقتها، وفى الغنم صدقتها، وفى البز صدقته " والبز الثياب المعدة للبيع، وكذلك ما رواه الشافعى وأحمد والدارقطنى والبيهقى وعبد الرزاق عن أبى عمرو عن أبيه قال: كنت أبيع الأدم - أى الجلود - والجعاب - أى أوعية السهام - والجفان - أى أوعية الطعام - فمرَّ بى عمر بن الخطاب، فقال: أدِّ صدقة مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو الأدم، قال: قومه ثم أخرج صدقته. يقول صاحب المغنى: وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر، فيكون إجماعا.
وقول عمر عن الأدم: قوِّمه، يدل على أن زكاة التجارة ليست فى عين السلع والعروض، وإنما فى قيمتها، وعلى ذلك عند إخراج زكاة التجارة تقوَّم السلع وتخرج الزكاة من قيمتها، وهى ربع العشر، اثنان ونصف فى المائة وتقويم السلعة لا يكون بالسعر الذى اشتريت به، وإنما بالسعر الذى يكون عند انتهاء الحول، وهو وقت وجوب الزكاة، ولا عبرة بالنقص أو الزيادة عن ثمنها الأصلى.
ولا تجب زكاة التجارة إلا بعد مرور الحول، وبعد أن تبلغ قيمتها نصابا، وهو ما يستوى ثمن خمسة وثمانين جراما من الذهب تقريبا، وهو نصاب الذهب، على أن يضم إليها الربح الذى حققته التجارة أثناء الحول، وبقى متداولاً حتى آخر الحول، وتخصم الديون التى عليه، أما التى له عند الغير، فلا تزكىَّ إلا عند قبضها، على ما يراه الإمام مالك رضى الله عنه، وذلك عن سنة، وفى ذلك تيسير على من يبيعون بالأجل، مع النصيحة بالرحمة والقناعة.
هذا، وندعو للتجار الحريصين على إخراج الزكاة، بالبركة والنماء، ونذكرهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذى وحسنه " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"
(9/242)
________________________________________
زكاة الخضر والفواكه

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى كيفية إخراج الزكاة عن القصب والموز والطماطم؟

الجواب
أوجب الله سبحانه وتعالى الزكاة على الثروة الزراعية بقوله تعالى: {وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الأنعام:
141 وبقوله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} البقرة: 267.
وقد اختلفت أراء الفقهاء الأربعة أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد فى الأصناف التى تجب فيها الزكاة، فأوجبها أبو حنيفة فى كل ما تنبته الأرض ما دام قد قصد بزراعته استغلالها:
ولم يستثن من ذلك إلا أنواعا قليلة كالحطب والشجر الذى لا ثمر له. وعلى رأيه تجب الزكاة فيما ذكر فى السؤال، وهو القصب والموز والطماطم، أما صاحباه أبو يوسف ومحمد فقالا: ما يبقى سنة بلا علاج كبير فيه زكاة، وما لا يبقى سنة كالبطيخ والخيار فلا زكاة فيه.
والإمام مالك حصر الزكاة فيما يبقى وييبس ويستنبته الآدميون، ولم يوجب الزكاة فى الخضراوات والفواكه الطرية كالتين والرمان والموز، وقال الشافعى كقول مالك فى عدم الزكاة فى هذه الأصناف وأحمد بن حنبل لا يوجب الزكاة فيما لا يبقى ولا ييبس، فلا زكاة فى الخضر والفواكه الطرية.
بعد عرض هذه الأقوال نرى أن جمهور الفقهاء لا يوجبون الزكاة فى القصب والموز والطماطم، وأوجبها أبو حنيفة بناء على عموم قوله تعالى فى الآية السابقة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} وعموم الحديث الذى رواه البخارى " فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " واستند الجمهور إلى أحاديث وآثار تحصر الزكاة فى أصناف معينة مما يقتات ويدخر.
وإذا كانت زراعة الخضراوات والفواكه الأخرى غير التمر والزبيب قد كثرت وصارت تدرُّ ربحا كبيرا، فهل من سلطة ولى الأمر أن يفرض فيها الزكاة مراعاة للصالح العام؟ إن وعاء الزكاة على النحو المذكور موضع اجتهاد من الفقهاء، وللفرد أن يختار منها ما يشاء، لكن لو رأى ولى الأمر اختيار مذهب أبى حنيفة فى جمع الزكاة من الخضراوات وسائر الفواكه وسائر الزروع، مراعاة للمصلحة العامة، جاز له ذلك وعلينا أن نطيع أمره فهو ليس فى معصية، وهو يحقق المصلحة التى يراها الخبراء والمختصون على أساس من الشورى واستهداف الخير العام
(9/243)
________________________________________
الزكاة لمن لا يستحق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مر بى سائل فظننت أنه محتاج فدفعت له قسطا من زكاتى، ثم ظهر بعد ذلك أنه من المحترفين الذين يملكون مالا كثيرا لا يستحقون معه الزكاة فهل زكاتى عليه صحيحة؟

الجواب
سبق القول بالتحرى لدفع الصدقة، كأية عبادة يؤديها الإنسان لابد أن تكون كما قرر الشرع فى حجمها وكيفيتها ووقتها وغير ذلك وقلنا: إن حسن الظن بطالب الصدقة يشفع فى قبولها عند الله لو ظهر خلاف الظن، وأوردنا فى ذلك حديث البخارى الذى أخذ فيه معن ابن الصحابى "يزيد " صدقة أبيه وكان ينوى إعطاءها لغيره: وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن " وحديث الصحيحين فيمن ظهر أن صدقته وقعت فى يد سارق ويد زانية ويد غنى، وأن الله تقبلها.
وإذا حمل ذلك على صدقة التطوع وهى النافلة فهل يصدق على الزكاة الواجبة إذا ظهر أنها وقعت فى غير موقعها؟ جاء فى المغنى لابن قدامة "ج 2 ص 528" قوله وإذا أعطى من يظنه فقيرا فكان غنيا فعن أحمد فيه روايتان، إحداهما يجزئه وذكر أنه مذهب أبى حنيفة، واستشهد بحديث رواه النسائى وأبو داود: أن رجلين طلبا من النبى صلى الله عليه وسلم صدقة مما كان يوزعه فى حجة الوداع فراهما قويين، فقال لهما "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ لغنى ولا لقوى مكتسب " قال الخطابى: هذا الحديث أصل فى أن من لم يُعْلَم له مال فأمر محمول على العدم، كما استشهد بحديث الصحيحين فى الرجل الذى تصدق فظهر أن المتصدَّق عليه غنى، وتحدث الناس بذلك، وأن الرسول أخبره أن صدقته قبلت. لعل الغنى يعتبر، والرواية الثانية لأحمد أنها لا تجزى، وهو قول أبى يوسف. وأما الشافعى فله قولان كالروايتين الواردتين عن أحمد. وذكر ابن قدامة تعليلا للرواية بالجواز أن الفقر والغنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته. قال الله تعالى {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم} البقرة: 273، فاكتفى بظهور الفقر ودعواه.
وأقول للسائل: زكاتك وقعت موقعها على رأى أبى حنيفة واحد قولين لأحمد والشافعى
(9/244)
________________________________________
الزكاة للغارمين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل تكاثرت عليه الديون ولا يستطع الوفاء بها فهل يمكن أن نعطيه من الزكاة ليسد ديونه؟

الجواب
يقول الله تعالى فيمن تعطى لهم الزكاة "والغارمين " والغارمون هم الذين ركبهم الدين ولا يملكون وفاء به كما ذكره القرطبى فى تفسيره، وجاء فى المغنى لابن قدامة أن الغارمين وهم المدينون ضربان، ضرب غرم لغيره كإصلاح ذات البين، وضرب غرم لنفسه لإصلاح حاله فى شىء مباح "ج 2 ص 699" والشرط فى استحقاق الغارم الزكاة ألا يكون دينه فى سفاهة أو محرم. فإن تاب أخذ منها. ويقول القرطبى: إن الغارم يعطى من الزكاة من له مال وعليه دين محيط به -ما يقض به دينه -فإن لم يكن له مال وعليه دين فهو فقير فيعطى بالوصفين، كونه غارما وكونه فقيرا.
وقد صح فى مسلم عن أبى سعيد الخدرى أن رجلا أصيب فى ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تصدقوا عليه " فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال عليه الصلاة والسلام لغرمائه - أصحاب الديون - " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ". وروى مسلم حديثا عن قبيصة بن مخارق بين فيه النبى صلى الله عليه وسلم من تحل لهم المسألة ويطيب لهم ما يأخذونه، وهم ثلاثة:
(أ) رجل تحمَّل حمالة، أى دفع دية القتيل حتى لا يقتل القاتل، فيعطى من الزكاة مقدار الدية فقط ويمسك عن المسألة. (ب) رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فيعطى حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش. (ج) رجل أصابته فاقة أى فقر وشهد ثلاثة من العقلاء على فقره، فيعطى حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش. وجاء فى رواية"إن المسألة تحل لأحد ثلاثة: ذى فقر مدقع - شديد أفض به إلى الدعقاء أى التراب - أو لذى غرم مفظع - شديد شنيع - أو لذى دم موجع لا أى تحمل الدية عن القاتل حتى لا يقتل.
وجاء فى فقه المذاهب الذى نشرته وزارة الأوقاف المصرية أن الحنفية قالوا: الغارم هو الذى عليه دين ولا يملك نصابا كاملا بعد دينه، وأن المالكية قالوا: إنه المدين الذى لا يملك ما يوفى به دينه بشرط ألا يكون دينه فى فساد، ويعطى إن تاب، وأن يكون الدين لآدمى وليس لله كالكفارة. وأن الشافعية قالوا: الغارم هو المدين وأقسامه ثلاثة:
1- مدين للإصلاح بين المتخاصمين.
2 - من استدان لمصلحة نفسه فى مباح أو غير مباح بشرط التوبة.
3 - مدين بسبب ضمان لغيره وكان معسرا هو والمضمون.
ومهما يكن من شىء فإن المدين لنفسه أو لغيره وكان الدين بسبب مباح يعطى من الزكاة بمقدار دينه، ومن استدان لمعاص أو لهو لا يعطى إلا إذا تاب. والقرطبى تحدث عن دين المتوفى هل يقضى من الزكاة أو لا، فقال: إن أبا حنيفة منعه، فالغارم من عليه دين يسجن فيه. والمالكية وغيرهم جعلوا الميت من الغارمين فيقضى دينه من الزكاة، وكما قلنا أكثر من مرة: إن الأمور الخلافية لا يجوز فيها التعصب، وللإنسان أن يختار ما فيه المصلحة
(9/245)
________________________________________
تقدير الزكاة بالمعايير الحديثة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرا فى كتب الفقه أن الزكاة يقدر نصابها بالمكاييل والأوزان القديمة فهل يمكن أن نعرف ذلك بالمعايير الحديثة؟

الجواب
فى حديث رواه البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال {ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة، ولا فى أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة، ولا فى أقل من خمس أواق من الورق صدقة" والذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر. وفى حديث رواه البخارى وغيره أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير. الأوسق جمع وسق، الوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث -بالرطل العراقى- وهو 130 درهما، فيكون المد 174 درهما، ويكون الصاع بالدراهم 696 درهما.
والصاع يقدر بالكيلو جرام هكذا: الصاع يساوى 696 درهما، والكيلو جرام يساوى 324 درهما، وبقسمة دراهم الصاع وهو 696 على دراهم الكيلو جرام، وهى 324 يساوى الصاع اثنين من الكيلو جرامات، 48 درهما. أى أربع أوقيات.
والوسق ستون صاعا فى 2 من الكيلو جرامات وأربع أوقيات فيكون الوسق 129 كيلو جرامًا تقريبًا، والنصاب وهو خمسة أوسق يضرب فى 129 كيلو جراما فيكون 645 كيلو جراما، وهذا هو الذى عليه العمل الآن بمصر بالنسبة لغالب الحبوب كالقمح وتقدير النصاب بالكيل المصرى هو خمسون كيلة، أى أربعة أرادب وكيلتان.
وبالنسبة للنقود المعبر عنها فى الحديث بالورق أى الفضة، وهى تقدر بالدراهم، فالنصاب خمس أواق والأوقية أربعون درهما، كما ثبت فى كتب السنة فيكون النصاب مائتى درهم، أى حوالى ستمائة جرام، وجاء فى بعض التقديرات أنه ستمائة وأربعة وعشرون جراما.
هذا فى نصاب الفضة، أما نصاب الذهب فهو عشرون مثقالا، يساوى بالجرامات حوالى خمسة وثمانين جراما. وهذا التقدير تقريبى، وذلك لكثرة الاختلاف بين الأوزان فى البلاد وعلى توالى العصور، وقد جاء فى بعض التقديرات أنه سبعة وثمانون جراما.
والفروق البسيطة فى الوزن أو الكيل ينبغى أن يؤخذ فيها بالأحوط.
ليطمئن الإنسان على إبراء ذمته من هذه الحقوق التى كثر الوعيد فى عدم الوفاء بها
(9/246)
________________________________________
زكاة الفطر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
متى شرعت زكاة الفطر وما مقدارها، وما هى حكمة مشروعيتها وهل تجب على من لم يصم رمضان؟

الجواب
شرعت زكاة الفطر فى السنة الثانية من الهجرة مع فرض صيام رمضان، فقد روى البخارى وغيره عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعا من تمر أو صاعا من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. كما روى أبو داود وابن ماجه أن ابن عباس رضى الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات.
تقدم فى المجلد الثالث من هذه الفتاوى "ص 309" بيان موعد إخراج زكاة الفطر ويبين الحديث الأول مقدار هذه الزكاة وهو صاع من غالب قوت البلد، وكان الغالب فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة هو التمر والشعير، وأئمة الفقه على إخراجها عينًا، لكن أبا حنيفة رأى جواز إخراج القيمة، وهى تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن، وتقدم فى المجلد الثانى من هذه الفتاوى "ص 123 " الكلام عن إخراج القيمة بدل العين فى الزكاة.
والمقدار هو نصف صاع من القمح عن كل فرد عند أبى حنيفة. أما من الأصناف الأخرى فصاع كامل، وهو قدحان وثلث القدح، وعند الشافعية صاع من أى صنف من الأقوات وهو قدحان، وعند المالكية صاع أيضا، لكن مقداره عندهم قدح وثلث القدح بالكيل المصرى، فتكفى الكيلة عن ستة أشخاص، ورأى الجمهور فى كونها صاعا من أى قوت أقوى من رأى أبى حنيفة فى المفاضلة بين القمح وغيره، فإن معاوية هو الذى قال عند قدومه من الشام إلى الحجاز:
إنى أرى أن مُدَّين من سمراء الشام -أى القمح -تعدل - صاعا من تمر، فأخذ بعض الناس برأيه، لكن الأكثرين بقوا على ما كان عليه أيام النبى صلى الله عليه وسلم رواه الجماعة عن أبى سعد الخدرى، ولا مانع من الأخذ برأى أبى حنيفة فى إخراج القيمة مع مراعاة عدم التقيد بالسعر الرسمى، فإن الفقير ربما لا يستطيع أن يحصل على القوت بهذا السعر، فيؤخذ بالسعر العادى الجارى بين عامة الناس، وكلما زاد عليه كان أفضل، هذا، والصاع يساوى اثنين من الكيلو جرامات، 48 درهما، أى أربع أوقيات.
وبالنسبة لحكمة مشروعية هذه الزكاة قد أشار إليها الحديث الثانى، فهى تتمثل فى فائدتين، فائدة تعود على المزكى وفائدة تعود على من يأخذون الزكاة.
أما الأولى: فهى تطهير الصائم مما عساه يكون قد وقع فيه مما يتنافى مع حكمة الصوم وأدبه، كالسباب والنظر المحرم والغيبة والتمتع بما دون الاتصال الجنسى حتى من زوجته كاللمس والقبلة، وقليل من الناس من يسلم له صومه من كل المآخذ، فتكون زكاة الفطر بمثابة جبر لهذا النقص، أو تكفير له إلى جانب المكفرات الأخرى من الاستغفار والذكر والصلاة وغيرها.
وهى فى الوقت نفسه برهان على أنه استفاد من دروس الجوع والعطش رحمة بمن يعانون منهما من الفقراء والمساكين، فقد قاسى كما يقاسون، وهنا لا يجوز له أن يقسو قلبه وتجمد عاطفته عندما يرى غيره ممن لا يجد ما يسد به جوعته أو يطفئ ظمأه، يسأله شيئا من فضل الله عليه. وكأن هذه الزكاة، وهى رمز متواضع، بمثابة الرسم المفروض على الصائم ليتسلم جائزة التقدير من الله يوم العيد، كما جاء فى حديث ابن عباس بسند مقبول فى مثل هذه المواطن، حيث يشهد الله تعالى ملائكته على رضاه ومغفرته لعباده جزاء صيام رمضان وقيام لياليه.
ومن قسا قلبه ولم يخرجها، على الرغم من يسرها، دل على أنه لم يستفد من دروس الصيام رحمة، وكان صيامه صياما شكليا قد يكون مرغما عليه حياء، لا من الله ولكن من الناس، فهو عمل مرفوض مردود عليه، وذلك ما يشير إليه الحديث الذى رواه أبو حفص بن شاهين فى فضائل رمضان وقال: إنه حديث جيد الإسناد "صوم شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر " وأما الفائدة الثانية لزكاة الفطر فهى للمحتاجين إلى المعونة، وبخاصة فى يوم العيد، كى يشعروا بالفرح والسرور كما يفرح غيرهم من الناس، ولذلك كان من الأوقات المتخيرة لإخراج زكاة الفطر صبيحة يوم العيد وقبل الاجتماع للصلاة، حتى يستقبل الجميع يومهم مسرورين، ولا يحتاج الفقراء إلى التطواف على أبواب الأغنياء ليعطوهم ما يشعرهم ببهجة هذا اليوم، وقد جاء ذلك فى حديث رواه البيهقى والدارقطنى " أغنوهم عن طواف هذا اليوم " ولهذه الفائدة التى تتصل بإشاعة الفرح والسرور والتخفيف عن البائسين كانت الزكاة مفروضة حتى على من لم يصم شهر رمضان لعذر أو لغير عذر، فإن كان قد قصَّر فى واجب فلا يجوز أن يقصر فى واجب آخر، وإن كان قد حرم من الفائدة الخاصة للصيام فلا يجوز أن يؤثر ذلك على واجبه الاجتماعى
(9/247)
________________________________________
المذاكرة والامتحان فى رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للطالب أن يفطر فى رمضان للمساعدة فى المذاكرة وفى الامتحان؟

الجواب
قال تعالى فى أعذار الفطر فى رمضان: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة: 185، والمرض الذى يبيح الفطر هو الذى يطرأ أو يزداد بالصيام أو يحول دون الشفاء أو يترتب عليه ضرر آخر، ومثل المريض من يقوم بعمل شاق هو مورد رزقه الوحيد لا يستطيع الصوم معه، كالخباز الواقف أمام الفرن والحر شديد، وعمله بالنهار وقت الصيام. على أن يكون المرض أو التعب واقعا بالفعل لا متوهما ولا متوقعا والطالب الذى يذاكر لا تتحتم مذاكرته بالنهار، وعليه أن ينسق بين واجباته وبين الوقت المناسب، فله أن يجعل مذاكرته بالليل إذا كان النهار في رمضان طويلا وحارا، ولا يجوز له الفطر لمجرد اختياره أن تكون مذاكرته بالنهار، وكل ذلك إذا ترتب على الصيام ضعف شديد في الجسم أو التفكير، أما إذا لم يكن ذلك فلا يجوز التفكير في الفطر.
وإذا كان الامتحان يعقد بالنهار وفى وقت الحر الشديد - قبيل الظهر إلى قبيل المغرب - ولو أصبح صائما أحس بالجوع أو أحس بالعطش الشديد الذى يؤثر على تفكيره فله الفطر عند الإحساس بالتعب، بمعنى أن ينوى الصيام ليلا ويتناول سحوره ويستريح أو يذاكر، فإذا دخل الامتحان في الوقت المذكور ولم يحس تعبا فلا يجوز له الفطر أما إذا أحس بالتعب فيفطر عند الإحساس به، أما ألا ينوى الصيام ولا يتسحر ويصبح مفطرا ليستعد للامتحان فى فترة الحر فذلك لا يجوز مطلقا فالتعب المتوقع متوهم غير واقع بالفعل.
وكذلك لو كان الامتحان فى الساعات الأولى من النهار حيث الجو يكون مناسبا ولا يوجد إحساس بالجوع أو العطش أو كان الامتحان فى وقت الشتاء أو اعتدال الجو فلا يجوز أن يصبح مفطرا، أى لا بد أن ينوى الصيام ليلا ويتسحر ويبدأ الصيام ويدخل الامتحان صائما حيث لا يكون تعب.
وأقول لمن يذاكر ويدخل الامتحان عليك بتقوى الله واحرص على طاعته {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} الطلاق: 4
(9/248)
________________________________________
صوم الجنب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
طلع الفجر علىّ فى رمضان وأنا فى جنابة، ولم اغتسل إلا بعد ساعة. فهل صومى صحيح؟

الجواب
الجنابة إما حيض ونفاس، وهى خاصة بالنساء، وإما بالاتصال الجنسى أو نزول المنى فى اليقظة أو النوم بالاحتلام. وهى مشتركة بين الرجال والنساء.
فإذا طلع الفجر والحيض أو النفاس موجود حرم الصيام، ولو صامت المرأة فالصوم باطل مع الإثم، لكن لو انقطع الدم قبل الفجر انقطاعا تاما ولم تغتسل إلا بعد الفجر فالصوم صحيح. وذلك كالجنابة بشىء آخر غير الحيض والنفاس. فالصوم صحيح مع عدم الاغتسال، والاغتسال شرط للصلاة ولأمور أخرى وليس للصيام، فقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم.كان يصبح جنبا وهو صائم، يعنى يطلع الفجر وهو لم يغتسل بعد، ثم يغتسل بسرعة ليصلى الصبح جماعة مع الناس وذلك فيما رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها
(9/249)
________________________________________
خطأ الظن فى عدم طلوع الفجر وغروب الشمس

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
صحوت من النوم فظننت أن الفجر لم يطلع، فأكلت وشربت، ثم تبين أن النهار قد طلع فهل يصح صومى؟

الجواب
ذكر ابن قدامة فى كتابه " المغنى " أن من أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب -أن عليه القضاء، وذلك مع وجوب الإِمساك على من أكل ظانا عدم طلوع الفجر، وقال ابن قدامة: إن هذا الحكم هو قول أكثر أهل العلم، ثم حكى عن بعض التابعين أنه لا قضاء عليه، وذكر فى ذلك أثرا عن عمر رضى الله عنه، ولكن الرأىَ الأول هو المعول عليه، وذلك لحديث البخارى أنهم أمروا بقضاء يوم أفطروا فيه لوجود غيم ثم طلعت الشمس. هذا فى الظن - وهو إدراك الطرف الراجح - أما الشك وهو إدراك الطرفين على السواء، والطرفان هما طلوع الفجر وعدم طلوعه، فقد قال فيه ابن قدامة أيضا: وإن أكل شاكًّا فى طلوع الفجر ولم يتبين الأمر فليس عليه قضاء، لأن المدار على تبين طلوع الفجر، قال تعالى {وكلوا واشربو حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} البقرة: 187، وقال: إن هذا هو رأى الشافعى وأصحاب الرأى - الحنفية - ولكن مالكا أوجب القضاء، لأن الأصل بقاء الصوم فى ذمته فلا يسقط بالشك، وذكر أن الأكل عند الشك فى غروب الشمس ولم يتبين الامر يوجب القضاء. فعلى صاحب السؤال أن يمسك بقية يومه ويقضى هذا اليوم، وهو الرأى المختار
(9/250)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:47 am


متى يفطر المسافر بالطائرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث إذا كان المسافر بالطائرة صائما أن وقت الغروب يحين حسب توقيت البلد الذى سافر منه، أو الذى يمر عليه فى الجو ومع ذلك تكون الشمس ما زالت ظاهرة، فهل يفطر وهى ما زالت لم تغرب، وإذا انتظر غروبها فقد يطول اليوم ويشق عليه دوام الصيام؟

الجواب
قال اللَّه تعالى {ثم أتموا الصيام إلى الليل} البقرة: 187، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر مع أصحابه فى رمضان، فلما غربت الشمس طلب من بلال أن يعد طعام الإفطار، فلما أعده شرب منه وقال مشيرا بيده "إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم " أى حل له الفطر.
تدل الآية والحديث على أن الإفطار لا يحل للصائم إلا إذا جاء الليل، والليل يجىء إذا غربت الشمس. فلو سافر صائم فى طائرة وكانت على ارتفاع شاهق فإن المعروف أن الشمس تغيب عن الأرض قبل غيابها عن ركاب الطائرة، وذلك بحكم كروية الأرض، وبهذا لا يجوز له أن يفطر ما دامت الشمس ظاهرة له.
وقد يحدث أن يكون متجها إلى الشرق فيقصر النهار، أو يكون متجها إلى الغرب فيطول النهار، فالعبرة بمغيب الشمس عنه فى أى اتجاه، ولا عبرة بتوقيت المنطقة التى يمر عليها، ولا بتوقيت البلد الذى سافر منه.
فإن شق عليه الصيام لطول النهار فله رخصة الإفطار للمشقة، وإن لم يشق عليه وآثر إتمام الصيام فلا يفطر حتى تغيب الشمس
(9/251)
________________________________________
هلال رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
في الحديث " صوموا لرؤيته وافطروا لرويته " هل يجوز أن تفسر الرؤية بالروية العلمية لا البصرية حتى يمكن توحيد أوائل الشهور العربية؟

الجواب
موضوع توحيد بدء الصيام وبالتالي توحيد العيد في البلاد الإسلامية، موضوع ناقشه الفقهاء في القرون الأولى، كما ناقشه علماء مجمع البحوث الإسلامية في السنوات الأخيرة، وهم جميعًا متفقون على أنه لا تعارض بين الدين والعلم أبدًا، فالدين نفسه يدعو إلى العلم، وفي مسألتنا هذه علق الحديث الصوم والإفطار على رؤية الهلال، فإن لم تكن الروية بالبصر لجأنا إلى العلم، والإرشاد إلى إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا توجيه لاحترام الحساب الذي هو مظهر من مظاهر العلم، والراصدون للهلال يستعينون بالمناظر وهي أدوات علمية، كما يستعينون بمصلحة الأرصاد في أجهزتها وإمكانات الأخرى.
والموضوع له بحث طويل علمي وديني فى الجزء الثاني من كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف " أكتفى هنا بذكر أن مؤتمر مجمع البحوث الثالث المنعقد سنة 1966 م قرر بشأنه ما يأتي:
1 -أن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري، كما يدل عليه الحديث الشريف، فالرؤية هي الأساس؟ لكن لا يعتمد عليها إذا تمكنت منها التهم تمكنًا قويًّا.
2 -يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو اثنى إذا لم تتمكن التهمة في إخباره بسبب من الأسباب، ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يؤثق به.
3-خبر الواحد ملزم له ولمن يثق به، أما إلزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية عند من خصصته الدولة الإسلامية للنظر في ذلك.
4 -يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا.
5 - يرى المؤتمر أنه لا عبرة باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قل، ويكون اختلاف المطالع معتبرًا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة.
6 - يهيب المؤتمر بالشعوب والحكومات الإسلامية أن يكون في كل إقليم إسلامى هيئة إسلامية يناط بها إثبات الشهور القمرية مع مراعاة اتصال بعضها ببعض والاتصال بالمراصد والفلكيين الموثوق بهم.
وبناء على هذه القرارات سار العمل في مصر على إعلان مبدأ الصيام ونهايته بعد الاتصال بالدول الأخرى.
هذا وأود أن يتنبه المسلمون إلى أن هناك عوامل أخرى لها أهميتها البالغة وأثرها القوى في وحدة الأمة الإسلامية من أهمها توحيد التشريع والقضاء والنظم الدستورية والاقتصادية والثقافية على أساس من الدين الذي يدينون به جميعًا، فإن عدم توحيد هذه الأمور وغيرها هو الذي باعد بين المسلمين وجعلهم نهبًا لغيرهم من الدول، وجعل رابطتهم مفككة وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقى عنه إذ يقول "ولا نقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب اللَّه إلا جعل بأسهم بينهم "
(9/252)
________________________________________
تقييد الشياطين فى رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى بعض الأحاديث أن الشياطين تصفد فى رمضان، فكيف يتفق هذا مع وقوع جرائم كثيرة فى رمضان من الصائمين وغير الصائمين؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين " وروى ابن خزيمة فى صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين مردة الجن. . . ".
إن الواقع يشهد بأن المعاصى ما تزال ترتكب فى رمضان وغير رمضان، ومن أجل التوفيق بين الحديث الثابت وبين الواقع المشاهد قال الشراح: إن المراد بتقييد الشياطين فى رمضان عدم تسلطها على من يصومون صوما صحيحا كاملا رُوعيت فيه كل الآداب التى منها عفة اللسان والنظر والجوارح كلها عن المعصية، استجابة للحديث الذى رواه البخارى: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس للَّه حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " أو المراد بالشياطين التى تصفد المردة والجبابرة منهم كما فى رواية ابن خزيمة، أما غيرهم فلا يقيدون ولذلك تقع من الناس بعض المعاصى، أو المراد أن الشياطين كلها تُغَلُّ بمعنى يضعف نشاطها ولا تكون بالقوة التى عليها بدون أغلال وقيود، أو المراد:
أن المعاصى التى تكون بسبب الشياطين تمنع، ولكن تقع المعاصى التى يكون سببها النفوس الخبيثة الأمارة بالسوء أو العادات القبيحة أو شياطين الإنس، ومن هنا نرى أن الحديث لا يصطدم مع الواقع عند فهمه فهما صحيحا، وذلك ما نحب أن نلفت الأنظار إليه فى فهم نصوص الدين حتى لا يكون هناك شك فى الدين أو انحراف فى الفكر أو السلوك
(9/253)
________________________________________
شهر رجب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اتخذ كثير من الناس فضل شهر رجب ذريعة للصيام والصلاة وزيارة المقابر وأوردوا فى ذلك أحاديث كثيرة، فما هو الرأى الصحيح فى ذلك؟

الجواب
الحافظ أحمد بن على بن محمد بن حجر العسقلانى وضع رسالة بعنوان: تبيين العجب بما ورد فى فضل رجب، جمع فيها جمهرة الأحاديث الواردة فى فضائل شهر رجب وصيامه والصلاة فيه.
وقسمها إلى ضعيفة وموضوعة.
وذكر له ثمانية عشر اسما، من أشهرها "الأصم " لعدم سماع قعقعة السلاح فيه لأنه من الأشهر الحرم التى حرم فيها القتال، و "الأصب " لانصباب الرحمة فيه، و "منصل الأسنة" كما ذكره البخارى عن أبى رجاء العطاردى قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا الشاء - الشياة- فحلبنا عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا:
منصل الأسنة فلم ندع رمحا فيه حديدة، ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه.
وفضل رجب داخل فى عموم فضل الأشهر الحرم التى قال الله فيها {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} التوبة: 36، وعينها حديث الصحيحين فى حجة الوداع بأنها ثلاثة سَرْد " أى متتالية "ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد، وهو رجب "مضر" الذى بين جمادى الآخرة وشعبان، وليس رجب "ربيعة" وهو رمضان.
ومن عدم الظلم فيه عدم القتال، وذلك لتأمين الطريق لزائرى، المسجد الحرام، كما قال تعالى: بعد هذه الآية {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} التوبة: 5، ومن عدم الظلم أيضا عدم معصية الله، واستنبط بعض العلماء من ذلك -دون دليل مباشر من القرآن والسنة نص عليه - جواز تغليظ الدية على القتل فى الأشهر الحرم بزيادة الثلث.
ومن مظاهر تفضيل الأشهر الحرم -بما فيها رجب -ندب الصيام فيها. كما جاء فى حديث رواه أبو داود عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له - بعد كلام طويل - " صم من الحرم واترك " ثلاث مرات، وأشار بأصابعه الثلاثة، حيث ضمها وأرسلها والظاهر أن الإشارة كانت لعدد المرات لا لعدد الأيام. فالعمل الصالح فى شهر رجب كالأشهر الحرم له ثوابه العظيم، ومنه الصيام يستوى فى ذلك أول يوم مع آخره، وقد قال ابن حجر: إن شهر رجب لم يرد حديث خاص بفضل الصيام فيه، لا صحيح ولا حسن.
ومن أشهر الأحاديث الضعيفة فى صيامه "إن فى الجنة نهرا يقال له رجب، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر "وحديث "من صام من رجب يوما كان كصيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلَّقت عنه أبواب الجحيم السبعة ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منه عشرة أيام بدلت سيئاته حسنات " ومنها حديث طويل جاء فى فضل صيام أيام منه، وفى أثناء الحديث "رجب شهر الله وشعبان شهرى ورمضان شهر أمتى" وقيل إنه موضوع وجاء فى الجامع الكبير للسيوطى أنه من رواية أبى الفتح بن أبى الفوارس فى أماليه عن الحسن مرسلا.
ومن الأحاديث غير المقبولة فى فضل صلاة مخصوصة فيه "من صلى المغرب فى أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة، يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد مرة ويسلم فيهن عشر تسليمات حفظه الله فى نفسه وأهله وماله وولده، وأجير من عذاب القبر، وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب " وهو حديث موضوع، ومثلها صلاة الرغائب.
وقد عقد ابن حجر فى هذه الرسالة فصلا ذكر فيه أحاديث تتضمن النهى عن صوم رجب كله، ثم قال: هذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية، أما إن صامه لقصد الصوم فى الجملة من غير أن يجعله حتما أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها، أو ليالى معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به. فإن خص ذلك أو جعله حتما فهذا محظور، وهو فى المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام "رواه مسلم. وإن صامه معتقدا أن صيامه أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره ففى هذا نظر، ومال ابن حجر إلى المنع. ونقل عن أبى بكر الطرطوشى فى كتاب "البدع والحوادث " أن صوم رجب يكره على ثلاثة أوجه أحدها أنه إذا خصه المسلمون بالصوم فى كل عام حسب العوام، إما أنه فرض كشهر رمضان وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقى الشهور، ولو كان من هذا شيء لبينه النبى صلى الله عليه وسلم قال ابن دحية: الصيام عمل بر، لا لفضل صوم شهر رجب فقد كان عمر ينهى عنه. انتهى ما نقل عن ابن حجر.
هذا، وحرص الناس -والنساء بوجه خاص، على زيارة القبور فى أول جمعة من شهر رجب ليس له أصل من الدين -ولا ثواب لها أكثر من ثواب الزيارة فى غير هذا اليوم.
والأولى فى شهر رجب أن نتذكر الأحداث التاريخية التى وقعت فيه مثل غزوة تبوك لنأخذ منها العبرة، ونتذكر تخليص صلاح الدين الأيوبى للقدس من أيدى الصليبيين (فى رجب 583هـ 1187 م) ليتوحد العرب والمسلمون لتطهير المسجد الأقصى من رأس الغاصبين.
كما نتذكر حادث الإسراء والمعراج ونستفيد منه، على ما ارتضاه المسلمون فى كونه حدث فى شهر رجب
(9/254)
________________________________________
صوم يوم عرفة للحجاج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم صوم يوم عرفة؟

الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال "يكفر السنة الماضية والباقية "وروى النسائى بإسناد حسن أن صيامه يعدل صيام سنة، وفى رواية حسنة للطبرانى أنه يعدل صيام سنتين، وفى راوية حسنة للبيهقى أنه يعدل صيام ألف يوم.
تدل هذه الأحاديث على فضل صيام يوم عرفة، لكن هذا لغير الواقف بعرفة، فقد روى أبو داود والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه والطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن صومه.
وإن كان هذا النهى للكراهة لا للتحريم ولذلك اختلف الفقهاء فى حكم صيام هذا اليوم للواقف بعرفة، فقال الشافعى: يُسَن الفطر فيه ليقوى الحاج على الدعاء، وقال أحمد: إن قدر الحاج أن يصوم صام.
وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة.
قال الحافظ المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب: اختلفوا فى صوم يوم عرفة بعرفة فقال ابن عمر: لم يصمه النبى صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه وكان مالك والثورى يختاران الفطر، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة، وروى ذلك عن عثمان بن أبى العاصى، وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول: أصوم فى الشتاء ولا أصوم فى الصيف، وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء.
رواه أحمد والنسائى وأبو داود والترمذى وصححه.
ومهما يكن من شىء فإن الأولى الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه لم يصم هذا اليوم فى حجة الوداع. روى البخارى ومسلم عن أم الفضل أنهم شكوا فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة. وثبت أنه قال " إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا - أهل الإسلام - وهى أيام أكل وشرب " وثبت عنه أنه نهى عن صيام يوم عرفة بعرفات.
كما رواه أبو داود والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه
(9/255)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:48 am

عاشوراء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن صوم يوم عاشوراء كان مفروضا قبل رمضان، وما هى حكمة صيامه، وهل صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى بالتوسعة على العيال فيه؟

الجواب
يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم أول شهور التقويم الهجرى-دخل التاريخ من أوسع أبوابه منذ بدء الخليقة كما تحكى الروايات التى لا يصمد أكثرها أمام النقد العلمى عند رجال الحديث.
ويهمنا من هذه الأبواب بابان كان لكل منهما أثره فى-تحول مجرى التاريخ الدينى والتشريعى فى اليهودية والإسلام، أحدهما يوم أن نجى الله موسى عليه السلام وجماعته الإسرائيليين، وأغرق فرعون وقومه الظالمين، وكان يوما فاصلا بين عهدين فى تاريخ اليهود، عهد ذاقوا فيه العذاب ألوانا حين كانوا تحت حكم فرعون، كما يذكرهم الله به فى قوله {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم. وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} .
البقرة: 49، 50، وعهد التحرر والاتجاه إلى تأسيس مجتمع مستقل ما لبث أن تقلبت به الأحداث ما بين صعود وهبوط واجتماع وتفرق كما قضى بذلك رب العزة فى كتابه وسجله القرآن الكريم فى أوائل سورة الإسراء {وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} روى البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون عاشوراء فقال لهم " ما هذا الذى تصومونه " فقالوا: هذا يوم عظيم، نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه وأمر بصيامه حتى جاء فرض صيام رمضان فبقى صيام يوم عاشوراء مندوبا.
وإذا كان الخبر الصحيح يشرع صومه شكرا لله على نجاة موسى، فإن تحديد هذا اليوم وربطه بنجاة آبائهم هو خبر اليهود كما جاء فى كتبهم التى توارثوها، والثابت فى الصحيحين أيضا عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء قبل هجرته من مكة إلى المدينة اتباعا لقريش فى صيام هذا اليوم فى الجاهلية، ويعلل عكرمة صيام قريش له بأنهم أذنبوا ذنبا فى الجاهلية فعظم فى صدورهم فقيل لهم:
صوموا عاشوراء يكفر ذلك الذنب، فهل كان ذلك تقليدا لليهود فى صيام يوم الكفارة "يوم كبور" أو بناء على شرع سابق؟ والمعروف أن شرعة إبراهيم وإسماعيل التى كانت فى مكة هى أسبق من الشريعة التى جاءت بها توراة موسى الذى نجاه الله من فرعون وقومه. روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما قدم المدينة صامه، وأمر الناس بصيامه فلما فرض رمضان قال "من شاء صامه ومن شاء تركه ".
إن الذى يهمنا كمسلمين أن صوم يوم عاشوراء بقى مندوبا كسائر الأيام التى يندب فيها الصيام، ولم يكن يأبه له أحد من المسلمين بأكثر من أن الصيام فيه له فضله الذى ورد فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم "يكفر السنة الماضية " وجرى الأمر على ذلك فى عهد الخلفاء الراشدين حتى كان يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة، وهو اليوم الذى استشهد فيه الحسين بن على رضى الله عنهما فى كربلاء، فدخل يوم عاشوراء التاريخ مرة أخرى من باب واسع عمَّق الشعور بالتشيع لآل البيت.
وعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرنا على هذا الحادث فإن آثاره ما زالت باقية تظهر فى الاحتفال بذكراه، فهو فى إيران والعراق وغيرهما يوم حزن عميق لا داعى لوصف مظاهره، وهو فى بلاد المغرب وغيرها من البلاد التى تبرر ما صنعه رجال البيت الأموى للاحتفاظ بالسلطان يوم فرح وهدايا وتوسعة وترفيه بالحلوى وكل ما لذَّ وطاب [مجلة العربى التى تصدر بالكويت 1962، مجلة الإيمان التى تصدر بالمغرب - محرم وصفر 1384 هـ] .
وفى ظل هذه العواطف ظهرت بدع واخترعت أقاويل وحكايات، بل وضعت أحاديث على النبى صلى الله عليه وسلم تشجع الأولين على المبالغة فى الأسى والحزن، وتشجع الآخرين على المبالغة فى الفرح والسرور، ونكتفى بهذا القدر فى بيان استغلال يوم عاشوراء استغلالا سياسيا لنعرف مدى صحة ما يقال إن التوسعة على العيال فى يوم عاشوراء أثر من آثار النزاع بين البيت الأموى والهاشمى فنقول:
جاء فى كتاب شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى "ج 8 ص 123 " أن الحديث الذى يقول: "من وسع على عياله فى يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها" رواه الطبرانى والبيهقى وأبو الشيخ، وقال البيهقى إن أسانيده كلها ضعيفة، ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض أفاد قوة، قال العراقى فى أماليه: لحديث أبى هريرة طرق صحح بعضها ابن ناصر الحافظ، وأورده ابن الجوزى فى الموضوعات.
وذلك لأن سليمان بن أبى عبد الله الراوى عن أبى هريرة مجهول، لكن جزم الحافظ فى تقريبه بأنه مقبول، وذكره ابن حبان فى الثقات والحديث حسن على رأيه. قال العراقى: وله طرق عن جابر على شرط مسلم أخرجها ابن عبد البر فى "الاستيعاب " وهى أصح طرقه.
رواه ابن عبد البر والدارقطنى بسند جيد عن عمر رضى الله عنه موقوفا عليه.
قد يقال: إذا كان الصوم شعيرة عاشوراء، وهو يقوم على الزهد والتقشف فكيف يتفق ذلك مع التوسعة على العيال والأهل؟ لئن كانت هناك توسعة فلتكن على الفقراء كالبر فى رمضان، ومهما يكن من شىء فان التوسعة مندوبة وأفضل دينار ينفقه الإنسان بعد نفسه هو على أهله، وكل ذلك فى حدود الوسع، ورأى بعض المفكرين أن " العيال " المذكورين فى هذا الحديث هم عيال الله وهم الفقراء، وهنا تظهر الحكمة فى التوسعة مع الصيام. وجاء فى الزرقانى أيضا أن ما يذكر من فضيلة الاغتسال فيه والخضاب والادهان والاكتحال ونحو ذلك فبدعة ابتدعها قتلة الحسين كما صرح به غير واحد.
هذا، والأولى الاقتصار على ما جاء فى الحديث من أن صيامه يكفر ذنوب سنة، كما يسن صيام يوم التاسع أيضا لحديث رواه مسلم عن ابن عباس قال: لما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال - "إذا كان العام المقبل -إن شاء الله -صمنا اليوم التاسع " قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أحمد "خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده ".
وقد ذكر العلماء أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى صوم ثلاثة أيام: التاسع والعاشر والحادى عشر.
والمرتبة الثانية صوم التاسع والعاشر، والمرتبة الثالثة صوم العاشر وحده.
وموضوع صيام عاشوراء مبسوط فى كتاب "زاد المعاد لابن القيم ج اص 164 وما بعدها.
هذا، وقد جاء فى الترمذى بإسناد حسن أنه قد يكون هو اليوم الذى تاب فيه على قوم ويتوب على آخرين، ولكن ليس فى الحديث تعيين لهذا اليوم ولا لهؤلاء الأقوام، وصح من حديث أبى إسحاق عن الأسود ابن يزيد قال: سألت عبيد بن عمير عن صيام يوم عاشوراء فقال:
المحرم شهر الله الأصم، فيه يوم تيب فيه على آدم، فإن استطعت ألا يمر بك إلا وأنت صائم فافعل [تفسير القرطبى ج اص 324] وهو حديث غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
وجاء فى مسند أحمد أنه ربما يكون هو اليوم الذى استوت فيه سفينة نوح على الجودى.
ولا أعلم درجة هذا الحديث،كما جاء فى الكتب حوادث أخرى فى يوم عاشوراء ليس لها سند صحيح، منها مولد الخليل إبراهيم ومولد موسى ومولد عيسى، وبردت فيه النار على إبراهيم، ورفع العذاب عن قوم يونس، وكشف الضر عن أيوب، ورد البصر على يعقوب، وأخرج يوسف من الجب، ويوم الزينة الذى غلب فيه موسى السحرة.
تتمات.
ا -صيام النبى يوم عاشوراء فى مكة كان كصيام قريش لمتابعتهم فى الخير كمتابعتهم فى الحج ولم يأمر به أصحابه، وصامه بعد الهجرة لما وجد اليهود يصومونه قال العلماء: إن صيامه فى المدينة كان بوحى أو باستدامة صيامه فى مكة وزاد تأكيده بشكر الله على نجاة موسى. وليس صيامه متابعة لليهود فى شريعتهم، وقال بعضهم:
إنه اجتهاد من النبى صلى الله عليه وسلم لأنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولعل هذا من باب تأليف قلوبهم كالتوجه إلى بيت المقدس فى الصلاة. وكانت هذه الموافقة فى أول الإسلام، فلما فتحت مكة وقوى الإسلام خالف أهل الكتاب، بل أمر بمخالفتهم فى شكل الصيام لا فى أصله، ودليل ذلك أنه فى أواخر حياته - وكان يصوم عاشوراء استحبابا ويصومه أصحابه -قيل له: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال - كما رواه مسلم - "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع " فلم يأت العام المقبل حتى توفى.
2 -تكفير الذنوب بصيام عاشوراء المراد بها الذنوب الصغائر، وهى ذنوب سنة ماضية أو آتية إن وقعت من الصائم، فإن لم تكن صغائر خفف من الكبائر، فإن لم تكن كبائر رفعت الدرجات. أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة النصوح، وقيل يكفرها الحج المبرور، لعموم الحديث المتفق عليه "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ".
3-قال النووى: اختلف فى حكم صوم عاشوراء فى أول الإسلام حين شرع قبل رمضان، فقال أبو حنيفة كان واجبا لظواهر الأحاديث، ولأصحاب الشافعى وجهان: وجه كأبى حنيفة، والأشهر أنه لم يزل سنة حين شرع، لكن كان متأكد الاستحباب، فلما فرض رمضان صار استحبابه أقل من الأول، ويظهر الخلاف فى النية هل يجب تبييتها أو تمكن قبل الزوال؟ الله أعلم بما كان عليه الصحابة حينذاك، ولا أثر له الآن.
هذا، وقد ثبت فى الصحيحين أن ابن مسعود أفطر يوم عاشوراء، ولما سئل قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل صوم رمضان، فلما نزل رمضان تركه، والتفسير الصحيح لفعل ابن مسعود وقوله أن صوم عاشوراء ترك النبى صلى الله عليه وسلم وجوبه بعد فرض صيام رمضان، وبقى مستحبا كما تدل عليه الروايات الأخرى، والموضوع طويل يراجع فى زاد المعاد لابن القيم "ج اص 164 "
(9/256)
________________________________________
الأكل مع النسيان للصائم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم من تناول مفطرا مع النسيان، هل يبطل صومه، وماذا يجب عليه؟

الجواب
روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الله رفع عن أمتى الخطأ وما استكرهوا عليه " رجاله ثقات وليست فيه علة قادحة، " فيض القدير" وروى الجماعة إلا النسائى أنه صلى الله عليه وسلم قال "من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه " وروى الدارقطنى بإسناد صحيح أنه قال "إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه ".
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا فإن صيامه صحيح وهذا موافق لقوله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} البقرة:225، والنسيان ليس من كسب القلوب، وما دام صومه صحيحا فعليه أن يمسك عن الطعام ويتم صومه.
وهذا واضح فى صيام رمضان تعظيما لحرمة الشهر، أما فى غير أداء رمضان كالنذر المعين أو غير المعين وكصيام الكفارات وقضاء رمضان وصوم التطوع فلا يجب عليه الإمساك بقية اليوم ويجوز له أن يفطر عند الجمهور ولكن الإمام مالكا قال: يجب الإمساك فى النذر المعين، أما فى غير المعين وباقى الصوم الواجب فإن كان التتابع واجبا فيه كصوم كفارة رمضان وما نذره متتابع فلا يجب الإمساك إذا أفطر عمدا، لأنه بطل، ولأنه يجب استئنافه من أوله، وإن أفطر سهوا فإن كان فى غير اليوم الأول وجب الإمساك، وإن كان فى اليوم الأول ندب الإمساك ولا يجب. وإن كان التتابع غير واجب كقضاء رمضان وكفارة اليمين جاز الإمساك وعدمه، سواء أفطر عمدا أم لا، وإن كان الصوم نفلا فإن أفطر ناسيا وجب الإمساك لأنه لا يجب عليه القضاء بالفطر نسيانا، وإن كان عمدا فلا يجب الإمساك، لوجوب القضاء عليه بالفطر عمدا.
وقد تحدث العلماء عن سند قول مالك فى وجوب القضاء على من تعمد الفطر فى صيام النفل، وعن وجوب الإمساك إن أفطر ناسيا مع عدم القضاء، فوجدوه ضعيفا وليس المجال مجال تفصيل لهذه المناقشة، والمهم أن نعرف أن دليل الجمهور قوى فى أن النسيان لا يؤثر على الصيام حتى لو كان الأكل كثيرا. ويؤيده ما أخرجه أحمد عن أم إسحاق أنها كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد، فأكلت معه ثم تذكرت أنها صائمة-وهذا لم يكن فى رمضان قطعا لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل معها-فقد يكون صيام نذر أو قضاء أو نفل، فلما تذكرت أنها صائمة قال لها ذو اليدين:
الآن بعدما شبعت؟ فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم "أتمى صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك "
(9/257)
________________________________________
نقط الأنف وأنبوبة الربو للصائم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يبطل الصوم بوضع النقط فى الأنف أو الاستنشاق من أصبع الربوة؟

الجواب
قال العلماء: إن الصوم يبطل بذلك لدخول شيء إلى الجوف من منفذ مفتوح ويصدق عليه اسم الأكل أو الشرب الذى بنى عليه القرآن بطلان الصيام، حيث أباحهما بالليل حتى مطلع الفجر فقط فقال سبحانه {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} البقرة: 187،.
وقد سبق أن بينت أن الأكل والشرب فسرا بعدة تفسيرات، وبنيت عليها أحكام فى الصيام، وكانت كلها اجتهادات اختلفت نتائجها، واخترت من ذلك ما اطمأنت إليه نفسى بعد استهداف الحكمة فى مشروعية الصيام بالامتناع عن شهوتى البطن والفرج.
ولا مانع من الأخذ برأى العلماء فى أن نقط الأنف والبخار الذى يشم من أصبع الربو يبطل بهما الصيام.
وإذا كان المريض لا يستغنى عنهما فى الصيام جاز له الفطر وعليه القضاء بعد الشفاء من المرض، فإن كان مزمنا لا يرجى شفاؤه كان له الفطر وعليه الإطعام عن كل يوم مسكينا
(9/258)
________________________________________
الحقن فى الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يبطل الصوم بالعلاج بالحقن؟

الجواب
قال العلماء: حقنة الشرج مفطرة لدخولها إلى الجوف من منفذ مفتوح واشترط مالك أن تصل إلى المعدة أو الأمعاء، فإن لم تصل فلا يبطل بها الصيام.
أما حقن العضل والتى تحت الجلد فقد أفتى الشيخ محمد بخيت المطيعى فى مايو 1919 م بأنها لا تفطر بناء على أنها لم تصل إلى الجوف من منفذ معتاد، وعلى فرض الوصول فإنها تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفا ولا فى حكم الجوف. "الفتاوى الإسلامية -المجلد الأول ص 89" والشيخ طه حبيب عضو المحكمة العليا الشرعية قال فى فتواه المنشورة بمجلة الأزهر "المجلد الثالث ص 553 " ما نصه: ولا شك فى أن الحقنة التى تعطى تحت الجلد أو فى العضلات أو فى الوريد أو فى قناة النخاع الشوكى تصل إلى الجوف، لأنها تصل عند إعطائها إلى الدورة الدموية، وهذه توزعها إلى أجزاء الجسم كل بحسب طلبه، وعلى هذا يتبين أن الحقن التى يعطيها الأطباء للصائمين فى نهار رمضان مفسدة لصومهم، وإذا لوحظ أن إعطاءها قد يكون للتغذية وللتقوية وإكثار الدم ولتخدير الأعصاب، فإن الأطباء أنفسهم يقرون أن هذه الحقن تمتصها الأوعية الليمفاوية ومنها إلى الدورة الدموية ثم توزعها هذه الأخيرة إلى أجزاء الجسم كل بحسب طلبه ... إلى أن قال: هذا ما يمكن أخذه من مذهب أبى حنيفة فى هذا الموضوع، أما مذهب المالكية والشافعية فهو ما يأتى:
مذهب المالكية أن الصوم يفسد عندهم بوصول مائع إلى الحلق من الفم أو الأنف أو الأذن أو العين وإن لم يصل إلى المعدة.
وبوصول جامد إلى المعدة من منفذ عال. فلو ابتلع الصائم حصاة ووصلت إلى المعدة فسد الصوم، ويفسد بوصول دواء إلى المعدة أو الأمعاء بواسطة الحقنة إذا جعلت فى منفذ واسع. أما إذا كان المنفذ غير واسع لا يمكن وصول شىء منه إلى المعدة فلا. ومن هذا يؤخذ أن الحقنة تحت الجلد إن وصل الدواء المجعول فيها إلى المعدة أو الحلق أو الأمعاء أفطر الصائم، وإلا فلا. والمعدة عندهم ما تحت منخسف الصدر إلى السرة.
ومذهب الشافعية يرى أن وصول عين الشىء قليلا كان الواصل أو كثيرا مأكولا أو غير مأكول إلى الجوف من منفذ مفتوح كحلق ودماغ وباطن أذن وبطن وإحليل ومثانة مفسد للصوم.
ومنه يعلم حكم الحقنة تحت الجلد، وقد علمت أنها تصل إلى داخل الجوف قطعا.
هذه صورة من الآراء الاجتهادية فى الحقن، وقد رأيت أن حقن الدواء يمكن العمل فيها برأى الشيخ محمد بخيت، وهو عدم الإفطار لأنها لم تدخل من منفذ مفتوح، وأن حقن الغذاء يمكن العمل فيها برأى الشيخ طه حبيب وهو الإفطار لأنها دخلت إلى الجوف عن طريق الدم، وتتنافى مع حكمة الصيام من الشعور بالجوع والعطش للمعانى التى تترتب عليه
(9/259)
________________________________________
نقل الدم فى الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل نقل الدم يبطل الصيام؟

الجواب
هذا السؤال له طرفان، طرف يتصل بالمنقول منه، وطرف يتصل بالمنقول إليه، أما المنقول منه فيقاس أخذ الدم منه فى نهار رمضان على الفصد وهو أخذ الدم من غير الرأس، وعلى الحجامة وهى أخذ الدم من الرأس، وقد سبق أن الجمهور يقولون بعدم بطلان الصيام بهما، لأن حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" الذى أخذ به من قال بالإفطار، لم يسلم من النقد، إن لم يكن من جهة السند فمن جهة الدلالة "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 212، 216 ".
وأما المنقول إليه فيعطى نقل الدم حكم الحقنة وقد تقدم الكلام فيها وإذا كان للعلاج لا للغذاء وأدخل عن طريق الوريد فأختار عدم بطلان الصيام، ومع ذلك أقول إن هذا المريض الذى نقل إليه الدم يحتاج إلى ما يقويه فله أن يفطر بتناول الأطعمة وعليه القضاء عند الشفاء.
واختلاف آراء الفقهاء فى مثل هذه الفروع رحمة يمكن الأخذ بأيسرها عند الحاجة إليه
(9/260)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:48 am

صيام الأيام البيض وستة من شوال

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما أصل تسمية الأيام بالبيض وما هى، وهل منها الستة من شوال كما يشاع بين الناس؟

الجواب
الأيام البيض موجودة فى كل شهر قمرى. وهى التى يكون القمر موجودا فيها من أول الليل إلى آخره (13، 14، 15) وسميت بيضا لابيضاضها ليلا بالقمر ونهارا بالشمس.
وقيل لأن الله تاب فيها على آدم وبيَّض صحيفته " الزرقانى على المواهب ج 8 ص 133 ".
وجاء فى الحاوى للفتاوى للسيوطى: يقول الناس إن آدم لما أهبط من الجنة اسودَّ جلده، فأمره الله بصيامها من الشهر القمرى، فلما صام اليوم الأول ابيض ثلث جلده ولما صام اليوم الثانى ابيض الثلث الثانى، وبصيام اليوم الثالث ابيض كل جلده، وهذا القول غير صحيح، فقد ورد فى حديث أخرجه الخطيب البغدادى فى أماليه، وابن عساكر فى تاريخ دمشق من حديث ابن مسعود مرفوعا، وموقوفا من طريق آخر، وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات من الطريق المرفوع، وقال إنه حديث موضوع وفى إسناده جماعة مجهولون لا يعرفون.
وبصرف النظر عن كون سيدنا آدم صامها أو لم يصمها فإن الإسلام شرعَّ صيامها وجعله مندوبا ومستحبا، وجاء فى الزرقانى على المواهب المذكور سابقا أن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر.
ورواه النسائى. وعن حفصة أم المؤمنين: أربع لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يدعهن -يتركهن - صيام عاشوراء والعشر أيام البيض من كل شهر وركعتى الفجر، رواه أحمد، وعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة أم المؤمنين: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أى أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالى من أى أيام الشهر يصوم. رواه مسلم.
ثم قال الزرقانى: والحكمة فيها أنها وسط الشهر، ووسط الشيء أعدله، ولأن الكسوف أى خسوف القمر- غالبا يقع فيها، وقد ورد الأمر بمزيد من العبادة إذا وقع فإذا اتفق الكسوف صادف الذى يعتاد صيام الأيام البيض صائما، فيتهيأ له بأن يجمع بين أنواع العبادات من الصيام والصلاة والصدقة، بخلاف من لم يصمها فإنه لا يتهيأ له استدراك صيامها.
هذا ما جاء فى صيام الأيام البيض الثلاثة من كل شهر، أما الستة الأيام من شهر شوال فإن تسميتها بالبيض تسمية غير صحيحة، وبصرف النظر عن التسمية فإن صيامها مندوب مستحب وليس واجبا، وقد ورد فى ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم كما جاء فى فضلها حديث رواه الطبرانى "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". ومعنى صيام الدهر صيام العام، وجاء بيان ذلك فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة روايات لابن ماجه والنسائى وابن خزيمة فى صحيحه، ومؤداها أن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والأيام الستة من شوال بستين يوما أى شهرين، وهما تمام السنة اثنا عشر شهرا.
وهذا الفضل لمن يصومها فى شوال، سواء أكان الصيام فى أوله أم فى وسطه أم فى آخره، وسواء أكانت الأيام متصلة أم متفرقة، وإن كان الأفضل أن تكون من أول الشهر وأن تكون متصلة. وهى تفوت بفوات شوال.
وكثير من السيدات يحرصن على صيامها، سواء أكان عليهن قضاء من رمضان أم لم يكن عليهن قضاء. وهذا أمر مستحب كما قرره جمهور الفقهاء ونرجو ألا يعتقدن أنه مفروض عليهن، فهو مندوب لا عقوبة فى تركه.
هذا، ويمكن لمن عليه قضاء من رمضان أن يصوم هذه الأيام الستة من شوال بنية القضاء، فتكفى عن القضاء ويحصل له ثواب الستة البيض فى الوقت نفسه إذا قصد ذلك، فالأعمال بالنيات، وإذا جعل القضاء وحده والستة وحدها كان أفضل، بل إن علماء الشافعية قالوا:
إن ثواب الستة يحصل بصومها قضاء حتى لو لم ينوها وإن كان الثواب أقل مما لو نواها، جاء فى حاشية الشرقاوى على التحرير للشيخ زكريا الأنصارى "ج 1 ص 427 " ما نصه: ولو صام فيه -أى فى شوال - قضاء عن رمضان أو غيره أو نذرا أو نفلا آخر حصل له ثواب تطوعها، إذ المدار على وجود الصوم فى ستة أيام من شوال وإن لم يعلم بها أو صامها عن أحد مما مر-أى النذر أو النفل الآخر، لكن لا يحصل له الثواب الكامل المترتب على المطلوب إلا بنية صومها عن خصوص الست من شوال، ولا سيما من فاته رمضان أو صام عنه شوال، لأنه لم يصدق عليه أنه صام رمضان وأتبعه ستا من شوال.
ويشبه هذا ما قيل فى تحية المسجد، وهى صلاة ركعتين لمن دخله، قالوا: إنها تحصل بصلاة الفريضة أو بصلاة أى نفل وإن لم تُنو مع ذلك، لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت بما ذكر، ويسقط بذلك طلب التحية ويحصل ثوابها الخاص وإن لم ينوها على المعتمد كما قال صاحب البهجة.
وفضلها بالفرض والنفل حصل، والمهم ألا ينفى نيتها، فيحصل المقصود إن نواها وإن لم ينوها.
وبناء على ما تقدم يجوز لمن يجد تعبا فى قضاء ما فاته من رمضان وحرص على جعل هذا القضاء فى شوال، ويريد أن يحصل على ثواب الأيام الستة أيضا أن ينوى القضاء وصيام الستة، أو القضاء فقط دون نية الستة، وهنا تندرج السنة مع الفرض، وهذا تيسير وتخفيف لا يجوز التقيد فيه بمذهب معين ولا الحكم ببطلان المذاهب الأخرى.
والحكمة فى صيام ست من شوال بعد الصيام الطويل فى شهر رمضان - والله أعلم - هى عدم انتقال الصائم فجأة من الصيام بما فيه من الإمساك المادى والأدبى إلى الانطلاق والتحرر فى تناول ما لذ وطاب متى شاء، فالانتقال الفجائى له عواقبه الجسمية والنفسية، وذلك أمر مقرر فى الحياة
(9/261)
________________________________________
تاريخ تشريع الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
متى وكيف شرع الصيام فى الإسلام؟

الجواب
يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة: 183، تدل هذه الآية على أمرين، أولهما أن الصيام من فرائض الإسلام وثانيهما أنه كان مفروضا فى الشرائع السماوية السابقة.
أما فرضه فى الإسلام فكان على مرحلتين، الأولى صيام يوم عاشوراء، والثانية صيام رمضان، وصيام رمضان نفسه كان على مرحلتين: اختيارية وإجبارية.
وبيان ذلك فيما يلى:
فى حديث البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها أن يوم عاشوراء كانت تصومه قريش فى الجاهلية،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فى الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه -وذلك عندما رأى اليهود يصومونه شكرا لله على نجاة موسى وقومه من الغرق، فقال "نحن أحق بموسى منكم " كما رواه الشيخان -فلما فرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه.
وظاهر هنا أن صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه بفرض رمضان كما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض الشافعية، وقيل كان صومه مندوبا مؤكد الندب غير واجب فلما فرض رمضان بقى مندوبا ندبا غير مؤكد وهو الوجه الأشهر عند الشافعية.
وبصرف النظر عن وجوبه أو ندبه، فإن صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة ربما كان موافقة لقريش فيما بقى من شريعة سابقة كالحج، أو بإذن من الله سبحانه على أنه فعل من أفعال الخير، وصيامه فى المدينة ليس نزولا على إخبار اليهود له بسببه فقد كان يصومه قبل ذلك، ولكنه استئلاف لهم فيه مع إذن الله له، كما استألفهم باستقبال بيت المقدس وقد كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به من الخير.
استمر وجوب صوم عاشوراء سنة واحدة، فقد فرض صيام رمضان فى السنة الثانية من الهجرة فى شهر شعبان لليلتين خلتا منه، وصام النبى صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنوات كما قاله ابن مسعود فى رواية أبى داود والترمذى، وكما قالته عائشة أيضا فى رواية أحمد بسند جيد، وصام منها ثمانية رمضانات تسعة وعشرين يوما، وواحدا ثلاثين يوما.
وصوم رمضان أخذ مرحلتين فى فرضه. الأولى مرحلة التخيير بينه وبين الفدية والثانية مرحلة الإلزام بالصيام مع استثناء بعض من لهم أعذار، والمرحلة الإلزامية أيضا كانت على صورتين، وبيان ذلك:
أن قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} البقرة: 184، رأى بعض العلماء أنه منسوخ، مفسرين "يطيقونه " بمعنى: يقدرون عليه فهو فى طاقتهم ووسعهم فمن قدر على الصيام ولا يريد أن يصوم فعليه أن يفعل خيرا وهو إخراج فدية طعام مسكين عن كل يوم، ومن زاد على هذا القدر، فهو خير له ومن صام ولم يخرج فدية فهو خير له.
ولما جرب الناس فائدة الصيام ومرنوا عليه اختاروه على الفِطر مع الفدية، وعندما تهيأت نفوسهم لحتميته فرضه الله على كل قادر، ومن كان له عذر من مرض أو سفر فرض عليه قضاء ما أفطره، وبهذا صار التخيير منسوخا، إلا أن أقوال العلماء مضطربة فى تعيين النص الناسخ، فقال بعضهم إنه {وأن تصوموا خير لكم} وقال بعضهم الآخر إنه قوله تعالى فى الآية التالية للآية التى فيها المنسوخ {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} .
روى البخارى أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم فى ذلك فنسختها {وأن تصوموا خير لكم} .
ولكن هنا وقفة فى مجىء الناسخ والمنسوخ فى آية واحدة نزلت فيما يبدو مرة واحدة أى دفعة واحدة لا تتجزأ، ولو كان الناسخ آية أخرى تكون قد نزلت بعد فترة لكان ذلك أقرب إلى المعقول، ولعل هذا يتفق مع قول من قال: إن الناسخ هو قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الموجود فى الآية التالية لآية الحكم المنسوخ.
ويكون قوله تعالى {وأن تصوموا خير لكم} من مكملات التخيير لبيان أفضلية الصوم على الفطر مع الفدية.
وهناك جماعة من المفسرين قالوا: إن آية {وعلى الذين يطيقونه فدية. . .} محكمة وليست منسوخة، والمعنى أن الذين يتكلفون الصيام بمشقة شديدة كأنه طوق فى أعناقهم لا يصومون وعليهم الفدية، ومن زاد على مقدارها أو تكلف الصيام فهو خير، وهؤلاء هم كبار السن ومن فى حكمهم.
ومهما يكن من شيء فإن الأمر قد استقر عند المجتهدين على أن كبار السن الذين لا يقدرون على الصيام أداء ولا قضاء، وكذلك المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم لا يجب عليهم الصيام، وإنما الواجب عليهم هو إخراج الفدية عن كل يوم.
أما المرضى الذين يرجى شفاؤهم فيرخص لهم فى الفطر وعليهم القضاء بنص الآية الكريمة {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} .
هذا، وكانت مدة الصيام أول الأمر هى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا لم يفطر الصائم عند الغروب ونام لا يجوز له إذا استيقظ من نومه أن يتناول أى مفطر ويظل صائما إلى غروب شمس اليوم التالى، كما كان قربان النساء ليلا محرما على الصائمين طول الشهر، فشق عليهم ذلك فأباح الله لهم التمتع بالنساء ليلا، ومد لهم فترة الإفطار حتى مطلع الفجر، لا يؤثر على ذلك نوم ولا غيره. . . روى البخارى عن البراء قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى، وأن قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما-وفى رواية كان يعمل فى النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها:
أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت:
خيبة لك! ! -يعنى تأسفت لنومه -فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ففرحوا فرحا شديدا.، ونزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} .
وفى البخارى أيضا عن البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ... } والخيانة هنا ارتكاب المعصية.
وجاء فى تفسير القرطبى فى رواية أبى داود أن عمر رضى الله عنه أراد امرأته فقالت: إنى نمت، فظن أنها تعلل بالنوم فباشرها، كما ذكر الطبرى أن ذلك وقع من كعب بن مالك أيضا، ولما رفع الأمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية.
هذا فى تشريع الصيام فى الإسلام، أما قبل الإسلام، فقال بعض المفسرين إن تماثل صيامنا مع صيام من قبلنا هو فى أصل الوجوب وليس فى الكيفية، وقال بعضهم الآخر إن المفروض عليهم كان رمضان ولكنهم غيروا وبدلوا، والأمر لا يعدو مجرد أقوال وآراء دون سند صحيح يعتمد عليه، وقد أورد القرطبى فى تفسيره حديثا لم يبين درجته ولكن أسنده عن دغفل بن حنظلة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن عشرة، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه، فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان ملك آخر فقالوا: لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا فى الربيع، فصار خمسين ".
وغاية ما يعرف بعد الاطلاع على كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد أن قدماء اليهود كانوا لا يكتفون فى صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء، بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصى والتراب فى حزن عميق، واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام فى السنة، وأتقياؤهم يصومون شهرا كاملا، وهم الآن يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم.
والنصارى يصومون فى كل سنة أربعين يوما اقتداء بالمسيح عليه السلام، وكان الأصل فى صيامهم الامتناع عن الأكل والشرب بتاتا، والإفطار كل أربع وعشرين ساعة، ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذى روح وما ينتج منه "مجلة الأزهر المجلد الخامس ص 622".
وذلك إلى جانب صيام آخر مندوب، وكذلك الصيام عند من ليس لهم دين سماوى، وذلك -مبسوط فى المرجع السابق
(9/262)
________________________________________
صيام الصبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لى ولد يبلغ من العمر عشر سنوات وصحته ضعيفة، ويصمم على أن يصوم، ولخوفى عليه أحاول منعه من الصيام،فهل عليَّ إثم؟

الجواب
الصوم كسائر التكاليف لا يجب على المسلم إلا عند البلوغ، وذلك لحديث "رفع القلم عن ثلاث، عن الصبى حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق " رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه، ولكن بعض العلماء أوجب على الصبى إذا بلغ عشرا أن يصوم، وذلك لحديث "إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان " رواه ابن جريج، " المغنى لابن قدامة ج 3 ص 16 " وكذلك قياسا على الصلاة التى أمر النبى صلى الله عليه وسلم بضرب الغلام عليها إذا بلغ عشرا، لكن الرأى الأول هو الصحيح، وهو عدم وجوب الصوم إلا بالبلوغ.
ومن هو دون العشر ليس هناك خلاف فى عدم وجوب شيء عليه من صلاة وصيام وغيرهما-إلا ما قيل فى الزكاة وسنبينه فى موضعه - ولكن مع ذلك يستحب أن يمرن على العبادات، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، كما رواه أبو داود بإسناد حسن. وكان الصحابة يمرنون أولادهم على الصيام أيضا، روى البخارى ومسلم عن الربيِّع بنت معوِّذ بن عفراء أنهم كانوا يصومون عاشوراء، ويصوِّمون صبيانهم الصغار، ويذهبون بهم إلى المسجد، ويجعلون لهم اللعبة من الصوف، فإذا بكى أحدهم من أجل الطعام أعطوه إياها حتى يحين وقت الإفطار.
وكل هذا فى الأولاد الذين يطيقون الصيام، أما من كان بهم مرض أو صحتهم ضعيفة يزيدها الصوم ضعفا فليس على الآباء والأمهات أن يأمروهم بالصيام، لكن لا ينبغى أيضا أن ينهوهم عنه، بل يتركونهم يجربون ذلك بأنفسهم، فإن أطاقوا استمروا، وإلا فإنهم سيتركونه باختيارهم. وعلى الآباء والأمهات أن يمدحوا فى أولادهم عزمهم على الصيام وأن يبينوا لهم حكمة تشريعه بلباقة وكياسة، وسيكون استمرارهم فى هذه التجربة أو عدولهم عنها باقتناع، وهذا منهج تربوى سليم
(9/263)
________________________________________
السواك فى الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
معلوم أن تنظيف الأسنان مطلوب شرعا فهل يتنافى ذلك مع الأحاديث التى تمدح خلوف فم الصائم؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى ضمن حديث "والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " كما روى أبو داود والترمذى حديثا حسنا عن عامر بن ربيعة قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسوك ما لا أحصى وهو صائم ".
استنتج الشافعى من الحديث الأول كراهة استعمال السواك للصائم -ومثله فرشاة الأسنان -وخص ذلك بما بعد الزوال، إبقاء على رائحة الفم التى مدحها النبى صلى الله عليه وسلم. وتغير رائحة الفم ناتج عن عدم تناول الطعام والشراب، ويظهر عادة بعد الزوال، ولم يعمل الشافعى بالحديث الثانى لأنه أقل رتبة من الحديث الأول. ويؤيد رأيه حديث البيهقى "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشى" والغداة أول النهار والعشى آخره.
وقال الأئمة الثلاثة، مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا يكره السواك للصائم مطلقا سواء قبل الزوال وبعده، ودليلهم فى ذلك هو حديث عامر بن ربيعة المذكور، وحملوا الحديث الأول الذى يمدح الخلوف على الترغيب فى التمسك بالصيام وعدم التأذى من رائحة الفم، وليس على الترغيب فى إبقاء الرائحة لذاتها، ثم قالوا: إن رائحة الفم تزول أو تقل بالمضمضة للوضوء، الذى يتكرر كثيرا، ولم يثبت نهى الصائم عنها، وقالوا أيضا: إن حديث البيهقى ضعيف كما بينه هو.
وإذا لم يكن من الأئمة الأربعة إلا الشافعى الذى قال بكراهة تنظيف الأسنان أثناء الصيام بعد الزوال - فإن من كبار أئمة المذهب من لم يرتضوا ذلك. فقد قال النووى فى المجموع "ج 1 ص 39" إن المختار عدم الكراهة. وقال ابن دقيق العيد معقبا على قول الشافعى: ويحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت -أى بعد الزوال -يخص به ذلك العموم - وهو حديث الخلوف -وعلى هذا فلا كراهة فى استعمال السواك فى رمضان "انظر أيضا كتاب: طرح التثريب فى شرح التقريب، للعراقى وأبى زرعة ج 2 ص 65 ".
وبعد استعراض ما قيل فى السواك فى الصيام أختار القول بعدم كراهة تنظيف الأسنان بأية وسيلة، شريطة ألا يصل إلى الجوف شيء من المعجون أو الدم ونحوها ومن الأحوط استعمال ذلك ليلا
(9/264)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:49 am

صوم الحائض والنفساء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا يحرم الصوم مع العادة الشهرية للمرأة؟

الجواب
أجمع الفقهاء على أمرين بالنسبة للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء وهما، عدم وجوب الصوم عليها، وعدم صحته إذا صامت بل على حرمة صومها. يقول الخطيب الشافعى فى كتابه الإقناع "ج1 ص 205 " قال الإمام: وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه: لأن الطهارة ليست مشروطة فيه، وهل وجب عليها ثم سقط، أو لم يجب أصلا وإنما يجب القضاء بأمر جديد.
وجهان أصحهما الثانى، قال فى البسيط: وليس لهذا الخلاف فائدة فقهية، وقال فى المجموع: يظهر هذا وشبهه فى الأيمان والتعاليق بأن يقوله: متى وجب عليك صوم فأنت طالق انتهى كلام الخطيب.
ليس هناك دليل قولى من القرآن والسنة يحرم الصيام على المرأة عند وجود الدم فالإجماع فقط هو الدليل وحاول بعض العلماء أن يأخذ عليه دليلا من حديث الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، فقال: الأمر بقضاء الصوم يستلزم بطلانه لو حدث منها فى رمضان، لكن ليس ذلك مطردا، فإن القرآن أوجب القضاء على المريض والمسافر، ومع ذلك يجوز أن يصوم كل منهما ويقع الصوم صحيحا.
فلعل عدم وجوب الصوم على المرأة مع وجود الدم تشريع سابق متعارف عليه وأقره النبى صلى الله عليه وسلم والحكمة فى ذلك ليست بوجود الجنابة، فالجنابة بغير الدم لا تمنع الصوم ولا تبطله، فلو حدثت جنابة باتصال جنسى قبل الفجر، أو باحتلام ليلا أو نهارا، ثم استمر من عليه الحدث طول النهار بدون غسل فإن صومه صحيح وإن كانت هناك حرمة لترك الصلوات التى تحتاج إلى طهارة، وقد ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم "كان يصبح جنبا وهو صائم ثم يغتسل.
كما أن الحكمة ليست المرض الذى يسببه نزول الدم فإن المرض لا يمنع من الصيام ويجزئ، لأن الفطر رخصة لا عزيمة، وفطر صاحبة الدم عزيمة لا رخصة.
والخلاصة أن دليل بطلان الصوم ممن عليها الدم هو الإجماع، والحكمة غير متيقنة، والمتيقن هو وجوب. الإعادة عليها كما فى الصحيحين من دلالة خبرهما على العلم اليقينى فى أحكام الفروع
(9/265)
________________________________________
نية الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نسيت نية الصيام بالليل، ثم تذكرت بعد الفجر أننى لم أنو، فهل يصح صومى؟

الجواب
النية للصوم لابد منها، ولا يصح بدونها، وأكثر الأئمة يشترط أن تكون لكل يوم نية، واكتفى بعضهم بنية واحدة فى أول ليلة من رمضان عن الشهر كله ... ووقتها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. فإذا نوى الإنسان الصيام فى أية ساعة من ساعات الليل كانت النية كافية، ولا يضره أن يأكل أو يشرب بعد النية ما دام ذلك كله قبل الفجر، روى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجة والترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ". .
ولا يشترط التلفظ بالنية، فإن محلها القلب، فلو عزم بقلبه على الصيام كفى ذلك. حتى لو تسحر بنية الصيام، أو شرب حتى لا يشعر بالعطش فى أثناء النهار، كان ذلك نية كافية، فمن لم يحصل منه ذلك في أثناء الليل لم يصح صومه. وعليه القضاء. هذا فى صوم رمضان أما صوم التطوع فتصح نيته نهارا قبل الزوال
(9/266)
________________________________________
الصيام فى رجب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحرص الكثيرون على صيام أول يوم من رجب، أو صيام أيام معينة منه، وبعضهم يصومه ويصوم شعبان ورمضان ثلاثة أشهر متواليات، فهل هذا مشروع؟

الجواب
شهر رجب من الأشهر الحرم، والصيام فيها مندوب، كما ورد فى حديث الباهلى الذى قال له النبى صلى الله عليه وسلم "صم من الحرم واترك " كما رواه أبو داود. والنبى عليه الصلاة والسلام كان يرغب فى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، كما فى الصحيحين، بل كان يرغب فى الصيام مطلقا. فصيام أيام من رجب مندوب بدليل هذه الأحاديث العامة ولكن لم يرد نص صحيح خاص بفضل الصيام فى أولى يوم منه أو غيره من أيامه، ومن غير الصحيح الوارد فى ذلك حديث أنس "إن فى الجنة نهرا يقال له رجب، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر" وهو حديث ضعيف.
وحديث ابن عباس "من صام من رجب يوما كان كصيام شهر، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب الجحيم السبعة، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منه عشرة أيام بدلت سيئاته حسنات " وهو ضعيف أيضا كما ذكره السيوطى فى " الحاوى للفتاوى ".
وصيام رجب كله مع شعبان ليكمل بهما مع رمضان ثلاثة أشهر لم يرد ما يمنعه. وإن قال بعض العلماء: إن التزام ذلك لم يكن على عهد السلف فهو مبتدع، فالأولى الصيام بقدر المستطاع مع عدم الالتزام بنذر ونحوه حتى لا يقع الصائم فى محظور
(9/267)
________________________________________
تأخير قضاء الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أفطرت أياما من رمضان لعذر، ولم أتمكن من قضائها حتى دخل رمضان التالى، فهل على كفارة للتأخير؟ وعند القضاء هل يجب أن يكون متواليا أم يجوز أن يكون مفرقا؟

الجواب
جمهور العلماء يوجب فدية على من أخر قضاء ما فاته من رمضان حتى دخل رمضان الذى بعده، وتتأكد هذه الفدية، وهى إطعام مسكين عن كل يوم بما يكفيه غداء وعشاء، إذا كان تأخير القضاء لغير عذر، واستدلوا على هذا الحكم بحديث موقوف على أبى هريرة، أى أنه من كلامه هو، ونسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أى رفعه إليه ضعيف، كما أن هذا الحكم مروى عن ستة من الصحابة ولم يعلم يحيى بن أكثم مخالفا لهم، منهم ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا فدية مع القضاء، وذلك لأن الله تعالى قال فى شأن المرضى والمسافرين: {فعدة من أيام أخر} ولم يأمر بفدية، والحديث المروى فى وجوبها ضعيف لا يؤخذ به.
قال الشوكانى "نيل الأوطار ج 4 ص 318" منتصرا لهذا الرأى: ليس هناك حديث ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيها، وأقوال الصحابة لا حجة فيها، وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالتكاليف حتى يقوم الدليل الناقل عنها، ولا دليل هنا، فالظاهر عدم الوجوب.
وقال الشافعى: إن كان تأخير القضاء لعذر فلا فدية، وإلا وجبت، وهذا الرأى وسط بين الرأيين السابقين، لكن الحديث الضعيف أو الموقوف الوارد فى مشروعية الكفارة لم يفرق بين العذر وعدمه. ولعل القول بهذا الرأى يريح النفس لمراعاته للخلاف بصورة من الصور، ثم إن قضاء رمضان واجب على التراخى وليس على الفور وإن كان الأفضل التعجيل به عند الاستطاعة فدين الله أحق بالقضاء العاجل، وثبت فى صحيح مسلم ومسند أحمد أن عائشة رضى الله عنها كانت تقض ما عليها من رمضان فى شعبان ولم تكن تقضيه فورا عند قدرتها على القضاء.
ولا يلزم فى القضاء التتابع والموالاة، فقد روى الدارقطنى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى قضاء رمضان "إن شاء فرق وإن شاء تابع "
(9/268)
________________________________________
شهر رجب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا من بعض المتحدثين انهم يصفون شهر رجب بالأصم فما معنا هذه الكلمة؟

الجواب
العرب فى زمانهم القديم كانوا يسمون أيام الأسبوع وشهور السنة بأسماء تختلف عن المعهود لنا عند مجىء الإسلام، وكان للجو الطبيعى والنظام القبلى دخل فى تعيين هذه الأسماء. وشهر رجب كان يسمى قديما "أحلك"-كما يقول المسعودى فى كتابه "مروج الذهب " ويقول البيرونى: إن رجب كان يسمى بالأصم، وهو أحد الأشهر الأربعة التى قال الله فيها {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} التوبة: 16، وهذه الأشهر الحرم قد عينها النبى صلى الله عليه وسلم بأسمائها فى خطبته فى حجة الوداع، وقال عنها: ثلاثة سرد وواحد فرد: والثلاثة السرد هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والفرد هو رجب.
ولفظ رجب فيه معنى التعظيم، حيث كان العرب فى الجاهلية يعظمونه ولا يستحلون فيه القتال، كما لا يستحلونه فى الأشهر الثلاثة الأخرى، غير أنه لما كان وحده بعيدا عن أشهر الحج أعطوه اسما فيه معنى التعظيم حتى يتذكره الناس ولا ينسوه، وكان الكثيرون يعتمرون فيه قبل دخول موسم الحج.
ولعل وصف رجب بالأصم مأخوذ من السكوت حيث لا تُسمع فيه قعقعة السلاح بالقتال ولا الصيحة بالاستنفار إليه، يقول القرطبى فى تفسيره: كانت العرب تسميه -أى رجب -منصل الأسنة، أى مخرجها من أماكنها، كانوا إذا دخل رجب نزعوا أسنة الرماح ونصال السهام إبطالا للقتال فيه وقطعا لأسباب الفتن لحرمته، وقد ورد ذكر ذلك فى البخارى عن أبى رجاء العطاردى، واسمه عمران بن ملحان، قال:
كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاء فحلبنا عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصل الأسنة فلم ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه.
وكان من عادة العرب النسىء، وهو تأخير بعض الأشهر الحرم إلى غير موعدها استعجالا للقتال، وكان للقلمس وأولاده زعامة النسىء لا يرد كلامهم وكانت ربيعة بن نزار تؤخر رجب وتجعل بدله رمضان، وكان من العرب من يحلون رجبا ويحرمون شعبان، لكن "مضر" كانت تحافظ على حرمة شهر رجب لا تستحله أبدا، وجاء ذلك فى قول النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع كما رواه الشيخان، وهو يخبر أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وعين الأشهر الحرم، وعند ذكر رجب قال "ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان " فأضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب.
قال ابن حجر فى فتح البارى: أضافه إليهم لأنهم كانوا يتمسكون بتعظيمه بخلاف غيرهم، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم موضع رجب بأنه هو ما بين جمادى وشعبان، وليس هو ما كان فى نسيئهم الذى يؤخرونه به عن موضعه الحقيقى.
هذا هو شهر رجب الأصم الذى ندب الرسول صلى الله عليه وسلم صيام ما يستطاع منه ومن غيره من الأشهر الحرم، ولم يرد فيه بخصوصه حديث باستحباب الصيام يرتقى إلى درجة الصحة
(9/269)
________________________________________
كفارة الجماع فى صيام رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن هناك رأيا فيمن أفسد صومه فى رمضان بالجماع أنه لا كفارة عليه، فهل هذا صحيح، وما دليله على ذلك؟

الجواب
الفقهاء الأربعة بالذات، مجمعون على أن من أفطر فى رمضان بالجماع يفسد صومه إذا كان عامدا عالما، ويجب عليه القضاء عند الجمهور، وقال الشافعى فى أحد قوليه: من لزمته الكفارة فلا قضاء عليه، استنادا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعرابى الذى أخبره بأنه جامع زوجته فى نهار رمضان بالقضاء، ويرده حديث رواه أبو داود بإسناده وابن ماجه انه صلى الله عليه وسلم قال للمجامع " وصم يوما مكانه " ولأن إفساد يوم من رمضان بأى مفسد كالأكل والشرب يوجب القضاء، فكذلك الجماع.
أما كفارة الإفساد بالجماع فهى لازمة باتفاق المذاهب الأربعة إذا كان عامدا مختارا، وذلك لحديث البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: هلكت، قال "مالك "؟ قال: وقعت على امرأتى وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تجد رقبة تعتقها"؟ قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين "؟ قال: لا، قال "فهل تجد إطعام ستين مسكينا"؟ قال: لا، وبعد مدة أعطاه النبى عَرْقا - مكتلا أى وعاء -فيه تمر، -وأمره أن يتصدق به، فقال الرجل:
على أفقر منى يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها - الجبلين - أهل بيت أفقر من أهل بيتى، فضحك الرسول حتى بدت أنيابه ثم قال "أطعمه أهلك ".
لكن روى عن الشعبى والنخعى وسعيد بن جبير أنهم قالوا: لا كفارة عليه، لأن الصوم عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها، فلا تجب فى أدائها، كالصلاة إذا فسدت وجب قضاؤها ولا تجب مع القضاء كفارة إذا فسدت فكذلك الأداء.
ورد العلماء هذا بأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به، أما القضاء فهو فى الذمة، إن بطل بالجماع يوما فعليه القضاء فى يوم اَخر، ولا يصح القياس على الصلاة، لأن الصلاة لا يدخل فى جبرانها مال، والصوم يدخل فى جبرانه المال "المغنى لابن قدامة ج 3 ص 54،55) وعلى ذلك فالاتفاق على وجوب الكفارة بالفطر من صيام رمضان، ولا عبرة بقول من خالف ذلك لضعف دليله بالقياس
(9/270)
________________________________________
الترفيه فى رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم مشاهدة الأفلام وسماع الأغانى فى نهار رمضان؟

الجواب
الحكم العام على مشاهدة الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، وسماع الأغانى، أنها إن كانت هذه المشاهدات والمسموعات تحمل كلاما باطلا أو تدعو إلى محرم، أو كانت تؤثر تأثيرا ضارا على فكر الإنسان وسلوكه، أو صرفته عن واجب، أو صاحبها محرم كشرب أو رقص أو اختلاط سافر كانت حراما، سواء أكان ذلك فى رمضان أم فى غير رمضان. فإن خلت من هذه المحاذير كان الإكثار منها مكروها، ولا بأس بالقليل منها للترويح.
وشهر رمضان له طابع خاص، فهو قائم على صيام النفس عن شهواتها والتدريب على سيطرة العقل على رغباتها، وليس ذلك بالامتناع فقط عن الأكل والشرب والشهوة الجنسية، فذلك هو الحد الأدنى للصيام، لا يكتفي به إلا العامة الذين يعملون فقط لأجل النجاة من العقاب، مع القناعة بالقليل من الثواب، أما غيرهم فيحرصون على الكمال فى كل العبادات، فيمسكون عن كل شهوات النفس وبخاصة ما حرم الله، كالكذب والغيبة، ويسمو بعضهم فى الكمال فيصوم حتى عن الحلال، مقبلا على الطاعة فى هذا الشهر بالذات.
ليخرج منه صافى النفس والسلوك من الرذائل، متحليا بالفضائل.
فلا ينبغى أن نضيع فرصة هذا الشهر الذى يضاعف فيه ثواب الطاعة، بصيام نهاره وقيام ليله بالتراويح وقراءة القرآن.
وضياع جزء كبير من الوقت فى مشاهدة وسماع أنواع الترفيه خسارة للمؤمن العاقل، وعلى المسئولين جميعا أن يراعوا حرمة هذا الشهر، فيهيئوا الفرصة للصائمين والقائمين أن يتقربوا إلى الله بالطاعات بدل هذا اللهو الذى مللناه طول العام.
ومهما يكن من شىء فإن مشاهدة وسماع هذه الأشياء لا يبطل الصيام إلا إذا حدث أثر جنسى بسببها، ومع عدم البطلان فاتت فرص كثيرة لشغل الوقت بالعبادة وقراءة القرآن وسماع البرامج الدينية، يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبرانى "أتاكم رمضان شهر بركة، لم يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهى بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل ". فليكن تنافسنا فى رمضان فى الخير لا فى اللهو ولا فى الإقبال على الملذات
(9/271)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:50 am

فوانيس رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يمكن معرفة سبب الظاهرة المنتشرة فى البلاد المصرية، وهى الفوانيس التى يحملها الأطفال فى شهر رمضان مع نشيد تقليدى مضت عليه سنوات طويلة؟

الجواب
من بعض ما قيل بخصوص فوانيس رمضان أنها عرفت مع بداية العصر الفاطمى فى مصر، ففى يوم 15 من رمضان سنة 362 هجرية (972 م) وصل المعز لدين الله إلى مشارف القاهرة ليتخذها عاصمة لدولته، وخرج سكانها لاستقباله عند صحراء الجيزة ومعهم الفوانيس الملونة، حتى وصل إلى قصر الخلافة، ومن يومها صارت الفوانيس من مظاهر الاحتفال برمضان وهناك قصة أخرى تقول: فى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمى كان محرما على نساء القاهرة الخروج ليلا، فإذا جاء رمضان سمح لهن بالخروج، بشرط أن يتقدم السيدة أو الفتاة صبى صغير يحمل فى يده فانوسا مضاء، ليعلم المارة فى الطرقات أن إحدى النساء تمر، فيفسحوا لها الطريق، وبعد ذلك اعتاد الأولاد حمل هذه الفوانيس فى رمضان "الأهرام 29/4/1987، 7/4/1992م ".
ويقول د. حسين مجيب المصرى: ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتى، ولم يكن يقاد فى المنازل، بل كان يعلق فى منارة الجامع إعلانا لحلول وقت السحور. ويقول ابن بطوطة فى وصف - الاحتفال برمضان فى الحرم المكى: كانوا يعلقون قنديلين للسحور، ليراهما من لم يسمع الأذان ليتسحر "الأخبار 18/ 4/ 1988".
والحكم الشرعى فيها الإباحة، لعدم ورود ما يمنعها، وإذا قصد بها الفرح بقدوم رمضان، أو الإعلام بوقت السحور فقد ترقى إلى درجة المستحب، والأعمال بالنيات
(9/272)
________________________________________
كنافة رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا يحرص كثير من الناس فى رمضان على أكل الكنافة وأنواع الحلوى الأخرى؟

الجواب
الكنافة لون من ألوان الطعام الحلال لا حرمة فى تناوله كسائر الأطعمة الحلال، التى ينبغى الاعتدال فيها مع شكر الله عليها كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87، وكانت مما يقدمه خلفاء مصر الفاطميون على موائد الإفطار فى رمضان، وصارت من المظاهر الواضحة فى هذا الشهر، هى ومثيلاتها من القطايف والزلابية.
يقول بعض الكتاب: بلغ من شهرة هذه الأصناف أن جلال الدين السيوطى جمع ما قيل فى الكنافة والقطايف فى كتاب سماه "منهل اللطائف فى الكنافة والقطايف " والكنافة - كما يقول ابن فضل الله العمرى - أول من اتخذها من العرب معاوية بن أبى سفيان، وكان يأكلها فى السحور، وفيها يقول الشاعر الفكه أبو الحسين الجزار المصرى:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر * وجاد عليها سكر دائم الدر وتبا لأوقات المخلل إنها * تمر بلا نفع وتحسب من عمرى والقطايف سميت بذلك تشبيها بخمل القطيفة التى تفرش. وفى القاموس:
القطائف المأكولة لا يعرفها العرب، وفيها يقول الصفدى:
أتانى صحن من قطائفك التى * غدت وهى روض قد تبلل بالقطر ولا غرو إن صدقت حلو حديثها * وسكرها يرويه لى عن أبى ذر يريد بأبى ذر: السكر المسحوق.
أما الزلابية فلم يكثر فيها الشعراء من الوصف مع إنها عربية، لوجودها فى رجز قديم، يقول ابن الرومى فى وصفها ووصف صانعها:
ومستقر على كرسيه تعب * روحى الغداء له من منصب تعب رأيته سحرا يقلى زلابية * فى رقة القشر والتجويف كالقصب يلقى العجين لجينا من أنامله * فيستحيل شبابيكا من الذهب " مجلة الهداية - البحرين - رمضان1409 هـ (أبريل 1989 م) "
(9/273)
________________________________________
صيام الأمم السابقة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل فرض صوم رمضان على أمم أخرى قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
الصيام بوجه عام فرض على غير المسلمين من الأمم السابقة كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة: 183، وليس فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية بيان كيفية صيام السابقين، وإن كانت الآية تقول عن مريم عليها السلام كما أمرها الله {فإما ترين من البشر أحدا فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} مريم: 26، وهو ظاهر فى الإمساك عن الكلام وقد يكون عن أشياء أخرى. وأخبر الحديث المتفق عليه أن داود كان يصوم يوما ويفطر يوما.
والصوم فى الإسلام إمساك عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وصوم الأمم السابقة مختلف فى موقعه من شهور السنة وفى مدته وفى كيفيته.
وعرفنا من صيام السابقين صوم عاشوراء عند اليهود شكرا لله على نجاة موسى عليه السلام من الغرق كما ثبت فى الحديث الصحيح، وما سوى ذلك يعرف من كتبهم، واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام فى السنة، وأتقياؤهم يصومون شهرا، وهم يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم، ويصومون اليوم التاسع من شهر "آب "كل سنة فى ذكرى خراب هيكلى أورشيلم.
والنصارى يصومون كل سنة أربعين يوما، وكان الأصل فى صيامهم الامتناع عن الأكل بتاتا، والإفطار كل أربع وعشرين ساعة، ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذى روح وما ينتج منه، وعندهم صوم الفصول الأربعة، وهو صيام ثلاثة أيام من كل منها، وصيام الأربعاء والجمعة تطوعا لا فرضا.
جاءت فى تفسير ابن كثير أقوال عن بعض الصحابة والتابعين أن صيام السابقين كان ثلاثة أيام من كل شهر ولم يزل مشروعا من زمان نوح إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان، كما ذكر حديثا عن ابن عمر مرفوعا أن صيام رمضان كتبه الله على الأمم السابقة.
وجاء فى تفسير القرطبى أن الشعبى وقتادة وغيرهما قالوا: إن الله كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا وزاد أحبارهم عليه عشرة أيام، ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد فى صومهم عشرة أيام ففعل، فصار صوم النصارى خمسين يوما، فصعب عليهم فى الحر فنقلوه إلى الربيع، واختار النحاس هذا القول، وفيه حديث عن دغفل بن حنظلة عن النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أقوالا فى أن تشبيه صيامنا بصيام السابقين هو فى فرضيته وليس فى صفته ولا فى مدته.
ومن مراجعة كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد رأينا أن قدماء اليهود كانوا لا يكتفون فى صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء، بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصا والتراب فى حزن عميق.
وفى سفر الخروج أن موسى عليه السلام كان هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء، وفى إنجيل متى أن المسيح صام أربعين يوما فى البرية.
وجاء فى كلام النبى حزقيال أن صيامه كان عن اللحوم وما ينتج عن الحيوان، وكان النبي دانيال يمتنع عن اللحوم وعن الأطعمة الشهية مدة ثلاثة أسابيع، وجاء فى الترجمة السبعينية أن داود قال: ركبتاى ضعفتا من الصوم، ولحمى تغير من أكل الزيت.
والذين لا يدينون بدين سماوى كان عندهم صيام كالبراهمة والبوذيين فى الهند والتبت، ومن طقوسهم فى نوع منه الامتناع عن تناول أى شىء حتى ابتلاع الريق لمدة أربع وعشرين ساعة، وقد يمتد ثلاثة أيام لا يتناولون كل يوم إلا قدحا من الشاى، وكان قساوسة جزيرة كريت فى اليونان القديمة لا يأكلون طول حياتهم لحما ولا سمكا ولا طعاما مطبوخا، وفى مقال محمد فريد وجدى صور أخرى عن صيام السابقين "مجلة الأزهر المجلد الخامس ص 622 ".
هذه بعض الصور عن صوم أصحاب الأديان السماوية السابقة وغيرهم ممن لا يدينون بدين سماوى، لا يعنينا منها صدقها وصحتها، بقدر ما يعنينا أن الصيام بأية صورة من الصور كان موجودا قبل الإسلام، وهل فرض صيام رمضان على اليهود والنصارى، أو فرض صيام غيره؟ ليس فيه خبر صحيح
(9/274)
________________________________________
اسم رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما صحة القول بأن اسم رمضان من أسماء الله الحسنى، ولماذا سمى بهذا الاسم؟

الجواب
جاء فى "المواهب اللدنية" للقسطلانى وشرحها للزرقانى أن لفظ رمضان مشتق من الرمض وهو شدة الحر، لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور، وافق أن الشهر المذكور شديد الحر، كما سمى الربيعان لموافقتهما زمن الربيع، أو لأنه يرمض الذنوب أى يحرقها، وهذا القول ضيف لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع الذى عرف منه أنه يرمض الذنوب.
وفى تفسير القرطبى: قيل هو من رمضت النصل رمضا إذا دققته بين حجرين ليرق،ومنه نصل رميض ومرموض وسمى الشهر به لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم فى رمضان ليحاربوا بها فى شوال قبل دخول الأشهر الحرم، وحكى الماوردى أن اسمه فى الجاهلية "ناتق ".
وفى القرطبى أيضا أن مجاهدا كان يقول: بلغنى أنه اسم من أسماء الله، وكان يكره أن يجمع لفظه لهذا المعنى-يعنى لا يقال رمضانات - ويحتج بما روى "رمضان اسم من أسماء الله تعالى" وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث أبى معشر نجيح، وهو ضعيف وبذلك ينتفى كونه من أسماء الله الحسنى المنصوص عليها فى القرآن والسنة والمأثورات الإسلامية. انتهى
(9/275)
________________________________________
النوم فى نهار رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل كثرة النوم فى نهار رمضان تبطل الصيام، مع المحافظة على أداء الصلوات؟

الجواب
شهر رمضان شهر عبادة ليلا ونهارا، أما بالليل فبالقيام بصلاة التراويح وقراءة القرآن وأما بالنهار فبالصيام، والجزاء على ذلك وردت فيه نصوص كثيرة، وفى حديث واحد جمع ثواب الصيام والقرآن فقال صلى الله عليه وسلم "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: يا رب منعته الطعام والشهوة بالنهار فشفعنى فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعنى فيه، فيشفعان " رواه أحمد والطبرانى والحاكم وصححه، ولو نام الصائم طول النهار فصيامه صحيح، وليس حراما عليه أن ينام كثيرا ما دام يؤدى الصلوات فى أوقاتها، وقد يكون النوم مانعا له من التورط فى أمور لا تليق بالصائم، وتتنافى مع حكمة مشروعية الصيام، وهى جهاد النفس ضد الشهوات والرغبات التى من أهمها شهوتا البطن والفرج، ويدخل فى الجهاد عدم التورط فى المعاصى مثل الكذب والزور والغيبة فقد صح فى الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى. .
هذا، ولم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: نوم الصائم عبادة
(9/276)
________________________________________
صوم يوم عرفة للحاج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صيام يوم عرفة سنة للحاج ولغير الحاج؟

الجواب
روى مسلم وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال "يكفّر السنة الماضية والباقية" هذا أصح ما ورد فى فضل الصوم يوم عرفة، وجاءت روايات أخرى إسنادها حسن أى أقل من درجة هذا الحديث تفيد أن صوم يوم عرفة يعدل صيام سنة كما رواه النسائى أو صيام سنتين كما رواه الطبراني، أو صيام ألف يوم، كما روى أن بعضهم كان يرش عليه الماء وهو صائم، لما يعافي من شدة الحر، حرصا على ثوابه. لكن ذلك لغير الحاج الواقف بعرفة، فقد روى أبو داود والنسائي وابن خزيمة فى صحيحه والطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن صومه، وإن كان هذا النهى ليس للتحريم، بل للكراهة، ولذلك اختلف الفقهاء،فقال الشافعى: يسن الفطر فيه ليقوى الحاج على الدعاء، وقال أحمد: إن قدر الحاج على الصوم صام، وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة.
ومهما يكن من شيء فإن الأولى الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه لم يصم هذا اليوم فى حجة الوداع. روى البخارى ومسلم عن أم الفضل أنهم شكوا فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة، وثبت أنه قال "إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا - أهل الإسلام - وهى أيام أكل وشرب " رواه أحمد وأصحاب السنن وابن ماجه.
نعم،إن الواقفين بعرفة فى ضيافة الله، حيث يباهى بهم ملائكته، ويشهدهم أنه غفر لهم، وذلك عيد عظيم من لوازمه البهجة والسرور كما نلاحظ أن فى الوقوف والإفاضة جهدا كبيرا يحتاج إلى قوة يساعد عليها الفطر، وذلك تخفيف من الله ورحمة
(9/277)
________________________________________
المسافر والصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يشترط للمسافر الذى يريد أن يفطر فى رمضان أن يكون سفره قبل الفجر ولمسافة طويلة؟ وهل يجوز للصائم أن يفطر إذا اضطر إلى سفر مفاجئ؟

الجواب
جمهور الفقهاء على أن المسافر الذى يجوز له الفطر فى رمضان لابد أن يطلع عليه الفجر وهو مسافر، وأن يكون سفره طويلا "حوالى ثمانين كيلو مترا" حتى لو كان السفر مريحا، كالسفر بالطائرة، فيجوز له الفطر، فإذا كان قصيرا فلا يجوز له الفطر وإذا طلع عليه الفجر وهو غير مسافر وسافر بعده فلا يجوز له الفطر عند جمهور الفقهاء، وأجاز أحمد بن حنبل الفطر للمسافر مطلقا حتى لو كان السفر بعد الزوال، ولا مانع من تقليد هذا المذهب إذا كان فى الصوم مشقة.
ثم قال العلماء: إذا بيَّت نية الصيام فى السفر يجوز له الفطر ولا إثم عليه، وعليه القضاء وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ومنعه المالكية وأوجبوا عليه القضاء والكفارة إذا أفطر، كما منعه الحنفية وأوجبوا عليه القضاء دون الكفارة. أما الأفضلية للمسافر فى الصوم أو الفطر فقد قال الحنفية والشافعية: إن الصوم أفضل، وهو مندوب ما دام لا يشق عليه، فإن شق عليه كان الفطر أفضل، وإذا ترتب على الصوم خطر على نفسه أو تعطيل منفعة كان الفطر واجبا، وقال المالكية:
يندب للمسافر الصوم ولو تضرر بأن حصلت له مشقة-وقال الحنابلة:
يسن له الفطر ويكره الصوم ولو لم يجد مشقة، وذلك لحديث "ليس من البر الصيام فى السفر"
(9/278)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:51 am

تقديم الفطر على صلاة المغرب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هناك نصوص تدعو إلى المبادرة بالإفطار عند غروب الشمس ونصوص أخرى تدعو إلى المبادرة بصلاة المغرب، فكيف يمكن الجمع بين هذه النصوص؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر مع أصحابه فى رمضان، فلما غابت الشمس طلب من بلال أن يعد لهم طعام الإفطار، فلما أعده شرب النبى صلى الله عليه وسلم ثم أشار بيده "إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم" أى حل له الفطر. فإذا غاب قرص الشمس حل الفطر حتى لو كان الشفق مضيئا.
وروى أبو داود عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلى المغرب، وفطره كان على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد فعلى ماء، وهذا الإفطار الخفيف المحتوى على بعض السكريات له فوائده الطبية العظيمة.
يقول ابن القيم: وإنما خص النبى صلى الله عليه وسلم الفطر بما ذكر لأن إعطاء الطبيعة الشىء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به لاسيما قوة البصر. وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس، فإن رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأولى للظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده.
وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم فما رواه البخارى ومسلم أنه قال "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" وفيما رواه أحمد والترمذى يقول الله عز وجل: إن أحب عبادى إلىَّ أعجلهم فطرا" فإذا تحقق الصائم غروب الشمس بادر بالإفطار الخفيف المحتوى على ماده سكرية، لأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة.
ويؤخذ من هذا أن تقديم الفطر على صلاة المغرب هو هدى النبى صلى الله عليه وسلم لكن ليس معنى هذا أن يفطر الإنسان إفطارا كاملا ويستغرق فيه وقتا طويلا ثم يقوم لصلاة المغرب آخر وقتها، لأن الصلاه فى أول وقتها من أفضل الأعمال. وصلاة المغرب بالذات وقتها ضيق، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود "لا تزال أمتى بخير - أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم " فلأجل الحرص على الفضيلتين - وهما تعجيل الفطر وتعجيل صلاة المغرب -يكون الإفطار خفيفا جدًّا على شراب أو طعام حلو أو ماء، ثم تُصلَّى صلاة المغرب، ثم يكمل الإفطار بعد ذلك فى طمأنينة وراحة بال
(9/279)
________________________________________
نوم الصائم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك حديث يقول: نوم الصائم عبادة؟

الجواب
جاء فى تخريج العراقى لأحاديث "إحياء علوم الدين للغزالى" أن هذا الحديث موجود فى "أمالى ابن منده" من رواية ابن المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر بسند ضعيف، ولعله عبد الله بن عمرو، فإنهم لم يذكروا لابن المغيرة رواية إلا عنه. ورواه أبو منصور الديلمى فى "مسند الفردوس" من حديث عبد الله بن أبى أوفى، وفيه سليمان ابن عمرو النخعى أحد الكذابين.
يؤخذ من هذا أن الحديث ليس صحيحا ولا حسنا عن النبى صلى الله عليه وسلم فهو إما ضعيف وإما موضوع، وبصرف النظر عن سند الحديث فهناك وجهتا نظر عند تفسيره، وجهة تقول: إن الصائم الذى يتعرض أثناء صيامه لأمور تتنافى مع حكمة الصيام بسبب اندماجه مع المجتمع، كالكذب والغيبة والنظر المحرم وغير ذلك سيكفه نومه بالنهار عن هذه الأمور المنكرة، وذلك صورة من صور العبادة، فهو عبادة سلبية كالصدقة التى قال النبى صلى الله عليه وسلم فى وجوبها على كل مسلم لا يجد ما يتصدق به ولا معونة من أى نوع كان "فليمسك عن الشر، فإن إمساكه عن الشر صدقة" رواه البخارى ومسلم، ومن هنا يكون نومه صوابا وعبادة.
ومن وجهة نظر أخرى، الصائم الذى يؤثر النوم على العمل الإِيجابى المنتج مخالف لأوامر الدين، فى وجوب استغلال طاقة الإِنسان فى عمل الخير، ومخالف كذلك للأوامر الدينية التى تنفر من العجز والكسل، فالنبى صلى الله عليه وسلم أمر بالاستعاذة منهما أبا أمامة حتى يذهب الله همه ويقضى دينه كما رواه أبو داود، فالإِسلام دين حركة وعمل وإنتاج، والصائم يمكنه ذلك فى حدود الوسع والطاقة، ولم يقف الصحابة عن العمل وهم صائمون، بل وقعت كبريات الغزوات فى شهر رمضان، وعلى رأسها غزوة بدر، والفتح الأعظم لمكة المكرمة، وإذا كانت بعض الدول تخفف من العمل فى شهر الصيام فلا يجوز أن يستغل ذلك لمزيد من الكسل والتهاون، والعمل الصالح فى ظل الصيام له ثوابه الجزيل "انظر ص 510 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى" ومن هنا يكون نوم الصائم خطأ وليس عبادة
(9/280)
________________________________________
القبلة فى الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل تقبيل الرجل لزوجته يبطل الصيام؟

الجواب
روى البخارى ومسلم وأصحاب السنن من حديث عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل بعض أزواجه وهو صائم وكان أملككم لإربه، وبعض الأزواج هو عائشة أو أم سلمة لرواية الحادثة عن كل منهما، ومعنى أملككم لإربه، أنه أقدركم على منع نفسه عن المباشرة الجنسية. وجاء فى رواية البيهقى عن عائشة أنه كان يقبِّلها وهو صائم ويمص لسانها. وروى مالك فى الموطأ أن عائشة بنت طلحة ابن عبيد الله وكانت فائقة الجمال ثقة روى لها الستة كانت عند عائشة -أم المؤمنين- فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق فقالت عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك -زوجك- فتلاعبها وتقبِّلها؟ قال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم.
وروي أن عمر بن الخطاب قال: هششت فقبَّلت وأنا صائم، فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، قال "أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم"؟ قلت: لا بأس به، قال " فَمَهْ " رواه أبو داود والنسائى وقال: منكر، وصححه ابن خزيمة والحاكم، ومعنى " فَمَهْ " فاسكت، ورويت "ففيم"؟ يعنى ففيم السؤال؟ بناء على هذه المرويات قال ابن المنذر: رخص فى القبلة عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة، وأخذ به أحمد وإسحاق. ومذهب الأحناف والشافعية، أنها تكره على من حركت شهوته ولا تكره لغيره، لكن الأولى تركها. وعند المالكية كما قال الزرقانى على المواهب "ج 5 ص 227" أنها تحرم إن خاف الإنزال، وإلا كانت مكروهة. وقال الحافظ ابن حجر إنها مباحة لمن يكون مالكا لنفسه من الوقوع فيما يحرم من الإنزال والجماع.
والظاهرية أخذوا بظاهر الحديث فجعلوا القبلة للصائم سنة وقربة من القرب اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم، وهذا مردود بأن الرسول كان يملك إربه فليس كغيره
(9/281)
________________________________________
معنى كلمة " وحوى "

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى كلمة "وحوى"، التى يرددها الأطفال فى رمضان وهم يطوفون بالفوانيس؟

الجواب
تقول الكاتبة فاطمة صقر " الأخبار 12/5/1988 م " إن عبارة:
وحوى يا وحوى إيُّوحة، ترجع إلى اللغة الهيروغليفية، ومعناها:
افرحى يا أيوحة، وأيوحة هى أم " أحمس " الذى طرد الهكسوس من مصر، فلما نجح فى طردهم خرج الناس يهنئون أمه بذلك.
والعهدة على الكاتبة فى هذا، ولكن ما هى الصلة بينها وبين رمضان؟ المهم أنها بهذا المعنى كلمة بريئة لا غبار عليها شرعا ما لم يقصد بها غير ما قيلت فيه أو لا
(9/282)
________________________________________
صوم يوم الشك

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو يوم الشك ولماذا يحرم صومه؟

الجواب
يوم الشك هو يوم الثلاثين من شهر شعبان، ذلك لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما وقد يكون ثلاثين يوما، وقد صح النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، فقد روى الجماعة عن أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تقدَّموا - أى تتقدموا- صوم رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم " وقال الترمذى: حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان بمعنى رمضان. وروى أصحاب السنن أن عمار بن ياسر رضى الله عنه قال: من صام اليوم الذى شُكَّ فيه فقد عصى أبا القاسم، وقال الترمذى: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول مالك والشافعى وأحمد وغيرهم ورأى أكثرهم إن صامه وكان من شهر رمضان أن يقضى يوما مكانه، لأنه لم ينو صيامه كيوم من رمضان، حيث لا يعلم إن كان منه أو لا، فنيته غير جازمة، والنية المعتبرة تكون جازمة صادرة عن يقين، فكأنه نوى صوم غد إن كان من رمضان، ولو تبين أنه منه لا تجزىء هذه النية فيكون الصوم باطلا لا بد أن يقضى.
ولو صام هذا اليوم كعادة له كأن صادف مثلا يوم الاثنين وهو متعود صيام يوم الاثنين فهو جازم بنيته ولذلك كانت صحيحة، فيصح صومه نفلا إن تبين أنه يوم الثلاثين، كما يصح فرضا إن تبين أنه أول رمضان وذلك عند الحنفية.
وقد نقل عن جماعة من الصحابة جواز صيام يوم الشك، منهم على وعائشة وعمر وابن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية وعمرو ابن العاص، كما نقل صيامه عن جماعة من التابعين.
يقول الشوكانى " نيل الأوطار -ج 4 ص 205 " والحاصل أن الصحابة مختلفون فى ذلك، وليس قول بعضهم بحجة على أحد.
هذا، والحكمة فى النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين مختلف فيها، والمعتمد ما ارتضاه ابن حجر فى فتح البارى من أن الصيام الاحتياطى محاولة للطعن فى حكم تعلق الصوم برؤية الهلال الذى ورد به الحديث الذى رواه البخارى ومسلم.
ويلاحظ أن النهى عن صوم يوم الشك لا يمنع صحة صومه عن القضاء قبل دخول شهر رمضان حتى لا تلزم الكفارة مع القضاء إن تأخر عن رمضان، وكذلك من نذر صوم يوم معين فصادف يوم الشك لا يحرم صومه. " نيل الأوطار ج 4 ص 276"
(9/283)
________________________________________
السحور والمسحراتى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يرى بعض الناس الآن أن قيام المسحراتى بإعلان الناس بالسحور بدعة لم تكن على أيام النبى صلى الله عليه وسلم فما حكم الدين فى ذلك؟

الجواب
معلوم أن تناول طعام السحور سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للتقوِّى به على الصيام، كما جاء فى حديث البخارى ومسلم: "تسحَّروا فإن فى السحور بركة " ووقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره، ففى البخارى ومسلم عن زيد بن ثابت: تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية.
وكان هناك أذانان للفجر، أحدهما يقوم به بلال، وهو قبيل الوقت الحقيقى للفجر، والثانى يقوم به عبد الله بن أم مكتوم، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذان بلال ليس موعدًا للإِمساك عن الطعام والشراب والمفطرات لبدء الصيام، وأذن لنا فى تناول ذلك حتى نسمع أذان ابن أم مكتوم. ففى حديث البخارى ومسلم " إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وروى أحمد وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن - أو قال ينادى - ليرجع قائمكم وينبه نائمكم ".
ومن هنا كان أذان بلال بمنزلة الإِعلام بالتسحير فى شهر رمضان، وما كان الناس فى المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور. يقول المؤرخون: لما جاء إلى مصر عتبة بن إسحاق واليا من قِبل الخليفة العباسى المنتصر بالله قام هو بالتسحير سائرا على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط حتى جامع عمرو بن العاص وكان ذلك سنة 238 هـ وممن اشتهروا بالتسحير "الزمزمى" فى مكة، "ابن نقطة" فى بغداد، وكان الزمزمى يتولى التسحير فى صومعته بأعلى المسجد ومعه أخوان صغيران يقول: يا نيامًا قوموا للسحور، ويدلى حبلا فيه قنديلان كبيران، من لم يسمع النداء يرى النور. ثم تطور التسحير فكان أهل مصر أول من ابتكروا "البازة" مع الأناشيد، ويقوم عدة أشخاص معهم طبل بلدى وصاجات برئاسة المسحراتى، ويغنون أغانى خفيفة، "إبراهيم عنانى - جريدة الأخبار 15 من رمضان 1414 - 25 من فبراير 1994 م ".
ويقول الدكتور حسين مجيب المصرى: الشعر الذى كان يستخدمه المسحراتى كان يسمى " فن القوما " واشتهر به "ابن نقطة" الذى كان موكولا إليه إيقاظ الخليفة للسحور، ولا يلتزم فيه باللغة العربية. وذكر نموذجا منه. وذكر أن ظهور فانوس رمضان ارتبط بالمسحراتى، وكان يعلق بالمآذن، وشاهده ابن بطوطة فى رحلته ورأى فى الحرم المكى الاحتفال برمضان، وقال: كانوا يعلقون قنديلين للسحور ليراهما من لم يسمع الأذان ليتسحر " الأخبار 18 / 4 /1988، 25/ 2/ 1994".
نرى من هذا أن الإِعلام بوقت السحور له أصل فى الدين، فكان فى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بأذان بلال، وكان فى العصور التى تلت ذلك بوسائل شتى، بإضاءة الأنوار، وبإنشاد الأشعار، وبالضرب على الآلات، ثم بإطلاق الصفارات وضرب المدافع وغير ذلك من الوسائل.
ولا ينبغى أن نسرع -كما قلت مرارا - بإطلاق اسم البدعة وجعلها ضلالة فى النار على كل شىء جديد لم يكن بصورته الحالية موجودا فى عهد التشريع، فقد يكون له أصل مشروع، والصورة هى التى تغيرت، فإن كانت الصورة غير خارجة عن الدين فلا بأس بها أبدا، وسنة التطور تقضى بذلك ما دامت فى الإِطار العام للدين، وفى التنبيه على السحور دلالة على الخير وتعاون على البر، والدال على الخير كفاعله، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه.
مدفع الإفطار:
فى منتصف القرن التاسع الهجرى انطلقت أول طلقة لمدفع الإفطار فى رمضان، وتبدأ الحكاية فى زمن والى مصر "خوشقدم" عندما أهدى إليه مدفع، فأمر بتجربته فانطلقت أول طلقة، وصادف الوقت أن كان عند غروب الشمس فى أول يوم من رمضان، فظن الناس أنه تقليد جديد اتبعه الوالى للإِيذان بموعد الإِفطار، فشكروه على ذلك وصار تقليدا " جريدة مايو 26 / 5 / 1986"
(9/284)
________________________________________
صيام رجب مع شعبان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تحرص بعض السيدات على صيام شهر رجب وشهر شعبان ووصلهما بصيام شهر رمضان، فهل ذلك مشروع؟

الجواب
إن الصيام المفروض هو صيام شهر رمضان، وصيام النذر والكفارات، وما عدا ذلك فمستحب، والرسول صلى الله عليه وسلم رغب فى صيام التطوع بمثل ما جاء فى صحيحى البخارى ومسلم " ما من عبد يصوم يوما فى سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا".
ومن الصيام المستحب الصيام فى الأشهر الحرم التى منها شهر رجب، وكذلك الصيام فى شهر شعبان وقد سبق فى صفحة 442 من المجلد الثالث حكم الصوم فى شهر رجب وما نقله ابن حجر عن الطرطوشى فى كراهة الحرص على صيام رجب تشبيها برمضان، أو لأنه ثابت مؤكد، أو لفضل خاص يزيد على صيام باقى الشهور.
وبخصوص الصيام فى شهر شعبان وردت أحاديث صحيحة منها ما رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شهر شعبان، بل كان يصومه كله أحيانا وجاء فى رواية تقول فى سبب ذلك:
تعظيما لرمضان، كما روى النسائى أن أسامة بن زيد سأله صلى الله عليه وسلم لم أرك تصوم فى شهر ما تصوم فى شهر شعبان، فقال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم " وصيامه كله أو أكثره لمن وصل النصف الثانى بالنصف الأول: أما الذى لم يصله فيكره أو يحرم أن ينشئ صياما فى النصف الثانى لحديث رواه أبو داود، وبه أخذ الشافعى، كما جاء النهى عن صوم يوم أو يومين قبل رمضان لحديث رواه الجماعة " لا تقدَّموا -تتقدموا- صوم رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم ".
هذا، ولم يرد حديث مقبول يقول: إن صيام رجب كله وشعبان كله ووصلهما برمضان بدعة مذمومة، فالصوم فى رجب وشعبان مشروع كما قدمنا، الأول لأنه من الأشهر الحرم والثانى لفعل النبى صلى الله عليه وسلم، غير أن هناك توصية بعدم الإِرهاق وتكلف الإنسان ما لا يطيق، ففى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول "خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ".
فإذا كان فى صيام الشهرين إرهاق يؤثر على صيام رمضان كان التتابع مخالفا للحديث، ويكره أن يكون ذلك عن طريق النذر فقد يحصل العجز ويكون المحظور، ومن استطاع بغير إرهاق فلا مانع، مع مراعاة إذن الزوج إذا أرادت الزوجة أن تصوم هذا التطوع، ففى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه "
(9/285)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:53 am

فتح أماكن الطعام فى نهار رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز فتح المطاعم فى نهار رمضان؟

الجواب
صيام رمضان من أهم الأركان التى بنى عليها الإِسلام، وكان من رحمة الله تعالى أن خفف عن ذوى الأعذار فأباح لهم الفطر ما دام العذر قائما، على أن يصوموا قضاءً ما أفطروه كما قال سبحانه {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} البقرة:185.
ولذلك حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التهاون فى أداء هذه الفريضة فقال فيما رواه الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة فى صحيحه "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه" بل جاء التحذير من التعجل بالفطر قبل موعده فقد روى ابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى النوم -ورؤيا الأنبياء حق- قوما معلقين بعراقيبهم مُشققةً أشداقهم تسيل دما، وهم الذين يفطرون قبل تحلة الصوم، أى قبل الإفطار، والذى يساعد المفطر على فطره من غير عذر شريك له فى الإثم، فما أدى إلى الحرام يكون حراما كما أن تقديم طعام أو شراب له باختياره دليل رضائه عن فعله، والراضى بالمعصية عاصٍ كما قرر العلماء، وكما نص الحديث على لعن شارب الخمر وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه.
والذى يملك محلا لبيع مأكولات أو مشروبات قد تتناول بعيداً عنه أو تُعَدُّ لتناولها فى وقت يحل فيه تناولها، لا وجه لمنعه من ذلك ما دام لم ير المنكر يرتكب أمامه بتناول المشترى له فى نهار رمضان، والواقع يقضى بتيسير حصول الناس على ما يحتاجون، والإِثم عليهم فى سوء استعمال ما يقع تحت أيديهم، أما الذى يملك مطعما يتناول فيه الناس غذاءهم، أو مقهى تتناول فيه المشروبات، فإن كان ذلك التناول فى نهار رمضان، وتأكد أن متناوله مفطر لا عذر له فى الإِفطار كانت مساعدته على ذلك محرمة، وإذا كانت معرفة المعذور وغير المعذور متعسرة فى المجتمع الكبير الذى يجمع أخلاطا متنوعة قد تنتحل فيه الأعذار فالأفضل عدم القيام بهذا العمل نهارا، وفى ممارسة نشاطه ليلا متسع له دون حرج.
ذلك أن تيسير تناول الطعام والشراب فى هذه الأماكن فى نهار رمضان فيه إغراء بالفطر وفيه تشويه لسمعة المجتمع الإِسلامى الذى يجب أن يراعى حرمة هذا الشهر الكريم، والمتقون لربهم يستعدون قبل رمضان بما يغنيهم عن العمل فيه من أجل العيش، ليتفرغوا للعبادة أو لمزاولة عمل آخر، والليل كله مجال واسع للعيش الكريم.
إن الأمر يحتاج إلى مراقبة الضمير، وإلى يقظة المسئولين وتعاون الجميع على مقاومة المنكر والتمكين للخير والمعروف، وبخاصة فى هذا الشهر المبارك العظيم
(9/286)
________________________________________
حبوب منع الحمل فى رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحرص بعض النساء على صيام كل أيام رمضان، ولتفادى الدورة الشهرية التى تمنع الصيام يتعاطى بعضهن أقراصا تمنع الدورة، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
رمضان شهر مبارك عظيم فيه من الخيرات والنفحات ما لا يوجد فى غيره، وقد فرض الله فيه الصيام على المكلف القادر المستطيع، لينال الثواب العظيم، وخفف عن ذوى الأعذار فأباح لهم الفطر حتى يزول العذر، وعليهم قضاء ما فاتهم من أيام رمضان، قال تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة} البقرة:185. وممن خفف الله عنهم فى رمضان المرأة فى أثناء الدورة الشهرية، وفى مدة النفاس، فأوجب عليها الفطر كما أوجب عليها القضاء، والقضاء سيكون فى أيام غير رمضان، والشهر الذى يجرى فيه القضاء ليس له من الفضل وليس فيه من النفحات ما فى رمضان، ولذلك يرى بعض النساء منع نزول الدم فى رمضان ليصح الصوم ويَفُزْنَ بفضل رمضان من صيام ومن صلاة التراويح وقراءة قرآن.
ولا يوجد دليل يُحرم ذلك فى كتاب أو سنة، ولا فى مأثور السلف الصالح، بل جاء فى المأثور عنهم أنهم كانوا يجيزون للنساء فى موسم الحج أن يتعاطين ما يمنع نزول الدم حتى لا يُحْرمن من أداء الشعائر التى تشترط فيها الطهارة كالطواف حول البيت والصلاة فى المسجد الحرام بمكة ومسجد الرسول بالمدينة، وكقراءة القرآن الكريم.
وكان منقوع شجر الأراك الذى يؤخذ منه السواك مفيدا فى هذا الموضع، فوصفوه للنساء ولم ينقل اعتراض أحد عليه، ومع جواز ذلك أنصح باستشارة الطبيب قبل تناول أى دواء يمنع نزول الدم، فقد يكون فيه ضرر
(9/287)
________________________________________
حرمة الصيام مع الدورة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
وما هو الحكم لو أصرت المرأة على الصيام على الرغم من وجودها فى فترة الدورة؟

الجواب
بعض ذوى الأعذار الذين يجوز لهم الفطر يجوز لهم أن يصوموا وإن كان فى الصوم مشقة وليس عليهم قضاء، لكن المرأة فى أثناء الدورة لا يجوز لها أن تصوم حتى لو كانت قادرة على الصيام، فيحرم عليها ذلك ولا يصح منها ما صامته، وعليها أن تفطر، لأنها لو صامت كانت كالتى تصلى وهى غير متطهرة، حيث تَلَبَّستْ بعبادة فاسدة وذلك محرم باتفاق العلماء.
ودليل حرمة صيامها ليس نصا صريحا فى كتاب أو سنة وإنما هو إجماع الأئمة والمجتهدين، بناء على ما أثر عن العصر الذى يؤخذ عنه التشريع، أما القضاء فجاء فى رواية البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. قال بعض العلماء مفهومه أنهن ما كن يصمن ولا يصلين عند وجود الدم، ولو جازت صلاتهن وصيامهن لنقل للحاجة إليه
(9/288)
________________________________________
الصوم بمناسبة المولد النبوى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو اليوم الذى نصومه بمناسبة المولد النبوى الشريف، وهل إذا صادف يوم جمعة يكون صومه حلالا؟

الجواب
صيام التطوع مندوبُ لا يختص بزمان ولا مكان، ما دام بعيدا عن الأيام التى يحرُم صيامها، وهى العيدان وأيام التشريق ويوم الشك على اختلاف للعلماء فيه، والتى يكره صيامها كيوم الجمعة وحده، ويوم السبت وحده.
وهناك بعض الأيام يستحب الصيام فيها كأيام شهر المحرم، والأشهر الحرم، وعرفة وعاشوراء، وكيوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، والثلاثة البيض من كل شهر وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وستة من شهر شوال، وكثير من شهر شعبان، كما كان يفعل النبى صلى الله عليه وسلم وليس من هذه الأيام يوم ذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم، والذى اعتاد الناس أن يحتفلوا بها فى اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول، فلا يندب صومه بهذا العنوان وهذه الصفة، وذلك لأمرين، أولهما أن هذا اليوم لم يتفق على أنه يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، فقد قيل إنه ولد يوم التاسع من شهر ربيع الأول وقيل غير ذلك.
وثانيهما أن هذا اليوم قد يصادف يوما يكره إفراده بالصيام كيوم الجمعة فقد صح فى البخارى ومسلم النهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم" " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده ".
هذا بخصوص صوم يوم الميلاد النبوى فى كل عام، أما صيام يوم الاثنين من كل أسبوع فكان يحرص عليه النبى صلى الله عليه وسلم، لأمرين، أولهما أنه قال إن الأعمال تعرض على الله فيه وفى يوم الخميس، وهو يحب أن يعرض عمله وهو صائم، كما رواه الترمذى وحسَّنه، وثانيهما أنه هو اليوم الذى ولد فيه وبعث فيه كما صح فى رواية مسلم. فكان يصومه أيضا شكرا لله على نعمة الولادة والرسالة.
فمن أراد أن يشكر الله على نعمة ولادة النبى صلى الله عليه وسلم ورسالته فليشكره بأية طاعة تكون، بصلاة أو صدقة أو صيام ونحوها، وليس لذلك يوم معين فى السنة، وإن كان يوم الاثنين من كل أسبوع أفضل، للاتباع على الأقل، فالخلاصة أن يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول ليس فيه عبادة خاصة بهذه المناسبة، وليس للصوم فيه فضل على الصوم فى أى يوم آخر، والعبادة أساسها الاتباع، وحبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم يكون باتباع ما جاء به كما قال فيما رواه البخارى ومسلم " من رغب عن سنتى فليس منى " وفيما رواه أبو يعلى بإسناد حسن " من أحبنى فليستن بسنتى"
(9/289)
________________________________________
قضاء الصوم عن الميت

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مواطنة توفيت والدتها فى رمضان هل تصوم عنها أو تخرج فدية، وهل تقضى الصلاة عنها؟

الجواب
السيدة التى توفيت فى رمضان لا تطالب بالأيام الباقية فى رمضان، فقد انتقلت من دار التكليف بمجرد موتها، والصيام تكليف من التكاليف يكون على الحى القادر عليه ابتداء، فإذا كانت قد صامت أياما من رمضان قبل وفاتها فقد برئت ذمتها ولا شىء عليها ولا على من بعدها من أهلها، أما إن كانت لم تصم أياما قبل وفاتها، فإن فى ذمتها قضاء هذه الأيام، وقد جاء فى ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى ومسلم " من مات وعليه صيام صام عنه وليه ".
وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: إن أمى ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها؟ فقال " لو كان على أمِّك دين أكنتَ قاضيه "؟ قال: نعم، قال " فدين الله أحق أن يقض ".
وهذا هُو المذهب المختار عند الشافعية، يقول النووى: وهذا هو القول الصحيح المختار الذى نعتقده، وهو الذى صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة.
ولا يشترط أن يصوم عنه الولى القريب فيجوز أن يصوم عنه الأجنبى إذا أذن الولى له، وعند أبى حنيفة ومالك: لا يصوم الولى عنه، بل يطعم مُدًّا عن كل يوم، لكن ليس هناك دليل قوى على ذلك
(9/290)
________________________________________
صيام الحامل والمرضع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قرأنا فى بعض الكتب أن الحامل والمرضع يجوز لهما الإفطار فى رمضان مع دفع الفدية ولا يجب عليهما القضاء فهل هذا صحيح؟

الجواب
يقول الله تعالى عن الصيام {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} البقرة: 184، للعلماء فى تفسير هذه الآية رأيان، رأى يقول بأن الصيام كان فى أول أمره على التخيير، من شاء ممن يطيقونه ويقدرون عليه أن يصوموا أو يفطروا، وعليهم بدل الإفطار أن يخرجوا فدية هى طعام مسكين ومع التخيير فالصوم أفضل، ثم نسخ هذا الحكم وفرض على من يطيقون الصيام أن يصوموا ولا يجوز لهم الفطر والإطعام وذلك لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} البقرة: 185، فالناسخ هو هذه الآية كما رواه الجماعة إلا أحمد عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر ويفتدى حتى أنزلت الآية التى بعدها فنسختها.
ورأى يقول بأن الصيام فرض على كل القادرين عليه فقط، وأبيح الفطر للمريض والمسافر ومن يطيقونه أى يتحملونه بمشقة شديدة حيث فسروا الإطاقة بذلك، وهم كبار السن، وفرض على المريض والمسافر القضاء، وعلى كبار السن الفدية فقط دون قضاء، لأنه شاق عليهم كلما تقدمت بهم السن، ومثلهم المريض الذى لا يرجى بروه ولا يرجى أن يقدر على القضاء فهؤلاء يفطرون ويخرجون الفدية.
روى البخارى عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضى الله عنهما يقرأ {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هى للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا.
وبعض العلماء المعاصرين -كالشيخ محمد عبده -يقيس على الشيوخ الضعفاء والمرضى بمرض مزمن: العمال الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجرى من مناجمه، وكذلك يلحق بهم المجرمون المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا قدر عليهم الصيام بالفعل، فليس عليهم صيام ولا فدية حتى لو ملكوها.
أما الحبلى والمرضع إذا خافتا من الصيام على أنفسهما أو على أولادهما فيرى ابن عمر وابن عباس انهما يفطران ويخرجان الفدية ولا قضاء عليهما إلحاقا لهما بكبار السن.
روى أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس قال فى قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه} : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام - يعنى يتحملانه بمشقة شديدة - أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا-يعنى على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا، ورواه البزار وزاد فى آخره، وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذى لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطنى إسناده. وروى مالك والبيهقى عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدًّا من حنطة. وفى الحديث " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة- أى قصر الصلاة- وعن الحُبلى والمرضع الصوم " رواه الخمسة أحمد وأصحاب السنن.
وعليه فإن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على أولادهما لهما أن يفطرا، أما القضاء والفدية فإن ابن حزم لا يوجب شيئا منهما، وابن عباس وابن عمر يوجبان الفدية فقط دون قضاء، والأحناف يوجبون القضاء فقط دون فدية، والشافعية والحنابلة يوجبان القضاء والفدية معا إن خافتا على الولد فقط، أما إذا خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولديهما فعليهما القضاء فقط دون فدية "نيل الأوطارج 4 ص 43 2 - 5 4 2 ".
وفى فقه المذاهب الأربعة: أن المالكية قالوا: الحامل والمرضع إذا خافتا بالصوم مرضا أو زيادته -سواء كان الخوف على أنفسهما أو ولدهما أو أنفسهما فقط أو ولدهما فقط -يجوز لهما الفطر وعليهما القضاء، ولا فدية على الحامل بخلاف المرضع فعليها الفدية. أما إذا خافتا بالصوم هلاكا أو ضررا شديدا لأنفسهما أو ولدهما فيجب عليهما الفطر.
والحنفية قالوا: إذا خافت الحامل أو المرضع الضرر من الصيام جاز لهما الفطر سواء كان الخوف على النفس والولد معا، أو على النفس فقط، أو على الولد فقط، ويجب عليهما القضاء عند القدرة بدون فدية.
والحنابلة قالوا: يباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا الضرر على أنفسهما وولدهما أو على أنفسهما فقط، وعليهما فى هاتين الحالتين القضاء دون الفدية، أما إن خافتا على ولدهما فقط فعليها القضاء والفدية.
والشافعية قالوا: الحامل والمرضع إذا خافتا بالصوم ضررا لا يحتمل، سواء كان الخوف على أنفسهما وولدهما معا، أو على أنفسهما فقط، أو على ولدهما فقط، وجب عليهما الفطر وعليهما القضاء فى الأحوال الثلاثة، وعليها أيضا الفدية مع القضاء فى الحالة الأخيرة، وهى ما إذا كان الخوف على ولدهما فقط.
فرأى الشافعية كالحنابلة فى القضاء والفدية، إلا أن الحنابلة أباحوا الفطر خوف الضرر والشافعية اوجبوه والشافعى فى أحد أقواله يلزم الفدية للمرضع لا للحامل كالمالكية.
تتمة: الحديث الذى رواه الخمسة عن أنس بن مالك الكعبى، قال المنذرى: ومن يسمى بأنس بن مالك من رواة الحديث خمسة: صحابيان هذا وأبو حمزة أنس بن مالك الأنصارى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنس بن مالك والد الإمام مالك بن أنس روى عنه حديث فى إسناده نظر، والرابع شيخ حمصى حدث، والخامس كوفى حدَّث عن حماد ابن أبى سليمان والأعمش وغيرهما. يقول الشوكانى: وينبغى أن يكون أنس بن مللك القشيرى الذى ذكره ابن أبى حاتم سادسا إن لم يكن هو الكعبى
(9/291)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:54 am

يوم الجمعة ويوم عرفة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أيهما أفضل. . . الجمعة أم عرفات، وما فضل كل منهما؟

الجواب
روى ابن حبان فى صحيحه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم -قال "لا تطلع الشمس على يوم أفضل من يوم الجمعة" وفيه أيضا حديث "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة".
ورأى بعض العلماء تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة لهذا الحديث.
والصواب -كما قال ابن القيم فى "زاد المعاد ج 1 ص 12) أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر أفضل ليالى العام وليلة الجمعة أفضل ليالى الأسبوع، ولذلك كانت وقفة عرفة يوم الجمعة لها مزية على سائر الأيام.
وذكر ابن القيم عشرة وجوه لهذا الفضل وهو اجتماع وقفة عرفة مع يوم الجمعة.
والفضائل التى فى يوم الجمعة كثيرة منها:
فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وذلك شرف لذات اليوم.
أما بالنسبة للناس ففيه ساعة الإجابة، وفيه اجتماع الناس للصلاة وسماع الخطبة، وهو يوم عيد أسبوعى يحرم صومه أو يكره منفردا عن غيره، وفيه زيادة فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم -وفضل قراءة سوره الكهف ومغفرة ذنوب الأسبوع وزيادة ثلاثة أيام لمن تطهر وتطيب وسعى إلى المسجد، وأنصت للخطبة، ولم يتخط الرقاب ولم يؤذ أحدًا وهو يوم المزيد فى الجنة حيث يدعى أهلها لروية الله تعالى، وفيه صلاة الصبح بسجدة التلاوة عند بعض الأئمة.
ومن فضائل يوم عرفة:
استجابة دعاء الواقفين فى عرفة، وندب صيامه لغير الواقفين، وهو يكفِّر ذنوب سنتين، وفضل اجتماع المسلمين على صعيد واحد فى تضرج لله وحده، وفيه أكمل الله الدين وأتم النعمة: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3.
وفيه يدنو الرب من عباده الواقفين بعرفة ويباهى بهم ملائكته، ويشهدهم أنه غفر لعباده.
وقال ابن القيم: أما ما استفاض على ألسنة العوام بأن موافقة يوم عرفة ليوم الجمعة فى الحج تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولا عن أحد من الصحابة والتابعين
(9/292)
________________________________________
تقييد الشياطين فى رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى تصفيد الشياطين فى رمضان، وما العلاقة بين ذلك وبين المسلم الذى يفعل بعض المنكرات فى رمضان؟ وما حكم من نوى الفطر وهو صائم ولم يفطر؟

الجواب
إن الواقع يشهد بارتكاب المعاصى ممن يصومون رمضان ومن لا يصومون من المسلمين وغيرهم، وذلك على الرغم من الأحاديث الصحيحة من تقييد الشياطين أو تصفيدها فى رمضان.
وقد قال شراح الأحاديث: إن المراد بتقييدها عدم تسلطها على من يصومون صومًا صحيحا كاملا، روعيت فيه كل الأسباب التى منها عفة اللسان والنظر والجوارح كلها من المعصية استجابة لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث الصحيح "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى.
أو المراد أن الشياطين المصفدة هى المردة والجبابرة، وأما غيرهم فلا يقيدون، ولذلك تقع من الناس بعض المعاصى وأكثرها غير خطير، وهذا ما نصت عليه رواية الترمذى "صفدت الشياطين مردة الجن " أو المراد أن الشياطين كلها تقيد بمعنى يضعف نشاطها ولا يكون بالقوة التى يكون عليها فى رمضان.
لكن مع احترام ما قالوه نرى كبائر المعاصى وأخطرها ترتكب فى شهر رمضان من الصائمين، ولهذا قال بعض العلماء: إذا كانت الشياطين تقيد فى رمضان فإن هناك بواعث أخرى على المعصية غير الشيطان، ومنها النفس الأمارة بالسوء، أو العادات والأعراف القبيحة التى تدفع إلى الشر أو شياطين الإنس من الجبابرة المزهوين بقوتهم، وهذه الدوافع موجودة فى كل وقت، وهى كافية لارتكاب المعاصى فى الوقت الذى تقيد فيه الشياطين ودور النفس البشرية الأمارة بالسوء لا يقل خطرا عن دور الشياطين، ونرى ذلك واضحا فى إقرار الشيطان يوم القيامة كما قال رب العزة: {وقال الشيطان لما قُض الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم} إبراهيم:
22
(9/293)
________________________________________
حكمة مشروعية الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا يحرمنا الله من التمتع بنعمة الطعام والشراب، ويحرِّم علينا المتعة الجنسية لمدة شهر فى كل عام، وذلك بفرض الصيام فى رمضان؟

الجواب
على ضوء الحكمة العامة للتشريع، وهى ربط المخلوق بالخالق، وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته فى الأرض بالأخلاق الشخصية والاجتماعية يمكن توضيح الحكمة من الصيام فيما يأتى:
1- الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالوجود الشخص بالامتناع عن الطعام والشراب، وبالوجود النوعى بالإمساك عن الشهوة الجنسية، وذلك ابتغاء وجه الله وحده، الذى لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات، ومن هنا كان ثوابه عظيما، يوضحه ويبين علته قول النبى صلى الله عليه وسلم "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى" رواه البخارى ومسلم.
وفى الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها، فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل فى كثرة الصدقات فى فترة الصيام.
وفى توقيت الصيام بشهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية ونعمة الهداية القرآنية التى يكون الشكر عليها بالاستمساك بها"لعلكم تشكرون " وفى فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذى لا يرده لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا تُرد دعوتهم، الصائم حتى يفطر- أو حين يفطر - والإمام العادل، ودعوه المظلوم " رواه احمد والترمذى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسَّنه الترمذى ولعل مما يشير إلى الإغراء فى الصيام توسط قوله تعالى {وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان. ..} بين آيات الصيام سورة البقرة: 183.
2- فى الصيام تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم، وهذا جهاد شاق يعود الصبر والتحمل، ويعلم قوة الإرادة ومضاء العزيمة، ويعد الإنسان لمواجهة جميع احتمالات الحيلة بحلوها ومرها وسائر متقابلاتها ليجعل منه رجلاً كاملاً فى عقله ونفسه وجسمه، يستطيع أن يتحمل تبعات النهوض بمجتمعه عن جدارة.
وقد شرعه النبى صلى الله عليه وسلم علاجا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج، ففى الحديث "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء " أى قاطع رواه البخارى ومسلم.
والإنسان إذا تحرر من سلطان المادة اتخذ لنفسه جُنّة قوية تحصنه ضد الأخطار التى ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز والأهواء. يقول النبى صلى الله عليه وسلم "الصوم جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إنى صائم إنى صائم " رواه البخارى ومسلم.
والصائم الذى يمتنع عن المحرمات وعن الحلالات التى تدعو لها الشهوة إنسان عزيز كريم، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التى تسيرها الغرائز. والصيام أيضا يعوَد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالى يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق.
إن الصيام إلى جانب ما فيه من صحة النفس فيه صحة بدنية أسهب المختصون فى بيانها وتأكيد آثارها الطيبة، ففى الحديث " صوموا تصحوا" رواه الطبرانى عن رواة ثقات، والصوم يعوَد النظام والتحرى والدقة، وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معيَّن وحرمة الإفطار قبل حلول موعده، قال تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} البقرة: 187، كما أن فى الصيام الصادق اقتصادا وتوفيرا يفيد منه الصائم، وتفيد أسرته وتفيد الأمة.
3- الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هى المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد هى زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء، وهى بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التى تلقاها فى شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما يقول الحديث "صوم رمضان معتَق بين السماء والأرض لا يرتفع إلا بزكاة الفطر" رواه أبو حفص بن شاهين، وهو يقبل فى فضائل الأعمال.
الصيام بهذا المظهر يُعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب، ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم "أجود بالخير من الريح المرسلة" رواه البخارى ومسلم.
والصيام الكامل عن كل المشتهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرَّم والغش وسائر المحرمات، وفى الحديث الشريف من "لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى والزور هنا معناه الباطل بكل مظاهره وألوانه، وقد رأى بعض العلماء أن الغيبة والنميمة يفسدان الصوم كما يفسده تناول الطعام، لقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن الصائمتين المغتابتين "صامتا عما أحل الله - الطعام - وأفطرتا على ما حرَّم الله " رواه أحمد وأبو داود. وفى بيان أثر الصيام فى العلاقات الاجتماعية قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن المرأة التى تؤذى جيرانها بلسانها " إنها فى النار " بالرغم من كثرة صلاتها وصيامها رواه أحمد والحاكم وصححه.
هذا، والصيام يعود الإخلاص فى العمل ومراقبة الله فى السر والعلن، وإذا كان هذا طابع الإنسان فى كل أحواله أتقن عمله وأنجز ما يوكل إليه من المهام على الوجه الأكمل، وعف عن الحرام أيًّا كان نوعه، وعاش موفقا راضيا مرضيا عنه، وأفادت منه أمته إفادة كبيرة
(9/294)
________________________________________
البلغم فى الصيام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يفطر للصائم إذا بلع البلغم، وماذا يفعل لو تعذَّر بصقه وهو فى الصلاة؟

الجواب
الريق العادى الخالى من مواد غريبة يجوز بلعه فى نهار رمضان وفى أى صيام، وذلك لمشقة الاحتراز عنه، وليس من الواجب بصقه كلما تجمَّع، فإن بصقه يزيد من الإحساس بالعطش وجفاف الحلق،إلى جانب أن ابتلاعه لا يعد أكلا ولا شربا، وليس غذاء يتنافى مع معنى الصوم وحكمته.
أما البلغم الخارج من الصدر ومثله النخامة النازلة من الرأس، فإن وصل إلى الفم ثم بلعه الصائم بطل صومه على ما رآه الشافعية، إذ يصدق عليه أنه شىء دخل إلى الجوف من منفذ مفتوح، ولا يشق الاحتراز عنه. وقال بعض العلماء: إن بلعه فى هذه الحالة لا يضر ما دام لم يتجاوز الشفتين، بل قاسه آخرون على الريق العادى فقالوا: إن بلعه لا يبطل الصوم مطلقا، وفى هذا القول تيسير على المصابين بحالة يكثر فيها البلغم، أما غير هؤلاء فيتبعون أحد القولين الأولين.
وعلى القول بأن بلعه يبطل يجب بصقه حتى لو كان فى الصلاة، على ألا يطرحه فى المسجد فإن تلويثه ممنوع بل يكون ذلك فى نحو منديل بحركة خفيفة لا تبطل الصلاة
(9/295)
________________________________________
مواقيت الصيام بين بلدين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
شخص بدأ الصيام فى مصر طبقا لتحديد أول شهر رمضان فيها، وسافر إلى بلد آخر اختلف العيد فيه مع مصر فكيف يفعل فى نهاية شهر رمضان، هل يتبع مصر فى الإفطار للعيد أو يتبع البلد الذى هو فيه حتى لو أدى ذلك إلى أن يكون صيامه ثمانية وعشرين يوما، أو واحدا وثلاثين يوما؟

الجواب
من بدأ الصيام فى رمضان فى بلد حسب الرؤية فى يوم الجمعة مثلا، ثم سافر إلى بلد بدأ الصيام فيه حسب الروية فى يوم الخميس، ومكث هناك حتى انتهى الشهر، فمن الجائز أن يكمل الشهر فى البلد الثانى ثلاثين يوما، فيكون العيد يوم السبت وليست هناك مشكلة إذ ذاك.
كما أن من الجائز أن البلد الثانى يجعل الشهر تسعة وعشرين يوما فيكون العيد يوم الجمعة، وعليه يكون الشخص الذى بدأ الصيام يوم الجمعة فى البلد الأول قد صام ثمانية وعشرين يوما، فماذا يفعل والبلد الثانى الذى هو فيه عيدهم يوم الجمعة والصيام يحرم يوم العيد، والشهر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم تسعة-وعشرون يوما أو ثلاثون، لا يكون أبدا ثمانية وعشرين يوما؟ وعلى هذا نقول لهذا الشخص: لك الخيار فى أن تفطر يوم العيد معهم وعليك أن تصوم يوما آخر ليكمل لك الشهر تسعة وعشرين يوما، كما أن لك الخيار فى أن تصوم العيد لتكمل به الشهر تسعة وعشرين يوما.
هذا ما أراه والموضوع اجتهادى، وإن كنت أفضل موافقة البلد الثانى فى الإفطار يوم العيد مع صيام يوم آخر، وتلك من سلبيات تعدد ولاة الأمر والأئمة فى الوطن الإسلامى
(9/296)
________________________________________
صيام بلا صلاة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن صام رمضان ولكنه لا يصلى، فهل ذلك يفسد صيامه ولا ينال عليه أجرا؟

الجواب
هناك فرق بين بطلان العبادة وعدم قبولها، فقد تكون صحيحة لا تجب إعادتها لأنها مستوفية الأركان والشروط ومع ذلك تكون غير مقبولة عند الله، كمن يصلِّى رياء أو فى ثياب مسروقة، والذى يصوم إن كان ممسكا عن المفطرات وهى الطعام والشراب والشهوة فصومه صحيح غير باطل حتى لو ارتكب بعض المعاصى كالكذب وكترك الصلاة، لكن مع صحة الصوم هل يكون مقبولا يؤجر عليه من الله؟ إن الأحاديث صحت فى حرمان هذا الصائم من قبول صومه مثل حديث "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " رواه الجماعة إلا مسلما.
وبالمثل من يصوم ولا يصلى، صومه صحيح لا تجب إعادته لتركه الصلاة، أما قبوله فالحديث يدل على عدمه، وعلى فرض قبوله وأخذ ثواب عليه فإن عقاب ترك الصلاة عقاب شديد، ويظهر ذلك فى الميزان يوم القيامة إذا لم يكن عفو من الله تعالى. فلنضع أمام أعيننا وفى قلوبنا قول الله سبحانه {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} الزلزلة: 7، 8، وقوله {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلاَّم للعبيد} فصلت:
46
(9/297)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:55 am

حج الأنبياء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن جميع الأنبياء قاموا بالحج إلى بيت الله الحرام ولم يحج هود وصالح، ولماذا لم يحج هذان النبيان؟

الجواب
روى يونس بن بكير عن عروة بن الزبير أنه قال: ما من نبى إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود وصالح. يقول الحافظ ابن كثير: والمقصود الحج إلى محله وبقعته وإن لم يكن تم بناؤه اهـ.
وقد يكون عدم مرورهما لأن رسالة هود كانت فى الأحقاف بعيدا عن مكة، ورسالة صالح كانت فى ديار ثمود فى شمالى الجزيرة العربية تقريبا.
والكلام كثير فى أول من بنى البيت. والأدلة ليست قاطعة. وسيدنا إبراهيم قد رفع قواعده، والرفع فى ظاهره أنه لشىء موجود فى الأصل، ومع ذلك فالكلام الذى قاله عروة بن الزبير ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ويمكن الرجوع إلى الكتب والتفاسير ففيها كلام كثير، ومن أحدثها تاريخ الكعبة المعظمة.
تأليف / حسين عبد الله باسلامة المطبوع بجدة 1354 هـ
(9/298)
________________________________________
الأضحية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن من أراد يضحى يحرم عليه قص شعره وأظفاره فى العشر الأوائل من ذى الحجة؟

الجواب
روى مسلم وغيره عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحى " وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم شىء أحله الله له حتى ينهر الهدى.
ذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعى إلى أنه يحرم أخذ شىء من شعر الإنسان أو أظفاره إذا أراد أن يضحى حتى يضحى. وقال الشافعى وأصحابه: إنه مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام، وقال أبو حنيفة: لا يكره الحلق والتقصير، والحديث يرُدّ عليه، وقال مالك فى رواية: لا يكره، وفى رواية: يحرم فى التطوع دون الواجب.
والقائلون بالتحريم استدلوا بالحديث المروى عن أم سلمة، واحتج الشافعى بحديث عائشة لأنه أقوى. واستظهر الشوكانى الرأى الأول وهو الحرمة وتحمس له ابن قدامة الحنبلى المتوفى سنة 630 هـ ومن قبله الخرقى المتوفى سنة 334 هـ، وأورد عدة مبررات لذلك.
والحكمة فى النهى أن يبقى بدن الإِنسان كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل للتشبه بالمحرم كما ذكره النووى، وحكى عن أصحاب الشافعى أن الوجه الثانى -وهو التشبيه بالمحرم - غلط، لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم.
وهذا كله لمن أراد أن يضحى، أما من لم يرد ذلك فلا شىء عليه "المغنى لابن قدامة ج 11 ص 95 "، " نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 119 " هذه هى آراء العلماء، ولكل وجهة، ولا بأس من أتباع أحدها
(9/299)
________________________________________
الاقتراض للحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل ليس عنده مال يكفيه للحج، هل يجوز له أن يقترض ليحج؟

الجواب
معلوم أن الحج يجب على المستطيع، ومن الاستطاعة القدرة المالية، فإذا وجد المال الذى يكفى لنفقات الحج زائدا على النفقات الواجبة عليه لمن يعولهم وجب الحج عليه، وقد رأى بعض العلماء أن يكون هذا المال زائدا على نفقته ونفقة من يعولهم مدة العمر الغالب، وليس مدة الغياب فى الحج، فلو كان له مورد رزق ثابت يدر عليه سنويا أو شهريا ما يكفيه هو وأسرته ولو باع شيئا منه ليحج أثَّرَ ذلك على حياته وحياة أسرته تأثيرا شديد يلجئه إلى الاستدانة أو السؤال فلا يجب عليه الحج عن طريق الاستغناء عن بعض ممتلكَاته، لكنه لو فعل ذلك وحج صح حجه وأغناه عن حجه الإِسلام وإن كان لا ينجو من المؤاخذة على ما ألجأ نفسه وأسرته إليه مما لا يرضاه الإِسلام.
وبالمثل يقال فيما إذا لم يجد ما يزيد على نفقته ونفقة أسرته فهل يقترض ليحج؟ لا يجب عليه الاقتراض لذلك، لكن يجوز له أن يقترض ويحج إذا اطمأن إلى أنه سيرد القرض دون تأثير كبير على دخله وعلى أسرته، وإن كان الاقتراض للحج منهيا عنه بدليل الحديث الذى رواه البيهقى عن عبد الله بن أبى أوفى قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل لم يحج، هل يستقرض للحج؟ فقال " لا"، والنهى الذى تضمنه النفى قيل للتحريم وقيل للكراهة.
ومن صورة الاقتراض تكوين جمعية أو إنشاء صندوق باشتراكات من الأعضاء، يأخد حصيلتها شهريا أو سنويا بعض الأعضاء الذين يمكنهم الحج بهذه الحصيلة مع مداومة الاشتراك ليؤدى ما عليه
(9/300)
________________________________________
الإحرام لدخول الحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للإنسان أن يدخل الحرم المكى دون أن يكون محرما بحج أو عمرة؟

الجواب
خلاصة الآراء فى هذه المسألة ما يأتى:
الذى يقصد الحجاز أى المنطقة التى فيها الحرم المكى إما أن يكون مريدا للنسك، أى الحج أو العمرة، وإما ألا يكون مريدا لذلك، كأن يريد زيارة صديق أو قضاء أية مصلحة أخرى.
ولكل حكمه:
ا - فالذى يريد النسك لا يجوز له أن يجاوز الميقات المعروف للقادمين لحج أو عمرة إلا بالإحرام، ودليله أن النبى صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت وقال فيما قال: " هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة " رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس. بأن جاوز الميقات بدون إحرام وجب عليه أن يرجع إليه ويحرم منه، فإن لم يرجع وأحرم من مكانه يلزمه دم أى ذبح شاة.
2- أما من لا يريد النسك فهو على قسمين:
(1) قسم لا يريد النسك ولا يريد دخول الحرم المكى-والحرم له حدود معينة غير المواقيت -بل يريد حاجة فى غيره من المناطق، كجدة أو المدينة المنورة مثلا، فهذا لا يلزمه الإحرام ولا يجب عليه شىء فى تركه، وهذا باتفاق العلماء، والدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه تجاوزوا ميقات المدينة - وهو ذو الحليفة أو آبار على - أكثر من مرة لغير النسك فى غزوة بدر وغيرها وكانوا غير محرمين، ولم يروا بذلك بأسا.
(ب) وقسم لا يريد النسك ولكن يريد دخول الحرم، وهذا القسم طوائف:
1 - طائفة تريد دخوله لقتال مشروع أو للأمن من خوف، وهذه الطائفة لا يجب عليها الإحرام، والدليل ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر. قال مالك: ولم يكن رسول الله يومئذ محرما. وكذلك ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام.
2 - طائفة تريد دخوله لحاجة متكررة تقتضى كثرة التردد على الحرم، ومثل العلماء لها بالحطابين وناقلى المؤن ومن له ضيعة أو تجارة داخل الحرم أو خارجه ومثلهم المدرسون والموظفون الذين يخرجون من الحرم أو يدخلونه عدة مرات. وهذه الطائفة كالطائفة السابقة لا يجب عليها الإحرام عند دخول الحرم، لأن تكليفهم الإحرام لكل دخول فيه حرج، والدين لا حرج فيه، والنصوص فى ذلك كثيرة مشهورة. واستأنسوا بقول ابن عباس: لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين. لكن سند الرواية عنه ضعيف.
3- طائفة تريد دخول الحرم لا لقتال ولا لحاجة متكررة كالطائفتين السابقتين، وهؤلاء كالسائحين والزائرين والمكلفين بمهمات مؤقتة.
وفيهم ثلاثة أقوال:
(1) قول يلزمهم الإحرام عند دخول الحرم، وهو مروى عن ابن عباس. أخرج البيهقى عنه: " لا يدخل أحد مكة. إلا محرما " وإسناده جيد، ورواه ابن عدى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم من وجهين ضعيفين. وهذا مذهب أحمد فى ظاهره، ومذهب الشافعى فى أحد أقواله.
(ب) قول يجعلهم كالحطابين وأمثالهم لا يوجب عليهم الإحرام، وهو مذهب الشافعى فى قوله الآخر. ومذهب أحمد فى رواية عنه.
ودليلهم أن ابن عمر رجع من، بعض الطريق ودخل مكه غير محرم، وإذا قيل بسقوط هذا الدليل لأنه معارض بما ورد عن ابن عباس فى لزوم الإحرام قالوا: كان المسلمون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام، كقصة الحجاج بن علاط وقصة أبى قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال، وكان النبى قد أرسله لغرض قبل الحج، فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة، فقرره صلى الله عليه وسلم. وقالوا أيضا: إن الحرم المكى أحد الحرمين - مكة والمدينة - فلا يلزم الإحرام لدخوله كما لا يلزم لدخول الحرم المدنى. ثم قالوا:
وجوب الإحرام للدخول يكون من الشارع ولم يرد منه إيجاب بذلك على كل داخل، فيبقى الدخول على الأصل وهو الحل. وهذا القول قواه كثير من العلماء المحققين.
(ج) قول ثالث لأبى حنيفة وهو التفصيل، فإن كان من يريد دخول الحرم داخل المواقيت جاز دخوله بغير إحرام، لأنه يعد كأنه داخل الحرم نفسه، وإن كان خارج المواقيت يلزمه الإحرام لدخول الحرم، كما ذهب إليه أصحاب القول الأول.
هذا عرض لما قيل فى هذا الموضوع، معاملة من يدخلون الحرم لأمر مؤقت. أو من يخرجون منه لحاجة مؤقتة ثم يعودون إليه -كمعاملة الحطابين وأمثالهم هو ما يؤيده الدليل ويقتضيه رفع الحرج فى الدين. قال ابن القيم فى زاد المعاد بعد عرض الأقوال: وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم فى المجاهد-أى لا إحرام عليه - ومريد النسك - أى فى وجوب الإحرام - وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله أو أجمعت عليه الآمة
(9/301)
________________________________________
الحجر الأسود

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعنا أن الحجر الأسود من الجنة فما مدى صحة هذا القول وما حكم تقبيله؟

الجواب
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: " نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بنى آدم لما رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن خزيمة فى صحيحه، إلا أنه قال " أشد بياضا من الثلج " وروى الطبرانى فى معجمه الأوسط ومعجمه الكبير مثله بإسناد حسن وكذلك البيهقى.
وعن عبد الله بن عَمْرو رضى الله عنهما قال: نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبى قبيس "جبل " كأنه مهاة بيضاء-أى بلورة- فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم. رواه الطبرانى فى معجمه الكبير موقوفا على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح، أى ليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
وجاء فى الروايات التاريخية أن إبراهيم عليه السلام طلب حجرا مميزا يضعه فى البيت فجاءه به جبريل عليه السلام.
نأخذ من مجموع هذه الروايات أن الحجر الأسود من الجنة، وأنه كان أبيض فسودته خطايا بنى آدم، لكن درجة الأحاديث مترددة بين الصحة والحسن، وهى على كل حال لم تبلغ درجة التواتر، فهى أحاديث آحاد. ولو كانت،صحيحة فإن هناك خلافا بين العلماء فى إفادة حديث الآحاد الصحيح القطع والعلم اليقين.
وما دام لا يوجد ما يمنع تصديق هذه الأحاديث فلنصدقها، ومع ذلك فإن من لم يصدقها لا يخل ذلك بعقيدته، ولا يخرجه من الإيمان إلى الكفر.
هذا، وقد نشر فى " الأهرام " الصادر فى يوم الجمعة بتاريخ 8 / 10 / 1982 م بقلم محمد عبده الحجاجى مدير إدارة بالمكتبة المركزية بجامعة القاهرة أن الحجر الأسود من السماء وسقوط الأحجار من السماء ظاهرة كونية معروفة ومؤكدة، وقد قام العالم البريطانى "ريتشار ديبرتون " برحلة إلى الحجاز متخفيا فى زى مغربى، مدعيا أنه مسلم وكان يجيد اللغة العربية، واندس بين الحجاج واستطاع أن يحصل على قطعة من الحجر، وحملها معه إلى لندن، وبدأت تجاربه عليها فى المعامل الجيولوجية، فتأكد أنه ليس حجرا أرضيا، بل هو من السماء، وسجل هذا فى كتاب له بعنوان " الحج إلى مكة والمدينة " الذى صدر بالإنجليزية فى لندن سنة 1856 م.
وسواء أكان الحجر من السماء أم لم يكن فإن الثابت أنه حجر مبارك قَبَّلَه النبى صلى الله عليه وسلم، وثبت فى البخارى ومسلم أن عمر رضى الله عنه قبَّله اقتداء بالرسول مقسما أنه لا يضر ولا ينفع، ورويت أحاديث غير قاطعة تدل على أن استلامه بمثابة عهد مع الله على الطاعة.
تقبيله:
روى الحاكم وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قبَّل الحجر الأسود وبكى طويلا، ورآه عمر فبكى لما بكى، وقال " يا عمر هنا نسكب العبرات " وثبت أن عمر رضى الله عنه قال وهو يقبله: والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. رواه البخارى ومسلم.
والتقبيل، سنة عند الاستطاعة وبدون إضرار بالناس. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمر " يا أبا حفص، إنك رجل قوى فلا تزاحم على الركن فانك تؤذى الضعيف، ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم، وإلا فكبرِّ وامض " رواه الشافعى فى سننه.
وما هو السر فى اهتمام النبى صلى الله عليه وسلم بتقبيله والبكاء عنده؟ قد يقال: إن ذلك من باب التشبه بتقبيل يد السادة والكبراء، والحجر-كما فى بعض الروايات -يمين الله فى الأرض يصافح بها عباده، فالتقبيل إعظام وإجلال للَّه سبحانه أو تعاهد معه على الطاعة والالتزام كما يحدث بين الناس فى المبايعة والموالاة.
وقد يقال: إن الحجر هو الجزء الباقى بيقين من أحجار الكعبة التى بناها أبوه إبراهيم عليه السلام، فالرسول يكرم هذا الأثر، ويتذكر به أصوله الأولى وما قاموا به من أمجاد وتضحيات هيأت لولادته وبعثته حول هذا الأثر الباقى وهو الكعبة.
وقد يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يقبله متذكرا إكرام الله له وتهيئته من الصغر ليكون رسول هذه الأمة، حيث فصل فى نزاع خطير بين القبائل من أجل نيل الشرف بوضع الحجر الأسود فى مكانه عند تجديد بناء الكعبة قبل البعثة حيث ارتضوه -وهو الأمين -حكما فى هذا النزاع، فأشركهم فى حمله بثوب، ثم أخذه بيده ووضعه فى مكانه، إنه شرف جدير بالاعتزاز به، يتذكره الرسول بعد سنوات طوال ترك فيها مكة وحرمه أهلها من زيارة البيت، حتى مكنه الله منه بعد أن انتصر وعز، ورفع الله ذكره.
كل ذلك يمكن أن يكون حيثيات للاهتمام الزائد من النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الحجر، مع العلم بأن تقبيل الحجر ليس عبادة له أبدا، فالعبادة لله وحده، كما أن الطواف بالبيت ليس عبادة للبيت، بل للَّه سبحانه الذى أمر به فى قوله {وليطوفوا بالبيت العتيق} الحج:29، وقال فى امتنانه على قريش {فليعبدوا رب هذا البيت} قريش: 3، فتقبيل الحجر ليس عبادة له، ولو كان فيه خطأ لم يقر الله رسوله عليه أبدا، والله لا يقر أحدا على شرك فى عبادته.
وشعور عمر عند تقبيل الحجر هو شعور الموحد للَّه سبحانه والمقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الإقتداء به مطلوب.
وشعور الرسول بتقبيله هو أيضا شعور الموحد له سبحانه المعترف الشاكر لنعمه عليه وعلى أبيه إبراهيم عليه السلام، وشعور المشتاق للجنة، فقد قيل إن الحجر من الجنة وكان أبيض فسودته خطايا بنى آدم وإن لم يكن الخبر قطعى الثبوت كما قدمنا.
فالرسول صلى الله عليه وسلم بكل هذه المشاعر والأحاسيس يقبل الحجر الأسود، وهو فى قمة التوحيد للَّه وإخلاص العبادة له سبحانه
(9/302)
________________________________________
وقت رمى الجمرات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الوقت المحدد لجواز رمى الجمرات فى الحج؟

الجواب
الجمرات ثلاثة، جمرة العقبة وهى الكبرى التى تلى مكة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى التى تلى مسجد الخيف. والواجب فى يوم النحَر هو رمى جمرة العقبة فقط بسبع حصيات، حتى يمكن بعد رميها وحلق الشعر أو تقصيره التحلل من الإِحرام ومباشرة ما كان محرما إلا قربان النساء.
ويدخل وقت الرمى عند الشافعية بمنتصف ليلة العيد، أي قبل الفجر، بدليل ما رواه البيهقى بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت.
وبما رواه أبو داود أيضا عن عطاء قال: أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة، قلت آنا رميت الجمرة بليل، قالت: إنا كَنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال جمهور الفقهاء: يدخل وقت رميها بطلوع الفجر، فلا يصح الرمى قبله، إلا لذوى الأعذار، وعليهم يحمل حديث أم سلمة وأسماء، والأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس.
أما الجمرات الثلاث فترمى فى أيام التشويق، كل منها بسبع حصيات، ويدخل وقت رميها عند زوال الشمس (أى ظهرا) للحديث الذى رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وقال: حديث حسن، عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رمى الجمار عند زوال الشمس، أو بعد زوال الشمس، وذلك باتفاق العلماء. وأجاز أبو حنيفة الرمى يوم الثالث من أيام التشريق قبل الزوال، لحديث ضعيف فيه عن ابن عباس أيضا: إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمى والصدر، والانتفاخ هو الارتفاع، والصدر أى الانصراف من منى.
وهناك رى لعطاء بن أبى رباح وطاووس بن كيسان بجواز الرمى قبل الزوال فى الأيام كلها، ويمكن الأخذ بهذا الرأى عند الحاجة، كشدة الزحام
(9/303)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:55 am

المبيت بمنى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندى عذر يمنعنى من المبيت فى منى، فماذا أفعل؟

الجواب
المبيت بمنى ليالى التشريق واجب من واجبات الحج، لو ترك كان فيه هدى، وهو شاة فمن لم يستطع صام عشرة أيام، ثلاثة فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وكيف يصوم الأيام الثلاثة فى الحج؟ قيل يصومها ما دام موجودا هناك لم يعد إلى وطنه، وقيل فى موسم الحج، وقيل أيام التشريق الثلاثة للضرورة كما قال عبد الله بن عمر وعائشة رضى الله عنهما: لم يرخص فى أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لا يجد لهدى وترك المبيت ليلة كترك المبيت فى الليالى الثلاثة - والمراد بالمبيت الحضور بمنى معظم الليل، سواء فى أوله أو فى آخره.
والمبيت واجب ليلتين إذا نفر قبل غروب شمس اليوم الثانى من أيام التشريق، وهو اليوم الثانى عشر من ذى الحجة، فإن غربت عليه الشمس بمنى وجب أن يبيت فيها، وهو واجب عند الأئمة الثلاثة، وجعله أبو حنيفة مندوبا، من تركه فلا شىء عليه. وأطال مدة النفر من اليوم الثانى عشر فجعلها حتى قبيل فجر اليوم الثالث عشر. وقال ابن حزم: من لم يبت فى منى فقد أساء ولا شىء عليه.
ومن قالوا بعدم وجوبه استندوا إلى ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إذا رميت الجمار فبت حيث شئت.
والكل متفق على أن المبيت يسقط عن ذوى الأعذار، فقد روى البخارى أن العباس عم النبى صلى الله عليه وسلم استأذنه أن يبيت بمكة ليالى منى من أجل سقايته، فأذن له. وروى أصحاب السنن الأربعهَ:
أبو داود وابن ماجه والنسائى والترمذى وقال الترمذى: هو صحيح - عن عاصم بن عدى أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى.
وعلى هذا لو كان المبيت بمنى فيه مشقة على مريض لا يجد علاجا أو راحة فيها فبات بمكة يمكن أن يأخذ برأى أبى حنيفة ومن معه بأن المبيت سنة لا شىء فى تركه، وإن كان الأولى أن يذبح مراعاة لرأى الجمهور القائل بأن المبيت واجب، وإذا قيس المرض على أعذار السقاة فلا شىء على ترك المبيت بمنى
(9/304)
________________________________________
الحج على نفقة الدولة وبجوائز المسابقات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يزعم البعض أن أموال الدولة مصدرها حرام وبالتالى لا يجوز للفرد أن يحج على نفقتها، أو من خلال الفوز فى المسابقأت الدينية التى تنظمها الهيئات الحكومية، فما مدى صحة هذا الكلام؟

الجواب
ليست أموال الدولة كلها من مصدر حرام، وإذا اختلط الحلال بالحرام واستحال فصل أحدهما عن الآخر فلا مانع من الأخذ منه، لعل ما أخذ يكون من الحلال، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الجزية من اليهود وكانت أموالهم مشوبة بالحرام من الربا والاتجار فى المحرمات.
وعليه فيجوز الحج على نفقة الدولة، وتسقط الفريضة، وكذلك يجوز الحج من خلال الفوز فى المسابقات الدينية التى تنظمها الهيئات الحكومية، والأمر على ذلك منذ مئات السنين، وعلماء الدين لا يعترضون على ذلك، بل يقبلونه وينالون منه.
ولماذا نتشكك فى أموال الدولة هنا ونقبلها فى أجورنا ومرتباتنا، وننتفع بها فى المساجد والمرافق العامة التى تقيمها وتتولى رعايتها وفى غير ذلك من كل ما تقوم به الدولة من الخزانة العامة التى تصب فيها الضرائب والتبرعات والقروض والبيع والتصدير وغير ذلك؟
(9/305)
________________________________________
حج المرأة بدون محرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تقدمت سيدة بطلب للحج فقيل لها: لابد من محرم معها، فماذا تفعل؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ". ورويا أيضا أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم إنه اكتتب فى الغزو، وإن امرأته قد خرجت للحج، فقال له "حج مع امرأتك ". إزاء هذين النصين وغيرهما اختلف العلماء فى اشتراط المحرم فى وجوب الحج على المرأة، وبعيدا عن اختلافهم فى تقدير المسافة، قال الحنفية: لابد من وجود الزوج أو المحرم، إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل. وقال الشافعى فى المشهور عنه كما ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم "ج 9 ص 104 ": لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها. وقال أصحابه: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، وقال بعضهم:
يلزمها -أى الحج -بوجود امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها فى جملة القافلة وتكون آمنة، ويقول النووى: المشهور من نصوص الشافعى وجماهير أصحابه هو الأول، أى الأمن على نفسها بالزوج أو المحرم أو النسوة الثقات. والإمام مالك لا يشترط الزوج أو المحرم فى سفر الفريضة، وقال الباجى من المالكية: إن الكبيرة غير المشتهاة يجوز سفرها بلا زوج ولا محرم، ورفض القاضى عياض هذا القول لأن المرأة مظنة الطمع والشهوة حتى لو كانت كبيرة، ولوجود السفهاء الذين لا يتورعون عن الفحشاء فى الأسفار. والإمام أحمد اشترط وجود الزوج أو المحرم فى وجوب الحج عليها، وفى رواية أخرى عنه: لا يشترط ذلك فى سفر الفريضة. يقول النووى بعد حكاية مذهب الشافعى: إن هذا الخلاف إنما هو فى الحج الواجب، أما حج التطوع وسفر الزيارة والتجارة وما ليس بواجب، فقال بعضهم: يجوز خروجها مع نسوة ثقات، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وهذا هو الصحيح ونوجه النظر إلى أن من اشترط المحرم أو الزوج اشترطه لوجوب الحج عليها، ولرفع الإثم والحرج عنها لو سافرت بدونه، لكن لو خرجت للحج بدون ذلك فإن حجها صحيح متى استوفى أركانه وشروطه، وتسقط به الفريضة عنها ولا تلزمها إعادته مع محرم، وإن كانت قد أثمت لخروجها بدون الزوج أو المحرم أو ما يقوم مقامهما على الوجه المذكور.
والحكمة فى اشتراط المحرم أو الزوج هى توفير الأمن للمرأة فى السفر، ومساعدتها على قضاء مصالحها التى تحتاج إلى اختلاط أو تعب، وقد يكون لتطور وسائل السفر وقصر مدة الغياب عن الوطن، مع توافر كل المستلزمات من ضروريات وكماليات، وسهولة الحصول عليها، ومع استتباب الأمن حيث تؤدى الشعائر بيسر، بالقياس إلى أزمان سبقت قد يكون لكل ذلك أثره فى تغير النظرة عند فهم الحديث الخاص بسفر المرأة وحدها. وقد صح فى البخارى من حديث عدى بن حاتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر له أنه قد يستتب الأمن حتى ترتحل الظعينة من الحيرة وتطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.
وقد رأينا فى استعراض آراء الفقهاء -حتى بين علماء المذهب الواحد - اختلاف وجهات النظر فى حتمية المحرم أو الزوج وإمكان الاستعاضة عنهما بالرفقة المأمونة، بل فى جواز حجها بدون مرافق، حتى إن ابن حزم فى " المحلى " رجح عدم وجوب الزوج أو المحرم فى سفر الحج، فإذا لم تجد واحدا منهما تحج ولا شىء عليها. ولذلك أرى أن المدار هو على توفر الأمن والراحة لها، فإذا حصل ذلك بأية صورة من الصور، كزوج أو محرم أو رفقة مأمونة أو إشراف رسمى مسئول أو غير ذلك. وجب عليها الحج وسافرت، وقد حج نساء النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن أذن لهن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما وكان ذلك سنة لأنهن حججن مع الرسول صلى الله عليه وسلم. هذه هى خلاصة ما قرأته فى المراجع الآتية: شرح النووى لصحيح مسلم ج 9 ص 104، المغنى لأبن قدامة ج 3 ص، 195، نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 6 30، 07 3 والأسرة تحت رعاية الإسلام ج 2 ص 230
(9/306)
________________________________________
الحج أو الزواج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل يريد الحج لأول مرة وله ابن غير قادر على تكاليف الزواج، فهل يؤدى الفريضة أم يساعد ابنه على زواجه؟

الجواب
لا يجب على الوالد أن يزوج ولده أو يساعده فى زواجه، فذلك مندوب فقط، والحج للقادر عليه لأول مرة واجب. وإذا تعارض واجب ومندوب قدم الواجب، فعلى الرجل أن يؤدى فريضة الحج أولا، لأنه مستطيع، وفى الحديث تهديد لمن قدر على الحج ولم يحج، وبخاصة أن جمهور الفقهاء قالوا: إن وجوب الحج على الفور وليس على التراخى، فالتأجيل فيه إثم عندهم. وعلى الولد أن يصبر حتى يغنيه الله ويستطيع الزواج، كما قال تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} النور: 33، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أى قاطع، رواه مسلم. والباءة هى تكاليف الزواج. وإذا كان الولد محتاجا إلى الزواج ليعف نفسه فعليه أن يتزوج من وسط يتناسب مع قدرته ومستواه المادى، وفى النساء كثيرات يوافقن على ذلك بدون مغالاة فى المهور والجهاز.
ومثل ذلك يقال فى تجهيز الوالد لبنته، فهو سنة غير واجب، أما الحج فهو واجب يقدم على السنة. وكذلك إذا كان الشاب مستطيعا بمال يكفيه أحد الأمرين، الحج المفروض لأول مرة، أو الزواج فإذا كان مستقيما يستطيع أن يبتعد عن الفاحشة كان زواجه سنة وحجه واجبا فيقدم الواجب، أما إذا كان ضعيفا أمام شهوته -إن لم يتزوج بسرعة وقع فى الفاحشة -كان زواجه واجبا ولا يجب عليه الحج لأنه غير مستطيع، فالاستطاعة تكون بعد كفاية الضروريات، والزواج ضرورى له فى هذه الحالة، والزواج فيه درء للمفاسد فيقدم على الحج الذى فيه جلب للمصلحة كما تقتضيه قواعد التشريع. أما إذا كان الحج مندوبا أى للمرة الثانية فله الخيار بين الحج والزواج، أو مساعدة الابن أو البنت
(9/307)
________________________________________
الحج وتكفير التبعات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم من يرتكب المعاصى ويهمل فى الطاعات ثم يقول: سأحج لأن الحج يغفر كل الذنوب؟

الجواب
قال الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 48، وقال صلى الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخارى ومسلم. وقال "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه البخارى ومسلم. يقول العلماء: إن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر، كما قال تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء: 31، وقال تعالى {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} النجم: 32، والصغائر مكفراتها كثيرة، فإلى جانب التوبة والاستغفار يكفرها الله بأى عمل صالح، قال تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} هود: 114، وقد نزلت فى رجل ارتكب معصية وفال له النبى صلى الله عليه وسلم " أشهدت معنا الصلاة"؟ قال: نعم، فقال له "اذهب فإنها كفارة لما فعلت " وقال صلى الله عليه وسلم " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر" رواه مسلم، وقال "واتبع السيئة الحسنة تمحها" رواه الترمذى بسند حسن. أما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم} التحريم: 8، وكما قال بعد ذكر صفات عباد الرحمن وأن من يفعل الكبائر يضاعف له العذاب {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل اللَّه سيئاتهم حسنات وكان اللَّه غفورا رحيما} الفرقان:
70،. أما الأعمال الصالحة غير التوبة فلا تكفر الكبائر، لأن هذه الأعمال الصالحة لا تؤثر فى تكفير الذنوب الصغيرة إلا إذا اجتنيت الكبائر كما تقدم فى حديث مسلم. وعلى هذا قالوا: إن النصوص العامة التى فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب - كحديث الحج المتقدم - مخصوصة بالذنوب الصغيرة، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة. وليكن معلوما أن التوبة لا تكفر الذنوب التى فيها حقوق العباد لأن من شروطها أو أركانها أن تبرأ الذمة منها، إما بردها لأصحابها وإما بتنازلهم عنها، وبالتالى فالحج أو غيره من الطاعات لا يكفر الذنب الذى فيه حق للعباد حتى تبرأ الذمة منه ويؤيد ذلك أن الشهادة في سبيل اللَّه، وهى فى قمة الأعمال الصالحة، لا تكفِّر حقوق العباد، كما ورد فى حديث مسلم " يغفر اللَّه للشهيد كل شىء إلا الديْن ". أما الذنوب التى هى حق للَّه فهى قسمان، قسم فيه بدل وعوض، وقسم ليس فيه ذلك، فالأول كمن أذنب بترك الصلاة أو الصيام فلا يكفر إلا بقضاء ما فاته من صلاة وصيام كما وردت بذلك النصوص الصحيحة، والثانى كمن أذنب بشرب الخمر مثلا، فإن مجرد تركه والتوبة منه يكفره الله تعالى، والتوبة تكون بإقامة الحد عليه إن كانت الحدود تقام، وإلا فهى الإِقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العود. هذا، وقد وردت نصوص تدل على أن التبعات والمظالم يكفرها اللَّه بالحج، لكن هذه النصوص غير قوية فلا تعارض ما هو أقوى منها، فالتوبة لا تكفر التبعات والمظالم إلا ببراءة الذمة، وكذلك الحج لا يكفرها إلا بذلك.
وكل ما تقدم محله إذا لم تتدخل مشيئة الله، فإن تدخلت غفر الله كل شىء من الذنوب يقع من العبد ما عدا الإِشراك بالله كَما قال سبحانه {إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء: 116،. وعلى هذا، فالرجل الذى يفعل المعاصى اعتمادا على أن الحج يكفرها - لا يجوز له أن يرتكن على الحديث المذكور، ولا أن يرتكن على مشيئة الله الذى يغفر الذنوب جميعا، فربما لا يكون هو ممن يشاء الله المغفرة لهم " المواهب ج 1 ص 338 وابن تيمية ج 18 ص 141 وحاشية عوض على الخطيب ج 1 ص 216"
(9/308)
________________________________________
طواف الوداع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كنت مريضا فى الحج وتحتم سفرى فسافرت ولم أطف طواف الوداع فهل حجى صحيح وهل من السنة ما يفعله الناس بعد الطواف من خروجهم من المسجد بظهورهم ووجوههم إلى الكعبة؟

الجواب
من الذوق إذا زار الإنسان أخاه وأراد أن يفارقه أن يثنى عليه لكرم استقباله وضيافته، كما يثنى عليه أخوه ويشكره لزيارته، ومن أدب الإسلام إذا دخل الإنسان مجلس قوم أن يسلم عليهم، فإذا فارقهم سلم عليهم أيضا، فليست الأولى بأحق من الآخرة، كما ثبت فى الحديث الذى رواه الترمذى.
والزائر لبيت الله زائر لربه، وقد لقى منه أثناء الزيارة نفحات وبركات، فليس من اللائق أن يفارق البيت دون عمل شيء يدل على تأثره لمفارقته، وكما حيا البيت عند دخول المسجد بطواف القدوم فلتكن تحيته عند مفارقته بالطواف الذى يطلق عليه طواف الوداع.
وهو يكون عند العزم على مغادرة البيت مغادرة نهائية لا وقتية، بحيث لا يمكث بعده قى مكة إلا لقدر ما يعد للسفر إعدادا سريعا.
واتفق العلماء على أن طواف الوداع مطلوب لما رواه مسلم وأبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون فى كل وجه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " وروى مالك فى الموطأ عن عمر رضى الله عنه قال: آخر النسك الطواف بالبيت.
لكن ما هى درجة طلبه؟ قال الشافعى وأبو حنيفة وأحمد إنه واجب، يلزم بتركه دم، وقال مالك: إنه سنة لا يجب بتركه شيء، وهو قول للشافعى.
ومهما يكن من درجة طلبه فإن المرأة إذا كانت حائضا يسقط عنها، لما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت. وفى رواية: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.
ونقول لصاحب السؤال: إن أخذت برأى الجمهور وجب عليك ذبح شاة، فإن لم تجد فعليك صيام عشرة أيام فى بلدك ما دمت قد غادرت الحرم، وإن أخذت برأى مالك فليس عليك شيء، ولا حرج عليك، وحجك صحيح إن شاء الله.
أما ما يفعله بعض الناس من الخروج بظهورهم فلم يرد شيء عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة، وإنما هو عرف فى الأدب، عند بعض الناس، لا نستطيع أن نحكم عليه بالحرمة، إلا إذا كان فيه إيذاء للغير، أو تعريض نفسه للأذى، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، كما ورد فى الحديث الذى رواه مالك وابن ماجه والدارقطنى بإسناد حسن، والذى يسن بعد الطواف هو أن يقف الطائف عند الملتزم ويدعو ربه بالرضا عنه وبالعافية والصحة والعصمة وحسن المنقلب والتوفيق للطاعة، وبألا تكون هذه المرة هى آخر العهد بالبيت
(9/309)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:56 am

الإطعام بدل الصوم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
معلوم أن المتمتع - وهو الذى يحرم بالعمرة فى أشهر الحج عليه هدى، فإن لم يجد صام عشرة أيام، فهل يجوز له أن يطعم بدل الصيام؟

الجواب
إن الفدية الواجبة للتمتع مقدرة مرتبة وليست مخيرة، فلا يجوز له العدول عن الواجب إلا إذا عجز منه، والقرآن الكريم نص على أن المتمتع يجب عليه الهدى، فإن عجز وجب عليه الصيام. ولم يأت نص فى القران أو السنة على بديل للهدى والصيام قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} البقر: 196.
فإذا كان قادرا على الصوم فلا يجوز له الإطعام، كالقادر على صيام رمضان لا يجوز له أن يطعم، أما إن كان عاجزا عن الصوم لكبر سن أو لمرض لا يرجى برؤه، فيقاس على من عجز عن صيام رمضان، ويطعم عن كل يوم مسكينا، فإن مات ولم يطعم وكان قادرا على الإطعام، وجب الإطعام من تركته، لأنه دين يقدم على الميراث. أما إذا لم يكن قادرا على الإطعام فلا شىء عليه "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ولا يلزم ورثته بشىء لأنه مات فقيرا ولا ميراث له، ولا يقاس على من مات وعليه صيام لأن الذى عليه هو الإطعام وليس الصيام.
مع أن الذى مات وعليه صيام لا يوجد نص بالإطعام عنه.
والقادر على الصيام ولم يصم حتى مات مات عاصيا، يقاس على من مات وعليه صيام من رمضان، لأن كلا من الصيامين وجب الشرع، فذهب بعض الفقهاء، ومنهم أبو حنيفة وأحمد ومالك والشافعى فى المشهور عنه إلى أن وليه لا يصوم عنه، بل يطعم عن كل يوم مسكينا، والمذهب المختار عند الشافعية، أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى طعام عنه، ولا يصح أن يصوم الأجنبى عنه بدون إذن الولى، فقد روى البخارى وأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من مات وعليه صيام صام عنه وليه ".
وفى رواية للبزار زيادة "إن شاء " وسندها حسن. وروى أحمد وأصحاب السنن أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم إن أمى ماتت وعليها صيام شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمك دين أكنت قاضيه "؟ قال نعم، قال: "فدين الله أحق أن يقض ".
وهذا القول هو الصحيح المختار كما قال النووى، لأنه حكم ورد فيه دليل، أما الرأى الاَخر فليس عليه دليل منصوص.
جاء فى المغنى لابن قدامة"ج 3 ص 509"ما نصه: ومن لزمه صوم التمتع فمات قبل أن يأتى به لعذر منعه عن الصيام فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم أيام من رمضان، ولأنه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان
(9/310)
________________________________________
تغيير نية الإحرام فى الحج والعمرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
خرجت من البلد ناويا الإحرام بالحج مفردا لأننى سأتوجه إلى مكة مباشرة من ميناء جدة أو من المطار، ووجدت صعوبة فى التزامى بالإحرام حتى أقف بعرفة وأكون فى منى يوم العيد، فهل يجوز لى أن أغير نية للإحرام من الإفراد بالحج إلى التمتع بأداء العمرة أولا، ثم أحرم بالحج من مكة، أو لا يجوز؟

الجواب
من المعلوم أن الحج والعمرة يؤديان على كيفيات ثلاث، الأولى التمتع بأن يحرم الإنسان بالعمرة أولا، وبعد أن ينتهى من أعمالها يحرم بالحج، وفى هذه الحالة يجب عليه الهدى، والثانية القِران بأن يحرم بالحج والعمرة معا، ويكون الطواف والسعى جهدا واحدا مغنيا عن التكرار، وفى هذه الحالة يجب الهدى، والثالثة الإفراد، بأن يحرم بالحج فقط، وبعد الانتهاء من أعماله يحرم بالعمرة وفى هذه الحالة لا يجب هدى.
ومعلوم أن الإنسان عندما يحرم يلتزم بواجبات الإحرام ويمتنع عن المحظورات المعروفة، وهو فى الغالب يختار من الأحوال الثلاثة ما يشاء. فلو أراد أن يغير نية الإحرام بعد ما أحرم لعذر أو لغير عذر، فهل يجوز له ذلك؟ .
اتفق العلماء على أنه إذا لم يجاوز الميقات يجوز له تغيير النية حيث لم يشرع فى شىء عملى من أعمال الحج والعمرة، أما بعد تجاوز الميقات فقال بعض العلماء: لا وأجاز بعضهم التغيير للنبة حتى بعد تجاوز الميقات، واستدلوا على ذلك بما حصل للنبى صلى الله عليه وسلم "ومن معه فى حجة الوداع، على الخلاف فى أنه كان مفردا أو قارنا أو متمتعا كما جاء فى عبارة جابر فى رواية مسلم أنهم أهَلُّوا مع رسول اللَّه وقال: لسنا نرى إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، ولكن بعد انتهاء الرسول من الطواف والسعى قال " لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدى فَلْيُحِلَّ ولْيجعلها عمرة " فقام سراقة بن مالك بن جعشم وقال: يا رسول اللَّه، أَلِعَامِنَا هذا أم لأبد؟ فقال " بل لأبد أبد ".
وهذا ما يطهر ترجيحه لوجود النص على ذلك ولو مع عدم قطعية الدلالة، وعليه فيجوز تغيير نية الإحرام ولو جاوز الميقات
(9/311)
________________________________________
الحج والعذر الشهرى للمرأة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سيدة فاجأتها الدورة أثناء الإحرام بالحج أو العمرة، فماذا تفعل؟

الجواب
ثبت فى الصحيح عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهى تبكى، فقال " أنُفِسْتِ "؟ يعنى هل جاءتك الحيضة فقالت: نعم، قال " إن هذا شىء كتبه اللَّه على بنات آدم، فاقض ما يقض الحاج، غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى " رواه البخارى ومسلم.
هذا تصريح من النبى صلى الله عليه وسلم أن كل أعمال الحج يجوز أن تقوم بها المرأة وهى حائض، ماعدا الطواف. لأنه أولا كالصلاة يشترط لكل منهما الطهارة من الجنابة بالذات، وثانيا كونه فى المسجد، وممنوع عليها المكث فيه.
فلها أن تقف بعرفة وترمى الجمرات، بل لها أن تسعى بين الصفا والمروة إن فاجأها بعد الانتهاء من الطواف، والذى تمنع منه صاحبة العذر الشهرى هو الصلاة والطواف وقراءة القرآن والمكث فى المسجد ومس المصحف وحمله. أما الذكر والدعاء ومنه التلبية والتكبير فلا يحرم شىء منه عليها.
وجمهور العلماء على أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف وقال أبو حنيفة إنها ليست شرطا، فلو طاف الإنسان وعليه نجاسة أو كان محدثا ولو حدثا أكبر صح طوافه وإن حرم عليه دخول المسجد، واختلف أصحابه فى كون الطهارة واجبة مع اتفاقهم على أنها ليست بشرط، فمنهم من أوجبها وقالوا: إن طاف محدثا لزمه شاة وإن طاف جنبا لزمه بدنة، وقالوا: ويعيد ما دام فى مكة، وعن أحمد بن حنبل روايتان، إحداهما كمذهب الشافعى ومالك، والثانية إن أقام بمكة أعاده، وإن عاد إلى بلده جُبِرَ بدم.
واحتج أبو حنيفة وموافقوه قى عدم اشتراط الطهارة بقوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق} وهذا يتناول الطواف بلا طهارة، قياسا على الوقوف بعرفة وسائر أركان الحج، واحتج غيرهم بحديث عائشة السابق، وبأن قول النبى صلى الله عليه وسلم " لتأخذوا عنى مناسككم " بيان للطواف المجمل فى القرآن، وقد منع عائشة من الطواف حتى تغتسل وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى "ج هـ ص 120 طبعه بيروت " روى عن عطاء: إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها، وهو مذكور فى فتاوى ابن تيمية "ج 26 ص 08 2 " الذى ناقش هذا الموضوع بتوسع وقال:
إن الطهارة شرط فى صحة الطواف على رأى الشافعى ومالك ورواية لأحمد، وليست شرطا فى الرواية الأخرى وعند أبى حنيفة، وقال: إن هذا قول أكثر السلف وهو الصواب "ج 26 ص 211 ".
ومما قال "ج 26 ص 221 ": تنازع العلماء فى الطهارة هل هى شرط فى صحة الطواف كالصلاة أم هى واجبة إذا تركها جبر بدم كترك الإحرام من الميقات؟ على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد، أشهرهما عنه وهى مذهب مالك والشافعى أن الطهارة شرط فيها، فإذا طاف جنبا أو محدثا، أو حائضا ناسيا أو جاهلا ثم علم - أعاد الطواف -والثانى أنه واجب. فإذا فعل ذلك جبره بدم.
لكن عند أبى حنيفة: الجنب والحائض عليه بدنة، والمحدث عليه شاة، وأما أحمد فأوجب دما ولم يعين.
وأرى أن العذر الشهرى لو فاجأ المرأة أو كان واقعا، لها أن تغتسل ثم تحرم وتلبى، وتلتزم بكل واجبات الإحرام حتى ينتهى العزر فتغتسل ثم تطوف، وإن انتهت من أعمال الحج وبقى عليها الطواف وأرادت أن تسافر فإن أمكن تأجيل السفر حتى تتطهر وتغتسل فالأولى الانتظار حتى تتطهر وتطوف، أما إذا ضاق الوقت وتقرر موعد السفر وكانت هناك مشقة فى التخلف، فلها أن تتطهر-على الرغم من وجود العزر- وتطوف، وعليها ذبح بدنة أى جمل، أو ذبح شاة.
وفى الفتاوى الإسلامية " المجلد 8 ص 2927" أجاز بعض الحنابلة والشافعية دخولها المسجد بعد إحكام العصب والغسل، وتطوف دون فدية، لعلة الاضطرار للسفر، وهو عزر شرعى.
وهذا كله فى الطواف المفروض وهو طواف الإفاضة أو الزيارة الذى يكون بعد الوقوف بعرفة، أما طواف القدوم فهو سنة: وكذلك طواف الوداع الأخير غير مفروض على الحائض والنفساء، فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما، كما رواه البخارى: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.
هذا، ولا مانع من تعاطى أدوية تمنع الدم حتى يتم لها نسكها وهى طاهرة فقد روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه سئل عن ذلك فلم يربه بأسا، ووصف لهن ماء الأراك. وقال محب الدين الطبرى: إذا اعْتُدَّ بارتفاع الدم فى هذه الصورة اعْتُدَّ بارتفاعه فى انقضاء العدة وسائر الصور، وكذلك فى شرب دواء يجلب الحيض إلحاقًا له
(9/312)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:57 am

الأضحية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الأصل في مشروعية الأضحية، وهل هى واجبة أو سنة، وما هى مواصفات ما يضحى به، وهل صحيح أنه يمكن أن يضحي بديك؟

الجواب
كلمة الأضحية فيها أربع لغات:
1 -أُضحية، بضم الهمزة مع تخفيف الياء وتشديدها.
ب -إِضحية، بكسر الهمزة، مع تخفيف الياء وتشديدها، وجمعها أضاحي بتخفيف الياء وتشديدها.
ب -ضحية، على وزن فعيلة، وجمعها ضحايا.
د - أضحاة، وجمعها أضحَى، مثل: أرْطاة وأرْطى. وبها سُمَي يوم الأضحى. وسميت الذبيحة بذلك لأنها تذبح وقت الضحى وهو ارتفاع النهار قال النووي: في الأضحى لغتان، التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم.
2 - والأضحية في الشرع اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقربًا إلى اللَّه تعالى، فما يذبح من غير هذه الأنواع لا يسمى أضحية، وما يذبح منها في غير هذه الأيام لا يسمى أيضًا أضحية، وما يذبح في هذه الأيام لغير التقرب إلى اللَّه لا يسمى أيضًا أضحية.
3 -تقديم القرابين إلى الآلهة قديم، واللَّه سبحانه يقول في هابيل وقابيل، ولدي آدم {واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر} المائدة: 27، ويقول عن اليهود {الذين قالوا إن اللَّه عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى بأتينا بقربان تأكله النار} آل عمران:
183.
يقول المفسرون: إن توأمة قابيل التي ولدت معه في بطن واحد واسمها إقليمياء كانت جميلة، أما توأمة هابيل واسمها ليوذا فكانت غير جميلة، وكان من شريعة آدم تزويج الأخت من بطن إلى الأخ من بطن آخر فحسد قابيل أخاه هابيل وأراد أن يستأثر بتوأمته الجميلة، وأمره أبوه فلم يأتمر، فاتفقوا على تقريب القربان، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل، وقربان هابيل كبشا، فتتبل الله قربان هابيل، وقالوا: إن الكبش رفع إلى الجنة حتى فدى الله به الذبيح إسماعيل عليه السلام قاله سعيد بن جبير وغيره والله أعلم بصحة ذلك "تفسر القرطبي ج 6 ص 133، 134".
وظل تقديم القربان معروفًا عند اليهود لتصديق أي نبي يرسل إليهم، حتى نسخ على لسان عيسى بن مريم، كما ذكره القرطبي "ج 4 ص 296".
يقول المؤرخون: كانت القرابين بالحيوانات ثم تعدى ذلك إلى تقديم الإنسان قربانًا ولعل رؤيا إبراهيم أن يذبح ولده إسماعيل صورة من ذلك. قال تعالى {فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} إلى أن قال {وفديناه بذبح عظيم} الصافات: 102 -107، كما عرف التقرب بذبح الإنسان عند العرب قبل الإسلام، وفي التاريخ أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله بعشرة من الأولاد ليذبحن ولدًا منهم، فوقعت القرعة على ولده عبد اللَّه والد النبي صلى الله عليه وسلم فمنعته قريش من ذبحه حتى لا يكون ذلك سنة متبعة، وانتهى الأمر بفدائه بمائة من الإبل، وروى الحاكم عن معاوية أن أعرابيًا قال للرسول صلى الله عليه وسلم "يا ابن الذبيحين " فتبسم ولم ينكر عليه، والذبيحان هما إسماعيل بن إبراهيم وعبد الله بن عبد المطلب.
وفي مصر القديمة كان بعض الرؤساء يضحى بزوجاته أو عبيده، وتكسر الحراب والسهام عند قبره، حتى يذهب إلى الآخرة طاهرًا بغير سلاح ولا أتباع. وتدفن معه نماذج من البيت والدكان والخدم والماشية، ثم اختفت القرابين البشرية لتحل محلها القرابين الحيوانية أو الدمى المصنوعة من الخنزير وأسطورة تقديم عروس النيل قربانًا عند فيضانه صورة من صور التقدم للآلهة بالإنسان. ومثل مصر في ذلك مناطق الأنهار في سومر والعراق والصين والهند وفي القرن السادس قبل الميلاد ظهر بوذا في الهند وكونفوشيوس في الصين فاقتصرت القرابين على الحيوانات، ولم تختف القرابين البشرية تماما، فكان في روما موكب بشرى دام قدمت فيه روما فريقا من أطهر شبابها فداء للآلهة عندما اجتاح " الغال " جنوبي إيطاليا، وذلك قبل ميلاد المسيح بقرنين ونصف القرن.
وقدم اليهود القرابين لله شكرًا واستغفار في احتفال مهيب بالمعبد بإشراف الكهان للأله "يهوه " وكان يوم السبت - الإجازة - يشهد احتفالاً عظيمًا لذلك، وكانت اليهودية حتى عهد الانقسام دين خوف ورعب، فقدمت الأضاحي من البشر، حيث قدم الملك " آخاذ" ابنه قربانًا لله، ثم غير الكهنة القرابين بتضحية الإنسان بجزء منه، وذلك بعملية "الختان " فذلك كاف لإرضاء الإله، ثم تطور القربان إلى الحيوان والنبات ببركة الكهان، والأناجيل مملوءة بأخبار التضحية، كهابيل وقابيل، وكذلك تقديم "يفتاح " ابنته محرقة قربانا ""سفر القضاة: 20 - 40 " وصلب المسيح عندهم أعظم تضيحة، ويرمز لها الآن بالحمل المقدم لذلك، والقربان المقدس عند الكاثوليك والأرثوذكس قرص من الدقيق الصافي، كما توجد قرابين مثل الشموع والتماثيل.
وفي الجاهلية العربية كانت الأنعام تهدى إلى الكعبة وتذبح باسم الآلهة، وقد يلطخون أحجارها بدمائها، -وتعلق قلائد في رقاب الهدى تمييزا لها قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر اللَّه ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد} المائدة: 2، والشعائر- على قول - جمع شعيرة، وهي البدنة التى تهدى إلى الكعبة وإشعارها أن يُجَزَّ سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنه هدى. وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فانزل اللَّه {لا تحلوا شعائر الله} والقلائد هي كل ما يعلق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة على أنه لله سبحانه وتعالى، وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها الإسلام "القرطبي ج 6 ص 40 ".
4 - بعد هذه المقدمة التاريخية نقول: إن الإسلام أقر مبدأ التقرب إلى اللَّه بذبح الأنعام ونظمه تنظيمًا دقيقًا، وحكمة مشروعيتها تتلخص في ناحيتين،ناحية تاريخية وهي تخليد ذكرى فداء إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما السلام،. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث رواه أحمد وابن ماجه والترمذى عن زيد بن أرقم أنه قيل يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال "سنة أبيكم إبراهيم " قيل: ما لنا منها؟ قال "بكل شعرة حسنة" قال:
فالصوف؟ قال: "بكل شعرة من الصوف حسنة".
والناحية الثانية اجتماعية، وهي إطعام الطعام والتوسعة على الفقراء بمناسبة العيد، والأصل فيه نفع أهل مكة والوافدين لأداء المناسك، قال تعالى {ولكل أمة جعلنا منسكا} - مكانا للعيادة الجماعية - {ليذكروا اسم اللَّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} الحج: 34، وقال {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} الحج: 27، 28.
أما الذين لا يشهدون موسم الحج فالأضاحي بالنسبة إليهم مع سنة إبراهيم توسعة على الفقراء وإشاعة للفرح والسرور، إلى جانب ما يرجى من الثواب على ذلك.
5 - الدليل على مشروعيتها في الإسلام: القرآن والسنة والإجماع، فمن القرآن قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر} وهذا على رأى من يقول: إن السورة مدنية، حيث إن صلاتى العيدين شرعتا بعد الهجرة، وهو رأى الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة. فأمر الله رسوله أن يجعل النحر بعد الصلاة، حيث كان ينحر أولا ثم يصلي كما قال أنس - القرطبي ج 20 ص 218 -وقيل: نزلت السورة بالحديبية، حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول مكة، فأمره اللَّه أن يصلي وينحر البدن ثم ينصرف وذلك قول سعيد بن جبير.
أما من يقول: إن السورة مكية فلا تدل على مشروعية الأضحية، حيث لم يفرض الحج ولم تشرع الأضحية إلا بعد الهجرة من مكة، وما هو الارتباط بين إعطاء الله لرسوله الكوثر وهو النبوة أو النهر العظيم في الجنة أو الخير الكثير- وبين صلاة وذبح بعدها؟ لقد قيل: إنها نزلت لما عير مشركو مكة رسول الله بوفاة ابنه وسمو "الأبتر" أي المقطوع من الولد، عزاه اللَّه بأن أعطله خيرًا من الولد وهو الكوثر، فلا تتأثر بما يقولون وأجعل عبادتك لله وحده، وذبحك للأنعام والذبائح للَّه وحده، لا كما يفعل المشركون من عبادة غير اللَّه والذبح للآلهة والأصنام، والمعنى: دُمْ يا محمد على دعوتك وعلى طاعتك للَّه وحده، ومن يعيبك بالأبتر فهو الأبتر المقطوع عن رحمة اللَّه، وهذا الرأي عندي هو المقبول، وقد قال محمد بن كعب القرظي في تفسير السورة إن ناسًا يصلون لغير اللَّه وينحرون لغير الله؟ وقد أعطيناك الكوثر فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله، قال ابن العربي: والذي عندي أنه أراد: اعبد ربك وانحر له، فلا يكن عملك إلا لمن خصك بالكوثر، وبالحرى - أي الأحرى والأجدر-أن يكون جميع العمل يوازى هذه الخصوصية من الكوثر، وهو الخير الكثير الذي أعطاكه اللَّه، أو النهر الذي طينه مسك وعدد آنيته نجوم السماء. أما أن يوازي هذا صلاة يوم النحر وذبح كبش أو بقرة أو بدنة فذلك يبعد في التقدير والتدبير وموازنة الثواب للعبادة "تفسير القرطبي " ومن هنا فالاستدلال بهذه السورة على مشروعية الأضحية. ليس قويًّا.
من أدلة السنة على مشروعيتها: ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال:
ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما والأملح الذي بياضه أكثر من سواده وقال: هو النقي البياض، والأقرن ماله قرنان، والصفاح جمع صفحة، وصفحة كل شيء وجهه وناحيته. وكذلك من الأدلة ما جاء في بيان فضلها وتحديد وقتها وقد انعقد الإجماع على مشروعيتها.
6 -حكمها، بعد بيان أن الأضحية مشروعة وليست منوعة: فما هي درجة هذه المشروعية؟ هل هي الوجوب أو الندب؟ ومعلوم أن الوجوب يترتب عليه ثواب على الفعل وعقاب على الترك، وأن الندب يترتب عليه ثواب على الفعل وعدم عقاب على الترك.
قال جمهور الفقهاء: إنها سنة غير واجبة، قال النووي "شرح صحيح مسلم ج 13 ص 110"واختلف العلماء في وجوب الأضحية على الموسر، فقال جمهورهم: هي سنة في حقه، إن تركها بلا عذر لم يأثم، ولم يلزمه القضاء، وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم. وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث:
هي واجبة على الموسر، وبه قال بعض المالكية. وقال النخعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابا واللَّه أعلم.
والقائلون بالوجوب استدلوا باية، {فصل لربك وانحر} حيث قالوا: إن الأمر للوجوب، وأجيب عنه بأن الآية ليست نصا في الأضحية كما تقدم ذكره، فهى عامة لكل عبادة يجب أن تكون لله وحده، ومن أدلة القائلين بأنها سنة: ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال "بسم الله واللَّه أكبر، اللهم هذا عنى وعمن لم يضح من أمتى " وما رواه أحمد والبزار بإسناد حسن عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول: اللهم هذا عن أمتى جميعًا، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعًا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحى، قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم.
ومن الأدلة أيضًا على أنها سنة وليست واجبة ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعًا "أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم " وأخرجه أيضًا البزار وابن عدى والحاكم عنه بلفظ "ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى" وهو ضعيف.
وأجاب الجمهور: على الحديث الذي احتج به القائلون بوجوب الأضحية، وهو ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" بأن هذا الحديث -كما قال في الفتح - ليس صريحًا في الإيجاب، مثله في ذلك مثل أحاديث ستأتي في بيان وقت الذبح وأن من ذبح قبل دخول الوقت أعاد الذبح مرة أخرى.
7 - والأضحية سنة مؤكدة على الكفاية إذا تعدد أهل البيت، فإذا قام بها واحد منهم كفى عن الجميع، فإن لم يتعدد أهل البيت كانت سنة عين،ولابد أن تكون فاضلة عما يحتاجه في يومه وليلته وكسوة فصله -أي الشتاء والصيف -كما في صدقة التطوع وينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة فإنها وقتها، كما أن يوم العيد وليلة العيد وقت زكاة الفطر.
والتضحية أفضل من صدقة التطوع للاختلاف في وجوبها، وقال الشافعي:
لا أرخص في تركها لمن قدر عليها، فيكره للقادر تركها، وسيأتي مزيد توضيح للقدرة عليها.
والأضحية قد تكون واجبة بالنذر لحديث "من نذر أن يطيع الله فليطعه " رواه البخاري ومسلم ولقوله تعالى {وليوفوا نذورهم} الحج: 29، وحتى لو مات الناذر فإنه تجوز النيابة فيما عينه بنذره قبل موته، وعند مالك إذا اشتراها ونيته الأضحية وجبت.
8-ورد في فضلها أحاديث كثيرة، منها: ما رواه الترمذي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى اللَّه من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من اللَّه بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا" وما سبق ذكره من حديث زيد بن أرقم في حكمة الأضحية، وكذلك حديث أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا" قال الحافظ في "بلوغ المرام " رجح الأئمة غيره وقفه، يعني ليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح: رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب.
وحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا "ما أُنفقت الورق - العملة الفضية- في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد " وأما حديث الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي اللَّه عنها: "قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك " فهو منكر، وكذلك حديث الطبراني "من ضحى طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من النار" ففي سنده كذاب.
9 -أما الوقت الشرعي لذبحها، فقد وردت فيه عدة نصوص، منها ما رواه البخاري ومسلم من حديث جندب قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم ذبح: فقال "من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله " وما روياه أيضًا من حديث البراء بن عازب الذي ذبح خاله أبو بردة قبل الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين " وفي رواية لمسلم عن البراء بن عازب " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء ".
قال النووي: في شرح صحيح مسلم "ج 13 ص 110 ": وأما وقت الأضحية فينبغي أن يذبحها بعد صلاته مع الإمام، وحينئذ تجزيه بالإجماع، قال ابن المنذر: وأجمعوا أنها لا تجوز قبل طلوع الفجر يوم النحر، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقال الشافعي وداود وابن المنذر وآخرون: يدخل وقتها إذا طلعت الشمس ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين فإن ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلى الإمام أم لا، وسواء صلى الضحى أو لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادى والمسافرين، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، وقال عطاء وأبو حنيفة: يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر الثاني - الصادق - ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلى الإمام ويخطب، فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه، وقال مالك: لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه، وقال أحمد: لا يجوز قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام وسواء عنده أهل الأمصار والقرى، وجاء نحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق بن راهوية، وقال الثوري: لا يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفى أثنائها وقال ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لا يجزيه، وبعد طلوعها يجزيه 10 هـ.
ومن هذا يعلم أن الذين يذبحون يوم عرفة أو ليلة العيد قبل الفجر لا يقع ذبحهم عن الأضحية المشروعة، أما آخر وقت الأضحية فهو متسع، قال الشافعي: تجوز التضحية في يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده، وممن قال بهذا على بن أبي طالب وجبير بن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدى فقيه أهل الشام، ومكحول وداود الطاهرى وغيرهم.
وقال أبو حنيفة وأحمد: تختص بيوم النحر ويومين بعده، وروى هذا عن عمر بن الخطاب وعلى وابن عمر وأنس رضى الله عنهم، وقال سعيد بن جبير: تجوز لأهل الأمصار يوم النحر خاصة، ولأهل القرى يوم النحر وأيام التشريق. وقال محمد بن سيرين: لا تجوز لأحد إلا فى يوم النحر خاصة، وحكى القاضى عن بعض العلماء أنها تجوز فى جميع ذى الحجة واختلفوا فى جواز الذبح فى هذه المواقيت، فقال الشافعى: تجوز ليلا مع الكراهة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور، وقال مالك فى المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد: لا تجزيه فى الليل بل تكون شاة لحم.
من هذا نرى أن تحديد مبدأ الوقت لجواز الأضحية مستند إلى أحاديث ثابتة، مع الاختلاف فى فهم بعضها، أما تحديد نهاية الوقت فهو مبنى على الاجتهاد المحض، وإن كان المعقول أنه يستمر يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة، لأنها أيام الأكل والشرب والفرح بالعيد كالذين يبيتون فى منى وينحرون الهدى.
وأما ما ورد عن جبير بن مطعم مرفوعا " كل أيام التشريق ذبح " ورواه أحمد والدارقطنى فهو ضعيف وقيل موضوع، وكذلك اختلافهم فى الذبح نهارا أو ليلا لا دليل يعتمد عليه، وما أخرجه الطبرانى من النهى عن الذبح ليلا فى إسناده متروك أو هو مرسل.
هذا، وقد سبق فى البند السابع أن الخلاف فى وجوبها أو ندبها إنما هو بالنسبة للقادر عليها، وجاء فى فقه المذاهب الأربعة:
أن الحنفية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك مائتي درهم، أو يملك عرضا يساوى مائتي درهم يزيد عن مسكنه، وثياب اللبس والمتاع الذي يحتاجه.
وإن كان له عقار يستغله تلزمه الأضحية إذا دخل له منه قوت عامه، وزاد معه النصاب المذكور وقيل: تلزمه إذا دخل منه قوت شهر وإن كان العقار وقفا تلزمه الأضحية إن دخل له منه قيمة النصاب وقتها.
والحنابلة قالوا: القادر عليها هو الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدين إذا كان يقدر على وفائه.
والمالكية قالوا: القادر عليها هو الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، فإذا احتاج إلى ثمنها في عامه فلا تسن، وإذا استطاع أن يستدين استدان، وقيل: لا يستدين.
والشافعية قالوا: القادر عليها هو الذي يملك ثمنها زائدًا عن حاجته وحاجة من يعول يوم العيد وأيام التشريق، ومن الحاجة ما جرت به العادة من كعك وسمك وفطير ونقل ونحو ذلك. "ص 208 ".
10 -ما يضحى به: الذي يضحي به هو الإبل والبقر والغم، قال النووي "شرح صحيح مسلم ج 13 ص 117" وأجمع العلماء على أنه لا تجزى الضحية بغير الإبل والبقر والغنم، إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة وبالظبي عن واحد وبه قال داود في بقرة الوحش فلا يجزئ غير ذلك من أي حيوان، كما لا يجزى شراء لحم والتصدق به على أنه ضحية، ومثله الحيوانات المجمدة واللحوم المعلبة، لأنها ذبحت قبل موعد ذبحها، وكانت في غير ملك من يشتريها ليضحى بها، وما ورد عن بلال أنه قال: ما أبالي ألا أضحى إلا بديك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه أحب إلى من أن أضحى به. فذلك محمول على أن البعض كان يرى أن التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها وبذلك قال الشعبي وهو قول لمالك وأبي ثور "القرطبي ج 15 ص 107 " فالقول لراجح أن الأضحية أفصل من التصدق بثمنها، لأنها سنة مؤكدة وردت النصوص بفضلها.
وكذلك ما ورد من أن البعض من الصحابة أو السلف كان يشتري لحمًا ويضحى به لا يعني أن اللحم يغنى في الآخر والثواب عن الأضحية، أو يسد مسدها في أنها واجبة. وأنما ذلك كان بقصد تعريف الناس أن الأضحية ليست بواجبة محتمة، بل هي سنة اختيارية، قال عكرمة: كان ابن عباس يبعثنى يوم الأضحى بدرهمين، أشترى له لحمًا، ويقول من لقيت فقل: هذه أضحية ابن عباس جاء في تفسير القرطبي "ج 15 ص 108 " أن ما روى عن ابن عباس وعن أبي بكر وعمر من ذلك يقصد به عدم المواظبة على الأضحية حتى لا يعتقد العامة أنها واجبة مفروضة، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم، لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم.
لكن أي سن وأى شكل تكون عليه الضحية من الإبل والبقر والغنم، وما القدر الكافى منها؟ وردت عدة أحاديث تحدد السن والأوصاف التي تمنع من قبول الأضحية، منها حديث مسلم وغيره "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعه من الضأن " وحديث مسلم أن جذعه المعز لا تجزىء، وحديث أحمد وأصحاب السنن في النهى عن التضحية بأعضب القرن والأذن، وفي عدم التضحية بالعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعُها، والكسير التي لا تنقى، والمقابلة والمدابرة والشرقاء والحرقاء، وحديث أحمد وأبى داود في النهى عن المصْفرة، والمستأصلة والبخقاء والمشيَّعة.
وقالوا في تفسير ذلك: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم لها سنتان فأكثر والجذع من الضأن ما له سنة تامة، وهو الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم، وقيل: ما به ستة أشهر، وقيل سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل عشرة وجذعه المعز لا تجزىء عند الجمهور، وتجوز عند عطاء والأوزاعي، وهو وجه لبعض الشافعية كما حكاه الرافعى.
وقال النووي: هو شاذ أو غلط.
وأعضب القرن والأذن، ما ذهب نصف قرنه أو أذنه، وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أن الأضحية تجوز بمكسور القرن مطلقًا، وكرهه مالك إذا كان يدمى وجعله عيبا. فإذا استؤصل القرن كانت البهيمة مستأصلة، وإذا استؤصلت الأذن كانت مصفرة وقيل هي الهزيلة، والكسير أو الكسراء التي لا مخ لها، والبخقاء هى ذاهبة البصر أو القبيحة العور، والمشيعة هي الضعيفة التي تحتاج إلى من يشيعها، والمقابلة هى الشاة التي قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة، والمدابرة هي التي قطعت أذنها من جانب، والشرقاء مشقوقة الأذن طولا، والحرقاء هى التي في أذنها خرق مستدير.
كما جاء حديث أحمد بجواز التضحية بالخصى. ويبدو لى من كلام الفقهاء أن هذه العيوب تؤثر على اللحم إذا عينت الأضحية المعيبة قبل وقت ذبحها بزمن طويل، فعيوبها تمنعها من الرعى أو تناول الطعام أو النمو كما تنمو الحيوانات السليمة من هذه العيوب، وعدم قبولها بسبب هذه العيوب يظهر في المنذورة التى ينبغي أن تكون جيدة اللحم، لكن لو طرأ عيب على شاة طيبة اللحم والشكل ثم ذبحت في ميعاد الأضحية فلماذا لا تقبل؟ ولذلك أرى تناقضات غريبة في كلام الفقهاء بسبب هذه العيوب فأى ضرر في قبول مقطوعة الأذن أو مشقوقتها مع أن ذلك لا يؤثر على اللحم مطلقًا حتى لو نذرت واستمرت زمنا طويلا قبلأن تذبح، وما معنى أن يرفض المالكية التضحية بالبكماء وهى فاقدة الصوت، وما دخل صوتها في لحمها، وما معنى أن يرفض الشافعية التضحية بما حصل لها عرج وقت ذبحها في حال قطع الحلقوم والمرىء، هذا وتصح الشاة من الضأن أو المعز عن شخص واحد، أو عن أسرة يعولها، وتكفى البقرة أو الناقة عن سبعة، وشرط الأحناف بلوغ الضأن سنة أو ستة أشهر مع وفرة اللحم، وفي المعز لابد من بلوغ سنة والدخول في الثانية، وفي البقر والجاموس اشترطوا بلوغ سنتين والدخول فى الثالثة، وفى الإبل بلوغ خمس سنين والدخول فى السادسة اشترط الشافعية في المعز بلوغ سنتين كاملتين.
11 -والأضحية إذا كانت منذورة لا يحل أكل شيء منها مطلقا، بل يتصدق بها جميعها، كما قال الأحناف والشافعية، ويجوز بل يسن الأكل منها عند الحنابلة، يؤكل الثلث ويهدى الثلث ويتصدق بالثلث، أما غير المنذورة فلا يجب الصدق بشيء منها بل يسن فقط.
عن أبي سعيد أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فقال "إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا لحوم الأضاحى فوق ثلاثة أيام ليسعكم، وإني أحله لكم فكلوا ما شئتم، ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحى، وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها، وإن أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم " رواه أحمد.
كان الرسول قد منعهم من ادخار لحوم الأضاحى، وألزمهم التصدق بها على المحتاجين الذين يفدون المدينة أيام العيد من أجل ذلك، ثم أجاز لهم أن يأكلوا ويدخروا لأولادهم منها. وجاءت في ذلك عدة أحاديث متفق على صحتها " نيل الأوطار ج 5 ص 134 " ولا يجوز بيع شيء من الأضحية حتى الجلد.
وهناك إرشادات عند ذبح الأضحية قال النووى فيها " شرح صحيح مسلم ج 13 ص 120 " يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه، ولا يوكل في ذبحها إلا لعذر وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها، وإن استناب فيها مسلما جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت الضحية عن الموكل، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فإنه لم يجوزها، ويجوز أن يستنيب صبيا أو امرأة حائضا.
ولكن يكره توكيل الصبى، وفى كراهة توكيل الحائض وجهان قال أصحابنا: الحائض أولى بالاستنابة من الصبى، والصبى أولى من الكتابى قال أصحابنا:
والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلما فقيها بباب الذبائح والضحايا، لأنه أعرف بشروطها وسننها انتهى.
12- من الطرائف الأدبية عن خروف العيد، ما قاله محمد بن نصر الله الدمشقي الأنصاري:
أتاني خروف ما شككت بأنه * حليف هوى قد شفه الهجر والعذل إذا قام في شمس الظهيرة خلته * خيالا ترى من ظلمة ماله ظل فناشدته: ما يشتهي؟ قال: حلبة * وقاسمته: ما شاقه؟ قال لي: الأكل فأحضرتها خضراء مجاجة الثرى * مسلمة ما مس أوراقها الفتل فظل يراعيها بعين ضعيفة * وينشدها والدمع في العين منهل أتت وحياض الموت بيني وبينها * وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل ناشدته = طلبت منه أن يفصح لى عما يشتهيه، قاسمته = أقسمت عليه أن يبوح لى بما يشتاق إليه. الفتل = الذبول.
ومن مداعبات الشاعر الراحل الشيخ محمد الأسمر في خروف العيد:
إن كان ذو القرنين عندك حاضرا * فابعث به لنرى ضياء جبينه ولكى يجاوب أو يمأمئ مثله * في بيت جارى مأمآت قرينه وليطمئن الدائنون ويعلموا * أنى امرؤ يقضى جميع ديونه ونرده لك بعد ذلك سالما * بدمقس فروته وعاج قرونه وأنا الأمين عليه وهو بمنزلى * من كل جزار ومن سكينه 13 -هناك كلمات تتردد في هذا الموضوع ينبغي التنبة للفرق بينها، وهي:
1 - الهدى ما يتقرب به إلى اللَّه في الحرم من الإبل والبقر والغنم، وهو يكون تارة واجبا إذا كان منذورا، أو جزاء على فوات واجب أو ارتكاب منهى عنه، كما قاله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} البقرة: 196، وتارة يكون مندوبا إذا كان تطوعا وليس جزاء على شيء.
2 - الفدية ما كانت في مقابل ارتكاب منهى عنه أو فوات واجب، وقد تكون ذبحا أو تصدقا أو صياما أو غير ذلك، قال تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة:
196، والمراد بالنسك الذبح وقال فيمن يشق عليهم الصيام {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} البقرة: 184.
3-الأضحية ما تذبح تقربا إلى الله بمناسبة عيد الأضحى
(9/313)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 8:59 am

المعتدة والحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أثناء استعدادى للسفر لأداء فريضة الحج توفى زوجى، فتابعت الإجراءات وسافرت، ولكن قيل لى: إن حجك غير صحيح، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
الكلام هنا فى نقطتين، الأولى فى شرط المحرم، والثانية فى حق الزوج، أما شرط المحرم مع المرأة فقد أجيب عنه، وقلنا: إذا كان الحج لأول مرة يمكن أن يكون معها زوج أو محرم أو رفقة مأمونة كما ذهب إليه الشافعية.
وأما حق الزوج فإن التى توفى زوجها يجب عليها أن تعتد، فإن انتهت عدتها بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرة أيام كان لها السفر دون حرج، أما إن تقرر سفرها قبل انتهاء العدة فقد تعلق بها واجبان، واجب الحج وواجب العدة، والآراء فى حل هذه المشكلة مختلفة، فالأئمة الأربعة قالوا: لا تخرج من عدتها ولا تسافر، فهى تعتبر غير مستطيعة، ولا يجب الحج على غير المستطيع، ويمكنها أن تحج فى عام آخر، حتى قال بعضهم: لو سافرت بالفعل ثم جاءها خبر وفاة زوجها عادت من سفرها إن لم تصل إلى الميقات، بدليل الحديث الذى رواه أصحاب السنن عن الفريعة بنت مالك أن أخت أبى سعيد الخدرى سألت النبى صلى الله عليه وسلم أن تترك بيت زوجها الذى مات فى سفر لتذهب إلى بيت أهلها فلم يأذن لها، وهو حديث صحيح قضى به عمر وعثمان والأكثرون.
وأجاز داود الظاهرى سفرها وهى فى العدة، وذلك لحديث عائشة رضى الله عنها أنها خرجت بأختها أم كلثوم لما قتل زوجها طلحة، خرجت بها إلى مكة لعمل عمرة، وقال داود: المأمورة به هو الاعتداد، وليس المكث فى البيت، وسار عليه بعض التابعين.
ويمكن الأخذ برأى عائشة هذا فى الحج الواجب لأول مرة، وذلك لعدم تكرار الفرصة عند تعقد الأمور وتنظيم سفر الحجاج وتقييده، أما الحج المندوب - وهو ما كان غير المرة الأولى-فلا تخرج ما دامت فى العدة
(9/314)
________________________________________
متى يذبح هدى التمتع وأين؟

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أحرمت فى موسم الحج بالعمرة أولا، ولما انتهيت منها ذبحت الهدى قبل أن نقف بعرفة فهل الذبح صحيح أم لابد أن يكون بعد الإحرام بالحج وأن يكون فى منى؟

الجواب
قال الله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام} البقرة: 196، يعنى من أدى العمرة وانتهى منها وتحلل واستباح ما كان محرما عليه بسبب الإحرام، وظل متمتعا إلى وقت الحج فعليه فى مقابل هذا التمتع أن يذبح شاة، فإن لم يجدها أو لم يجد ثمنها فعليه أن يصوم عشرة أيام كاملة، ثلاثة منها فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله كما نص عليه القرآن الكريم.
لكن هل هناك مكان أو وقت معين للذبح؟ أما مكان الذبح فهو الحرم المكى ومنه منى، ولا يجوز عند جمهور العلماء ذبحه خارج الحرم المكى، ومن نسى أن يذبح وعاد إلى بلده فعليه أن يذبح فى الحرم بنفسه أو بتوكيل غيره من الحجاج أو الزوار أو غيرهم، ولا يجوِّز الذبح فى البلد إلا قليل، وهو مروى عن مجاهد من التابعين، لكن رأى الجمهور هو الصحيح لتحقيق الحكمة الشرعية للذبح لمنفعة أهل مكة كما تنص عليه الآيات.
أما وقت الذبح ففيه ثلاثة آراء للعلماء.
رأى يقول: لا يصح الذبح إلا بعد الإحرام بالحج، كما دل عليه ظاهر الآية {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} أى الدخول فيه بالإحرام، وعلى هذا الرأى يكون الذبح فى منى أو فى مكة بعد العودة من منى، لأنه المكان الميسر للذبح، وهو المتفق عليه فى مذهب المالكية.
ورأى ثان يقول: يصح الذبح بعد الفراغ من أعمال العمرة وقبل أن يحرم بالحج، وذلك قياسا على تقديم كفارة اليمين على الحنث وتقديم الزكاة على الحول "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع فى فقه الشافعية ج اص 226) يقول الأُبِّى فى شرح صحيح مسلم: إنه محكى عن عياض، وقال المازرى هو الصحيح، وهو الذى عليه الجمهور، وهو وجه عند بعض أصحاب الشافعى.
ورأى ثالث حكاه المازرى: يجوِّز الذبح بعد الإحرام بالعمرة.
وذكر النووى فى المجموع أن الذبح الواجب بالتمتع قبل الإحرام بالحج فيه خلاف، وجاء فى الأم للشافعى استحباب الذبح لهدى التمتع بعد الفراغ من السعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق أو يقصر.
وما دامت المسألة خلافية فالأيسر هو العمل بجواز الذبح بعد الانتهاء من العمرة، ولا داعى لتأخيره إلى الإحرام بالحج ليذبح فى منى، والدين يسر.
أما إن عجز عن الهدى فيجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام فى الحج كما نصت عليه الآية، وقد نقل عن أحمد بن حنبل أنه يجوز الصوم قبل أن يحرم بالحج، وقال الثورى والأوزاعى: يصومهن من أول أيام العشر، وبه قال عطاء، وقال عروة: يصومها ما دام بمكة فى أيام منى وقاله أيضا مالك وجماعة من أهل المدينة "تفسير القرطبى ج 2 ص 399" وفى ص 403: يصوم السبعة بعد الرجوع من الحج ولو لم يذهب إلى بلده، فيصوم فى الطريق ويصوم فى مكة. وقال جماعة:
يصوم الثلاثة وهو محرم بالحج قبل يوم عرفة.
وقال بعض آخر: يصوم قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة، وكانت عائشة تصومها فى أيام التشريق وهى الثلاثة بعد العيد كما رواه البخارى عنها وقال ابن عمر وعائشة فى أيام التشريق ألا يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى رواه الدارقطنى بإسناد صحيح وإذا فاته صيام الأيام الثلاثة فى الحج لزمه قضاؤها، إما قبل أن يعود إلى بلده وإما بعد أن يعود ولا يشترط التتابع فى صيام هذه الأيام
(9/315)
________________________________________
تكرار العمرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز تكرار العمرة فى موسم الحج أو غير موسمه، وهل لهذا التكرار حد؟

الجواب
يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة فى العمر أو فى السنة أو فى الشهر أو فى اليوم،حيث لا يوجد نص يمنع ذلك، قال نافع: اعتمر عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أعواما فى عهد ابن الزبير، عمرتين فى كل عام، وقال القاسم: إن عائشة رضى الله عنها اعتمرت فى سنة ثلاث مرات، فسئل: هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال: سبحان الله، أم المؤمنين؟ وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وكره مالك تكرارها فى العام أكثر من مرة، إلا لمن كان داخلا مكة قبل أشهر الحج وكان ممن يحرم عليه مجاوزة الميقات حلالا فلا يكره له تكرارها بل يحرم بعمرة حين دخوله ولو كان قد تقدمت له عمرة فى هذا العام
(9/316)
________________________________________
متى فرض الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى السنة التى فرض فيها الحج إلى بيت الله الحرام؟

الجواب
الحج إلى مكان مقدس أمر معروف عند الأمم منذ القدم كما قال سبحانه {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه} الحج: 67، وكما قال {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} الحج: 34.
والحج فى جزيرة العرب عبادة قديمة ترجع إلى عهد بناء البيت الذى جعله الله أول بيت وضع للناس، والذى رفع قواعده أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وأمره الله أن يسكِّن أسرته الصغيرة عنده، وأن يؤذن فى الناس بالحج استجابة لدعاء ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوى إليه ويرزق أهله من الثمرات، وبهذا أصبح الحج شريعة متبعة وموسما حرص العرب عليه ليشهدوا منافع لهم.
وجاء الإسلام وما يزال الحج تمارس شعائره القديمة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشهد الموسم كعادة العرب، وبعد البعثة عرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكة يبلغهم الدعوة وكانت قلة من المسلمين تمارس الحج كميراث قديم ولم يكن فُرِض عليهم كما فرضت الصلاة فى مكة حتى هاجروا إلى المدينة وكانت الحروب هى التى حالت دون زيارتهم للبيت الحرام.
لقد قال بعض المؤرخين للتشريع: إن الحج الذى فرض بقوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: 97، كان فى السنة السادسة للهجرة، وعلى أثره قام النبى صلى الله عليه وسلم وجماعة معه بالسفر إلى مكة لأداء العمرة، فصدهم المشركون وكان صلح الحديبية، وقضى الرسول هذه العمرة فى السنة التالية.
وقاله جماعة: إن الحج لم يفرض إلا بعد السنة الثامنة حيث فتحت مكة وأمن الطريق الذى لم يكن آمنا قبل ذلك، وإنما كان فرضه فى السنة التاسعة حيث أوفد النبى صلى الله عليه وسلم بعثة الحج على رأسها أبو بكر رضى الله عنه، ليؤذن فى الناس يوم النحر ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وكانت هذه البعثة تمهيدا لحجة النبى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فى السنة العاشرة وهى الحجة الوحيدة التى حجها كما رواه مسلم وفيها نزلت آية {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة: 3، وأشهد الناس على أنه بلغ الرسالة، وأمرهم أن يبلغوها للعالم كله
(9/317)
________________________________________
النظافة فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن الحاج ممنوع من الاستحمام والتطيب حتى لو تغيرت رائحته بالعرق ونحوه، مع أن الإسلام دين النظافة؟

الجواب
روى البزار بسند صحيح أن عمر رضى الله عنه وجد ريح طيب من معاوية وهو مُحرم، فقال له. ارجع فاغسله، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحاج الشعث التفل ". والشعث من عليه أثر التراب من السفر، والتفل البعيد العهد بالماء، وقال النبى صلى الله عليه وسلم "أما الطيب الذى بك فاغسله عنك ثلاث مرات ".
وقال فيمن مات وهو محرم "لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا".
نعم الإسلام دين النظافة، سواء أكانت تخلية أم تحلية، تخلية بالغسل وإزالة الزوائد التى تتجمع معها الأوساخ، وتحلية بالطيب وسائر الروائح الزكية ونحوها.
ولكن الحاج فى أثناء إحرامه، وقد تكون مدته قصيرة جدا، ممنوع من التحلية بالروائح الطيبة لأنها من باب الكماليات.
والحج يقوم على التجرد منها والوقوف أمام الله بأقل ما يستر العورة، تشبها بما سيكون الناس عليه يوم يحشرون إلى ربهم {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} الأنعام: 94.
وقد جاء فى الأحاديث أن الله يباهى الملائكة بالواقفين على عرفة ويقول "انظروا إلى عبادى أتونى شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق ... ".
أما التخلية عن الأمور التى تضر الجسم وتضر بالرفاق والمجتمع الكبير فإن الإسلام أباح الاغتسال والتطهر أثناء الإحرام، ومنع العطور التى هى زائدة على النظافة العادية.
وقد ورد أن ابن عباس رضى الله عنهما دخل حمام الجحفة وهو محرم، فقيل له: أتدخل الحمام وأنت محرم ... ؟ فقال: إن الله ما يعبأ بأوساخنا شيئا.
وأخرج الجماعة إلا الترمذى أن أبا أيوب الأنصارى كان يغتسل بصب الماء عليه والتدليك. وقال هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل.
على أن الاغتسال والتطهر بوجه عام مشروط أو مندوب لعدة أعمال فى الحج.
فعن ابن عمر أنه قال: من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام، وإذا أراد دخول مكة. رواه البزار والدارقطنى والحاكم وصححه. وكذلك يسن الغسل للوقوف بعرفة.
والطيب جائز قبل الإحرام حتى لو امتد أثره إلى ما بعد الإحرام، ففى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: كأنى أنظر إلى وبيص الطيب -أى بريقه -فى مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
وعنها أيضا قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فننضح جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبى صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا. رواه أحمد وأبو داود.
وجوز الفقهاء استعمال الصابون وغيره من كل ما يزيل الأوساخ أثناء الإحرام.
وعند الشافعية والحنابلة يجوز أن يغتسل بصابون له رائحة، لأن المقصود به النظافة لا التطيب.
هذا، وكثير من الناس الذين فهموا النصوص خطأ يمتنعون عن الاغتسال وتغيير الملابس ويؤثرون البقاء على ما هم عليه حتى بعد انتهاء أعمال الحج وانتظار العودة إلى البلاد، ويظنون أن ذلك من الدين، مع ما قد يفوح منهم من رائحة كريهة، وبخاصة فى أيام الحر، وهم بذلك يخلقون مجالا لبعض الأمراض، إلى جانب إيذاء الغير بروائحهم الكريهة
(9/318)
________________________________________
لقطة الحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أثناء وجودى فى منى وجدت مبلغا من النقود نحو ثلاثين دينارا فأخذتها وقررت التصدق بها بعد عودتى لبلدى على أن أهب ثوابها لصاحبها فهل يجوز ذلك؟

الجواب
لقطة الحرم يحرم أخذها إلا لتعريفها فقد صح فى الحديث "إن هذا البلد حرمه الله تعالى، لا يلتقط لقطته إلا من عرفها" وجاء أيضا "لا يرفع لقطتها إلا منشدها" أى المعرف بها، قال العلماء فى بيان حكمة ذلك: إن حرم مكة مثابة للناس يعودون إليه المرة بعد المرة، فربما يعود مالكها من أجلها أو يبعث فى طلبها، فكأنه جعل ما له محفوظا عليه، كما غلظت الدية فيه. وقالوا:
من التقطها يلزمه الإقامة وعدم السفر وذلك للتعريف بها أو يدفعها إلى الحاكم إذا كان أمينا ليقوم بالتعريف عنها، ويوجد الآن جهاز خاص فى الحرم للأشياء المفقودة فيجب تسليمها إليه، ثم قال العلماء إن لم يسلمها إلى الحكومة لا يجب بعد معرفة علاماتها أن يحفظها، سواء أكانت حقيرة أم خطيرة، وتبقى وديعة عنده لا يضمنها إذا تلفت إلا بالتعدى، ثم ينشر خبرها فى مجتمع الناس بكل وسيلة، فإن جاء صاحبها وعرفها دفعت إليه، وإن لم يجيء عرفها الملتقط لمدة سنة، فإن لم يظهر صاحبها بعد سنة حل له أن يتصدق بها أو الانتفاع بها، هذا هو حكم المسألة ولك الخيار فى إرسالها إلى حكومة السعودية لتتولى التعريف عنها، أو التصرف فيها على ضوء ما علمت
(9/319)
________________________________________
أنواع الإحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أريد أن أؤدى الحج والعمرة معا فى سفرة واحدة فكيف أقوم بهما؟

الجواب
قال تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} البقرة: 196، فالحج واجب على كل مستطيع فى العمر مرة واحدة، كما أن العمرة واجبة عند الشافعى وأحمد وسنة عند أبى حنيفة ومالك.
وأعمال العمرة تؤدى داخل مكة، فهى طواف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ثم تحلل منها بحلق الشعر أو تقصيره، أما أعمال الحج فتؤدى فى مكة بالطواف والسعى والحلق، وخارج مكة بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة وبمنى ورمى الجمرات فيها.
والذى يقصد بيت الله فى أشهر الحج - شوال وذى القعدة وذى الحجة - ويريد أن يؤدى الحج والعمرة له أن يختار فى إحرامه إحدى الكيفيات التالية:
الأولى: أن ينوى أداء العمرة فقط، بعد أن يلبس ملابس الإحرام وقبل أن يصل إلى الميقات، فإذا وصل مكة طاف سبعا بالبيت ثم سعى سبعا بين الصفا والمروة، ثم حلق بعض شعره أو قصره.
وبهذا تمت عمرته، ويخلع ملابس الإحرام ويلبس ملابسه العادية ويتمتع بما كان محظورا عليه أثناء الإحرام، من مثل الطيب وقص الشعر والأظافر والاتصال الجنسى.
وعليه مقابل ذلك أن يذبح شاة، لقوله تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى} البقرة: 196.
وعندما يحين الخروج إلى عرفات يحرم بالحج من المكان الذى هو فيه بعد أن يلبس ملابس الإحرام، ثم يقف بعرفة ويفيض منها إلى المزدلفة بعد المغرب، ويمكث بها مدة بعد منتصف الليل، ثم يصبح يوم العيد فى منى ويرمى جمرة العقبة وهى الكبرى ثم يقص بعض شعره، وهنا يجوز له أن يخلع ملابس الإحرام ويلبس الملابس العادية ويمكث فى منى ثلاثة أيام لرمى الجمار، أو يذهب إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة يوم العيد، ثم يعود إلى منى ليبيت فيها ويرمى الجمرات وهذه الكيفية وهى تقديم العمرة على الحج فى أشهره تسمى بالتمتع.
الثانية: أن ينوى قبل الوصول إلى الميقات الإحرام بالحج فقط، وعند وصوله مكة يطوف طواف القدوم -وهو سنة-ويسعى بين الصفا والمروة إن أراد، ويمكث ملتزما للإحرام حتى يقف بعرفة ويتمم أعمال الحج بالمبيت بمزدلفة ورمى الجمرات والمبيت بمنى والطواف، والسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وبالحلق أو التقصير.
وهذه الكيفية من الإحرام تسمى الإفراد.
وبعد أن ينتهى من الحج يمكن أن يحرم بالعمرة من مسجد عائشة بالتنعيم، ويؤدى أعمالها المعروفة وليس عليه فى هذه الكيفية هدى.
الثالثة: أن ينوى الحج والعمرة معا فى إحرام واحد قبل الميقات، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم وسعى ووقف بعرفة وبات بالمزدلفة ورمى جمرة العقبة صباح يوم العيد ثم حلق -ثم طاف طواف الإفاضة وسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، ثم كمل أعمال الحج برمى الجمرات والمبيت بمنى، وهذه الكيفية من الإحرام تسمى "القران ". وفيها هدى كهدى التمتع، لأنه طاف طوافا واحدا - سبعة أشواط - وسعى سعيا واحدا-سبعة أشواط -عن الحج والعمرة معا. ففى مقابل راحته بعدم تكرر الطواف والسعى يلزمه الهدى.
والإنسان حُرّ فى أن يختار أية كيفية من هذه الكيفيات، حسب ظروفه وحالته الصحية أو المالية أو غيرها، والمهم أنه أدى النسكين فى رحلة واحدة، وبرئت ذمته من أداء الواجب وإن كان الفقهاء اختلفوا فى أيها أفضل بناء على اختلافهم فى حج الرسول وإن صحح بعضهم أنه كان قارنا لأنه ساق الهدى فذهبت الشافعية إلى أن الإفراد والتمتع أفضل من القران، لأن المفرد والمتمتع يأتى بكل من النسكين بكمال أفعاله، أما القارن فيقتصر على عمل الحج وحده. وفى التفاضل بين التمتع والإفراد قولان.
والحنفية قالوا: القرآن أفضل من التمتع والإفراد، والتمتع أفضل من الإفراد.
والمالكية قالوا: الإفراد أفضل من التمتع والقران.
والحنابلة قالوا: التمتع أفضل من القران ومن الإفراد، لأنه الأيسر، وقد تمناه النبى صلى الله عليه وسلم لما رواه مسلم عن جابر أن أصحاب النبى فى حجهم معه أحرموا بالحج وحده، أى مفردين، فلما كان صبح الليلة الرابعة من ذى الحجة أمرهم أن يحلوا من الإحرام وأباح لهم أن يأتوا نساءهم قبيل الوقوف بعرفة، ثم خطب فيهم فقال: " قد علمتم أنى أتقاكم وأصدقكم وأبركم، ولولا هديى لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أَسُقِ الهدى، فحلوا " فحللنا وسمعنا وأطعنا
(9/320)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:00 am

خطبة الوداع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى خطبة الوداع، وهل كانت فى عرفة أم فى منى؟

الجواب
النبى صلى الله عليه وسلم كان له أكثر من خطبة فى حجة الوداع، فقد خطب فى مكة وفى عرفة وفى منى، بيَّن فيها مناسك الحج كما بيَّن الأصول العامة للدين، ونبَّه على التمسك بالشريعة كآخر وصية له فى هذا الجمع الحاشد. وفى يوم عرفة خطب فى وادى عرنة وكان فيما قال:
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، ألا إن كل شىء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع ... فاتقوا الله فى النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدى إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عنى فماذا أنتم قائلون؟ قالوا:
نشهد أنك قد بلَّغت وأدَّيت ونصحت: فأشار بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس - أى يرددها ويقلبها، وهو يقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد.
وخطب فى منى يوم النحر خطبة أكَّد فيها ما خطبه فى عرفة، وبيَّن أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، فالسنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم.. . وقال فيها " ألا لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا فليبلّغ الشاهدُ منكم الغائبَ، فَرُبَّ مبلغ أوعى من سامع ".
هذا ما ورد من الخطبة فى الأحاديث الصحيحة، وقد عنى بدراستها علماء الدين، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتب الحديث
(9/321)
________________________________________
كم حج النبى صلى الله عليه وسلم واعتمر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل حج النبى صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع؟

الجواب
الحج كان معروفا عند العرب من أيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمروا يحجون حتى جاء الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم - وهو المولود فى مكة والناشىء فيها إلى أن بعث وهاجر كان يمارس ما تمارسه العرب من الشعائر الباقية من دين إبراهيم، على الرغم مما حدث فى بعضها من تغيير، كوقوف جماعة منهم يوم عرفة فى الحرم وليس فى عرفة لأنها فى الحل، والنسىء الذى أخروا به الحج عن موعده الحقيقى، ولما جاء الإسلام كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالناس فى موسم الحج ليبلغهم الدعوة فى منى ثلاث سنين متوالية "الزرقانى على المواهب ج 3 ص 105 ".
يقول القرطبى فى تفسيره "ج 4 ص 143 ": كان الحج معلوما عند العرب مشهورا لديهم، وكان مما يرغب فيه لأسواقها وتبررها وتحنفها- أى الطاعة والعبادة-فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا، وألزموا بما عرفوا. وقد حج النبى صلى الله عليه وسلم قبل حج الفرض، وقد وقف بعرفة ولم ينير من شرع إبراهيم ما غيروا. حين كانت قريش تقف بالمشعر الحرام ويقولون:
نحن أهل الحرم فلا نخرج منه، ونحن الحمس -المتشددون فى الدين.
ولكن الحج فرض فى الإسلام بقوله تعالى {ولله على للناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: 97، وكان ذلك فى السنة السادسة أو التاسعة للهجرة، ولم يحج الرسول عليه الصلاة والسلام بعد فرض الحج إلا حجة واحدة هى حجة الوداع. يقول القرطبى: من أغرب ما رأيته أن النبى صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة مرتين، وأن الفرض سقط عنه بذلك لأنه قد أجاب نداء إبراهيم حين قيل له {واذن فى الناس بالحج} الحج: 27، وهذا بعيد.
وفى شرح الزرقانى على المواهب للقسطلانى "ج 3 ص 105" أن ابن سعد قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج غير حجة الوداع منذ تنبأ إلى أن توفاه الله تعالى، ولكن ابن حجر فى "الفتح " قال: إنه حج قبل أن يهاجر مرارا، بل الذى لا ارتياب فيه أنه لم يترك الحج وهو بمكة قط وأخرج الترمذى عن جابر أنه حج بمكة حجتين قبل الهجرة، وأخرج ابن ماجه والحاكم أنه حج قبل أن يهاجر ثلاث مرات، وهو مبنى-كما يقول ابن حجر- على مقابلته للأنصار بالعقبة، وهذا بعد النبوة، أما قبل النبوة فلا يعلم عدد حجه إلا الله. وكل ذلك استصحاب للأصل الذى درج عليه العرب من أيام إبراهيم عليه السلام.
وأما عدد عُمره صلى الله عليه وسلم فيعلم من الكلام عن عدد حججه، وهى من اليسر بحيث يحرص عليها، فهى طواف وسعى وحلق، دون حاجة إلى أماكن أخرى ومشاعر خارج مكة، والذى وردت به الروايات كان بعد الإسلام وبعد الهجرة، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه بسند رجاله ثقات عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، عمرة الحديبية- التى أحصر فيها - وعمرة القضاء - لعمرة الحديبية-والثالثة عمرة من الجعرانة والرابعة مع حجته
(9/322)
________________________________________
الميقات الزمانى للحج والعمرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الميقات الذى يمكن للإنسان فيه أن يحرم بالحج؟

الجواب
قال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج} البقرة:
189، {الحج أشهر معلومات} البقرة 197، الحج عبادة كالصلاة والصوم، له ميقات يؤدى فيه، ولا يصح قبله ولا بعده. وقد أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج: شوال وذو القعدة، واختلفوا فى ذى الحجة هل هو بكماله من أشهر الحج، أو عشرة منه فقط، والصحيح أن الشهر كله من أشهر الحج، لأن رمى الجمرات فى منى يكون بعد العشر، وكذلك طواف الإفاضة يمكن أن يؤدى فى الشهر كله بلا خلاف.
ولو أحرم الإنسان بالحج قبل دخول شهر شوال، لا يصح حجه، قال بذلك ابن عباس وابن عمر وجابر، وذهب إليه الشافعى، ورأى أبو حنيفة ومالك وأحمد صحة الإحرام مع الكراهة، ورجح الشوكانى الرأى الأول التزاما بالميقات كالصلاة.
هذا فى الحج أما العمرة فليس لها ميقات زمنى معين، فكل أشهر السنة ميقات لها
(9/323)
________________________________________
الميقات المكانى للحج والعمرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى المواقيت التى لا يمر عليها الإنسان الذى يقصد الحرم المكى للنسك إلا وهو محرم؟

الجواب
لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت، فجعل لأهل المدينة ومن يمر عليها "ذا الحليفة" وهو موضع بينه وبين مكة 450 كيلو متر، ويعرف بأبيار على، وجعل لأهل الشام ومن فى طريقهم "الجحفة" وهى فى الشمال الغربى من مكة، بينه وبينها 187 كيلو متر، وهى قريبة من "رابغ " بينها وبين مكة 204 كيلو متر. وقد صارت ميقات أهل مصر والشام ومن يمر عليها بعد ذهاب معالم الجحفة.
وجعل ميقات أهل نجد "قرن المنازل " وهو جبل شرقى مكة يطل على عرفات، بينه وبين مكة 94 كيلو متر. وجعل ميقات أهل اليمن "يلملم " وهو جبل جنوبى مكة بينه وبينها 54كيلو متر. وجعل ميقات أهل العراق "ذات عرق " وهى موضع فى الشمال الشرقى لمكة بينه وبينها 94 كيلو مترا.
هذه هى المواقيت التى عينها الرسول صلى الله عليه وسلم وقال فيها "هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن لمن أراد الحج أو العمرة" أى أن هذه المواقيت هى لأمل هذه البلاد ولمن مر بها، ومن كان بمكة وأراد الحج فميقاته منزله، ومن كان فى مكان لا يمر بهذه المواقيت، أى بين مكة 366 والمواقيت فميقاته من مكانه، ومن كان فى جهة غير جهة هذه المواقيت كأهل السودان مثلا الذين يمرون بجدة فهو حر يحرم فى أى ميقات، أو من حيث شاء برا وبحرا وجوا كما قال ابن حزم، ومن أحرم قبل مروره بهذه المواقيت صح إحرامه.
وهى أيضا مواقيت لمن يريد العمرة، إلا أهل مكة فميقاتهم أدنى الحل، يخرج من مكة ويحرم من هناك، وأقربه هو "التنعيم " أو مسجد السيدة عائشة.
ومن تجاوز الميقات دون إحرام وجب عليه أن يعود ليحرم منه وإلا وجب عليه دم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
هذا، وفى فقه الشافعية أن من سلك طريقا لا تنتهى إلى ميقات أحرم من محاذاته، فإن حاذى ميقاتين أحرم من محاذاة أقربهما إليه، فإن استويا فى القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة.
وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلتين من مكة، أى مسافة قصر "حوالى 80 ك. م "- الخطيب على أبى شجاع ج 1 ص 220
(9/324)
________________________________________
الحج على الفور أو التراخى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى أحد الأعوام كان عندى ما يكفينى للحج زائدا على كل ما أحتاجه، ولكن شغلت ببعض الأعمال فأخرت الحج ثلاث سنوات ثم حججت.
فهل علىَّ إثم فى التأخير؟

الجواب
ذهب بعض العلماء إلى أن الحج واجب على الفور، وذهب بعضهم إلى أن وجوبه على التراخى، ومن القائلين بالفورية: أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعى، وأبو يوسف من أصحاب أبى حنيفة فى رواية عنه، ومن القائلين بالتراخى الإمام الشافعى، ومحمد بن الحسن من أصحاب أبى حنيفة، وهو تحصيل مذهب مالك فيما ذكر ابن خويز منداد- كما فى تفسير القرطبى "ج 4 ص 144 " أدلة الفورية قوله صلى الله عليه وسلم "من أراد الحج فليعجِّل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة" أى الفقر، رواه أحمد والبيهقى وابن ماجه. وقوله "تعجلوا الحج، فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له " رواه أحمد والبيهقى وقال "ما يعرض له من مرض أو حاجة" وأدلة التراخى أن الحج فرض فى السنة الثالثة التى نزلت فيها سورة آل عمران وبها آية وجوب الحج أو فى السنة السادسة ولم يحج النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى السنة العاشرة. يقول الشافعى: فاستدللنا على أن الحج فرضه مرة فى العمر، أوله البلوغ وآخره أن يأتى به قبل موته وكذلك من الأدلة حديث ضمام بن ثعلبة السعدى الذى قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام فذكر فيه الحج، وكان قدومه سنه خمس أو سبع أو تسع.
ورد القائلون بالفورية على ذلك بأن من شروط وجوب الحج الأمن، ولم يتوافر الأمن للرسول وأصحابه بعد صلح الحديبية فى السنة السادسة إلا فى السنة العاشرة، فبمقتضى الصلح لم يسمح بزيارة البيت إلا فى السنة السابعة لقضاء العمرة التى لم يتمكن منها فى السنة السادسة، وفى السنة الثامنة كان الفتح فى رمضان وشغل الرسول بحرب من هم قريبون من مكة، وفى السنة التاسعة أرسل أبا بكر على الحج لتهيئة البيت بإعلان منع المشركين من الحج بعد هذا العام ليحج الرسول فى السنة العاشرة ويخطب خطبة الوداع، مع اصطحاب زوجاته معه.
كما رد القائلون بالتراخى على أدلة الآخرين بأنها تحتمل الترغيب فى المبادرة لا تحريم التأخير، ويظهر أثر الرأيين فى أن من قدر على الحج ولم يحج كان آثما على القول بالفورية لو مات قبل أن يحج، وليس آثما على القول بالتراخى، مع الاتفاق بين الرأيين على أن من مات ولم يحج مع قدرته على الحج وجب أن يحج عنه غيره. ومع الاتفاق على أن من حج بعد التأخير لا يكون قاضيا لما فاته بل مؤديا
(9/325)
________________________________________
الحج المشروط

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عزمت على الحج وأحرمت به،وفى أثناء الطريق عرض لى عارض يحول دون إتمام الإحرام، فهل يلزمنى الاستمرار على الرغم من ذلك، أو يجوز لى التحلل من الإحرام؟

الجواب
جاءت فى كتب الفقه صورة من الإحرام تفيد فى مثل العوارض التى تعترض الحاج ولا تمكنه من إتمام حجه، وهى الإحرام مع الشرط، بمعنى أن يقول:
أحرمت لله بالحج وإذا مرضت تحللت منه، أو إذا فقدت النفقة أو حدث حادث معين، فهنا يجوز له التحلل من الإحرام عند وجود هذا الشرط، وإذا لم يشترط فى التحلل أن يكون بهدى فلا يلزمه الهدى.
وهذا التحلل يجوز قبل الوقوف بعرفة وبعده، ويكون التحلل بحلق شعره أو تقصيره مع نية التحلل، والدليل على ذلك ما رواه الشيخان عن عائشة رضى الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير- بضم الضاد وفتح الزاى-وهى بنت عمه. فقال لها "أردت الحج "؟ فقالت: والله ما أجدنى إلا وجعة، فقال "حجى واشترطى وقولى: اللهم محلى حيث حبستنى" والمرض حبس عن إتمام النسك. ولو قال الإنسان: أحرمت بالحج فإذا مرضت فأنا حلال صار حلالا بنفس المرض من غير نية تحلل ولا هدى.
هذه الصورة فيما إذا شرط التحلل عند الإحرام، أما من طرأ عليه عذر ومنعه من إتمام الحج ولم يكن قد شرط ذلك فله موضع آخر فى الحديث عنه، والعمرة فى هذا كالحج.
وهذا الحكم قال به الإمام أحمد والشافعى، ولم يقل أبوحنيفة ومالك بجواز الاشتراط فى الإحرام، بناء على قول عبد الله بن عمر، لكن البيهقى قال:
لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الاشتراط كما ينكره أبوه.
وقال المانعون: حديث ضباعة قصة عين مخصوصة بها، لكن أين الدليل على الاختصاص؟ "نيل الأوطار للشوكانى ج 4 ص 324"
(9/326)
________________________________________
الموالاة فى الطواف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعد ثلاثة أشواط فى الطواف تعبت فجلست للراحة ثم كملت الطواف.
فهل يصح ذلك أو لا بد من استئنافه من الأول.
وما الحكم إذا انتقضى الوضوء أثناء الطواف، هل يبطل ما فات، أم يجوز أن يبنى عليه لو تطهر؟

الجواب
موالاة السعى بين الأشواط فى الطواف شرط لصحته عند مالك وأحمد، فإذا كان هناك فاصل يسير لغير عذر فلا يضر، وإن كان كبيرا فإن كان بعذر فلا يضر، أما إن كان بغير عذر بطل الطواف.
أما الموالاة عند الحنفية والشافعية فهى سنة، فلو كان هناك فاصل طويل بغير عذر لا يبطل الطواف، ويبنى على ما فات. ويدل عليه ما رواه سعيد بن منصور عن حميد بن زيد قال: رأيت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما طاف بالبيت ثلاثة أطواف أو أربعة، ثم جلس يستريح، وغلام له يروح عليه، فقام فبنى على ما مضى من طوافه.
هذا، وإذا كان من شروط صحة الطواف الطهارة فلو أحدث فى أثناء الطواف خرج وتوضأ ثم يدخل المطاف ويبنى على ما فات ليكمل الطواف، ولا يجب عليه الاستئناف وإن طال الفصل. وهذا ما رآه الشافعية والحنفية.
ومما يؤكد أن الفصل بين أشواط الطواف لا يضر أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يطوف بالبيت فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم، ثم قام فبنى على ما مض من طوافه وعطاء بن أبى رباح كان يقول -فى الرجل يطوف بعض طوافه ثم تحضر صلاة الجنازة-يخرج ليصلى عليها ثم يرجع فيقضى ما بقى من طوافه.
يرى الحنفية أن الطهارة من الحدث ليست شرطا لصحة الطواف، وإنما هى واجب يجبر بدم لو طاف محدثا، ولو كان جنبا أو حائضا صح الطواف ووجب دم هو بدنة، وعليه الإعادة ما دام بمكة. وقال بعض أصحابه:
الطهارة سنة، والصحيح أنها شرط لحديث: مسلم: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لما حاضت "افعلى ما يفعل الحاج غير ألا تطوفى بالبيت " أما الطهارة من النجاسة فى الثوب والبدن فهى سنة عندهم أيضا، ويصح الطواف مع النجاسة ولا حاجة إلى ذبح شاة
(9/327)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:00 am

الموالاة فى السعى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سعيت بين الصفا والمروة أربع مرات ثم شعرت بالتعب فجلست للاستراحة فهل يجب علىَّ أن أبدأ السعى من الأول، أو يجوز أن اكمل ما بقى علىَّ؟ . ولو حدث أن انتقض وضوئى أثناء السعى، هل بطل ما فعلته، ويجب علىّ السعى من جديد بعد الطهارة؟

الجواب
الموالاة بين أشواط السعى بين الصفا والمروة سنة عند جمهور الفقهاء، وليست شرطا لصحة السعى، فلا مانع من الاستراحة بين الأشواط، والإتيان بما بقى بعد ذلك. والإمام مالك فقط هو الذى قال: إن الموالاة فى السعى شرط لصحته، ويعفى عن الفاصل القصير، أما الطويل فيضر وبخاصة إذا لم يكن عذر، وعند العذر لا يضر كالطواف. روى سعيد بن منصور أن سودة بنت عبد الله بن عمر زوج عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها فى ثلاثة أيام، وكانت ضخمة.
وإذا انتقض الوضوء أثناء السعى فلا يضر، لأن الطهارة ليست شرطا لصحة السعى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يمنع عائشة حين حاضت إلا من الطواف كما رواه مسلم. وروى سعيد بن منصور أن عائشة وأم سلمة - من أمهات المؤمنين - قالتا: إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة. فالطهارة سنة وليست واجبة.
وروى سعيد بن منصور أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يطوف بين الصفا والمروة، فأعجله البول، فتنحى ودعا بماء فتوضأ، ثم قام فأتم على ما مض.
لا تشترط الموالاة بين الطواف وبين السعى بين الصفا والمروة جاء فى فقه السنة ج 1 ص 713: قال فى المغنى قال أحمد: لا بأس أن يؤخر السعى حتى يستريح، أو إلى العشى. وكان عطاء بن أبى رباح والحسن البصرى لا يريان بأسا لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر السعى بين الصفا والمروة إلى العشى، وفعله القاسم وسعيد بن جبير، لأن الموالاة إذا لم تجب فى السعى نفسه ففيما بينه وبين الطواف أولى
(9/328)
________________________________________
الجهل والنسيان فى محظورات الإحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم من ارتكب شيئا من محظورات الإحرام جهلا أو نسيانا؟

الجواب
جاء فى كتاب الإقناع للخطيب شرح متن أبى شجاع فقه الشافعية "ج 1 ص 233 " قاعدة بخصوص ارتكاب محظور من محظورات الإحرام فى حالة الجهل والنسيان، تقول: ما كان إتلافا محضا كالصيد وجبت الفدية فيه مع الجهل والنسيان.
وما كان استمتاعا أو ترفها كالطيب واللبس فلا فدية فيه مع الجهل والنسيان، وما كان فيه شائبة من الجانبين كالجماع والحلق والقلم ففيه خلاف، والأصح فى الجماع عدم وجوب الفدية مع الجهل والنسيان، وفى الحلق والقلم الوجوب معهما.
وسيأتى توضيح لذلك إن شاء الله
(9/329)
________________________________________
نقل تراب من الحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تقول سيدة: أتيحت لى الفرصة فحصلت على جزء من التراب الموجود داخل المقصورة التى حول قبر النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنا محتفظة به، فقيل لى إنه حرام فماذا أفعل؟

الجواب
جاء فى "كفاية الأخبار ج 1 ص 211 " فى فقه الشافعية أنه يحرم نقل تراب الحرم وأحجاره إلى الحل - أى خارج الحرم - وكذا حرم المدينة، قاله النووى فى شرح المهذب فى أواخر صفة الحج وجزم به، إلا أنه نقل عن الأكثرين فى محظورات الإحرام أنه يكره، يعنى تراب المدينة وأحجارها، قال الإسنائى: نص الشافعى فى "الأم " على المسألة وقال: إنه يحرم، فالفتوى عليه.
وجاء مثل ذلك فى الإقناع للخطيب "ج 1 ص 232" وأوجب رده إلى الحرم، بخلاف ماء زمزم فإنه يجوز نقله وذكر الشيخ عوض فى الحاشية أن أبا حنيفة أجاز نقل التراب للتبرك فينبغى تقليده.
ونقول للسائلة: لا بأس بالأخذ بالقول بالكراهة، ولا حرمة فى الاحتفاظ بهذا التراب ولا بأس أيضا بالأخذ برأى أبى حنيفة فى الجواز
(9/330)
________________________________________
باب الكعبة مرتفع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك سر فى أن باب الكعبة يكون مرتفعا عن الأرض؟

الجواب
جاء فى الأحكام السلطانية-للماوردى "ص 165 " أن باب الكعبة كان فى الأرض فلما رأت قريش تجديد بنائها قال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم ارفعوا باب الكعبة حتى لا تُدْخَل إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فيسقط، فكان نكالا لمن رآه، ففعلت قريش ذلك. وجاء فى صحيح مسلم بشرح النووى"ج 9 ص 96 " أن عائشة رضى الله عنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن سبب ارتفاع باب الكعبة فقال "فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديث عهدهم فى الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر - حجر إسماعيل - فى البيت وأن ألزق بابه بالأرض " وفى بعض الروايات "ولجعلت لها بابين موضوعين فى الأرض شرقيا وغربيا، وهل تدرين: لم كان قومك رفعوا بابها؟ " قالت: قلت: لا، قال "تعززا ألا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقى، حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط "
(9/331)
________________________________________
العمرة فى رمضان

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أتيحت لى الفرصة فقمت بعمل عمرة فى شهر رمضان، هل صحيح أنها تغنى عن الحج؟

الجواب
روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "عمرة فى رمضان تعدل حجة " وفى رواية "تعدل حجة معى". ولا يسأل عن حكمة هذا الثواب فذلك فضل من الله، والله واسع عليم، وهو سبحانه يرغِّب فى أداء العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج فى الحرم الشريف، فثواب الطاعة فيه مضاعف.
ومثل ذلك ما ورد من أن الصلاة الواحدة فى المسجد الحرام بمكة تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، فلا يجوز أن يتبادر إلى الذهن أن صلاة يوم فيه تغنى عن صلاة مائة ألف يوم، ولا داعى للصلاة بعد ذلك، فالعدل أو المساواة هنا هى فى الثواب فقط. فلا تغنى العمرة عن الحج أبدا.
ومثل ثواب العمرة فى رمضان ما رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب، عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من صلى الصبح فى جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة" قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تامة تامة" وروى الطبرانى مثله عن أبى أمامة، وقال المنذرى: إسناده جيد. ورواه عن ابن عمر بروات ثقات الا واحدا ففيه كلام، وللحديث شواهد كثيرة "الترغيب والترهيب ج 1 ص 125، 126 ".
فالمراد من هذه الأحاديث الترغيب فى الثواب، وليس جواز الاكتفاء بفريضة عن فريضة
(9/332)
________________________________________
نفقات حج الزوجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الزوج ملزم بأن يدفع تكاليف أداء زوجته لفريضة الحج، ولمن تكون الأولوية إذا توفر مع الزوج مال يكفى لقيام فرد واحد بأداء الفريضة، وهل له أن يأخذ من مالها ليؤدى فريضة الحج؟

الجواب
1- لا يلزم الزوج لزوجته إلا بنفقتها الممثلة فى الطعام والكسوة والمسكن، مع اختلاف العلماء فى نفقة العلاج وفى توفير خادم وتجهيز الموت، أما أن يدفع تكاليف حجها فليس بواجب عليه، فالحج فرض على القادر المستطيع، فإن كانت تملك مالا يكفى للحج وجب عليها الحج من مالها هى، ولا يلزم الزوج بدفع أى شىء لها، ولا يعاقب على التقصير، أما إن تبرع بذلك فهو خير، وله ثواب إن شاء الله، وهو من المعاشرة بالمعروف والتعاون على الخير.
2- إذا لم يوجد مع الزوج إلا مال يكفى أن يحج به فرد واحد فهو المقدم طبعا، ويجب عليه الحج لأول مرة، وكذلك إذا احتاجه لنفقته هو وحده، والحديث واضح فى ذلك "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " رواه البخارى ومسلم. وفى صحيح مسلم عن حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شىء فلأهلك، فإن فضل شىء فلذى قرابتك ".
3- إذا كان للزوجة مال خاص ورثته عن أهلها أو ملكته من أية جهة كانت فهو حق خالص لها، ويجب عليها الحج منه لأول مرة، ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئا منه ليحج إلا بإذنها ورضاها، قال تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء: 4 وقال {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} النساء: 120 وإذا كان هذا فى الصداق الذى دفعه لها فبالأولى لا يجوز أن يأخذ منها شيئا لم يأت عن طريقه هو لكن لو استعان بمال الزوجة على سبيل الهبة أو القرض ليحج فلا مانع منه ولها ثواب مساعدتها لزوجها على الحج
(9/333)
________________________________________
بيع الأرض للحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل له أرض مملوكة تكفى غلتها حاجته وحاجة من تلزمه نفقته ولا يفضل منها شىء وإذا باعها يمكنه الحج بثمنها ويكفى الباقى حاجة عياله مدة ذهابه إلى الحج وعودته، فهل يجب عليه أن يبيعها ليحج؟

الجواب
أجاب النووى فى فتاويه "المسألة 110 " أن الأصح فى مذهب الشافعى رضى الله عنه وجوب الحج عليه والحالة هذه ومثله من له رأس مال يتجر فيه.
لكن هل يعود الرجل من الحج ليتسول؟ لقد رأى كثير من العلماء أن رأس المال الذى يكفيه حاجته وحاجة من تلزمه نفقته لا يجوز إنفاقه كله لأداء فريضة الحج، فإن ذلك سيترتب عليه ضرر كبير له ولمن يعوله، فمثل هذه الحالة تدخل فى عدم الاستطاعة فهو مسئول عن نفسه، وأهله، والتقصير فى ذلك منهى عنه أشد النهى. لقد قال الحنفية والمالكية مثل ما قال الشافعية ولكن أحمد اشترط أن يكون الفاضل عن نفقة الحج يكفى عياله على الدوام، "الفقه على المذاهب الأربعة" وإن كان "المغنى" فيه ما يفيد أن رأيه كرأى الأئمة الثلاثة وعليه فلا يجوز له أن يبيع أرضه التى هى المصدر الوحيد لرزقه ليحج، لأنه سيعود معدما. هو رأى أميل إليه لأنه يتفق مع روح الشريعة الإسلامية التى لا تحب لأهلها أن يعيشوا فقراء ضعافا، وقد شرطت فيها الاستطاعة التى يجب أن تفسر بما يتفق والشريعة، وأين هذا من قول النبى صلى الله عليه وسلم "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه " وقوله "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " رواه ابن حبان فى صحيحه.
وقوله "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " رواه أبو داود وغيره وصححه
(9/334)
________________________________________
تكرار العمرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للحاج أن يؤدى أكثر من عمرة وهو فى الموسم؟

الجواب
روى الترمذى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "تابعوا بين الحج والعمرة" قال بعض شراح الحديث: فيه دلالة على الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال: يكره أن يعتمر فى السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال: يكره أكثر من مرة فى الشهر.
واستدل المالكية على كراهة التكرار فى العام بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة. لكن يرد عليه بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يترك الشىء وهو يستحب فعله، وذلك لدفع المشقة عن أمته. وقال القاسم: إن عائشة اعتمرت فى سنة ثلاث مرات. فسئل هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال: سبحان الله أم المؤمنين؟ يعنى: هل يعيب عليها أحد ذلك، وهذا مذهب جمهور الفقهاء فى عدم الكراهة.
وهذا ظاهر فى تكرار العمرة لنفسه، ولو أراد أن يهب ثواب العمرة للأموات فلا مانع من ذلك أبدا، وكل قربة يهب الإنسان ثوابها إلى الميت يرجى انتفاعه بها، ولم يرد ما يمنعه
(9/335)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:01 am

تأجير بيوت مكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قرأنا فى بعض الكتب أن بيوت مكة لا يجوز بيعها ولا تأجيرها فهل هذا صحيح؟

الجواب
اختلف الفقهاء فى بيع دور مكة وإجارتها، فمنع أبو حنيفة بيعها وأجاز إجارتها فى غير أيام الحج، ومنع البيع والإجارة فى أيام الحج، محتجا بما رواه الأعمش عن مجاهد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "مكة حرام، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها".
وذهب الشافعى إلى جواز بيعها وإجارتها، وحجته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر أهل مكة عليها بعد الإسلام، ولم يغنمها ولم يعارضهم فيها، وقد كانوا يتبايعونها قبل الإسلام وكذلك بعده، فدار الندوة وهى أول دار بنيت بمكة صارت بعد قصى لعبد الدار بن قصى، وابتاعها معاوية فى الإسلام من عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد الدار بن قصى، وجعلها دار الإمارة وكانت من أشهر الدور فما أنكر بيعها أحد من الصحابة، وابتاع عمر وعثمان رضى الله عنهما الزيادات التى ضماها إلى المسجد وتملَّك أهلها أثمانها، ولو حرم ذلك لما بذلاه من أموال المسلمين، ثم جرى العمل به فكان إجماعا.
ورواية مجاهد مع أنها مرسلة -سقط منها الصحابى- تحمل على أنه لا يحل بيع رباعها على أهلها، تنبيها على أنها لم تغنم فتملك عليهم، فلذلك لم تبع، وكذلك حكم الإجارة.
من هذا نعلم أن جواز بيع دور مكة وإجارتها أمر مجمع عليه، والعمل عليه إلى الآن "الأحكام السلطانية للماوردى ص 164 "
(9/336)
________________________________________
الإنابة فى الطواف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أصابنى مرض بعد الوقوف بعرفة لم أستطع معه أن أطوف طواف الإفاضة، فهل يمكن أن ينوب عنى أحد فيطوف بدلى؟

الجواب
طواف الإفاضة الذى يكون بعد الوقوف بعرفة هو ركن أساسى لا يصح الحج بدونه، ولا يجزئ عنه دم ولا غيره، ووقته ممتد فيمكن للإنسان أن يأتى به حتى لو انتهى شهر ذى الحجة، ولا يلزم بتأخيره دم ولا غيره كما قال بعض الفقهاء. وجعل الله أداءه ميسورا حتى على ذوى الأعذار غير القادرين على المشى، فيجوز الطواف من ركوب، كما يشاهد الآن فيمن يطاف بهم راكبين على "محفات " وعلى هذا فلا يجوز للمريض أن ينيب عنه غيره ليطوف ما دام يستطيع أن يطاف به محمولا ودليله أن أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها لما قدمت مكة مرضت، فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال لها - كما رواه الجماعة إلا الترمذى-"طوفى من وراء الناس وأنت راكبة" وورد فى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف فى حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن -عود معقوف الرأس- ولم أجد نصًّا صريحا يجيز للمريض أن ينيب عنه غيره للطواف، مثل ذلك مثل الوقوف بعرفة، لا يوجد عذر يبيح الإنابة فيه. فهو مستطاع على أية حال، كالصلاة تؤدى من قيام أو قعود أو اضطجاع أو إيماء، لا ينوب فيها أحد عن أحد.
ولا يصح أن يقاس الطواف على رمى الجمار، لأن هذا واجب يجبر بدم ولو ترك فالحج صحيح، فالنيابة فيه جائزة، لوجود نص فى ذلك وهو حديث جابر: حججنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم رواه أحمد وابن ماجه.
هذا، وهناك قول لعطاء بن أبى رباح يجيز النيابة فى الطواف قياسا على الإنابة فى الحج كله، فالإنابة فى بعض أركانه وواجباته جائزة من باب أولى.
لكن القياس مردود ما دام هناك نص لا يجيز الإنابة حيث كانت أم سلمة محتاجة إليها لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبحها لها وأمرها أن تطوف راكبة. والنيابة فى الحج كله هى للعاجز عنه لمرض يمنعه من السفر، أما من حضر فلابد من طوافه ولو محمولا
(9/337)
________________________________________
جبل الرحمة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يتزاحم الواقفون بعرفة من أجل الصعود على جبل الرحمة فهل هذا الصعود من متممات الوقوف، وهل له أصل من السنة؟

الجواب
الوقوف بعرفة هو الركن الأكبر فى الحج وجاء التعبير عن ذلك فى الحديث الشريف "الحج عرفة" رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "وعرفة كلها موقف" كما رواه مسلم.
أكد الرسول بقوله هذا أن الحج لا يصح بدون الوقوف بعرفة، وأن أى موضع منها يمكن الوقوف به، فقد كان الحمس المتشددون فى دينهم من قريش ومن تابعها يقفون بالمزدلفة لأنها فى الحرم ويتركون الوقوف بعرفة لعامة الناس لأنها فى الحل، فنزل فى ذلك قوله تعالى {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} البقرة: 199 أى من عرفة إلى المزدلفة، ولما حج الرسول حجة الوداع وخطب الناس فى نَمِرَة توجه الى جبل عرفة ووقف على الصخرات واستقبل القبلة وأخذ يدعو ربه.
وكثير من المسلمين يحاول تتبع آثار النبى صلى الله عليه وسلم ليقول مثل قوله ويعمل مثل عمله، ويحرص على الاقتداء به فى كل صغيرة وكبيرة، بناء على عموم قوله تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الأحزاب: 21 وهذا أمر طيب لكى ينبغى الفرق بين الاقتداء فى الواجبات والاقتداء فى المندوبات فالواجبات لابد من القدوة بها، أما المندوبات فتستحب القدوة إن أمكنت دون تكلف ومشقة ودون إضرار بالغير، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار.
والوقوف بعرفة عند الصخرات كما وقف النبى صلى الله عليه وسلم ليس واجبا وكذلك الصعود على جبل الرحمة فالوقوف يتم بدون ذلك، ولو وجب لكانت فيه مشقة فوق المشقة الأخرى فى التنقل بين المشاعر. يقول النووى: وما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف فى كل جزء من أرض عرفات، وأن الفضيلة فى موقفه صلى الله عليه وسلم عند الصخرات، فإن عجز عنه فليقرب منه بحسب الإمكان. [الزرقانى ج 8 ص 179]
(9/338)
________________________________________
كسوة الكعبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندما بنى سيدنا إبراهيم عليه السلام الكعبة هل تركها مكشوفة أو كساها وما حكم شراء أو حيازة قطعة من كسوة الكعبة؟

الجواب
أما كسوة الكعبة فقد قال ابن حجر فى "فتح البارى" إن هناك روايات فى تعيين أول من كساها، وتحصل من هذه الروايات ثلاثة أقوال، أنه إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام أو أنه عدنان أحد أجداد الرسول، أو تُبَّع وهو أسعد اليمنى المذكور فى بعض الروايات، وحاول أن يجمع بينها فقال: إن إسماعيل أول من كساها مطلقا بأى كساء، وإن عدنان أول من كساها بعده، وإن تبعا هو أول من كساها الوصائل وهى ثياب حبرة من عصب اليمن.
هذا فى الجاهلية قبل الإسلام، أما فى الإسلام فقال ابن حجر بناء على رواية الواقدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساها بالثياب اليمانية، ثم كساها عمر وعثمان بالقباطى المصرية ثم كساها الحجاج بالديباج، ثم تحدث حسين عبد الله باسلامة فى كتابه "تاريخ الكعبة المعظمة" عمن تولوا كسوتها بعد ذلك حتى الحرب العالمية 1914 م ودور مصر فيها حتى أنشئ لها معمل خاص فى السعودية "ص 229- 244".
وأما حكم بيع الكسوة أو اقتناء شىء منها فقد تحدث عنه الكتاب المذكور، وذكر أن البخارى ترجم فى صحيحه لكسوة الكعبة ولم يذكر إلا رأى عمر فى قسمة ما يتعلق بالكعبة، وأن الحافظ ابن حجر ذكر من رواية الفاكهى فى كتاب مكة أن شيبة الحَجْبى قال للسيدة عائشة رضى الله عنها: إن ثياب الكعبة تجتمع عندنا فتكثر فننزعها ونحفر أبيارا فنعمقها وندفنها لكيلا تلبسها الحائض والجنب، فقالت: بئسما صنعت، ولكن بعها فاجعل منها فى سبيل الله وفى المساكين، فإنها إذا نزعت عنها لم يضرمن لبسها من حائض أو جنب، فكان شيبة يبعث بها إلى اليمن فتباع له فيضعها حيث أمرته.
فيؤخذ من ذلك جواز بيع كسوة الكعبة واقتناء أجزاء منها، ما دام ثمنها يصرف لصالح الكعبة والأمر فى ذلك لولى الأمر، وهذا رأى جمهور الفقهاء "تاريخ الكعبة المعظمة ص 374-377 "
(9/339)
________________________________________
دخول الكعبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
بعض الحجاج يخافون من دخول الكعبة بل يتشاءمون من ذلك فهل هذا صحيح؟

الجواب
ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها، وكذلك أجلاء الصحابة وروى البخارى ومسلم عدة أحاديث فى ذلك، وقال النووى فى "الإيضاح": ويستحب دخول البيت حافيا وأن يصلى فيه، والأفضل أن يقصد مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخل البيت مشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذى قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع فيصلى، ثبت ذلك فى صحيح البخارى، وهذا بحيث لا يؤذى أحدا ولا يتأذى هو، فإن آذى أو تأذى لم يدخل.
وأما ثواب دخولها ففيه روايات مرفوعة وموقوفة، منها حديث "من دخل البيت فصلى فيه دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له" وقد اتفق الأئمة الأربعة على استحباب دخول البيت واستحسن مالك كثرة دخوله.
يعرف من هذا أنه لا حرج ولا تشاؤم من دخول الكعبة، وقد كان الناس يتزاحمون على الدخول قبل أن يرتفع الباب عن مستوى الأرض، ثم قل ذلك ونُظِّم، منعا للإيذاء واحتياطا لعدم وقوع ما يخل بحرمة الكعبة "تاريخ الكعبة المعظمة" ص 346- 361.
هذا ومن لم يستطع أن يدخل الكعبة للصلاة فيها صلى فى حجر إسماعيل، فقد روى أحمد بسند جيد أن عائشة رضي الله عنها قالت:
يا رسول الله، كل أهلك دخل البيت غيري، فقال "أرسلى إلى شيبة وهو ابن عثمان بن طلحة سادن الكعبة ومعه مفتاحها- فيفتح لك الباب" فأرسلت إليه فقال شيبة: ما استطعنا فتحه فى جاهلية ولا إسلام بليل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "صلى فى الحجر فإن قومك استقصروا عن بناء البيت حين بنوه " أى تركوا منه جزءا وهو الحجر، فالصلاة فيه صلاة فى البيت
(9/340)
________________________________________
حدود الحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل المواقيت المكانية للحج غير حدود الحرم، وما الذى يجب على من يدخل الحرم دون أن يكون مريدا للحج أو العمرة؟ وهل الحرم المدنى كالحرم المكى؟

الجواب
سبق فى ص 131 من المجلد الثانى حكم من يريد دخول الحرم المكى، هل يجب أن يدخل بإحرام أو لا يجب، كما سبق فى ص 266 من المجلد الرابع من هذه الفتاوى بيان المواقيت المكانية التى لا يجوز للمحرم أن يتعداها بدون إحرام، إلا وجب عليه دم. وحدود الحرم المكى غير المواقيت، فله حدود تحيط بمكة على مسافات غير متساوية، وقد نصبت عليها أعلام لمعرفتها، فحده من جهة الشمال "التنعيم" وبينه وبين مكة حوالى 6 كيلومترات، وحده من جهة الجنوب "أضاه" وبينها وبين مكة حوالى 12 كيلومترا، وحده من جهة الشرق "الجِعِرَّانة" بينها وبين مكة حوالى 16 كيلومترا، وحده من جهة الشمال الشرقى "وادى نخلة" وبينه وبين مكة حوالى 14 كيلومترا، وحده من جهة الغرب "الشفيسى" - الحديبية سابقا- وبينه وبين مكة حوالى15 كيلومترا.
قال محب الدين الطبرى: عن الزهرى عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال: نصب إبراهيم عليه السلام أنصاب -علامات- الحرم، يريه جبريل عليه السلام، أى أن الحدود توقيف من الله تعالى، ثم لم تحرك حتى كان " قُصىّ " أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم فجددها، ثم لم تحرك حتى كان النبى صلى الله عليه وسلم فبعث عام الفتح تميم بن أُسيد الخزاعى فجددها، ثم لم تحرك حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث أربعة من قريش هم: مخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر بن عوف، فجددوها، ثم جددها معاوية، ثم أمر عبد الملك بن مروان بتجديدها.
والحرم المكى له أحكام، منها ما جاء فى حديث متفق عليه بين البخارى ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة "إن هذا البلد حرام، ولا يعضد شوكه -وفى رواية "شجره" -أى لا يقطع- ولا يختلى خلاه -والاختلاء هو القطع، والخلا هو الرَّطب من النبات- ولا ينفَّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف واستثنى الإِذخر، وهو زرع كالحشيش له رائحة طيبة.
قال القرطبى: خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله تعالى من غير صنيع آدمى، فأما ما ينبت بمعالجة آدمى فاختلف فيه الجمهور على الجواز، وقال الشافعى: فى الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة، واختلفوا فى جزاء ما قطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبوحنيفة: يؤخذ بقيمته هدى، وقال الشافعى: فى العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة. قال ابن العربى: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعى أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها.
وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذى بطبعه، فأشبه الفواسق. ومنعه الجمهور، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار، وهو قياس مع الفارق، فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر.
والفواسق المذكورة جاءت فى حديث رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق فى الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب، والفأرة، والكلب العقور" وجاء فى رواية مسلم عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحية.
وأما حرم المدينة فجاء فيه حديث متفق عليه رواه البخارى ومسلم "المدينة حرم ما بين عِير إلى ثور" ورويا أيضا عن أبى هريرة قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتى المدينة، وجعل اثنى عشر ميلا حول المدينة حمى كما رويا أيضا حديث " إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها، وإنى حرمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة " كما رويا أيضا أنه أشرف على المدينة فقال " اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدِّهم وصاعهم ".
وفى مظاهر هذا التحريم جاء حديث البخارى " لا يُقطع شجرها ولا يُحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وفى حديث مسلم "ولا يختلى خلاها، ولا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح، ولا يصاد صيدها، ولا يقطع عضاهها".
واللابتان هما الجبلان، وعير اسم لحدهما، وثور قيل هو أحد أو جبل صغير بجواره، والعضاة كل شجر فيه شوك واحدها عضاهة وعضهة، وفى هذه المظاهر أو الأحكام قال الشافعى ومالك وأحمد وجمهور أهل العلم: إن للمدينة حرمًا كحرم مكة يحرم صيده وشجره، قال الشافعى ومالك: فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان، لأنه ليس بمحل نسك -أى حج وعمرة- فأشبه الحِمَى، وقال ابن أبى ذئب وابن أبى ليلى: يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية. وذهب أبو حنيفة وزيد بن على إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة، ولا تثبت له الأحكام من تحريم قطع الشجر وقتل الصيد، والأحاديث ترد على هذا الرأى، ودليله حديث قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبي عمير" ما فعل النُّغَنر يا أبا عمير" وأجيب عنه بأنه كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل.
هذان الحرمان وهما حرم مكة والمدينة، هما اللذان صحت فيهما الأحاديث، ويقال: إن هناك حرما ثالثا له هذه الأحكام وهو " وَجٌّ" بالطائف، وفيه خلاف يرجع إليه فى " نيل الأوطار ج 5 ص 37"
(9/341)
________________________________________
فضل مكة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اشتد الخلاف بين بعض من أهل العلم كانوا يعملون بالحجاز، في بيان الأفضل عند الله هل هو مكة أو المدينة، فهل من دليل يبين الحق فى ذلك؟

الجواب
إن المفاضلة بين شيئين تهمنا معرفتها إذا كنا سنستفيد منها فى ديننا أو دنيانا، وإلا كانت ضياعا للوقت والجهد نحن أحوج إليهما فى ظروفنا الحاضرة، والكتب القديمة تعرضت لذلك إما للترف الذهنى وإما للإِفادة فى العمل بناء على نصوص وردت، منها ما رواه أحمد وابن ماجه والترمذى وصححه عن عبد الله بن عَدِىِّ بن الحمراء أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزوَّرة فى سوق مكة "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أُخرجت منك ما خرجت" وروى مثله أو قريبا منه الترمذى عن ابن عباس، والحزورة بتشديد الواو المفتوحة أو بإسكان الزاى هى الرابية الصغيرة.
يقول الشوكانى " نيل الأوطار ج 5 ص 31" فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك استدل من قال: إنها أفضل من المدينة، قال القاضى عياض، إن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلقوا فى أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم. فقال أهل مكة والكوفة والشافعى وابن وهب وابن حبيب المالكيان، إن مكة أفضل، وإليه مال الجمهور، وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل.
ودليل الأولين هو الحديث المذكور، ودليل الآخرين حديث البخارى "ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة " مع حديث "موضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما فيها " وليس المراد أن هذا المكان من الجنة فعلا وإنما المراد أن الصلاة فيه تؤدى إلى الجنة، وذلك كحديث "الجنة تحت ظلال السيوف" أى أن الجهاد يوصل إلى الجنة.
ومما يرجح قول الجمهور فى فضل مكة حديث رواه أحمد وابن خزيمة والطبرانى والبيهقى وابن حبان فى صحيحه " صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة فى المسجد الحرام أفضل من صلاة فى مسجدى بمائة صلاة" وقد روى من طريق خمسة عشر صحابيا، فأفضلية المسجد لأفضلية المحل الذى هو فيه.
هذا، ويعجبنى فى هذا المقام ما ختم به الشوكانى الكلام عن هذا الموضوع حيث قال: واعلم أن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبى صلى الله عليه وسلم، والكل من فضول الكلام الذى لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام، وقد أفضى النزاع فى ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية، كاستدلال المهلب بن أبى صفرة على أفضلية المدينة بأنها هى التى أدخلت مكة وغيرها من القرى فى الإِسلام، فصار الجميع فى صحائف أهلها، وبأنها تنفى الخبث كما ثبت فى الحديث الصحيح، وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة، فالفضل ثابت للفريقين، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، وعن الثانى بأن ذلك إنما هو فى خاصٍّ من الناس ومن الزمان، بدليل قوله تعالى {ومن أهل المدينة مَردوا على النفاق} التوبة: 101 والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبى صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم على وطلحة، والزبير وعمار وآخرون، وهم من أطيب الخلق، فدل ذلك على أن المراد بالحديث ناس دون ناس، ووقت دون وقت، على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة، لا أنها فاضلة. انتهى.
وأؤكد كما بدأت الإجابة على عدم الإغراق فى الجدال فى مثل هذه الأمور التى لا تعود بفائدة واضحة على الفرد والمجتمع، وبخاصة فى مثل الظروف التى يعيشها المسلمون الآن ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى "الزرقانى على المواهب ج 1 ص 328".
إن التمادى فى الخلاف حول تفضيل شخص على شخص وأولويته بالتكريم خلق فى الأمة الإسلامية جماعة كبيرة لها حكمها القاسى على الكثرة الكاثرة من المسلمين، وتتعايش معها كما يتعايش أهل الأديان التى قال الله فيها {وقالت اليهود ليست النصارى على شىء وقالت النصارى ليست اليهود على شىء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} البقرة: 113.
إن الماضى بما فيه من خلاف يجب أن ننساه ونتوحد لمواجهة التحديات التى تكتلت الأعداء لضرب المسلمين بها بكل الأسلحة التى لم يفطن إلى الكثير منها كثيرون من المتخالفين الذين يدعى كل فريق منهم أنه هو الناجى من النار لأنه فى رأيه يسير على ما كان النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أرجو الله للأمة الإِسلامية أن تعود إلى رشدها بترك الخلافات التى لا تجنى من ورائها إلا الضعف والإِساءة إلى سمعة الإسلام، وهو الدين الخاتم الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، واختار له رسولا قال فيه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء: 106
(9/342)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:02 am

العطور فى الإحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندما يكون الحج فى زمن الصيف يكثر العرق وتتغير رائحة الجسم فهل من الممكن الاغتسال والتطيب فى مدة الإحرام؟

الجواب
معلوم أن من مظاهر الإِحرام بالنسك تجرد الإنسان من كل زينة والظهور بمظهره عندما يحشر إلى ربه كما قال تعالى {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوَّلناكم وراء ظهوركم} الأنعام: 94 وكذلك تحقيق معنى المساواة بالبعد عن المظاهر التى يحرص عليها بعض الناس ابتغاء وضع معين، كما يشير إليه الحديث الشريف " الحاج الشعث التفل " رواه البزار بسند صحيح. والشعث من عليه أثر التراب من السفر، والتفل البعيد العهد بالماء.
ويظهر تغير الرائحة إذا طالت مدة الإِحرام، كالذى يحرم بالحج مُفرِدًا أو قارنا عند مروره بالميقات قبل يوم عرفة بوقت طويل فى موسم الحر حيث لا يحل من إحرامه إلا يوم العيد أو بعده، أما المحرم بالعمرة أوَّلا فمدة إحرامه قصيرة لا تتغير رائحته إلا إذا كانت وسيلة المواصلات بطيئة كالجمال التى كانت سائدة قبل الاختراعات الحديثة فى وسائل النقل.
وفى مواجهة تغير الرائحة شرع الغسل والتطيب قبل الإِحرام حتى لو بقيت آثار الطيب بعد الإِحرام، كما أبيح الغسل المجرد عن الطيب بل استحب أثناء الإِحرام فى عدة مواطن، وقد مر ذلك بوضوح فى ص 411 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى.
أما التطيب بعد الإحرام فممنوع للحديث السابق الذى رواه البزار، ولأمر الرسول صلى الله عليه وسلم من وضعه بغسله وإزالته، ولنهيه فيمن مات محرما أن يمس طيبا عند غسله وتكفينه، ولا بأس عند الاغتسال باستعمال الصابون الذى له رائحة بقصد النظافة لا بقصد التطيب، وكذلك يباح شم الفواكه ذات الرائحة الطيبة كالتفاح فإنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه،أما شم الورد والريحان والنعناع متعمدا فممنوع وما جاء من الروائح عفوا بدون قصد فلا ضرر فيه كالمرور بحديقة فيها أزهار أو بدكان من يبيع العطر، لمشقة التحرز من ذلك وانتفاء القصد والتعمد. ووضع الطيب في المطبوخ أو المشروب بحيث لم يبق له طعم ولا لون ولا ريح إذا تناوله المحرم لا فدية عليه، وإن بقيت رائحته وجبت عليه الفدية بأكله عند الشافعية وقال الحنفية: لا فدية عليه، لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب.
ويلاحظ أن استعمال المحرم للطيب تلزمه الفدية إذا كان عالما بالحكم غير جاهل، وكان متعمدا غير ناس أنه محرم، وعند الجهل والنسيان لا فدية، فقد روى الجماعة إلا ابن ماجه أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفِّر لحيته ورأسه -أى متطيب- وقال: يا رسول الله أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال له "اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا في حجك فاصنع فى عمرتك" ولم يأمره بفدية، لأنه كان جاهلا بالحكم، وقال عطاء بن أبي رباح: إذا تطيب المحرم أو لبس -جاهلا أو ناسيا- فلا كفارة عليه. رواه البخاري.
والفدية عند تعمد التطيب والعلم بحرمته هى ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين صاع، أو صيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى فيمن حلق شعره {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة: 196 والنسك أى الذبح. وروى البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن آذته هوام رأسه "احلق، ثم اذبح شاة نسكا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين".
والإمام الشافعي قاس غير المعذور على المعذور فى وجوب الفدية، وأوجب أبو حنيفة الدم على المعذور إن قدر عليه.
وربما تعرضنا لذلك مرة أخرى إن شاء الله
(9/343)
________________________________________
تأخير الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى شخص أتيحت له الفرصة أكثر من مرة ليحج ولكنه لم يحج، هل يعاقب على هذا التأخير؟

الجواب
الحج مفروض على المستطيع كما قال الله تعالى وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم وهو واجب فى العمر كله مرة واحدة بإجماع العلماء، ولحديث البخارى ومسلم وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالحج سئل أفى كل عام فقال " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " ولكن هل إذا توافرت أسباب الاستطاعة وجب على الفور أداء الحج أو يجوز تأجيله إلى عام آخر؟ قال جمهور العلماء: الوجوب على الفور، ويأثم من أخره إلى عام آخر، بحيث إذا مات حوسب عليه إن لم يغفر الله له، ودليلهم فى ذلك حديث أحمد وابن ماجه والبيهقى " من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة " وفى رواية " تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له " لكن الإمام الشافعى قال: إن وجوب الحج على التراخى، بمعنى أنه لو أخره مع الاستطاعة لا يأثم بالتأخير متى أداه قبل الوفاة ودليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى السنة العاشرة وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه، مع أنه فرض فى السنة السادسة من الهجرة، فلو كان واجبا على الفور ما أخره. وقال الشافعى: ومع ذلك فالأفضل التعجيل بناء على الأحاديث المذكورة التى حملها على الندب لا على الوجوب، ويضم إليها حديث رواه ابن حبان فى صحيحه والبيهقى، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله عز وجل: إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه فى المعيشة تمضى عليه خمسة أعوام لا يفد إلىَّ لمحروم ".
وعندما قال الله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} قال بعد ذلك {ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين} قال الحسن البصرى: المراد بالكفر هو الترك أى عدم الحج.
كالحديث الذى رواه مسلم وينص على أن من ترك الصلاة فهو كافر، لكن ابن عباس ومعه المحققون من العلماء قالوا: إن الكفر لا يكون إلا بإنكار الفريضة وجحود أن الحج واجب، لكن لو آمن الإنسان بأنه مفروض وواجب ولكنه تكاسل فى الأداء فهو ليس بكافر بل هو مؤمن عاصٍ، لو لم يحج مع الاستطاعة يحاسبه الله بعد موته ويدخله النار إن لم يغفر له، ويكون مصيره النهائى هو الجنة، ويحمل على هذا حديث "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا " رواه الترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى مثله البيهقى، فالحديث لا يدل قطعا على الكفر، ولئن صح فالمراد به الجاحد المنكر، ويحمل على الترغيب فى التعجيل فقط
(9/344)
________________________________________
الطواف مع لبس الحذاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الطواف حول الكعبة والإنسان لابسُ الحذاء حلال أو حرام؟

الجواب
روى البخارى ومسلم أن أول شىء بدأ به النبى صلى الله عليه وسلم، حين قدم مكة، أنه توضأ ثم طاف بالبيت. وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة رضى الله عنها عندما جاءتها الحيضة فى مكة "إن هذا شىء كتبه الله على بنات آدم، فاقض ما يقض الحاج غير ألا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى" وروى الترمذى والدارقطنى وصححه الحاكم وابن خزيمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الطواف صلاة، إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير.
ويوخذ من هذه الأحاديث أن الطواف يشترط له ما يشترط للصلاة، ومن ذلك الطهارة من للحدث الأكبر والأصغر وطهارة الثوب وطهارة المكان.
فإن كان الحذاء الذى يلبسه الطائف طاهرا صح طوافه بدون خلاف، ولا يعتبر لبسه للحذاء ذنبا أو احتقاراً لحرمة البيت، فذلك راجع إلى نيته.
أما إذا كان الحذاء نجسا، فلا يجوز ولا يصح الطواف به، وذلك عند جمهور الفقهاء، لكن الحنفية قالوا: إن الطهارة من النجاسة فى الثوب أو البدن سنة فقط، وعلى ذلك يجوز الطواف بالحذاء النجس وبالثياب النجسة. ولا شىء على الإنسان.
وقالوا: إن الطهارة من الحدث الأصغر عند الطواف واجبة، لو تركها وطاف بدون وضوء صح طوافه ولزمته شاة، وكذلك لو كان محدثا حدثا أكبر صح طوافه ولزمته بدنة، ويعيده ما دام فى مكة.
والأولى اتباع رأى الجمهور، والتأكد من الطهارة عند الطواف، سواء فى ذلك طهارة البدن والثوب والطهارة من الحدثين، ولا مانع من لبس النعل إذا كان طاهرا يتقى به حرارة الأرض أو خشونتها مثلا
(9/345)
________________________________________
العشر الأوائل من ذى الحجة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الليالى العشر التى أقسم الله بها فى قوله تعالى {والفجر وليال عشر} ولماذا أقسم الله بها؟

الجواب
الليالى العشر التى أقسم الله بها فى أول سورة الفجر، قيل إنها العشر الأول من شهر الله المحرم ونسب هذا إلى ابن عباس، وقيل:إنها عشر ذى الحجة، ونسب هذا إلى مجاهد والسدى والكلبى، بل نسب إلى الرسول من رواية أبى الزبير عن جابر، وإن لم تثبت هذه الرواية، وهذا القول رجَّحه الكثيرون، وبخاصة أن الليالى العشر ذكرت مع الفجر، وكثيرون من المفسرين قالوا: إنه فجر يوم النحر. وهى كما قالوا: ليالى أيام عشر.
ويؤكد هذا القول أحاديث وردت فى فضلها، فقد روى البخارى وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعنى أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال "ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك شىء ".
هذا أصح ما ورد فى فضل هذه الأيام. ولكن ما هو العمل الصالح، هل هو نوع معين من العمل، أو هو كل قربة يتقرب بها إلىالله؟ جاء فى بعض الأحاديث النص على بعض القرب، ففى رواية الطبرانى بإسناد جيد " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلىَّ العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" فالعمل هو الذكر لكن جاء فى حديث غريب -أى رواه راو واحد فقط -للترمذى قوله "يعدل صيام كل يوم بصيام سنة. وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" فالعمل هو الصيام والقيام، وجاء فى فضل هذه الأيام أيضا بوجه عام كلام رواه البيهقى بإسناد لا بأس به عن أنس ابن مالك قال:
كان يقال فى أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم.
إن النص على عمل فى هذه الأيام لا يلغى عملا آخر، لهذا أرى أن أى عمل صالح له ثوابه المضاعف، وبخاصة ما نص عليه فى بعض الروايات، من الذكر والصيام والقيام، وكان سعيد بن جبير يجتهد فيها اجتهادا شديدا حتى ما كَان يقدر عليه.
ولعل الفضل سببه أن هذه الأيام هى التى يكثف فيها الذهاب إلى المسجد الحرام لأداء فريضة الحج والعمرة، ويعيش الناس فيها فى ظلال الروحانية والشوق إلى الأماكن المقدسة، سواء منهم من سافر ليحج ومن لم يسافر، والعمل الصالح إذا وقع فى ظل هذه الروحانية كان أرجى للقبول ومضاعفة الثواب، وبخاصة أن هذه الأيام فيها يوم عرفة الذى جاء فيه حديث رواه ابن خزيمة وابن حبان "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة " وفيها العيد والحج الأكبر، وهى أيام يتوفر فيها الأمن فى البلاد الإسلامية لتهيئة الجو للمسافرين للحج ولمن خلفوهم وراءهم وذلك بالانشغال بالعبادة والذكر.
ويقول ابن جحر فى فتح البارى ج 2 ص 234: والذى يظهر أن السبب فى امتياز عشر ذى الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك فى غيره، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم؟ فيه احتمال. انتهى
(9/346)
________________________________________
نقص أشواط الطواف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
تقول سيدة: طفت أربعة أشواط ثم أغمى علىَّ ونقلت إلى المستشفى وبعد العلاج سافرت ولم اكمل الطواف. فهل حجى صحيح؟

الجواب
جمهور الفقهاء على أن الطواف حول البيت يكون سبعة أشواط وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ولقوله "خذوا عنى مناسككم " فمن ترك شوطا منه بطل، كمن يترك ركعة من إحدى الصلوات المفروضة. والنبى صلى الله عليه وسلم يقول "الطواف حول البيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير رواه الترمذى وابن حبان فى صحيحه.
ولا يجبر ما ترك من الأشواط بدم، كما لا يجبر ترك الركعة من الصلاة بشىء آخر.
غير أن الإمام أبا حنيفة قال: إن ركن الطواف هو أربعة أشواط، من نقص عنها بطل الطواف وبطل الحج، أما الاشواط الثلاثة الباقية فهى من الواجبات التى لو تركت صح الطواف ووجب تقديم الهدى. وعلى هذا المذهب يكون طواف صاحبة السؤال صحيحا وبالتالى يكون الحج صحيحا وعليها تقديم الهدى
(9/347)
________________________________________
الإنابة فى رمى الجمرات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مرضت يوم العيد فى مِنى ولم استطع أن أرمى الجمرات. ووكلت شخصا بالرمى، فهل يكفى ذلك عنى؟

الجواب
رمى الجمار فى مِنى من الواجبات فى الحج، إن تركت كان الحج صحيحا ولكن يجب تقديم الهدى، ويجوز للإنسان أن ينيب عنه غيره ليرمى الجمرات إن كان عنده عذر يمنعه من ذلك كمرض أو شدة الزحام وبخاصة بالنسبة للنساء، ويدل عليه حديث رواه ابن ماجه عن جابر رضى الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم
(9/348)
________________________________________
الجماع فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم من جامع زوجته فى أثناء تأدية فريضة الحج؟

الجواب
معلوم أن الجماع ممنوع ما دام الإنسان محرما بالحج أو العمرة، قال تعالى {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} البقرة: 197.
على أن المراد بالرفث هو الجماع: وهناك ممنوعات أخرى فى الإحرام كالتطيب وقص الشعر. وقال العلماء: هناك فى الحج تحللان، تحلل أصغر وتحلل أكبر، أو تحلل أول وتحلل ثان، والتحلل الأصغر أو الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة هى: رمى جمرة العقبة وحلق الشعر أو تقصيره وطواف الإفاضة. وبهذا التحلل حل له كل ما كان محرما عليه وقت الإحرام ما عدا الجماع، فإن فعل الثالث كان التحلل الأكبر أو الثانى وحل له الجماع أيضا.
فإن جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وتمم المناسك ووجب ذبح جمل أو ناقة، وعليه قضاء الحج فى أول فرصة أما إن جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فقد فسد حجة أيضا، وعليه أن يستمر فى أداء المناسك مع وجوب الهدى وهو الجمل أو الناقة ومع وجوب القضاء أيضا، وهذا هو رأى جمهور الفقهاء، أما أصحاب الرأى - أبو حنيفة وأصحابه - فيقولون: لو جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجة.
وعليه شاة أو سُبْعُ بقرة، وإن جامع بعده لم يفسد حجة وعليه بدنة - جمل أو ناقة.
أما الجماع بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثانى فلا يفسد الحج بالاتفاق وتجب فيه بدنة عند بعض الفقهاء، وعند بعضهم الأخر تجب شاة وهو مذهب الإمام مالك
(9/349)
________________________________________
تكرار الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أديت الحج مرة واحدة، ولى رغبة فى تكرار أدائه، إلا أن هناك بعض الأمور التى تستلزم الإنفاق فيها فأيهما أفضل: الحج أو الإنفاق؟

الجواب
من المعلوم أن الحج فرض على المستطيع مرة واحدة فى العمر، وذلك لحديث البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ثم قال صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " وفى رواية لأحمد وأبى داود والنسائى والحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السائل هو الأقرع بن حابس، وأن الرسول رد عليه بقوله "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع ".
يعرف من هذا أن تكرار الحج ليس واجبا، وإنما هو تطوع والتطوع فى كل شىء ينبغى أن يراعى فيه تقديم الأهم على المهم، وقد تكون هناك حالات فى أشد الحاجة إلى المعونة لإنقاذ الحياة أو تخفيف الويلات، وهنا يكون الإنفاق فيها أولى، وبخاصة بعد أن متَّع الله سكان الحرم بنعم زادت على ما كان يصبو إليه سيدنا إبراهيم عليه السلام حين دعا ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات، كما هو فى الآية 37 من سورة إبراهيم.
والشخص الذى يحب أن يتردد على بيت الله بالحج أو العمرة ورأى أن هناك أمرا هاما قعد به عن السفر للزيارة سيعطيه الله ثوابا على نيته.
وهناك مأثورات فى هذا المقام -وإن كانت لا تعد تشريعا -جاء فيها أن الله كتب ثواب الحج لمن صادف فى طريقه فقراء ألجأتهم الضرورة إلى أكل الميتة، فدفع إليهم ما معه ورجع إلى بلده دون أن يحج، فأعطاه الله ثواب الحج وإذا لم يكن هناك نص فى هذه المسألة فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموال طائلة فى مندوب من المندوبات، فى الوقت الذى فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال.
هذا وما يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرَّم الله شعره وبشره على النار" فليس بصحيح
(9/350)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:17 pm

حكمة مشروعية الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نريد توضيح الحكمة فى مشروعية الحج، الواردة فى بعض آيات الذكر الحكيم؟

الجواب
من أهم الآيات التى ذكرت فيها حكمة مشروعية الحج قوله تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرَّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} إبراهيم: 38، وقوله {وأذِّن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.
ليشهدوا منافع لهم} الحج: 27، 28، ففى الحج فائدة لأهل مكة تشمل كل منفعة دينية ودنيوية، مادية ومعنوية سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها، يفيد منها الحجاج ومن يسكنون مكة ويفيد المسلمون بوجه عام.
وعلى ضوء ما ذكرناه من حكمة التشريع عامة نوضح حكمة الحج على الوجه التالى:
1- صلة العبد بربه فى الحج تظهر عندما يحرم الحاج ملبيًا، يقر بوحدانية الله ويشكره، ويرجع كل الفضل والنعمة إليه "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " وحين يطوف بالبيت سائلا متضرعا يستمنح الله جوده وبره وعفوه، وحين يقبل الحجر أو يستلمه، كأنه يعاهد ربه على الطاعة، على حد ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عنه " إنه يمين الله يصافح بها خلقه ". رواه أحمد وابن خزيمة فى صحيحه. وفى سعيه بين الصفا والمروة كالمتردد قلقا على مصيره: هل تفضل الله عليه عند طوافه ببيته أو لم يتفضل، وفى وقوفه متجردا من كل زينة، ملغيا لقبه ومظاهر ترفه وراء ظهره خاشعا داعيا.
وفى هذه الهيئة المتواضعة مع الذلة والانكسار يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله يباهى بأهل عرفات الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادى أتونى شعثًا غبرًا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أنى قد غفرت لهم " رواه أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقى. وفى رميه للجمرات تشبه بحربه للشيطان ومقاطعة لما يغرى به من فساد، كما تظهر العبودية له بتحمل مشقة السفر، ومخالطة ذوى الطباع المختلفة والتعرض للاجواء الغريبة، مؤثرا رضاء الله على رضاء نفسه وفى الهدى والفداء رمز للتضحية بالدم وبأغلى ما يملك الإنسان إيثار لما عند الله وجهادا فى سبيله.
وفى الحج ارتباط بمهد النبوة وإحياء لبيت الله، وتذكر لحوادث ماضية كانت سببا فى قداسة هذا المكان، من وجود هاجر وابنها إسماعيل وحيدين فى هذا الوادى، ولطف الله بهما فنبعت لهما زمزم وعَمُرَ المكان وبنى أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين.
هذا، وفى الذكر والتكبير والتلبية عند المشاعر صلة قوية بالله، قال تعالى {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين.
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم. فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اَباءكم أو أشد ذكرا} البقرة: 198 - 200، وقال {واذكروا الله فى أيام معدودات} البقرة: 203، وقال {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف} الحج: 36.
هذا الذكر كله يدل عليه فى حكمة الحج قول النبى صلى الله عليه وسلم "إنما فرضت الصلاة وأمر بالحج وأشعرت المناسك لإقامة ذكر الله " رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح.
2- الإحرام بالحج فى ملابس متواضعة وبعدٍ عن مظاهر الترف درس عملى فى التواضع وعدم الغرور بزخارف الدنيا وفيه نكران للذات وتركيز على التقرب إلى الله بقلب خالص وعمل طيب ينال به الكرامة عنده. وقد حج النبى صلى الله عليه وسلم على رحلٍ رث وقطيفة خلقة وقال "اللهم حجًّا لا رياء فيه ولا سمعة" رواه الترمذى وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من الحاج؟ قال " الشعث التفل " رواه ابن ماجه بإسناد حسن. والشعث هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله، والتفل هو من ترك الطيب والتنظف حتى تغيرت رائحته.
وفى الحج تمرين على الأسفار والترحال وتحمل المضايقات وضبط النفس عن السباب والفسوق وإمساك عن المغريات، وفى الحديث الشريف "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخارى ومسلم وفيه إلى جانب ذلك ثقافة واطلاع وتفكر واعتبار ودراسة عملية على الطبيعة-إلى حد ما - لفترة من حياة النبى صلى الله عليه وسلم ولتاريخ العرب وذكرياتهم الدينية، مع منافع مادية تجارية وغيرها فى الموسم.
3- لا ينكر أحد أن الحج فرصة لعقد مؤتمر إسلامى يتخطى حدود البيئة والجنس واللغة، ويعلو على الفوارق والعصبيات، ينبغى أن تناقش فيه المشكلات وتوضع فيه الحلول، وأن تتلاقى الأفكار وتتلاقح الثقافات، توكيدا للوحدة الجامعة التى يحبها الله لهذه الأمة {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء: 92، لتنهض سويا بواجباتها الدينية والإنسانية العامة، ولتقف صفا واحدا أمام العدو المتربص.
إن للمسلمين فى هذا الموسم من عوامل الوحدة ما يعلو على كل العوامل، فربهم جميعا واحد، ودينهم واحد، وقبلتهم واحدة، وغايتهم واحده، وزيهم واحد، وهم بهذه العوامل كأنهم شخص واحد ينبغى أن يكونوا كما قال النبى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"رواه البخارى ومسلم.
هذه بعض حكم تلتمس للحج، وإذا كان فى بعض شعائره ما تخفى الحكمة فيه كرمى الجمار فإن أداءها لمجرد أنها مشروعة من الله دليل على قوة الإيمان وعلى الثقة البالغة فى حكمة الله كما قدمنا.
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحس أن فى بعض النفوس خواطر تحوم حول بعض هذه الشعائر فنبَّة إلى جانب التعبد والتسليم المطلق فيها قائلا وهو يلبِّى " لبيك بحجة حقًّا، تعبدا ورقًّا" رواه البزار والدار قطنى، ويوضحه قول عمر رضى الله عنه حين قبَّل الحجر الأسود: والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع وله لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبتك. رواه البخارى ومسلم
(9/351)
________________________________________
صوم التمتع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا أردت الحج متمتعا، ولزمنا الهدى ولم أقدر عليه، ووجب علىَّ الصيام بدل الهدى، فمتى أصوم؟

الجواب
قال تعالى {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم. تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام} البقرة: 196.
تدل الآية على أن من وجب عليه الصوم من أجل التمتع، وهو الإحرام بالعمرة فى موسم الحج قبل الحج، كان الصوم على فترتين،فتره فى أثناء الحج، وفترة عندما يعود إلى وطنه.
فما دام فى الحج يصوم ثلاثة أيام، ولكن متى؟ هناك أقوال أهمها:
1 - أن يكون البدء بالصيام بعد الإحرام بالحج، والغالب فيمن يتمتعون لعمل العمرة أولا أنهم لا يتحملون الالتزام بواجبات الإحرام مدة طويلة، مثل عدم التطيب، وعدم قص الشعر والظفر، وعدم قربان النساء. فهو يحرم بالحج قبل يوم عرفة بقليل، فإذا أحرم يوم السابع من ذى الحجة أمكنه أن يصوم السابع والثامن والتاسع الذى هو يوم عرفة، وعليه جمهور الفقهاء، ويجوز له أن يصوم قبل السابع إذا أحرم بالحج قبل ذلك.
2- يصومها ما دام بمكة فى أيام مِنى، وهى أيام التشريق. قاله مالك وجماعة من أهل المدينة.
فقد روى مالك فى الموطأ عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديًا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، فإن لم يصم صام أيام منى. وهذا الصيام قيل أداء وقيل قضاء، لأن وقت الأداء هو قبل يوم النحر. والأظهر أنه على وجه الأداء.
قال القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 400 " إن قيل إن صوم أيام التشريق منهى عنه، كما عليه الشافعى فى قوله الجديد وعليه أكثر أصحابه، قيل إن ثبت النهى فهو عام يخصص منه المتمتع. بما ثبت فى البخارى ان عائشة كانت تصومها، وعن ابن عمر وعائشة قالا: لم يرخص فى أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدى، وقال الدار قطنى: إسناده صحيح.
وهو حديث موقوف عليهما، وروى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم عنهما ولكن طرقه ضعيفة.
3- أن يكون صوم الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق، قال ابن المنذر: رويناه عن على بن أبى طالب وقاله الحسن وعطاء وكذلك نقول.
4- أن يكون الصوم فى إحرامه بالعمرة - وذلك قبل الإحرام بالحج - فما دام من يريد الصيام محرما جاز له ذلك، لأن إحرامه بالعمرة كاحرامه بالحج، وحكى عن أبى حنيفة.
5- هناك قول لأحمد بن حنل بجواز الصيام قبل الإحرام. وذلك من أول أيام العشر، وقال به عطاء وتتلخص الأقوال فى قولين أساسيين الأول جواز الصوم قبل الإحرام، وهو المذكور تحت رقم 5 والثانى اشتراط أن يكون الصوم بعد الإحرام، والإحرام إما أن يكون بالعمرة وهو المذكور تحت رقم 4 وإما أن يكون الإحرام بالحج، والقائلون بذلك رأوا أن يكون الصيام قبل يوم النحر، وهم الجمهور وهو المذكور تحت رقم 1، وأجاز بعضهم أن يكون بعد يوم النحر، إما فى أيام التشريق - للضرورة أو الحاجة وهو المذكور تحت رقم 2، وإما بعد أيام التشريق وهو المذكور تحت رقم 3.
ورأى الجمهور أقوى، ولا مانع من الأخذ بغيره عند الضرورة أو الحاجة "راجع تفسير القرطبى ج 2 ص 399 "
(9/352)
________________________________________
الحج وتزويج الولد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
معى مبلغ من المال أستطيع أن أحج به، ولكن عندى ولد يستحق الزواج، فهل يمكن أن أعطيه هذا المبلغ للزواج ويسقط عنى الحج؟

الجواب
من المعلوم أن الله سبحانه فرض الحج على المستطيع، وحذر من قصَّر فيه كما يدل عليه قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} آل عمران: 97، وقال جمهور الفقهاء: إن الحج واجب على الفور، يأثم الإنسان بتأخيره، وقال الشافعى:
واجب على التراخى، لو أخره لا حرمة عليه ولكن يكون عالقًا بذمته لا يبرأ حتى يؤديه، وإن مات وجب الحج عنه، أما مساعدة الولد أو البنت على الزوج فهى سنة ليست واجبة، وإذا تعارض الواجب مع السنة قدم الواجب، وهذا محل اتفاق بين الجميع
(9/353)
________________________________________
الحج عن الغير أو للغير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
والدى عنده مبلغ من المال يكفيه للحج ولكنه عاجز عن أداء الفريضة صحيًّا، فهل يصح ان أحج عنه، ولو دعانى ابنى الذى يعمل فى السعودية للحج على نفقته، فهل يصح ان أجعل هذه الحجة لوالدتى مع أنها ليست من مالى؟

الجواب
من عجز عن أداء الحج بنفسه لمرض أو شيخوخة أو غيرهما وعنده القدرة المالية يجب عليه أن ينيب غيره ليحج عنه، بدليل الحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح عن الفضل بن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال "نعم ".
وكذلك إذا مات من استطاع أن يحج ولم يحج يجب أن يحج عنه غيره حتى لو لم يوص بذلك على ما رآه جمهور الفقهاء، وتخرج النفقات من التركة وتقدم على الميراث لأنها دين. روى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمى نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال "نعم، حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا فالله أحق بالوفاء ".
هذا عن الحج عن الغير، أو الحج الواجب، أما الحج للغير وهو الحج المندوب الذى يريد الحاج أن يهدى ثوابه لأحد أقاربه أو لغيره ممن ماتوا ولم يكن الحج واجبا عليهم -فيجوز أيضا، ويستوى فى ذلك أن تكون نفقات الحج من الشخص نفسه أو من شخص اخر أو جهة أخرى، وإن كان للمتبرع بهذه النفقات ثواب أيضا.
ويشترط فى كلا الأمرين -الحج عن الغير والحج للغير-أن يكون القائم به قد سبق له الحج عن نفسه وسقطت عنه الفريضة، فإن لم يكن قد أداها حسبت الحجة له هو، على ما رآه جمهور الفقهاء وليس للغير فيها نصيب من سقوط الحج عنه أو وصول الثواب إليه، والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى وصححه عن ابن عباس رضى الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال له "من شبرمة"؟ قال: أخ أو قريب لى، قال " أحججت عن نفسك "؟ قال لا، قال "فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " هذا، والحج الواجب عن الغير إن كان ميتا لا يشترط فيه أن يكون قد أوصى به لأن الدَّين يجب قضاؤه مطلقا، وكذلك سائر الحقوق المالية من كفارة أو زكاة أو نذر فالظاهر أن دين الحج مقدَّم على دين الآدمى إذا كانت التركة لا تتسع للحج والدين، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث الجهنية السابق "فالله أحق بالوفاء" والإمام مالك لا يوجب الحج عن الغير من تركته إلا إذا أوصى، أما إذا لم يوص فلا يحج عنه، وحجته أن الحج عبادة غلب فيها جانب البدنية فلا يقبل النيابة كالصلاة وإذا أوصى كان الحج من الثلث.
ومما سبق يعلم أن المرأة يجوز أن تحج عن الرجل، وأن الرجل يجوز أن يحج عن المرأة، حيث لا يوجد نص يخالف ذلك
(9/354)
________________________________________
المبيت بالمزدلفة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قد يحدث ارتباك عند الإفاضة من عرفة فلا يتمكن بعض الحجاج من مغادرتها إلى مزدلفة حتى يطلع الفجر بل حتى تشرق الشمس، وبهذا لا يبيتون بالمزدلفة ليلة العيد، فماذا يفعلون؟

الجواب
المزدلفة موضع بين عرفة ومِنى، وهى اَخر حدود الحرم المكى، وكان الحُمْسُ أى المتشددون فى الدين من العرب وهم قريش ومن أخذ مأخذها من القبائل كالأوس والخزرج وخزاعة وثقيف، يقفون بها ولا يقفون بعرفة كبقية الناس، قائلين نحن قطين الله اى جيران بيته فلا نخرج من حرمه، فأمرهم الله أن يقفوا ويفيضوا من عرفة كما قال تعالى {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} البقرة: 199، ولما أفاض النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع من عرفة ووصل إلى شعب الأذاخر قبل المزدلفة نزل وتوضأ وضوءا خفيفا، فذكَّره أسامة الصلاة فقال "الصلاة أمامك " حتى أتى مزدلفة، وهى المسماة بجمع، قيل لأن آدم وحواء اجتمعا فيها فأزلف إليها، أى قرب منها، وقيل: لأنه يجمع فيها بين صلاتى المغرب والعشاء، وقيل: لأن الناس يجتمعون فيها ويزدلفون إلى الله أى يتقربون إليه بالوقوف بها، فصلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء قصرا ورقد بقبة ليلته متعبا، ولما طلع الفجر صلى ثم أتى المشعر الحرام وظل واقفا حتى أسفر الفجر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس.
وكان صلى الله عليه وسلم قد أذن لبعض النساء بالذهاب إلى مِنى قبل الزحام ورمين جمرة العقبة قبل الفجر، يقول القسطلانى والزرقانى: اختلف السلف فى ترك المبيت بالمزدلفة، فقال علقمة والنخعى والزهرى والشعبى - وهم من التابعين -من تركه فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة. وقال عطاء والزهرى وقتادة - من التابعين أيضا - والشافعى والكوفيون - أبو حنيفة وأصحابه -وإسحاق بن راهويه: عليه دم، ومن بات بها لم يجز له الدفع قبل مضى النصف الأول من الليل، وقال مالك البيات بها مستحب. إن مر بها فلم ينزل فعليه دم، وإن نزل ولو بقدر حط الرحل فلا دم عليه متى دفع "ج 8 ص 188 ".
والنووى صحح فى زيادة الروضة وشرح المهذَّب أن المبيت بمزدلفة واجب، لو فات وجب فيه دم، وفقه كلام الرافعى والمنهاج أنه سنة لا شىء فى فواته، وكل ذلك إذا لم يكن عذر، ومنه تأخر المواصلات قياسا على ما قاله صاحب "كفاية الأخبار " فى فقه الشافعية فيمن وصل إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت بمزدلفة فلا شىء عليه.
من هذا نعلم أن هناك خلافا بين الفقهاء فيمن فاته المبيت بمزدلفة، فبعض التابعين تشدد وقال: فاته الحج وأتمه عمرة، وقال بعض الأئمة: من فاته فقد فاته واجب يجبر بدم، وحجه صحيح، وقال مالك: المبيت مستحب، ومن مر لم ينزل فعليه د م.
وقال بعض الفقهاء: إن المبيت سنة وليس بواجب ولا شىء فى فواته حتى لو لم يكن عذر، وعند العذر لا يجب بتركه شىء
(9/355)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:18 pm

الحج بدون الزيارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لم أتمكن بعد الحج من زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم فهل يعتبر حجى ناقصا وهل يعتبر ذلك جفوة للنبى صلى الله عليه وسلم؟

الجواب
أما الحج فهو صحيح بدون زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وزيارته إما زيارة لمسجده، وإما زيارة لقبره، وزيارة مسجده سنة، لأنه من المساجد التى تشد إليها الرحال، حيث يضاعف الله فيه ثواب الصلاة فيكون بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام كما ثبت الحديث الصحيح الذى رواه مسلم.
وأما زيارة قبره فهى سنة، لأن زيارة القبور بوجه عام مندوبة للعبرة والموعظة، وزيارة قبره اَكد وأعظم، فقد وردت فيها أحاديث كثيرة وإن كانت ضعيفة، فكثرتها تعطيها قوة ومن هذه الأحاديث المتصلة بالحج " من حج ولم يزرنى فقد جفانى" جاء فى شرح الزرقانى للمواهب "ج 8 ص 298" أن هذا الحديث ذكره ابن عدى فى " الكامل " وابن حبان فى " الضعفاء " والدارقطنى فى "العلل، غرائب الرواة " عن مالك وآخرين، كلهم عن ابن عمر مرفوعا - أى مسندا إلى النبى صلى الله عليه وسلم - ولا يصح إسناده.
ثم قال: وعلى فرض ثبوته فإن عبارة " فقد جفانى" توهم فى ظاهرها وجوب الزيارة، لأن الجفوة إيذاء وإزالته واجبة، فتكون الزيارة لإزالة الأذى واجبة، لكن لم يقل أحد بوجوبها إلا الظاهرية.
فالخلاصة أن الحج بدون زيارة النبى صلى الله عليه وسلم صحيح، والزيارة سنة، والحديث ضعيف
(9/356)
________________________________________
الأضحية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أنه يجب على من يريد أن يذبح أضحية أن يمتنع عن الأمور المحرمة على الحاج من قص الشعر والظفر ونحوه؟

الجواب
لقد مر الحديث عن الأضحية باستفاضة فى المجلد الأول من هذه الفتاوى وبخصوص ما ورد فى السؤال روى الجماعة إلا البخارى عن أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم هلال ذى الحجة وأراد أحدكم أن يضحى فليمسك عن شعره وأظفاره " وفى رواية لمسلم " من كان له ذبح - بكسر الذال - يذبحه فإذا أهلَّ هلال ذى الحجة فلا يأخذن من شعره وأظفاره حتى يضحى ".
تتلخص أقوال العلماء فى قص الشعر والظفر لمن أراد أن يضحى فيما يأتى:
1- قال الشافعى: إنه مكروه كراهة تنزيه، أى لا عقاب فيه، وذلك بناء على الحديث المذكور، حيث حمل النهى فيه على الكراهة لا على الحرمة، ويؤكده حديث عائشة الذى رواه الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبعث بهدية من المدينة ولا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم.
2- وقال أحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعى: إنه حرام، حيث حملوا النهى فى الحديث على التحريم. لكن ماذا يفعلون بحديث عائشة المذكور؟ 3- وقال أبو حنيفة: لا يكره الحلق والتقصير، لكن الحديث يرد عليه.
4- أما الإمام مالك: فروى عنه القول بعدم الكراهة كما قال أبو حنيفة، وروى عنه قول بالحرمة فى التطوع دون الواجب.
يؤخذ من مجموع هذه الأقوال أن قَصَّ الشعر أو الظفر لمن يريد أن يضحى ليس حراما عند جمهور الفقهاء، فهو إما مباح وإما مكروه عندهم، ولا يجوز التعصيب لرأي فقهى وبخاصة إذا كان الجمهور لا يقول به
(9/357)
________________________________________
محظورات الإحرام وجزاؤها

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى الأمور الممنوعة على المحرم بالحج أو العمرة؟ وما جزاء من ارتكب شيئا منها؟

الجواب
المحظورات فى الإحرام جاء بعضها فى القرآن وجاء كثير منها فى السنة النبوية، وإليك هذه المحظورات التى فيها جزاء دنيوى:
1-الجماع، وقد مر حكمه.
2- لبس المخيط أو المحيط، كالقميص والسروال والقباء والجبة والبرنس، وكذلك الخف والحذاء، روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس -كل ثوب رأسه منه - ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس - نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به - ولا زعفران، ولا الخفين، إلا أن يجد نعلين فليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين ".
والإجماع أن هذا خاص بالرجل، أما المرأة فتلبس كل ذلك ما عدا ما مسه طيب، وما عدا النقاب والقفازين. لقول ابن عمر رضى الله عنهما: نهى النبى صلى الله عليه وسلم النساء فى إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر أو خز - حرير - أو حلى، أو سراويل أو قميص أو خف رواه أبو داود والبيهقى والحاكم وصححه - قال البخارى: ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهى محرمة وقالت:
لا تتلثم، ولا تتبرقع، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران. وعند البخارى وأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تنتقب المرأة المحرمة ولاتلبس القفازين " ومعنى ذلك أن إحرامها فى وجهها وكفيها، قال العلماء، إن سترت وجهها بشىء فلا بأس، على ألا يكون. نقابا مفصلا كالمعتاد.
وبخاصة عند الرجال الأجانب. فقد روى ابو داود وابن ماجه أن عائشة رضى الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها - أى الملحفة - على وجهها، فإذا جازوا بنا كشفناه.
وممن قال بجواز سدل الثوب مالك والشافعى وأحمد.
وإذا لم يجد الرجل الإزار والرداء أو النعلين لبس ما وجده للضرورة، فقد روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات وقال " إذا لم يجد المسلم إزارا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين " وجاء فى رواية لأحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقل عن الخفين " وليقطعهما" ومن هنا قال أحمد:يجوز للمحرم لبس الخف والسراويل إذا لم يجد النعلين والإزار بدون قطع النعلين ولا فدية عليه. لكن جمهور الفقهاء اشترط قطع الخف ليكون كالنعل بناء على حديث ابن عمر المتقدم رواه البخارى ومسلم. والحنفية يوجبون شق السراويل إذا لم يجد الإزار، فإن لبسها دون شق لزمته الفدية. والشافعى ومالك لا يريان وجوب شقها، لأن النص كان على قطع الخفين وبناء على رواية جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا لم يجد إزارا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين " رواه النسائى بسند صحيح، فإذا لبس السراويل ووجد الإزار لزمه خلع السراويل [الإزار هو الثوب الذى يستر أسفل الجسم والرداء هو الثوب الذى يستر أعلى الجسم] وإذا لم يجد رداء لم يلبس القميص، بل يظل عاريا، فليس أعلى الجسم عورة.
3- عقد النكاح لنفسه أو لغيره بأى وجه من الوجوه، ويقع العقد باطلا لا تترتب عليه اَثاره الشرعية، ودليله حديث رواه مسلم وغيره عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال " لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب " ولم يجىء فى رواية الترمذى " ولا يخطب " وهو حديث حسن صحيح. وقال بهذا الحكم جمهور الفقهاء: مالك والشافعى وأحمد، ولا يعترض عليه بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، فإن الرواية الصحيحة عن مسلم أنه تزوجها وهو حلال.
قال الترمذى: اختلفوا فى تزوج النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة حيث تزوجها فى طريق مكة، فقال بعضهم: تزوجها وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال فى"سرف "فى طريق مكة.
والحنفية خالفوا الجمهور وأجازوا عقد النكاح للمحرم، وليس لهم دليل على ذلك وقالوا:
الممنوع هو الجماع وليس العقد.
4، 5 - تقليم الأظفار وإزالة الشعر بالحلق أو القص أو بأية طريقة أخرى، سواء كان الشعر فى الرأس أم فى أى موضع آخر من الجسد، قال تعالى {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله} البقرة: 196، هذا دليل حلق الشعر أما دليل تقليم الظفر فهو الإجماع، فيحرم من غير عذر، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية، وكذلك لو كان يتأذى بشعره فله إزالته، لكن فى الإزالة فدية للنص عليه، قال تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة: 196، وهذا الحكم للرجل والمرأة. واستثنى من الفدية شعر العين إذا تأذى به كما قال الجمهور، وأوجبها مالك.
6- الطيب فى الثوب أو البدن، ودليله ما رواه البزار بسند صحيح أن عمر رضى الله عنه وجد ريح طيب من معاوية وهو محرم، فقال له:
ارجع فاغسله، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الحاج الشعث التفل " والشعث هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله، والتفل هو، الذى ترك الطيب والتنظيف، وقال صلى الله عليه وسلم " أما الطيب الذى بك فاغسله عنك ثلاث مرات " رواه البخارى ومسلم.
وإذا مات المحرم لا يوضع الطيب فى غسله ولا فى كفنه كما قال الجمهور، وأجازه أبو حنيفة، ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم فيمن مات محرما " لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " هذا فى الطيب الذى يوضع بعد الإحرام، أما وضعه قبله فلا بأس به حتى لو بقى أثره بعد الإحرام. ففى حديث متفق عليه عن عائشة:
كأنى أنظر إلى وبيص الطيب فى مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرم.
وهذا الحكم هو فى وضع الطيب فى البدن أو الثوب ومثل ذلك لبس ثوب مصبوغ بما له رائحة طيبة، إلا أن يغسل وتزول رائحته، وكذلك وضعه فى مطبوخ أو مشروب يحرم وفيه الفدية إن بقيت رائحته كما قال الشافعية، وخالفهم الحنفية لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب، "راجع ص 539من المجلد الخامس من هذه الفتاوى ".
7- التعرض للصيد البرى بقتل أو تنفير أو دلالة عليه إن كان غير مرئى، وكذلك إفساد بيض الحيوان البرى وبيعه وشراؤه وحلب لبنه.
أما صيد البحر فلا حرمة فيه، قال تعالى {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرَّم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} المائدة: 96، وكذلك يحرم الأكل من هذا الصيد الذى صاده أو صيد له أو بمعونته، فقد روى البخارى ومسلم عن أبى قتادة أنه كان مع جماعة محرمين فاصطاد حمار وحش، وأكلوا منه ولما أخبروا الرسول بذلك أجاز أكلهم حيث لم يأمروا الصائد بذلك وروى أحمد والترمذى عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صيد البر لكم حلال وانتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ". وهذا هو رأى جمهور الفقهاء.
8- ومن ارتكب شيئا من هذه المحظورات فجزاؤه كما يأتى:
صيد الحرم وقطع شجره -إن الصيد المذكور من قبل هو الصيد الواقع من المحرم ويستوى فيه ما صيد فى الحل وما صيد فى الحرم.
أما صيد الحرم وقطع شجره فيستوى فيه المحرم وغير المحرم، والممنوع بالنسبة للشجر هو الشجر الذى لم يستنبته الآدميون عاده.
ومثله قطع الرطب من النبات حتى الشوك، إلا الإذخر والسنا فلا مانع من التعرض لهما.
ودليله ما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرام، لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف " واستثنى الإذخر كطلب العباس.
وما استنبته الآدميون يجوز قطعه على رأى الجمهور، وتفصيل الجزاء يرجع فيه إلى كتب الفقة على رأى من يقول بالجزاء، أما من لا يقول به فأوجب الاستغفار. راجع ص 357 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى.
أما الجماع فقد مر حكمه؟ وأما لبس المخيط وتقليم الأظفار وإزالة الشعر والتطيب ففيه فدية جاءت فى قوله تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسك} البقرة: 196، والنسك هو الذبح، والفدية على التخيير بين هذه الأمور الثلاثة: ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام. روى البخارى ومسلم عن كعب بن عُجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية، فقال " قد آذاك هوام رأسك "؟ قال: نعم، فقال " احلق ثم اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين " وجاء فى رواية لأبى داود أن الآية نزلت فيه، والإطعام فيها هو فرق من زبيب، والفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا عراقيا.
وإذا كان هذا الحكم فى المعذور فقد قاس الشافعى عليه غير المعذور. وأبو حنيفة أوجب الدم على غير المعذور إن قدر عليه.
هذا، ويلاحظ فى الشعر أن يكون المزال ثلاث شعرات فأكثر حتى تجب فيه الفدية المذكورة، أما إزالة شعرة واحدة ففيها مُد كما قال الشافعى، وفى الشعرتين مُدان، وفى الثلاثة فصاعدا دم. ووضع الدهن فى الشعر إن كان بزيت خالص أو خل خالص يجب فيه الدم، أما وضعه فى غير شعر الرأس واللحية فلا شىء فيه عند الشافعية وفيه الدم عند الحنفية.
كما يلاحظ أن لبس المخيط والتطيب لاشىء فيه عند الجهل بالتحريم أو عند نسيان الإحرام فقد روى الجماعة إلا ابن ماجه أن رجلا أحرم بالعمرة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجعرانة عن ذلك فقال " اغسل عنك الصفرة وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا فى حجك فاصنع فى عمرتك " وقال عطاء:
إذا تطيب أو لبس -جاهلا أو ناسيا-فلا كفارة عليه. رواه البخارى.
وهذا بخلاف قتل الصيد مع الجهل أو النسيان ففيه الجزاء، لأن ضمانه ضمان مال فيستوى فيه العلم والجهل، والعمد والنسيان كضمان مال الآدميين.
أما الصيد فقد جاء فى جزائه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} المائدة: 95.
قال ابن كثير: الذى عليه الجمهور أن العامد والناسى سواء فى وجوب الجزاء عليه، والآية تدل على أن الجزاء على المتعمد، والسنة من أحكام النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بوجوب الجزاء فى الخطأ.
وقتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون فى العمد والنسيان، لكن الفرق بينهما أن التعمد فيه إثم دون النسيان، وتفصيل الجزاء وبيان المثلية من النعم يرجع فيه إلى كتب الفقه
(9/358)
________________________________________
ما يباح للمحرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
توجد بعض أشياء يختلف المحرمون فى حلها وحرمتها غير ما ذكر فى المحظورات نريد بيان ما يحل منها حتى لا يتشكك المحرم ولا يكثر الجدال؟

الجواب
من المباحات فى الإحرام ما ياتى:
1- الاغتسال للنظافة والأغسال المسنونة كالغسل يوم الجمعة، وكذلك تغيير ملابس الإحرام، روى الجماعة إلا الترمذى أن ابن عباس والمسور بن مخرفة كانا بالأبواء واختلفا فى غسل المحرم رأسه وأن أبا أيوب الأنصارى أخبر أن الرسول كان يفعله، ودخل ابن عباس حمام الجحفة وهو محرم فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: إن الله ما يعبأ بأوساخنا شيئا، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك، وروى مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الجنابة.
واستعمال الصابون للنظافة جائز، وعند الشافعية والحنابلة: لا مانع منه حتى لو كانت له رائحة لأنها غير مقصودة للتطيب.
ويجوز نقض الشعر وتمشيطه كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم عائشة به ورواه مسلم.
والنووى فى شرحه قال: إن ذلك جائز فى الإحرام بحيث لا ينتف شعرا، ولكنه مكروه إلا لعذر، وذلك خشية سقوط الشعر ووجوب الفدية.
2- ستر الوجه لاتقاء الغبار أو الريح الشديدة بما لا يلاصق الوجه، فقد روى الشافعى وسعيد بن منصور أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم محرمون -والتخمير هو الستر.
3- لبس الخفين للمرأة، فقد روى أبو داود والشافعى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء فى الخفين.
4- تغطية الرأس نسيانا، فلا شىء فيه عند الشافعية كلبس القميص مع النسيان، وأوجب الحنفية فيه الفدية، وقد تقدم ذلك، وبالمثل النسيان والجهل فى التطيب، فالقاعدة عند الشافعية أن النسيان والجهل فى كل محظور عذر يمنع وجوب الفدية فيما عدا الإتلاف كالصيد وفيما عدا الحلق وتقليم الظفر على الأصح عندهم.
5- الحجامة وفقء الدمل ونرغ الضرس والفصد، فقد ثبت احتجام النبى صلى الله عليه وسلم فى وسط رأسه وهو محرم، وهل يا ترى كان مع الحجامة إزالة شعر أم لا؟ يقول النووى: إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهى حرام من أجل قطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك، وعن الحسن البصرى:
الحجامة فيها فدية وإن لم يقطع شعرا، فإن كان لضرورة جازت مع قطع الشعر وتجب الفدية.
وقال مالك: لا بأس للمحرم أن يفقأ الدمل ويربط الجرح ويقطع العرق إذا احتاج، وقال ابن عباس: المحرم ينزع ضرسه ويفقأ القرحة.
6- حك الرأس والجسد بحيث لا يكون فيه إزالة للشعر،، فقد ثبت فى البخارى ومسلم وغيرهما أن عائشة رضى الله عنها أجازت ذلك، وروى ذلك عن ابن عباس وجابر وغيرهما.
7- النظر فى المرآة وشم الريحان. روى البخارى عن ابن عباس أنه جائز، وإذا قال ابن المنذر: إن العلماء أجمعوا على أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب فى جميع بدنه -فإن المكث فى مكان فيه روائح عطرية كتجارة العطور فيه خلاف للعلماء، قال الحنفية والمالكية: إنه مكروه سواء قصد شمها أم لم يقصد، وقال الشافعية والحنابلة، إنه حرام عند القصد، جائز عند عدمه، ومع إجازة الشافعية له عند عدم القصد كرهوا الجلوس فى هذا المكان الذى فيه العطر، مالم يكن الجلوس قربة لله، كالجلوس عند الكعبة وهى تبخر فلا كراهة فيه. ويجوز حمل زجاجة فيها عطر ولا فدية ما لم يستعمل ما فيها من عطر.
8- لبس الحزام لشد الإزار أو حفظ النقود، لا مانع منه ومثله الحزام الطبى، وكذلك يجوز لبس الخاتم، حيث لا يصدق على ذلك لبس المخيط أو المحيط. قاله ابن عباس.
9- الاكتحال للتداوى - لا مانع منه، ما دام بغير طيب ولا يقصد به الزينة كما قال ابن عباس.
10 - الوقاية من المطر أو الحر بمثل المظلة أو الخيمة ما دام ذلك لا يغطى الرأس، فقد روى مسلم أن أسامة بن زيد وبلالا كانا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة. وأخرج ابن أبى شيبة أن عمر رضى الله عنه كان يطرح النطع على الشجرة فيستظل به وهو محرم، وأجاز عطاء بن أبى رباح الاستظلال من الشمس واتقاء الريح والمطر، وحكى إبراهيم النخعى عن الأسود بن يزيد أنه طرح على رأسه كساء يستكن به من المطر وهو محرم.
11- الخضاب بالحناء، فقد أجازته الحنابلة فيما عدا الرأس وأجازته الشافعية فيما عدا اليدين والرجلين لغير حاجة، ولا يغطى رأسه بحناء ثخينة. كما كرهوا للمرأة الخضاب بالحناء حال الإحرام. إلا إذا كانت معتدة من وفاة فيحرم عليها ذلك، كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشا، أى للزينة.
والحنفية والمالكية حرَّموه للرجل والمرأة فى أى جزء من البدن، لأنه طيب وهو ممنوع.
مستدلين بحديث رواه الطبرانى فى الكبير والبيهقى وابن عبد البر عن خولة بنت حكيم عن أمها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة رضى الله عنها "لا تطيبى وأنت محرمة، ولاتمسى الحناء فإنه طيب ".
12- قتل الحشرات المؤذية، مثل النمل والقراد، الصغير منه والكبير، كما جاء عن ابن عباس وعطاء.
13- قتل الحيوانات والطيور المؤذية فقد روى البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "خمس من الدواب كلهن فاسق،- يُقتلن فى الحرم - وفى رواية مسلم: والحل - الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" وزاد في رواية البخارى الحية فيكون العدد ستا لا خمسا.
وأطلق عليها الفواسق والفسق هو الخروج، لأنها خرجت عن حكم غيرها من الحيوانات فى تحريم قتل المحرم لها، وقيل: لخروجها عن غيرها فى حل الأكل، أو لخروجها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع.
وقد اتفق العلماء على أن غراب الزرع وهو الصغير الذى يأكل الحب لا يقتل والكلب العقور يعم كل ما يعقر الناس ويخيفهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب، وقال الحنفية:
إن لفظ الكلب قاصر عليه لا يلحق به غيره ما عدا الذئب فهو مثله. وابن تيمية يبيح للمحرم أن يقتل كل ما يؤذى حتى لو كان آدميّا لا يندفع إلا بقتله فالدفاع مشروع، ومن قتِل مدافعا عن نفسه أو ماله أو دينه أو عرضه فهو شهيد.
وهذا وقد قال العلماء: يجوز للمحرم أن يضرب خادمه للتأديب، فقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه أن أبا بكر رضى الله عنه ضرب خادمه الذى ضل منه بعيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم -حيث كان رفيقا له فى حجة الوداع -يبتسم ولم يزد على قوله " انظروا لهذا المحرم ما يصنع "
(9/359)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:19 pm

الحج أو الزيارة أولا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل الأفضل أن يحج الإنسان أولا ثم يزور المدينة أو يزور المدينة أولاً ثم يحج؟

الجواب
إذا كانت هناك تنظيمات مفروضة للمصلحة فى سفر الحجاج فالأفضل اتباع هذه التنظيمات، لوجوب طاعة أولى الأمر فيما ليس بمعصية وفيما يحقق المصلحة ومعروف أن ظروف المواصلات والإقامة تقتضى فى هذه الأيام أن تنظم رحلات الحج بمواعيد محددة.
فإذا لم توجد تنظيمات مفروضة فقد اتفق فقهاء السلف على جواز البدء بما يشاء الإنسان من الحج والزيارة، كما اتفقوا على أن المدينة إذا كانت فى طريق الحاج إلى مكة كان تقديم الزيارة أفضل، وذلك من باب التيسير والتخفيف، والنبى صلى الله عليه وسلم كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، كما صح فى الحديث الذى رواه البخارى.
ثم اختلفوا فيمن ليست المدينة فى طريقه إلى مكة، فذهب جماعة من التابعين إلى أفضلية البدء بالزيارة، وذلك لإحراز فضيلة الإحرام من ميقات المدينة الذى أحرم منه النبى صلى الله عليه وسلم وذهب جماعة آخرون إلى أفضلية البدء بالحج، لأنه هو الأصل، والزيارة تبع له.
وذلك كله اختلاف فى الأفضلية، ولا يضر فى صحة النسك من حج أو عمرة ولكل أن يختار ما يتناسب مع ظروفه
(9/360)
________________________________________
التلبية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل التلبية فى الإحرام واجبة وما هو وقتها، وما هى أحسن صيغها؟

الجواب
التلبية هى قول: لبيك اللهم لبيك، كما أن التهليل هو قول:لا إله إلا الله والتسبيح قول سبحان الله.
وهى تكون فى الحج والعمرة عند الإحرام، فقد روى أحمد وابن حبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يا آل محمد، من حج منكم فليهل فى حجه - أو فى حجته - " ومعنى: يهل، يرفع صوته بالتلبية. فهى مشروعة بإجماع العلماء، لكن ما هو مدى مشروعيتها؟ لقد اختلفوا فى حكمها وفى وقتها، فقال الشافعى وأحمد: إنها سنة، ويستحب اتصالها بالإحرام، فلو أحرم دون أن يلبى فإحرامه صحيح ولا شىء عليه وقال الحنفية: إن التلبية- وما يقوم مقامها كالتسبيح -شرط لصحة الإحرام، فمن أحرم ولم يلبِّ أو لم يسبح أو لم يسق الهدى فلا إحرام له.
والمشهور عند المالكية أنها سنة، وقيل واجبة يصح الإحرام بدونها ويلزم دم وللاحاطة بالأقوال فى حكمها يرجع إلى "نيل الأوطار"ج 4 ص 339.
ويبدأ وقتها بالإحرام وينتهى برمى جمرة العقبة، فقد روى الجماعة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبِّى حتى بلغ الجمرة، وهذا رأى جمهور العلماء، ومالك يقول: تستمر حتى تزول الشمس من يوم عرفة ثم يقطعها الحاج وقال أحمد: لا تنتهى حتى يرمى الجمرات كلها. أما المعتمر فتنتهى تلبيته حتى يستلم الحجر الأسود كما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذى بسند حسن صحيح عن طريق ابن عباس.
وتستحب التلبية فى مواطن كثيرة، عند الركوب والنزول وكلما علا مكانًا عاليًا، أو نزل واديًا أو لقى ركبًا، ودبر الصلوات وبالأسحار، وفى كل حال كما قال الشافعى.
أما صيغتها فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن تلبية النبى صلى الله عليه وسلم كانت "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك " والاقتصار على ما كانت عليه تلبية الرسول مستحب، واختلف العلماء فى الزيادة عليها، فذهب الجمهور إلى أن الزيادة لا بأس بها، كما زاد ابن عمر (لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل. وكما زاد الصحابة والرسول يسمع ولا ينكر رواه أبو داود والبيهقى، وكره مالك الزيادة على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم وتسن بعدها الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والدعاء، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من التلبية سأل الله المغفرة والرضوان كما رواه الطبرانى وغيره.
والتلبية يستحب أن تكون جهرا، فقد روى أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "جاءنى جبريل -عليه السلام - فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج " وروى الترمذى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل: أى الحج أفضل؟ فقال " العج والثج " والعج هو رفع الصوت بالتلبية والثج هو نحر الهدى.
وقال مالك: لا يرفع الملبى صوته فى مسجد الجماعات بل يسمع نفسه ومن يليه أما فى مسجد مِنى والمجسد الحرام فإنه يرفع صوته فيهما، وهذا الحكم بالنسبة للرجال، أما النساء فيكره لهن رفع أصواتهن أكثر مما يسمعن أو يسمعن من يليهن فقط. وقال عطاء لا تسمع المرأة إلا نفسها فقط.
وقد ورد فى فضل التلبية التى تعنى: إجابة بعد إجابة، أى الطاعة على الدوام مأخوذة من:
لب بالمكان أى أقام به - حديث رواه ابن ماجه للأمام " ما من محرم يُضحى يومه -أى يظل يومه -يلبِّى حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه " وحديث رواه الطبرانى "ما أهل مهل قط إلا بُشَر، ولا كبَّر مكبر قط إلا بشر" قيل يا نبى الله بالجنة؟ قال "نعم " وحديث رواه ابن ماجه والترمذى والبيهقى "ما من مسلم يلبِّى إلا لبَّى من عن يمينه وشماله من حجر أو مدر-حصا- حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا "
(9/361)
________________________________________
الدعاء فى الطواف

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعض الطائفين حول البيت يمسكون بأيديهم كتبا فيها أدعية يرددونها، فهل يجب على الطائف أن يدعو بأدعية مخصوصة؟

الجواب
معلوم أن الطواف كالصلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام، فليكن كلامنا خيرا، وخير الكلام فى العبادة هو ذكر الله سبحانه والدعاء، وخير ذلك قراءة القرآن أو الاقتباس منه، روى أبو داود والترمذى وقال:حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل ".
وإذا كان للانسان أن يذكر ويدعو بما يراه فى حاجة إليه، فإن أحسنه ما كان مأثورا فى القرآن والسنة، ومما ورد فى ذلك:
1- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن اليمانى والحجر {ربنا اَتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن السائب.
2- " من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيئات وكتب له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات " رواه ابن ماجه عن أبى هريرة مرفوعا - وإسناده ضعيف.
3- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين - اليمانى، الحجر الأسود - " اللهم قنعنى بما رزقتنى، وبارك لى فيه، واخلف على كل غائبة لى بخير " أى اجعل لى عوضا حاضرا عما فاتنى، رواه ابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن عباس.
4- كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم إنى أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق " رواه البزار عن أبى هريرة.
5- كان يقول فى ابتداء الطواف " بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك " روى الشافعى بعضا منه. كما روى البيهقى والطبرانى بعضا منه، وروى ذلك عن عمر عند استلامه الحجر
(9/362)
________________________________________
أنواع الطواف وشروطه وسننه

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هى أنواع الطواف، وما حكم كل نوع، وما هى الشروط التى يجب توافرها فيه وما هى سننه؟

الجواب
الطواف وهو الدوران حول الكعبة أربعة أنواع:
أ-طواف القدوم، وهو مشروع للقادم إلى مكة فى حج أو عمرة، وهو سنة عند الجمهور، ويسمى طواف التحية وطواف الدخول، ويكون ركنا فى العمرة للمتمتع وغيره.
ب - طواف الإفاضة، وهو بعد الوقوف بعرفة ويسمى طواف الزيارة وهو ركن فى الحج، وركن فى العمرة أيضا باتفاق، من فاته بطل حجه وعمرته، ولا يجبر بدم.
ج - طواف الوداع عند مغادرة مكة، وهو واجب عند الجمهور، إذا ترك صح الحج ووجبت الفدية، وهى ذبح شاة، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام، ثلاثة فى الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وصيام الثلاثة فى الحج لا يكون إلا فى أيام التشريق، أو فى أشهر الحج التى تنتهى بانتهاء شهر ذى الحجة. وهو سنة عند مالك وفى قول للشافعى، وتعفى منه النساء عند الحيض والنفاس.
د- طواف التطوع، وهو يكون سنة عند دخول المسجد الحرام تحية للبيت، وليس فيه رمل ولا اضطباع.
وشروط صحة الطواف هى:
1- الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ومن النجس، وقد مر خبر عائشة حين حاضت ومنعها الرسول من الطواف حتى تطهر، ومثل الحيض الجنابة، ولو طافت صح الطواف إذا تحتم عليها السفر قبل أن تطهر، وعليها بدنة أو شاة على ما مر ذكره فى حديث عائشة، والحدث الأصغر الذى يوجب الوضوء ليس شرط صحة عند الحنفية، بل هو واجب يجبر تركه بدم. والطهارة من النجس فى الثوب أو البدن سنة عندهم لا يلزم بتركها شىء، ومن به سلس بول والمستحاضة دائما يطوفان بلا طهارة اتفاقا.
2- ستر العورة، لحديث الصحيحين عن أبى هريرة قال: بعثنى أبو بكر الصديق فى الحجة التى أمَّره عليها الرسول قبل حجة الوداع، فى رهط يؤذنون فى الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
والأحناف يقولون: إن ستر العورة واجب لو ترك صح الطواف وعليه الإعادة ما دام بمكة، فإن غادرها وجب دم.
3- أن يكون الطواف سبعة أشواط كاملة، لو ترك واحد منها بطل، والأحناف يقولون: ركن الطواف أربعة أشواط فقط، والثلاثة الباقية واجب لو تركت وجب الدم.
4- أن يبدأ من الحجر الأسود وينتهى إليه.
5- أن يكون البيت عن يسار الطائف.
6- أن يكون الطواف خارج الكعبة، وحجر إسماعيل جزء منها، وكذلك الشاذروان وهو البناء الملاصق لأساس الكعبة.
7- الموالاه فى الأشواط عند مالك وأحمد، ولا يضر التفريق اليسير ولو كان بغير عذر، أما التفريق الكثير فيضر إلا إذا كان بعذر، والحنفية والشافعية قالوا: إن الموالاة سنة، وقد تقدم توضيح ذلك.
وسنن الطواف كثيرة نذكر منها ما يلى:
1- استقبال الحجر الأسود عند بدء الطواف، مع التكبير والتهليل، ورفع اليدين كرفعهما فى الصلاة واستلام الحجر بوضع اليدين عليه وتقبيله بدون صوت ووضع الخد عليه إن أمكن بدون زحام، وإلا مسه بيده وقبَّلها أو مسه بشىء معه كقضيب وقبَّله، أو أشار إليه وقبَّل ما أشار به وقد مر فى صفحة135 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى بيان أصل هذا الحجر وحكمة تقبيله وموقف عمر رضى الله منه.
وروى البخارى أن عبد الله بن عمر استلم الحجر بيده ثم قبَّل يده كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويكره التزاحم عليه كما مر.
2- الاضطباع. وهو وضع الرداء تحت الإبط الأيمن وطرحه على الكتف الأيسر، كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة من الجعرانة ورواه أحمد وأبو داود وذلك لأنه يعين الطائف على الرمل فى الطواف، وهو سنة عند الجمهور، وغير مستحب عند مالك.
3- الرَّمل، وهو الإسراع فى المشى مع هز الكتفين وتقارب الخطا، وذلك إظهارًا للنشاط والقوة، كما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فى عمرة القضية، وأهل مكة ينظرون إليهم فقد كانوا يقولون عن المهاجرين:
وهنتهم وأضعفتهم حمى يثرب كما رواه البخارى ومسلم وبقى ذلك التشريع للتاريخ وشكر الله على النعمة ونصره الحق كما اثِرَ عن عمر أنه قال: فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب؟ وقد أطَّأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأطأ أصلها وطأ، أُبدلت الواو همزة كما قال ابن الأثير فى النهاية.
وقد رمل الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجه فى الأشواط الثلاثة الأولى كما رواه مسلم، ولو تركه فى الثلاثة لم يقضه فى الأربعة الباقية.
هذا، والاضطباع والرمل خاصان بالرجال دون النساء فى كل طواف يعقبه سعى، روى البيهقى أن عبد الله بن عمر قال: ليس على النساء سعى-أى رمل -بالبيت ولا بين الصفا والمروة.
4- استلام الركن اليمانى كركن الحجر الأسود كما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم روى ابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحجر والركن اليمانى يحط الخطايا حطًّا ".
5- صلاة ركعتين بعد الطواف عند مقام إبراهيم أو فى أى مكان فى المسجد وأوجبهما أبو حنيفة روى الترمذى بطريق حسن صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعًا، وأتى المقام فقرأ {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه.
والسنة قراءة سورة "الكافرون " بعد الفاتحة فى الركعة الأولى وسورة"الإخلاص " فى الركعة الثانية كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم وهاتان الركعتان تصليان فى أى وقت وليس هناك وقت كراهة لصلاتهما، فإن لهما سببا متقدما عند الشافعية، والمسجد الحرام مستثنى من هذه الأوقات لتيسير الصلاة فيه لمن يرد عليه فى أى وقت، فقد صح أن الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة فيما سواه. ومما يدل على ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بالبيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار ".
ولتيسير الصلاة والطواف لا يحرم المرور أمام المصلى ولا يكره، فقد روى ابو داود والنسائى وابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى مما يلى بنى سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة، أى ليس بينه وبين الكعبة سترة، كما وضحه سفيان بن عيينة. هذا وهناك أمور خاصة بالطواف والشرب من ماء زمزم ينبغى التنبيه عليها:
1- لا بأس بطواف النساء مع الرجال، مع المحافظة على كل الآداب، وذلك للعسر فى تخصيص وقت معيَّن لهن، ولاطمئنان الرجل على من معه من النساء، وإرشادهن عند الحاجة أثناء الطواف، فقد روى البخارى عن ابن جريج قال: أخبرنى عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف تمنعهن وقد طاف نساء النبى صلى الله عليه وسلم مع الرجال، قال: قلت: أبعد الحجاب أم قبله؟ قال: إى لعمرى لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة رضى الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم، أى كانت فى ناحية منفردة. فقالت امرأة: انطلقى نستلم يا أم المؤمنين، قالت:
انطلقى. .. وأبت أن تذهب لاستلام الحجر: وروى عن عائشة أنها قالت لامرأة: لا تزاحمى على الحجر، إن رأيت خلوة فاستلمى، وإن رأيت زحاما فكبرى وهللى إذا حاذيت به ولا تؤذى أحدا.
ب - يجوز الطواف من ركوب حتى لو كان الإنسان قادرا على المشى، فقد روى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف فى حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن -عود معقوف الرأس يكون مع الراكب يحرِّك به راحلته - وكان طوافه على الراحلة وسعيه بين الصفا والمروة ليراه الناس ويشرف ويسألوه عند الازدحام عليه.
وثبت أن أم سلمة طافت راكبة بعيدا عن الزحام وقد سبق ذلك فى صفحة 41 من المجلد الخامس من هذه الفتاوى.
ج -يسن الشرب من ماء زمزم بعد الطواف وصلاة الركعتين عند المقام اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم، فقد شرب وقال "إنها مباركة، إنها طعام طُعم وشفاء سُقم " أى من شرب منها أحس بالشبع إذا كان جائعا، وفيها شفاء من المرض. وروى الطبرانى وابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم " ورواة الحديث ثقات كما قال المنذرى.
ويسن عند شربه نية الشفاء وأى خير يريده الإنسان فى الدنيا والآخرة، ففى الحديث "ماء زمزم لما شرب له " رواه أحمد بسند صحيح ورواه البيهقى أيضا، وفى رواية أخرى للبيهقى عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم "ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفى شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهى هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل " وفى زيادة "وإن شربته مستعيذا أعافك الله " ومعنى هزمة جبريل حفره.
ويسن التضلع من ماء زمزم، ففى حديث رواه ابن ماجه والدار قطنى والحاكم " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم " وكان ابن عباس يشرب منه ثلاثة أنفاس ويستقبل القبلة ويحمد الله ويدعو: اللهم إنى أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. ومعنى التضلع الشبع والامتلاء كأن الماء بلغ الأضلاع.
كما يسن عند شرب ماء زمزم أن يتذكر تاريخ هذه البئر، وكيف أنقذ الله بها إسماعيل وأمه هاجر حين تركهما - بأمر الله - إبراهيم فى هذا الوادى الذى لا ماء فيه ولا أنيس، وذلك جزاء لها حين رضيت بقضاء الله واَمنت أنه لا يضيعهما أبدًا، فلئن تركهما المخلوق فلن يتركهما الخالق، وفى ذلك عبرة وعظة، أن من كان مع الله كان الله معه، وأن بعد العسر يسرا، وأن حكمة الله لا يعلمها كثير من الناس {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} وكان تعمير هذا المكان تمهيدًا لولادة خير الأنام وبعثته الخاتمة الخالدة وشرفًا للعرب الذين ولد منهم وأرسل فيهم ونزل القراَن بلغتهم، وما زال الحج إلى البيت الذى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل شعيرة من أعظم شعائر الإسلام يعقد المسلمون فيه مؤتمراتهم السنوية توكيدا لوحدتهم، وربطا لحاضرهم بماضيهم، وشهودًا لمنافع دينية ودنيوية يثبتون بها جدارتهم بريادة العالم كله إن استقاموا على الطريق كما كان الأولون.
ويسن بعد الشرب من ماء زمزم الدعاء عند الملتزم -وهو ما بين الركن والباب - واقتداء بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس -كما رواه البيهقى- يقول: لا يلزم ما بينهما-أى الركن والباب - أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه
(9/363)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:19 pm

المرض المعدى والحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعانى من مرض جلدى معد، وقد نويت أداء فريضة الحج، فهل يجوز لى ذلك رغم أنى قد أتسبب فى العدوى لكثير من الحجاج؟

الجواب
من المعلوم، لآن أن الدول تعمل احتياطات لمنع العدوى فى السفر، وذلك بالتطعيم أو بوسائل أخرى، ومن عنده مرض معد ستحول السلطات دون سفره، وإذا لم تكن هناك سلطات تقوم بالإجراءات الصحية فهل يجوز له السفر لأداء الفريضة مع احتمال أن يصيب غيره بالعدوى؟ إن كانت العدوى محققة أو يغلب على الظن حصولها كان هذا المرض مسقطا لوجوب الحج عن المريض حتى يبرأ من مرضه،لأن القاعدة الفقهية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبخاصة أن المصلحة فى الحج تعود على الشخص نفسه أكثر مما تعود على غيره، أما المفسدة فتصيب كثيرين غيره، ومع سقوط الحج عنه أرى أن مخاطرته بالسفر على الرغم من الظن الغالب للعدوى ممنوعة، إما على سبيل الكراهة أو التحريم تبعا لدرجة احتمال العدوى، والأحاديث تحذر من التعرض للعدوى والتسبب فيها. روى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجل مجذوم جاء، بايعه " ارجع فقد بايعناك " وقال -كما رواه البخارى " فر من المجذوم فرارك من الأسد ".
ومن أجل النهى عن الضرر والضرار حرم الإسلام على حامل ميكروب المرض أن يخالط الأصحاء، أو يتسبب فى الإصابة بالمرض بطريق مباشر أو غير مباشر، ولذلك حرم البصاق فى الطريق والأماكن العامة، وحرم التبول والتبرز فى موارد المياه ومواقع الظل وكل ما يرتاده الناس، وأمر بإبادة الحشرات والهوام وكل ما يؤذى حتى لو كان أثناء الإحرام. ومما يؤثر فيما يتصل بالسؤال ما رواه مالك أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رأى امرأة مجذومة تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله لا تؤذى الناس، لو جلست فى بيتك! ففعلت ولم تشأ أن تخرج بعد موت عمر وقالت: ما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتا
(9/364)
________________________________________
من الأخلاق فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول الله تعالى {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} البقرة: 197، معنى الرفث والفسوق والجدال، وهل النهى عنها خاص بأيام الحج وحدها، أم ينصرف على غيرها؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى "، 2، 407" أن الرفث الجماع كما قاله ابن عباس وابن جبير والسدى وقتادة والحسن وعكرمة والزهرى ومالك. ونهى الله عنه لأنه يفسد الحج بإجماع العلماء إذا حصل قبل الوقوف بعرفة، وجزاؤه الهدى وإعادة الحج وقال عبد الله بن عمر وطاووس وعطاء وغيرهم: الرفث هو الإفحاش للمرأة بالكلام، يقول الشخص لزوجته: إذا أحللنا جامعتك، وقيل هو التحدث عن النساء بما يتصل بالشهوة، وقيل غير ذلك. والمراد بالنهى عن الحديث عما يتصل بالشهوة الجنسية إبعاد النفس عن هذه المتعة حتى لا يقع الشخص فيها فيفسد الحج، فهو من باب الوقاية! والفسوق هو الخروج عن الطاعات إلى المعاصى أيًّا كان نوعها كما قال ابن عباس وعطاء والحسن وابن عمر وغيرهم، والمراد به فى الحج ارتكاب المحظورات التى نهى الله عنها الحاج، كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر والجماع. وقيل: الفسوق التنابز بالألقاب، وقال ابن عمر: هو السباب. واختار القرطبى القول الأول الشامل لكل المعاصى.
والمراد بالنهى عنه تحذير الحاج من كل المعاصى، لأن العقاب مضاعف فى الأماكن المقدسة ومجرد التفكير فى ارتكاب المعصية إثم كبير كما قال تعالى عن البيت الحرام {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من، ذاب أليم} الحج: 25، والجدال فى المعنى المراد منه أقوال ستة ذكرها القرطبى، منها مجادلة تؤدى إلى السباب، واختلاف الناس فى أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون فى الجاهلية، واختلافهم فى موعد الوقوف بعرفة، فهو جدال فى إصابة المكان وإصابة الوقت، وقيل: هو المفاخرة بالآباء.
والمراد بالنهى عن الجدال بأى معنى هو منع الاختلاف فى أحكام الحج والتعصب للرأى، وبخاصة فيما لم يكن منفقًا عليه، وكذلك عدم فرض، لآراء فى أى شىء آخر فى هذا اللقاء الكبير، الذى يجمع شتات الأجناس واللغات والعادات والأفكار، وذلك لتنافيه مع حكمة الحج من دعم التعاون والتعارف بين المسلمين كافة. وهذه الأمور الثلاثة وهى الرفث بما يتعلق بالنساء ولو بالحديث، والفسوق بمعنى السباب أو العصيان والجدال بمعنى التخاصم فى الرأى، أمور منهى عنها فى الحج وغيره، ولكن النهى عنها فى الحج آكد، نظرًا لحرمان الحجاج من المتعة النسائية والتعرض فى الزحام للمضايقات واهتمام كل شخص بنفسه وتمسكه برأيه ليصح حجه الذى، عب فيه بماله وصحته، فالظروف هى التى جعلت هذه الأمور المحرمة فى كل حال أشد حرمة، وبخاصة عدم مناسبتها لشرف المكان وحرمة الزمان.
ومثل ذلك نهى النبى صلى الله عليه وسلم - الصائمين عن الغيبة والكذب والزور، الذى يشمل كل باطل من قول أو فعل -بمثل قوله كما رواه البخارى " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " مع أن ذلك محرم أيضا على غير الصائمين، لأن من حكمة الصيام كف النفس كل الشهوات التى رمز إليها بشهوتى البطن والفرج وهما حلالان أصلا، ليمرن الصائم نفسه بترك المشتهيات المحرمة من باب أولى، وكف النفس عن الشهوات يظهر أثره واضحًا فى التعامل مع الناس أو فى الأخلاق الاجتماعية كما يقال. ومنها صيانة اللسان عن الكذب والزور وكل ما يضر الغير
(9/365)
________________________________________
التجارة فى الحج

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل يتعود الحج كل علم ويقصد بذلك شراء سلع وبيعها للربح فيها فهل حجه مقبول،

الجواب
يقول الله سبحانه فى حكمة الحج الذى أذَّن به إبراهيم {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم} الحج: 27، 28، ويقول سبحانه {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} الحج: 198، إن المنافع التى يشهدها الحجاج كثيرة متنوعة، منافع دينية ومنافع دنيوية، ومن المنافع الدنيوية رزق أهل مكة استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حينما وضع ولده إسماعيل وأمه هاجر فى هذا الوادى الذى ليس فيه زرع.
والرزق قد يكون بدون مقابل كالهدى والفداء أو بمقابل كالبيع والشراء للهدى ولغير الهدى، ففيه نشاط تجارى دنيوى كما أن فيه نشاطا دينيًّا.
وابتغاء الفضل من الله فى موسم الحج بالتجارة فى الكسب الحلال ليس فيه حرج، وقد جاء فى سبب نزول هذه، لآية ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إن الناس فى أول الحج - أى فى الإسلام - كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وذى المجاز- موضع بجوار عرفة-ومواسم الحج وهم حُرُم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وما رواه أبو داود عن ابن عباس أيضا أن الناس كانوا لا يتجرون بمِنى، فأمروا أن يتجروا إذا أفاضوا من عرفات. فالتكسب الحلال فى أثناء الموسم لا حرج فيه، بمعنى أنه لا يفسد الحج، ولا يضيع ثوابه، روى أبو داود وسعد بن منصور أن رجلا قال لابن عمر رضى الله عنهما:إنى رجل أكرى - أوجر الرواحل للركوب - فى هذا الوجه وإن أناسا يقولون لى: إنه ليس لك حج فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبى وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمى الجمار؟ قال: بلى، قال: فإن لك حجًّا، جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتنى، فسكت عنه حتى نزلت هذه الآية {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} البقرة: 198، فأرسل إليه وقرأ عليه هذه، لآية وقال "لك حج " وما رواه البيهقى والدارقطنى أن رجلا سأل ابن عباس: أوجر نفسى من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك، أليَ أجر؟ ففال له: نعم {أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب} البقرة: 202، تبين هذه المأثورات أن الذين يحجون ويزاولون أعمالا تجارية حجهم صحيح غير فاسد لا تجب عليهم إعادته، وتسقط عنهم الفريضة، أما الثواب فظاهر هذه، لآثار أن الله لا يحرمهم منه، ولكن يجب مع ذلك مراعاة الحديث الصحيح "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وإذا تعددت النوايا فى عمل صالح يمكن أن يرتبط الثواب بما غلب من هذه النوايا، والأمر كله لله من قبل ومن بعد، وهو سبحانه عليم بذات الصدور
(9/366)
________________________________________
حج الصبى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نرى بعض الحجاج يصحبون معها أطفالهم ويلبسون ملابسى الإحرام ويؤدون معهم المناسك فهل حج هؤلاء الأطفال صحيح؟ وهل يغنى عنهم إذا بلغوا؟

الجواب
من المعلوم أن حد التكليف هو البلوغ؟ يثاب على ما يفعل ويعاقب على ما يترك فيما أوجبه الله وحرمه، وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر الآباء بأمر الأولاد بالصلاة لسبع وضربهم عليها لعشر فذلك ليتمرنوا عليها حتى تكون سهلة عندما يكلفون بها، وعلى هذا النحو كان الصحابة يمرنون صبيانهم على الصيام كما تقدم فى صفحة 353 من المجلد الثالث من هذه الفتاوى.
والحج لأنه لا يجب فى العمر إلا مرة، ويشترط فيه الاستطاعة، وليس كل مكلف مستطيعا لم يكن فيه تمرين للصبى عليه لعدم الكلفة فيه عندما يبلغ، فهو مرة واحدة ومع الاستطاعة، لكن لو قام الصبى بالحج صح منه حجه، ولكن قال العلماء: لا يغنى حجه فى صباه عن الحج إذا بلغ مستطيعًا، ولأمر أو لآخر كان بعض الحجاج يصحبون صبيانهم معهم فى رحلة الحج، وإذا كان الصبى مميزًا كان يباشر عمل المناسك بنفسه كالطواف والسعى ورمى الجمار ما دام قادرا، أما إذا كان ضعيفا أو كان غير مميز كان آباوهم يقومون بما لم يستطيعوا القيام به، ومما جاء فى ذلك.
1- ما رواه الطبرانى بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم " أيما صبى حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى" والحنث هو الإثم، أى بلغ مبلغا يكتب عليه إثمه وذنبه.
2 - وروى مسلم وغيره عن ابن عباس أيضا أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيًّا فقالت: ألهذا حج، قال "نعم ولك أجر " وأكثر أهل العلم على أن الصبى يثاب على طاعته وتكتب له حسناته دون سيئاته، وهو مروى عن عمر: والحديث يثبت أن لأم الصبى أجرًا لأنها أمرته وعلمته إياه.
3- وروى أحمد وابن ماجه عن جابر رضى الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم، وروى الترمذى قريبا منه.
4 -وروى البخارى عن السائب بن يزيد قال: حج بى مع النبى صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين.
قال النووى: الولى الذى يحرم عنه -أى عن الصبى-إذا كان غير مميز هو ولى ماله، وهو أبوه أو جده أو الوصى من جهة الحاكم، أما الأم فلا يصح إحرامها إلا إذا كانت وصية أو معينة من جهة الحاكم، وقيل: يصح إحرامها وإحرام الوصية وإن لم يكن لهما ولاية. انتهى وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إحرام الصبى ولا يصير محرما بإحرام وليه، لأن الإحرام سبعب يلزم به حاكم فلا يصح من الصبى كالنذر، ورأى الجمهور أقوى لحديث مسلم المذكور.
ثم قال العلماء: إذا بلغ الصبى قبل الوقوف بعرفة أو فيها أجزأ عن حجة الإسلام، وذلك عند الشافعى وأحمد، أما مالك فيقول بعدم الإجزاء، لأن الإحرام انعقد تطوعا فلا ينقلب فرضًا. وأبو حنيفة يقول: إذا جدد الصبى الإحرام بعد البلوغ قبل الوقوف بعرفة أجزأه، وإلا فلا " المغنى والشرح الكبير "3 ص 161 وما بعدها"
(9/367)
________________________________________
ألفاظ الذكر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم ذكر بعض أرباب الطرق الصوفية بلفظ " آه "؟

الجواب
مع التسليم بأن غاية التصوف تصفية النفس مما يبعدها عن الله، فإن الوسيلة المشروعة لذلك هى السير على منهج الله الذى وضعه لأوليائه وأعد لهم ثواب الأمن والسعادة كما قال سبحانه {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} يونس: 62 - 64.
ومن المنهج الدينى لتصفية النفس ذكر الله، وقد حثَّ الله عليه ووسع مجالاته وحدوده فقال {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا.
وسبحوه بكرة وأصيلا} الأحزاب: 41 - 42، وأسماء الله الحسنى خير ما يذكر به كما قال سبحانه {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف: 180، وقال {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء: 110، وأسماؤه سبحانه مذكورة فى القرآن والسنة، حصرها بعض العلماء فى تسعة وتسعين وقال إنها توقيفية وقال بعضهم: إنها أكثر من ذلك.
وبصرف النظر عن حصر أسماء الله، وعن اختلاف العلماء فى جواز ذكره بالاسم المفرد-فإن لفظ "آه " لم يثبت بسند صحيح أنه اسم من أسمائه تعالى. وعليه فلا يجوز الذكر به على ما رآه جمهور الفقهاء، وما يروى من أن النبى صلى الله عليه وسلم زار مريضا كان يئن وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين، وأنه قال لهم "دعوه يئن فإنه يذكر اسما من أسمائه تعالى" لم يرد فى حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات، وما قيل فى بعض الحواشى من أن لفظ "آه " الاسم الأعظم لا سند له.
وقد أفتى شيخ الجامع الأزهر المرحوم الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوى فى هذه المسألة فقال ما نصه: إن هذا اللفظ المسئول عنه "آه " بفتح الهمزة وسكون الهاء -ليس من الكلمات العربية فى شىء، بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقا. وإن كان بالمد فهو إنما يدل فى اللغة العربية على التوجع، وليس من أسماء الذوات، فضلا عن أن يكون من أسماء الله الحسنى التى أمرنا أن ندعوه بها. .. إلى أن قال: ولا يجوز لنا التعبد بشى لم يرد الشرع بجواز التعبد به. وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [مجلة الأزهر-المجلد الثالث سنة 1351 هـ ص 499]
(9/368)
________________________________________
الدعاء المقبول

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يشترط فى الدعاء أن يقترن بأمور معينة حتى يستجيب الله سبحانه وتعالى له؟ وما هى؟

الجواب
قال تعالى {وقال ربكم ادعونى أستجب لكم} غافر: 65.
أمرنا الله فى آيات كثيرة بالدعاء ووعد بالاستجابة، كما جاءت بذلك أحاديث كثيرة والدعاء عبادة أو مخ العبادة كما صرح به فى بعض الأحاديث، ولكل عبادة أركان وشروط وآداب حتى تصح وتقبل.
وقال العلماء: إن من شروط قبول الدعاء: حضور الذهن والقلب عند الدعاء، فلا يكتفى الإنسان بمجرد تحريك اللسان بالدعاء وذهنه منصرف عن الله ولا يكفى حضور الذهن مع خمود العاطفة بل لابد من الرغبة فى الإجابة والرهبة من عدمها واستحضار عظمة الله سبحانه.
ويؤكد هذا ما جاء فى نهاية الآيات التى ذكرت دعاء أيوب وذى النون وزكريا حيث قال رب العزة: {إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} الأنبياء: 90.
فالداعى لابد أن يكون مطيعا لله غير مقصر، ومقبلا على الطاعة بحب ومسارعة وراغبا فى الاستجابة راهبا من الطرد والحرمان، خاشعا حاضر الذهن والقلب.
وصح فى الحديث أن أكل الحرام يمنع استجابة الدعاء حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء:
يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنَى يستجاب له. كما جاء فى الحديث: نصح الرسول لسعد أن يطيب مطعمه ليستجاب دعاؤه.
هذه الأمور التى لابد منها لاستجابة الدعاء ومن المندوبات:
الطهارة واستقبال القبلة والدعاء بمأثور، وتحرِّى الأوقات والأماكن المباركة كالنصف الثانى من الليل وما بين الأذان والإقامة وعند رؤية الكعبة وساعة الإجابة يوم الجمعة ... وافتتاح الدعاء بالبسملة وحمد الله والصلاة والسلام على الرسول وختامه بالصلاة عليه أيضا فالله أكرم من أن يقبل الصلاتين ويترك ما بينهما، وهناك كتب وضعت فى الدعاء يمكن الرجوع إليها. والله أعلم
(9/369)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:20 pm

تأجير مكان لعمل محرم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أجرت منزلى لبعض الأجانب، ثم علمت أنهم يشربون فيه الخمر ويرتكبون الفواحش فماذا افعل؟

الجواب
جاء فى كتاب المغنى لابن قدامة (ج 6 ص 136) :ولا يجوز للرجل إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بيعة أو يتخذها لبيع الخمر أو القمار، وبه قال الجماعة، وقال أبو حنيفة إن كان بيتك فى السواد فلا بأس أن تؤجره لذلك. وخالفه صاحباه واختلف أصحابه فى تأويل قوله.
ولنا - أى دليلنا على رأى الجماعة- أنه فعل محرم، فلم تجز الإجارة عليه، كإجارة عبده للفجور. ولو اكترى ذمى من مسلم داره، فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثورى. وقال أصحاب الرأى: إن كان بيته فى السواد والجبل فله أن يفعل ما يشاء.
ولنا-أى دليلنا على المنع - أنه فعل محرم جاز المنع منه فى المصر، فجاز فى السواد كقتل النفس المحرمة 10 هـ.
هذا الكلام ظاهر فيمن أجر داره لمن يعلم أنه يتخذها لفعل محرم، أو كان العقد على ذلك فإن الرأى الصحيح أنه لا يجوز، لأن صاحب الدار مساعد على ارتكاب المعصية، فيكون شريكا لمن ارتكبها، كما قالوا فى شرح الحديث الذى فيه لَعْن شارب الخمر وحاملها وعاصرها، وكل من شارك فيها. والدليل {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة: 2، وأبو حنيفة يجيز ذلك.
أما لو كانت إجارة البيت للسكنى، والساكن ارتكب فيه منكرات، فليس على صاحب البيت حرمة فى ذلك، وله الحق فى منعه من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وعند أبى حنيفة: أن الذمى لو استأجر من المسلم بيتا ولم يقل ليصلى فيه فإنه يجوز وإن كان له أن يصلى فيه ويتخذه بيعة وكنيسة، وإذا استأجر الذمى من المسلم دارا ليسكنها فلا بأس بذلك، والإجارة وقعت على فعل مباح، وإن شرب فيه الخمر وعبد فيه الصليب أو أدخل فيه الخنازير لم يلحق المسلم فى ذلك شىء، لأن المسلم لم يؤاجر لها، إنما يؤاجر للسكنى. ولو اتخذ فيها بيعة أو كنيسة يُمكَّن من ذلك إن كان فى السواد - خارج المصر- لأن عامة سكانها أهل الذمة والروافض.
ذكر ذلك الكاسانى فى بدائع الصنائع "ج 4 ص 189 " وذكره ابن القيم فى زاد المعاد "ج 4 ص 2 5 2، 53 2 "
(9/370)
________________________________________
تحكم المستأجر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز لمستأجر الأرض الزراعية أن يطلب من المالك جزءًا منها فى مقابل إخلاء طرفه كما يقضى به العرف؟

الجواب
المفروض أن العين المؤجرة لها وقت تنتهى عنده الإجارة، وعند انتهاء الأجل المتفق عليه ينتهى عقد الإجارة ويأخذ المالك العين المؤجرة، وهو حر بعد ذلك فى تأجيرها أو عدم تأجيرها لمن كان ينتفع بها أو لغيره، احتراما لحق الملكية، مع الحرية فى تقدير الأجر الجديد.
وليس للمستأجر الحق فى طلب ما يسمى بخلو الرجل، ولو اضطر المالك إلى دفعه كان آخذه آكلا للسحت، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، فإذا تنازل المالك عن بعض ملكه باختياره دون ضغط عليه فلا مانع، ويجب أن تتفق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية.
هذا، وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية بتاريخ 3 من يوليو 1980 هذا نصها: وأخْذُ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا، لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة، ويصبح هذا إن تم من باب أكل أموال الناس بالباطل، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف " الفتاوى الإسلامية مجلد 0 1 ص 3564 "
(9/371)
________________________________________
تجارة العملة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى تجارة العملة، وتبادل الأوراق المالية فى البورصة؟

الجواب
يقول الله سبحانه {وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة: 275، ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء: 29.
التجارة ركن من أهم أركان النشاط الاقتصادى بعد الإنتاج والتصنيع، وكانت فى الأصل تقوم على مبادلة السلع بعضها ببعض، ثم تطورت الأمور فاتخذت مقاييس لتقدير السلع، واتفق كل جماعة على مقياس منها. وكانت قمة الترقى فى اتخاذ النقدين - الذهب والفضة - مقياسا تقوم به السلع، وتقابل به الأنشطة المختلفة فى التجارة وغيرها.
والبيع والشراء هما ركنا التجارة التى ندب الإسلام إليها، وجعل فيها تسعة أعشار الرزق. ووضع لها حدودا وآدابا تضمن لها الاستقامة وتحول دون الانحراف.
ومن مظاهر الاستغلال والانحراف " الربا " الذى هو زيادة أحد العوضين المتماثلين عن الآخر بغير مقابل أصلا، أو بمقابل معنوى هو الأجل عند رد العوض.
ومن أنواع التجارة مبادلة النقود بعضها ببعض، وتسمى بالصرف، ومن يعملون فى هذا المجال يطلق عليهم اسم لا " الصيارفة " ومكان مزاولة النشاط يطلق عليه اسم البنك أو المصرف.
وصرف النقود بعضها ببعض يطبق عليه ما جاء فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى بكر قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالفضة. والذهب بالذهب، إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا، يعنى بدون التساوى أى بالتفاضل. وكذلك حديث البخارى ومسلم عن أبى المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف، فكل واحد يقول: هذا خير منى. فكلاهما يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق -بكسر الراء أى الفضة-دَيْنًا. يعنى لأجل، وكذلك حديثهما عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز "يعنى لا تبيعوا المؤجل بالحاضر، ومعنى " لا تشفوا " لا تفاضلوا بالزيادة أو النقصان.
يؤخذ من هذه الأحاديث أن شرط صحة الصرف فى العملة المتماثلة - الذهب بالذهب، والفضة بالفضة - التساوى والحلول أى عدم التأجيل. أما عند اختلاف العملة - الذهب بالفضة - فلا يشترط التماثل والتساوى، وإنما يشترط الحلول وعدم التأجيل. .
ويوضح ذلك حديث مسلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا " الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".
قال الشافعى: العلة فى الذهب والفضة أنهما من جنس الأثمان، فكل ما كان من جنس الأثمان يشترط فيه التماثل والحلول إذا كان النوع واحدا، فإذا اختلف النوعان جاز التفاضل بشرط الحلول.
وقد استبدل الناس الآن بالذهب والفضة أوراقا مالية بعضها يعتبر سندا على البنك، وبعضها يعتبر قيمة مستقلة، كالدولار والجنيه والفرنك، فيجرى عليها حكم الذهب والفضة لاختلاف قيمتها، فيجوز صرف الدولار بالجنيه مع عدم التساوى بشرط الحلول وعدم التأجيل. فصرف الأوراق المالية بعضها ببعض هو ما يطلق عليه الآن اسم التجارة فى العملة، والبنوك تقوم بذلك، والأفراد أيضا يقومون به.
وإذا كان هناك سعر رسمى صدر به قرار من ولى الأمر كان كالتسعير لكل سلعة، والتسعير فيه وجهات نظر مختلفة، لكن إذا كان عادلا وروعيت فيه المصلحة العامة ينبغى الالتزام به، كما ينبغى التزام التسعير فى السلع الأخرى.
هذا، وقد ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم " قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " قال ابن عباس: وأحسب كل شىء بمنزلة الطعام (صحيح مسلم بشرح النووى ج 10 ص 168 ".
وبيع الشىء قبل قبضه يسمى بيع الصِّكاك. يقول النووى فى شرح صحيح مسلم: الصكاك جمع صك، وهو الورقة المكتتبة بدين - ويجمع أيضا على صكوك -والمراد هنا الورقة التى تخرج من ولى الأمر بالرزق لمستحقه، بأن يكتب فيها للإنسان كذا وكذا من طعام أو غيره، فيبيع صاحبها ذلك لإنسان قبل أن يقبضه، وقد اختلف العلماء فى ذلك، والأصح عند أصحابنا وغيرهم جواز بيعها، والثانى منعها. ثم أورد حجة الفريقين.
والأوراق المالية صكوك تتداول فى الأسواق " البورصات " وهى ذات قيمة حلت محل النقدين الذهب والفضة، فان كان فيها تقابض جاز التعامل. وإن لم يكن هناك تقابض كان فيها الرأيان المذكوران
(9/372)
________________________________________
التعامل بالربا مع غير المسلمين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعيش فى بلد غير إسلامى، ولا يمكننى أن أقضى مصالحى إلا عن طريق البنوك التى تتعامل بالربا، فقيل لى: إن الربا معهم ليس بحرام، فهل هذا صحيح؟

الجواب
تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة -أم لا، واختلفوا فى ذلك، وبناء على هذا الاختلاف،قالوا: إن المقيمين فى البلاد الإِسلامية يلتزمون بالأحكام الشرعية، سواء كان المقيم مسلما أو ذميا، لأن تطبيق الأحكام الشرعية ممكن فى البلاد الإسلامية فإذا سافر المسلم أو الذمى إلى دار الحرب وحدثت منه مخالفة لأحكام الشريعة، أو حدثت من شخص كان يقيم فى دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار الإسلام، فلا تطبق عليه أحكام الشريعة الإسلامية، لأن القاضى المسلم لا تمتد ولايته إلى المحل الذى ارتكبت فيه الجريمة، ومن هنا نقل عن أبى حنيفة أنه أجاز للمسلم والذمى من أهل دار الإسلام إذا دخلا دار الحرب مستأمنين - أن يتعاقدا بالربا مع الحربى أو المسلم من أهل دار الحرب الذى يهاجر إلى دار الإسلام، لأن أخذ الربا فى هذه الحال يكون فى معنى إتلاف المال بالرضا، وإتلاف مال الحربى وبرضاه مباح، لأنه لا عصمة لدمه ولا لماله، وقد نقل أبو يوسف عن أبى حنيفة قوله: إن وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها، فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية. وبهذا، إذا دخل المسلم أو الذمى دار حرب بأمان فتعاقد مع حربى على الربا أو على غيره من العقود الفاسدة فى نظر الإِسلام جاز عند أبى حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق ونشره فى رسالته عن أحكام التأمين " السكورتاه " ص 7 مطبعة النيل بمصر سنة 1906 م ونقله الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى كتابه " فتاوى معاصرة ص 86 "،. هذا ما قاله أبو حنيفة، أما صاحبه أبو يوسف فقال: لا يجوز للمسلم فى دار الحرب إلا ما يجوز له فى دار الإسلام، لأن حرمة الربا ثابتة فى حق العاقدين، أما فى حق المسلم فبإسلامه وأما فى حق الحربى فلأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} النساء: 161، والأئمة الثلاثة قالوا: تطبق أحكام الشريعة الإِسلامية على كل من هو فى دار الإِسلام من المسلمين والذميين والمستأمنين، كما يعاقب المسلم والذمى على ما يرتكبانه فى دار الحرب ولو كان الفعل مباحا فيها كالربا والقمار، تنفيذا لأحكام الشريعة. وقد استظهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الخلاف بين فقهاء الحنفية إنما هو فى إمكان توقيع العقوبة على التعامل المحرم إذا وقع من المسلم فى دار الحرب، ومال إلى رأى جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا على المسلم أيا كان موقعه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب، وذلك بمقتضى إسلامه، اللهم إلا إذا كان مقترضا لضرورة، أما أن يكون مقرضا فلا يحل، لأنه لا ضرورة فيه. وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم فى دار لا يحكم فيها بالإسلام مساويا لتصرفه فى دار يحكم فيها بالإسلام، من جهة الحل والحرمة، أما القضاء الدنيوى المعتبر فيه ميدان تطبيقه فلا يغير من حكم الله شيئا
(9/373)
________________________________________
تأجير الشىء لفعل الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
استأجر منى بعض الغرباء بيتا فشربوا فيه الخمر واستأجر تاجر منا دكانا فباع فيه الخمر، فهل الأجرة حلال أم حرام؟

الجواب
لا يخلو حال المؤجر من أمرين، إما أن يكون عالما بارتكاب المستأجر للمحرم، كأن شرط فى العقد أن الإجارة لهذا العمل، أو لم يشترط ولكن يعرف أن المحرم سيرتكب فيه، وإما ألا يكون عالما بذلك. وفى الحالة الثانية الإجارة صحيحة والأجرة مستحقة وحلال باتفاق الأئمة. وإن قال غير أبى حنيفة له الحق فى أن يمنع بنفسه المستأجر من مزاولة المنكر أو بطريق القانون. وفى الحالة الأولى قال الأئمة الثلاثة ووافقهم أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبى حنيفة: بطلت الإجازة لأنها وقعت على معصية، وقال أبو حنيفة بصحة الإجارة وطيب الأجرة التى وجبت بمجرد تسليم العين المؤجرة ولا معصية عليه. وإنما على المستأجر، لأنه مختار فى فعله ولا يتعين عليه اتخاذ المكان لهذه المعصية، وكانت الأجرة طيبة له حتى لو أخذها من إيراد هذا المنكر. ورأى الجمهور أقوى وهو بطلان العقد وحرمة الأجر، وإن فسر بعضهم رأى أبى حنيفة بصحة العقد واستحقاق الأجر وإن حرم الانتفاع به، وهو تفسير غير مستساغ، فما فائدة استحقاق الأجر إذا حرم الانتفاع به اللهم إلا إذا كان سيدفعه فى مصلحة عامة للمسلمين للتبرؤ منه وليس للتبرع، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، كما قال الفقهاء فى التصرف فى المال الحرام الذى لا يعرف صاحبه، وتركه لصاحبه فى هذه المسألة مساعدة له على الحرام، والشرع لا يوافق على ذلك، هذا ما أراه تبريرًا لرأى أبى حنيفة واللَّه أعلم بالصواب
(9/374)
________________________________________
هل النقود تتعين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اقترض شخص منى مبلغا من المال، وتعامل فيه بطرق غير مشروعة، وأراد أن يرد لى القرض من إيراد هذا التعامل، فهل أقبله أم أرفضه؟

الجواب
تعامل المقترض لا يخلو إما أن يكون كله حراما كالتجارة فى الخمر ولا دخل له سوى ذلك. وإما أن يكون التعامل الحرام جزءا من تعامله الذى فيه حلال، كالبقال الذى يتاجر فى الحلال والحرام. فإن كانت كل أموال المقترض من حرام فالأئمة الثلاثة على منع قبول رد القرض منها، وأبو حنيفة يجيز ذلك، لأن النقود الحلال التى أخذها المقترض من المقرض لا تتعين، وللمقرض مثلها أو قيمتها أيا كان مصدرها، وفى رواية عن أحمد جواز ذلك. أما إذا كانت أموال المقترض خليطا من حلال وحرام ويصعب التمييز بينهما جاز للمقرض أن يأخذ منه حقه، جاء فى الإحياء للإِمام الغزالى: إذا اختلط فى البلد حرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه، بل يجوز الأخد منه، إلا أن يقترن بعلامة تدل على أنه من الحرام، فإن لم يقترن فليس بحرام، لكن تركه ورع محبوب
(9/375)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:21 pm

لا وصية لوارث

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للزوج أن يترك وصية لزوجته التى لم تنجب، تحصل بها على ممتلكاته التى ورثها عن أبيه حتى لا يشاركها إخوته فى الميراث بعد مماته؟

الجواب
تنص المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 م على جواز الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ دون توقف على إجازة الورثة، كما أجازت الوصية بأزيد من الثلث ولا تنفذ الزيادة إلا بموافقة الورثة. فإن كانت الممتلكات التى ورثها السائل عن أبيه أكثر من ثلث ما يملكه فلا تنفذ الزيادة إلا بإجازة الورثة. وذلك موافق لمذهب الإمام الشافعى، فقد روى أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا وصية لوارث " وروى البيهقى بسند قال الذهبى: إنه صالح أنه قال " لا وصية لوارث إلا أن يجيزها باقى الورثة " فقد أخذ الشافعى بالحديث الثانى المقيد للحديث الأول المطلق، وقد أخذ به قانون الوصية المعمول به فى مصر " الخطيب على متن أبى شجاع فى فقه الشافعية - الوصية ". هذا، وقد كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبة على رأى جمهور الفقهاء، وذلك فى أول الأمر بمقتضى قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة: 180، ثم نسخت بآية المواريث التى فى سورة النساء ويدل علبى النسخ الحديث الذى قاله الرسول صلى الله عليه وسلم " فى حجة الوداع " إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه. فلا وصيه لوارث ". ورأى جماعة من السلف أن ضربا من الوصية لا يزال واجبا بعد نزول آية المواريث، وأن النسخ لم يرد على جميع أنواع الوصية للوالدين والأقربين، فإذا كان الوالدان والأقربون وارثين فلا وصية واجبة، أما إن كان هناك أقربون غير وارثين فالوصية لا تزال واجبة، لم تنسخ، وبهذا الرأى أخذ قانون الوصية الواجبة المعمول به فى مصر، فى المادة 76 من القانون رقم 71 لسنة 1946 م
(9/376)
________________________________________
العمل فى مؤسسات تتعامل بالربا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعمل كاتبا فى بنك تسليف، وجميع أعماله فيها فوائد وربا، فهل على حرمة فى هذا، علما بأنى محتاج إلى العمل فيه؟

الجواب
معلوم أن الربا حرام حرمة كبيرة وذلك ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، وكل ما يوصل إلى الحرام ويساعد عليه فهو حرام كما هو مقرر، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنه لعن أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، فهم سواء.
وقد رفع مثل هذا السؤال إلى المرحوم الشيخ عبد المجيد سليم مفتى الديار المصرية سنة 1944 م فأجاب بأن مباشرة الأعمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا، وساق الحديث المذكور، وقال: اللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث الشريف.
"الفتاوى الإسلامية المجلد الرابع ص 1293 ".
هذا، وإذا كانت المؤسسة تزاول أنشطة مختلفة بعضها حلال وبعضها حرام، فإن الإسهام فيها أو العسل بها حرام، وقد جاء فى توصيات ندوة الأسواق المالية الثانية المنعقدة فى البحرين فى الفترة من 25 - 27 - 1991 م ما يأتى:
أ- الأصل فى المعاملات الحل.
ب - لا خلاف فى حرمة الإسهام فى شركات غرضها الأساسى محرم كالتعامل بالربا، وإنتاج المحرمات أو المتاجرة فيها.
ج - الأصل حرمة الإسهام فى شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
د-أما من يسهم فى الشركات التى تتعامل أحيانا بالمحرمات مع إرادة تغيير جميع أنشطتها بحيث لا تخالف الشريعة الإسلامية، فإن كان قادرا على التغيير بمجرد إسهامه فيها فذلك أمر مطلوب منه، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية، وإن كان غير قادر عند الإسهام ولكنه يسعى مستقبلا، بأن يحاول ذلك من خلال اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الإدارة وغيرهما من المجالات فالإسهام فى هذه الحالة مختلف فى جوازه بين المشاركين فى الندوة، ولابد فى الحالتين من التخلص مما يؤول إلى المساهم فيها من كسب التصرفات المحرمة فى أنشطة الشركة بصرفه فى وجوه الخير. انتهى.
بعد هذا نقول: إن البنوك العادية تمارس نشاطا بعضه يخالف الدين وبعضه لا يخالف الدين، فأموالها خليط من الحلال والحرام، والعمل فيها كذلك عمل فيه شبهة وإذا تعذر فصل المال الحلال عن المال الحرام كان الأمر فيه شبهة، والشبهة وإن لم تكن من الحرام فهى حمى للحرام كما نص الحديث الذى رواه البخارى ومسلم "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه لا.
فإذا أرد المؤمن أن يكون مطمئنا تمام الاطمئنان أو قريبا منه فليبحث عن عمل لا تكون فيه الشبهة بهذه الكثرة أو الوضوح حتى لو كان الكسب أو الأجر قليلا يكَفى الضروريات دون اهتمام بالكماليات، فالنفس لا تشبع منها والحرص عليها متعب غاية التعب والذى يساعد على ذلك هو النطر إلى من هو دوننا حتى نحمد الله على نعمته ولا نزدريها، ولا ننسى الحديث الشريف "إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته " وإن لم يوجد عمل حلال،كان قبول العمل فى هذا المجال بصفة مؤقتة للضرورة، مع البحث الجاد عن عمل آخر بعيد عن الحرام وشبهة الحرام. وإذا صدقت النية يسر الله الأمر، كما قال سبحانه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق: 2، 3، وقال تعالى {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} الطلاق: 4
(9/377)
________________________________________
هل يورث عقد الإجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل استأجر أرضا لزراعتها ثم توفى لا، هل بطل عقد- الإجارة، وإذا لم يبطل فمن الأحق به من الورثة؟

الجواب
عقد الإجارة لبيت أو أرض أو أى شيء اَخر لا يبطل بموت أحد الطرفين عند الوفاة، والواجب على الورثة أن يقوموا بالعمل الذى هو محل العقد، أو لهم الحق فى الانتفاع بالعين المؤجرة حتى ينتهى أجل الإجارة إن كان شهرا أو سنة مثلا، أو حتى تنتهى المنفعة التى كان عليها العقد، كاستئجار الأرض لزراعتها قطنا أو قمحا، فالعقد ينتهى بجنى المحصول، وعلى المنتفع أن يسلم العين لمالكها، ومالكها حُرّ فى أن يؤجرها لأحد الورثة أو لغيرهم أو لا يؤجرها.
وأى حبهم بالتوريث المؤبد يعتبر باطلا شرعا.
وعدم انفساخ العقد بالموت هو رأى الشافعى ومالك وأحمد ومعهم أبو ثور وابن المنذر، أما أبو حنيفة والثورى والليث بن سعد وابن حزم فيرون أن عقد الإجارة ينفسخ بموت أحد الطرفين، والجمهور نظر إلى أن العقد كان على المنفعة، وهى ستحصل بصرف النظر عن كون العين باقية على ملك صاحبها، أو انتقلت إلى ورثته، وبصرف النظر عن كون المنتفع هو المستأجر أو ورثته، فلمالك الأرض أجرته سواء أخذها من المستأجر أم من ورثته لأنها دين لابد من أدائه عن طريق ورثته وللورثة حق استيفاء المنفعة الذى ملكه المورث، والرأى الثانى نظر إلى شخص المتعاقد، فانتقال الملك إلى غيره، وأخذ غير المنتفع المتعاقد لهذه المنفعة يبطل العقد لتعذر الوفاء والاستيفاء وكلها وجهات نظر ليس لها نص، ورأى الجمهور أقوى "المغنى لابن قدامة ج 6 ص 42"
(9/378)
________________________________________
تحديد الربح فى التجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك نص يحدد قيمة الربح فى التجارة؟

الجواب
هناك آداب كثيرة للتجارة، بعضها يتصل بالأشكال كصيغ التعاقد، وبعضها يتصل بالمعانى كالأمانة والصدق والقناعة، ومما ورد فى ذلك حديث " التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصدِّيقين والشهداء " رواه الترمذى وحسنه، وحديث " من غشنا فليس منا " رواه مسلم وحديث " من بايعت فقل لا خلابة " أى لا خديعة. رواه مسلم، وحديث " لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق " رواه البخارى ومسلم، وحديث " إياكم وكثرة الحلف فى البيع، فانه ينفق ثم يمحق " رواه مسلم، وحديث: " رحم اللَّه رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " رواه البخارى، وحديث " البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما فى بيعهما، وإن خانا وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخارى ومسلم.
تدل هذه النصوص وغيرها على الاهتمام بالناحية الخلقية فى التعامل التجارى وغيره، وأهمها الصدق والقناعة والسماحة. وتفريعا على ذلك إذا أراد التاجر أن يبيع سلعة فهو يطلب فيها ثمنا أعلى من ثمن الشراء، ليتحقق الكسب المقصود من التجارة وهذا الكسب ليس له قدر معين، فللتاجر أن يحدده كما يشاء بشرط عدم الاستغلال وعدم الكذب. ويشملهما عدم الغش.
والاستغلال يصور مثلا بألا يكون هناك تاجر غيره يملك هذه السلعة فهو يحتكرها ويفرض السعر الذى يريده، لعلمه أن المشترى مضطر إليها، أو يطمع فى كسب كبير لأن المشترى ذو مال كبير لا يهمه السعر الذى يشترى به.
والكذب يصور مثلا بأن يقول له المشترى، سأعطيك ربحا معينا فوق ثمن الشراء، وطلب منه أن يذكر له الثمن الأصلى، فالتاجر يذكر ثمنا أعلى، وقد يلجا إلى الحلف لتأكيد ذلك.
أما إذا خلا البيع من الاستغلال والكذب بكل الصور والأشكال فلا تحديد للربح الذى يريده ما دام الطرفان راضيين بذلك. ويُسَن أن يكون ربحا معقولا، رحمة بالمشترى وقناعة بالقليل، ودعاية له بين الناس ليكثر المتعاملون معه، وفى ذلك خير له وللنشاط الاقتصادى بوجه عام.
هذا، وما ذكر فى بعض الكتب الفقهية من أن الربح لا يزيد على العشر أو الثلث فلا دليل عليه من القرآن أو السنة. ولعل القائل بذلك أخذ قوله من واقع الحال فى بلده وفى زمنه، حيث كانت المصلحة فى تحديد الربح، على نسق ما يقال فى جواز التسعير للمصلحة.
هذا، وقد تحدث الإمام الغزالى فى كتابه " إحياء علوم الدين " عن الإحسان فى المعاملة فذكر أن الغبن هو الغالب فى التجارة وهو مسموح به، وفسره بأن يبيع التاجر السلعة بثمن أكثر من ثمن شرائها.
ومن رتبة الإحسان المندوب - وهو فوق رتبة العدل الواجب - أن يكون الغبن والربح، معتادا، أى يجرى عليه غالب التجار. ونص عبارته:
وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور، الأول فى المغابنة، فينبغى ألا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به فى العادة. فأما أصل المغابنة فمأذون فيه، لأن البيع للربح، ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما، ولكن يراعى فيه التقريب، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتاد أو لشدة رغبته أو لشدة حاجته فى الحال إليه فينبغى أن يمتنع من قبوله، فذلك من الإحسان. ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار، ولسنا نرى ذلك، ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن.
انتهى "ج 2 ص 72 طبعة عثمان خليفة ".
وأشار الشيخ يوسف الدجوى المالكى إلى أن البعض قال إذا وصل الغبن الثلث فأكثر من قيمة السلعة فسخ البيع إن قام المغبون فى أثناء السنة من يوم البيع، وأفتى به بعض العلماء ولكن رده ابن رشد بقوله:
إنه غير صحيح، لحديث " لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس فى غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض ". وذكر أنه لا يجوز الرد بالغبن ولو خالف العادة فى القلة والكثرة إلا إذا كذب فى ثمن الشراء فللمغبون الرد بلا خلاف، أما الخلاف فهو إذا كان المغبون جاهلا من غير استسلام لما يقول البائع، فإن كان عارفا فلا رجوع له اتفاقا، فإن استسلم فالرد متفق عليه " مجلة الأزهر مجلد 5 ص 244، 245 "
(9/379)
________________________________________
الاحتكار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما معنى الاحتكار وما حكمه؟

الجواب
1 -تعريفه: هو حبس السلعة مع حاجة الناس إليها ليرتفع بذلك سعرها.
2- حكمه: العقل السليم وقانون الاجتماع البشرى ورابطة الأخوة الإنسانية المنوط بها تحقيق خلافة الإنسان فى الأرض لا ترضى بهذا العمل لأنه دليل على الأنانية وقسوة القلب وعدم التعاون على الخير.
والأديان كلها تحرِّمه، لأنها تستهدف سعادة الجماعة فى معاشها ومعادها، بفعل الخير والبعد عن الشر، والإسلام كدين خاتم يحرمه بروحه ونصوصه العامة فى التراحم والتعاون على البر والتقوى، وإيثار ما يبقى على ما يفنى، ووردت بخصوصه نصوص من أصحها قول النبى صلى الله عليه وسلم " من احتكر فهو خاطف " وما عدا ذلك فهى نصوص فيها مقال، مثل " من احتكر طعاما أربعين فقد برئ من اللَّه وبرئ اللَّه منه " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم، يقول الحافظ المنذرى: فى هذا المتن غرابة، وبعض أسانيده جيد، ومثل " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " رواه ابن ماجه والحاكم، وفى سنده مجهول، ومثل " من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام والإفلاس " رواه ابن ماجة، وفى إسناده كلام، ومثل " من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقذفه فى جهنم رأسه أسفله " رواه أحمد والطبرانى، وفى سنده مقال [الترغيب والترهيب للحافظ المنذرى ج 2 ص 27 2 طبعة صبيح] 0 وجاء فى حديث بسند غير مقبول ما يبين خُلُق المحتكر فيقول "بئس العبد المحتكر، إن أرخص اللَّه الأسعار حزن، وإن أغلاها فرح " وليس منه التاجر الذى يعرض البضاعة للبيع ويشترى غيرها ليبيعها فالمحتكر هو الذى يحبس السلعة حتى تشتد حاجة الناس إليها فيمتنع عن بيعها إلا بسعر غال، وربما لا يشترى غيرها ليبيعها مرة ثانية، [فتوى شيخ الأزهر-منبر الإسلام عدد شوال 1391 هـ] والإمام النووى يفرق بين من يملك غلة من مصدر غير الشراء، ومن يملكها بالشراء ليتاجر فيها،فقد سئل: إذا دخل عليه غلة من ملكه فتربص بها الغلاء للمسلمين وامتنع من بيعها وقت الرخص، هل يكون ذلك احتكارا، ويفسد بفعله ذلك، وهل هو حرام؟ فأجاب ليس هذا باحتكار، ولا يحرم ولا يفسق به، وإنما الاحتكار أن يشترى القوت فى وقت الغلاء ويمتنع من بيعه فى الحال لانتظار زيادة الغلاء وإذا اشترى فى وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارا ولا يفسق به أيضا ولا ترد شهادته [فتاوى الإمام النووى المسماة بالمسائل المنثورة ج 2 ص 75 نشر مجلة الأزهر فى صفر 1411 هـ] ويراعى أنه ذكر أن الشراء كان فى وقت الرخاء ولا توجد مجاعة ولا حاجة ملحة لهذه السلعة، فانتظر حتى يغلو السعر الذى تتحكم فيه عوامل العرض والطلب والظروف الأخرى، ومثل سلعته موجود عند غيره لمن يريد أن يشترى.
3- تدخل ولى الأمر: جاء فى فتاوى ابن تيمية، نشر المملكة السعودية " مجلد 28 ص75 " المحتكر هو الذى يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين، ولهذا كان لولى الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس فى مخمصة فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل ولهذا فال الفقهاء: من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره
(9/380)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:35 pm

السعر والتسعير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز للحاكم أن يفرض سعرا معينا للسلع؟

الجواب
التعريف: السعر هو القدر الذى تقوَّم به السلعة، والتسعير هو وضع قيمة للسلعة، والسعر يتحكم فيه غالبا عاملا العرض والطلب، أما التسعير فيكون بتدخل ولى الأمر.
2- الحكم: جاء فى فتاوى ابن تيمية " مجلد 28 ص 76 "عن تدخل ولى الأمر فى الأسعار: أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب. .
وضرب مثلا للتسعير الذى لا يجوز بما حدَّث به أنس رضى الله عنه أنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقالوا:
يا رسول الله لو سعرت؟ فقال " إن اللَّه هو القابض الباسط الرزاق المسعر، وإنى لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبنى أحد بمظلمة ظلمتها إياه فى دم ولا مال " رواه أبو داود والترمذى وصححه. فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر إما لقلة الشىء وإما لكثرة الخلق فهذا إلى الله، فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.
ثم ضرب مثلا للتسعير الذى يجوز فقال: إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم به.
وجاء مثل ذلك فى فتوى الشيخ عبد المجيد سليم سنة 1943 م [الفتاوى الإسلامية المجلد 3 ص 815] وفيها: أن الحكومة إذا سعَّرت وجب العمل بما سعرت به وحرم التعدى، لأن طاعة ولى الأمر واجبة بالكتاب والسنة والإجماع إذا أمر بما ليس بمعصية.
3- التبليغ عن المخالف: جاء فى الفتوى المذكورة أنه يجب على من يعلم أن من التجار من يبيع بأسعار مرتفعة تزيد عن الأسعار المقررة أن يبلغ الحكومة بذلك، فإذا كان من يعلم ذلك شخصا واحدا وجب عليه التبليغ، فإن لم يبلغ كان آثما، وإذا كان من يعلم أكثر من واحد وجب عليهم أن يبلغوا، فإذا قام به بعضهم لم يأثم أحد منهم، لحصول المقصود بتبليغ بعضهم، وإذا تركوا كلهم التبليغ كانوا جميعا آثمين كما هو حكم الواجب الكفائى. انتهى.
وأنبه إلى ما جاء فى جواز التسعير أو وجوبه من أن المقصود منه هو العدل ومنع الظلم، فيكون التسعير مراعى فيه العدل الذى لا ظلم فيه للتجار ولا للشعب، بمعنى أن يكون بعد دراسة وافية يدخل فيها تغير الظروف، ويعدل السعر تبعا للمتغيرات من أجل تحقيق العدالة للتجار والشعب، ومنع الخروج على القوانين والقرارات بحيلة أو بأخرى.
وإذا كانت طاعة ولى الأمر واجبة فمحلها فيما لا معصية ولا ظلم فيه، وفيما يساعد على النشاط الاقتصادى العادل الذى يشجع عليه التنافس الشريف الذى يوازن بين الحقوق والواجبات فى إطار التعاون على الخير الذى يفيد منه كل الأطراف. والكل يعانى من القوانين والقرارات الجامدة التى يراعى فيها جانب واحد، مما يتيح الفرصة للتملص منها بأى أسلوب من الأساليب
(9/381)
________________________________________
السمسار

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
للسماسرة نشاط كبير فى التجارة، فهل عملهم حلال، وما حكم المال الذى يكسبونه من ذلك؟

الجواب
السمسار هو الوسيط الذى لم يأخذ صفة الوكيل الشرعى، ولا يفيد كلامه مع الناس تعاقدا شرعيا ملزما، لأنه لا يملك السلعة التى يتوسط فى بيعها أو شرائها، وما يأخذه من الناس فى سبيل إتمام الصفقة إن كان بسخاء نفس فلا مانع منه، وإلا فهو سحت. وقد يحكم له بأجر المثل على العمل الذى أتمه.
لكن إن أخذ صفة الوكيل، بأن قال له شخص: اشتر لى هذه السلعة، وسأعطيك كذا فى مقابل تعبك وعملك فلا حرمة فى العمل ولا فى الكسب. أما إذا قال له: اشتر لى هذه السلعة وسأعطيك 10 % (عشرة فى المائة) من الثمن يجب عليه أن يكون صادقا فى الإخبار عن الثمن، فإن كذب وزاد فيه حتى تزيد عمولته كان ذلك حراما فالواجب على من يقوم بالوساطة على صفة الوكالة أو الإجارة أن يكون صادقا وأمينا ورحيما حتى يبارك اللَّه له فى كسبه.
وأحذر الوكلاء والمفوضين فى توريد أو شراء شىء لشخص أو شركة أو هيئة مثلا أن يتفقوا مع مالكى السلعة على تحرير مستندات بثمن أعلى ليحصله من الجهة التى فوضته فى حين أنه دفع أقل من ذلك، ليأخذ الفرق له، فتلك خيانة، فإذا وافق من فوضوه على أنه دفع ثمنا أو اتفق على سعر أقل من المعتاد. على أن يكون الفرق له فهو حلال. والمهم أن يكون صادقا غير متواطئ على الكسب بهذه الحيل، وألا يكون فيها خسارة للجهة الموردة أو المالكة للسلعة، لأنها غير موافقة أو لأنها جاهلة بتصرف من باع هذه السلعة.
وأمثال هذه التصرفات البعيدة عن موافقة الطرفين مظنة للاتهام، بل مدرجة إلى ارتكاب أمور خطيرة، ستكشف الأيام عنها، وبخاصة إذا اختصم اللصان. ومندوب المشتريات الذى يأخذ من البائع عمولة أو إكرامية، لأنه اشترى منه وآثره على غيره، أو أخذ منه كميات كبيرة، إن تمت الصفقة على الشروط والمواصفات والثمن المعلن عنه، ولم يكن هناك ظلم ولا اختلاس كان ما يعطيه البائع - شخصا أو شركة أو غيرهما-كهدية له لا مانع منه شرعا، أما إن كان هناك غش فى التغاضى عن بعض الشروط والمواصفات، أو ظلم لمن رسا عليه المزاد مثلا كان ما يأخذه حراما، سواء شرطه على مالك السلعة أم لم يشرطه.
ومع ذلك ينبغى التعفف عنه بقدر الإمكان، والقيام بالواجب المنوط به على الوجه المرضى، دون نظر إلى هدية أو مكافأة -مادية أو أدبية - فيؤديه بحكم وظيفته أو عمله، والأمر يعود بعد ذلك إلى من أعطاه وبقدر نيته يكون جزاؤه عند الله.
وإذا كانت الشبهات من باب الحلال، أى غير الحرام، فالأولى البعد عنها، فإن أقل ما فيها هو القيل والقال. وما عند الله خير وأبقى لمن أخلص فى عمله راجيا ثوابه، قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف: 30
(9/382)
________________________________________
التصرف فى المال الحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إنسان اكتسب مالا حراما وأراد أن يتوب إلى الله فماذا يفعل؟

الجواب
من اكتسب مالا حراما أو أخذه بغير وجه حق، وأراد أن يتوب إلى الله، وجب عليه بعد الندم والعزم على عدم العود إلى المعصية أن يرد الحقوق إلى أصحابها، وذلك إذا كانوا معروفين يردها إليهم أو إلى ورثتهم ما أمكن ذلك، أو يطلب منهم التنازل عنها، فإن لم يستطع التعرف عليهم وجب عليه أن يضعها فى منفعة عامة، أو يتصدق بها عنهم، كما فعل عمر بن الخطاب مع المتسول الذى طلب منه طعاما فأحاله على صحابى فأطعمه، ثم عاد يسأل فوجده محترفا ومعه زاد كثير، فأمر بطرحه أمام إبل الصدقة لأنها منفعة عامة للمسلمين. .
جاء فى تفسير القرطبى "ج 3 ص 366" ما نصه:
قال علماؤنا: إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام: إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن كان حاضرا، فإن آيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك فى أي من ظلمه، فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه، فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع، إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى فى يده إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة من اللباس، وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبتيه، وقوت يومه.
لأنه الذى يجب له أن يأخذ من مال غيره إذا اضطر إليه، وإن كره ذلك من يأخذه منه.
وفارق هاهنا المفلس فى قول أكثر العلماء، لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيروها إليه، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه، وأبو عبيدة وغيره يرى ألا يترك للمفلس من اللباس إلا أقل ما يجزئه فى الصلاة، وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته، ثم كلما وقع بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه
(9/383)
________________________________________
سداد الدين بعملة مغايرة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
إذا اتفق شخص مع شركة على شراء سلعة بثمن معلوم يدفع فى المستقبل، واتفق مع مصرف على أن يمول تلك الصفقة بعملة غير العملة التى تم بها الشراء، فهل يجوز أن يراعى عند السداد سعر العملة التى تمت بها الصفقة وقت السداد، أو يراعى سعرها وقت التعاقد؟

الجواب
هذه الصورة ليست بيع عملة بعملة، ولكنها سداد دين تعلق بالذمة كالقرض. والأصل فى سداد الدين أن يكون بالعملة نفسها، فإذا كان هناك اتفاق على السداد بعملة أخرى فالاتفاق معتبر، سواء أكان بالسعر وقت تعلق الدين بالذمة أو وقت الوفاء به، وإن لم يكن هناك اتفاق فلا يُرغَمُ الدائن على قبول عملة تحقق له خسارة، ومن هنا رأى المدين أن يراعى سعر العملة وقت السداد، وهو ما يقضى به العدل والإحسان فى القضاء الذى نص عليه الحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء" كما رواه البخارى ومسلم.
لكن ورد حديث صورته قريبة من هذه الصورة إن لم تكن عينها أو مثلها: وهو: أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنى أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير واَخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم واَخذ الدنانير، فقال "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء " رواه الخمسة - أحمد وأصحاب السنن الأربعة - وقد صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقى. لكن الترمذى ذكر أن الحديث موقوف على ابن عمر وليس مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم والبيهقى قال عنه: تفرد برفعه: سماك بن حرب، وقال شعبة: رفعه سماك وأنا أفرقه (كذا) .
ومهما يكن من شيء فقد قال الشوكانى: فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذى فى الذمة بغيره، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعا، بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما فى الذمة كالحاضر، وفيه أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض فى المجلس، لأن الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا بشرط وقوع التقابض فى المجلس، وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله والحسن والحكم وطاووس والزهرى ومالك والشافعى وأبى حنيفة والثورى والأوزاعى وأحمد وغيرهم - وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب -وهو أحد قولى الشافعى -أنه مكروه، أى الاستبدال المذكور، والحديث يرد عليهم.
واختلف الأولون -وهم المجيزون -فمنهم من قال: يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع فى الحديث، وهو مذهب أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعى: إنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص، وهو خلاف ما فى الحديث من قوله "بسعر يومها" وهو أخص من حديث "إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" فيبنى العام على الخاص، انتهى ما قاله الشوكانى فى نيل الأوطار ج 5 ص 166 ".
والظاهر أن الصورة التى فى السؤال هى التى فى الحديث، واشترط فيها التقابض فى المجلس، أى وقت عقد الصفقة، إعمالا لحديث بيع العملة بعملة أخرى بشرط التقابض، وعليه فإن الصورة المسئول عنها لا تصح لأن العملة الأخرى مؤجلة لا تقبض إلا بعد مضى مدة من وقت الشراء.
وهذا فى صورة بيع أو استبدال عملة بعملة، لكن روى عن ابن عمر صورة فيها قضاء دين بعملة مغايرة، وهى أنه سئل عن أجيرين له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير، فقال أعطوه بسعر السوق، لأن هذا جرى مجرى القضاء، فقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس والتماثل هاهنا، دنانير بدراهم - من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة.
ألا يدل هذا الكلام على أنه يجوز سداد الدين بعملة أخرى بسعر يوم السداد، وهو متأخر عن يوم الاستدانة؟ الأمر يحتاج إلى نظر.
هذه الرواية الثانية عن ابن عمر- ذكرها الدكتور أبو سريع عبد الهادى - خريج كلية الشريعة والقانون بالأزهر- فى كتابه "الربا والقرض فى الفقه الإسلامى ص 72" معتمدا فى نقله على المصادر الآتية:
(1) المغنى ج 4 ص 52، 54، 55.
(2) حاشية ابن عابدين ج 5 ص 266، 267.
(3) الكافى ج 2 ص 643، 644.
(4) كشاف القناع.
هذا، وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامى فى دورة مؤتمره الثامن المنعقد فى بندر سربجادن بإمارة بروناى دار السلام عدة قرارات، منها:
ا -يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد لا قبله على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد، وكذلك يجوز - فى الدين على أقساط بعملة معينة - الاتفاق يوم سداد أى قسط أيضا على أدائه كاملا بعملة مغايرة بسعر صرفها فى ذلك اليوم. ويشترط فى جميع الأحوال ألا يبقى فى ذمة المدين شىء مما تمت عليه المصارفة فى الذمة، مع مراعاة القرار رقم 55 / 1 / د 6 بشأن القبض.
2 -يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الآجل أو الأجرة الموجلة بعملة تدفع مرة واحدة أو على أقساط محددة من عملات متعددة أو بكمية من الذهب، وأن يتم السداد حسب الاتفاق.
"مجلة الهداية الصادرة بالبحرين فى ربيع الثانى 1414 هـ (أكتوبر 1993 م) "
(9/384)
________________________________________
التوفير فى بنوك أجنبية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن نوفر جزا من راتبنا بالدولار فى بنك أجنبي ولا نقصد بذلك إلا حفظ رواتبنا من التآكل لكن البنك يعمل لدى البنوك الأوروبية والأمريكية بالمبالغ التى نوفرها وبغيرها، وفى نظير ذلك يعطينا أرباحا بنسبة غير محددة، فهل هذه الأرباح حلال أم حرام؟

الجواب
إن هذه المعاملة تدور بين الوديعة والقرض والقراض، وبيان ذلك.
ا -إذا كانت وديعة فلا يجوز للمودَع عنده التصرف فيها إلا بإذن المودع، لأنها مضمونة ترد بذاتها أو ببدلها إن تلفت، سواء أكان هذا البدل عينا أم قيمة، وحيث إن المودع عنده وهو البنك قد تصرف فيها فتكون أرباحها والناتج منها ملكا لصاحبها المودع وللبنك أجر هذا الاستثمار، وهذا إذا كان الاستثمار حلالا، إلا إذا أذن المودع، للبنك فى استثمارها فيكون الناتج ملكا للبنك. .
لكن قال العلماء: إن وديعة النقود لا تضمن بذاتها وعينها، بل يجوز أن ترد إلى صاحبها نقودا أخرى مساوية لها فى قيمتها، وتعتبر حينئذ قرضا حيث أذن للمقترض أن يتصرف فيها كما يشاء، وعليه فلا يستحق صاحب الوديعة "القرض " أكثر منها، وقد قررت بعض القوانين المدنية أن الوديعة المأذون فى التصرف فيها تعتبر قرضا، كالقانون المدنى المصرى حيث جاء فى المادة 726 منه: إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أى شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وكان المودع عنده مأذونا فى استعماله اعتبر العقد قرضا.
2 - وإذا كانت هذه النقود المودعة فى البنك للحفظ أخذت صفة القرض، وأعطى البنك عليها أرباحا فينظر إلى القاعدة المعروفة "كل قرض جر نفعا فهو ربا" والعلماء فيها فريقان:
ا - فريق قال: يكون القرض الذى جرَّ نفعا من باب الربا إن كان النفع مشروطا فى العقد، أما إذا لم يكن مشروطا فإن النفع يكون من باب الهدية يجوز قبوله كما رد الرسول قرض اليهودى بأكثر منه.
ثم قال هذا الفريق: العرف ينزل منزلة الشرط، يعنى إذا كان معروفا أن هذا القرض سيجر نفعا حتى لو لم يكن مشروطا فى صلب العقد، فهو من باب الربا، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وأصحاب السؤال يقولون: إننا لا نريد أرباحا، فإذا كانوا قد وقَّعوا عند الإيداع على رفض الأرباح، ويكون ما يعطيهم البنك لهم من باب الهدية فيجوز قبولها، أما إذا لم يوقِّعوا على رفض الأرباح، أو وقعوا وكانوا يعلمون أن البنك لابد أن يعطيهم، سواء رضوا أم أبوا - لأن القانون يقرر ذلك -كانت الأرباح التى تعطى لهم من قبيل الربا.
ب -وفريق من العلماء قال: إن أى نفع من القرض يكون ربا، سواء شرط ذلك أو لم يشرط، وسواء عرف أو لم يعرف.
وعلى هذا فما هو موقف المودعين من هذه الأرباح إن كانت ربا، هل يتركونها للبنك أو يأخذونها؟ رأيان، ولكن الأوفق هو أخذها وعدم تركها للبنك، على أن يوجهوها للمنفعة العامة، كمال حرام كان يجب رده إلى أصحابه الذين أخذها البنك منهم، ونظرا لتعذر ذلك يصرف المال للمنفعة العامة، ولا ينتفع به من أخذه فى مصالحه الشخصية.
3-أما أن يعتبر هذا المال المودَع فى البنك من باب القراض والمضاربة فممنوع لأن الشرط فى صحة المضاربة الاتفاق بين الطرفين على تقسيم الربح ومعرفة نسبة التقسيم، وألا يشترط ضمان رأس المال إلا بالتعدى، وذلك غير موجود فى الصورة التى فى السؤال، وعليه فلا حق للمودعين فى الأرباح التى يعطيها لهم البنك وبخاصة أن استثمار المال كان بطريق غير مشروع وهو الإقراض للبنوك الأجنبية بنسبة معينه.
فالخلاصة أن المعاملة المذكورة فى السؤال من باب القرض الذى جر نفعا، سواء أكان مشروطا أم غير مشروط لكنه معروف عرفا، فالأرباح ربا تصرف فى المنافع العامة
(9/385)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:36 pm

أجر تقديم الخمور

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أنا أعمل فى محل عام أقدم فيه المشروبات للرواد من أجل زيادة راتبى القليل الذى كنت آخذه من العمل فى قسم آخر لأستطيع أن أعول أسرتى فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
رأى الدين واضح فى حرمة الاشتراك فى تناول المحرمات بأى نوع من أنواع الاشتراك والحديث قد نص على ذلك، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة، عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشترى له " رواه ابن ماجه والترمذى واللفظ له وقال: غريب، قال الحافظ رواته ثقات.
فالذى يقدم الخمر للشاربين شريك فى الإثم بنص الحديث، لأنه إما راض عن فعلهم والراضى بالمعصية يعاقب عقاب من عملها، وإما مساعد عليها، والمساعد على المعصية مشترك فى العقاب مع العاصى.
وأقول للسائل: إن الأجر القليل من عمل حلال إذا كان يغطى الضروريات فقط التى تمسك الحياة وتدفع الموت وتحول دون العجز فهو راتب يباركه الله، أما ما وراء ذلك الضرورى فلا يجوز أن يحصَّل من الحرام
(9/386)
________________________________________
البيع بالمزاد

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يدخلون فى المزايدات لا بقصد الشراء ولكن بقصد إعلاء الثمن؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن ابن عمر وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش وذم الناجش، والنجش فى اللغة هو تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، وفى الشرع الزيادة فى ثمن السلعة، وقد يكون ذلك بمواطأة البائع فيشترك مع المشترى فى الإثم، وقد يكون بغير علمه فيختص بذلك المشترى، وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك.
وفسر الشافعى صورة بيع النجش بأن تحضر السلعة لتباع، فيعطى إنسان لها ثمنا ولا يريد شراءها، وذلك حتى يقتدى به السُّوَّام، أى الراغبون فى الشراء، فيعطوا بها ثمنا أكبر، أى يقدرون لها سعرا أكبر مما كانوا يقدرونه لو لم يسمعوا سومه، وهذا ما يسمى الآن ببيع المزايدة.
وحاصل ما قيل فيه: إن زيادة السعر وتنافس المساومين إن لم يكن الغرض من ذلك شراء السلعة، وكان الغرض تغرير الغير ليتوهم أنها تساوى ما سمعه من الأثمان فيدفع فيها ثمنا أعلى ليفوز بها-كانت المزايدة محرمة، ويشترك فى الإثم كل من له دخل فيها أو علم بها ورضى عنها. أما إذا كانت المزايدة من الشخص بقصد شراء السلعة لا بقصد التغرير فلا تكون محرمة.
وإذا كانت المزايدة بقصد التغرير محرمة فهل يبطل البيع أو يقع صحيحا مع حرمته؟ نقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك ليبيع، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعته. والمشهور عند المالكية ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية والأصح عندهم -أى الشافعية- صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية "نيل الأوطار ج 5 ص 175 "
(9/387)
________________________________________
البيع بشرط المنفعة للبائع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحصل فى بعض الأحيان أن يبيع الإنسان أرضا أو عقارا لأحد أقاربه ويشترط أن يبقى الانتفاع بهذا المبيع حقا للبائع، ولا يملكه المشترى إلا بعد وفاة البائع، فهل هذا البيع صحيح؟

الجواب
وجِّه مثل هذا السؤال إلى الشيخ محمد بخيت المطيعى المفتى الأسبق وأجاب عليه فى جمادى الأولى سنة 1333 هـ (1915 م) بأنه بيع فاسد على مذهب الإمام أبى حنيفة، الذى كان هو المذهب الرسمى للإفتاء، وعلَّله بأن فيه شرطا فاسدا فى صلب العقد الذى لا يقتضيه ولا يلائمه، ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه، وفيه نفع للبائع مع أن منفعة المبيع هى للمشترى بمقتضى العقد، وما دام المبيع لم يتسلمه المشترى فهو باق فى ملك البائع يجوز له فسخه. وإذا قبضه المشترى مع وجود هذا الشرط كان ملكا له.
"الفتاوى الإسلامية المجلد الثالث ص 794".
ووجه مثل هذا السؤال إلى الشيخ عبد الرحمن قراعة فأجاب عليه فى شوال 1339 هـ (1921 م) بمثل ذلك. ولم يجعل العقد وصية، لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرج، والتمليك فى هذه الصورة ليس تبرعا. "المصدر السابق ص 807".
وبمثل إجابة الشيخ قراعة أجاب الشيخ محمد إسماعيل البرديسى فى شوال 1339 هـ (يونية 1921 م) "الفتاوى الإسلامية - المجلد الرابع ص ا 156 ".
وهناك وجهة نظر تقول: لو باع الإنسان أو وهب أرضا أو عقارا لإنسان آخر، وجعل استغلاله لهذه الأرض أو العقار جزءا من الثمن أو المقابل أو هو كل الثمن أو المقابل، وتم البيع أو الهبة بتسليم العين للمشترى أو الموهوب له، ثم أعطى للبائع حق الاستغلال لها، فما هو المانع من صحة هذه المعاملة؟ طرفان فى العقد وعين وقع عليها العقد ومقابل للعين وهو انتفاع البائع بها لمدة.
إنها وجهة نظر معقولة قد يتغير بها الرأى الذى جاء فى الفتاوى السابقة
(9/388)
________________________________________
زمن الإجارة والتأجير من الباطن

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى عقد الإيجار الذى يمتد سنوات طوالا، وما الحكم إذا قام المستأجر بتأجير الأرض إلى شخص آخر بأضعاف السعر الذى تعاقد به مع المالك؟

الجواب
عقد الإجارة لبيت أو أرض أو أى شىء آخر ينتهى بانتهاء الأجل المضروب لها أو المهمة التى تعاقد الطرفان عليها، فإذا انتهى الأجل أو المهمة وجب تسليم العين لمالكها، ويحرم على المستأجر استغلالها أو إمساكها.
وفى أثناء المدة المتعاقد عليها يجوز للمستأجر أن يؤجر لغيره هذه العين، لأنه يملك المنفعة منها، فله الحق فى التصرف فيها بوجوه الانتفاع التى لا تضر بالعين، إلا إذا جرى الاتفاق بغير ذلك. أما لو أمسك المستأجر العين ولم يسلمها لصاحبها فكل كسبه وانتفاعه منها حرام وسحت، لأنه ليست هناك إجارة على التأبيد حتى لو أجازها القانون، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به
(9/389)
________________________________________
ميراث من حرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
والدى ترك لنا أرضا وعقارا لكنه كان يتعامل أحيانا بالربا ويأخذ الرشاوى فهل ميراثنا منه حلال أم حرام؟

الجواب
يقول الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "ج 2 ص 115:
رجل ورث مالا ولم يدر أن مورثه اكتسبه من حلال أم من حرام، ولم تكن ثمة علامة، فهو حلال باتفاق العلماء، وإن علم أن فيه حراما وشك فى قدره أخرج مقدار الحرام بالتحرى والاجتهاد، وقال بعض العلماء: لا يلزمه والإثم على المورث، واستدل بما روى أن رجلا ممن ولى عمل السلطان مات فقال صحابى: الآن طاب ماله، أى لوارثه، وهذا ضعيف، لأنه لم يذكر اسم الصحابى، ولعله صدر من متساهل، فقد كان فى الصحابة من يتساهل ولكن لا نذكره لصحبته
(9/390)
________________________________________
اختلاط المال الحلال بالحرام

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
رجل كسبه مختلط فيه الحلال والحرام هل يجوز أكل شىء منه؟

الجواب
قال الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين"ج 2 ص 93: لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام، والدليل:
1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم، كما لم يتركوا شرب الخمور ولا تركوا المعاصى، وأدرك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة، وقد نهبها أصحاب يزيد ثلاثة أيام، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة.
2 - لو فتح هذا الباب لانسد باب جميع التصرفات وخرب العالم، إذ الفسق يغلب على الناس، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط، ولو قيل: إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط بالحلال الآن أقول: ليس حراما وإنما الورع تركه.
وفى "ص 96": لو طبق الحرام الدنيا حتى علم يقينا أنه لم يبق فى الدنيا حلال كنت أقول نستأنف تمهيد الشروط من وقتنا ونعفو عما سلف ونقول: ما جاوز حده انعكس إلى ضده، فمهما حرم الكل حل الكل، وذلك لأن الناس لو تركوا الأكل منه ماتوا عن أخرهم، ولو اقتصروا على قدر الضرورة فسيئول أمرهم إلى الموت، فالذى نراه أن كل ذى يد على ما فى يده، وهو أولى به، لا يجوز أن يؤخذ منه سرقة وغصبا، بل يؤخذ برضاه، والتراضى هو طريق الشرع.
وقال فى صفحة 108: شخص معين خالط ماله الحرام مال حلال، فإن كان الأكثر حراما لا يجوز الأكل من ضيافته ولا قبول هديته وصدقته إلا بعد التفتيش، فإن ظهر أن المأخوذ من وجه حلال فذاك، وإلا ترك، وإن كان الحرام أقل والمأخوذ مشتبه فهذا فى محل النظر.
وفى ص 109 قال: فإن قيل: روى عن علىَّ الترخيص فى أخذ ما يعطيه السلطان له، وابن مسعود بجواز الأخذ من الجار صاحب المال الخبيث وقال: عليه المأثم ولك المهنأ، وقال بجواز الأكل من الجار الذى يتعامل بالربا، ورويت عنه روايات كثيرة مختلفة، وأخذ الشافعى ومالك جوائز الخلفاء والسلاطين، مع العلم بأنه خالطه حرام.
ويرد الغزالى بقوله: علىّ كان شديد الورع فليس معقولا أن يرخص فى ذلك، وإن كان يمكن الترخيص فى مال السلطان لكثرة ما فيه من حلال، وكذلك ما نقل عن الشافعى ومالك، لأن الحلال أكثر فى مال السلطان.
وأما قول ابن مسعود فنقله عنه خَوَّات التيمى، وهو ضعيف الحفظ، وابن مسعود اشتهر بتوقى الشبهات.
وفى ص 110 قال: ليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه إذا كان الحلال أكثر، أما إذا كان الحرام أكثر فعليه أن يسأل ولا يبالى بغضبه، لأنه ظالم.
وفى ص 117 قال: إن كان فى يده حلال وحرام أو شبهة وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا كان له عيال فليختص نفسه بالحلال ويطعم أولاده الحرام بقدر الحاجة ويقدم الأهم على المهم.
هذه الصورة مفروضة فى أن الرجل محتاج، أما غير المحتاج فلا يطعم أولاده الحرام.
وفى ص 118 قال: إذا كان الحرام أو الشبهة فى يد أبويه فليمتنع من مؤاكلتهما، فإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، فإن كان شبهة وكان امتناعه للورع فقد عارضه أن الورع طلب رضاهما، بل هو واجب، فليتلطف فى الامتناع، فإن لم يقدر فليوافق وليقلل الأكل ولا يتوسع، ولو ألبسته أمه ثوبا من شبهة وكانت تسخط برده فليقبل وليلبسه بين يديها، ولينزعه فى غيبتها.
هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى"ج 2 ص 09 ا"ما نصه:
قال ابن خُوَيْزِ منداد: وأما أخذ الأرزاق "المرتبات " من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال.
إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره.
وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه، ويجوز للمحتاج أخذه، وهو كلصٍّ فى يده مال مسروق ومال جيد حلال قد وكَّلَه فيه رجل، فجاء اللص يتصدق به على إنسان، فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة، وإن كان من الجائز أن يتصدق اللص ببعض ما سرق إذا لم يكن شىء معروف بنهب، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما، وإن كان الورع التنزه عنه، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها.
وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم، ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد، فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين
(9/391)
________________________________________
إجارة ومزارعة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز سداد إيجار الأرضى الزراعية من المحصول الذى يزرع فيها بالاتفاق بين المالك والمستأجر؟

الجواب
إيجار الأرض الزراعية مبلغ معلوم متفق عليه بين المالك والمستأجر، يُلْزم بدفعه المستأجر من أى مصدر وبأية وسيلة، ما دام هناك اتفاق على ذلك، والمؤمنون عند شروطهم.
هذا إذا كان العقد عقد إجارة، وهو كما قال الفقهاء، العقد على منفعة معلومة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم، كأن أجَّر له الأرض لمدة سنة أو لزرع القمح مثلا لقاء مبلغ معين كمائة جنيه مثلا، أو أردب من قمح أو من ذرة أو من أرز مثلا.
لكن هناك عقدًا آخر اسمه "المزارعة " وهو أن يعطى المالك أرضه لزارع يزرعها، والمالك يعطى الزارع بعض ما يخرج منها، ويكون البذر والتكاليف من صاحب الأرض أو حسب الاتفاق، فما يأخذه الزارع هو أجره على العمل، وقد يكون البذر من المستأجر ويسمى هذا العقد "مخابرة "وفيه خلاف للفقهاء فى جواز هذه المعاملة وعدم جوازها.
والصورة الواردة فى السؤال الظاهر أنها إجارة، والعوض هو جزء معين من المحصول كأردب من القمح أو الذرة مثلا، وهى جائزة، ولا يتحتم أن يكون العوض من المحصول نفسه، بل يجوز أن يكون من قمح آخر يساوى فى قيمته قيمة الناتج من هذه الأرض، اللهم إلا إذا شرط المالك أن يكون العوض من الناتج من أرضه، فينفذ الشرط
(9/392)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:40 pm

الوديعة والقرض والمضاربة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو الحكم الشرعى فى شهادات الاستثمار ذات العائد المحدد، وهل يصدق عليها أنها وديعة أو من باب المضاربة كما يقول بعض الناس؟

الجواب
لقد وجه مثل هذا السؤال إلى الأزهر ونشرت الإجابة فى مجلة منبر الإسلام، عدد رمضان 1392 (أكتوبر 1972 م) ، وعلى الرغم من أن حكمها قد سبق نشره فإن فى إعادة نشره تأكيدًا له، وإبطالا لدعاوى من يروجون لحِلِّ هذه المعاملة، وهذا نص الإجابة:
لقد صدرت الفتوى عقب ظهور هذا النوع من المعاملة، وجاء فيها أن ذلك من باب القرض الذى جر نفعا، فهو بالتالى ربا، لأن عمليات البنوك فى هذه الشهادات هى جمع الأموال وإعطاوها للمؤسسات والهيئات وجهات الاستثمار الأخرى بفائدة كبيرة، وإعطاء أصحاب الشهادات فوائد أقل مما تحصل عليه من هذه الجهات، والفرق ربح لها، ولا صلة لها بجهات الاستثمار، فلها ربح محدد منها على المال الذى أخذته، فالأمر لا يعدو أن يكون قروضا جاءت بفائدة.
وما يقال من أن الأموال ودائع عند البنك وليست قروضا-يرد عليه بأن الوديعة إذا ردت لصاحبها ترد كما هى دون زيادة أو نقص، بل قال العلماء: إنه لا يجوز التصرف فى الوديعة خصوصا بما يعرضها للتلف، فمن أين يستحل صاحب الوديعة هذه الأرباح؟ على أنها لا تأخذ شكل الوديعة، لأن الوديعة مطلوب حفظها لردها حين طلبها، وهذه موجهة أصلا للاستثمار لا للحفظ، فهى سلفة جاءت من الناس إلى البنك، وهو بدوره يقرضها لجهات الاستثمار.
هذا، وقد قال جماعة من الفقهاء العصريين: إن الأمر لا يعدو أن يكون من باب المضاربة، مع أن المضاربة يعطى فيها الإنسان مالا لغيره ليستثمره ويعطيه نصيبا من الربح بنسبة معينة، وقد يكون عائد هذه النسبة قليلا وقد يكون كثيرا، حسبما يحقق رأس المال من ربح، وقد تكون هناك خسارة.
قال هؤلاء: إن البنك وسيط بين الناس وبين شركات وجهات الاستثمار، يأخذ هو فروق الفوائد للصرف على العاملين به مثلا، وعلى هذا يكون التعامل بين الطرفين على أساس المضاربة والربح مضمون وكبير، سواء فى حجمه المادى أو المعنوى بسبب الخدمات التى يؤديها هذا النشاط للبلد فى ظروفها الحالية بالذات، قالوا هذا مع علمهم بأن الربح محدد، وقد قال العلماء المتقدمون بأنه يفسد عقد المضاربة، أما هم فقالوا: إن تحديد الربح لا يفسد العقد، فلماذا يخالفون ما تواضع عليه الفقهاء منذ مئات السنين؟ .
والإسلام يشجع استثمار الأموال ويكره حبسها وعدم سيولتها، ولذلك أوجب عليها الزكاة إذا لم تتحرك وظلت جامدة، ووجوه الاستثمار الحلال كثيرة، وعندنا الشركات متوفرة، وبعضها يحقق ربحا لا بأس به، وهو خاضع للظروف المختلفة لهذه الشركات، والتجارة فى أصل مفهومها تكون عرضة للربح والخسارة.
هذا نص الحكم الذى نشر من سنة 1972 م، ومحاولة الرجوع فيه تحايل يأباه الدين، وقد ذم الله به اليهود الذين أحلوا به ما حرم الله عليهم
(9/393)
________________________________________
خلو الرجل

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الشرع فيما يسمى الآن بخلو الرجل؟

الجواب
شاع بين الناس الآن بسبب تزايد السكان وكثرة الطلب وقلة المعروض من الأراضى والبيوت والمحلات، وبسبب بعض القوانين الخاصة بالعلاقة بين المالك والمستأجر، أن بعض المستأجرين لبيت أو محل يعطيه لغيره فى مقابل مبلغ يقدره كيف يشاء، وذلك بدون علم المالك أو موافقته، وقد يتوارد على هذا المكان المؤجر عدد كبير من الناس عن طريق خلو الرجل الذى اتخذ كحرفة أو مهنة أو تجارة، بل يحدث أن المستأجر للأرض إذا طلبها منه صاحبها يطلب منه مبلغا كبيرا أو أن يتنازل عن جزء كبير من الأرض فى مقابل إخلائها وتسليمها له.
وإذا كانت بعض القوانين وضعت فى فترة معينة لأغراض معينة، فقد تغيرت الظروف وضَجَّ الملاك بالشكوى من هذا الظلم الفادح، وتعطلت بسبب ذلك مشروعات كثيرة كبناء المساكن التى خاف الناس من استغلال أموالهم فيها، أو ترك المبانى خالية خوف تسلط المستأجر عليها وتعذر استردادها منه.
والنداءات كثيرة لمراعاة الشريعة فى وضع القوانين التى ظهر فسادها بعد تجربتها، وإذا كانت القوانين غير شرعية فالواجب على المتعاملين أن يبتعدوا عنها ولا يتمسكوا بها، ولا يجوز مطلقا أن يلقوا المسئولية على واضعيها ليتملصوا هم من التبعة، فالمبدأ الإسلامى معروف: لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
وقد وجه سؤال إلى مفتى الديار المصرية الشيخ جاد الحق على جاد الحق فى هذا الموضوع، فأجاب فى 3 من يوليو سنة 1980 م بما نصه:
أخذ المستأجر نصف الأرض المؤجرة إليه فى نظير إخلائها ليتمكن المالك من بيعها أمر محرم شرعا، لأن عقد الإجارة لا يستتبع ملكية العين المؤجرة، ويصبح هذا - إن تم - من باب أكل أموال الناس بالباطل المنهى عنه بقول الله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} النساء: 29، ويكون إثمه على المستأجر إن لم يرض المالك رضاء خالصا بهذا التصرف، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"الفتاوى الإسلامية ج 10 ص 3563"
(9/394)
________________________________________
استيفاء الحق

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أخذ منى بعض الناس مالا، ولثقتى فيه لم أطلب كتابة مستند بذلك، ثم ماطل فى سداده، وليس معى ما يثبت حقى، فماذا أفعل؟ هل يجوز لى أن أسرق منه ما يساوى حقا الذى عنده؟

الجواب
من الأدب فى القرض أن يعطى القادر ما يستعين به المقترض المحتاج إذا كان مستغنيا عنه، ومن المشروع أن يشهد على هذا القرض أو يثبته بالوسائل التى تضمن حقه، وأن يلتزم المقترض بالوفاء إذا حل الأجل المضروب بينهما، فإن كان مستطيعا بادر بالوفاء وإن كان معسرا يندب أو يجب على صاحب الدين أن يعطيه مهلة فإن رأى أنه لن يستطيع السداد فهو بالخيار بين أن يقاضيه وأن يعفو عنه، قال تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} البقرة: 280.
وإذا كان المدين موسرا وماطل فى الأداء فقد ظلم، كما نص عليه الحديث "مطل الغنى ظلم ".
وإذا أمكن للدائن أن يقاضيه بالشهود أو المستندات فهل يجوز له أن يستوفى حقه منه بدون الرجوع -إلى القضاء أو لا يجوز؟ قال الشافعية: لو أمكن تحصيل الحق بالقاضى بأن كان المدين مقرا مماطلا، أو منكرا وعليه البينة، أو كان يرجو إقراره عند القاضى وعرض اليمين عليه فهناك رأيان، رأى يقول بوجوب الرجوع إلى القاضى، ورأى يقول بجواز أخذ حقه بدون القضاء وهو الراجح، ويشهد له إذن النبى صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبى سفيان بالأخذ من ماله بدون إذنه بقدر ما يكفيها وولدها بالمعروف، وذلك لأنه كان شحيحا ممسكا لا يعطيهم النفقة المناسبة. ولأن إجراءات التقاضى طويلة وفيها مشقة فلا داعى لها
(9/395)
________________________________________
بيع التلجئة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرأ فى بعض الكتب عن نوع من البيع اسمه التلجئة، فما هى صورته وما حكمه؟

الجواب
يحدث مثلا أن إنسانا يخاف على ماله من أرض أو عقار أو ممتلكات أخرى أن يتعرض لها عدو بأذى، أو يتفادى حكما قضائيا أو إداريا يحس بأنه سينال ممتلكاته بالأذى فيبيع ممتلكاته أو بعضها لأولاده أو زوجته أو لأى إنسان آخر، وقد يكون البيع بدون مقابل، أو مقابل رمزى، ويتم البيع بأركانه وشروطه، مع الإجراءات الرسمية لنقل الملكية من تسجيل وغيره.
هذا البيع نظر بعض الفقهاء، إلى النية والمقصود منه فحكم ببطلانه، ونظر بعضهم إلى ظاهره فحكم بصحته يقول ابن قدامة فى " المغنى" بيع التلجئة باطل، وقال أبو حنيفة والشافعى: هو صحيح، لأن البيع تم بأركانه وشروطه خاليا من مُفْسِدٍ فصح به، كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عُقد البيع بلا شرط
(9/396)
________________________________________
البيع بشرط انتفاع البائع بالمبيع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن بعض الناس يبيع داره أو أرضه لأولاده أو لغيرهم، ويشترط فى العقد أن يظل منتفعا بهذا المبيع طول حياته، ولا ينتفع بها المشترى إلا بعد وفاة البائع، فما حكم هذا البيع؟

الجواب
جاء فى المغنى والشرح الكبير"ج 4 ص 49" عن النوع الثالث من الضرب الصحيح فى الشروط فى البيع أنه يصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة مثل أن يبيع دارا ويستثنى سكناها سنة، أو دابة ويشترط ظهره - ركوبه -إلى مكان معلوم، أو عبدا ويستثنى خدمته مدة معلومة، نص عليه أحمد وهو قول الأوزاعى وأبى ثور وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعى وأصحاب الرأى: لا يصح، لأنه يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، ولأنه ينافى مقتض البيع فأشبه ما لو شرط ألا يسلمه ذلك لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفى البائع منفعته، وقال ابن عقيل - من الحنابلة -فيه رواية أخرى-أى عن أحمد-أنه يبطل البيع والشرط.
وقال مالك: إن اشترط ركوبا إلى مكان قريب جاز، وإن كان إلى مكان بعيد كره، لأن اليسير تدخله المسامحة.
ثم استدل ابن قدامة على الصحة بما روى عن جابر أنه باع النبى صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى المدينة، وفى لفظ قال: فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلى، رواه البخارى ومسلم. وفى رواية لمسلم قال جابر: على أن لى ظهره إلى المدينة قال " ولك ظهره إلى المدينة " ولأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا - أى الاستثناء -إلا أن تعلم، وهذه معلومة، ولأن المنفعة قد تقع مستثناه بالشرع على المشترى فيما إذا اشترى نخلا مؤبرة - ملقحة - أو أرضا مزروعة، أو دارا مؤجرة، أو أمة مزوجة، فجاز أن يستثنيها، كما لو شرط البائع الثمرة قبل التأبير، ولم يصح نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط وإنما نهى عن شرطين فى بيع، فمفهومه إباحة الشرط الواحد، وقياسهم منقوض بشرط الخيار والتأجيل فى الثمن [انظر أيضا: نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 189] .
وعليه فلا مانع من البيع مع اشتراط انتفاع البائع بالمبيع لمدة يتفقان عليها، وذلك على مذهب الإمام أحمد وقد صدرت فتاوى رسمية على مذهب أبى حنيفة سنة1915، 1921 من الشيخ محمد بخيت المطيعى والشيخ عبد الرحمن قراعة والشيخ محمد إسماعيل البرديسى بحرمة هذا البيع " الفتاوى الإسلامية - المجلد الثالث ص 794، ص 807 والمجلد الرابع ص 1561 " ولا مانع من الأخذ برأى الإمام أحمد بالصحة عند الحاجة.
ذكر ابن حجر فى " فتح البارى ج 5 ص 371" أن البخارى رجح جواز الاشتراط كما يدل عليه الحديث، والاشتراط المفسد للعقد ليس منه ذلك، بل صورته أن يبيع الجارية ويشترط على المشترى عدم وطئها. ويبيع الدار ويشترط عليه ألا يسكنها، وفى الدابة ألا يركبها، أما إذا اشترط شيئا معلوما فلا بأس به. وحديث النهى عن بيع وشرط فى إسناده مقال، وهو قابل للتأويل
(9/397)
________________________________________
بيع العربون

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
اتفقت مع شخص على شراء شىء وأعطيته عربونا، ثم رجعت فى هذا البيع، فهل لى الحق فى استرداد العربون؟

الجواب
إن العربون الذى يُدفع تمهيدا لشراء شىء أو استئجاره يرجع فيه إلى اتفاق الطرفين، أو إلى العرف الجارى فى الوسط الذى يتعاقد فيه المتعاقدان. فلو كان هناك اتفاق على إرجاعه إن لم يتم العقد، أو كان العرف يقضى بذلك وجب إرجاعه لمن دفعه، ولو كان هناك اتفاق على سقوط حق المشترى أو المستأجر فيه إن لم يتم العقد أصلا، أو لم يتم فى مدة معينة، أو كان العرف يقتضى ذلك سقط حقه فيه، فالأصل هو الاتفاق، فإن لم يوجد فالعرف. ولا يوجد نص يمنع ذلك، وما رواه ابن ماجه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون ضعفه الإمام أحمد وأجاز بيع العربون، لما رواه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دارا للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضى عمر كان البيع نافذا، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم. وقال ابن سيرين وسعيد بن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، وأجازه أيضا ابن عمر، لكن كل ذلك فى عقد تمت فيه الصفقة مع الخيار، أما إن لم يتم العقد فالأمر متروك للاتفاق والعرف.
هذا، وقد ذكر الشوكانى فى "نيل الأوطار ج 5 ص 163 " أن حديث النهى عن بيع العربون وإن كان ضعيفا فله طرق يقوى بعضها بعضا، وأخذ به أبو حنيفة ومالك والشافعى، وعلل حرمته عند هؤلاء الأئمة بأن فيه شرطين فاسدين، أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا بلا مقابل إن لم يتم العقد -وذلك إذا كان الشرط أن يأخذ البائع العربون إذا لم يتم العقد- والشرط الثانى الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع، وقال: إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجح الحظر.
وأرى الأخذ بمقتضى الشرط إن وجد فالمؤمنون عند شروطهم، ومثله العرف إن لم يوجد شرط، وما دام الأمر خلافيا، فلا مانع من الأخذ بأى رأى
(9/398)
________________________________________
بيع العينة وبيع ما لم يقبض

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو المقصود ببيع العينة وما حكمه؟

الجواب
بيع العينة -بكسر العين أى السلف- أن يشترى شخص سلعة من شخص آخر بثمن فى الذمة، ثم يبيعها المشترى إلى البائع بثمن أقل يأخذه نقدا، وهو ممنوع شرعا، لأن فيه حيلة الربا، وقد ورد فيها من حديث عائشة الذى رواه الدارقطنى وابن عمر الذى رواه أحمد وأبو داود منعها، وهى تفارق صورة أخرى أن يشترى شخص سلعة بثمن آجل ثم يبيعها من شخص آخر غير البائع بثمن أقل نقدا، وهذه جائزة لأن المشترى غير البائع، والأولى من حيل الربا.
ومن المحرم بيع ما لم يقبضه المشترى، كأن يشترى سلعة بثمن ثم يبيعها لشخص آخر قبل أن يقبضها. لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام " لاتبع ما ليس عندك " وقال:
"لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك " وقال "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيَه " قال ابن عمر: كنا نشترى الطعام جزافا، فيبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
والطرق التى روى بها النهى عن بيع العينة ضعيفة وإن كان يقوى بعضها ببعضا، وقال بحرمة هذا البيع مالك وأبو حنيفة وأحمد، وأجازه الشافعى وأصحابه، ناظرين إلى صحة صورة البيع، أما النية فلا شأن لها بذلك، والآخرون نظروا إلى القصد من هذا البيع والتحايل به على الربا فحرموه "نيل الأوطار للشوكانى ج 5 ص 220"
(9/399)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:46 pm

بيع الوفاء

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نسمع أن هناك بيعا اسمه ببع الوفاء، فما المقصود منه وما حكمه؟

الجواب
صورة بيع الوفاء أن يقترض المحتاج مبلغا من المال من شخص، ثم يبيع له فى نظير ذلك جزءا معينا من الأرض تزيد قيمته على قيمة القرض، ويكون البيع لمدة معينة ينتفع فى أثنائها الدائن بالأرض انتفاع المالك لها، وفى نهاية المدة إذا لم يسدد المقترض المبلغ تصير الأرض ملكا تاما للدائن فى مقابل القرض.
قال بعض العلماء: إن صورة العقد أنها بيع ولكن لأجل يفسد بعد انتهائه، وهذا يبطل العقد، لأن طبيعة البيع أنها للتمليك الدائم لا المؤقت، وما تزال الأرض ملكا لصاحبها الذى باعها.
وقال بعضهم: إنها رهن فى صورة عقد بيع، وحكم الرهن أن الأرض ما تزال مملوكة لصاحبها الذى رهنها، ولا يتصرف فيها المرتهن إلا بإذن الراهن، وعند سداد الدين ترد الأرض لمالكها، وعند عدم السداد يمكن بيع الأرض ليستوفي الدائن منها حقه وما بقى من ثمنها لمالكها.
قال البدر العينى شارح البخارى فى كتابه "المسائل البدرية": بيع الوفاء أن يقول البائع للمشترى: بعت منك هذا بما لك علىَّ من الدين، على أنى متى وفيت الدين فهو لى. فهو فى الحقيقة رهن، والمبيع فى يد المشترى كالرهن فى يد المرتهن لا يملكه، ولا يباح له الانتفاع به إلا بإذن المالك، وهو ضامن لما أكل من ثمره واستهلك من عينه، والدين ساقط بهلاكه فى يده إذا كان فيه وفاء بالدين.
قال المصنف: والصحيح أن العقد الذى جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنا، فإن ذكرا شرط الفسخ فى البيع فسد البيع، وإلا فإن تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء على وجه النفاذ، أو تلفظا بالبيع الجائز جاز البيع، ويلزم الوفاء بالميعاد، لأن المواعيد قد تكون لازمة فيجعل الميعاد لازما لحاجة الناس. انتهى "مجلة الإسلام -المجلد الرابع- العدد 12 "
(9/400)
________________________________________
القرض الذى جر نفعا

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس أن القرض الذى جر نفعا ليس ربا، لأنه لم يرد حديث صحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، فهل هذا صحيح؟

الجواب
القرض إعطاء شىء للغير يستفيد به ليرده أو يرد مثله إليه، وهو أمر مشروع داخل فى مضمون التعاون على البر، بل مندوب إليه ومرغب فيه، لأن الغالب فيه أن يكون من حاجة، وحديث مسلم يقول "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " وفى حديث يقبل فى فضائل الأعمال رواه ابن ماجه عن أنس "الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر والله سبحانه يقول {من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} البقرة: 245.
وقال ابن مسعود: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة. رواه ابن ماجه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه موقوف على ابن مسعود "نيل الأوطار ج 5 ص 243".
والقرض يكون من النقود ومن الأطعمة وكل ما له مثل، كما يكون من الحيوانات، على رأى الجمهور، فقد استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا، وأعطى صاحبه أحسن منه كما رواه مسلم وغيره وقال "خيركم أحسنكم قضاء" ومنع أبو حنيفة قرض الحيوان.
والواجب على المقترض رد القرض بدون زيادة عليه، فقد أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة فى السلف ربا ولو كانت قبضة من علف -كما قال ابن مسعود- أو حبة واحدة، ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وكما قال: كما رواه البخارى ومسلم " إن خيركم أحسنكم قضاء".
وإهداء المقترض إلى المقرض ورد فيه حديث ابن ماجه "إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى له أو حمله على دابته فلا يقبلها ولا يركبها، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك " وهو حديث ضعيف، وورد فى تاريخ البخارى حديث "إذا أقرض فلا يأخذ هدية" وجاء فى صحيح البخارى أن عبد الله بن سلام قال لأبى بردة بن أبى موسى لما قدم المدينة: إنك بأرض فيها الربا فاش، فإن كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا. والقت هو الدريس أو البرسيم المجفف.
إزاء هذه المأثورات قال جمهور العلماء: يجوز رد القرض بما هو أفضل منه إذا لم يكن ذلك مشروطا فى العقد، وقال المالكية: إذا كانت الزيادة بالعدد لم يجز، كرد الواحد اثنين، وإن كانت بالوصف جازت، كرد الحيوان الكبير بدل الصغير.
ولا يلزم من جواز الزيادة فى القضاء على مقدار الدين أن تجوز الهدية ونحوها قبل القضاء، لأنها بمنزلة الرشوة. يقول الشوكانى "نيل الأوطار ج 5 ص 246 ": والحاصل أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنفيس فى أجل الدين، أو لأجل رشوة صاحب الدين، أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة فى مقابل دينه فذلك محرم، لأنه نوع من الربا أو الرشوة، وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس. وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع، لإطلاق النهى عن ذلك. وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة فى الصفة والمقدار والقليل والكثير، بل هو مستحب كما قال الشافعية لحديث "إن خيركم أحسنكم قضاء".
ثم يقول الشوكانى بعد ذلك وهو إجابة عما ورد فى السؤال: مما يدل على عدم حل القرض الذى يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقى فى المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ "كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا" ورواه فى السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبى بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم، ورواه الحارث بن أبى أسامة من حديث على عليه السلام بلفظ: إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة وفى رواية: كل قرض جرمنفعة فهو ربا. وفى إسناده سوار بن مصعب، وهو متروك قال عمر بن زيد فى المغنى: لم يصح فيه شىء، ووهم إمام الحرمين والغزالى فقالا: إنه صح، ولا خبرة لهما بهذا الفن. انتهى.
يؤخذ من هذا أن "كل قرض جر نفعا فهو ربا" ليس حديثا مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولا مانع من الأخذ به ما دامت تتفق دلالته مع ما ورد من القرآن فى تحريم الربا، وعمل الصحابة وفتوى الفقهاء تؤيده.
وأما الحكم فخلاصته: إن كان النفع مشروطا فهو ربا، وإلا فهو جائز، ومثل الشرط العرف، لقاعدة: المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
والهدايا إن كانت من أجل القرض فهى حرام، وإلا فهى جائزة
(9/401)
________________________________________
القرض الحسن والقرض بفائدة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما الفرق بين القرض الحسن، والقرض من البنك لقاء زيادة، وذلك للحاجة إليه، للاستهلاك أو للإنتاج؟

الجواب
القرض هو إعطاء المال على سبيل استرداده بعد فترة معينة، والمال قد يكون نقدا وقد يكون عينا كالبر والشعير، وقد يكون حيوانا، وذلك عند جمهور الفقهاء، ومنع الحنفية قرض الحيوان.
والقرض الحسن هو الذى لا تشترط فيه زيادة عند رده، وثوابه عظيم عند الله سبحانه، لأنه من باب التيسير على المعسر، والتعاون على الخير، وقيل إن ثوابه أفضل من ثواب الصدقة، لأن القرض يكون من حاجة، بخلاف الصدقة، وروى فى ذلك حديث مقبول "الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر".
وكان القرض فى الجاهلية مشروطا بزيادة فى نظير تأجيل الدين، وتتكرر الزيادة بتكرار الأجل، ويطلق عليه لفظ "الربا".
ومن صوره كما قال ابن حجر: أن يدفع الواحد ماله إلى غيره إلى أجل مسمى، على أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا، ورأس المال باق بحاله، فإذا حل طلبه، فإن تعذر الأداء زاد فى الحق والأجل.
والقرض من البنك بفائدة حرام، بناء على القول المأثور الذى تدعمه النصوص الصحيحة "كل قرض جر نفعا فهو ربا".
وقد يقال: إن الفائدة على القرض هى لتغطية نفقات البنك والعاملين فيه، وتقاس على نفقة القرض المنقول إلى مكان غير مكان التعاقد عليه، فعن مالك أنه بلغه أن عمر رضى الله عنه سئل فى رجل أسلف طعاما على أن يعطيه إياه فى بلد آخر، فكره عمر وقال: أين كراء الجمل؟ فالمقرض طلب من المقترض نفقة نقل القرض إلى البلد الآخر، ولكن عمر كره أن يتحملها المقترض، لأنه مقتضى العقد، والكراهة بمعنى التحريم.
وجاء فى فقه الشافعية أن من اقترض من إنسان شيئا وجب عليه أن يرده إلى المقرض فى محل الإقراض إذا كان القرض يحتاج نقله إلى نفقة فإذا لم يتحمل المقترض تلك النفقة لا يجبر المقرض على القبول، وإنما يجبر المقترض على دفعها أو تسليم القرض فى محل الإقراض. وورد مثله عن المالكية والأحناف. "الأعمال المصرفية والإسلام " ص 83، 84.
وجاء أيضا جواز احتساب الأجر على العمل عامة، كأجر السمسرة وأجر كتابة الوثائق والسجلات والخطابات.
والبنوك الحالية تحتاج فى نشاطها إلى تغطية نفقات العاملين بها، فلتكن من الفائدة التى تفرض على القرض.
لكن رد ذلك بأن الفائدة لو كانت فى مقابل النفقات لكانت موحدة فى كل البنوك. لكنها تختلف باختلاف مركز المقترض والضمان المتقدم ومدة القرض، كما أنها تتكرر كل عام طيلة مدة القرض، مع أنها لو أريد إلحاقها بالنفقة فلا بد من أخذها من أول العام فقط، وعلى ذلك فقياس الفائدة على أجرة السمسار ونفقة القرض غير جائز.
وقد يقال أيضا: إن الفائده على القرض جزء من ربح مضاربة لأن القرض الذى يقدمه البنك إما استهلاكى وإما إنتاجى، والإنتاجى يستثمر عن طريق المضاربة، التى يكون فيها المال من جهة البنك والعمل من جهة المقترض، على أن يقسم الربح بينهما بنسبة معلومة شائعة.
ورد عليه بأن المضاربة لا يجوز فيها اشتراط ضمان المال على المضارب عند الخسارة ولا يجوز تحديد الربح كخمسة أو عشرة لأحد المتعاقدين، ونشاط القرض من البنك يتحمله المقترض وحده، والربح محدد وليس نسبيا.
وقد نازع بعض فقهاء العصر فى ذلك فأجازوا تحديد الربح، لأنه لا يشبه الربا المخرب للبيوت، والتراضى على ذلك موجود بين الطرفين، ولا دليل على جعل الربح بالنسبة، والفائدة المحرمة ما كانت مضاعفة ومركبة.
ورد ذلك بنفى عدم الدليل على المضاربة بشروطها المعروفة، فالإجماع منعقد عليها وأن تحديد نسبة الربح مأخوذ عن على رضى الله عنه، وأجمع فقهاء السلف عليه دون مخالف لهم فإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أن يكون الربح مشاعا لا محددا أمر مجمع عليه توارثه الخلف عن السلف.
هذا. وقد قيل: إنه يشك فى صدور هذه الآراء المحللة للفائدة على القرض إلى أصحابها، وأن بعضهم رجع عنها، "يراجع فى توضيح ذلك الكتاب المذكور"
(9/402)
________________________________________
حلف التجار لترويج السلع

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فيمن يحلف بالطلاق ثلاثا ليسهل عمليات البيع والشراء، وما حكم الدين فى الأرباح التى يحققها بهذا الأسلوب؟

الجواب
معلوم أن أبغض الحلال إلى الله الطلاق، ومعلوم أن الإسلام نهى عن الحلف بغير الله، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت، حتى الحلف بالله لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، كما قال تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} البقرة: 224 على ما فسره البعض بالنهى عن الحلف للحمل على البر والتقوى والإصلاح، والتأكيد على عمل الخير.
والذى يحلف بالطلاق من أجل ترويج بضاعته إن كان كاذبا فزوجته طالق على رأى جمهور الفقهاء، ورأى بعضهم أن الحلف به معلق إن لم يقصد طلاق زوجته فلا يقع طلاق، وعليه كفارة يمين إن كان كاذبا.
ونحذر التجار من الحلف مطلقا لترويج البضاعة، وبخاصة إذا كان الحلف كذبا، فالكسب الذى يأتى من هذا الطريق الكاذب حرام، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به، وقد جاء الحديث ناهيا عن مثل هذا الحلف فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم وصححه "إن التجار هم الفجار" قالوا: يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع؟ قال "بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويحدثون فيكذبون " وفيما رواه البخارى ومسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفَّى له، وإن لم يعطه لم يوف " وفيما رواه مسلم "إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق -أى يروج السلعة- ثم يمحق " أى يذهب البركة
(9/403)
________________________________________
التوارث بين المسلم وغيره

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن بعض الأشخاص يدخلون فى الإسلام وتنقطع صلتهم بأهليهم ثم يموت هو، أو يموت قريبه غير المسلم فهل يكون بينهما توارث وإذا كان الإسلام قد أحل زواج الكتابية، فهل لو مات أحد الزوجن يرثه الآخر؟

الجواب
لا خلاف بين أحد من العلماء فى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا إذا كانت بينهما صلة زواج أو قرابة، كأن تزوج المسلم كتابية ومات عنها، أو أسلم كافر ومات والورثة ما زالوا مصرين على الكفر حتى قسمت التركة وذلك لحديث الصحيحين.
واختلفوا فيما إذا مات المسلم ثم أسلمت زوجته أو أحد أقاربه قبل توزيع التركة فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعى وأصحابهم إلى أن الكافر لا يرث من تركة المسلم شيئا بأى سبب من أسباب الميراث، لا فرق بين أن يسلم الكافر قبل تقسيم التركة أو لا يسلم، وذهب أحمد بن حنبل إلى أن الزوجة الكتابية ترث من تركة زوجها المسلم، وأن القريب الكافر يرث من قريبه المسلم إذا أسلم كل واحد منهما قبل أن تقسم التركة.
أما ميراث المسلم من الكافر، فى مثل الزوج يرث زوجته الكتابية، والمسلم يرث قريبه الكافر، فقد اتفق الأئمة الأربعة أيضا على أن المسلم لا يرث من الكافر شيئا بسبب الزوجية أو القرابة.
وكان معاذ بن جبل ومعاوية بن أبى سفيان وسعيد بن المسيب ومسروق والنخعى ومحمد ابن الحنفية وإسحاق بن راهويه يرون أن المسلم يرث من الكافر بسبب الزوجية أو القرابة، وهو رأى ضعيف، وما جاءوا به لا ينهض دليلا لصحة الرأى.
هذا، وأما المرتد عن الإسلام فذهب الشافعية والماليكة إلى أنه لا يرث أحدا من المسلمين أو من غيرهم بأى سبب من أسباب الميراث، ولا يرثه أحد من المسلمين أو من غيرهم كذلك، حتى لو ارتد أخوان عن الإسلام إلى النصرانية أو غيرها لا يرث أحدهما الآخر.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المرتد لو كان رجلا وبقى على ردته حتى مات فماله الذى كسبه قبل الردة تركة تقسم بين الورثة المسلمين، أما ماله الذى كسبه فى حال ردته فيكون فيئا للمسلمين، وإن كان المرتد امرأة فجميع ما تتركه يكون تركة تقسم بين ورثتها المسلمين، سواء كسبته قبل الردة أم بعدها، "محمد محيى الدين على شرح الرحبية"
(9/404)
________________________________________
الميراث والتحول الجنسى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يحدث تعديل فى الميراث إذا تغير جنس الوارث بعد توزيع الميراث؟

الجواب
عمليات التحول الجنسى ظهرت حديثا، وبينا حكم الشرع فيها، ومن تطبيقاتها هذه المسألة، وقد جاء فى المادة 46 من قانون الميراث المعمول به فى مصر أن الخنثى المشكل الذى لا يعرف كونه ذكرا أو أنثى له أقل النصيبين، وما بقى من التركة يعطى لباقى الورثة، أما إذا لم يكن مشكلا بأن ولد ذكرا بين الذكورة، أو أنثى بَيِّن الأنوثة عومل بحاله الذى هو عليه عند موت مورثه، ولا يضر بعد ذلك تحوله إلى جنس آخر
(9/405)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 9:47 pm

بيع الثمر على الشجر

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى بيع الثمار وهى على الأشجار لم تنضج بعد؟

الجواب
الثمار قبل أن تنضج لها حالتان، الحالة الأولى لا تكون صالحة، والحالة الثانية يبدو صلاحها.
فبيعها قبل صلاحها جاء النهى عنه فى رواية لأحمد وأصحاب السنن إلا النسائى، فعن أنس رضى الله عنه قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد.
وعلى هذا الرأى جماعة من العلماء، ورأى آخرون أن البيع يصح، تمسكا بعموم قوله تعالى {وأحل الله البيع} البقرة:275 قال أبو حنيفة: ويؤمر بالقطع وهو المشهور من مذهب الشافعى.
فأما البيع بعد الصلاح التام فيصح مع شرط القطع إجماعا، ويفسد البيع مع شرط البقاء إجماعا إن جهلت المدة، فإن علمت صح عند بعضهم.
أما بيعها قبل بدو صلاحها فقد جاء النهى عنه فى قوله صلى الله عليه وسلم "لا تبيعوا الثمار حتى يبدو صلاحها" رواه مسلم وغيره.
وعليه فقد حكم ببطلانه قلة من العلماء، وقال الجمهور بصحته إذا شرط قطع الثمار، وقال أكثر الحنفية، يصح إن لم يشترط التبقية على الشجر.
فالموضوع فيه خلاف، ويجوز اتباع أى رأى. ولزيادة المعرفة يراجع "نيل الأوطار للشوكانى" ج 5 ص 185
(9/406)
________________________________________
التهرب من الضرائب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز التهرب من الضرائب؟

الجواب
الضرائب فريضة مالية قررها ولى الأمر لتغطية النفقات والحاجات اللازمة للأمة إذا لم تف أموال الزكاة بذلك. وهى مشروعة إذا كانت عادلة فى تقديرها وفى جبايتها، ولا يجوز التهرب منها، لأن الله أمرنا بطاعة أولى الأمر فيما فيه مصلحة كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} النساء: 59.
وقد تعرض القرطبى فى تفسيره "ج 16 ص 42 " إلى هذه المسألة فقال: اختلف علماؤنا فى السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما يأخذهم ويؤدونه على قدر أموالهم، هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم، فقيل: لا، وهو قول سحنون من علمائنا -المالكية- وقيل:
نعم، له ذلك إن قدر على الخلاص، وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودى ثم المالكى، قال: ويدل عليه قول مالك فى الساعى يأخذ من غنم أحد الخلفاء شاة وليس فى جميعها نصاب: إنها مظلمة على من أخذت له، لا يرجع على أصحابه بشىء، قال: ولست آخذ بما روى عن سحنون، لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه فى ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ". الشورى: 42
(9/407)
________________________________________
الحلف على ترويج التجارة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ساومت تاجرا عل ثمن سلعة فحلف لى أنه دفع فيها أكثر مما دفعته له، ثم سألت عنها عند تاجر آخر فرأيت ثمنها أقل من ذلك بكثير، فما رأى الدين فى هذا الحلف؟

الجواب
لقد حذرنا الإسلام من الفتنة بالدنيا فمتاعها قليل والآخرة خير وأبقى، ومن أكثر الناس افتتانا بها من يعملون فى ميدان التجارة لذلك وضع الإسلام لها آدابا تحقق الربح فى الدنيا والآخرة، ففى حديث حسن رواه الترمذى وابن ماجه "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" وفى حديث رواه البيهقى "أن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدَّثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا -وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يمدحوا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا" فمن الآداب إذا اشتروا سلعة لا يذمونها ويبخسونها حقها، وإذا باعوها لم يمدحوا فيها مدحا مبالغا فيه، وإذا كان عليهم حق لغيرهم لا يماطلون فى دفعه ما داموا قادرين، وإذا كان لهم حق على غيرهم لا يطلبونه وهم معسرون، بل يؤجلونه إلى ميسرة.
ومما يتورط فيه التجار بغية الكسب والكسب الكثير، الحلف بالله أنه اشترى السلعة بثمن غال حتى يأخذ ممن يبتاعها منه ثمنا أغلى ولو فرض أنه صادق فى حلفه فإن الحلف بالله حتى فى فعل الخير مذموم لقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} البقرة: 224 وهو أشد ذمًّا إذا حلف ألا يفعل الخير وأفحش ما يكون الحلف ذما إذا كان كاذبا فيه، وبخاصة إذا توصل به إلى مغنم دنيوى لا يدفع عنه غضب الله وقد جاء فى ذلك حديث البخارى ومسلم وأصحاب السنن "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " ومنهم: "رجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله أنه اشتراها بكذا وكذا فصدَّقه فأخذها وهى على غير ذلك" روى البخارى ومسلم "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب " إن الذي يحلف كذبا غاش والحديث الذى رواه مسلم يقول "من غشنا فليس منا" وعليه أن يكفِّر عن يمينه ويتوب إلى الله برد المظالم إلى أهلها، والذى يقتطع مال امرئ مسلم بغير حق حتى لو لم يكن هناك حلف بالله حرم الله عليه الجنة كما رواه مسلم وأى لحم نبت من سحت فالنار أولى به كما رواه الطبرانى واللقمة من الحرام فى جوف الإنسان تحول دون استجابة الدعاء، بل تمنع قبول عمله أربعين يوما كما رواه الطبرانى ولكثرة ما يقع فيه التجار الحريصون على الدنيا من أخطاء جاء الحديث الذى رواه أحمد بإسناد جيد "إن التجار هم الفجار" قالوا: يا رسول الله أليس الله قد أحل البيع؟ قال "بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون" فلنضع أمام أعيننا جميعا قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان "لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا فى الطلب " وقوله "من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته منها إلا ما كتب له " رواه ابن ماجه
(9/408)
________________________________________
الرجوع فى الهبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أهدى رجل بنته حليا من الذهب ثم أعطته له ليحفظه أمانة يردها عند الطلب، فلما طلبته رفض، فهل الحلى من حق الأب أو من حق البنت؟

الجواب
الهبة فى الشرع هى تمليك الإنسان شيئا من ماله لغيره فى حياته بلا عوض، فإذا كان التمليك بعد الوفاة كان وصية، وإذا كان بعوض كان هدية أو بيعا.
والهبة فى الحياة بدون عوض مشروعة بل مندوبة لما فيها من تأليف القلوب، وقد جاء فى الحديث الحسن "تهادوا تحابوا" وكما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تقديمها حث على قبولها، ففى حديث أحمد "من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف -أى تطلع- ولا مسألة فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه " وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية، فقد جاء فى رواية أحمد "لو أهدى إلىَّ كراع لقبلت" والكراع من عظام الأطراف.
والهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها، كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعى شرطا القبض حتى تكون لازمة، والرجوع فى الهبة حرام عند جمهور العلماء، إلا إذا كانت من الوالد لولده، فإن له أن يرجع فيها، لما رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده" وحكم الوالد حكم الوالدة، ويستوى فى الولد أن يكون كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى.
وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع فيما وهب لابنه ولكل ذى رحم من الأرحام، وهو رأى غير قوى لمعارضته للحديث. وجاء فى النهى عن الرجوع فى الهبة حديث الترمذى وغيره وهو حسن صحيح "مثل الذى يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل،فإذا شبع قاء ثم عاد فى قيئه" وفى إحدى الروايات "ليس لنا مثل السوء، الذى يعود فى هبته كالكلب يرجع فى قيئه".
وبخصوص السؤال نقول: إن هذا الحلى صار من حق البنت عندما قبضته من والدها، لكن يجوز لوالدها أن يرجع فى هذه الهبة، ويصير الحلى من حقه بناء على رأى جمهور الفقهاء المستند إلى الحديث، وأبو حنيفة يقول إنه من حقها هى، وإن كان رأى الجمهور، أقوى لكنى أقول للوالد: إن كنت محتاجا إلى هذا الحلى فهو حلال لك، وإن كنت غير محتاج فأولى أن تكرم به بنتك يعطيك الله على ذلك ثوابا عظيما، اللهم إلا إذا كانت هناك ظروف يقدرها الوالد لمصلحة البنت، والأعمال بالنيات
(9/409)
________________________________________
خيار العيب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاءنا السؤال الآتى قمت بعملية مقايضة على سلعة معينة مع شخص آخر وقرأنا الفاتحة على عدم الرجوع، ولكن ظهر لى بعد ذلك أن فى السلعة عيبا لم يكن ظاهرا لى، وبذلك رجعت فى المقايضة، فهل لقراءة الفاتحة كفارة وما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
من أخلاق الإسلام النصح وعدم الغش، ومحبة الخير للغير كما يحب الإنسان لنفسه، وبخصوص البيع صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمن يبيع طعاما أخفى تحته طعاما مبلولا "من غشنا فليس منا" رواه مسلم وقال "لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له " رواه الحاكم والبيهقى وأحمد وابن ماجه بألفاظ متقاربة فالبائع فى هذه المسألة مذنب ما دام لم يبين للمشترى العيب الذى فى سلعته وهو يعلم به، وقد أثبت الفقهاء خيار الرد بالعيب بعد إتمام التعاقد، بناء على أحاديث صحيحة فى المصراة، وهى الدابة التى يجمع لبنها فى ضرعها وتباع، فيتوهم المشترى أنها كثيرة اللبن ثم يتبين غير ذلك، ومن هذا يتبين أن رد السلعة المعيبة لصاحبها أمر مشروع، وأما قراءة الفاتحة إن اعتبرناها عقدا أو مكملة للعقد فليس لها كفارة، لأنها ليست يمينا باللِّه، وعلى البائع أن يتوب من ذنبه ويعزم أكيدا على ألا يعود إلى الغش مرة أخرى، والحديث الصحيح يقول فى المتبايعين "فإن صدقا وبينا بورك لهما فى بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" رواه البخارى ومسلم
(9/410)
________________________________________
النهى عن أكل حق الغير

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
التقيت فى الخارج بشخص من قريتى وآخر من محافظة بعيدة، وجرى التعامل بيننا، ولما عدت إلى بلدى كان للرجل البعيد دين علىَّ، فقلت لابن قريتى، سدد هذا الدين، من الدين الذى لى عليك ولكنه لم يفعل، وأنا أعرف عنوان هذا الشخص ولا يعرفه أحد، فماذا أفعل؟

الجواب
نشكر للسائل أمانته وخوفه من أكل حق الغير، ونوجه كل من وكِّل إليه أمر أن ينفذه إذا قبله أو يعفيه من قبول هذه الوكالة فإن الإهمال أوقع السائل فى حرج، ونقول للسائل:
عليك أن تبحث عن عنوان صاحب الحق الذى له عليك، ولا تيأس ولا تتعجل بأى تصرف، وبخاصة إذا كان المبلغ كبيرا لا يسكت الطالب عن البحث عنه وقد يكون من الخير أن تحتفظ به وتوصى من معك أن يؤدوه لصاحبه إن طلبه ولو بعد حين فقد يكون فى حاجة إليه ولا تمل من السؤال عنه ليأخذه، ولو حدث أنك استثمرت هذا المبلغ لمصلحتك، فإن لصاحبه إن ظهر، نصيبا فى الربح إن جعلنا ذلك مضاربة، وله الربح كله إن كان الاستثمار تصرفا بغير إذن صاحبه، ولك أجر مادى على هذا الاستثمار، يتفق عليه فإذا عجزت تماما من معرفة هذا الشخص بعد طول المحاولة فتصدق به على نية أن الثواب له وبالله التوفيق
(9/411)
________________________________________
شركة المواشى

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما رأى الدين فى رجل تعاقد مع رجل على شركة مواش بينهما، على أن يكون الأول هو صاحبها عند شرائها، والثانى هو الذى يقوم برعايتها، ونتيجة لإهمال الثانى لم يغلق الحظيرة على المواشى فسرقت، فكيف يفصل بين الطرفين فى هذا الموضوع؟

الجواب
التعاون بين المسلمين مطلوب فى كل ما يعود عليهم بالخير، كما قال تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} المائدة: 2 وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم "والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه " رواه مسلم ومن مقتضى هذا التعاون أو من دواعيه، الرحمة والإحساس بحاجة الغير إلى المعونة، وحتى يكون هذا التعاون الرحيم مثمرا يجب أن يوجد تبادل بين الطرفين المعطى والآخذ، فى مشاعر الود وحب المصلحة للجميع، والصدق والأمانة والصراحة في المعاملة. وبدون هذه المشاعر الطيبة والأخلاق الفاضلة لن يثمر التعاون ثمرته المرجوة، حيث يكون التعامل فى جو من النفاق والخداع وفى الحديث الصحيح "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان" رواه البخارى ومسلم ومن أنواع التعاون الجارى فى الريف بالذات أن يشترى إنسان قادر، ماشية ثم يسلمها إلى آخر يجيد مهنة الزراعة وتربية المواشى لأنه فى حاجة إلى هذه الماشية التى لا يمللك ثمنها، ويقوم هو برعايتها فى مقابل استخدامه لها فى الحرث والرى، وانتفاعه بما تدره من لبن، وأحيانا يشترط الطرفان أن يكون الناتج بالولادة مناصفة بينهما.
وإذا كان العقد شريعة المتعاقدين، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، فإن هذا التعاقد يختلف عن عقد الشركة التى تحدث عنها الفقهاء، والتى يكون الربح والخسارة فيها بين الشركاء بقدر أنصبتهم فى الشركة، وهنا لم يدفع الطرف الثانى شيئا من الثمن، وهو ليس من المضاربة عند بعض الفقهاء.
ومن أجل أن المسألة التى معنا فيها منفعة لكلا الطرفين فيمكن تخريجها على أنها من باب الوديعة، فالماشية وديعة وأمانة عند الطرف الثانى الذى لا يملكها، يحرسها ويرعاها بأجر أو بمقابل هو منافعها التى يحصل عليها منها، والمودع عنده يجب أن يحافظ على هذه الأمانة بما يقضى به العرف الجارى، فإذا قصر لزمه العوض. وعلى هذا يجب على الطرف الثانى أن يدفع للأول ثمن الماشية التى سرقت بسبب إهماله.
وحديث "لا ضمان على مؤتمن " ضعيف، ومع ذلك جاء برواية أخرى للدارقطنى تقيده وهى "ليس على المستعير غير المُغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن فالوديع لا يضمن إلا لجناية منه على العين، وإهمال رعاية الماشية بعدم إحكام إغلاق الحظيرة عليها يعد جناية، وبخاصة إذا كان متعمدا لذلك فهو خيانة ولابد من الضمان
(9/412)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 10:02 pm

رواتب موظفى الضرائب

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى الراتب الذى يتقاضاه الموظف من مصلحة الضرائب؟

الجواب
معلوم أن العلماء قالوا: يجوز للإمام أن يفرض ضرائب على القادرين إذا لم توُفِ الزكاة بسداد حاجات المحتاجين وإصلاح أحوال الأمة، ومعلوم أن ميزانيات الدول الإسلامية الآن لا تقوم فقط على الزكاة والموارد الأساسية الأولى، بل لها موارد متعددة منها الضرائب والرسوم وغيرها.
وإذا كان فى هذه الموارد شىء حرام فانه لا يميز وحده بعيدا عن الحلال، وإنما يختلط الحلال بالحرام، ويصعب فصل أحدهما عن الآخر، وهنا قال العلماء -كما فى كتاب: إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ج 2 ص 115.
لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام، والدليل على ذلك ما يأتى:
1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم، كما لم يتركوا شرب الخمور، ولا تركوا المعاصى، وأدرك أصحاب الرسول الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة وقد نهبها أصحاب "يزيد" ثلاثة أيام، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة.
2 - لو فتح هذا الباب لانسدَّ باب جميع التصرفات وخرب العالم، إذ الفسق يغلب على الناس، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط، ولو قيل: إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط الآن - أقول ليس حراما وإنما الورع تركه. وقال القرطبى فى تفسيره "ج 2 ص 109 " ما نصه.
قال ابن خويز منداد: وأما أخذ الأرزاق - المرتبات - من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال:
ا- إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره.
ب- وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه، ويجوز للمحتاج أخذه.
ج- وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم ... ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين.
من هذا وغيره نعرف أن أموال الضرائب التى تقوم مالية الدولة عليها وعلى غيرها ولا يتميز فيها الحلال من الحرام يجوز الأخذ منها والانتفاع بها، كما هو حادث فى هذه الأيام من توجيه الميزانية بما فيها لأجل مصالح الشعب من أجور وغيرها ولا حرج فى ذلك
(9/413)
________________________________________
رواتب الأئمة والمؤذنين

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس: إن الأئمة والمؤذنين يقومون بواجبهم الذى فرضه الله عليهم، فلا يستحقون أجرا عليه فى الدنيا، فما رأى الدين فى ذلك؟

الجواب
سبق فى حكم الأجر على قراءة القرآن "ص 458 من المجلد الثانى" ما نقل عن القرطبى فى حكم المصلى بأجرة، وأن الإمام مالكا كره ذلك، والشافعى أجازه وأن أبا حنيفة كرهه.
وذكر الماوردى فى كتابه "الأحكام السلطانية" ص 102 أنه يجوز أن يأخذ الإمام ومأذونه رزقا على الإمامة والأذان من بيت المال من سهم المصالح، ومنع أبو حنيفة من ذلك.
والحق أن الطاعات لا يأخذ الإنسان عليها أجرا، لأنها واجبة عليه سيؤديها حتما إن أخذ أجرا أو لم يأخذ، لكن الطاعات المندوبة كالإمامة والأذان يجوز أخذ الأجر عليها حيث لم تتعين، وبخاصة إذا شغل عنها بتدبير عيشه قد تهمل فيخص ولى الأمر لها ما يغنى القائم بها عن تحصيل رزقه، كما جعل عمر لأبى بكر فى بيت المال ما يغنيه عن التجارة من أجل الإنفاق على نفسه وأهله، وذلك ليتفرغ لمصالح المسلمين
(9/414)
________________________________________
الوصية الواجبة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
مات رجل عن أولاده الصغار قبل وفاة أبيه - فهل يحق لأولاده أن يأخذوا ميراث أبيهم أم لا؟

الجواب
إذا مات رجل فى حياة والده، وكان لهذا الرجل أولاد، ثم مات جدهم، فهل يرثون فى جدهم النصيب الذى كان يستحقه أبوهم؟ قال تعالى {كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة: 180 وقال أيضا {يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء: 11 وقال صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث " رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال: حديث حسن.
تحدث العلماء عن الآية الأولى: هل نسخت بالآية الثانية، بناء على إحدى روايات الحديث المذكور وهى "إن الله أعطى كل ذى حق حقه، ألا لا وصية لوارث " أو هى باقية لم تنسخ. ثم قالوا فى نظام الميراث:
الابن يحجب أولاد الابن، لكن البنت لا تحجب أولاد الابن، فلو مات رجل وترك أبناء وأولاد ابن مات قبله حُرِم هؤلاء الأولاد من الميراث من جدهم، وتعرضوا للضياع، لكن لو مات وترك بنتا وأولاد ابن مات قبله فإن هؤلاء الأولاد يرثون فى تركة جدهم كعصبة، لهم الباقى بعد أصحاب الفروض.
وتلافيا لضياع أولاد الابن المحجوبين عن الميراث وجد أن بعض العلماء قالوا بوجوب الوصية -حسب الآية الأولى- لمن لم يكن لهم ميراث، وبناء عليه وضع القانون رقم 71 لسنة 1946 م وعمل به فى مصر، من أول أغسطس من العام المذكور، وجاء فى المادة 76 منه:
إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات فى حياته أو مات معه ولو حكما -بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا فى تركته لو كان حيا عند موته - وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث، بشرط أن يكون غير وارث وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض عن طريق تصرف آخر قدر ما يجب له، وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكمله.
وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا.
وعلى هذا يكون لأولاد الابن المتوفى فى حياة أبيه وصية واجبة فى تركة جدهم بمقدار ما كان يستحقه أبوهم لو كان حيًّا، وذلك بشروط هى:
1- أن يكون هذا الفرع غير وارث، وهو لا يرث إذا كان هناك عمّ له وهو أخو أبيه.
2- أن يكون الفرع موجودا على قيد الحياة عند موت جده.
3- أن يكون من أولاد الظهور- الأبناء - أو الطبقة الأولى من أولاد البنات.
4- ألا يكون الفرع ممنوعا من ميراث أصله ولا محجوبا به، كأن يكون قاتلا له أو مرتدا.
5- ألا يكون له نصيب فى الميراث من التركة التى وجبت فيها الوصية، كما لو استغرقتها الفروض.
6- ألا يكون المتوفى-الجد- قد أعطى فرعه المستحق للوصية الواجبة ما يساوى نصيب أصله بطريق التبرع. فإن كان قد أعطاه بلا مقابل فلا حقَّ له بطريق الوصية، إلا إذا كان ما أخذه أنقص من استحقاقه، فيستكمل له.
هذا، والمادة 37 من القانون المذكور تقول: تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه
(9/415)
________________________________________
التجارة فى النجاسات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يشاهد فى بعض القرى أناس يجمعون مخلفات الحيوانات ويبيعونها كسماد للزرع أو وقود للأفران، فهل التجارة فى هذه النجاسات حلال؟

الجواب
فى حديث رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال "لا، هو حرام، قاتل الله اليهود، إن الله لمَّا حرم شحومها جملوه - أذابوه- ثم باعوه وأكلوا ثمنه" رواه الجماعة.
وروى البيهقى بسند صحيح أن ابن عمر رضى الله عنهما سئل عن زيت وقعت فيه فأرة فقال: استصبحوا به، وادهنوا به أدمكم، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة لميمونة فوجدها ميتة ملقاة فقال: "هلاَّ أخذتم إهابها فدبغتموه وانتفعتم به" فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة فقال "إنما حرَّم أكلها" رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
قال جمهور العلماء: إن بيع النجس والتجارة فيه حرام والعقد عليه باطل، بناء على الحديث الأول الذى نص على الحرمة وعلى لعن اليهود الذين تاجروا فيه، أما استعمال النجس فهو حلال لغير الأكل بدليل الحديث الثانى وقول ابن عمر.
هذا، واستثنى الأحناف من حرمة البيع والتجارة فى النجس كل ما فيه منفعة، وتبعهم الظاهرية فقالوا: يجوز بيع الأرواث والأزبال النجسة التى تستخدم فى الزراعة والوقود، وكذلك الزيت النجس والأصباغ المتنجسة ما دام الانتفاع بها فى غير الأكل، وحجتهم فى ذلك أن الانتفاع ما دام حلالا فالبيع حلال ما دام يقصد به هذا، وفى غير الأكل، وأجابوا عن حديث جابر بأن حرمة البيع كانت فى أول الأمر عندما كان المسلمون قريبى العهد باستباحة أكلها، فلما تمكن الإسلام من نفوسهم أبيح لهم الانتفاع بغير الأكل
(9/416)
________________________________________
المضاربة

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى البنوك الإسلامية نظام للاستثمار يطلق عليه اسم المضاربة، فما هى الصورة الحقيقية لهذه المعاملة وما وجه إباحتها؟

الجواب
المضاربة مأخوذة من الضرب فى الأرض وهو السفر للتجارة كما قالى تعالى {وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله} المزمل: 20 ويطلق عليها اسم القراض، وهو مأخوذ من القرض أى القطع، لأن المالك يقطع جزءا من ماله للتجارة وقطعة من ربحه، وهى عقد بين طرفين، يدفع أحدهما نقدا إلى الآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها.
وهى معاملة جائزة بإجماع الفقهاء، وكانت موجودة قبل الإسلام حيث ضارب النبى صلى الله عليه وسلم لخديجة رضى الله عنها بمالها، وسافر به إلى الشام، ولما جاء الإسلام أقرها، يقول الحافظ ابن حجر: والذى نقطع به أنها كانت ثابتة فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم يعلم بها وأقرها، ولولا ذلك ما جازت ألبتة.
ومن حوادثها أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب، رضى الله عنهم خرجا فى جيش العراق، فلما رجعا مرَّا على أبى موسى الأشعرى أمير البصرة فرحب بهما وأبدى استعداده لخدمتهما، فأعطاهما مالا من مال الله ليوصلاه إلى أمير المؤمنين فى المدينة وأرشدهما إلى استغلاله كسلفة يتجران فيها بشراء سلع من العراق وبيعها فى المدينة يستفيدان من الربح فيها فقبلا منه هذا العرض، وكتب إلى عمر أن يتسلم منهما المال الذى أرسله، فلما قدما وباعا وربحا، قال لهما عمر: أكلَّ الجيش قد أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: لو هلك المال ضمنَّاه، فأصر عمر على أن يؤدياه، وفى النهاية قال رجل لعمر: لو جعلته قراضا؟ يعنى لو عملت فيه بحكم المضاربة وجعلت لهما نصف الربح؟ فرضى عمر بذلك.
والإسلام أقر هذه المعاملة للحاجة إليها، فقد يكون هناك مالك لمال لا يحسن استغلاله فيعطيه رجلا لا مال له يحسن استغلاله، لتكون الثمرة بينهما، يفيد كل منهما وينشط الاقتصاد، ولا ينقص المال المعطل بإخراج زكاته كل عام، ويجد الفقير عملا حلالا لا يحول دون تعطله والتجائه إلى وسيلة للعيش قد تكون محرمة، كالتسول والسرقة، ففيها تعاون على الخير، واشترط الفقهاء لصحتها أن يكون رأس المال نقدا معلوما، وأن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوما بالنسبة لا بالقدر المعين، كالنصف والثلث والربع مثلا، وهذا ما عامل عليه النبى صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها، يقول ابن المنذر: اجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض -المضاربة- إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة.
وقالوا فى تعليل ذلك: إنه لو اشتُرط قدر معين لأحدهما فربما لا يكون الربح إلا هذا القدر، فيستفيد به طرف دون الآخر، وهو مناف لحكمة المشروعية فى نفع كل من المتعاقدين.
وهناك شرط اختلف الفقهاء فيه وهو إطلاق النشاط وتقييده، فقال مالك والشافعى: لا يجوز تقييد المضاربة بالإتجار فى سلعة معينة أو فى بلد معين، أو فى زمن معين، أو مع شخص معين، لأن التقييد قد يضيع فرصا للربح، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: تصح المضاربة بالإطلاق والتقييد، وفى حالة التقييد لا يجوز للعامل المخالفة، وإلا ضمن، كما شرط حكيم بن حزام مع من يتاجرفى ماله: ألا يجعله فى كبدٍ رطبة أى حيوان ولا يحمله فى بحر، ولا ينزل به فى بطن مسيل، وإلا كان ضامنا لما يتلف منه.
والمفروض فى العامل أن يكون أمينا على المال، فلا يضمن إلا بالتعدى، فإذا تلف شىء منه فلا شىء عليه، ويصدق فى قوله مع اليمين إن ادعى ضياعه أو هلاكه.
ثم قال العلماء: لو أعطى العامل هذا المال أو بعضه لشخص آخر يضارب فيه كان متعديا ويكون ضامنا إن كان فيه خسران، وقال بعضهم: إن كان هناك ربح فهو لصاحب المال، وقال آخرون: الربح للمضارب ويتصدق به.
والعامل الذى يباشر النشاط تكون نفقته فى ماله هو إذا كان مقيما، أو سافر من أجل المضاربة ولا يتحملها صاحب المال، فقد تستغرق الربح كله، والعامل له نصيب فليكن تصرفه فى حدوده، لكن لو أذن رب المال له فى ذلك فلا مانع، فالمؤمنون عند شروطهم والعقد شريعة المتعاقدين.
هذا، وكما يجوز أن يكون المضارب العامل شخصا يجوز أن يكون جماعة أو هيئة أو مؤسسة تقوم بالنشاط التجارى الحلال لا الحرام، ولا تفرض لصاحب المال قدرا معينا بالنسبة لرأس ماله ولا تتحمل هى الخسارة، بل يتحملها رب المال ما دام لا يوجد تقصير منها، فلو ضمنت له قدرا معينا لا يتأثر بخسارتها هى ولا بمقدار ما تربحه بطلت المضاربة، ولو ضاربت هى فى هذا المال بإعطائه لغيرها ضمنت الخسارة، وإن كان هناك ربح فالربح كله لصاحب المال، ولها فى نشاطها أجر المثل، وإن كان أهل الرأى يقولون: إن الربح من حق هذه الجماعة وعليها أن تصرفه فى الخير ولا تتملكه.
ومن هنا يعلم أن البنوك والمؤسسات الأخرى التى تأخذ أموالا من الناس لقاء فائدة محددة بالنسبة لرأس المال لا يصدق عليها أنها تتعامل بنظام المضاربة لأمرين هامين، هما تحديد الربح وتحمل الخسارة، ونظام البنوك يمنع أى نشاط تحتمل فيه الخسارة. ولو قيل إنها وكيلة أو نائبة عن أصحاب الأموال، فإن كل ربح أو خسارة يكون لهم، ولهذه المؤسسات أجر الوكالة فقط، وهذا يتنافى مع الواقع فى نشاطهم الذى نصت القوانين على أن الأموال التى يتلقونها هى من باب القرض الذى يجب رده لصاحبه بعينه أو مثله، فإن شرطت عليه زيادة فهى ربا كما تقدم توضيحه فى ص 74- 82 س من المجلد الأول من هذه الفتاوى
(9/417)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة   الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 Emptyالأربعاء 14 فبراير 2024, 10:03 pm

الشركات

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نقرأ فى بعض كتب الفقه كلاما عن أنواع من الشركات كالعنان والمفاوضة والوجوه، فما هى الفروق بينها وما حكم الشرع فيها؟

الجواب
الشركة كما يقول الأحناف: عقد بين المتشاركين فى رأس المال والربح، والمشاركة فى الخير مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى فى الميراث: {فهم شركاء فى الثلث} النساء: 12، وقال صلى الله عليه وسلم قال تعالى: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما" رواه أبو داود وذكر ابن المنذر أن العلماء أجمعوا على مشروعيتها.
وقسم العلماء الشركة إلى قسمين أساسيين: أحدهما شركة أملاك وهى التى لا يكون فيها عقد، كالمال الموهوب لأكثر من شخص فيقبلانه، وكالمال الموروث لأكثر من شخص، والحكم فيها أنه لا يجوز لأى شريك التصرف فى نصيب الآخر إلا بإذنه.
والقسم الثانى شركة عقود، وهى أنواع:
أ-شركة العنان، أن يشترك اثنان فى مال لهما على أن يتجرا فيه والربح بينهما، ولا يشترط فيها المساواة فى رأس المال ولا فى التصرف ولا فى الربح، فذلك بحسب الاتفاق وعند الخسارة يتحملانها بنسبة رأس المال.
ب- شركة المفاوضة أن يتعاقد اثنان أو أكثر على الاشتراك فى عمل بشرط التساوى فى المال والتصرف والدين، وأن يكون كل واحد كفيلا عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه. وقد أجازها الحنفية والمالكية ولم يجزها الشافعى لعسر المساواة فيها بسبب الغرر والجهالة، ولم يصح فى إجازتها حديث، وصورتها عند المالكية أن يفوض كل شريك إلى الآخر التصرف مع حضوره وغيبته وتكون يده كيده، ولا يكون شريكه إلا فيما يعقدان الشركة عليه، ولا يشترط فيها المساواة فى المال.
ج- شركة الوجوه، أن يشترك اثنان فأكثر من الناس دون أن يكون لهم رأس مال وذلك اعتمادا على جاههم وثقة التجار بهم، على أن تكون الشركة بينهم فى الربح، فهى شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال، وأجازها الأحناف والحنابلة، وأبطلها الشافعية والمالكية لعدم المال والعمل.
د- شركة الأبدان، أن يتفق اثنان على أن يتقبلا عملا من الأعمال، على أن تكون الأجرة بينهما حسب الاتفاق، كالنجارين والحدادين والحمالين وغيرهم من الحرفيين وهى جائزة عند الجمهور، وأبطلها الشافعى، لأن الشركة عنده تختص بالأموال لا بالأعمال.
إن هذه الشركات بتلك الأسماء لا يعرفها تمام المعرفة إلا المتخصصون فى علم الشريعة، لأن هذه الأسماء حادثة بالاصطلاح ليست شرعية ولا لغوية، كما يقول صاحب كتاب "الروضة الندية" ولذلك هو يرى صحة هذه الشركة بأى اصطلاح يكون ما دام لا يوجد فيها شرط فاسد أو عمل محرم،ورضى الشركاء بها. هذا وقد ذكر ابن قدامة فى كتابه المغنى بعض شركات جائزة منها أن يدفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزقه الله منها فهو بينهما حسب الاتفاق، والشافعى وأصحاب الرأى لا يجيزون ذلك وجعلوا الربح كله لصاحب الدابة، وللعامل أجرة المثل، لأن هذه الصورة ليست من صور الشركات وليست مضاربة لأنها لا تكون فى العُروض بل بالتجارة فيها، وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك صاحبها، أما الحنابلة فيجوِّزون ذلك لأنها عين تنمى بالعمل عليها، ولو دفع شبكة إلى الصياد ليصيد بها السمك على أن يكون لكل منهما النصف يصح عند أحمد ولا يصح عند الآخرين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجر المثل.
ويقول ابن القيم فى "إعلام الموقعين ": لو دفع الشخص بقره، أو غنمه أو إبله إلى آخر يرعاها والدر والنسل بينهما جاز، وكذلك لو دفع إليه دابته يعمل عليها والأجرة بينهما جاز، ولا يوجد كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس يحرم ذلك
(9/418)
________________________________________
كتابة الوصية قبل النوم

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ورد حديث يأمر الإنسان بكتابة وصيته قبل أن ينام؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما حق امرئ مسلم له شىء يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
الوصية فى الشرع تصرف مضاف لما بعد الموت، وهى تكون بالعين وبالدين وبالمنفعة، وتكون بطريق التبرع دون مقابل، ويفرق بينها وبين الهبة بأن الهبة تمليك فى حال الحياة، وهى لا تكون إلا بالعين، لا بالدين ولا بالمنفعة.
والوصية مشروعة بالكتاب كما قال تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة: 18 وكما قال {يا أيها الذين آمنوا شهاده بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} المائدة:
106 ومشروعة بالسنة للحديث الذى سبق ذكره، ولما رواه ابن ماجه مرفوعا "من مات على وصية مات على سبيل وسنة ومات على تقى وشهادة ومات مغفورا له" وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها. ولكن ما هو مدى مشروعيتها؟ هناك ثلاثة آراء:
الرأى الأول: أنها واجبة على كل من ترك مالا، قليلا كان أو كثيرا، وهو مروى عن ابن عمر وطلحة والزبير وبعض التابعين، بدليل آية البقرة المذكورة آنفا.
والرأى الثانى: أنها تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت، بدليل الآية نفسها، وهو رأى مسروق وابن جرير.
والرأى الثالث: وهو رأى الأئمة الأربعة- أنها ليست فرضا على الوجه المذكور فى الرأيين الأولين بل تعتريها الأحكام الخمسة.
1- فقد تكون واجبة إذا كان على الإنسان حق شرعى يخشى أن يضيع إن لم يوص به كوديعة ودين لله أو لآدمى.
2- وقد تكون مستحبة، وذلك فى الطاعات وللأقارب والصالحين.
3- وقد تكون محرمة، إذا كان فيها إضرار بالورثة، لحديث رواه النسائى مرفوعا برجال ثقات "الإضرار فى الوصية من الكبائر" كما تحرم إذا أوصى بمحرم كالخمر.
4- وتكون مكروهة إذا كان الموصى قليل المال وله وارث أو ورثة يحتاجون إليه، كما تكره لأهل الفسق إن غلب على الظن أنهم يستعينون بها عليه.
5- وتكون مباحة إذا كانت لغنى سواء أكان الموصى له قريبا، أم بعيدا والوصية-كما قال العلماء -من العقود التى يجوز تغييرها والرجوع فيها من الموصى سواء أكان الرجوع بالقول أم بالفعل كالتصرف فيها بما يزيل ملكه عنها بمثل البيع.
هذا، وجمهور العلماء على عدم جواز الوصية بما يزيد على الثلث إن لم يكن له وارث وأجازها أبو حنيفة "نيل الأوطار للشوكانى ج 6 ص 42 ".
ويمكن الرجوع إلى ص 389 من المجلد الثانى من هذه الفتاوى لمعرفة حكم الوصية للوارث وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية فى مصر
(9/419)
________________________________________
من أعمال البنوك

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الشرع فى أخذ البنك فائدة على فتح الاعتماد المستندي؟

الجواب
سبق القول في المجلد الأول من هذه الفتاوى أن أخذ البنك أجرا في مقابل الاعتمادات المستندية جائز، ولتوضيح ذلك تقول:
في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1965 م قُدِّم بحثان للدكتور محمد عبد الله العربي، أحدهما بعنوان:
المعاملات المصرفية، وثانيهما بعنوان: طرق استثمار الأموال وموقف الإسلام منها، ويقعان فى ست وأربعين صفحة من القطع الكبير.
وبعد المناقشة قرر المؤتمر في ضمن قراراته: أن خطابات الاعتمادات من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ فى نظير ذلك ليس من الربا.
وفى كتاب: الأعمال المصرفية والإسلام الذى ألفه الأستاذ مصطفى عبد الله الهمشرى والواقع فى مائتين وخمسين صفحة من القطع الكبير، ونشره مجمع البحوث الإسلامية- تحدث عن الاعتمادات المستندية، وعن خطابات الضمان قال:
إن الاعتمادات المستندية التى يتعهد فيها البنك للمصدِّر بدفع المستحقات له على المستورد جائزة، والأجر الذى يؤخذ فى مقابلها جائز، وخرَّج الجواز على أن طبيعة هذا التعامل تدور بين الوكالة والحوالة والضمان، والوكالة بأجر لا حرمة فيها، وكذلك الحوالة بأجر،، والضمان بأجر خرَّجه على ثمن الجاه الذى قيل فيه بالحرمة وبالكراهة وقال بجوازه الشافعية، كما خرجه على الجعالة التى أجازها الشافعية أيضا.
وتحدث عن خطابات الضمان وأنواعها، وهى التى يتعهد فيها البنك بمكتوب يرسله -بناء على طلب عميله- إلى دائن العميل يضمن فيه تنفيذ العميل لالتزاماته، وقال إنها جائزة، وخرَّج ذلك على أنها وكالة أو كفالة، وهما جائزتان، والعمولة عليهما لا حرمة فيها. واعتمد فى دراسته على المراجع والمصادر الاقتصادية وعلى كتب الفقه فى المذاهب المختلفة.
هذا، وقرارات المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية انتهت إلى أن أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتمادات والكمبيالات الداخلية التى يقوم عليها العمل بين التجار والبنوك فى الداخل -كل ذلك من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ فى نظير هذه الأعمال ليس من الربا، وأن الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة -كلها من المعاملات الربوية وهى محرمة.
ودراسة هذا الموضوع لا تعدو أن تكون نقلا لما كتبه الدكتور العربى والأستاذ الهمشرى وهى دراسة جمعت بين النشاط الاقتصادى وحكم الشرع فى ذلك، والمراجع مذكورة فيها بما يضع الثقة فى هذه الدراسة التى مر عليها عشرات السنين دون اعتراض عليها
(9/420)
________________________________________
نشأة البنوك الربوية

المفتي
عطية صقر.
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
كيف نشأ نظام البنوك وهل صحيح أن اليهود لهم دور كبير فى ذلك؟

الجواب
إن الربا محرم فى جميع الشرائع السماوية، ومن المعروف أن اليهود يحبون المال حبا جما، لدرجة طغت على الإيمان باليوم الآخر، وجاء عنهم أن جنة الإنسان هى غناه وأن ناره هى فقره، أو من مات غنيا دخل الجنة ومن مات فقيرا دخل النار، وقد جاء فى القرآن الكريم ذمهم لأسباب كثيرة منها الربا الذى جاء فيه قوله تعالى {وأخذهم الربا وقد نهوا منه وأكلهم أموال الناس بالباطل} النساء: 161 وما يزال نشاطهم فى هذه الناحية معروفا إلى الآن.
والتاريخ يتحدث أن البنوك التى ولدت حديثا فى الغرب كان للثورة الصناعية دور كبير فيها، فقد كانت العملة المتداولة هى النقود الذهبية، وكان الأغنياء يودعون أموالهم عند من يشتغلون بصناعة الذهب لحفظها وعدم السطو عليها، ويأخذون منها القدر الذى يحتاجون إليه فى مقابل يُدفع إلى من أودعت عنده، وإذا أراد الغنى الانتقال إلى بلد آخر يستثقل أن يحمل معه ذهبه أو يخشى عليه الضياع، فيأخذ أمرا ممن هى عنده إلى زميل له فى ذلك البلد ليتسلم ما يريد من المال وصارت السندات هى المستعملة بدل حمل النقود لخفتها وضمانها.
ولما كثرت الودائع الذهبية عند "الصيارفة" استغلوها فى الإقراض بفائدة يحددونها على حسب ما يرون من حاجة المقترض، وعند رد القرض بفائدته يستغل مرة ومرات أخرى هكذا.
ومن أجل هذا الحرص على الفائدة كره الناس هؤلاء الصيارفة مع اضطرارهم إليهم - ولما جاءت الثورة الصناعية كثر الإقراض الإنتاجى بعد أن كان للاستهلاك. ومن أجل الحاجة إلى ما عند الصيارفة ومع تحريم الكنيسة للربا - حللته القوانين الوضعية، فتطور مركز الصيرفى وأصبح كل صاحب بنك له احترامه، ونشأت البنوك فى صورة شركات مساهمة، وانهالت الودائع عليها بفائدة ضئيلة تضمن لأصحابها الربح الثابت بدل المخاطرة بها فى المشروعات، وفى الوقت نفسه تقرض البنوك هذه الودائع بفائدة مرتفعة تكسب الفرق بين فائدة الإيداع وفائدة الإقراض ومن هنا انتزعت السيطرة على اقتصاديات العالم فى العصر الحاضر.
ويقول المختصون: إن النظام الربوى فى البنوك جعل أصحابها مسيطرين على اقتصاديات المجتمع بل على سياسته الداخلية والخارجية وتشريعاته وسلوكياته وثقافته وفكره، يمتصون دماءه وهم آمنون، والناس من حولهم كادحون مغلوبون.
وهذا النظام فى الإقراض الإنتاجى دفع المنتج إلى غلاء الأسعار ليسدد القرض وفائدته، وإذا غلت الأسعار انحسر الاستهلاك وتضخم الفائض، ولو أراد المنتج تخفيض السعر ليصرف ما عنده كان ذلك على حساب العمال، إما بتخفيض أجورهم وإما بالاستغناء عن بعضهم، ولذلك عواقبه فى نقص القوة الشرائية وفى خلق البطالة وزيادة انحسار الاستهلاك، وفائض الإنتاج يزداد، ولتصريف الفائض يجئ التفكير فى خلق أسواق غير منتجة، وهى فى البلاد النامية، وهو طريق إلى السيطرة عليها واستعمارها، وذلك يخلق تحكما فى أسعار المواد الخام التى لم تصنعها تلك البلاد غير الصناعية، فتقل أثمانها، ولا تجنى من تصديرها إلا القليل.
إن خير ما يواجه به النظام الربوى لأصحاب البنوك، هو نظام المضاربة بشروطها الشرعية المعروفة التى لا تثرى فيه طائفة على حساب الأخرى، ويسود فيها التشاور والاشتراك الفعلى فى النشاط الذى يحقق الربح للطرفين، "مقتطف من مقال السيد / أحمد عزت الصياد بمجلة الهداية الصادرة فى البحرين - عدد جمادى الآخرة 1415 هـ ديسمبر 1994 م "
(9/421)
________________________________________



الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة - صفحة 7 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الشيخ عطية صقر.. مدرسة فقهية متميزة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 7 من اصل 9انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8, 9  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» فتوى الشيخ عطية صقر في الاحتفال بشم النسيم
» أم عطية الأنصارية
» كم في البلية من عطية خفية
» تلخيص ما كتبه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله
» الشيخ محمد عبد الحكيم بن الشيخ سعيد العبد الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـعــقـيــــــــدة الإســــلامـيــــــــــة :: فتاوى الشيخ عطيه صقر (رحمه الله)-
انتقل الى: