منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Empty
مُساهمةموضوع: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Emptyالأحد 03 ديسمبر 2023, 12:17 am

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Ocia1056

تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر: دار إحياء الكتب العربية -عيسى البابي الحلبي وشركاه - مصر
الطبعة: الأولى 1387هـ - 1967م
عدد المجلدات: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وأضيفت تراجمه لخدمة التراجم]

المجلد: الثاني

ذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب إلى أن اتخذها الخلفاء العباسيون دار الخلافة:

بسم الله الرحمن الرحيم

لَمَّا قُتِلَ صاحب مصر الظافر، وصلت الأخبار إلى بغداد، بأن مصر قُتِلَ صاحبها، ولم يبق فيهم إلا صبي صغير، ابن خمس سنين، قد ولُّوه عليهم، ولقبوه الفائز، فكتب الخليفة المقتفي (1) عهداً للملك نور الدين محمود زنكي على البلاد الشامية والمصرية، وأرسله إليه، فسار حتى أتى دمشق، فحاصرها وانتزعها من يد ملكها مجير الدين بن طغتكين، وشرع في فتح بلاد الشام بلدًا بلدًا، وأخذها من أيدي من استولى عليها من الفرنج.

فلمَّا كان في سنة اثنتين وستين أقبلت الفرنج في محافل كثيرة إلى الديار المصرية، فأرسل نور الدين محمود أسد الدين شيركوه بن شادي، ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب، فسار إليها في ربيع الآخر، وقد وقع في النفوس أن صلاح الدين سيملك الديار المصرية، وفي ذلك يقول عرقلة الشاعر:

أقول والأتراك قد أزمعت ... مصر إلى حرب الأعاريب

رب كما ملكتها يوسف الصـ ... ـديق من أولاد يعقوب

يملكها في عصرنا يوسف الصـ ... ـادق من أولاد أيوب

من لم يزل ضراب هام العدا ... حقاً وضراب العراقيب

_________

(1) كذا في الأصل، وهو الصواب، وفي ح، ط: "المكتفي" وانظر أخبار الخلفاء.44.

(2/3)

_________

وسار إلى الفرنج، فاقتتلوا قتالًا عظيمًا، فهزم الفرنج ولله الحمد، وسار أسد الدين بعد كسر الفرنج إلى الإسكندرية، فملكها، واستناب عليها ابن أخيه صلاح الدين، وعاد إلى الصعيد، فملكه.

ثم إن الفرنج والمصريين اجتمعوا على حصار الإسكندرية، فصالح شاور وزير العاضد أسد الدين عن الإسكندرية بخمسين ألف دينار، فأجابه إلى ذلك، وخرج صلاح الدين منها، وسلمها إلى المصريين، وعاد إلى الشام في ذي القعدة، وقرر شاور للفرنج على مصر في كل عام مائة ألف دينار، وأن يكون لهم شحنة (1) بالقاهرة.وسكن القاهرة أكثر شجعان الفرنج، وتحكموا فيها بحيث كادوا يستحوذون عليها، ويخرجون المسلمين منها.

فلما كانت سنة أربع وستين، قدم إمداد الفرنج في محافل هائلة، فأخذوا مدينة بلبيس، فقتلوا وأسروا ونزلوا بها، وتركوا فيها أثقالهم، وجعلوها موئلاً ومعقلا.

ثم جاءوا فنزلوا على القاهرة من ناحية باب الشرقية، فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر، وأن ينتقلوا إلى القاهرة.

فنهب البلد، وذهب للناس أموال كثيرة، وبقيت النار تعمل في مصر أربعة وخمسين يومًا؛ فعند ذلك أرسل الخليفة العاضد يستغيث بالملك نور الدين، وبعث إليه بشعور نسائه يقول: أدركني؛ واستنقذ نسائي من أيدي الفرنج.والتزم له بثلث خراج مصر على أن يكون أسد الدين مقيماً عندهم، ولهم إقطاعات زائدة على الثلث.

فجهز نور الدين الجيوش، وعليهم أسد الدين ومعه صلاح الدين، فدخلوا القاهرة وقد رجع الفرنج لما سمعوا بوصولهم.

وعظم أمر أسد الدين بالديار المصرية، وقتل الوزير شاور، قتله صلاح الدين.

وفرح المسلمون بقتله؛ لأنه الذي كان يمالئ الفرنج على المسلمين، وأقيم أسد الدين مكانه في الوزارة، ولقب الملك المنصور؛ فلم يلبث إلا شهرين وخمسة أيام، ومات في السادس والعشرين من جمادى الآخرة.

_________

(1) الشحنة: رئيس الشرطة.

(2/4)

_________

فأقام العاضد مكانه في الوزارة صلاح الدين يوسف، ولقبه الملك الناصر.

قال أبو شامة: وصفة الخلعة التي لبسها صلاح الدين يومئذ عمامة بيضاء تنيسي بطرف ذهب، وثوب دبيقي (1) بطراز ذهب، وجبة بطراز ذهب، وطيلسان بطراز ذهب، وعقد جوهر بعشرة آلاف دينار، وسيف محلى بخمسة آلاف دينار، وحجره بثمانية آلاف دينار، وعليها سرج ذهب وسريسار ذهب مجوهر، وفي رأسها مائتا حبة جوهر، وفي قوائمها أربعة عقود جوهر، وفي رأسها قصبة بذهب، وفيها شدة بيضاء بأعلام بيض، ومع الخلعة عدة بقج (2)، وخيل وأشياء أخر، ومنشور الوزارة مكتوب في ثوب أطلس أبيض؛ وكل ذلك يوم الاثنين الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وستين؛ وكان يوماً مشهوداً، وارتفع قدر صلاح الدين بالديار المصرية، وائتلفت عليه القلوب، وخضعت له النفوس، واضطهد العاضد في أيامه غاية الاضطهاد.

فلما كان سنة خمس وستين حاصرت الفرنج دمياط خمسين يوما، فقاتلهم صلاح الدين حتى أجلاهم، وأرسل نور الدين إلى صلاح الدين يأمره أن يخطب للخليفة المستنجد العباسي بمصر؛ لأن الخليفة بعث يعاتبه في ذلك؛ فلما كان سنة ست وستين، اتفق موت المستنجد، وقام المستضيء، وشرع صلاح الدين في تمهيد الخطبة لبني العباس، وقطع الأذان بحيّ على خير العمل من ديار مصر كلها، وعزل قضاة مصر؛ لأنهم كلهم كانوا شيعة، وولى أقضى القضاة بها صدر الدين بن درباس الشافعي، واستناب في سائر الأعمال شافعية.

_________

(1) ثوب دبيقى: منسوب إلى دبيق، بلدة بمصر اشتهرت بالثياب، قال ياقوت: "كانت بمصر بين الفرما وتنيس".

(2) البقجة: الصرة من القماش، توضع بها الثياب أو النقود، أو الأوراق الخاصة تجمع على بقج، فارسية، محيط المحيط.

(2/5)

_________

فلما دخل سنة سبع وستين أمر الملك صلاح الدين بإقامة الخطبة لبني العباس بمصر في أول جمعة من المحرم، وبالقاهرة في الجمعة الثانية، وكان ذلك يوما مشهودا؛ والعجب أن أول من خطب للمعز حين أخذت مصر عمر بن عبد السميع العباسي الخطيب بجامع عمرو وبجامع ابن طولون؛ فكان أول من خطب لبني العباس هذه النوبة شريف علوي، يقال له: محمد بن الحسن بن أبي الضياء البعلبكي.

ولما بلغ الخبر نور الدين أرسل إلى الخليفة المستضيء يعلمه بذلك، فزينت بغداد، وغلقت الأسواق وعملت القباب، وفرح المسلمون فرحا شديدا، قال ابن الجوزي: وقد ألفت في ذلك كتابا سميته: "النصر على مصر".وكتب العماد الكاتب عن السلطان صلاح الدين إلى الملك نور الدين يبشره بذلك:

قد خطبنا للمستضيء بمصر ...  نائب المصطفى إمام العصر

في أبيات ذكرتها في تاريخ الخلفاء (1).

وقال بعض شعراء بغداد في ذلك (2):

ليهنك يا مولاي فتح تتابعت ... إليك به خوص الركائب توجف

أخذت به مصراً وقد حال دونها ... من الشرك ناس في لها الحق تقذف (3)

فعادت بحمد الله باسم إمامنا ... تتيه على كل البلاد وتشرف

_________

(1) تاريخ الخلفاء 446، وبعده هناك:

وخذلنا لنصره العضد العا ... ضد والقاصر الذي بالقصر

وتركنا الدعي يدعو ثبورا ... وهو بالذل تحت حجر وحصر

(2) هو شمس المعالي أبو الفضائل الحسين بن تركمان؛ ذكره أبو شامة في الروضتين 1/: 197، قال: "وكان حاجب بن هبيرة، قالها حين سمع تأويل رؤيا منامية، ومطلع الأبيات هناك:

لتهنك يا مولى الأنام بشارة ... بها سيف دين الله بالحق مرهف

(3) كذا في الأصل والروضتين وفي ط: "فيهم الحق يقذف" بعده في الروضتين:

وقد دنست فيها المنابر عصبة ... يعاف التقي والدين منهمو يأنف

فطهرها من كل شرك وبدعة ... أغر غرير بالمكارم يشغف

(2/6)

_________

ولا غرق أن ذلت ليوسف مصره (1) ... وكانت إلى عليائه تتشوف

تملكها من قبضة الكفر يوسف ... وخلصها من عصبة الرفض يوسف

كشفت بها عن آل هاشم سيئاً ... وعاراً أبى إلا بسيفك يكشف

وهي طويلة.

قال أبو شامة: أنشدت هذه القصيدة للخليفة قبل موته، عند تأويل منام رئي في هذا المعنى، وأراد بيوسف الثاني الخليفة المستنجد، فلم يخطب إلا لولده المستضيء، فجرى الفأل باسم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأرسل الخليفة المستضيء بأمر الله إلى الملك صلاح الدين خلعة سنية، ومعها أعلام سود، ولواء معقود، ففرقت على الجوامع بالشام وبلاد مصر، وكتب له تقليدًا؛ وهذه صورته:

أما بعد، فإن أمير المؤمنين يبدأ بحمد الله الذي يكون لكل خطبة قيادا، ولكل أمر مهادا، ويستزيده من نعمه التي جعلت التقوى لها زادا، وحملته أعباء الخلافة فلم يضعف عنه طوقاً ولم يأل فيه اجتهادا، وصغرت لديه أمر الدنيا فما تسورت له محرابا ولا عرضت عليه جيادًا، وحققت فيه قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} (2).

ثم يصلي على من أنزلت الملائكة لنصره إمدادًا، وأسرى به إلى السماء حتى ارتقى سبعًا شدادًا، وتجلى له ربه فلم يزغ منه بصر ولا كذب فؤادا.

ثم من بعده على أسرته الطاهرة التي زكت أوراقاً وأعوادا، وورثت النور

المبين بلادًا، ووصفت بأنها أحد الثقلين هداية وإرشادا؛ وخصوصًا عمه العباس المدعو له بأن يحفظ نفسا وأولادا، وان تبقى كلمة الخلافة فيهم خالدة لا تخاف دركا ولا تخشى نفادا.

وإذا استوفى العلم مراده من هذه الحمدلة، وأسند القول فيها عن فصاحته المرسلة،

_________

(1) في الروضتين: "أن دانت".

(2) القصص: 83.

(2/7)

_________

فإنه يأخذ في إنشاء هذا التقليد الذي جعله حليفاً لقرطاسه، واستدام سجوده على صفحته حتى لم يكد يرفع من رأسه؛ وليس ذلك إلا قاضية في وصف المناقب التي كثرت فحسن لها مقام الإكثار، واشتبه التطويل فيها بالاختصار، وهي التي لا يفتقر واضعها إلى القول المعاد، ولم يستوعر سلوك أطوادها؛ ومن العجب وجود السهل في سلوك الأطواد.

وتلك هي مناقبك أيها الملك الناصر السيد الأجل الكبير، العالم العادل المجاهد المرابط صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب.

والديوان العزيز يتلوها عليك تحدثاً بشكرك، ويباهي أولياءه تنويهًا بذكرك، ويقول: أنت الذي نستكفي فتكون للدولة سهمها الصائب، وشهابها الثاقب، وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب.

وما ضرها وقد حضرت في نصرتها إذا كان غيرك هو الغالب؛ فاشكر إذًا مساعيك التي أهلتك، وفضلتك على الأولياء بما فضلتك.

ولئن شوركت في الولاء بعقيدة الإضمار، فلم تشارك في عزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة الانتصار.

وفرق بين من أمد بقلبه وبين من أمد بيده في درجات الإمداد، وما جعل الله القاعد كالذي قال: لو أمرتنا لضربنا أكبادها إلى برك الغماد.

وقد كفاك من المساعي أنك كفيت الخلافة أمر منازعيها، وطمست على الدعوة الكاذبة التي كانت تدعيها.ولقد مضى عليها زمن، ومحراب حقها محفوف من الباطل بمحرابين، ورأت ما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السوارين اللذين أولهما كذابين؛ فبمصر منهما واحد تجري أنهارها من تحته؛ ودعا الناس إلى عبادة طاغوته وجبته، ولعب بالدين حتى لم يدر يوم جمعته من يوم أحده ولا سبته.

وأعانه على ذلك قوم رمى الله بصائرهم بالعمى والصمم، واتخذوه صنمًا ولم تكن الضلالة هناك إلا بعجل أو صنم؛ فقمت أنت في وجه باطله حتى قعد، وجعلت في جيده

(2/8)

_________

حبلاً من مسد؛ وقلت ليده: تبت، فأصبح ولا يسعى بقدم ولا يبطش بيد.

وكذلك فعلت بالآخر الذي نجمت باليمن ناجمته، وسامت فيه سائمته؛ فوضع بيته موضع (1) الكعبة اليمانية، وقال: هذا هو الخلصة الثانية.

فأي مقامك يعترف الإسلام بسبقه، أم أيهما يقوم بأداء حقه.

وها هنا فليصبح القلم للسيف من الحساد، وليقصر مكانته عن مكانته وقد كان له من الأنداد، ولم يحط بهذه المزية إلا أنه أصبح لك صاحبا، وفخر بك حتى طال فخرا كما عز جانبًا، وقضى بولايتك فكان بها قاضيا، لما كان حده ماضيًا.

وقد قلدك أمير المؤمنين البلاد المصرية واليمنية غورًا ونجدًا، وما اشتملت عليه رعية وجندا، وما انتهت إليه أطرافها برًّا وبحرا، وما يستنقذ من مجاوريها مسالمة وقهرا.

وأضاف إليها بلاد الشام وما تحتوي عليه من المدن الممدنة، والمراكز المحصنة مستثنيا منها ما هو بيد نور الدين إسماعيل بن نور الدين محمود -رحمه الله وهو حلب وأعمالها؛ فقد مضى أبوه عن آثار في الإسلام ترفع ذكره في الذاكرين، وتخلفه في عقبه في الغابرين، وولده هذا قد هذبته الفطرة في القول والعمل، وليست هذه الربوة إلا من ذلك الجبل؛ فليكن له منك جار يدنو منه ودادًا كما دنا أرضا، وتصبح وهو له كالبنيان يشد بعضه بعضا؛ والذي قدمناه من الثناء عليك ربما تجاوزتك درجة الاقتصاد، وألقتك عن فضيلة الازدياد.

فإياك أن تنظر إلى سعيك نظر الإعجاب، فتقول: هذه بلادنا افتتحتها بعد أن أضرب عنها كثير من الأضراب.

ولكن أعلم أن الأرض لله ولرسوله، ثم لخليفته من بعده، ولا منة للعبد بإسلامه، بل المنة لله بهداية عبده.

وكم سلف قبلك ممن لو رام ما رمته لدنا شاسعه وأجاب مانعه؛ لكن ذخره الله لك لتحظى في الآخرة بمفازه، وفي الدنيا برقم طرازه.

فألق بيدك عند هذا القول إلقاء

_________

(1) ح: "بموضع".

(2/9)

_________

التسليم، وقل {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

وقد قرن تقليدك هذا بخلعة تكون لك في الإسلام شعارا، وفي الرسم فخارا، وتناسب محل قلبك وبصرك؛ وخير ملابس الأولياء ما ناسب قلوبًا وأبصارا، ومن جملتها طوق يوضع في عنقه موضع العهد والميثاق، ويشير إليك بأن الإنعام قد أطاق بك إطاقة الأطواق بالأعناق.

ثم إنك خوطبت بالملك وذلك خطاب يقضي لصدرك بالانشراح، ولأملك بالانفساح، وتؤمر معه بمد يدك العليا لا تضمها إلى الجناح.

وهذه الثلاثة المشار إليها هي التي تكمل بها أقسام السيادة، وهي التي لا مزيد عليها في الإحسان فيقال: إنها الحسنى وزيادة؛ فإذا صارت إليك فانصب لها يوما يكون في الأيام كريم الأنساب، واجعله له عيدًا وقل: هذا عيد الخلعة والتقليد والخطاب.

هذا ولك عند أمير المؤمنين مكانة بجعلك إليه حاضرًا، وأنت ناء عن الحضور، وتضن أن تكون مشتركة بينك وبين غيرك والضنة من شيم الغيوب؛ وهذه المكانة قد عرفتك نفسها وما كنت تعرفها؛ وما نقول إلا: إنها لك صاحبة وأنت يوسفها، فاحرسها عليك حراسة تقضي بتقديمها، واعمل بها فإن الأعمال بخواتيمها.

واعلم أنك تقلدت أمرا يفتن به تقي الحلوم، ولا ينفك صاحبه عن عهدة الملوم، وكثيرا ما ترى حسناته يوم القيامة وهي مقسومة (1) بأيدي الخصوم؛ ولا ينجو من ذلك إلا من أخذ أهبة الحذار، وأشفق من شهادة الأسماع والأبصار.

واعلم أن الولاية ميزان إحدى كفتيه في الجنة والأخرى في النار، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم".

فانظر إلى هذا القول النبوي نظر من لم يخدع بحديث الحرص والآمال، ومثل الدنيا وقد سيقت إليك بحذافيرها، أليس مصيرها إلى زوال! والسعيد من إذا جاءته قضى بها أرب الأرواح

_________

(1) ط: "مقتسمة".

(2/10)

_________

لا أرب الجسوم، واتخذ منها، وهي السم دواء وقد تتخذ الأدوية من السموم.

وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصباح، وهو كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيما تذروه الرياح.

والله يعصم أمير المؤمنين وولاة أمره من تبعاتها التي لابستهم ولابسوها، وأحصاها الله ونسوها، ولك أنت من الله هذا الدعاء حظ على قدر محلك من العناية التي حدثت بصنعك، ومحلك من الولاية التي بسطت من ذرعك.

فخذ هذا الأمر الذي تقلدته أخذ من لم يتعقبه بالنسيان، وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان؛ وملاكُ ذلك كله في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب؛ وقدر يوما منه بعبادة ستين عاما في الحساب، ولم يأمر به آمر إلا زيد قوة في أمره، وتحصن به من عدوه ومن دهره.ثم يجاء به يوم القيامة وفي يداه كتاب أمان، ويجلس على منبر من نور عن يمين الرحمن؛ ومع هذا فإن مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه، وغلبت لمة ملكه على لمة شيطانه.ومن آكد فروضه أن تمحى السير السيئة التي طالت مدد أيامها، ويئس الرعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدًا لانحسار ظلامها؛ تلك السير هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة، ولا غنى للأيدي الغنية إذا كانت ذا نفوس فقيرة؛ وكلما زيدت الأموال الحاصلة منها قدراً، زادها الله محقا؛ وقد استمرت عليها العوائد حتى ألحقها الظالمون بالحقوق الموجبة فسموها حقًّا، ولو أن صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه، ومثلت توبة المرأة الغامدية بمتابه؛ وهي أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصما، ويصبح وهو مطالب بما يعلم وبما لم يحط به علما؛ وأنت مأمور بأن تأبى هذه الظلامات فتنهي عن إجرائها، وتلحق أسماءها في المحو بإهمالها؛ حتى لا يبقى لها في العيان صورة منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة.

(2/11)

_________

وإذا فعلت ذلك كنت أزلت عن الماضي سنة سوء سنتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقا مسلوكا فجرى على ما بداه، فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من يضيق به ذرعًا، ونظر إلى الحياة الدنيا بعينها، فرآها في الآخرة متاعًا.

واحمد الله على أن قيض لك إمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك؛ وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطراف متباعدة، وتفتقر في سياستها إلى أيد متساعدة؛ ولهذا يكثر بها قضاة الأحكام، وأولو تدابيرات السيوف والأقلام؛ وكل من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار، ويسلط عليه شاهد عدل من أمانة الدرهم والدينار، فما أضل الناس شيء كحب المال الذي فورقت من أجله الأديان، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان؛ وكثيرا ما يرى الرجل الصائم القائم، وهو عابد له عبادة الأوثان؛ فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك، فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدأ حاله فإن الأحوال تنقل بنقل الأجساد.

وإياك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطاب بالربيع بن زياد.

وكذلك نأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم بأن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر محاسبين؛ ويعلموا أن ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين، وليبدءوا أولًا بأنفسهم فيعدلوا عن هواها، ويأمروها بما يأمرون به سواها، ولا يكونوا ممن هدي إلى طريق البر وهو عنها حائد، وانتصب لطب المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد؛ فما تنزل بركات السماء إلا على من خاف مقام ربه، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه؛ فإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم؛ وهو لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كل قوم إلا بمصباحهم.

ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانا في الأصحاب، وجيرانا في الاقتراب، وأعوانا في توزع الحمل الذي يثقل على الرقاب؛ فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميرًا، وأولى الناس باستعمال الرفق من كان فضل الله

(2/12)

_________

عليه كثيرًا؛ وليست الولاية لمن يستجد بها كثرة اللفيف، ويتولاها بالوطء العنيف؛ ولكنها لمن يمال عن جوانبه، ويؤكل من أطايبه، ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر، وإذا ألحف في سؤاله تخلق بخلق الضجر، وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر؛ فذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين، والذي يدعى بالحفيظ العليم والقوي الأمين.

ومن سعادة المرء أن تكون ولاته متأدبين بآدابه، وجارين على نهج صوابه؛ وإذا تطايرت الكتب يوم القيامة كانوا حسنات مثبتة في كتابه.

وبعد هذه الوصية، فإن ههنا حسنة هي للحسنات كالأم الولود؛ ولطالما أغنت عن صاحبها إغناء الجود، وتيقظت لنصره والعيون رقود؛ وهي التي تسبغ لها الآلاء، ولا يتخطاها البلاء، ولأمير المؤمنين عناية تبعثها الرحمة الموضوعة في قلبه، والرغبة في المغفرة والرحمة لما تقدم وتأخر من ذنبه.

وتلك هي الصدقة التي فضل الله بعض عباده بمزية إفضالها، وجعلها سببا إلى التعويض عنها بعشر أمثالها؛ وهو يأمرك أن تفقد أحوال الفقراء الذين قدرت عليهم مادة الأرزاق،

وألبسهم التعفف ثوب الغنى وهم في ضيق من الإملاق؛ فأولئك أولياء الله الذين مستهم الضراء فصبروا، وكثرت الدنيا في يد غيرهم فما نظروا إليها إذا نظروا.

وينبغي لك أن تهيئ لهم من أمرهم مرفقًا، وتضرب بينهم وبين الفقر موبقا.

وما أطلنا لك القول في هذه الوصية إلا إعلاما بأنها من المهم الذي يستقبل ولا يستدبر، ويستكثر منه ولا يستكبر؛ وهذا يعد من جهاد النفس في بذل المال، ويتلوه جهاد الكافر في مواقف القتال؛ وأمير المؤمنين يعرفك من ثوابه ما يجعل السيف في ملازمته أخا، وتسخو له بنفسك إن كان أحد بنفسه سخا.

ومن صفاته أن العمل المحبوب بفضل الكرامة، الذي ينمو أجره بعد صاحبه إلى يوم القيامة، وبه يمتحن طاعة

(2/13)

_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Emptyالأحد 03 ديسمبر 2023, 9:29 pm

الخالق على المخلوق، وكل الأعمال عاطلة لا خلوق لها وهي المختص دونها بزينة الخلوق، ولولا فضله لما كان محسوباً بشطر الإيمان؛ ولما جعل الله الجنة له ثمنا وليست لغيره من الأثمان، وقد علمت أن العدو هو جارك الأدنى؛ والذي يبلغك وتبلغه عينًا وأذنا، ولا تكون للإسلام نعم الجار؛ حتى تكون له بئس الجار.

ولا عذر لك في ترك جهاده بنفسك، ومالك إذا قامت لغيرك الأعذار.

وأمير المؤمنين لا يرضى منك بأن تلقاء مصافحًا، أو تطرق أرضه مماسيًا أو مصابحا، بل يريد أن تقصد البلاد التي في يد قصد المستغير لا قصد المغير، وأن تحكم فيها بحكم الله الذي قضاه على لسان سعد في بني قريظة والنضير، وعلى الخصوص البيت المقدس، فإنه بلاد الإسلام القديم، وأخو البيت الحرام في رف التعظيم، والذي توجهت إليه الوجوه من قبل بالسجود والتسليم.

وقد أصبح وهو يشكو طول المدة في أسر ربته، وأصبحت كلمة التوحيد وهي تشكو طول الوحشة في غربتها عنه وغربته.

فانهض إليه نهضة متوغل في فرحه، وتبدل صعب قياده بسمحه؛ وإن كان له عام حديبية فاتبعه بعام فتحه.

وهذه الاستزادة بعد سداد ما في اليد من ثغر كان مهملًا فحميت موارده، أو مستهدمًا فرفعت قواعده، ومن أهمها ما كان حاضر البحر كأنه أعمه عورته مكشوفة، وخطة مخوفة، والعدو قريب منه على بعده.

وكثيرا ما يأتيه فجاءة حتى يشق برقه برعده؛ فينبغي أن ترتب بهذه الثغور رابطة يكثر شجعانها، ويقل أقرانها، ويكون قتالا لأن تكون كلمة الله هي العليا لا لأن يرى مكانها، وحينئذ يصبح كل منها وله من الرجال أسوار، ويعلم أهله أن بناء السيف أمنع من بناء الأحجار؛ ومع هذا فلا بد له من أسطول يكثر عدده، ويقوي مدده، فإنه العمدة التي يستعين بها كشف العماء، والاستكثار من سبايا العبيد والإماء، وجيشه أخو الجيش السليماني، فذاك يسري على متن الريح وهذا يجري على متن الماء.

ومن صفات خيله أنها جمعت بين العوم والمطار، وتساوت أقدار خلقها على اختلاف

(2/14)

_________

مدة الأعمار، فإذا أشرعت قيل: جبال متلفعة بقطع من الغيوم، وإذا نظر إلى أشكالها قيل: أهلة غير أنها تهتدي في مسيرها بالنجوم، ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالي من جيادها، ويستكثر من قيادها، وليؤمر عليها أمير يلقى البحر بمثله من سعة صدره، ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها، ولكن قتلها بخبره؛ وكذلك فليكن ممن أفنت الأيام تجاربه، وزحمتها مناكبه، وممن بذل الصعب إذا هو ساسه وإن سيس؛ لأن جانبه، وهذا هو الرجل الذي يرأس على القوم فلا يجد هذه بالرياسة، فأن كان في الساقة ففي الساقة أو كان في الحراسة ففي الحراسة.

ولقد أفلحت عصابة اعتصمت من ورائه، وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنجح من رأيه.

واعلم أنه قد أخل من الجهاد بركن يقدح في علمه، وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أن صدق النية تأتي في أوله؛ وذلك هو قسم الغنائم فإن الأيدي قد تناوله بالإجحاف، وخلطت جهادها فيه بفلولها فلم ترجع بالكفاف.والله قد جعل الظلم في تعدي حدوده المحدودة، وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة؛ ونحن نعوذ به أن يكون زماننا هذا شر زمان وناسه شر ناس، ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه، ثم نهمله إهمال مضيع ولا إهمال ناس.

والذي نأمرك به أن تجري هذا الأمر على المنصوص من حكمه، وتبرئ ذمتك مما يكون غيرك الفائز بفوائده وأنت المطالب بإثمه، وفي أرزاق المجاهدين بالديار المصرية، والشامية ما يغنيهم عن هذه الأكلة التي تكون غدًا نكالا وجحيما، وطعامًا ذا غصة وعذابا أليمًا.

فتصفح ما سطرناه لك من هذه الأساطير التي هي عزائم مبرمات، بل آيات محكمات، وتحبب إلى الله وإلى أمير المؤمنين باقتفاء كتابها، وابن لك بها مجدًا يبقى في

(2/15)

_________

عقبك إذا أصيبت البيوت في أعقابها؛ وهذا الذي ينطق عليك بأنه لم يأل في الوصايا التي أوصاها، فإنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ثم إنه قد ختم بدعوات دعا بها أمير المؤمنين عند ختامه، وسأل فيها خيرة الله التي تتنزل من كل أمر منزلة نظامه.

ثم قال: إني أشهدك على من قلدته شهادة تكون عليه رقيبة وله حسيبة، فإني لم آمره إلا بأوامر الحق التي فيها موعظة وذكرى، ولمن تبعها هدى ورحمة وبشرى، وإذا أخذ بها فلج بحجته يومًا يسأل فيه عن الحجج، ولم يختلج دون رسوله على الحوض في جملة من يختلج، وقيل له: لا حرج عليك ولا إثم إذ نجوت من ورطات الإثم والحرج. والسلام.

قال الفقيه عمارة اليمني يرثي العاضد -وكان من خواصهم:

يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة ... لك الملامة إن قصرت في عذلي

بالله زر ساحة القصرين وابك معي ... عليهما لا على صفين والجمل

وقال بعض الشعراء يمدح بني أيوب على ما فعلوه:

ألستم مزيلي دولة الكفر من بني ... عبيد بمصر، إن هذا هو الفضل (1)

زنادقة شيعية باطنية ... مجوس وما في الصالحين لهم أصل

يسرون كفرا، يظهرون تشيعًا ... ليستروا شيئًا، وعمهم الجهل

قال حسان عرقلة (2):

أصبح الملك بعد آل عبيد (3) ... مشرفًا بالملوك من آل شاذي

وغدا الشرق يحسد الغرب للقو ... م ومصر تزهو على بغداذ

ما حووها إلا بعزم وحزم ... وصليل الفؤاد في الفولاذ

لا كفرعون والعزيز ومن كا ... ن بها كالخطيب والأستاذ

_________

(1) كتاب الروضتين 1: 202.

(2) كتاب الروضتين 1: 200.

(3) في الروضتين: "آل علي"، وقال: "يعني بذلك بني عبيد المستخلفين".

(2/16)

_________

قال أبو شامة: يعني بالأستاذ كافور الإخشيدي.

قال: وقد أفردت كتابا سميته: "كشف ما كان عليه بنو عبيد، من الكفر والكذب والمكر والكيد".

وكذا صنف العلماء في الرد عليهم كتبا كثيرة من أجلها كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني الذي سماه "كشف الأسرار وهتك الأستار".

ولما استقل السلطان صلاح الدين بأرض مصر، أسقط عن أهلها المكوس والضرائب، وقرأ المنشور بذلك على رءوس الأشهاد يوم الجمعة بعد الصلاة ثالث صفر سنة سبع وستمائة.

واستولى على القصر وخزائنه وفيها من الأموال مالا يحصى؛ من ذلك سبعمائة يتيمة من الجوهر، وقضيب زمرد طوله أكثر من شبر وسمكه نحو الإبهام، وعقد من ياقوت، وإبريق عظيم من الحجر المائع إلى غير ذلك من التحف، ووجد خزانة كتب ليس في الإسلام لها نظير، تشتمل على نحو ألفي ألف مجلد منها بالخطوط المنسوبة مائة ألف مجلد، فأعطاها القاضي الفاضل.

وأخذ السلطان صلاح الدين في نصر السنة وإشاعة الحق، وإهانة المبتدعة والانتقام من الروافض، وكانوا بمصر كثيرين.

ثم تجردت همته إلى الفرنج وغزوهم؛ فكان من أمره معهم ما ضاقت به التواريخ، واسترد منهم ما كانوا استولوا عليه من بلاد الإسلام بالشام.

من ذلك القدس الشريف فتحه، بعد أن كان في يد الفرنج (1) ... وأجلى ما بين الشام ومصر من الفرنج.

ثم افتتح الحجاز واليمن من يد متغلبيها وتسلم دمشق بعد موت نور الدين، فصار سلطان مصر والشام واليمن والحجاز.

قال ابن السبكي في الطبقات الكبرى: له من الفتوحات التي خلصها من أيدي الفرنج قلعة أيلة، طبرية، عكا، القدس، الخليل، الكرك، الشوبك، نابلس،

_________

(1) بياض في الأصل.

(2/17)

_________

عسقلان، بيوت، صيدا، بيسان، غزة، لُدّ، حيفا، صفورية، معليا، الفولة، الطور، إسكندرونة، هفوس (1)، يافا، أرسوف، قيسارية، جبل، نبل (1)، معليكه (1)، عفربلا، اللجون، لستمة (1)، ياقون، مجدل يابا، تل الصافية، بيت نوبا، الطرون، الجيب البيرة، بيت لحم، أريحاء، قرا (1)، واحصر (1) الدير، دمرا (1)، قلقيلية (1)، صرير الزيت (1)، الوعر (1)، الهرمس (1)، تفليسا (1)، العازرية، تفرع (1)، الكرك، مجدل، الحارغير (1) في جبل عاملة، الشقيف، سبسطية ويقال: بها قبر زكريا، وجبيل، وكوكب، وأنطرطوس واللاذقية، وبكسرائيل، صهيون، جبلة، قلعة العبد، قلعة الجماهرية، بلاطنس، الشغر، بكاس، وسمر (2) سامية، بزرية، ودربساك، وبغراس، وصفد.

وله مصافات يطول شرحها.

وافتتح كثيرا من بلاد النوبة من يد النصارى، وكانت مملكته من المغرب إلى تخوم العراق، ومعها اليمن والحجاز، فملك ديار مصر بأسرها مع ما انضم إليها من بلاد المغرب، والشام بأسرها مع حلب وما والاها، وأكثرها ديار ربيعة وبكر والحجاز بأسره واليمن بأسره، ونشر العدل في الرعية، وحكم بالقسط بين البرية، وبنى المدارس والخوانق، وأجرى الأرزاق على العلماء والصلحاء، مع الدين المتين والروع والزهد والعلم، وكان يحفظ القرآن والتنبيه والحماسة.

وهو الذي ابتنى قلعة القاهرة على جبل المقطم التي هي الآن دار السلاطين، ولم يكن السلاطين يسكنون قبلها إلا دار الوزارة بالقاهرة.

وفتح بلاد المسلمين حران، وسروج، والرها والرقة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمد.

وملك حلب، والمواريخ وشهرز.

وحاصر الموصل إلى أن دخل صاحبها تحت طاعته، وفتح عسكره طرابلس الغرب وبرقة من بلاد المغرب، وكسر

_________

(1) وردت أسماء هذه البلاد محرفة في الأصول، وقد رجعت إلى كتب المعاجم وطبقات الشافعية؛ فلم أهتد لتصويبها.

(2) وردت أسماء البلاد محرفة في الأصول، وقد رجعت إلى كتب المعاجم وطبقات الشافعية؛ فلم أهتد لتصويبها.

(2/18)

_________

عسكر تونس، وخطب بها لبني العباس.

ولو لم يقع الخلف بين عسكره الذين جهزهم إلى المغرب لملك الغرب بأسره، ولم يختلف عليه مع طول مدته أحد من عسكره على كثرتهم.

وكان الناس يأمنون ظلمه لعدله، ويرجون رفده لكثرته، ولم يكن لمبطل ولا لصاحب هزل عنده نصيب.

وكان إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، وإذا عاهد لم يخن.

وكان رقيق القلب جدًّا، ورحل إلى الإسكندرية بولديه الأفضل والعزيز لسماع الحديث من السلفي، ولم يعهد ذلك لملك بعد هارون الرشيد، فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون إلى الإمام مالك لسماع الموطأ.

هذا كله كلام السبكي في الطبقات (1).

قال: ومن الكتب والمراسيم عنه في النهي عن الخوض في الحرف والصوت؛ وهو من إنشاء القاضي الفاضل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... } (2) الآية خرج أمرنا إلى كل قائم في صف، أو قاعد في إمام وخلف؛ ألا نتكلم في الحرف بصوت، ولا في الصوت بحرف، ومن تكلم بعدها كان الجدير بالتكليم، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3)، ويسأل النواب القبض على مخالفي هذا الخطاب، وبسط العذاب، ولا يسمع لمتفقه في ذلك تحرير جواب، ولا يقبل عن هذا الذنب متاب.

ومن رجع إلى هذا الإيراد بعد الإعلان؛ وليس الخبر كالعيان، رجع أخسر من صفقة أبي غبشان (4)، وليعلن (5) بقراءة هذا الأمر على المنابر، وليعلم به الحاضر، والبادي ليستوي فيه البادي والحاضر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (6).

_________

(1) طبقات الشافعية: 4: 329، 330.

(2) سورة الأحزاب: 60.

(3) النور: 63.

(4) وردت هذه الجملة محرفة في الأصول، والصواب ما أثبته.

وصفقة أبي غبشان يضرب بها المثل في الخسران، وكان أبو غبشان والي أمر خزاعة، وكانت خزاعة سدنة الكعبة قبل قريش؛ ولأبي غبشان وصفقته خبر في المضاف والمنسوب 135.

(5) في الأصول: "وليعلى"، والصواب ما أثبته من الطبقات.

(6) طبقات الشافعية: 4: 331.

(2/19)

_________

ومن صنائع السلطان صلاح الدين أنه أسقط المكوس، والضرائب عن الحجاج بمكة، وقد كان يؤخذ منهم شيء كثير، ومن عجز عن أدائه حبس، فربما فاته الوقوف بعرفة، وعوض أميرها ثمال إقطاعا بديار مصر، يحمل إليه منه في كل سنة ثمانية آلاف إردب غلة، لتكون عونًا له ولأتباعه، وقرر للمجاورين أيضا غلَّات تحمل إليهم وصلات، فرحمة الله عليه في سائر الأوقات، فلقد كان إمامًا عادلا، وسلطانا كاملا لم يل مصر بعد الصحابة مثله، لا قبله ولا بعده!

وقد كان الخليفة المستضيء أرسل إليه في سنة أربع وسبعين خلعًا سنية جدًّا، وزاد في ألقابه "معز أمير المؤمنين".

ثم لما ولي الخليفة الناصر في سنة ست وسبعين أرسل إليه خلعة الاستمرار، ثم أرسل إليه في سنة اثنتين وثمانين يعاتبه في تلقيبه بالملك الناصر، مع أنه لقب أمير المؤمنين، فأرسل يعتذر إليه بأن ذلك كان من أيام الخليفة المستضيء، وأنه إن لقبه أمير المؤمنين بلقب، فهو لا يعدل عنه، وتأدب مع الخليفة غاية الأدب.

قال العماد: وقد كان للمسلمين لصوص يدخلون إلى خيام الفرنج فيسرقون، فاتفق أن بعضهم أخذ صبيًّا رضيعًا من مهده ابن ثلاثة أشهر، فوجدت عليه أمه وجدًا شديدًا، واشتكت إلى ملوكهم؛ فقالوا لها: إن سلطان المسلمين رحيم القلب، فاذهبي إليه، فجاءت إلى السلطان صلاح الدين فبكت، وشكت أمر ولدها، فرق لها رقة شديدة، ودمعت عيناه، فأمر بإحضار ولدها، فإذا هو بيع في السوق، فرسم بدفع ثمنه إلى المشتري، ولم يزل واقفا حتى جيء بالغلام، فدفعه إلى أمه، وحملها على فرس إلى قومها مكرمة.

واستمر السلطان صلاح الدين على طريقته العظيمة؛ من مثابرة الجهاد للكفار، ونشر العدل، وإبطال المكوس والمظالم، وإجراء البر والمعروف إلى أن أصيب به

(2/20)

_________

المسلمون، وانتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى ليلة الأربعاء سادس عشري صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وله من العمر سبع وخمسون سنة، وعمل الشعراء فيه مرائي كثيرة، من ذلك قصيدة للعماد الكاتب، مائتان وثلاثون بيتا أولها:

شمل الهدى والملك عم شتاته ... والدهر ساء وأقلعت حسناته (1)

بالله أين الناصر الملك الذي ... لله خالصة صفت نياته

أين الذي ما زال سلطانًا لنا ... يرجى نداه وتتقى سطواته

أين الذي شرف الزمان بفضله ... وسمت على الفضلاء تشريفاته

أين الذي عنت الفرنج لبأسه ... ذلا ومنها أدركت ثاراته

أغلال أعناق العدا أسيافه ... أطواق أجياد الورى مناته

قال العماد وغيره: لم يترك في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوريِّ وستة وثلاثين درهما، ولم يترك دارًا ولا عقارًا ولا مزرعة، ولا شيئًا من أنواع الأملاك، وترك سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة واحدة.

وكان متدينًا في مأكله ومشربه ومركبه وملبسه، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف، وكان يواظب الصلاة في الجماعة، ويواظب سماع الحديث، حتى إنه سمع في بعض المصافات جزءًا وهو بين الصفين ويتبجح بذلك، وقال: هذا موقف لم يسمع فيه أحد حديثًا.

وبالجملة فمناقبه الحميدة كثيرة لا تستقصى إلا في مجلدات، وقد أفرد سيرته بالتصنيف جماعة من العلماء والزهاد والأدباء، وكان به عرج في رجله، فقال فيه ابن عُنّين الشاعر:

سلطاننا أعرج وكاتبه ... ذو عمش والوزير منحدب

_________

(1) النجوم الزاهرة 6: 60، وكتاب الروضتين 2: 215.

(2/21)

_________

قال ابن فضل الله في المسالك: ومن غرائب الاتفاق أن الشيخ علم الدين السخاوي مدح السلطان صلاح الدين، ومدحه الأديب رشيد الدين الفارقي، وبين وفاتيهما مائة سنة.

وذكر اليافعي في روض الرياحين أن السلطان صلاح الدين كان من الأولياء الثلثمائة، وأن السلطان محمودًا كان من الأولياء الأربعين.

وقام بمصر من بعده ولده الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان، وكان نائب أبيه بها في حياته مدة اشتغاله بفتح البلاد الشامية، فاستقل بها بعد وفاته، فسار سيرة حسنة بعفة عن الفرج والأموال، حتى إنه ضاق ما بيده، ولم يبق في الخزانة لا درهم ولا دينار، فجاءه رجل يسعى في قضاء الصعيد بمال فامتنع، وقال: والله لا بعتُ دماء المسلمين وأموالهم بملك الأرض.

وسعى آخر قضاء الإسكندرية بأربعين ألف دينار، وحملها إليه فلم يقبلها، ولم يزل إلى أن مات في المحرم سنة خمس وتسعين، وله سبع أو ثمان وعشرون سنة، ودفن في قبة الإمام الشافعي.

فأقيم ولده ناصر الدين محمد، ولقب المنصور فاستمر إلى رمضان سنة ست وسبعين، ثم استفتى عم أبيه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب بن شاذي الفقهاء في عدم صحة مملكته لكونه صغيرًا ابن عشر سنين، فأفتوا بأن ولايته لا تصح، فنزع وأقيم الملك العادل.

وقيل: إن العادل أخذها من الأفضل علي بن السلطان صلاح الدين، وكان الأفضل غلب عليها، وانتزعها من المنصور، وأرسل العادل إلى الخليفة يطلب التقليد بمصر والشام، فأرسله إليه مع الشهاب السهروردي، فكان يصيف بالشام ويشتي بمصر، وينتقل في البلاد إلى أن مات يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة.

ومن قول ابن عنِّين فيه:

(2/22)

_________

إن سلطاننا الذي نرتجيه ... واسع المال ضيق الإنفاق

هو سيف كما يقال ولكن ... قاطع للرسوم والأرزاق

والعادل أول من سكن قلعة الجبل بمصر من الملوك، سكنها في سنة أربعين وستمائة، ونقل إليها أولاد العاضد وأقاربه في بيت في صورة حبس، وكان ابنه الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ينوب عنه بمصر في أيام غيبته، فاستقل بها بعد وفاته.

وفي هذه السنة نزلت الفرنج على دمياط، وأخذوا برج السلسلة، وكان حصنًا منيعا، وهو قفل بلاد مصر، وصفته أنه في وسط جزيرة في النيل عند انتهائه إلى البحر؛ ومن هذا البرج إلى دمياط وهي على شاطئ البحر وحافة النيل سلسلة، ومنه إلى الجانب الآخر، وعلى الجسر سلسلة أخرى، ليمنع دخول المراكب من البحر إلى النيل؛ فلا يتمكن من البلاد، فلما ملكت الفرنج هذا البرج شق ذلك على المسلمين بديار مصر وغيرها، ووصل الخبر إلى الملك العادل وهو بمرح الصفراء، فتأوه تأوها شديدًا، ودق بيده على صدره أسفا وحزنا، ومرض من ساعته مرض الموت.

ثم في سنة ست عشرة استحوذ الفرنج على دمياط، وجعلوا الجامع كنيسة لهم، وبعثوا بمنبره وبالربعات ورءوس القتلى إلى الجزائر، فإنا لله وإنا إليه راجعون! واستمرت بأيديهم إلى سنة سبع عشرة.

وكان الكامل عرض عليهم أن يرد إليهم بيت المقدس، وجميع ما كان صلاح الدين فتحه من بلاد السواحل ويتركوا دمياط؛ فامتنعوا من ذلك (1) ؛ فقدر الله أنه ضاقت

_________

(1) ج: "هذا".

(2/23)

_________

عليهم الأقوات، فقدمت عليهم مراكب فيها ميرة، فأخذها الأسطول البحري، وأرسلت المياه على أراضي دمياط من كل ناحية، فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرفوا في أنفسهم، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى؛ حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن، فعند ذلك أنابوا إلى المصلحة بلا معارضة، وكان يومًا مشهودًا، ووقع الصلح على ما أراد الكامل، ومد سماطا عظيما، وقام راجح الحلي فأنشد:

هنيئاً فإن السعد أضحى مخلدًا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا

حبانا إله الخلق فتحًا بدا لنا ... مبينًا وإنعاما وعزًا مؤيدا

إلى أن قال:

أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعًا يخدمون محمدا

وكان حاضرا حينئذا الملك المعظم عيسى، والملك الأشرف موسى ابنا الملك العادل.

قال أبو شامة: وبلغني أنه لما أنشد هذا البيت، أشار إلى الملك المعظم عيسى والأشرف موسى، والكامل محمد؛ فكان ذلك من أحسن شيء اتفق، وتراجعت الفرنج إلى عكا وغيرها من البلدان.

قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن يوسف الصرصري لنفسه ببغداد، وقد ورد كتاب من ديار مصر إلى الديوان بانتصار المسلمين على الروم وفتح ثغر دمياط:

أتانا كتاب فيه نسخة نصرة ... ألخص معناها لذي فطن جلد

يقول ابن أيوب المعظم حامدًا ... لرب السماء الواحد الصمد الفرد

أمرنا بحمد الله جل ثناؤه ... وعز أرى دفريس في طالع السعد

تركنا من الأعلاج بالسيف مطعنًا ... ثلاثين ألفا للقشاعم والأسد

ومنهم ألوف أربعون بأسرنا ... فكم ملك في قبضنا صار كالعبد

(2/24)

_________

ودمياط عادت مثل ما بدأت لنا ... ويافا ملكناها، فيالك من جد!

ونحن على أن نملك السيف كله ... على ثقة ممن له خالص الحمد

ألا يا بن أيوب لقد نلت غاية ... من النصر ضاهت ما بلغت من المجد

قهرت فرنج الروم قهرًا سماعه ... يقسم ذل الرعب في الترك والسغد (1)

وما نلت أسباب العلا عن كلالة ... ولم يأتك المجد المؤثل من بعد

ولكن ورثت الملك والفضل عن أب ... جليل وعن عم نبيل وعن جد

لجأت إلى ركن شديد ومعقل (2) ... منيع وكنز جامع جوهر المجد

إلى فاتح باب الرشاد ببعثه ... وخاتم ميثاق النبوة والعهد

إلى الشافعي المنجي الوجيه محمد ... فأحسنت في صدق التوجه والقصد

فمهما تجد من كيد ضد مضاغن ... بوجه به تظفر وتنصر على الضد

فلا صد عن عز سوابق مجدكم ... كلال ولا غالى الكلول شبا الحد

إلى أن تذيق الروم في عقر دارهم ... زعافا وتسقي المؤمنين جنى الشهد

ولما تولى المستنصر الخلافة أرسل إلى الكامل محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، ومعه كتاب عظيم فيه تقليده الملك، وفيه أوامر كثيرة مليحة من إنشاء الوزير نصير الدين أحمد بن الناقد؛ رأيت بخط قاضي القضاة عز الدين بن جماعة.

قال: وقفت على نسخة تقليد من الخليفة المنصور أبي جعفر المستنصر بالله أمير المؤمنين بخط وزيره أبي الأزهر أحمد بن الناقد في رجب سنة نيف وعشرين وستمائة للملك الكامل.

الحمد لله الذي اطمأنت القلوب بذكره، ووجب على الخلائق جزيل حمده وشكره

_________

(1) ط: "السفد"، تحريف.

(2) ط: "معمل" تحريف.

(2/25)

_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني Emptyالأحد 03 ديسمبر 2023, 9:37 pm

ووسعت كل شيء رحمته، وظهرت في كل أمر حكمته، ودل على وحدانيته بعجائب ما أحكم صنعًا وتدبيرًا، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، ممد الشاكرين بنعمائه التي لا تحصى عددا، وعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحدًا؛ لا معقب لحكمه في الإبرام والنقض، ولا يئوده حفظ السموات والأرض، تعالى أن يحيط به الضمير، وجل أن يبلغ وصفه البيان والتفسير؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وأحمد الله الذي أرسل محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وابتعثه هاديًا للخلق، وأوضح به مناهج الرشد وسبل الحق، واصطفاه من أشرف الأنساب وأعز القبائل، وجعله أعظم الشفعاء وأقرب

الوسائل، فقذف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق على الباطل، وحمل الناس بشريعته على المحجة البيضاء والسنن العادل؛ حتى استقام اعوجاج كل زائغ، ورجع إلى الخلق كل حائد عنه ومائل، وسجد لله كل شيء تتفيأ ظلاله على اليمين والشمائل؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأفاضل، صلاة مستمرة بالغدوات والأصائل، وخصوصا على عمه وصنو أبيه العباس بن عبد المطلب الذي اشتهرت مناقبه في المجامع والمحافل، ودرت ببركة استسقائه (1) أخلاف السحب الهواطل، وفاز من تنصيص الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخلافة المعظمة بما لم يفز به أحد من الأوائل.

والحمد لله الذي حاز مواريث النبوَّة والإمامة، ووفر من جزيل الأقسام من الفضل والكرامة، لعبده وخليفته، ووارث نبيه ومحيي شريعته وسنته.

ولما وفق الله نصير الدين محمد بن سيف الدين أبي بكر بن أيوب من الطاعة المشهورة، والخدم المشكورة، أنعم عليه بتقليد شريف إمامي، فقلده على خيرة الله الرعاية والصلاة وأعمال الحرب والمعاون والأحداث والخراج والضياع والصدقات والجوالي وسائر وجوه الجبايات، والقرض والعطاء، والنفقة في الأولياء، والمظالم

_________

(1) صبح الأعشى: "الاستسقاء به"

(2/26)

_________

والحسبة في بلاده، وما يفتتحه ويستولي عليه من بلاد الفرنج الملاعين، وبلاد من تبرز إليه الأوامر الشريفة بقصده من المارقين عن الإجماع المنعقد بين علماء المسلمين.

ومنه أمره بتقوى الله تعالى التي هي الجنة الواقية؛ والنعمة الباقية، والملجأ المنيع، والعماد الرفيع، والذخيرة النافعة في السر والنجوى، والجذوة المقتبسة من قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1) ؛ وأن يدرع شعارها في جميع الأقوال، ويهتدي بأنوارها من مشكلات الأمور والأحوال، وأن يعمل بها سرًّا وجهرا، ويشرح للقيام بحدودها الواجبة صدرًا، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (2)، وأمره بتلاوة كتاب الله تعالى، متدبرًا غوامض عجائبه، سالكًا سبيل الرشاد، والهداية في العمل به، وأن يجعله مثالا يتبعه ويقتفيه، ودليلا يهتدي بمراشده الواضحة في أوامره ونواهيه؛ فإنه النفل الأعظم، وسبب الله المحكم، والدليل الذي يهدي للتي هي أقوم؛ ضرب الله لعباده جوامع الأمثال، وبين لهم بهداه مسالك الرشد والضلال، وفرق بدلائله

الواضحة ونواهيه الصادقة بين الحرام والحلال، فقال عز من قائل: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (3)، وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (4).

أمره بالمحافظة على مفروض الصلوات، والدخول فيها على أكمل هيئة من قوانين الخشوع والإخبات، وأن يكون نظره في موضع نجواه من الأرض، وأن يمثل لنفسه في ذلك موقفه بين يدي الله تعالى يوم العرض، قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5)، وقال سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (6)

_________

(1) سورة البقرة: 197.

(2) سورة الطلاق: 5.

(3) سورة آل عمران: 138.

(4) سورة ص: 29.

(5) سورة المؤمنون: 2.

(6) سورة النساء: 103.

(2/27)

_________

وألا يشتغل بشاغل عن أداء فروضها الواجبة، ولا يلهو بسبب عن إقامة سنتها الراتبة، فإنها عماد الدين التي سمت أعاليه، ومهاد الشرع الذي رست قواعده ومبانيه، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)، وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} (2).

وأمره أن يسعى إلى صلاة الجمع والأعياد، ويقوم في ذلك بما فرضه الله عليه وعلى العباد، وأن يتوجه إلى المساجد والجوامع متواضعًا، ويبرز إلى المصليات الضاحية في الأعياد خاشعا، وأن يحافظ في تشييد قواعد الإسلام على الواجب والمندوب، ويعظم باعتماده ذلك شعائر الله التي هي من تقوى القلوب.

وأن يشمل بوافر اهتمامه واعتنائه، وكما نظره وإرعائه، بيوت الله التي هي محال البركات، وموطن العبادات، والمساجد التي تأكد في تعظيمها وإجلالها حكمه، والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وأن يرتب لها من الخدم من يتبتل لإزالة أدناسها، ويتصدى لأذكاء مصابيحها في الظلام وإيناسها، ويقوم بما يحتاج إليه من أسباب الصلاح والعمارات، ويحضر إليها ما يليق من الدهن والكسوات.

وأمره باتباع سنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي أوضح جددها، وثقف عليه السلام أودها، وأن يعتمد فيها على الأسانيد التي نقلتها الثقات، والأحاديث التي صحت بالطرق السليمة والروايات، وأن يقتدي بما جاءت به من مكارم الأخلاق التي ندب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى التمسك بسببها، ورغب أمته في الأخذ بها والعمل بأدبها،

_________

(1) سورة البقرة: 438.

(2) سورة العنكبوت: 45.

(2/28)

_________

قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، وقال سبحانه وتعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2).

وأمره بمجالسة أهل العلم والدين، وأولي الإخلاص في طاعة الله واليقين، والاستشارة بهم في عوارض الشك والالتباس، والعمل بآرائهم في التمثيل والقياس؛ فإن في الاستشارة بهم عين الهداية، وأمنًا من الضلال والغواية، وألا يلقح عقم الأفهام والألباب، ويقتدح زناد الرشد والصواب، قال الله تعالى في الإرشاد إلى فضلها، والأمر في التمسك بحبلها: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (3).

وأمره بمراعاة أحوال الجند والعسكر في ثغوره، وأن يشملهم بحسن نظره وجميل تدبيره، مستصلحًا شأنهم بإدامة التلطف والتعهد، مستوضحًا أحوالهم بمواصلة التفحص عنها والتفقد، وأن يسوسهم بسياسة تبعثهم على سلوك المنهج السليم، ويهيديهم في انتظامها واتساقها إلى الصراط المستقيم، ويحملهم على القيام بشرائط الخدم، والتمسك منها بأقوى الأسباب وأمتن العصم، ويدعوهم إلى مصلحة التواصل والائتلاف، ويصدهم عن موجبات التخاذل والاختلاف، وأن يعتمد فيهم شرائط الحزم في الإعطاء والمنع، وما تقتضيه مصلحة أحوالهم من أسباب الخفض والرفع؛ وأن يثيب المحسن وامتنانه، وأن يأخذ برأي ذوي التجارب منهم والحنكة، ويجتني بمشاورتهم ثمر البركة (4) ؛ إذ في ذلك أمن من خطأ الانفراد، وتزحزح عن مقام الزيغ والاستبداد.

وأمره بالتبتل لما يليه من البلاد، ويتصل بنواحيه من ثغور أولي الشرك والعناد؛ وأن يصرف مجامع الالتفات إليها، ويخصها بوفور الاهتمام بها، والتطلع عليها، وأن

_________

(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة النساء: 8.

(3) سورة آل عمران: 159.

(4) صبح الأعشى: "الشركة".

(2/29)

_________

يشمل ما ببلاده من الحصون، والمعاقل والأحكام والإتقان، وينتهي في أسباب مصالحها إلى غاية الوسع والإمكان، وأن يشحنها بالميرة الكثيرة والذخائر، ويمدها من الأسلحة والآلات بالعدد المستصلح الوافر، وأن يتخير لحراستها من الأمناء الثقات (1)، ويسدها بمن ينتخبه من الشجعان الكماة، وأن يؤكد عليهم في استعمال أسباب الحيطة والاستظهار، ويوقظهم إلى الاحتراس من غوائل الغفلة والاغترار، وأن يكون المشار إليهم ممن تربوا في ممارسة الحروب على مكافحة الشدائد، وتدربوا في نصب الحبائل للمشركين والأخذ عليهم بالمراصد، وأن يعتمد هذا القبيل بمواصلة المدد، وكثرة العدد، والتوسعة في النفقة والعطاء، والعمل معهم بما يقتضيه حالهم، وتفاوتهم في التقصير والعناء، إذ في ذلك حسم لمادة الأطماع في بلاد الإسلام، وردُّ لكيد (2) المعاندين من عبدة الأصنام؛ فمعلوم أن هذا الفرض أولى ما وُجِّهت إليه العنايات وصرفت، وأحق ما قصرت عليه الهمم ووقفت؛ فإن الله تعالى جعله من أهم الفروض التي لزم القيام فيها بحقه، وأكبر الواجبات التي كتب العمل بها على خلقه، فقال سبحانه وتعالى هاديا في ذلك إلى سبيل الرشاد، ومحرضًا لعباده على قيامهم له بفرض الجهاد: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ ... }، إلى قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (3)، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نزل منزلا لا يخيف فيه المشركين ويخيفونه، كان له كأجر ساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة، وأجر قائم لا يقعد إلى يوم القيامة، وأجر صائم لا يفطر".

وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غدوه في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس"، هذا قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حق من سمع هذه المقالة فوقف لديها، فكيف بمن كان قال

_________

(1) صبح الأعشى: "النقاه".

(2) ح، ط: "الكثير"، وصوابه من الأصل وصبح الأعشى.

(3) سورة البقرة: 191.

(2/30)

_________

عليه السلام: "ألا أخبركم بخير الناس! ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيمة طار إليها".

وأمره باقتفاء أوامر الله تعالى في رعاياه، والاهتداء إلى رعاية العدل والإنصاف والإحسان بمراشده الواضحة ووصاياه؛ وأن يسلك في السياسة بهم

سبيل الصلاح، ويشملهم بلين الكنف، وخفض الجناح، ويمد ظل رعايتهم على مسلمهم ومعاهدهم، ويزحزح الأقذاء والشوائب عن مناهلهم في العدل ومواردهم، وينظر في مصالحهم نظرًا يساوي فيه بين الضعيف والقوي، ويقوم بأودهم قيامًا تهتدي به، ويهديهم إلى الصراط السوي؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ... } (1) الآية.

وأمره باعتماد أسباب الاستظهار، والأمنة واستقصاء الطاقة المستطاعة والقدرة الممكنة، في المساعدة على قضاء تفث حجاج بيت الله الحرام، وزوار نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وأن يمدهم بالإعانة في ذلك على تحقيق الرجاء وبلوغ المرام، ويحرسهم من التخطف والأذى في حالتي الظعن والمقام؛ فإن الحج أحد أركان الدين المشتدة، وفروضه الواجبة المؤكدة، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2).

وأمره بتقوية أيدي العاملين بحكم الشرع في الرعايا، وتنفيذ ما يصدر عنهم من الأحكام والقضايا، والعمل بأقوالهم فيما يثبت لذوي الاستحقاق، والشد على أيديهم فيما يرونه من المنع والإطلاق، وأنه متى تأخر أحد الخصمين عن إجابة داعي الحكم، أو تقاعس في ذلك لما يلزم من الأداء والغرم، جذبه بعنان القسر إلى مجلس الشرع، واضطره بقوة الأنصار إلى الأداء بعد المنع، وأن يتوخى عمال الوقوف التي تقرب المتقربون بها،

_________

(1) سورة النحل: 90.

(2) سورة الحج: 97.

(2/31)

_________

واستمسكوا في ظل ثواب الله بمتين سببها، وأن يمدهم بجميل المعاونة والمساعدة، وحسن المؤازرة والمعاضدة، في الأسباب التي تؤذن بالعمارة والاستنماء، ويعود عليها بالمصلحة، والاستخلاص والاستيفاء، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1).

وأمره أن يتخير من أولي الكفاية، والنزاهة من يستخلصه للخدم والأعمال، والقيام بالواجب؛ من أداء الأمانة والحراسة، والتمييز لبيت المال، وأن يكونوا من ذوي الاطلاع بشرائط الخدم المعينة وأمورها، والمهتدين إلى مسالك صلاحها (2).

قال الصلاح الصفدي في تاريخه: حكى صاحب كتاب الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار، قال: كان الملك الكامل ليلة جالسا فدخل عليه مظفر الأعمى، فقال له أجز يا مظفر:

قد بلغ الشوق منتهاه

فقال مظفر:

وما درى العاذلون ما هو

فقال السلطان:

ولي حبيب رأى هواني

فقال مظفر:

وما تغيرت عن هواه

فقال السلطان:

رياضة النفس في احتمال

فال مظفر:

وروضة الحسن في حلاه

_________

(1) سورة المائدة: 2.

(2) العهد في صبح الأعشى 1: 99-111 مع حذف واختصار.

(2/32)

_________

فقال السلطان:

اسمر لدن القوام ألمى

فقال مظفر:

يعشقه كل من يراه

فقال السلطان:

وريقه كله (1) مدام

فقال مظفر:

ختامه المسك من لماه

فقال السلطان:

ليلته كلها رقاد

فقال مظفر:

وليلتي كلها انتباه

فقال السلطان:

وما يرى أن أكون عبدًا

فقام مظفر على قدميه، وقال:

بالملك الكامل احتماه

العالم العامل الذي في ... كل صلاة ترى إياه

ليث وغيث وبدر تم ... ومنصب جل مرتقاه

قال الحافظ عبد العظيم المنذري: أنشأ الملك الكامل دارَ الحديث بالقاهرة، وعمر القبة على ضريح الشافعي، وأجرى الماء من بركة الحبش إلى حوض السبيل، والسقاية على باب القبة المذكورة، ووقف غير ذلك من الوقوف على أنواع البر، وله المواقف المشهودة

_________

(1) ج، ط: "كلها"، والصواب ما أثبته من الأصل.

(2/33)

_________

بدمياط، وكان معظمًا للسنة وأهلها، قال الذهبي: وكانت له إجازة من السلفي، وخرج له أبو القاسم بن الصفراوي أربعين حديثًا سمعها من جماعة.

وقال ابن خلِّكان: اتسعت المملكة للملك الكامل، حتى قال خطيب مكة مرة عند الدعاء له: سلطان مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين، الملك الكامل أبو المعالي ناصر الدين محمد خليل أمير المؤمنين.

وكانت وفاته بدمشق يوم الأربعاء حادي عشري رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة.

وأقيم بعده ولده الملك العادل أبو بكر، وكان نائب أبيه بمصر مدة غيبته، فبلغ ذلك أخاه الأكبر الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل صاحب حصن كيفا،

فقدم، وبرز العادل إلى بلبيس قاصدًا للقتال، فاختلفت عليه الأمراء، فقيدوه، واعتقلوه، وأرسلوا إلى الصالح أيوب فوصل إليهم، فملكوه، وذلك في صفر سنة سبع وثلاثين.

فأقام في الملك عشر سنين إلا أربعة أشهر.

وكان مهيبًا جدًّا، دبر المملكة على أحسن وجه، وبنى المدارس الأربعة بين القصرين، وعمر قلعة بالروضة، واشترى ألف مملوك وأسكنهم بها، وسماهم البحرية، وهو الذي أكثر من شراء الترك وعتقهم وتأميرهم، ولم يكن ذلك قبله، فقام الشيخ عز الدين بن عبد السلام القومة الكبرى في بيع أولئك الأمراء، وصرف ثمنهم في مصالح المسلمين، وقال بعض الشعراء:

الصالح المرتضى أيوب أكثر من ... ترك بدولته، يا شر مجاوب!

(2/34)

_________

قد آخذ الله أيوبًا بفعلته ... فالناس كلهم في ضر أيوب

ولما تولى الخليفة المستعصم أنفذ الصالح إليه رسوله، يطلب تقليدًا بمصر والشام، فجاءه التشريف والطوق الذهب والمركوب، فلبس التشريف الأسود والعمامة والجبة، وركب الفرس، وكان يوما مشهودا.

فلما كان سنة سبع وأربعين، هجمت الفرنج على دمياط، فهرب من كان فيها، واستحوذوا عليها، والملك الصالح مقيم بالمنصورة لقتالهم، فأدركه أجله ومرض ومات بها ليلة النصف من شعبان.

فأخفت جاريته شجر الدر موته، وبقيت تعلم بعلامته سواه، وأعلمت أعيان الأمراء، فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظم تورانشاه وهو بحصن كيفا، فقدم في ذي القعدة، وملكوه، فركب في عصائب الملك، وقاتل الفرنج وكسرهم، وقتل منهم ثلاثين ألفا ولله الحمد.

وكان في عسكر المسلمين الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكانت النصرة أولا للفرنج، وقويت الريح على المسلمين، فقال الشيخ عز الدين بأعلى صوته مشيرًا بيده إلى الريح: يا ريح خذيهم، عدة مرار، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج، وصرخ من المسلمين صارخ: الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا سخر له الريح، وكان ذلك في يوم الأربعاء ثالث المحرم.

وأسر الفرنسيس ملك الفرنج، وحبس مقيدًا بدار ابن لقمان، ووكل بحفظه طواشي يقال له: صبيح.

ثم نفرت قلوب العسكر من المعظم لكونه قرب مماليكه، وأبعد مماليك أبيه، فقتلوه في يوم الاثنين سابع عشر المحرم وداسوه بأرجلهم، وكانت مملكته شهرين.

قال ابن كثير وقد رئي أبوه الصالح في النوم بعد قتل ابنه، وهو يقول:

قتلوه شر قِتْلَهْ ... صار للعالم مثله

(2/35)

_________

لم يراعوا فيه إلا ... لا ولا من كان قبله

ستراهم عن قريب ... لأقل الناس أكله

فكان كذلك، وقع بعد ذلك قتال بين المصريين والشاميين، وعدم من المصريين طائفة كثيرة (1).

واتفقوا بعد قتل المعظم على تولية شجر (2) الدر أم خليل جارية الملك الصالح، فملكوها، وخطب لها على المنابر، فكان الخطباء يقولون بعد الدعاء للخليفة: واحفظ اللهم الجهة الصالحة ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة السلطان الملك الصالح.

ونقش اسمها على الدينار والدرهم، وكانت تعلم على المناشير وتكتب: والدة خليل.

ولم يل مصر في الإسلام امرأة قبلها.

ولما توليت تكلم الشيخ عز الدين بن عبد السلام في بعض تصانيفه على ما إذا ابتلي المسلمون بولاية امرأة، وأرسل الخليفة المستعصم يعاتبُ أهل مصر في ذلك ويقول: إن كان ما بقي عندكم رجل تولونه، فقولوا لنا نرسل إليكم رجلًا.

ثم اتفقت شجر الدر والأمراء على إطلاق الفرنسيس، بشرط أن يردوا دمياط إلى المسلمين، ويعطوا ثمانمائة ألف دينار عوضًا عما كان بدمياط من الحواصل، ويطلقوا أسراء المسلمين.

فأطلق على هذا الشرط، فلما سار إلى بلاده أخذ في الاستعداد والعود إلى دمياط، فندمت الأمراء على إطلاقه؛ وقال الصاحب جمال بن مطروح وكتب بها إليه:

_________

(1) البداية والنهاية 13: 180، قال في آخر الخبر: "فمنهم الشمس لؤلؤ مدير ممالك الحلبيين، وكان من خيار عباد الله الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر".

(2) كذا ورد اسمها في الأصل، وهو الصواب، وفي ح، ط: "شجرة الدر".

(2/36)

_________

قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصيح (1)

آجرك الله على ما جرى ... من قتل عباد يسوع المسيح

أتيت مصر تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر بالطبل ريح (2)

فساقك الحين إلى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضريح

تسعين ألفًا لا ترى منهم (3) ... إلا قتيلًا أو أسيرًا جريح

وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح

إن كان باباكم بذا راضيًا ... فرب غش قد أتى من نصيح

وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لعقد صحيح:

دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح

فلم ينشب الفرنسيس أن أهلكه الله، وكفى المسلمين شره، وأقامت شجر الدر في المملكة ثلاثة أشهر، ثم عزلت نفسها.

واتفقوا على أن يملكوا الملك الأشرف موسى بن صلاح الدين يوسف بن المسعود بن الملك الكامل، فملكوه وله ثماني سنين، وذلك في يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين.

وجعل عز الدين أيبك التركماني مملوك الصالح أتابكه (4)، وخطب لهما، وضربت السكة باسمهما، وعظم شان الأتراك من يومئذ، ومدوا أيديهم إلى العامة، وأحدث وزيره الأسعد الفائزي ظلامات ومكوسا كثيرة.

_________

(1) النجوم الزاهرة 6: 370.

(2) النجوم الزاهرة: "يا طبل ريح".

(3) النجوم الزاهرة: "خمسون ألفا".

(4) يطلق هذا اللفظ على مقدم العساكر أو القائد العام، وهو لفظ تركي أصله: "أطابك".

(2/37)

_________

ثم إن عز الدين خلع الملك الاشرف واستقل بالسلطنة في سنة اثنتين وخمسين، ولقب الملك المعز؛ وهو أول من ملك مصر من الأتراك، وممن جرى

عليه الرق، فلم يرض الناس بذلك حتى أرضى الجند بالعطايا الجزيلة.

وأما أهل مصر فلم يرضوا بذلك، ولم يزالوا يسمعونه ما يكره إذا ركب ويقولون: لا نريد إلا سلطانًا رئيسًا ولد على الفطرة، وكان المعز تزوج شجر الدر.

ثم إنه خطب ابنة صاحب الموصل، فغارت شجر الدر فقتلته في أواخر ربيع الأول سنة خمس وخمسين، وأقيم بعده ولده علي ولقب المنصور، وعمره نحو خمس عشرة سنة، فأقام سنتين وثمانية أشهر، وفي أيامه أخذ التتار بغداد، وقتل الخليفة.

ثم إن الأمير سيف الدين قُطُز مملوك المعز قبض على المنصور، واعتقله في أواخر ذي القعدة سنة سبع وخمسين؛ وتملك مكانه، ولقب بالملك المظفر بعد أن جمع الأمراء، والعلماء والأعيان، وأفتوا بأن المنصور صبي لا يصلح للملك، لا سيما في هذا الزمان الصعب الذي يحتاج إلى ملك شهم مطاع لأجل إقامة الجهاد، والتتار قد وصلوا البلاد الشامية، وجاء أهلها إلى مصر يطلبون النجدة؛ وأراد قطز أن يأخذ من الناس شيئًا ليستعين به على قتالهم؛ فجمع العلماء، فحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فقال: لا يجوز ان يؤخذ من الرعية شيء حتى لا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص والآلات، ويقتصر كل منهم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة.

وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.

ولم يكن قطز هذا مرقوق الأصل، ولا من أولاد الكفر.

قال الجزري في تاريخه: كان قطز في رق ابن الزعيم، فضربه أستاذه فبكى، فقيل له: تبكي من لطمة! فقال: إنما أبكي من لعنة أبي وجدي، وهما خير منه، فقيل:

(2/38)

_________

من أبوك! واحد كافر.

قال: ما أنا إلا مسلم، أنا محمود بن مودود بن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك.

وخرج المظفر بالجيوش في شعبان سنة ثمان وخمسين متوجهًا إلى الشام لقتال التتار وشاويشه (1) ركن الدين بيبرس البندقدارى، فالتقوا هم والتتار عند عين

جالوت، ووقع المصاف يوم الجمعة خامس عشري رمضان، فهزم التتار شر هزيمة، وانتصر المسلمون ولله الحمد، وجاء كتاب المظفر إلى دمشق بالنصر، فطار الناس فرحًا، ثم دخل المظفر إلى دمشق مؤيدًا منصورا، فأحبه الخلق غاية المحبة، وقال بعض الشعراء في ذلك:

هلك الكفر في الشام جميعا ... واستجد الإسلام بعد دحوضه (2)

بالمليك المظفر الملك الأر ... وع سيف الإسلام عند نهوضه (3)

وقال الإمام أبو شامة رحمه الله في ذلك شعرًا:

غلب التتار على البلاد فجاءهم ... من مصر تركي يجود بنفسه

بالشام أهلكهم وبدد شملهم ... ولكل شيء آفة من جنسه

وساق بيبرس وراء التتار إلى حلب، وطردهم عن البلاد، ووعده السلطان بحلب، ثم رجع عن ذلك، فتأثر بيبرس ووقعت الوحشة بينهما، فأضمر كل لصاحبه الشر، فاتفق بيبرس مع جماعة من الأمراء على قتل المظفر، فقتلوه في الطريق في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين بين العرابي والصالحية، وتسلطن بيبرس، ولقب بالملك القاهر، ودخل مصر وأزال عن أهلها ما كان المظفر أحدثه عليهم من المظالم، وأشار عليه الوزير زين الدين أن يغير هذا اللقب، وقال: ما تلقب به أحد فأفلح؛ فأبطل السلطان هذا اللقب، وتلقب بالملك الظاهر.

_________

(1) الشاويش، أو الجاويش: لفظ تركي، وكان من وظيفة الجاوشية أيام المماليك السير أمام السلطان في مراكبه.

(2) النجوم الزاهرة 7: 82.

(3) في الأصول: "دحوضه"، تحريف.

(2/39)

_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول
» المحاضرة الثانية من مدرسة الحياة
» المجلد الأول
» المجلد الثاني
» المجلد الثالث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـضــــــــــــــائـل مـصـــــــــــــــــر :: تـاريـــخ مـصــــــــر-
انتقل الى: