منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023, 11:38 pm

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 1161
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر: دار إحياء الكتب العربية -عيسى البابي الحلبي وشركاه - مصر
الطبعة: الأولى 1387هـ - 1967م
عدد المجلدات: 2
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وأضيفت تراجمه لخدمة التراجم]
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
يعتبر دخول العرب مصر سنة 20 من الهجرة على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص مولد تاريخ جديد لهذه البلاد، ذات الماضي البعيد، فلم يكد يتم الفتح، وتستقر الأحوال بها بعد الوقائع الحربية المعروفة، حتى أخذ سكانها يدخلون في دين الله أفواجًا، وتنشرح صدورهم للقرآن الكريم، وتصطنع ألسنتهم اللسان العربي المبين؛ وتصبح العربية لغة الدواوين.
ثم يرحل إليها أعيان الصحابة وجلة التابعين، ويهوي نحوها الفقهاء والقراء وحفاظ الحديث ورواة اللغة والأدب والشعر، وتبنى فيها المساجد؛ لإقامة شعائر العبادات.
ومدارسة علوم الدين، وللفصل في ساحتها بين الناس، كما أنشئت فيها المدارس لتلقي العلوم والمعارف، وألحقت به خزائن الكتب؛ لجذب العلماء من شتى الجهات؛ مما ارتفع به شأن العلم، وازدهرت الفنون والآداب.
وتولى مقاليد الحكم فيها على مر العصور من الولاة والخلفاء والملوك والسلاطين؛ من فتحوا أبوابهم للعافين، والوافدين، واستمعوا إلى الشعراء والمادحين، وأجازوا على التأليف والتصنيف، وقاموا في بناء الحضارة الإسلامية بأوفى نصيب.
بل إن مصر كانت -وما زالت- حمية الملة والدين، وراعية الإسلام والمسلمين، وقاهرة الغزاة والمعتدين؛ مما جعلها أعز مكان في الوطن العربي الكبير.
فكان من حق هذا الإقليم أن يشغل مكانه في التاريخ، وأن يخص بعناية العلماء والمؤرخين، وأن تفرد لوصف ملامحه المؤلفات، وأن يُتدارس تاريخه في كل مكان وزمان... وكذلك الأمر والحمد لله كان، فقد نبغ من العلماء القدامى والمحدثين مَنْ وضعوا في تاريخ مصر المصنفات تختلف طولًا وقصرًا، وتتباين طريقة ومنهاجا؛ منهم ابن عبد الحكم وأبو عمر الكندي وابن ميسر والمسبحي والقضاعي وابن دقماق وابن زولاق والأدفوي والعماد الأصبهاني وابن حجر والمقريزي والسيوطي والجبرتي وأبو السرور البكري وابن تغري بردي وابن إياس.
وكتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، الذي صنفه الجلال السيوطي من أنفس الكتب التي صدرت عن هؤلاء الأعلام، وأعذبها موردًا، وأصفاها منهلًا، وأسدها منهجًا، وأوضحها فصولًا وأبوابًا، وأوفاها استيعابًا وشمولًا، سلك فيه طريقًا قصدًا، ليس بالطويل المستطرد المشوش، ولا بالمقتضب الخالي من النفع والجدوى، بدأه بذكر ما ورد في شأن مصر من الآثار في القرآن الكريم والحديث الشريف، ثم ثناه بذكر تاريخ مصر في عهدها القديم، عهد الفراعنة وبناة الأهرام، على حسب ما وقع لديه من المعارف، وعلى حسب ما كان شائعًا في عصره، ثم وصف الفتح الإسلامي وما صحبه من وقائع وأحداث، وما تم من امتزاج المصريين بالعرب تحت راية الإسلام، ثم ذكر الوافدين على مصر ومن نبغ فيها من أصحاب المذاهب، ومن عاش بها من الحفاظ والمؤرخين والقراء والقصاص والشعرء والمتطيبين وغيرهم؛ مع ذكر نُبذ من حياتهم وتاريخ موالدهم ووفاياتهم.
ولم يخل كتابه من تاريخ الولاة الذين تعاقبوا عليها، والقضاة الذين حكموا فيها، والحكومات التي قامت بها، وما بُني فيها من المساجد والمدارس والخانقاهات.
ومن أمتع ما ورد فيها تلك الفصول التي عقدها في ذكر عادات المصريين ومواسمهم وأعيادهم والأسباب الدائرة بينهم؛ وما كان فيها من أندية الأدب ومجالس الشعر والسمر، على منهج طريف أخاذ.
وكان سبيله في كل ما أورده من هذا الكتاب النقل عن الكتب المتخصصة في هذا الشأن، مضافًا إليها ما وقع له من المشاهدة، أو ما نقله سماعًا من علماء عصره، من الشيوخ والأقران والتلاميذ.
وللسيوطي منهج معروف يذكره في مقدمات بعض كتبه -وخاصة المطولة منها- أن يورد مصادره من الكتب التي اعتمد عليها وأسماء مؤلفيها؛ فعل ذلك في كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، وكتاب الإتقان في علوم القرآن؛ وفعل ذلك أيضًا في هذا الكتاب، قال: "وقد طالعت على هذا الكتاب كتبًا شتى، منها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وفضائل مصر لأبي عمر الكندي، وتاريخ مصر لابن زولاق، والخطط للقضاعي، وتاريخ مصر لابن ميسر، وإيقاظ المتغفل وإيعاظ المتأمل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري، والخطط للمقريزي، والمسالك لابن فضل الله العمري، ومختصره للشيخ تقي الدين الكرماني، ومناهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن عبد لله الأنصاري، وعنوان السير لمحمد بن عبد لله الهمذاني، وتاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي، والتجريد في الصحابة للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ورجال الكتب العشرة للحسيني، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وللإسنوي، وطبقات المالكية لابن فرحون، وطبقات الحنفية لابن دقماق، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام لابن حجر، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفوي، وسجع الهديل في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التيفاشي، والسكردان لابن أبي حجلة، وثمار الأوراق لابن حجة".
هذا غير ما ذكره في تضاعيف الكتاب من المراجع الأخرى.
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات، يشيع في معظمها التصحيف والتحريف والخطأ؛ طُبع طبع حجر بمصر سنة 1860م، وطبع في مطبعة الوطن، سنة 1299هـ، وطبع بمطبعة الموسوعات سنة 1324هـ، وطبع بمطبعة السعادة سنة 1324هـ، وطبع بالمطبعة الشرقية سنة 1327هـ، وطبع منه جزء صغير مع ترجمة لاتينية سنة 1834م، كما أودع دور الكتب في العالم شرقًا وغربًا كثير من نسخة المخطوطة.
وحينما شرعت في تحقيق هذا الكتاب رجعت إلى نسخة مخطوطة بالمكتبة التيمورية بدار لكتب برقم 2394 تاريخ - تيمور، تمت كتابتها في رجب سنة 977هـ، تقع في 465 صحفة، في كل صفحة 35 سطرًا تقريبًا، وفي كل سطر حوالي 20 كلمة، كتبت بخط معتاد يجنح إلى الصحة الإتقان والضبط القليل، ووضعت العنوانات بخط أغلظ، وفي حواشيها ما يشير إلى قراءتها ومقابلتها، وقد اتخذت هذه النسخة أصلًا في التحقيق.
كما أني تخيرت مما طبع نسختين قريبتين من الصحة: النسخة المطبوعة في مطبعة الوطن، ورمزت إليها بالحرف "ط"، والنسخة المطبوعة بمصر على الحجر وقد رمزت إليه بالحرف "ح".
ثم رجعت إلى ما يتسر لي الحصول عليه من المصادر التي ذكرها، وما اقتضاه الأمر من الرجوع إلى الكتب الأخرى في التفسير، والحديث والأدب ودواوين الشعر ومعاجم اللغة.
هذا، وقد جعلت من منهجي في هذا الكتاب ألا أسرف في التعليق، أو أستطرد في الشرح والتفسير، إلا بالقدر الذي يعين على فهم النص وبه تستقيم العبارات، محاولًا أن يبدو الكتاب في أقرب صورة من نسخة المؤلف، وأن أقوم في آخر الكتاب بعمل الفهارس المتنوعة التي تقرب نفعة، وتدني جناه.
وتصدر هذه الطبعة في جزأين، ينتهي الأول منهما بذكر أخبار الخلفاء الفاطميين أو كما سَمَّاهُم المؤلف: "أمراء مصر من بني عبيد".
ويبدأ الجزء الثاني بذكر أمراء مصر من حين ملكها بنو أيوب، وينتهي بالفصل الذي عقده في حبوب مصر وخضرواتها وبقولها.
وأمَّا الجلال السيوطي المؤلف، فقد عقد لنفسه فصلًا في هذا الكتاب (1) تحدَّث فيه عن نسبه وأجداده، وذكر أن مولده كان: "بعد المغرب مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة"، كما ذكر الكتب التي درسها، والشيوخ الذين تلقى عنهم، والبلاد التي رحل إليها، والعلوم التي حذقها، والكتب التي ألفها، مما يعد وثيقة تاريخية في حياة هذا العالم الجليل.

_________
(1) حُسْنُ المُحَاضَرَة 1: 335-344 "طبعة الحلبي".
_________

وقد ظل السيوطي طوال حياته مشغوفًا بالدرس مشتغلًا بالعلم، يتلقاه عن شيوخه أو يبذله لتلاميذه، أو يذيعه فتيًا، أو يحرره في الكتب والأسفار؛ وحينما تقدَّم به العمر، وأحَسَّ من نفسه الضعف، خلا بنفسه في منزله بروضة المقياس، واعتزل الناس، وتَجَرَّدَ للعبادة والتصنيف، وألّفَ كتابه: "التنفيس في الاعتذار عن الفُتيا والتدريس".
وكان رحمه الله في حياته الخاصة على أحسن ما يكون عليها العلماء ورجال الفضل والدين، عفيفًا كريمًا، غني النفس، متباعدًا عن ذوي الجاه والسلطان، لا يقف بباب أمير أو وزير؛ قانعًا برزقة من خانقاه شيخو، لا يطمع فيما سواه.
وكان الأمراء والوزراء يأتون لزيارته ويعرضون عليه أعطياتهم فَيَرُدَّهَا.
ورُوي أن السلطان الغوري أرسل إليه مرة خصيًا وألف دينار، فَرَدَّ الدنانير، وأخذ الخصي ثم أعتقه، وجعله حارسًا في الحجرة النبوية، وقال لرسول السلطان: لا تَعُدْ تأتينا قَطُّ بهدية؛ فإن الله أغنانًا عن ذلك.
وأمَّا كتبه فقد أحصى السيوطي منها في كتابه نحوًا من ثلاثمائة؛ في التفسير وتعلقاته والقراءات، والحديث وتعلقاته، والفقه وتعلقاته، وفن العربية وتعلقاته، وفن الأصول والبيان والتصوف، وفن التاريخ والأدب، والأجزاء المفردة، ما بين كبير في مجلد أو مجلدات، وصغير في كراريس أو أوراق.
وذكر تلميذه الداودي المالكي أنها أنافت على خمسمائة مؤلف.
وقال ابن إياس في تاريخه "حوادث 911": إنها بلغت ستمائة مؤلف.
وتقع هذه الكتب في مجلد أو مجلدات؛ كالمزهر والإتقان والأشباه والنظائر وبغية الوعاة والدر المنثور في التفسير بالمأثور، والجامع الصغير والجامع الكبير وأمثالها، أو في أوارق أو صفحات؛ كهذه الرسائل التي طبعت باسم الحاوي في الفتاوي؛ في مجلد يحوي ثمانية وسبعين كتابًا في معظم الفنون.
وقد تدارس العلماء هذه الكتب في كل مكان، وانتشرت في حياة السيوطي وبعده، وعمرت بها المدارس والمعاهد ودور الكتب، وكاتبه المستفتون في شتى الجهات؛ مما أثار عليه فريقًا من أقرانه ومعاصريه من العلماء، وتحاملوا عليه، ورموه بما هو منه براء؛ وكان من أشد الناس خصومة عليه، وأكثرهم تجريجًا وتشهيرًا، المؤرخ شمس الدين السخاوي، صاحب كتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع؛ فقد ترجم له في هذا الكتاب، ونال من علمه وخلقه؛ مما يقع مثله بين النظراء والأنداد.
وانتصر السيوطي لنفسه في مقامة اسمها: الكاوي على تاريخ السخاوي، كما انتصر له فريق من تلاميذه وفريق من العلماء ممن جاء بعده، منهم الشوكاني صاحب البدر الطالع؛ قال في ترجمته للسيوطي بعد أن لخص مطاعن السخاوي فيه، ورد هذه المطاعن عنه: "على كل حال فهو غير مقبول عليه لما عرفت من قول أئمة الجرح والتعديل، بعدم قبول قول الأقران بعضهم في بعض؛ مع ظهور أدنى منافسة؛ فكيف لمثل هذه المنافسة بين هذين الرجلين التي أفضت إلى تأليف بعضهم في بعض! فإن أقل من هذا يوجب عدم القبول، والسخاوي رحمه الله وإن كان إمامًا غير مدفوع؛ لكنه كثير التحامل على أكابر أقرانه".
وكانت وفاة السيوطي على ما ذكره ابن إياس في الخميس تاسع شهري جمادى الأولى سنة 911هـ، ودفن بجوار خانقاه قوصون (1) خارج باب القرافة، بعد أن ملأ الدنيا علمًا، وشهرة وذكرًا (2).
رحمة الله عليه.
يناير سنة 1968م.
محمد أبو الفضل إبراهيم.
_________
(1) وضع العلامة أحمد تيمور بحثًا في قبر السيوطي وتحقيق موضعه، ونشر بالمكتبة السلفية بمصر سنة 1346هـ.
وفي العام الماضي قمت مع صديقي العلامة الأديب الشاعر المتفنن الأستاذ سيد إبراهيم الخطاط بزيارة قبر السيوطي، في ضوء ما حققه تيمور؛ فوجدناه مقاماً على مسجد؛ يكاد لا يُعرف بعد أن كانت -كما أخبرنا بعض من لقيناه هناك- الصلوات تقام فيه؛ وتؤدى الشعائر.
ولعل القائمين بأمر المساجد في القاهرة يعنون بهذا المسجد وإعادة إحياء الشعائر فيه، تقديرًا لذكرى العالم الجليل.
(2) انظر مقدمتنا لكل من كتابي بغية الوعاة في أخبار النحاة، والإتقان في علوم القرآن للمؤلف.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 02 ديسمبر 2023, 7:59 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023, 11:46 pm

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2102

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا.
قال الشيخ الإمام العالم العلامة، وحيد دهره، وفريد عصره، المحقق جلال الدين السيوطي، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.          
آمين.
الحمد لله الذي فاوت بين العباد، وفضل بعض خلقه على بعض حتى في الأمكنة والبلاد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفصح من نطق بالضاد، وعلى آله وصحبه السادة الأمجاد.
هذا كتاب سميته: "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة"، وأوردت فيه فوائد سنية، وغرائب مستعذبة مرضية، تصلح لمسامرة الجليس، وتكون للوحدة نعم الأنيس، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وجعلنا ممن يحمد قصده ولا يخيب مسعاه؛ بمنه وكرمه.
وقد طالعت على هذا الكتاب كتبًا شتى، منها فتوح مصر لابن عبد الحكم، وفضائل مصر لأبي عمر الكندي، وتاريخ مصر لابن زولاق، والخطط للقضاعي وتاريخ مصر لابن ميسر (1)، وإيقاظ المتغفل وإيعاظ المتأمل لتاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري، والخطط للمقريزي، والمسالك لابن فضل الله، ومختصره للشيخ تقي الدين الكرماني، ومباهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن عبد الله الأنصاري، وعنوان السير لمحمد بن عبد الملك الهمذني، وتاريخ الصحابة الذين نزلوا

_________
(1) في حاشيتي ح، ط: "وفي نسخة: لابن يونس".
_________

مصر لمحمد بن الربيع الجيزي، والتجريد في الصحابة للذهبي، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ورجال الكتب العشرة للحسيني، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وطبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات القراء له، وطبقات الشافعية للسبكي، وللإسنوي، وطبقات المالكية لابن فرحون، وطبقات الحنفية لابن دُقماق، ومرآن الزمان لسبط ابن الجوزي، وتاريخ الإسلام للذهبي، والعبر له والبداية والنهاية لابن كثير، وإنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر، والطالع السعيد في أخبار الصعيد للأدفوي، وسجع الهديل (1) في أخبار النيل لأحمد بن يوسف التيفاشي، والسكردان لابن أبي حجلة، وثمار الأوراق لابن حجة.

_________
(1) في الأصل: "الهذيل"، بالذل المعجمة، وصوابه من ط.
_________

ذكر المواضع التي وقع فيها ذكر مصر في القرآن صريحًا أو كناية
قال ابن زولاق (1): ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا.
قلت: بل أكثر من ثلاثين.
قال الله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} (2)، وقرئ: "اهبطوا مصرَ" بلا تنوين، فعلى هذا هي مصر المعروفة قطعًا، وعلى قراءة التنوين، يحمل ذلك على الصرف اعتبارًا بالمكان؛ كما هو المقرر في العربية في جميع أسماء البلاد، وأنها تذكر وتؤنث، وتصرف وتمنع.          
وقد أخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي العالية في قوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} قال: يعني مصر فرعون.
وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} (3).
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} (4).
وقال تعالى حكاية عن يونس عليه الصلاة والسلام: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (5).

_________
(1) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين، من ولد سليمان بن زولاق، مؤرخ مصر، ومن كتبه: خطط مصر ومختصر تاريخ مصر.          
توفي سنة 387.          
ابن خلكان 1: 134.
(2) سورة البقرة: 61.
(3) سورة يونس: 87.
(4) سورة يوسف: 21.
(5) سورة يوسف: 99.
_________

وقال تعالى حكاية عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} (1).
وقال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (2).
وقال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} (3).
وقال تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (4).
وقال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (5)، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن السدي أن المدينة في هذه الآية منف، وكان فرعون بها.
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (6).          
أخرج ابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية، قال: هي مصر، قال: وليس الربا إلا بمصر، والماء حين يرسل، تكون الربا عليها القرى، "و" لولا الربا لغرقت القرى.          
وأخرج ابن المنذر في تفسيره، عن وهب بن منبه، في قوله: {إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}، قال: مصر.          
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أن عيسى كان يرى العجائب في صباه إلهامًا من الله، ففشا ذلك في اليهود، وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر؛ فذلك قوله تعالى {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} ؛ قال: يعني مصر.          وأخرج ابن عساكر، عن زيد بن أسلم في قوله: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}، قال: هي الإسكندرية.

_________
(1) سورة الزخرف: 51.
(2) سورة يوسف: 30.
(3) سورة القصص: 18.
(4) سورة القصص: 18.
(5) سورة القصص: 20.
(6) سورة المؤمنون: 50.
_________

وقال تعالى حكايةً عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} (1)، أخرج ابن جرير، عن ابن زيد في الآية، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة بأرض مصر، فأسلمها سلطانه إليه.
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} (2)، أخرج ابن جرير، عن السدي في الآية قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها.
وقال تعالى في أول السورة: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} (3).
وقال تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} (4)، قال ابن جرير: أي لن أفارق الأرض التي أنا بها -وهي مصر- حتى يأذن لي أبي بالخروج منها.
وقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} (5).
وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} (6).
وقال تعالى: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} (7).
وقال تعالى: {لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} (8).
وقال تعالى: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (9).
وقال تعالى: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} (10)، إلى قوله:

_________
(1) سورة يوسف: 55.
(2) سورة يوسف: 56.
(3) سورة يوسف: 21.
(4) سورة يوسف: 80.
(5) سورة القصص: 4.
(6) سورة القصص: 5، 6.
(7) سورة القصص: 19.
(8) سورة غافر: 29.
(9) سورة غافر: 26.
(10) سورة الأعراف: 127.
_________

{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (1)، إلى قوله: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (2).
المراد بالأرض في هذه الآيات كلها مصر.
وعن ابن عباس -وقد ذكر مصر، فقال: سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن.
قلت: بل في اثني عشر موضعًا أو أكثر.
وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (3) ؛ قال الليث بن سعد: هي مصر؛ بارك فيها بالنيل.          
حكاه أبو حيان في تفسيره.
وقال القرطبي في هذه الآية: الظاهر أنهم ورثوا أرض القبط.          
وقيل: هي أرض الشام ومصر؛ قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما.
وقال تعالى في سورتي الأعراف والشعراء: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} (4).
وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} (5).
وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (6).
وقال تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (7) ؛ قال الكندي: لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.

_________
(1) سورة الأعراف: 128.
(2) سورة الأعراف: 129.
(3) سورة الأعراف: 137.
(4) سورة الأعراف: 110، الشعراء: 35.
(5) سورة الأعراف: 123.
(6) سورة الشعراء: 57، 58.
(7) سورة الدخان: 25، 26.
_________

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (1)، أورده ابن زولاق.          
وقال القرطبي في تفسيره: أي منزل صدق محمود مختار -يعني مصر.          
وقال الضحاك: هي مصر والشام.
وقال تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (2)، أورده ابن زولاق وقال: الربا لا تكون إلا بمصر.
وقال تعالى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (3)، أورده ابن زولاق أيضًا، وحكاه أبو حيان في تفسيره قولًا إنها مصر، وضعفه.
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} (4).          
قال قوم: هي مصر، وقواه ابن كثير في تفسيره.
وقال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (5)، قال عكرمة: منها القراطيس التي بمصر.
وقال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (6).          
قال محمد بن كعب القرظي: هي الإسكندرية.

_________
(1) سورة يونس: 93.
(2) سورة البقرة: 265.
(3) سورة المائدة: 21.
(4) سورة السجدة: 27.
(5) سورة فصلت: 10.
(6) سورة الفجر: 7، 8.
_________

لطيفة عن الكندي في أمر يوسف عليه السلام:
قال الكندي (1): قال الله تعالى حكايةً عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} (2)، فجعل الشام بدوًا؛ وسمى مصر مصرًا ومدينةً.

فائدة
في ذكر ما اشتهر على الألسنة في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} أنها مصر:
اشتهر على ألسنة كثير من الناس في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (3)، أنها مصر؛ وقد نص ابن الصلاح وغيره على أن ذلك غلط نشأ من تصحيف؛ وإنما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}، قال: مصيرهم؛ فصحف بمصر.

_________
(1) هو محمد بن يوسف بن يعقوب أبو عمر الكندي، المؤرخ المصري، وهو غير الكندي الفيلسوف صاحب كتاب قضاة مصر؛ وكتابه فضائل مصر، صنفه لكافور الإخشيدي، توفي بعد سنة 355: الأعلام 8: 21.
(2) سورة يوسف: 100.
(3) سورة الأعراف: 145.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالأربعاء 22 نوفمبر 2023, 11:54 pm

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 382
ذكر الآثار التي ورد فيها ذكر مصر:
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (1) في فتوح مصر: حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة، قالا (2): حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا".
قال ابن شهاب: وكان يقال: إن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم (3).
وأخرجه أيضًا الليث، عن ابن شهاب، وفي آخره: قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال: إن أم إسماعيل منهم.          
وأخرجه أيضًا من طريق ابن عيينة وابن إسحاق عن ابن شهاب.
وهذا حديث صحيح، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة.
وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحما".
وأخرج مسلم، وابن عبد الحكم في الفتوح، ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: من دخل مصر من الصحابة، والبيهقي في دلائل النبوة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا؛ فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة، فاخرج منها".

_________
(1) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم أبو القاسم؛ المؤرخ المصري ابن الفقيه عبد الله صاحب سيرة عمر بن عبد العزيز.          
توفي سنة 257: الأعلام 4: 86.
(2) في الأصول: "قال" وصوابه من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 2.
_________

فمر أبو ذر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها (1).
وأخرج ابن عبد الحكيم من طريق بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا؛ فإن لكم منهم صهرًا وذمةً" (2).
وأخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة؛ بسند صحيح؛ عن أم سلمة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى عند وفاته، فقال: "الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله" (3).
وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن عبد الحكم بسندٍ صحيح؛ من طريق ابن هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" -يعني قبط مصر (4).
وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ، أن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنكم ستكونون إجنادًا، وإن خير أجنادكم أهل المغرب؛ فاتقوا الله في القبط، لا تأكلوهم أكل الحضر" (5).
_________

(1) فتوح مصر 2، 3 وصحيح مسلم 1970.
(2) فتوح مصر 3.
(3) فتوح مصر 3.
(4) فتوح مصر 3.
(5) فتوح مصر 3؛ والحضر؛ هو الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره.
_________

وأخرج ابن عبد الحكم، عن مسلم بن يسار، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "استوصوا بالقبط خيرًا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم" (1).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن موسى بن أبي أيوب الغافقي (2)، عن رجل من المربد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرض، فأُغمي عليه ثم أفاق، فقال: "استوصوا بالأدم الجعد"؛ ثم أُغمي عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، ثم أُغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: "قبط مصر؛ فإنهم أخوال وأصهار، وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم"، فقالوا: كيف يكونون أعوانًا على ديننا يا رسول الله؟ فقال: "يكفونكم أعمال الدنيا فتتفرغون للعبادة؛ فالراضي بما يؤتَى إليهم كالفاعل بهم، والكاره بما يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم" (3).
وأخرج ابن عبد الحكيم عن ابن لهيعة، قال: حدثني عمر مولى غفرة (4)، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد؛ فإن لهم نسبًا وصهرًا".
قال عمر مولى غفرة: صهرهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسرى منهم، ونسبهم أن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم.
فأخبرني ابن لهيعة أن أم إسماعيل هاجر أم العرب من قرية كانت من أمام الفرما من مصر (5).
وقول ابن عبد الحكم: حدثنا عمر بن صالح، أخبرنا مروان القصاص، قال: صاهر إلى القبط ثلاثة أنبياء: إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسرى (6) هاجر، ويوسف عليه الصلاة والسلام تزوج بنت صاحب عين الشمس، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسرى مارية.
_________

(1) فتوح مصر 3.
(2) في الأصول: "اليافعي" وصوابه من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 3، 4.
(4) في الأصول: "عفرة" تحريف، صوابه من تقريب التهذيب 2: 65، وهو عمر بن عبد الله المدني.
قال ابن حجر: "ضعيف"، وكان كثير الإرسال.
(5) فتوح مصر 4.
(6) فتوح مصر: "تسرر".
_________

وقال: حدثنا هانئ بن المتوكل، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن قرية هاجر ياق (1)، التي عند أم دنين (2).
وأخرج الطبراني عن رياح اللخمي، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن مصر ستفتح فانتجعوا خيرها، ولا تتخذوها دارًا؛ فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارًا".
وفي إسناده مطهر بن الهيثم، قال فيه أبو سعيد بن يونس: إنه متروك.
والحديث منكر جدًا، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات.
وأخرج مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم" (3).
وأخرج الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأمم، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجُحفة.
وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن المقوقس أهدى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسلًا من عسل بنها، فأعجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا في عسل بنها بالبركة.
مرسل حسن الإسناد (4).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا فتح عليكم مصر؛ فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة".

_________
(1) في الأصول: "باقية" تحريف؛ صوابه من فتوح مصر ومعجم البلدان.
(2) فتوح مصر 4.
(3) صحيح مسلم: 222.          
والمدى: مكيال.
(4) انظر فتوح مصر 48.
_________

وأخرج ابن عبد الحكم، عن علي بن رباح، قال: خرجنا حجاجًا من مصر، فقال له سليم بن عتر: اقرأ على أبي هريرة السلام، وأخبره أني قد استغفرت له ولأمه الغداة، فلقيته فقلت له ذلك، فقال: وأنا قد استغفرت له ولأمه الغداة.
ثم قال أبو هريرة: كيف تركت أم خنور؟ (1) قال: فذكرت له من خصبها ورفاغتها، فقال: أما إنها أول الأرضين خرابًا، وعلى أثرها إرمينية.
قلت: أسمعت ذلك من رسول الله أو من كعب؟
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، وأورده القرطبي في التذكرة من حديث حذيفة مرفوعًا: ُ"يبدو الخراب في أطراف البلاد حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من العراق، وخراب مصر من جفاف النيل، وخراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وخراب الأيلة من الحصار، وخراب فارس من الصعاليك، وخراب الترك من الديلم، وخراب الديلم من الأرمن، وخراب الأرمن من الخزر، وخراب الخرز من الترك، وخراب الترك من الصواعق، وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب العراق من القحط".
وأخرج الحاكم في المستدرك عن كعب، قال: "الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب إرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر".

_________
(1) أم خنور، هي مصر، قاله ياقوت.
_________

وأخرج البزار في مسنده والطبراني بسند صحيح، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إنكم ستجدون أجنادًا؛ جندًا بالشام ومصر والعراق واليمن".
وأخرج الطبراني والحاكم في المستدرك، وصححه ابن عبد الحكم ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: "من دخل مصر من الصحابة"، عن عمرو بن الحمق، قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تكون فتنة، يكون أسلم الناس فيها الجند الغربي"، قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم بمصر.
وأخرج محمد بن الربيع الجيزي من وجه آخر عن عمرو بن الحمق، أنه قام عند المنبر بمصر؛ وذلك عند فتنة عثمان رضي الله عنه، فقال: يا أيها الناس؛ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تكون فتنة خير الناس فيها الجند الغربي، وأنتم الجند الغربي، فجئتكم لأكون معكم فيما أنتم فيه".
وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الفتح الأزدي عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن إبليس دخل العراق، فقضى حاجته منها، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ ميسان، ثم دخل مصر، فباض فيها وفرخ، وبسط عبقريه".
قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقاة إلا أن فيه انقطاعًا؛ فإن يعقوب بن عبد الله بن عتبة بن الأخنس لم يسمع من ابن عمر (1). انتهى.
وأفرط ابن الجوزي فأورده في الموضوعات، وقال: فيه عقيل بن خالد، يروى عن الزهري مناكير، وابن لهيعة مطروح.
قلت: عقيل من رجال الصحيحين، وابن لهيعة من رجال مسلم، وهو حسن الحديث.

_________
(1) مجمع الزوائد 9: 60.
_________

وأخرج الخلال في كرامات الأولياء وابن عساكر في تاريخه، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام".
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن علي، قال: الأبدال من الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق".
وأخرج ابن عساكر من طريق أحمد بن أبي الحواري، قال: "سمعت أبا سليمان يقول: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والقطب باليمن، والأخيار بالعراق".
وأخرج الخطيب البغدادي وابن عساكر من طريق عبيد الله بن محمد العيسي قال: سمعت الكتاني (1) يقول: النقباء ثلاثمائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء الغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء، ثم النجباء، ثم الأبدال، ثم الأخيار، ثم العمد، فإن أجيبوا؛ وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته.
قال الحافظ الدمياطي في معجمه: قرأت على أبي الفتح الباوردي بحلب، أخبرني يحيى بن محمود يبن سعد أبو الفرج الثقفي الأصفهاني، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريان، حدثنا أحمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده نبيط، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "الجيزة روضة من رياض الجنة، ومصر خزائن الله في أرضه".

_________
(1) ح، ط: "الكسائي"، وما أثبته من الأصل.

_________

_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 12:01 am

فصل: في آثار موقوفة

أخرج ابن عبد الحكم عن عبد لله بن عمرو بن العاص، قال: خلقت الدنيا على خمس صور: على صورة الطائر؛ برأسه وصدره وجناحيه وذنبه، فالرأس مكة والمدينة واليمن، والصدر الشام ومصر، والجناح الأيمن العراق، والجناح الأيسر السند والهند، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس، وشر ما في الطائر الذنب (1).

وأخرج محمد بن الربيع الجيزي وابن عبد الحكم، عن أبي قبيل، أن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قدم من الشام إلى عبد الله بن عمرو، فقال له عبد الله: ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال: أنت، قال: لماذا؟ قال: كنت تحدّثنا أن مصر أسرع الأرضين خرابًا، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت القصور، واطمأننت فيها.

قال: إن مصر قد أوفت خرابها، دخلها بخت نصر، فلم يدع فيها إلا السباع والرباع، وقد مضى خرابها؛ فهي اليوم أطيب الأرض ترابًا، وأبعدها خرابًا، ولن تزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرضين بركة (2).

وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قبط مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة.

ومن أراد أن يذكر الفردوس، أو ينظر إلى مثلها في الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها، وتنور ثمارها (3).

وأخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى أرض مصر إذا أخرفت.

وفي لفظ: "إذا أزهرت" (4).

_________

(1) فتوح مصر1، مع اختلاف في الرواية.

(2) فتوح مصر 32.

(3) فتوح مصر 5.

(4) ساقطة من ح، ط.

_________

وأخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: مثل قبط مصر كالغيضة، كلما قطعت نبتت حتى يخرب الله بهم وبصنعتهم جزائر الروم (1).

وأخرج ابن الحكم عن ابن لهيعة، قال: كان عمرو بن العاص يقول: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة.

وأخرج ابن عبد الحكم من طريق عبد الرحمن شماسة النهدي، عن أبي رهم السماعي الصحابي -رضي الله عنه- قال: كانت لمصر قناطر وجسور بتقدير وتدبير، حتى إن الماء ليجري تحت منازلها وأقنيتها، فيحبسونه كيف شاءوا، ويرسلونه كيف شاءوا؛ فذلك قوله تعالى فيما حكى من قول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، ولم يكن في الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر.

وكانت الجنات بحافتي النيل من أوله إلى آخره من الجانبين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خُلُج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى، وخليج سردوي؛ جنات متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، والزرع ما بين الجبلين، من أول مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء، وكان جميع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وخلجها وجسورها، فذلك قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}، قال: والمقام الكريم المنابر (2) كان بها ألف منبر (3).

_________

(1) فتوح مصر 5.

(2) ساقطة من ح، ط.

(3) فتوح مصر6.

_________

فصل: في آثار أوردها المؤلفون في أخبار مصر ولم أقف عليها مسندة في كتب أهل الحديث، وأوردها ابن زولاق وغيره، عن عبد لله بن عمر.

قال: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك.

فلما رأى مصر رأى أرضًا سهلة، ذات نهر جار، مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقى بماء الرحمة.

فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يأيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت؛ ولا زال فيك الخير ما لم تتجبري وتتكبري، أو تخوني وتسخري، فإذا فعلت ذلك عراك شر، ثم يعود خيرك.

فكان آدم أول من دعا لمصر بالرحمة والخصب والبركة والرأفة.

وأورد غيره عن عبد الله بن سلام، قال: مصر أم البركات، تعم بركتها من حج بيت الله الحرام من أهل المشرق والمغرب، وإن الله يُوحي إلى نيلها في كل عام مرتين؛ مرة عند جريانه، فيوحى إليه: إن الله يأمرك أن تجري كما تؤمر، ثم يوحى إليه ثانية: إن الله يأمرك أن تفيض حميدًا، فيفيض.          

وأن بلد مصر بلد معافاة وأهلها أهل عافية، وهي آمنة ممن يقصدها بسوء، من أرادها بسوء كبه الله على وجهه، ونهرها نهر العسل، ومادته من الجنة، وكفى بالعسل طعامًا وشرابًا.

وأورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، أنه لما بعث محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر، قال: إني وجهتك إلى فردوس الدنيا.

وعن سعيد (1) بن هلال، قال: اسم مصر في الكتب السالفة أم البلاد.

ذكر أنها مصورة في كتب الأوائل (2)، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها.

وعن كعب قال: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءًا قصمه الله.

وعن كعب قال: لولا رغبتي في بيت المقدس ما سكنت (3) إلا مصر.

قيل: ولِمَ؟ قال: لأنها بلدة معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه؛ وهو بلد مبارك لأهله فيه.

وعن أبي بصرة الغفاري، قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطان مصر سلطان الأرض كلها.

وعن أبي رهم السماعي، قال: لا تزال مصر معافاةً من الفتن، مدفوعًا عن أهلها كل الأذى؛ ما لم يغلب عليها غيرهم؛ فإذا كان كذلك لعبت بهم الفتن يمينًا وشمالًا.

_________

(1) ط: "سعد".

(2) حاشية ح: "الأولين - من نسخة".

(3) حاشية ط: "ما ملكت - من نسخة".

_________

وعن عبد الله بن عمر، قال: البركة عشر بركات؛ ففي مصر تسع، وفي الأرض كلها واحدة؛ ولا تزال في مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين.

وعن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، يرفعه: "إن الله يقول يوم القيامة لساكني مصر يعدد عليهم: ألم أسكنكم مصر، فكنتم تشبعون من خبزها وتروون من مائها".

وعن أبي موسى الشعري -رضي الله عنه، قال: "أهل مصر الجند الضعيف، ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته".

قال تُبَيع بن عامر الكلاعي: فأخبرت بذلك معاذ بن جبل، فأخبرني أن بذلك أخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن شُفَيّ بن عبيد الأصبحي: قال: بلد مصر بلد معافات من الفتن، لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه الله، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه.

وقال أبو ربيع السائح: نعم البلد مصر، يُحج منها بدينارين، ويُغزى منها بدرهمين.          

يريد الحج في بحر القلزم، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر.

وقيل: إن يوسف عليه الصلاة والسلام لما دخل إلى مصر، وأقام بها قال: اللهم إني غريب فحببها إليَّ وإلى كل غريب؛ فمضت دعوة يوسف، فليس يدخلها غريب إلا أحب المقام بها.

وعن دانيال عليه السلام: "يا بني إسرائيل، اعلموا لله، فإن الله يجازيكم بمثل مصر في الآخرة" -أراد الجنة.



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 12:08 am

ذكر إقليم مصر:
قال ابن حوقل (1) في كتاب الأقاليم: اعلم أن حد ديار مصر الشمالي بحر الروم رفح من العريش ممتدًا على الجفار إلى الفرما، إلى الطينة، إلى دمياط، إلى ساحل رشيد، إلى الإسكندرية وبرقة إلى الساحل، آخذًا (2) جنوبًا إلى ظهر الواحات، إلى حدود النوبة، والحد الجنوبي من حدود النوبة المذكورة، آخذًا شرقًا (3) إلى أسوان، إلى بحر القلزم.
والحد الشرقي من بحر القلزم قبالة أسوان إلى عيذاب، إلى القصير، إلى القلزم، إلى تيه بني إسرائيل، ثم يعطف شمالا إلى بحر الروم، إلى رفح، حيث ابتدأنا، وبقاعها كثيرة.
وقال غيره: مصر هي إقليم العجائب، ومعدن الغرائب، وكانت مدنًا متقاربة على الشطين؛ كأنها مدينة واحدة، والبساتين خلف المدن متصلة كأنها بستان واحدًا، والمزراع من خلف البساتين، حتى قيل: إن الكتاب كان يصل من إسكندرية إلى أسوان في يوم واحد، يتناوله قيم البساتين واحد إلى واحد.          
وقد دمر الله تلك المعالم، وطمس على تلك الأموال والمعادن.
حُكي أن المأمون لما دخل مصر، قال: قبح الله فرعون إذ قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (4)، فلو رأى العراق! فقال له سعيد بن عفير: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين

_________
(1) هو أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي الموصلي، التاجر الرحالة المؤرخ، المتوفى سنة 367.واسم كتابه: "المسالك والمفاوز والمهالك" طبع مرارا في أوربًا.
(2) ح: "أخذ".
(3) ح، ط: "شرقيًّا".
(4) سورة الزخرف: 51.
_________

فإن الله تعالى قال: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (1)، فما ظنك بشيء دمره الله هذه بقيته! فقال ما قصرت يا سعيد.
قال سعيد: ثم قلت: يا أمير المؤمنين، لقد بلغنا أنه لم تكن أرض أعظم من مصر، وجميع الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير؛ حتى إن الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يحبسونه متى شاءوا، ويرسلونه متى شاءوا، وكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع؛ ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، ولقد كانت المرأة تضع المكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط فيه من الشجر، وكان أهل مصر ما بين قبطي ويوناني وعمليقي؛ إلا أن جمهورهم قبط، وأكثر ما يملكها الغرباء.
وكانت خمسًا وثمانين كورة، منها أسفل الأرض خمس وأربعون كورة، ومنها بالصعيد أربعون كورة؛ وكان في كل كورة رئيس من الكهنة -وهم السحرة- وكانت مصر القديمة اسمها أقسوس، وكانت منف مدينة الملوك قبل الفراعنة وبعدهم إلى أن خربها بخت نصر؛ وكان لها سبعون بابًا، وحيطانها مبنية بالحديد والصفر، وكان يجري تحت سرير الملك أربعة أنهار، وكان طولها اثني عشر ميلًا.
وكان جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكررة مرتين بالدينار الفرعوني، وهو ثلاثة مثاقيل.
وقال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر (2): حد مصر طولًا من ثغر أسوان، وهو تجاه النوبة إلى العريش، وهو مدينة على البحر الرومي، ومسافة ذلك ثلاثون مرحلة، وحده عرضًا من مدينة برقة التي على ساحل البحر الرومي إلى أيلة التي على بحر القلزم، ومسافة ذلك عشرون مرحلة.
وتنسب إلى مصر.

_________
(1) سورة الأعراف: 137.
(2) هو محمد بن عبد الله الكتبي المعروف بالوطواط.
توفي سنة 718.
الدرر الكامنة 3: 298.
_________

وقيل: مصر بن بيصر بن حام، ويسمي اليونان بلد مصر مقدونية، وأول مدينة اختطت بمصر مدينة منف، وهي في غربي النيل، وتسمى في عصرنا بمصر القديمة.          
ولما فتح عمرو بن العاص مصر أمر المسلمين أن يحيطوا حول فسطاطه، ففعلوا، واتصلت العمارة بعضها ببعض، وسمي مجموع ذلك الفسطاط.
ولم يزل مقرًّا للولاية والجند إلى أن وليه أحمد بن طولون، فضاق بالجند والرعية، فبنى في شرقيه مدينة، وسماها القطائع، وأسكنها الجند، يكون مقدارها ميلًا في ميل.
ولم تزل عامرة إلى أن هدمها محمد بن سليمان الكاتب في أيام المكتفي، حنقًا على بني طولون سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وأبقى الجامع.
ثم ملك العبيديون مصر في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فبنى جوهر القائد مولى المعز مدينة شرقي مدينة ابن طولون، وسماها القاهرة، وبنى فيها القصور لمولاه، فصارت بعد ذلك دار الملك ومقر الجند.
قال في السكردان (1): وكان جوهر لَمَّا بنى القاهرة سَمَّاهَا المنصورة (2)، فلمَّا قدم المعز غيَّر اسمها، وسَمَّاهَا القاهرة؛ وذلك أن جوهرًا لَمَّا قصد إقامة السور جمع المنجمين، وأمرهم أن يختاروا طالعًا لحفر الأساس، وطالعًا لري حجارته، فجعلوا قوائم من خشب، بين القائمة والقائمة حبل فيه أجراس، وأعلموا (3) البنائين أنه ساعة تحريك الأجراس يرمون ما بأيديهم من الطين والحجارة.

_________
(1) كتاب سكردان السلطان، لأبي العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر الشهير بابن حجلة، والمتوفى سنة 776؛ كتاب أدبي تاريخي، يشتمل على أنواع من الجد والهزل؛ ألفه للسلطان الملك الناصر بن أبي المحاسن في سنة 757؛ في خواص السبعة التي هي أشرف الأعداد طبع، والسكردان في الأصل: خوان يوضع فيه الشراب، ذكره صاحب شفاء الغليل.
(2) في السكردان: "المنصورية"، وبعدها: "وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، من الهجرة النبوية الشريفة".
(3) السكردان: "وأفهموا".
_________

فوقف المنجمون لتحرير هذه الساعة، وأخذ الطالع، فاتفق وقوع غراب على خشبة من ذلك الخشب (1) فتحركت الأجراس، فظن الموكلون بالبنا أن المنجمين حركوها، فألقوا ما بأيديهم من الطين والحجارة في الأساس، فصاح المنجمون: "لا لا"، القاهر في الطالع، فمضى ذلك فلم يتم لهم ما قصدوه (2)؛ وكان الغرض أن يختاروا طالعًا لا يخرج عن نسلهم (3)، فوقع أن المريخ كان في الطالع؛ وهو يسمى عند المنجمين القاهر؛ فعلموا أن الأتراك لا بد أن يملكوا هذه القرية (4)، فلمَّا قدم المعز، وأُخبر بهذه القضية -وكان له خبرة تامة بالنجمة- وافقهم على ذلك وأن الترك تكون لهم الغلبة على هذه البلدة، فسمَّاها القاهرة، وغيَّر اسمها الأول (5).
قال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر: ولَمَّا انقضت دولة العبيدين وملك المعز مصر سنة أربع وستين وخمسمائة، بنى صلاح الدين يوسف بن أيوب سورًا جامعًا بين مصر والقاهرة ولم يتم؛ يبتدئ من القلعة وينتهي إلى ساحل النيل بمصر، فطول هذا السور تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالهاشمي، وعمل ديار مصر مقسوم بين المصريين؛ فالذي في حصة مصر من الكور أربع وعشرون كورة، تشتمل على تسعمائة وست وخمسين قرية، قد جعلت هذه الكور صفقات، كل صفقة منها وإلى حرب وقاص وعامل خراج، كل صفقة تشتمل على ولايات.
منها الجيزية؛ منسوبة إلى مدينة تسمى الجيزة على ضفة النيل الغربية تجاه الفسطاط،

_________
(1) السكردان: "من تلك الخشب".
(2) السكردان: "فخانهم ما قصدوه".
(3) السكردن: "لا تخرج البلد عن نسلهم".
(4) السكردان: "هذا الإقليم".
(5) السكردان: 42-43؛ وآخر الخبر: "فكان الأمر كما قال، وملكها الترك إلى يومنا هذا".
_________

وولايتها وسيم، ومنية القائد غربي النيل وإطفيح شرقية.
والفيومة تنسب إلى مدينة الفيوم.
والهنسي وولايتها الغرسة وناق الميمون، وشمسطا، ودهروط، وقلوسنا، وشرونة، وأهناس، والأشمونين.
ومنية بني خصيب وولايتها طحا، ودروة، وسريام، ومنفلوط (1).
والأسيوطية لمدينة أسيوط وولايتها بوتيج، وأبويط.
والإخميمية لمدينة أخميم وولايتها ساقية قلته، والبيارات، وسلاق، وسوهاي، وجزيرة شندويد، وسمنت، وقلفا، والمنشية، والمراغة.
والقوصية لمدينة قوص؛ وولايتها مرج بني هميم، وقصر ابن شادي، وفاو، ودشنا، وقنا، وأبنوب (2)، وقفط -وكانت المصير قبل قوص- ودمامين، والأقصر، وطود، وأسوان، وفرجوط، والبلينا، وسمهود، وهو، ودندرة، وقمول، وأرمنت، والدمقران، وأصفون، وإسنا، وإدفا، وعيذاب، وهي على ساحل بحر القلزم، ولها فرضة تسمى القصير.
والذي في حصة القاهرة من الكور ست وثلاثين كورة، تشتمل على ألف وأربعمائة وتسع وثلاثين قرية، يجمع ذلك من الصفق صفقة القليوبية، تنسب لمدينة عامرة كثيرة البساتين، تضاهي دمشق في التفاف شجرها، واختلاف ثمارها؛ وليس لها ولايات.
والشرقية، وقصبتها مدينة بلبيس وولايتها المشتولية، والسكونية، والدقدوسية، والعباسية، والصهرجتية.
وصفقة المنوفية، وولايتها تلوانة، وسبك الضحاك، والبتنون، وشبين الكوم.

_________
(1) ط: "أبيرط".
(2) حاشية ح: "وأيتود - من نسخة".
_________

وصفقة إيبار؛ وليس لها ولاية؛ وهذه المدينة دمشق الصغرى لكثرة ما بها من الفواكه.
وصفقة الغربية؛ وقصبتها مدينة المحلة، وتعرف بمحلة دنقلا، وولايتها السنهورية، والسخاوية، والدنجاوية، والدميرتان، والطمويسية، والبرماوية، والطندتاوية، والسمنودية؛ وجزيرة قويسنا، ومنية زفتى.
وصفقة الدقهلية والمرتاحية، وولايتها طناح، وتلبانة، وبارنبالة، والمنزلة، والمنصورة، ومنية بني سليل، وشارمساح، وقصبتها أشموم.
وصفقة البحيرة وقصبتها دمنهور الوحش، وولايتها لقانة، وتروجة، والعطف، ودرشابة، والزاوية، ودميسا، والطرانة، وفوه، ورشيد.
ومما هو معدود في كور إقليم مصر: كورة القلزم على ثلاثة أيام من مصر -خربت- وكورة فاران، وكورة الطور، وكورة أيلة -خربت.
ومن أعمال مصر الجليلة واحات تحيط بها المفاوز بين الصعيد والمغرب، ونوبة، والحبشة؛ وهي ثلاث واحات: أولى، وهي الخارجة وقصبتها تسمى المدينة.
ووسطى، وفيها المدينتان القصر وهندي.
والثالثة تسمى الداخلة، وفيها مدينتان، أريس وميمون.
ولإقليم مصر من الثغور على ساحل بحر الروم الفرما وتنيس، وكانت مدينة عظيمة لها بحيرة مالحة يصاد بها السمك البوري وقد خربت وذهبت آثارها، هدمها الملك الكامل سنة أربع وعشرين وستمائة خوفًا من استيلاء الفرنج عليها، فتجاوره في ديار مصر، وكانت من العظم بحيث إنه ألف في أخبارها كتاب في مجلدين، فيه قضاتها وولاتها وسراتها؛ ذكر فيه أن خراجها في أيام أحمد بن طولون خمسمائة ألف دينار، وأنه كان بها ثلاثة وثمانون ألف محتلم يؤدون الجزية -خربت- وسطا -خربت- ودبيق.
ودمياط، ولها من الولايات فارسكور، والبرلس، وبورة -خربت- ورشيد، والإسكندرية، ولها فيما بينها بين برقة كورتان على ساحل بحر الروم: كورة كونية (1) وكورة مراقبة.
هذا كله كلام صاحب مباهج الفكر في إقليم مصر وكوره.
وسأعقد بابًا في سرد أسماء البلاد والقرى التي بإقليم مصر على سبيل الاستيفاء، وأذكر ما في كل بلد من نادرة، ومن خرج منها من النبلاء، وما قيل فيها من الشعر.
وقال ابن زولاق: كل كورة بمصر فإنما هي مسماة باسم ملك جعلها له أو لولده أو زوجته، كما سُميت مصر باسم ملكها مصر بن بيصر.
وقال أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز قاضي العراق: سألت محمد بن المدبر عن مصر قال: كشفتها، فوجدت غامرها أضعاف عامرها، ولو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا.
قال: وقلت: كيف عمرت ولاية مصر حتى عقدت على مصر تسعين ألف ألف دينار مرتين كما مر؟ قال: في الوقت الذي أرسل فرعون بويبة قمح إلى أسفل الأرض والصعيد فلم يوجد لها موضع تُبذر فيه لشغل سائر البلاد بالزرع.
أورده ابن زلاق.

_________
(1) حاشية ح "بوريه - من نسخة"، وفي ط: "كوبية".
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 12:11 am

ذِكْرُ مَنْ نزل مصر من أولاد آدم عليه الصلاة والسلام:
قال أحمد بن يوسف التيفاشي (1) في كتابه سجع الهديل في أوصاف النيل: ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث، فكان فيه وفي بنيه النبوة، وأنزل الله عليه تسعًا وعشرين صحيفة، وأنه جاء إلى أرض مصر، وكانت تدعى باب لون، فنزلها هو وأولاد أخيه، فسكن شيث فوق الجبل وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي.
واستخلف شيث ابنه أنوش، واستخلف أنوش ابنه قينان، واستخلف قينان ابنه مهليائيل واستخلف مهليائيل ابنه يرد، ودفع الوصية إليه، وعلمه جميع العلوم، وأخبره بما يحدث في العالم، ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم، وولده ليرد أخنوخ، وهو هرمس، وهو إدريس النبي عليه الصلاة والسلام؛ وكان الملك في هذا الوقت محويل بن خنوخ بن قابيل، وتنبأ إدريس وهو ابن أربعين سنة، وأراده الملك محويل بن أخنوخ بن قابيل بسوء فعصمه الله، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، ودفع إليه أبوه وصية جده، والعلوم التي عنده.
وولده بمصر، وخرج منها، وطاف الأرض كلها، وكانت ملته الصابئة، وهي توحيد الله والطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات.
وكان في رحلته إلى المشرق أطاعه جميع ملوكها، وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرهائم ثم عاد إلى مصر فأطاعه ملكها، وآمن به، فنظر في تدبير أمرها، وكان النيل يأتيهم سيحًا، فينحازون من مساله إلى أعالي الجبل والأرض العالية حتى ينقص، فينزلون فيزرعون حيثما وجدوا الأرض ندية وكان يأتي في وقت الزراعة وفي غير وقتها.
_________
(1) هو أحمد بن يوسف بن أبي بكر التيفاشي؛ توفي سنة 651، ذكره صاحب الديباج المذهب ص74.
_________

فلما عاد إدريس جمع أهل مصر، وصعد بهم إلى أول مسيل النيل، ودبر وزن الأرض ووزن الماء على الأرض، وأمرهم بإصلاح ما أرادوا من خفض المرتفع ورفع المنخفض وغير ذلك مما رآه في علم النجوم والهندسة والهيئة.
وكان أول من تكلم في هذه العلوم وأخرجها من القوة إلى الفعل ووضع فيها الكتب ورسم فيها العلوم، ثم سار إلى بلاد الحبشة والنوبة وغيرها، وجمع أهلها، وزاد في مسافة جري النيل ونقصه بحسب بطئه، وسرعته في طريقه، حتى عمل حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في زمن الزراعة على ما هو عليه الآن، فهو أول من دبر جري النيل إلى مصر، ومات إدريس بمصر.
والصابئة تزعم أن هرمي مصر؛ أحدهما قبر شيث، والآخر قبر إدريس.
والأصح ما هو إدريس؛ إنما هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح.
هذا كلام التيفاشي.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 12:23 am

ذِكْرُ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ قبل الطوفان:
قال المسعودي (1): أول من ملك مصر بعد تبديل الألسن نقراوس، وكان عالما بالكهانة والطلسمات، ويقال إنه بنى مدينة أمسوس (2)، وعمل بها عجائب كثيرة منها أنه عمل صنمين من حجر أسود في وسط المدينة إذا قدمها سارق لم يقدر أن يزول عنها حتى يسلك بينهما، فإذا سلك بينهما أطبقا عليه، فيُؤخذ، وكان مدة ملكه مائة وثمانين سنة.
فلما مات ملك بعده ابنه نقراوس؛ وكان كأبيه في علم الكهانة والطلسمات، وبنى مدينة بمصر وسماها صلحة (3)، وعمل خلف الواحات ثلاث مدن على أساطين، وجعل في كل مدينة خزائن من الحكمة والعجائب.
فلما مات ملك بعده أخوه مصرام، وكان حكيما ماهرا في الكهانة والطلسمات فعمل أعمالا عظيمة، منها أنه ذل الأسد وركبه.
ويقال إنه ركب في عرشه وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط البحر المحيط، وجعل فيه قلعة بيضاء، وجعل فيها صنما للشمس وزبر عليها اسمه وصفة ملكه، وعمل صنما من نحاس وزبر عليه: "أنا مصرام الجبار، كاشف الأسرار، وضعت الطلسمات الصادقة، وأقمت الصور الناطقة، ونصبت الأعلام الهائلة، على البحار السائلة، ليعلم من بعدي أنه لا يملك أحد ملكي".
ثم ملك بعده خليفته عيقام الكاهن، ويقال إنه إدريس عليه الصلاة والسلام رُفِع في أيامه.
ثم ملك بعده ابنه عرياق، ويقال إنه هاروت وماروت كانا في وقته.
ثم ملك بعده لوخيم بن نتراس.

_________
(1) كذا في الأصل، "وفي ح، ط: "محمد بن المسعودي".
(2) ط: "أقسوس".
(3) ط: "حلجة".
_________

وبعده خصليم، وهو أول من عمل مقياسا لزيادة النيل؛ وذلك أنه جمع أصحاب العلوم والهندسة فعملوا له بيتا من رخام على حافة النيل، وجعل في وسطه بركة من نحاس صغيرة، فيها ماء موزون، وعلى حافة البركة عقابان من
نحاس: ذكر وأنثى، فإذا كان أول الشهر الذي يزيد فيه النيل فتح البيت وجمع الكهان فيه بين يديه، وتكلم رؤساء الكهان بكلام لهم حتى يصفر أحد العقابين، فإن صَفَر الذكر كان الماء تاما، وإن صفر الأنثى كان الماء ناقصا، فيعتدون لذلك.وهو الذي بنى القنطرة التي ببلاد النوبة على النيل.
وملك بعده رجل يقال له هوصال؛ ويقال إن نوحا عليه الصلاة والسلام كان في وقته.
وملك بعده ولده قدرسان.
وملك بعده سرقاق.
وملك بعده ابنه سلقوف.
وملك بعده ابنه سوريد؛ وهو أول من جبى الخراج بمصر؛ وهو الذي بنى الهرمين، ولما مات دفن في الهرم، ودفن معه جميع أمواله وكنوزه.
وملك بعده ابنه هوجيت، ودفن أيضا في الهرم.
وملك بعده ابنه مناوس ويقال منقاوس.
وملك بعده ابنه أفروس.
وبعده ابنه مالينوس.
وبعده ابن عمه فرعان.
في أيامه جاء الطوفان، فخرّب ديار مصر كلها، وزالت معالمها وعجائبها، وأقام الماء ستة أشهر حتى نضب (1).
وذكر بعض من ألف في أخبار مصر أن سفينة نوح طافت بمصر وأرضها فبارك نوح عليه السلام فيها.

_________
(1) نضب: أي غار.
_________

ذكر من ملك مصر بعد الطوفان:
قال ابن عبد الحكم: أنبأنا عثمان بن صالح، أخبرنا ابن لهيعة، عن عياش بن عباس العتباني، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما، قال: كان لنوح عليه الصلاة والسلام أربعة من الولد: سام، وحام، ويافث، ويحطون.
وإن نوحا رغب لله (1)، وسأله أن يرزقه الإجابة في ولده وذريته حتى يتكاملوا بالنماء والبركة، فوعده ذلك، فنادى نوح ولده، وهم نيام عند السحر، فنادى ساما، فأجابه يسعى، وصاح سام في ولده فلم يجبه أحد منهم إلا ابنه أرفخشذ، فانطلق به "معه" (2) حتى أتياه، فوضع نوح يمينه على سام، وشماله على أرفخشذ، وسأل الله أن يبارك في سام أفضل البركة، وأن يجعل الملك والنبوة في ولد أرفخشذ.
ثم نادى حاما فتلفت يمينا وشمالا ولم يجبه، ولم يقم إليه ولا أحد من أولاده، فدعا الله نوح أن يجعل ولده أذلاء، وأن يجعلهم عبيدا لولد سام.
قال: وكان مصر بن بيصر بن حام نائما إلى جنب جده حام، فلما سمع دعاء نوح على جده وولده، قام يسعى إلى نوح فقال: يا جدي، قد أجبتك إذ لم يجبك أبي، ولا أحد من ولده، فاجعل لي دعوة من دعوتك.
ففرح نوح، فوضع يده على رأسه، وقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم، وقوهم عليها (3).
قال صاحب مباهج الفكر: يقال إن سبب سكنى مصر الأرض التي عرفت به وقوع الصرح ببابل فإنه لما وقع، تفرق من كان حوله ممن تناسل من أولاد نوح فأخذ بنو حام جهة المغرب، إلى أن وصلوا إلى البحر المحيط.

_________
(1) الفتوح: "إلى الله".
(2) من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر ص7.
_________

وأخرج ابن عبد الحكم، عن ابن لهيعة وعبد الله بن خالد، قالا: كان أول من سكن مصر بعد أن أغرق الله قوم نوح بيصر بن حام بن نوح، وهو أبو القبط كلهم، فسكن منفا -وهي أول مدينة عمرت بعد الغرق- هو وولده وهم ثلاثون نفسا، قد بلغوا وتزوجوا، فبذلك سميت ماقة -وماقة بلسان القبط ثلاثون- وكان بيصر بن حام بن نوح قد كبر وضعف، وكان مصر أكبر ولده، وهو الذي ساق أباه وجميع إخوته إلى مصر، فنزلوا بها، فبمصر بن بيصر سميت مصر مصرا، فحاز "له ولولده" (1) ما بين الشجرتين خلف العريش إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة عرضا.
ثم إن بيصر بن حام توفي فدفن في موضع أبي هرميس، فهي أول مقبرة قبر فيها بأرض مصر، واستخلف ابنه مصر، وحاز كل واحد من إخوة مصر قطعة من الأرض لنفسه؛ سوى أرض مصر التي حازها لنفسه وولده.فلما كثر أولاد مصر وأولاد أولادهم، قطع مصر لكل واحد من أولاده قطيعة (2) يحوزها لنفسه ولولده، وقسم لهم هذا النيل، فقطع لابنه قِفْط موضع قِفْط، فسكنها، وبه سُميت، وما فوقها إلى أسوان وما دونها إلى أشمون في الشرق والغرب، وقطع لأشمن من أشمون فما دونها إلى منف في الشرق والغرب، فسكن أشمن أشمون، فسميت به.
وقطع لأتريب ما بين منف إلى صا؛ فسكن أتريب، فسميت به، وقطع لصا ما بين صا إلى البحر، فسكن صا، فسميت به؛ فكانت مصر كلها على أربعة أجزاء: جزأين بالصعيد، وجزأين بأسفل الأرض.
قال: ثم توفي مصر بن بيصر، فاستخلف ابنه قِفط (3).
وفي بعض التواريخ: لما مات مصر، كتب على قبره: "مات مصر بن بيصر بن

_________
(1) من فتوح مصر.
(2) في الأصول: "قطعة"، وما أثبته عن فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 9.
_________

حام بن نوح بعد ألفين وستمائة عام من الطوفان، مات ولم يعبد الأصنام، ولا هرم ولا أسقام"؛ وإن قفط به سميت القبط؛ وهو الذي بنى أهرام دهشور؛ وإن هودا بعث في أيامه، وإنه أقام في ملكه أربعمائة وثمانين سنة.
رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد: ثم توفي قفط، فاستخلف أخاه أشمن، ثم توفي أشمن، واستخلف أخاه أتريب، ثم توفي أتريب، فاستخلف أخاه صا، ثم توفي صا، فاستخلف ابنه تدارس.
وقال غيره: وفي زمنه بعث صالح عليه الصلاة والسلام.
ثم توفي تدارس، فاستخلف ابنه ماليق، ثم توفي [ماليق] (1)، فاستخلف ابنه [خربتا بن ماليا] (2)، فاستخلف ابنه كلكن؛ فملكهم نحوا من مائة سنة، ثم توفي ولا ولد له، فاستخلف أخاه ماليا، ثم توفي ماليا فاستخلف ابنه طوميس، وهو الذي وهب هاجر لسارة امرأة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ثم توفي فاستخلف ابنته خروبا؛ ولم يكن له ولد غيرها وهي أول امرأة ملكت، ثم توفيت، فاستخلفت ابنة عمها زالفا بنة ماموم بن ماليا، فعمرت دهرا طويلا، فكثروا ونموا، وملئوا أرض مصر كلها، فطمعت فيهم العمالقة -وهم من ولد عملاق بن لاوز بن سام- فغزاهم الوليد بن دومغ، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم رضوا أن يملكوه عليهم؛ فملكهم نحوا من مائة سنة، فطغى وتكبر، وأظهر الفاحشة، فسلط الله عليه سبعا، فافترسه فأكل لحمه (3).
وقال غيره: إن الوليد بن دومغ آذاه ضرسه، فنزع؛ فكان وزنه ثمانية عشر منًّا وثلثي منًّ، وإنه رئي بعد فتح مصر يوزن به في ميزان الوكالة. انتهى.
فملكهم من بعده الريان بن الوليد -وهو صاحب يوسف عليه الصلاة والسلام-

_________
(1) فتوح مصر.
(2) فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 11-12.
_________

فلمَّا رأى الملك رؤياه التي رآها وعبَّرها يوسف، أرسل إليه فأخرجه من السجن، ودفع إليه خاتمه، وولاه ما خلف آباؤه، وألبسه طوقاً من ذهب وثياب حرير، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابة الملك، وضرب بالطبل بمصر أن يوسف خليفة الملك (1).
وما أحسن قول بعضهم:
أما في رسول الله يوسف أسوة...لمثلك محبوسا على الظلم والإفك
أقم جميل الصبر في الحبس برهة...فآل به الصبر الجميل إلى الملك

قال ابن عبد الحكم: حدثنا أسد بن موسى، حدثني الليث بن سعد، حدثني بعض مشيخة لنا، قال: اشتد الجوع على أهل مصر، فاشتروا الطعام من يوسف بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا، فاشتروا بالفضة حتى لم يجدوا فضة، فاشتروا بأغنامهم حتى لم يجدوا غنما؛ فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهبا ولا شاة ولا بقرة (2) في تلك السنتين، فأتوه في الثالثة، فقالوا له: لم يبق لنا شيء إلا أنفسنا وأهلونا وأرضونا.
فاشترى يوسف أرضهم كلها لفرعون، ثم أعطى لهم يوسف طعاما يزرعونه على أن لفرعون الخمس (3).
قال ابن عبد الحكم: وفي ذلك الزمان استنبطت الفيوم، وكان سبب ذلك كما حدثنا هشام بن إسحاق أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما ملك مصر، وعظمت منزلته من فرعون، وجاوزت سنه (4) مائة سنة، قال وزراء الملك له: إن يوسف قد ذهب علمه، وتغير عقله، ونفدت حكمته، فعنفهم فرعون، ورد عليهم مقالتهم، فكفوا: ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين، فقال لهم: هلموا ما شئتم من أي شيء أختبره به.

_________
(1) فتوح مصر 12-13 مع اختلاف في النص.
(2) ابن عبد الحكم: "حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهب".
(3) فتوح مصر 13-14.
(4) كذا في الأصل وفتوح مصر، وفي ح، ط: "وجاوزت منه سنة".
_________

وكانت الفيوم تدعى يومئذ الجوبة؛ وإنما كانت لمصالة (1) ماء الصعيد وفضوله فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف عليه الصلاة والسلام، فقالوا لفرعون: سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها، ويخرجه منها، فتزداد بلدا إلى بلدك، وخراجا إلى خراجك.
فدعا يوسف فقال: قد تعلم مكان ابنتي فلانة مني، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا، وإني لم أصب إلا الجوبة؛ وذلك أنه بلد بعيد قريب، لا يؤتى من وجه إلا من غابة أو صحراء، فالفيوم وسط مصر كمثل مصر في وسط البلاد؛ لأن مصر لا تؤتى من ناحية من النواحي إلا من صحراء أو مفازة، وقد أقطعتها (2) إياها فلا تتركن وجها ولا نظرا إلا بلغته، فقال يوسف: نعم أيها الملك، متى أردت ذلك فابعث لي؛ فإني إن شاء الله فاعل؛ فقال: إن أحبه إلي وأوفقه أعجله، فأُوحي إلى يوسف أن يحفر ثلاثة خلج: خليجا من أعلى الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا شرقيا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيا من موضع كذا إلى موضع كذا؛ فوضع يوسف العمال، فحفر خليج المنهى من أعلى أشمون
إلى اللاهون، وحفر خليج الفيوم وهو الخليج الشرقي، وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيوم، وهو الخليج الغربي.
فخرج ماؤها من الخليج الشرقي فصب في النيل، وخرج من الخليج الغربي فصب في صحراء تنهمت إلى الغرب، فلم يبق في الجوبة ماء.
ثم أدخلها الفعلة، فقطع ما كان فيها من القصب والطرفاء وأخرجه منها، وكان ذلك ابتداء جري النيل، وقد صارت الجوبة أرضا برية، وارتفع ماء النيل، فدخلها في رأس المنهى، فجرى فيه حتى انتهى إلى اللاهون، فقطعه إلى الفيوم، فدخل خليجها فسقاها، فصارت لجة من النيل.
وخرج إليها الملك ووزراؤه، وكان هذا في سبعين يوما.

_________
(1) مصالة الماء: بقيته.
(2) فتوح مصر: "ريفية برية".
_________

فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه: هذا عمل ألف يوم، فسُمّيَتْ الفيوم، فأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر (1).
قال: ثم بلغ يوسف قول وزراء الملك، وأنه إنما كان ذلك منهم على المحنة منهم له، فقال للملك: إن عندي من الحكمة والتدبير غير ما رأيت؛ فقال الملك: وما ذاك؟ فقال: أنزل الفيوم من كل كورة من مصر أهل بيت، وآمر أهل كل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية -وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر- فإذا فرغوا من بناء قراهم صيرت لكل قرية من الماء بقدر ما أصير لها من الأرض، لا يكون في ذلك زيادة عن أرضها ولا نقصان، وأصير لكل قرية شربا في زمان لا ينالهم الماء إلا فيه، وأصير مطاطئا للمرتفع، ومرتفعا للمطاطئ بأوقات من الساعات في الليل والنهار، وأصير لها مصاب (2) فلا يقصر بأحد دون حقه، ولا يزداد فوق قدره.
فقال له فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ قال: نعم، فبدأ يوسف فأمر ببنيان القرى، وحد لها حدودا، فكانت أول قرية عمرت بالفيوم قرية يقال لها شانة، وهي القرية التي كانت تنزلها بنت فرعون.
ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر، فلما فرغوا من ذلك استقبل الأرض ووزن الماء؛ ومن يومئذ أحدثت (3) الهندسة، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك.
قال: وكان أول من قاس النيل بمصر يوسف عليه الصلاة والسلام، ووضع مقياسا بمنف (4).
أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: فوض الريان إلى يوسف تدبير ملك مصر، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة.
وأخرج عن عكرمة أن فرعون قال ليوسف: إني قد سلطنتك على مصر، إني

_________
(1) الغوائط: جمع غوطة، وهي الأرض المتسعة إلى منحدر.
(2) فتوح مصر: "قبضات".
(3) كذا في الأصل وابن عبد الحكم، وفي ح، ط: "أخذت".
(4) فتوح مصر 16.
_________

أريد أن أجعل كرسي أطول من كرسيك بأربع أصابع، قال يوسف: نعم.
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا هشام بن إسحاق، قال: في زمان الربان بن الوليد، دخل يعقوب عليه الصلاة والسلام وولده مصر؛ وهم ثلاثة وتسعون نفسا، بين رجل وامرأة، فأنزلهم يوسف ما بين عين الشمس إلى الفرما وهي أرض ريفية برية.
قال: فلما دخل يعقوب على فرعون، فكلمه -وكان يعقوب شيخا كبيرا حليما حسن الوجه واللحية، جهير الصوت- فقال له فرعون: كم أتى عليك أيها الشيخ؟ قال: عشرون ومائة سنة، وكان بمين (1) ساحر فرعون قد وصف صفة يعقوب ويوسف وموسى عليهم الصلاة والسلام في كتبه، وأخبر أن خراب مصر وهلاك ملكها على يديهم، ووضع الرايات (2) وصفات من تخرب مصر على يديه.
فلما رأى يعقوب قام إلى مجلسه، فكان أول ما سأله عنه، أن قال له: من تعبد أيها الشيخ؟ قال يعقوب: أعبد الله إله كل شيء، قال: كيف تعبد ما لا ترى؟ قال يعقوب: إنه أعظم وأجل من أن يراه أحد، قال بمين: فنحن نرى آلهتنا، قال يعقوب: إن آلهتكم من عمل أيدي بني آدم، ممن يموت ويبلى، وإن إلهي أعظم وأرفع، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد؛ فنظر بمين إلى فرعون، فقال: هذا الذي يكون هلاك بلادنا على يديه، قال فرعون: في أيامنا أو في أيام غيرنا؟ قال: ليس في أيامك ولا أيام بنيك، قال الملك: هل تجد هذا فيما قضى به إلهكم؟ قال: نعم.قال: فكيف نقدر أن نقتل من يريد إلهه هلاك قومه على يديه! فلا نعبأ بهذا الكلام (3).
وأخرج ابن عبد الحكم عن طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال:

_________
(1) في الأصول: "عين"، تحريف، صوابه من فتوح مصر.
(2) فتوح مصر: "البربايات".
(3) فتوح مصر 17-18.
_________

دخل مصر يعقوب وولده، وكانوا سبعين نفسًا، وخرجوا وهم ستمائة ألف نفس.
وأخرج عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف وهم ثلاثة وتسعون إنسانًا، وخرجوا وهم ستمائة ألف نفس.
وأخرج عن كعب الأحبار أن يعقوب عاش في أرض مصر ست عشرة سنة، فلما حضرته الوفاة قال ليوسف: لا تدفني بمصر، فإذا (1) مت فاحملوني فادفنوني في مغارة جبل حبرون (2) فلما مات لطخوه بمر وصبر، وجعلوه في تابوت من ساج، وأعلم يوسف فرعون أن أباه قد مات، وأنه سأله أن يقبره في أرض كنعان، فأذن له، وخرج معه أشراف أهل مصر حتى دفنه وانصرف (3).
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عمن حدثه، قال: قبر يعقوب عليه الصلاة والسلام بمصر، فأقام بها نحوا من ثلاث سنين، ثم حمل إلى بيت المقدس؛ أوصاهم بذلك عند موته (4).
وأخرج من طريق الكلبي، عن أبي صالح، قال: حبرون مسجد إبراهيم اليوم، بينه وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلًا.
رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد: قالا: ثم مات الريان بن الوليد، فملكهم من بعده ابنه دارم؛ وفي زمانه توفي يوسف عليه الصلاة والسلام.
أخرج ابن عبد الحكم، عن كعب قال: لما حضرت يوسف الوفاة، قال: إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم، فاحملوا عظامي معكم.
فمات فجعلوه في تابوت ودفنوه.

_________
(1) فتوح مصر: "وإذا".
(2) في الأصول: "جبرون"، وما أثبته من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 18.
(4) فتوح مصر 18.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 12:23 am

وأخرج عنه قال: لما مات يوسف استعبد أهل مصر بني إسرائيل.
وأخرج عن سماك بن حرب، قال: دفن يوسف عليه الصلاة والسلام في أحد جانبي النيل، فأخصب الجانب الذي كان فيه، وأجدب الجانب الآخر، فحولوه إلى الجانب الآخر، فأخصب الجانب الذي حولوه إليه، وأجدب الجانب الآخر؛ فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها في صندوق من حديد،
وجعلوه في سلسلة، وأقاموا عمودًا على شاطئ النيل، وجعلوا في أصله سكة من حديد؛ وجعلوا السلسلة في السكة، وألقوا الصندوق في وسط النيل، فأخصب الجانبان جميعًا (1).
رجع إلى حديث ابن لهيعة، وعبد الله بن خالد: قالا: ثم إن دارما طغى بعد يوسف وتكبر، وأظهر عبادة الأصنام، وركب النيل في سفينة، فبعث الله عليه ريحًا عاصفًا، فأغرقته ومن كان معه فيما بين طرا إلى موضع حلوان؛ فملكهم من بعده كاشم "بن معدان" (2) وكان جبارًا عاتيا.
ثم هلك كاشم "بن معدان"، فملكهم من بعده فرعون موسى من العماليق، فأقام خمسمائة سنة، حتى أغرقه الله (3).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن ابن لهيعة والليث بن سعد، قالا: كان فرعون قبطيًّا من قبط مصر، اسمه طلما (4).
وأخرج عن هانئ بن المنذر، قال: كان فرعون من العماليق، وكان يكنى بأبي مرة (5).
وأخرج عن أبي بكر الصديق، قال: كان فرعون أثرم (6).

_________
(1) فتوح مصر 18-19.
(2) فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 19.
(4) كذا في فتوح مصر 19، وفي الأصول: "ظلمى".
(5) فتوح مصر 20.
(6) فتوح مصر 20، وبعدها: "ويقال: بل هو رجل من لخم، والله أعلم".
_________

وقال: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا عبد الله بن أبي فاطمة، عن مشايخه، أن ملك مصر توفي، فتنازع الملك جماعة من أبناء الملك -ولم يكن الملك عَهد- ولما عظم الخطب بينهم تداعوا إلى الصلح، فاصطلحوا على أن يحكم بينهم أول من يطلع من الفج فج الجبل، فطلع فرعون بين عديلتي نطرون، قد أقبل بهما (1) ليبيعهما، وهو رجل من فران بن بلى -[واسمه الوليد بن مصعب، وكان قصيرًا أبرص، يطاطئ في لحيته] (2) - فاستوقفوه، وقالوا: إنا جعلناك حكمًا بيننا فيما تشاجرنا فيه من الملك، وآتوه مواثيقهم على الرضا.
فلما استوثق منهم، قال: إني قد رأيت أن أملك نفسي عليكم؛ فهو أذهب لضغائنكم، وأجمع لأموركم، والأمر من بعد إليكم.
فأمّروه عليهم لمنافسة بعضهم بعضًا، وأقعدوه في دار الملك بمنف، فأرسل إلى صاحب أمر كل رجل منهم، فوعده ومناه أن يملكه على ملك صاحبه، ووعدهم ليلةً يقتل فيها كل رجل منهم صاحبه، ففعلوا ودان له أولئك بالربوبية، فملكهم نحوًا من خمسمائة سنة، وكان من أمره وأمر موسى ما قص الله تعالى من خبرهم في القرآن (3).
وأخرج ابن عبد الحكم عن أبي الأشرس، قال: مكث فرعون أربعمائة سنة، الشباب يغدو عليه ويروح (4).
وأخرج عن إبراهيم بن مقسم، قال: مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس، وكان يملك ما بين مصر إلى إفريقية.
وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: كان يقعد على كراسي فرعون مائتان عليهم الديباج وأساور الذهب (5).

_________
(1) كذا في ابن عبد الحكم، وفي الأصول "بينهما"
(2) ساقط من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 20.
(4) فتوح مصر 20.
(5) فتوح مصر 21.
_________

وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمر بن العاص؛ أن فرعون استعمل هامان على حفر خليج سردوس، فلما ابتدأ حفره أتاه أهل كل قرية يسألونه أن يجري الخليج تحت قريتهم، ويعطوه مالًا؛ فكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو المشرق، ثم يرده إلى قرية (1) في المغرب، ثم يرده إلى أهل قرية في القبلة، ويأخذ من أهل كل قرية مالًا؛ حتى اجتمع له في ذلك مائة ألف دينار، فأتى بذلك كله إلى فرعون، فسأله فرعون عن ذلك، فأخبره بما فعل في حفره.
قال له فرعون: ويحك! ينبغي للسيد أن يعطف على عباده، ويفيض عليهم ولا يرغب فيما بأيديهم، ورد على أهل كل قرية ما أُخذ منهم.
فرده كله على أهله.
قال: فلا يُعلم بمصر خليج أكثر عطوفًا منه لما فعل هامان في حفره.
قال ابن عبد الحكم: وزعم بعض مشايخ أهل مصر أن الذي كان يُعمل به بمصر على عهد ملوكها، أنهم كانوا يُقرون القرى في أيدي أهلها، كل قرية بكراء معلوم، لا ينقض عليهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ وتنقل اليسار؛ فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك، وعدل تعديلًا جديدًا، فيرفق بمن استحق الرفق،
ويزداد على من يحتمل الزيادة، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم؛ فإذا جُبِيَ الخراج وجمع، كان للملك من ذلك الربع خالصًا لنفسه يصنع فيه ما يريد، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما يحتاج إليها من جسورها وحفر خلجها، وبناء قناطرها؛ والقوة للمزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها فيدفن ذلك فيها لنائبة تنزل، أو جائحة بأهل القرية؛ فكانوا على ذلك.

_________
(1) بعدها في ط: "من نحو دبر القبلة، ثم يرده إلى قرية"، والصواب ما في الأصل.
_________

وهذا الربع الذي يدفن في كل قرية من خراجها، هو كنوز فرعون التي يُتحدث بها أنها ستظهر، فيطلبها الذين يتبعون الكنوز.
حدثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، قال: خرج وردان من عند مسلمة بن مخلد -وهو أمير على مصر- فمر على عبد الله بن عمرو مستعجلًا، فناداه: أين تريد؟ قال: أرسلني الأمير مسلمة أن آتي منفًا، فأحضر له من كنز فرعون، قال: فارجع إليه، وأقرئه مني السلام وقل له: إن كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك، إنما هو للحبشة، إنهم يأتون في سفنهم يريدون الفسطاط، فيسيرون حتى ينزلوا منفًا، فيظهر لهم كنز فرعون، فيأخذون ما يشاءون، فيقولون: ما نبتغي غنيمة أفضل من هذه، فيرجعون، ويخرج المسلمون في آثارهم فيقتتلون، فيهزم الجيش فيقتلهم المسلمون ويأسرونهم؛ حتى إن الحبشي ليباع (1) بالكساء.
قال أهل التاريخ: كان فرعون إذا كمل التخضير في كل سنة ينفذ مع قائدين من قواده إردب قمح، فيذهب أحدهما إلى أعلى مصر، والآخر إلى أسفلها، فيتأمل القائد أرض كل قرية، فإن وجد موضعًا بائرًا عطلًا قد أغفل بذره، كتب إلى فرعون بذلك، وأعلمه باسم العامل على تلك الجهة، فإذا بلغ فرعون ذلك، أمر بضرب عنق ذلك العامل، وأخذ ماله، فربما عاد القائدان ولم يجدا موضعًا لبذر الإردب لتكامل العمارة واستظهار الزرع.
وأخرج الحاكم في المستدرك، وصححه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل، ضل عنه الطريق، فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف حين حضره

_________
(1) ح: "يباع".
_________

الموت، أخذ علينا موثقًا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، فقال موسى: أيكم يدري أين قبره.فقالوا: ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها موسى، فقال: دلينا على قبر يوسف، قالت: لا والله حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة؛ فكأنه كره ذلك، فقيل له: أعطها حكمها، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء، فقالت لهم: نضِّبوا عنها الماء، ففعلوا، قالت: احفروا، فحفروا، فاستخرجوا عظام يوسف؛ فلما أن أقلوه من الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار".
وأخرج ابن عبد الحكم، عن سماك بن حرب، مرفوعًا نحوه، وفيه: "فقالت: إني أسأل أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنة، ويُرد عليَّ بصري وشبابي، حتى أكون شابة كما كنت، قال: فلك ذلك".
وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس نحوه، وفيه: "فقالت عجوز يقال لها سارح (1) ابنة آشر بن يعقوب: أنا رأيت عمي حين دفن، فما تجعل لي إن دللتك عليه؟ فقال: حكمك، قالت: أكون معك حيث كنت في الجنة".
وأخرج عن ابن لهيعة عمن حدثه، قال: قبر يوسف بمصر، فأقام بها نحوا من ثلاثمائة سنة، ثم حمل إلى بيت المقدس.
رجع إلى حديث ابن لهيعة وعبد الله بن خالد: قالا: ثم أغرق الله فرعون وجنوده، وغرق معه من أشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم أكثر من ألفي ألف، فبقيت مصر من بعد غرقهم؛ ليس فيها من أشراف أهلها أحد، ولم يبق بها إلا العبيد والأجراء والنساء، فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولين منهن أحدًا، وأجمع رأيهن على أن يولين امرأة منهن يقال لها دلوكة بنت

_________
(1) ط: "شادح".
_________

زباء، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب، وكانت في شرف منهن وموضع، وهي يومئذ بنت مائة سنة وستين سنة، فملكوها، فخافت أن يتناولها ملوك الأرض فجمعت نساء الأشراف، فقالت لهن: إن بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد، ولا يمد عينيه إليها،
وقد هلك أكابرنا وأشرافنا، وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم، وقد رأيت أن أبني حصنًا أحدق به جميع بلادنا، فأضع عليه المحارس من كل ناحية، فإننا لا نأمن أن يطمع فيها الناس، فبنت جدارًا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها المزارع والمدائن والقرى، وجعلت دونه خليجًا يجري فيه الماء، وأقامت القناطر والترع، وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة، وفيما بين ذلك محارس صغار على كل ميل، وجعلت في كل محرس رجالًا، وأجرت عليهم الأرزاق، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس، فإذا أتاهم أحد يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض بأجراس، فأتاهم الخبر من كل وجه كان في ساعة واحدة، فنظروا في ذلك، فمنعت بذلك مصر من أرادها، وفرغت من بنائه في ستة أشهر، وهو الجدار الذي يقال له جدار العجوز، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا "كثيرة" (1).
وكان ثم عجوز ساحرة، يقال لها تدورة، وكانت السحرة تعظمها وتقدمها في السحر، فبعثت إليها دلوكة: إنا قد احتجنا إلى سحرك، وفزعنا إليك، فاعملي لنا شيئًا نغلب به من حولنا، فقد كان فرعون يحتاج إليك، فعملت بربى (2) من حجارة في وسط مدينة منف، وجعلت له أربعة أبواب، كل باب منها إلى جهة القبلة، والبحر والشرق والغرب، وصورت فيه صورة الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال، وقالت لهم: قد

_________
(1) فتوح مصر 27-28، وانظر معجم البلدن 3: 204.
(2) قال ياقوت: "البرابي: جمع بربى؛ كلمة قبطية؛ وأظنه اسمًا لموضع العبادة أو البناء المحكم أو موضع السحر.
ثم قصة تدورة.
معجم البلدان 2: 59.
_________

عملت لكم عملا يهلك به من أرادكم من كل جهة تؤتون منها برا أو بحرا، وهذا يغنيكم عن الحصن، ويقطع عنكم مؤنته؛ فمن أتاكم من أي جهة، فإنهم إن كانوا في البر على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجالة تحركت هذه الصورة من جهتهم التي يأتون منها، فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم ذلك في أنفسهم على ما يفعلون بهم.فلما بلغ الملوك حولهم أن أمرهم قد صار إلى ولاية النساء، طمعوا فيهم، وتوجهوا إليهم، فلما دنوا من عمل مصر، تحركت تلك الصور التي في البر، فطفقوا لا يهيجون تلك الصور، ولا يفعلون بها شيئا إلا أصاب ذلك الجيش الذي أقبل إليهم مثله؛ من قطع رءوسها أو سوقها أو فقء عينها، أو بقر بطونها.
وانتشر ذلك، فتناذرهم الناس، وكان نساء أهل مصر حين غرق أشرافهم ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبروا عن الرجال، فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه، وتتزوج الأخرى أجيرها، وشرطن على الرجال ألا يفعلوا إلا بإذنهن، فأجابوهن إلى ذلك؛ فكان أمر النساء على الرجال (1).
قال ابن لهيعة: فحدثني يزيد بن أبي حبيب، أن القبط على ذلك إلى اليوم، اتباعا لما مضى منهم؛ لا يبيع أحدهم ولا يشتري إلا قال: أستأذن امرأتي.
فملكتهم دلوكة بنت زباء عشرين سنة تدبر أمرهم بمصر، حتى بلغ من أبناء أكابرهم وأشرافهم رجل يقال له دركون بن بلوطس (2)، فملكوه عليهم؛ فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحو أربعمائة سنة.
ثم مات دركون "بن بلطوس" (3)، فاستخلف ابنه بودس، ثم توفي فاستخلف أخاه لقاس، فلم يمكث إلا ثلاث سنين حتى مات، ولم يترك ولدا، فاستخلف أخاه مرينا، ثم توفي، فاستخلف ولده استمارس، فطغى وتكبر وسفك، وأظهر الفاحشة، فأعظموا ذلك، وأجمعوا على خلعه فخلعوه، وقتلوه وبايعوا رجلا من

_________
(1) فتوح مصر 27-28.
(2) في الأصول: "بلطوس"، وما أثبته من فتوح مصر.
(3) من فتوح مصر.
_________

أشرافهم يقال له بلوطس بن مناكيل، فملكهم أربعين سنة ثم توفي، فاستخلف ابنه مالوس، ثم توفي، فاستخلف أخاه مناكيل فملكهم زمانا ثم توفي، فاستخلف ابنه بولة، فملكهم مائة وعشرين سنة؛ وهو الأعرج الذي سبا ملك بيت المقدس، وقدم به إلى مصر.
وكان بولة قد تقدم (1) في البلاد، وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممن كان قبله بعد فرعون، وطغى فقتله الله، صرعته دابته، فدقت عنقه فمات (2).
أخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: لما مات سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، ملك بعده عمه مرحب، فسار إلى ملك مصر، فقاتله، وأصاب الأترسة الذهب التي عملها سليمان، فذهب بها.
ثم استخلف مرينوس بن بولة فملكهم زمانا ثم توفي، فاستخلف ابنه قرقورة، فملكهم ستين سنة، ثم توفي فاستخلف أخاه لقاس؛ وكان كلما انهدم من تلك البربى شيء لم يقدر أحد على إصلاحه إلا تلك العجوز وولد ولدها، فكانوا أهل البيت لا يعرف ذلك غيرهم، فانقطع أهل ذلك البيت، وانهدم من البربى موضع في زمان لقاس، فلم يقدر أحد على إصلاحه ومعرفة علمه، وبقي على حاله، وانقطع ما كان يقهرون به الناس.
ثم توفي لقاس، فاستخلف ابنه قومس، فملكهم دهرا.
فلما ظهر بخت نصر على بيت المقدس وسبى بني إسرائيل، وخرج بهم إلى أرض بابل، أقام بإيليا وهي خراب؛ فاجتمع إليه بقايا بني إسرائيل كانوا متفرقين، فقال لهم أرميا: أقيموا بنا في أرضنا لنستغفر الله، ونتوب إليه، لعله أن يتوب علينا، فقالوا: إنا نخاف أن يسمع بنا بخت نصر، فيبعث إلينا، ونحن شرذمة قليلون؛ ولكنا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به، وندخل في ذمته، فقال لهم أرميا: ذمة الله أوفى لكم، ولا يسعكم أمان أحد من أهل الأرض، إذا أخافكم.

_________
(1) فتوح مصر: "تمكن".
(2) فتوح مصر 28-29.
_________

فسار أولئك النفر من بني إسرائيل إلى قومس، واعتصموا به، فقال: أنتم في ذمتي، فأرسل إليه بخت نصر أن لي قبلك عبيدا أبقوا مني، فابعث بهم إلي.
فكتب إليه قومس: ما هم بعبيدك؛ هم أهل النبوة والكتاب وأبناء الأحرار، اعتديت عليهم وظلمتهم؛ فحلف بخت نصر: لئن لم تردهم لأغزون بلادك.
وأوحى الله إلى أرميا إني مظهر نصر على هذا الملك الذي اتخذوه حرزا، ولو أنهم أطاعوك، وأطبقت عليهم السماء والأرض، لجعلت لهم من بينهما مخرجا.
فرحمهم أرميا، وبادر إليهم، وقال لهم: إن لم تطيعوني أسركم بخت نصر وقتلكم؛ وآية ذلك أنى رأيت موضع سريره الذي يضعه بعد ما يظفر بمصر ويملكها.
ثم عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع فيه بخت نصر سريره، وقال: يقع كل قائمة من قوائم سريره على حجر منها.
فلجوا في رأيهم، وسار بخت نصر إلى قومس، فقاتله سنة، ثم ظفر به.
فقتل وسبى جميع أهل مصر، وقتل من قتل.
فلما أراد قتل من أسر منهم، وُضع له سريره في الموضع الذي وصف أرميا، ووقعت كل قائمة من قوائم سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفن؛ فلما أتوا بالأسارى، أُتي معهم بأرميا.
فقال له بخت نصر: ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمنتك وأكرمتك! فقال له
أرميا: إني أتيتهم محذرا، وأخبرتهم خبرك، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك، وأريتهم موضعه، فقال بخت نصر: وما مصداق ذلك؟ قال أرميا: ارفع سريرك، فإن تحت كل قائمة حجرا دفنته، فلما رفع سريره، وجد مصداق ذلك، فقال لأرميا: لو أعلم أن فيهم خيرا لوهبتهم لك.
فقتلهم وأخرب مدائن مصر وقراها، وسبى جميع أهلها، ولم يترك بها أحدا حتى بقيت مصرا أربعين سنة خرابا ليس فيها أحد؛ يجري نيلها، ويذهب لا يُنتفع به.
وأقام أرميا بمصر، واتخذ زرعا يعيش به فأوحى الله إليه: إن لك عن الزرع والمقام شغلا، فألحق بإيليا.
فخرج أرميا حتى أتى بيت المقدس.
ثم إن بخت نصر رد أهل مصر إليها بعد أربعين سنة، فعمروها، فلم تزل مصر مقهورة من حينئذ (1).
ثم ظهرت الروم وفارس على سائر الملوك الذين في وسط الأرض، فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين يحاصرونهم.
وصابروهم القتال في البر والبحر؛ فلما رأى ذلك أهل مصر صالحوا الروم، على أن يدفعوا لهم شيئا مسمى في كل عام، على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمتهم، ثم ظهرت فارس على الروم، فلما غلبوهم على الشام، رغبوا في مصر، وطمعوا فيها، فامتنع أهل مصر، وأعانتهم الروم، وقاتلت دونهم، وألحت عليهم فارس، فلما خشوا ظهورهم عليهم صالحوا فارس، على أن يكون ما صالحوا عليه الروم بين الروم وفارس، فرضيت الروم بذلك حين خافت ظهور فارس عليها، فكان ذلك الصلح على مصر، وأقامت مصر بين الروم وفارس سبع سنين، ثم استجاشت الروم، وتظاهرت على فارس، وألحت بالقتال والمدد، حتى ظهروا عليهم وخربوا مصانعهم أجمع، وديارهم التي بالشام ومصر، وكان ذلك في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفيه نزلت: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} (2) الآية، فصارت الشام كلها صلحًا ومصر خالصًا للروم، وليس لفارس في الشام ومصر شيء (3).
قال الليث بن سعد: وكانت الفرس قد أسست بناء الحصن الذي يقال له سبيل، أليون (4)، وهو الحصن الذي بفسطاط مصر اليوم؛ فلما انكشفت جموع فارس وأخرجتهم الروم من الشام، أتمت الروم بناء ذلك الحصن، وأقامت به، وأرسل هرقل المقوقس أميرا على مصر، وجعل إليه حربها وجباية خراجها، فنزل الإسكندرية، فلم تزل في ملك الروم حتى فتحها الله تعالى على المسلمين (5).
قال صاحب مباهج الفكر: هذا الحصن يُسمى قصر الشمع.

_________
(1) فتوح مصر 30-31.
(2) سورة الروم: 1، 2.
(3) فتوح مصر 35.
(4) فتوح مصر: "باب أليون".
(5) فتوح مصر 35.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 3:51 pm

ذِكْرُ مَنْ دخل مصر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
قال أبو عمر محمد بن يوسف الكندي في كتاب فضائل مصر: دخل مصر من الأنبياء إدريس وهو هرمس، وإبراهيم الخليل، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، واثنا عشر نبيا من ولد يعقوب وهم الأسباط، ولوط، وموسى وهارون، ويوشع، ابن نون، ودانيال، وأرميا، وعيسى بن مريم؛ عليهم الصلاة والسلام.
قلت: أمَّا إبراهيم فقال ابن عبد الحكم: كان سبب دخوله مصر كما حدثنا به أسد بن موسى وغيره، أنه لما أمر بالخروج عن أرض قومه، والهجرة إلى الشام، خرج ومعه لوط وسارة؛ حتى أتوا حران، فنزلها، فأصاب أهل حران جوع، فارتحل بسارة يريد مصر، فلما دخلها ذُكر جمالها لملكها، ووُصِف له أمرها (1)، فأمر بها، فأدخلت عليه، وسأل إبراهيم: ما هذه المرأة منك؟ فقال: أختي؛ فهم الملك بها، فأيبس الله يديه ورجليه، فقال لإبراهيم: هذا عملك فادع الله لي؛ فوالله لا أسوءك فيها.          
فدعا الله فأطلق يديه ورجليه، وأعطاهما غنما وبقرا.          
وقال: ما ينبغي لهذه أن تخدم نفسها، فوهب لها هاجر (2).
وأما إسماعيل فرأيت أيضا عدة من الكتب المؤلفة في مصر، ولم أقف في شيء من الأحاديث والآثار على ما يشهد لذلك، وأنا أستبعد صحته، فإنه منذ أقدمه أبوه إلى مكة وهو رضيع مع أمه، لم ينقل أنه خرج منها، ولم يدخل أبوه مصر إلا قبل أن يملك أمه.

_________
(1) في ابن عبد الحكم: "وكان حسن سارة حسن حواء".
(2) فتوح مصر 10.
_________

وأما يعقوب ويوسف وإخوته فدخولهم مصر منصوص عليه في القرآن.
وكذا موسى وهارون وقد ولدا بها.
وأما لوط فيمكن دخلوه مع إبراهيم؛ ولكن لم أر التصريح به في حديث ولا أثر.
وأما يوشع فهو ابن نون بن أفرائيم بن يوسف.          
ولد بمصر، وخرج مع موسى إلى البحر لما سار ببني إسرائيل، ورد في أثر عن ابن عباس.
وأما أرميا فتقدم دخوله في قصة بخت نصر.
وأما عيسى فتقدم في قوله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} (1) إنها مصر على قول جماعة، ورأيت في بعض الكتب أن عيسى ولد بمصر بقرية أهناس، وبها النخلة التي في قوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} (2)، وأنه نشأ بمصر، ثم سار على سفح المقطم ماشيا، وهذا كله غريب لا صحة له، بل الآثار دلت على أنه ولد ببيت المقدس، ونشأ به، ثم دخل مصر.
وأما دانيال، فلم أقف فيه على أثر إلى الآن، وعده ابن زولاق فيمن ولد بمصر.
والخلاف في نبوة إخوة يوسف شهير، ولي في ذلك تأليف مستقل؛ وهم مدفونون بمصر بلا خلاف؛ وهذه أسماؤهم لتستفاد!
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن السدي، قال: بنو يعقوب: يوسف، وبنيامين، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوى، ودان، وقهاث، وكودى، وبانيون.          
هكذا سمى عشرة وبقي اثنان.

_________
(1) سورة المؤمنون: 50.
(2) سورة مريم: 25.
_________

وتقدم عن ابن عباس أن العجوز التي دلت موسى على قبر يوسف ابنة أشي بن يعقوب؛ فهذا أحدهما، والآخر بقيا.
وبقي من الأنبياء الذين دخلوا مصر، يوسف المذكور في سورة غافر، على أحد القولين أنه غير يوسف بن يعقوب، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (1) قال جماعة: هو يوسف بن إفراييم بن يوسف بن يعقوب؛
لأن يوسف بن يعقوب لم يدرك زمن فرعون موسى حتى يبعثه الله تعالى؛ فإن صح هذا القول فهو نبي رسول، ولد بمصر ومات بها.          
ولا نظير له في ذلك.
ومن الأنبياء الذين دخلوا مصر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، وسيأتي في بناء الإسكندرية ما يدل على ذلك.
ورأيت حديثا يدل على أن أيوب عليه السلام دخلها، أخرج ابن عساكر في تاريخه عن عقبة بن عامر مرفوعا، قال: قال الله لأيوب: أتدري لم ابتليتك؟ قال: لا يارب، قال: لأنك دخلت على فرعون، فداهنت عنده بكلمتين؛ يؤيد ذلك أن زوجته بنت ابن يوسف؛ أخرج ابن عساكر، عن وهب بن منبه قال: زوجة أيوب رحمة بنت منشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.
ثم رأيت أثرا صريحا في دخول أيوب وشعيب عليهما الصلاة والسلام مصر؛ أخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني، قال: أجدب الشام، فكتب فرعون إلى أيوب: أن هلم إلينا، فإن لك عندنا سعة، فأقبل بخيله وماشيته وبنيه، فأقطعهم؛

_________
(1) سورة غافر: 34.
_________

فدخل شعيب على فرعون، فقال: يا فرعون، أما تخاف أن يغضب الله غضبه، فيغضب لغضبه أهل السماوات والأرض والجبال والبحار! فسكت أيوب، فلما خرجا من عنده أوحى الله تعالى إلى أيوب: أو سَكَتَّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه! استعد للبلاء.
وعد بعضهم ممن دخلها من الأنبياء لقمان؛ وفي مرآة الزمان حكاية قول إنه من سودان مصر، وفي نبوته خلاف، والقول بأنه نبي قول عكرمة وليث.
وعد الكندي وغيره فيمن دخلها من الصديقين الخضر وذا القرنين.
وقد قيل بنبوتهما.
والقول بنبوة الخضر حكاه أبو حيان في تفسيره عن الجمهور، وجزم به الثعلبي، وروي عن ابن عباس.

وذهب إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحاق أنه نبي مرسل؛ ونصر هذا القول أبو الحسن بن الرماني، ثم ابن الجوزي.
والقول بنبوة ذي القرنين أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص.          
ودخول ذي القرنين مصر، ورد في حديث مرفوع سيأتي في بناء الإسكندرية.
ودخول الخضر غير بعيد؛ فإنه كان في عسكر ذي القرنين، بل أحد الأقوال في الخضر أنه ابن فرعون لصلبه، حكاه الكندي وجماعة، آخرهم الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة (1) ؛ فعلى هذا يكون مولده بمصر.
وقال ابن عبد الحكم: حدثني شيخ من أهل مصر، قال: كان ذو القرنين من

_________
(1) الإصابة: 1: 428، ونقله عن النقاش.
_________

أهل لوبية، كورة من كور مصر الغربية.
قال ابن لهيعة: وأهلها روم (1).
وأخرج ابن عبد الحكم أيضا عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني من يسوق الحديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه، أن ذا القرنين رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام (2).
وذكر صاحب مرآة الزمان (3): أن ذا القرنين مات بأرض بابل، وجعل في تابوت وطلي بالصبر والكافور، وحمل إلى الإسكندرية، فخرجت أمه في نساء الإسكندرية حتى وقفت على تابوته، وأمرت به فدفن.          
وقيل: إنه عاش ألف سنة، وقيل: ألفا وستمائة سنة، وقيل: ثلاثة آلاف سنة.
وقد قيل بنبوة نسوة دخلن مصر: مريم، وسارة زوج الخليل، وآسية امرأة فرعون، وأم موسى.
وحكى ذلك الشيخ تقي الدين السبكي (4) في فتاويه المعروفة بالحلبيات؛ قال: ويشهد لذلك في مريم ذكرها في سورة الأنبياء مع الأنبياء، وهو قرينة.          
وأم موسى اسمها يوكابد.

_________
(1) فتوح مصر 38؛ وذكر بعده: "ويقال: بل هو رجل من حمير، قال تبع:
قد كن ذو القرنين جدي مسلما...          ملكًا تدين له الملوك وتحشد
بلغ المغارب والمشارق يبتغي...          أسباب علم من حكيم مرشد
قرأى مغيب الشمس عند غروبها...          في عين ذي خلب وثأط حرمد
(2) فتوح مصر 37.
(3) هو يوسف بن قزأ علي بن عبد الله، سبط أبي الفرج بن الجوزي، مؤرخ واعظ، وكتابه مرآة الزمان كسره على تاريخ الأعيان: توفي سنة 754، الأعلام 9: 324.
(4) هو علي بن عبد الكافي بن علي الخزرجي، المعروف بتقي الدين السبكي، شيخ الإسلام في عصره، والد التاج السبكي صاحب الطبقات.          
توفي سنة 756.          
الأعلام 6: 116.
_________

وقد تقدم أن شيث بن آدم نزل مصر وهو نبي، وأن نوحا طافت به سفينته بأرض مصر.
فتمت عدة من دخل مصر باتفاق واختلاف اثنين وثلاثين نبيا غير النسوة الأربع.          
وقد نظمت ذلك في أبيات فقلت:
قد حل مصر على ما قد رووا زمر...          من النبيين زادوا مصر تأنيسا
فهاك يوسف والأسباط مع أبه...          وحافدا وخليل الله إدريسا
لوطا وأيوب ذا القرنين خضر سليمـ...          ـان أرميا يوشعا هارون مع موسى
وأمه سارة لقمان آسية...          ودانيال شعيبا مريما عيسى
شيثا ونوحا وإسماعيل قد ذكروا...          لا زال من ذكرهم ذا المصر مأنوسا

قال أبو نعيم (1) في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن هارون، حدثنا روح، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: اجتمع وهب بن منبه وجماعة، فقال وهب: أي أمر الله أسرع؟ قال بعضهم: عرش بلقيس حين أُتِيَ به سليمان، قال وهب: أسرع أمر الله أن يونس بن متى كان على حرف السفينة، فبعث الله إليه حوتا من نيل مصر؛ فما كان أقرب من أن صار من حرفها في جوفه.
وقال صاحب مرآة الزمان: وأما موسى بن يوسف، فنبي آخر، قبل: موسى بن عمران.          
ويزعم أهل التوراة أنه صاحب الخضر.
قلت: والقصة في صحيح البخاري.

_________
(1) هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو نعيم الحافظ المؤرخ، صاحب كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء؛ توفي سنة 430هـ.          
الأعلام 1: 15.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 3:52 pm


ذكر من كان بمصر من الصديقين كماشطة ابنة فرعون وابنها ومؤمن آل فرعون:
أخرج الحاكم في المستدرك، وصححه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لم يتكلم في المهد إلا عيسى، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة ابنة فرعون".
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لما كانت ليلة أسري بي، أتيت على رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قلت: وما شأنها؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم؛ إذ سقط المدرى من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أولك رب غير أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله.          
قالت: أخبره بذا؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعاها، فقال: يا فلانة، أو أن لك ربا غيري! قالت: نعم ربي وربك الله، فدعا ببقرة من نحاس، ثم أحميت، ثم أمر أن تلقى فيها هي وأولادها، فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، فتقاعست من أجله، قال: يا أماه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت".
قال ابن عباس: تكلم في المهد أربع صغار: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} (1).          
قال: لم يكن من أهل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وهو المؤمن الذي أنذر موسى الذي قال: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} (2).

_________
(1) سورة غافر: 51.
(2) سورة القصص: 20.
_________

ذكر السحرة الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام:
قال الكندي: أجمعت الرواة على أنه لا يعلم جماعة أسلموا في ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط، وهم السحرة الذين آمنوا بموسى.
وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن تبيعا كان يقول: ما آمن جماعة قط في ساعة واحدة مثل جماعة القبط.
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن هبيرة السبئي وبكر بن عمرو الخولاني ويزيد بن أبي حبيب، قال: كان السحرة اثني عشرة ساحرا رؤساء، تحت يد كل ساحر منهم عشرون عريفا، تحت كل عريف منهم ألف من السحرة؛ فكان جميع السحرة مائتي ألف وأربعين ألفا ومائتين واثنين وخمسين إنسانا، بالرؤساء والعرفاء، فلما عاينوا ما عاينوا، أيقنوا أن ذلك من السماء، وأن السحر لا يقاوم لأمر الله، فخر الرؤساء الاثنا عشر عند ذلك سجدا فاتبعهم العرفاء، واتبع العرفاء من بقي، وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (1).
وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن تبيعا قال: كان السحرة من أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام، ولم يفتتن منهم أحد مع من افتتن من بني إسرائيل في عبادة العجل.
وقال ابن عبد الحكم: حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن تبيع، قال: استأذن جماعة من الذين كانوا آمنوا من سحرة موسى في الرجوع إلى أهلهم ومالهم بمصر، فأذن لهم، ودعا لهم، فترهبوا في رءوس الجبال، فكانوا أول من ترهب.          
وكان يقال لهم الشيعة، وبقيت طائفة منهم مع موسى حتى توفاه الله، ثم انقطعت الرهبانية بعدهم؛ حتى ابتدعها بعدهم أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام (2).

_________
(1) سورة الأعراف: 121، 122.
(2) فتوح مصر 44.
_________

ذكر من كان بمصر من الحكماء في الدهر الأول:
قال الكندي وابن زولاق: كان بمصر هرمس، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام؛ وهو المثلث لأنه بني، وملك، وحكيم.          
وهو الذي صير الرصاص ذهبا بصاصا.
وكان بها أغاثوذيمون، وفيثاغورس، تلاميذ هرمس، ولهم من العلوم صنعة الكيمياء والنجوم والسحر وعالم الروحانيات والطلسمات والبرابي وأسرار الطبيعة.
وإوسلاوس وسيزاورس وبندقليس أصحاب الكهانة والزجر.
وسقراط صاحب الكلام على الحكمة.
وأفلاطون صاحب السياسة والنواميس والكلام على المدن والملوك.
وأرسطوطاليس صاحب المنطق.
وبطليموس صاحب الرصد والحساب والمجسطى في تركيب الأفلاك وتسطيح الكرة.
وأراطس صاحب البيضة ذات الثمانية والأربعين صورة في تشكيل صورة الفلك.
وإفليسطهوس صاحب الفلاحة.
وإبرجس صاحب الرصد والآلة المعروفة بذات الحلق.
وثاؤن صاحب الزيج.
ودامانيوس ورابس وإصطقر أصحاب كتب أحكام النجوم.
وإيزل، وأندريه، وله الهندسة والمقادير، وكتاب جر الثقيل والبنكامات والآلات لقياس الساعات.
وفليون، وله عمل الدواليب والأرحية والحركات بالحيل اللطيفة.
وأرشميدس صاحب المرايا المحرقة والمنجنيقات التي يُرمى بها الحصون.
ومارية وقلبطرة وهم أصحاب الطلسمات والخواص.
وإبلوسيكوس، وله كتاب المخروطات قطع الخطوط.
وتابوشيش، وله كتاب الأكر.
وقيطس وله كتاب الحشائش.
وأفتوقس وله كتاب الأكرة والأسطوانة.
ودخلها جالينوس، ودينبقورايدش صاحب الحشائش وأساسيوس، وترهونوس ووقس، وهم من حكماء اليونان.
هذا ما ذكره الكندي وابن زولاق.
قلت: قال الشهرستاني (1) في الملل والنحل:
قيل: أول من شهر بالفلسفة ونسبت إليه الحكمة فلوطرخيس، تفلسف بمصر، ثم سار إلى ملطية فأقام بها (2).
وذكر في فيثاغورس أنه ابن منسارخس، وأنه كان في زمن موسى (3) عليه الصلاة والسلام، وأنه أخذ الحكم من معدن النبوة (4).
وذكر في سقراط أنه ابن سفرنيسقوس، وأنه اقتبس الحكمة من فيثاغورس.          
وأرسلاوس، وأنه اشتغل بالزهد والرياضة وتهذيب الأخلاق، وأعرض عن ملاذ الدنيا، واعتزل إلى الجبل (5)، ونهى الرؤساء الذين كانوا في زمنه عن الشرك وعبادة الأوثان،

_________
(1) هو محمد بن عبد الكريم "الشهرستاني، المتوفى سنة 548، طبع مرارًا.
(2) الملل والنحل 2: 103، وذكر بعدها أنه "قد يعد من الأساطين".
(3) في الملل والنحل: "في زمن سليمان النبي بن داود عليه السلام".
(4) الملل والنحل 2: 78.
(5) بعدها في الملل والنحل: "وأقام في غاربه"، وغارب الجبل: أعلاه.
_________

فثوروا عليه الغاغة، وألجئوا ملكهم إلى قتله، فحبسه ثم سقاه السم (1).
وذكر في أفلاطون أنه ابن أرسطن بن أرسطوقليس، وأنه آخر المتقدمين الأوائل الأساطين؛ معروف بالتوحيد والحكمة، ولد في زمان أزدشير بن دارا، وأخذ عن سقراط وجلس على كرسيه بعد موته (2).
وذكر أرسطا ليس أنه ابن نيقوماخوس، وأنه أخذ عن أفلاطون (3).
وقال ابن فضل الله (4) في المسالك: الهرامسة ثلاثة: هرمس المثلث، ويقال له إدريس عليه الصلاة والسلام؛ كان نبيا، وحكيما، وملكا.          
وهرمس لقب، كما يقال كسرى وقيصر.          
قال أبو معشر: هو أول من تكلم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية، وأول من بنى الهياكل، ومجد الله فيها، وأول من نظر في الطب وتكلم فيه، وأنذر بالطوفان؛ وكان يسكن صعيد مصر، فبنى هناك الأهرام والبرابي، وصور فيها جميع الصناعات، وأشار إلى صفات العلوم لمن بعده حرصا منه على تخليد العلوم بعده، وخيفة أن يذهب رسم ذلك من العالم، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، ورفعه إليه مكانًا عليًّا.
وأما هرمس الثاني فإنه من أهل بابل.
وأما هرمس الثالث، فإنه سكن مدينة مصر؛ وكان بعد الطوفان.        
 
_________
(1) الملل والنحل 2: 89.
(2) الملل والنحل 2: 94.
(3) الملل والنحل 2: 138.
(4) مسالك الأبصار في عجائب الأمصار؛ لأحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري، المتوفى سنة 749؛ قال ابن شاكر: كتاب حافل ما أعلم أن لأحد مثله، طبع الجزء الأول منه بمطبعة دار الكتب المصرية.
_________

قال ابن أبي أصيبعة: وهو صاحب كتاب الحيوان ذوات السموم، وكان طبيبا فيلسوفا، وله كلام حسن في صنعة الكيمياء.
وقال عن صاعدين بن أحمد في بندقليس: إنه كان في زمن داود، أخذ الحكمة عن لقمان بالشام وفي فيثاغورس إنه أخذ الحكمة عن سليمان عليه الصلاة والسلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام، وأخذ الهندسة عن المصريين، ثم رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة، واستخرج علم الألحان وتوقيع النغم.          
وفي أفلاطون إنه لما مات دخل مصر للقاء أصحاب فيثاغورس.

ذكر قتل عوج بمصر:
قال ابن عبد الحكم: يقال إن موسى عليه الصلاة والسلام قتل عوجا بمصر؛ حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير بن (1) معاوية، حدثنا أبو إسحاق عن نوف (2)، قال: كان طول سرير عوج الذي قتله موسى ثمانمائة ذراع، وعرضه أربعمائة ذراع، وكانت عصا موسى عليه السلام عشرة أذرع، ووثبته حين وثب إليه عشرة أذرع؛ وطول موسى كذا وكذا، فضربه فاصاب كعبه، فخر على نيل مصر، فجسره (3) للناس يمشون (4) على صلبه وأضلاعه (5).
وقال صاحب مرآة الزمان: حكى جدى عن ابن إسحاق، أن عوج بن عنق عاش ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة، ولم يعش أحد هذا العمر.
وقال ابن جرير: عاش ألف سنة.
وقيل: إنه ولد في عهد آدم وسلم من الطوفان.
وقال الثعلبي: لما وقع على نيل مصر جسرهم سنة.

_________
(1) في الأصول: "عن" وصوابه من فتوح مصر.
(2) في الأصول: "نوق"، وفي فتوح مصر: قال زهير: أراه عن نوق.
(3) جسره؛ أي جعله جسرًا عليه.
(4) فتوح مصر: "يمرون على صلبه وأضلاعه".
(5) فتوح مصر 26.
_________

ذكر عجائب مصر القديمة:
قال الجاحظ وغيره: عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة: عشرة منها بسائر البلاد، وهي مسجد دمشق، وكنيسة الرها، وقنطرة سنجة، وقصر غمدان، وكنيسة رومية، وصنم الزيتون، وإيوان كسرى بالمدائن، وبيت الريح بتدمر، والخورنق بالحيرة، والثلاثة أحجار ببعلبك.          
والعشرون الباقية بمصر، وهي:
1- الهرمان؛ وهما أطول بناء وأعجبه، ليس على الأرض بناء أطول منهما، وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان؛ ولذلك قال بعض من رآهما: ليس شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمان، فأنا أرحم الدهر منهما.
2- وصنم الهرمين وهو بهلويه، ويقال بلهنيت، وتسمية العامة أبو الهول.          
ويقال: إنه طلسم للرمل لئلا يغلب على الجيزة.
3- وبربى سمنود (1)، قال الكندي: رأيته وقد خزن فيه بعض العمال قرطا، فرأيت الجمل إذا دنا منه بحمله وأراد أن يدخله سقط كل ودبيب (2) من القرط، ولم يدخل منه شيء إلى البربى، ثم خرب عند الخمسين وثلاثمائة.
4- وبربى إخيم؛ كان فيه صور الملوك الذين ملكوا مصر؛ قال صاحب مباهج الفكر: وهي مبنية بحجر المرمر، طول كل حجر خمسة أذرع في سمك ذراعين، وهي سبعة دهاليز.          
ويقال إن: كل دهليز على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وجدرانها منقوشة بعلوم الكيمياء والسيمياء والطلسمات والطب؛ ويقال: إنه كان بها جميع ما يحدث

_________
(1) ح، ط: "سمهود"، والصواب ما أثبته من الأصل.
(2) القرط: علف الدواب، وفي المقريزي 1: 48، ومعجم البلدان 5: 133: "دبيب".
_________

في الزمان؛ حتى ظهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان مصورا فيها راكبا على ناقة.
5- وبربى دندرة، كان فيها مائة وثمانون كوة، تدخل الشمس كل يوم من كوة منها ثم الثانية، ثم الثالثة؛ حتى تنتهي إلى آخرها؛ ثم تكر راجعة إلى موضع بدأت.
6- وحائط العجوز؛ من العريش إلى أسوان، محيط بأرض مصر شرقا وغربا.          
وقد مر ذكره.
7- والفيوم، وهي مدينة دبرها يوسف عليه الصلاة والسلام بالوحي، وكانت ثلاثمائة وستين قرية، تمير كل قرية منها مصر يوما، كانت تروى من اثني عشر ذراعا؛ وليس في الدنيا بلد بني بالوحي غيرها.          
قاله الكندي.
8- ومنف، وما فيها من الأبنية والدفائن والكنوز وآثار الملوك والأنبياء والحكماء، وكان فيها البربى الذي لا نظير له، الذي بنته الساحرة لدلوكه، وقد تقدم ذكره.
9- وجبل الكهف.
10- وجبل الطيلمون.
11- وجبل زماخير الساحرة (1)، فيه حلقة ظاهرة مشرفة على النيل، لا يصل إليها أحد، يلوح فيه خط مخلوق: "باسمك اللهم".
12- وجبل الطير بصعيد مصر الأدنى، مطل على النيل، مقابل منية بني خصيب، قال السكردان: فيه أعجوبة لم ير مثلها في سائر الأقاليم؛ وهي باقية إلى يومنا هذا؛

_________
(1) المقريزي 1: 49، صبح الأعشى 3: 285.
_________

وذلك أنه إذا كان آخر فصل الربيع قدم إليه طيور كثيرة بلق، سود الأعانق، مطوقات الحواصل، سود أطراف الأجنحة، في صياحها بحاحة، يقال لها طير البح، لها صياح عظيم يسد الأفق، فتقصد مكانا في ذلك الجبل، فينفرد منها طائر واحد فيضرب بمنقاره في مكان مخصوص في شعب الجبل عال، لا يمكن الوصول إليه، فإن علق تفرق الطيور عنه، وإن لم يعلق تقدم غيره وضرب بمنقاره في ذلك الموضع، وهكذا واحد بعد واحد إلى أن يعلق واحد منهم بمنقاره، فتفرق عنه الطيور حينئذ، وتذهب إلى حيث جاءت، فلا يزال معلقا إلى أن يموت، فيضمحل في العام القابل فيسقط، فتأتي الطيور على عادتها في السنة القابلة، فتعمل العمل المذكور.          
قال صاحب السكردان: وقد أخبرني بهذا غير واحد من المصريين ممن شاهد ذلك.          
وهو مشهور معروف إلى يومنا هذا (1).
قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان أهل الصعيد أنه إذا كان العام مخصبا قبض على طائرين، وإن كان متوسطا قبض على واحد، وإن كان جدبا لم يقبض على شيء.
قال السكردان: وحكى بعضهم أنه رأى في بعض السنين طيرا تعلق بمنقاره، وتفرقت عنه الطيور، ثم اضطرب اضطرابا شديدا، وأطلق نفسه، والتحق بالطيور، فدارت عليه، وجعلت تنقره بمناقيرها إلى أن عاد، وتعلق بمنقاره في ذلك الموضع (2).
13- وعين شمس؛ وهي هيكل الشمس.          
قال صاحب مباهج الفكر: وقد خربت، وبقي منها عمودان من حجر صلد، فكان طول كل عمود منهما أربعا وثمانين ذراعا، على رأس كل عمود منهما صورة إنسان على دابة، وعلى رأسهما شبه الصومعة من نحاس، فإذا جرى النيل قطر من رأس كل واحد منهما ماء، لا يجاوز نصف

_________
(1) السكردان 27.
(2) السكردان 28.
_________

العمود، والموضع الذي يصل إليه الماء لا يزال أخضر رطبا.          
قال: وقد وقع العمودان في عصرنا بعد الخمسين وستمائة، ونشرت حجارتهما، وفرشت بها الدور.
14- وصنم من نحاس كان على باب القصر الكبير عند الكنيسة المعلقة على خلقة الجمل، وعليه رجل راكب، عليه عمامة، متنكب قوسا وفي رجليه نعلان؛ كانت الروم والقبط وغيرهم إذا تظالموا بينهم، واعتدى بعضهم على بعض جاءوا إليه، فيقول المظلوم للظالم: أنصفني قبل أن يخرج هذا الراكب الجمل، فيأخذ الحق لي منك -يعنون بالراكب الجمل محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قدم عمرو بن العاص غيب الروم ذلك الجمل لئلا يكون شاهدا عليهم.
15- والنيل، وسيأتي خبره مبسوطا.
16- وحوض كان مدورا من حجر يركب فيه الواحد والأربعة، ويحركون الماء بشيء فيعدون في البحر من جانب إلى جانب لا يعلم من عمله، فأحضره كافور الإخشيدي إلى مصر، فنظر إليه، ثم أُخرج من الماء، وأُلقي في البر وكان في أسفله كتابة لا يُدرى ما هي، ثم أعيد إلى البحر فغرق وبطل فعله.
17- والإسكندرية؛ فإنها مدينة على مدينة ثلاث طبقات، وليس على وجه الأرض مدينة على مدينة على مدينة، على هذه الصفة سواها، ويقال: إنها إرم ذات العماد، سميت بذلك لأن عمدها ورخامها من الديجنا والأصطفيدس المخطط طولا وعرضا.
والمنارة التي بها، وسيأتي ذكرها.
18- ومنارة بناحية أبيط من بلاد البهنسا، محكمة البناء، إذا هزها الإنسان مالت يمينا وشمالا، لا يرى ميلها ظاهرا، وفيء ظلها في الشمس.
19- والملعب الذي كان بالإسكندرية يجتمعون فيه، فلا يرى أحد منهم يلقى وجه الآخر إن عمل أحدهم شيئا، أو تكلم، أو قرأ كتابا، أو لعب لونا من الألوان، سمعه الباقون، ونظر القريب والبعيد فيه سواء، وكانوا يترامون فيه بالأكرة، فمن دخلت كمه ولي مصر... قال صاحب مباهج الفكر: وقد بقيت منه بقايا عمد قد تكسرت، غير عمود منها يسمى عمود السواري، في غاية الغلظ والطول من حجر الصوان الأحمر.
20- والمسلتان، وهما شخصان من صوان، طول أحدهما ثلاثمائة وثمانون ذراعا، وهما مسلتا فرعون للشمس، منصوبتان، فإذا حلت الشمس أول درجة من الجدي -وهو أقصر يوم في السنة- انتهت إلى المسلة الجنوبية، وطلعت على قمة رأسها، ثم إذا حلت أول درجة من السرطان -وهو أطول يوم في السنة- انتهت إلى المسلة الشمالية، وطلعت على رأسها؛ وهي منتهى المسلتين، وخط الاستواء في الوسط بينهما، ثم تتردد بينهما ذاهبة وجائية سائر السنة.
فهذه عشرون أعجوبة (1).
ويقال: إنه ليس من بلد فيه شيء غريب إلا وفي مصر شبهه أو مثله، ثم تفضُل مصر على البلدان بعجائبها التي ليست في بلد سواها.
_________
(1) ذكر المقريزي هذه العجائب في الخطط 1: 48-63، مع اختلاف في تفصيلها.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:23 pm

ذكر الأهرام:

قال ابن عبد الحكم: في زمان شداد بن عاد، بنيت الأهرام كما ذكر عن بعض المحدثين.          

قال: ولم أجد عند أحد من أهل المعرفة من أهل مصر في الأهرام خبرا يثبت، وفي ذلك يقول الشاعر:

حسرت عقول أولي النهى الأهرام...          واستصغرت لعظيمها الأحلام (1)

ملس منبقة (2) البناء شواهق...          قصرت لعال دونهن سهام

لم أدر حين كبا التفكر دونها...          واستوهمت لعجيبها الأوهام (3)

أقبور أملاك الأعاجم هن أم...          طلسم رمل كن أم أعلام؟

قال: ولا أحسب إلا أنها بنيت قبل الطوفان لأنها لو بنيت بعد الطوفان لكان علمها عند الناس (4).

قال جماعة من أهل التاريخ: الذي بنى الأهرام سوريد بن سلهوق بن شرياق ملك مصر؛ وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة؛ وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هاربون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة، فأغمه ذلك وكتمه، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض، وكأنها تخطف الناس وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة؛ فانتبه مذعورا، فجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر -وكانوا مائة وثلاثين كاهنا

_________

(1) فتوح مصر 1 من نسخة بحاشية الأصل: "الأجرام".

(2) ياقوت: "يعجيبها".

(3) في الأصول: "صلاصم رجل"، والصواب ما أثبته من فتوح مصر.

(4) فتوح مصر 42، معجم البلدان 7: 457.

_________

وكبيرهم يقال له أفليمون- فقص عليهم، فأخذوا في ارتفاع الكواكب، وبالغوا في استقصاء ذلك، فأخبروا بأمر الطوفان.          

قال: أويلحق بلادنا؟ قالوا: نعم، وتخرب وتبقى عدة سنين.          

فأمر عند ذلك ببناء الأهرام، وأمر بأن يعمل لها مسارب يدخل منها النيل إلى مكان بعينه، ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب وأرض الصعيد، وملأها طلسمات

وعجائب وأموالا وخزائن وغير ذلك، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء، وجميع العلوم الغامضة وأسماء العقاقير ومنافعها ومضادها وعلم الطلسمات والحساب والهندسة والطب، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم.          

ولما أمر ببنائها قطعوا الأسطوانات العظام والبلاطات الهائلة، وأحضروا الصخور من ناحية أسوان، فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة، وشدها بالرصاص والحديد والصفر، وجعل أبوابها تحت الأرض بأربعين ذراعا، وجعل ارتفاع كل واحد مائتي ذراع بالملكي، وهي خمسمائة ذراع بذارعنا الآن، وجعل ضلع كل واحد من جميع جهاته مائة ذراع بالملكي أيضا.

وكان ابتداء بنائها في طالع سعيد؛ فلما فرغ منها كساها ديباجا ملونا من فوق إلى أسفل، وجعل لها عيدا حضره أهل مملكته كلها، ثم عمل في الهرم الغربي ثلاثين مخزنا مملوءة بالأموال الجمة، والآلات، والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة، وآلات الحديد الفاخر، والسلاح الذي ما يصدأ، والزجاج الذي لا ينطوي ولا ينكسر، والطلسمات الغريبة، وأصناف العقاقير المفردة والمؤلفة، والسموم القاتلة، وغير ذلك.          

وعمل في الهرم الشرقي أصناف القباب الفلكية والكواكب، وما عمل أجداده من التماثيل والدخن التي يتقرب بها إليها ومصافحها، وجعل في الهرم الملون أخبار الكهنة في توابيت من صوان أسود، مع كل كاهن مصفحة.          

وفيها عجائب صنعته وحكمته وسيرته، وما عمل في وقته وما كان وما يكون من أول الزمان إلى آخره، وجعل لكل هرم خازنا، فخازن الهرم الغربي من حجر صوان واقف، ومعه شبه الحربة، وعلى رأسه حية مطوقة، من قرب منه وثبت إليه من ناحية قصده، وطوقت على عنقه فتقتله، ثم تعود إلى مكانها.          

وجعل خازن الهرم الشرقي صنمًا من جزع أسود، وله عينان مفتوحتان براقتان، وهو جالس على كرسي، ومعه شبه حربة إذا نظر إليه ناظر سمع من جهته صوتًا يفزع قلبه، فيخر على وجهه، ولا يبرح حتى يموت، وجعل خازن الهرم الملون صنمًا من حجر البهت (1) على قاعدة، من نظر إليه اجتذبه الصنم حتى يلتصق به، ولا يفارقه حتى يموت.

وذكر القبط في كتبهم أن عليها كتابة منقوشة وتفسيرها بالعربية: "أنا سوريد الملك، بنيت الأهرام في وقت كذا وكذا، وأتممت بناءها في ست سنين، فمن أتى بعدي، وزعم أنه مثلي فليهدمها في ستمائة سنة، وقد علم أن الهدم أيسر من البناء، وإني كسوتها عند فراغها بالدبياج، فليكسها بالحصر".

ولما دخل الخليفة المأمون مصر، ورأى الأهرام، أحب أن يعلم ما فيها، فأراد فتحها، فقيل له: إنك لا تقدر على ذلك، فقال: لا بد من فتح شيء منها، ففتحت له الثلمة المفتوحة الآن بنار توقد وخل يرش وحدادين يحدون الحديد ويحمونه، ومناجيق يرمى بها.          

وأنفق عليها مالًا عظيمًا حتى انفتحت، فوجد عرض الحائط عشرين ذراعًا؛ فلما انتهوا إلى آخر الحائط، وجدوا خلف النقب مطمرة من زبرجد أخضر، فيها ألف دينار، وزن كل دينار أوقية من أواقينا؛ فتعجبوا من ذلك، ولم يعرفوا معناه.          

فقال المأمون: ارفعوا إليَّ حساب ما أنفقتم على فتحها، فرفعوه؛ فإذا هو قدر الذي وجدوه، لا يزيد ولا ينقص، ووجدوا داخله بئر مربعة، في تربيعها أربعة أبواب، يُفضي كل باب منها إلى بيت فيه أموات بأكفانهم، ووجدوا في رأس الهرم بيتًا فيه حوض من الصخر، وفيه صنم كالآدمي من الدهنج (2)، وفي وسطه إنسان عليه

_________

(1) البهت: نوع من الأحجار.

(2) الدهنج: جوهر كالزمرد.

_________

درع من ذهب مرصع بالجواهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة، ضوءه كضوء النهار، عليه كتابة بقلم الطير، لا يعلم أحد في الدنيا ما هي.          

ولما فتحه المأمون، أقام الناس سنين يدخلونه وينزلون من الزلاقة التي فيه، فمنهم من يسلم، ومنهم من يموت.

وقال صاحب المرآة: من عجائب مصر الهرمان، سمك كل واحد خمسمائة ذراع في ارتفاع مثلها، كلما ارتفع البناء دق رأسهما حتى يصير مصل مفرش حصير، وهما من المرمر، وعليهما جميع الأقلام السبعة: اليونانية، والعبرانية، والسريانية، والسندية، والحميرية، والرومية، والفارسية.          

قال: وحكى جدي عن ابن المناوي، أنه قال: حسبوا خراج الدنيا مرارًا فلم يف بهدمها.

قال صاحب المرآة: هذا وهم؛ فإن صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر بأن يؤخذ منها حجارة يُبنى بها قنطرة وجسرًا، فهدموا منها شيئًا كثيرًا.

قال: وحكى لي من دخل الهرم المفتوح، أنه وجد فيه قبرًا، وأن فيه مهالك، وربما خرج الإنسان في سراديب إلى الفيوم.          

قال: والظاهر أنها قبور ملوك الأوائل، وعليها أسماؤهم وأسرار الفلك والسحر وغير ذلك.          

قال: واختلفوا فيمن بنى الأهرام، فقيل: يوسف، وقيل: نمرود، وقيل: دلوكة الملكة، وقيل: بناها القبط قبل الطوفان، وكانوا يرون أنها مأمن، فنقلوا أموالهم وذخائرهم إليها، فما أغنى عنهم شيئًا.

وحكى بعض شيوخ مصر أن بعض من يعرف لسان اليونان، حل بعض الأقلام التي عليها، فإذا هي: "بنى هذا الهرمان، والنسر الواقع في السرطان".          

قال: ومن ذلك الوقت إلى زمان نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة وثلاثون ألف سنة.          

وقيل: اثنان وسبعون ألفًا، وقيل: إن القلم الذي عليها تاريخه قبل بناء مصر بأربعة آلاف سنة ولا يعرفه أحد.

قال: ولما ملك أحمد بن طولون مصر، حفر على أبواب الأهرام فوجدوا في الحفر قطعة مرجان مكتوبًا عليها سطورًا باليوناني، فأحضر من يعرف ذلك القلم، فإذا هي أبيات شعر، فترجمت فكان فيها:

أنا من بنى الأهرام في مصر كلها...          ومالكها قدمًا بها والمقدم

تركت بها آثار علمي وحكمتي...          على الدهر لا تبلى ولا تتثلم

وفيها كنوز جمة وعجائب...          والدهر لين مرة وتهجم

وفيها علومي كلها غير أنني...          أرى قبل هذا أن أموت فتعلم

ستفتح أقفالي، وتبدو عجائبي...          وفي ليلةٍ في آخر الدهر تنجم

ثمان وتسع واثنتان وأربع...          وسبعون من بعد المئين فتسلم

ومن بعد هذا جزء تسعين برهةً...          وتلقى البرابي صخرها وتهدم

تدبر فعالي في صخور قطعتها...          ستبقى، وأفنى قبلها ثم تُعدم

فجمع أحمد بن طولون الحكماء، وأمرهم بحساب هذه المدة، فلم يقدروا على تحقيق ذلك، فيئس من فتحها.

قال صاحب مباهج الفكر: ومن المباني التي يبلى الزمان ولا تبلى، وتدرس معالمه وأخبارها لا تدرس ولا تبلى، الأهرام التي بأعمال مصر، وهي أهرام كثيرة، أعظمها الهرمان اللذان بجيزة مصر، ويقال: إن بانيها سوريد بن سهلوق بن شرياق، "بناهما" (1) قبل الطوفان لرؤيا رآها، فقصها على الكهنة، فنظروا فيما تدل عليه الكواكب النيرة من أحداث تحدث في العالم، وأقاموا مراكزها في وقت المسيلة فدلت على أنها

_________

(1) ساقطة من الأصل، وهي في ح، ط.

_________

نازلة من السماء، تحيط بوجه الأرض، فأمر حينئذ ببناء البرابي والأهرام العظام، وصور فيها صور الكواكب ودرجها وما لها من الأعمال وأسرار الطبائع، والنواميس وعمل الصنعة.          

ويقال: إن هرمس المثلث الموصوف بالحكمة -وهو الذي تسميه العبرانيون أخنوخ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام- استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يوجد، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يخاف عليه من الذهاب والدثور، كل هرم منها مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعًا، يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع؛ كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعًا، ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستة أذرع في مثلها.

ويقال إنه كان عليه حجر شبه المكبة، فرمته الرياح العواصف وهو مع هذا العظم؛ من إحكام الصنعة؛ وإتقان الهندسة، وحسن التقدير؛ بحيث إنه لم يتأثر الآن بعصف الرياح، وهطل السحاب، وزعزعة الزلازل؛ وهذا البناء ليس بين حجارته ملاط إلا ما يتخيل أنه ثوب أبيض، فرش بين حجرين، أو ورقة، ولا يتخلل بينهما الشعرة، وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين.          

ويقال: إن بانيهما جعل لهما أبوابًا على أدراج مبنية بالحجارة في الأرض؛ طول كل حجر منها عشرون ذراعًا، وكل باب من حجر واحد يدور بلولب، إذا أطبق لم يعلم أنه باب، يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت، كل بيت على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وكلها مقفلة بأقفال، وحذاء كل بيت صنم من ذهب مجوف، إحدى يديه على فيه، في جبهته كتابة بالمسند، اذا قرئت انفتح فوه، فيؤخذ منه مفتاح ذلك القفل فيفتح به.

والقبط تزعم أنهما والهرم الصغير الملون قبور، فالهرم الشرقي فيه سوريد الملك، وفي الهرم الغربي أخوه هرجيب، والهرم الملون فيه أفريبون (1) ابن هرجيب.

والصائبة تزعم أن أحدهما قبر شيث، والآخر قبر هرمس، والملون قبر صاب

_________

(1) ط: "أفريدون".

_________

بن هرمس؛ وإليه تنسب الصابئة، وهم يحجون إليها، ويذبحون عندها الديكة والعجول السود، ويبخرون بدخن.          

ولما فتحه المأمون، فتح إلى زلاقة ضيقة من الحجر الصوان الأسود الذي لا يعمل فيه الحديد، بين حاجزين ملتصقين بالحائط، قد نقر في الزلاقة حفر يتمسك الصاعد بتلك الحفر، ويستعين بها على المشي في الزلاقة لئلا يزاق، وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر.          

ويقال: إن أسفل البئر أبواب يدخل منها إلى مواضع كثيرة، وبيوت ومخادع وعجائب، وانتهت بهم الزلاقة إلى موضع مربع في وسطه حوض من حجر جلد مغطى، فلما كشف عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية.

وقال ابن فضل الله في المسالك (1): قد أكثر الناس القول في سبب بناء الأهرام؛ فقيل: هياكل الكواكب، وقيل: قبور ومستودع مال وكتب، وقيل: ملجأ من الطوفان.          

قال: وهو أبعد ما قيل فيها؛ لأنها ليست شبيهة بالمساكن.

قال: وقد كانت الصابئة تأتي فيحج الواحد ويزور الآخر، ولا تبلغ فيه مبلغ الأول في التعظيم.

قال: وأما أبو الهول [فهو صنم بقرب الهرم الكبير] (2) في وهدة منخفضة (3)، وعنقه، أشبه شيء برأس راهب حبشي، على وجهه صباغ أحمر، لم يحل على طول الأزمان؛ يقال إنه طلسم يمنع الرمل عن المزارع.          

قال: وسجن يوسف شمالي الأهرام على بعد منه في ذيل خرجة من جبل في طرف الحاجر (4).

_________

(1) مسالك الأبصار 1: 235-236.

(2) مسالك الأبصار: "وهو اسم لصنم يقارب الهرم الكبير".

(3) بعدها في مسالك الأبصار: "يقع دونه شرقا بغرب، لا يبين من فوق سطح الأرض إلا رأس ذلك الصنم".

(4) مسالك الأبصار 1: 237-238؛ مع تصرف واختصار.

_________

قال صاحب مباهج الفكر: وبدهشور من أعمال الجيزة أهرام بناها شداد بن عديم بن البرشير بن قفطيم بن مصر بن مصرايم باني مصر.

وقال بعضهم: ذكر عبد الله بن سراقة أنه لما نزلت العماليق مصر حين أخرجتها جرهم من مكة، نزلت مصر، فبنت الأهرام واتخذت بها المصانع، وبنت بها العجائب؛ فلم تزل بمصر حتى أخرجها مالك بن ذعر الخزاعي.

وقال سعيد بن عفير: لم تزل مشايخ مصر يقولون: إن الأهرام بناها شداد، وكانوا يقولون بالرجعة؛ فكان أحدهم إذا مات دفن معه ماله كله؛ وإن كان صانعًا دفنت معه آلته.

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان من وراء الأهرام إلى الغرب أربعمائة مدينة من مصر إلى الغرب في غربي الأهرام.

وقال ابن المتوج (1) في كتابة من عجائب مصر: ما بجانبها الغربي من البنيان المعروف بالأهرام وعددها ثمانية عشر هرمًا؛ منها ثلاثة بالجيزة مقابل الفسطاط.

ولما فتح المأمون أحدها انتهى إلى حوض مغطى، بلوح من رخام مملوء من ذهب، واللوح مكتوب فيه أسطر، فطلب من يقرؤها، فإذا فيه: "إنا عمرنا هذا الهرم في ألف يوم، وأبحنا لمن يهدمه في ألفي يوم؛ والهدم أسهل من العمارة، وجعلنا في كل جهة من جهاته من المال بقدر

_________

(1) هو محمد بن عبد الوهاب بن المتوح بن صالح الزبيري، تاج الدين، وصاحب كتاب: "اتعاظ المتعمل واتعاظ المتأمل"، في أحوال مصر وخططها: توفي سنة 730.          

الأعلام 7: 136.

_________

ما يصرف على الوصول إليه، لا يزيد ولا ينقص".

وعند مدينة فرعون يوسف هرم دوره ثلاثة آلاف ذراع، وعلوه سبعمائة ذراع.

وعند مدينة فرعون أهرام أُخر أحدها يعرف بهرم ميدوم؛ كأنه جبل، وهو خمس طبقات، والطبقة العليا كأنها قلعة على جبل.

وقال الزمخشري: الهرمان بالجيزة على فرسخين من الفسطاط، كل واحد أربعمائة ذراع عرضًا، والأساس زائد على جريب (1) مبني بالحجارة المرمر، وهي منقولة من مسافة أربعين فرسخًا، من موضع يُعرف بذات الحمام، فوق الإسكندرية، ولا يزالان ينخرطان في الهوى حتى يرجع مقداره إلى مقدار خمسة أشبار في خمسة، وليس على وجه الأرض بناء أرفع منهما منقور فيها بالمسند سحر وطلسم وطب، وفيه: "إني بنيتهما، فمن أدعى قوة في ملكه فليهدمها، فإن خراج الأرض لا يفي بهدمها".

وقالوا: لا يُعرف من بناهما.

وقال المسعودي: طول كل واحد وعرضه أربعمائة ذراع، وأساسهما في الأرض مثل طولهما في العلو، وكل هرم منها سبعة بيوت، على عدد السبع كواكب السيارة، كل بيت منها باسم كوكب ورسمه، وجعل في جانب كل بيت منها صنم من ذهب مجوف، وإحدى يديه موضوعة على فيه، في جبهته كتابة كاهنية، إذا قرئت فتح فاه، وخرج من فيه مفتاح ذلك القفل، ولتلك الأصنام قوانين وبخورات، ولها أرواح موكلة بها، مسخرة لحفظ تلك البيوت والأصنام، وما فيها من التماثيل والعلوم والعجائب

_________

(1) الجريب: الوادي.

_________

والجواهر والأموال، وكل هرم فيه ملك وطاوس من الحجارة مطبق عليه، ومعه صحيفة فيها اسمه وحكمته، مطلسم عليه لا يصل إليه أحد إلا في الوقت المحدود.

وذكر بعضهم أن فيها مجاري الماء يجري فيها النيل، وأن فيها مطامير تسع من الماء بقدرها، وأن فيها مكانًا ينفذ إلى صحراء الفيوم وهي مسيرة يومين (1).

ودخل جماعة في أيام أحمد بن طولون الهرم الكبير، فوجدوا في أحد بيوته جامعًا من زجاج غريب اللون والتكوين، فحين خرجوا فقدوا منهم واحدًا، فدخلوا في طلبه فخرج إليهم عريانًا وهو يضحك، وقال: لا تتعبوا في طلبي.          

ورجع هاربًا إلى داخل الهرم، فعلموا أن الجن استهوته، وشاع أمرهم، فبلغ ذلك ابن طولون، فمنع الناس من الدخول وأخذ منهم الجام، فملأه ماء، ووزنه ثم صب ذلك الماء ووزنه؛ فكان وزنه ملآنًا كوزنه وهو فارغ.

وقيل: إن الروحاني الموكل بالهرم البحري في صفة امرأة عريانة مكشوفة الفرج، ولها ذوائب إلى الأرض، وقد رآها جماعة تدور حول الهرم وقت القيلولة، والموكل بالهرم الذي إلى جانبه في صورة غلام أصفر أمرد عريان، وقد رُئي بعد المغرب يدور حول الهرم، والموكل بالثالث في صورة شيخ في يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان، وقد رُئي يدور ليلًا حول الهرم.          

حكى ذلك صاحب المرآة.

وقال القاضي الفاضل: الهرمان فرقدا الأرض، وكل شيء يخشى عليه من الدهر إلا الهرمان؛ فإنه يخشى على الدهر منهما.

_________

(1) انظر مروج الذهب 1: 350.

_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:27 pm


ذكر ما قيل في الهرمين اللذين في الجيزة من الأشعار:
قال المتنبي:
أين الذي الهرمان من بنيانه...ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟ (1)
تتخلف الآثار عن سكانها...حينًا، ويدركها الفناء فتتبع
وقال أبو الفضل أمية بن عبد العزيز "الأندلسي" (2):
يعيشك هل أبصرت أحسن منظرًا...على ما رأت عيناك من هرمي مصر (3)
أنافا بأعنان السماء وأشرفا...على الجو إشراف السماك أو النسر
وقد وافيا نشزًا من الأرض عاليًا...كأنهما نهدان قاما على صدر
وقال الفقيه عمارة اليمني الشاعر:
خليلي ما تحت السماء بنية...تماثيل في إتقانها هرمي مصر (4)
بناء يخاف الدهر منه، وكل ما...على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر
تنزه طرفي في بديع بنائها...ولم يتنزه في المراد بها فكري
وقال آخر:
انظر إلى الهرمين إذ برزا...للعين في علو وفي صعد (5)
وكأنما الأرض العريضة إذ...ظمئت لفرط الحر والومد (6)
_________
(1) ديوانه 2: 271.
(2) من نهاية الأرب.
(3) بدائع البدائة 136، المقريزي 1: 191، مسالك الأبصار 1: 237، نهاية الأرب 1: 391.
(4) المقريزي 1: 195، نهاية الأرب 1: 390.
(5) المقريزي 1: 195-196، ونهاية الأرب 1: 391.
(6) الومد: الحر الشديد.
_________
حسرت عن الثديين بارزة...تدعو الإله لفرقة الولد
فأجابها بالنيل يوسعها...ريًّا ويشفيها من الكمد
وقال ظافر الحداد:
تأمل هيئة الهرمين وانظر...وبينهما أبو الهول العجيب (1)
كعمار يبتن على رحيل...لمحبوبين بينهما رقيب
وماء النيل بينهما دموع...وصوت الريح عندهما نحيب
ودونهما المقطم وهو يحكي...ركاب الركب أبركها اللغوب
وظاهر سجن يوسف مثل صب...تخلف وهو محزون كئيب
وقال ابن الساعاتي:
ومن العجائب، والعجائب جمة...دقت عن الإكثار والإسهاب (2)
هرمان قد هرم الزمان وأدبرت...أيامه، وتزيد حسن شباب
لله أي بنية أزليةٍ...تبغي السماء بأطوال الأسباب
وكأنما وقفت وقوف تبلد...أسفًا على الأيام والأحقاب
كتمت على الأسماع فصل خطابها...وغدت تشير به إلى الألباب
وقال سيف الدين بن حبارة:
لله أي غريبة وعجيبة...في صنعة الأهرام للألباب (3)
أخفت عن الأسماع قصة أهلها...ونضت عن الإبداع كل نقاب (4)
فكأنما هي كالخيام مقامة...من غير ما عمد ولا أطناب
_________
(1) بدائع البدائة 136.
(2) نهاية الأرب 1: 391.
(3) المقريزي 1: 196، نهاية الأرب 1: 392.
(4) ورد البيت محرفًا في الأصول وتصويبه من نهاية الأرب والمقريزي.
_________
وقال بعضهم:
تبين أن صدر الأرض مصر...ونهداها من الهرمين شاهد
فواعجبا وقد ولدت كثيرًا...على هرم وذاك النهد ناهد
ولما عدى القاضي شهاب الدين (1) بن فضل الله إلى الأهرام، كتب إلى الأمير الجائي الداوادار، وذلك سنة تسعة وعشرين وسبعمائة، قال:
لي البشارة إذا أمسيت جاركم...في أرض مصر بأني غير مهتضم
حفظتمو لي شبابي في ظلالكم...مع أنكم قد وصلتم بي إلى الهرم
ويقبل الأرض، ويحمد الله على أن شرح له في ظل مولانا صدرًا، وأوجد النجح لأمانيه التي قيل لها اهبطي مصرًا؛ حتى أقرت بها منتهى الرحلة، واتخذ بها بيوتًا جعل أبوابها من قصر مولانا إلى قبله.
ويُنهِي أنه كان يستهول البحر أن يركب لججه، أو أن يصعد في أمواجه العالية درجة، ثم ترك لما يقر به من خدمة مولانا الوجل، وأفكر فيما أحاط به من كرمه، فقال: "أنا الغريق فما خوفي من البلل" (2).
فركب حراقة لا يطفئ لهيبها الماء القراح، ولا تثبت منها العيون سوى ما تدرك من هفيف الرياح، ثم أفضى إلى غدران تحف بها رياض تملأ العين، وتتخلى منها بماء جمد عليه الزمرد وذاب اللجين، وختم يومه بالنزول في جيزة مولانا التي أمن بها من النوب، وبلغت منها إلى هرمين، علم بهما أن هذه الأيام الشريفة أعراس وهما بعض ما تزينت به من اللعب.
ومن ذلك رسالة لضياء الدين بن الأثير في وصف مصر:
_________
(1) ح، ط: "الفضل بن فضل الله".
(2) تضمين بين للمتنبي، صدره:
والهجر أقتل لي مما أراقبه
_________
ولقد شاهدت منها بلدًا يشهد بفضله على البلاد، ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد، فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره، ولا وصفه واصف إلا علم أنه لم يقدره قدره.
وبه من عجائب الآثار ما لا يضبطها العيان، فضلًا عن الإخبار، من ذلك الهرمان اللذان هرم الدهر وهما لا يهرمان، قد اختص كل منهما بعظم البناء، وسعة الفناء، وبلغ من الارتفاع غاية لا يبلغها الطير على بعد تحليقه، ولا يدركها الطرف على مدة تحديقه؛ فإذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجمًا، وإذا استدار عليه قوس السماء كان له سهمًا (1).
وقال صاحبنا الشهاب المنصوري:
إن جزت بالهرمين قل كم فيهما...من عبرة للعاقل المتألم
شبهت كلا منهما بمسافرٍ...عرف المحل فبات دون المنزل
أو عاشقين وشى لوصلهما أبو...الهول الرقيب فخلفاه بمعزل
أو حائرين استهديا نجم السما...فهداهما بضيائه المتهلل
أو ظامئين استسقيا صوب الحيا...فسقاهما عذبًا روي المنهل
يفنى الزمان وفي حشاه منهما...غيظ الحسود وضجرة المستثقل
_________
(1) نهاية الأرب 1: 391.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:28 pm


ذكر بناء الإسكندرية:
أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر، والبيهقي في دلائل النبوة، عن عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه، قال: جاء رجال من أهل الكتاب، معهم كتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن شئتم أخبرتكم عما أردتم أن تسألوني قبل أن تتكلموا، وإن شئتم تكلمتم وأخبرتكم! " قالوا: بل أخبرنا قبل أن نتكلم، قال: "جئتم تسألونني عن ذي القرنين، وسأخبركم كما تجدونه مكتوبًا عندكم؛ إن أول أمره أنه كان غلامًا من الروم، أُعطي ملكًا، فسار حتى أتى ساحل البحر من أرض مصر، فابتنى عنده مدينة يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من بنائها أتاه مَلَكٌ، فعرج به حتى استقله فرفعه، فقال: انظر ما تحتك، قال: أرى مدينتي، وأرى مدائن معها، ثم عرج به، فقال: انظر، فقال: قد اختلطت مع المدائن فلا أعرفها" (1)... الحديث بطوله؛ وقد أوردته في التفسير المأثور في سورة الكهف.
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كان أول شأن الإسكندرية أن فرعون اتخذ بها مصانع ومجالس، وكان أول من عمرها وبنى فيها، فلم تزل على بنائه ومصانعه، ثم تداولها الملوك؛ ملوك مصر بعده، فبنت دلوكة بنت زباء منارة الإسكندرية ومنارة بوقير بعد فرعون، فلما ظهر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام على الأرض اتخذ بها مجلسًا، وبنى فيها مسجدًا.
ثم إن ذا القرنين ملكها، فهدم ما كان فيها من بناء الملوك والفراعنة وغيرهم، إلا بناء سليمان بن داود، لم يهدمه ولم
_________
(1) فتوح مصر 38-39.
_________
يُغيره، وأصلح ما كان تخارب (1) منه، وأقر المنارة على حالها.
ثم بنى الإسكندرية من أولها بناءً يشبه بعضه بعضًا، ثم تداولتها الملوك من الروم وغيرهم؛ ليس من ملك إلا يكون له بناء يضعه بالإسكندرية يُعرف به، ويُنسب إليه (2).
قال ابن الحكم: ويقال إن الذي بنى منارة الإسكندرية قلبطرة الملكة، وهي التي ساقت خليجها حتى أدخلته الإسكندرية، ولم يكن يبلغها الماء.
قال: ويقال إن الذي بنى الإسكندرية شداد بن عاد.
وقال ابن لهيعة: بلغني أنه وجد حجر بالإسكندرية مكتوب فيه: "أنا شداد بن عاد، وأنا الذي نصب العماد، وحيد الأحياد (3)، وسد بذراعيه الواد، بنيتها إذ لا شيب ولا موت، إذا الحجارة لي في اللين (4)، مثل الطين".قال ابن لهيعة: والأحياد كالمغار (5).
وأخرج ابن عبد الحكم عن تبيع قال: إن في الإسكندرية مساجد خمسة مقدسة: مسجد موسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة، ومسجد سليمان عليه الصلاة والسلام، ومسجد ذي القرنين، ومسجد الخضر؛ أحدهما عند القسارية، والآخر عند باب المدينة، ومسجد عمرو بن العاص الكبير (6).
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا أبي، قال: كانت الإسكندرية ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض: "منة" (7) ؛ وهي موضع المنارة وما والاها، والإسكندرية وهي موضع قصبة
_________
(1) فتوح مصر: "رث"، وفي ح، ط: "خرب".
(2) فتوح مصر 40.
(3) كذا في فتوح مصر، وفي الأصول: "جند الأجناد".
(4) تزعم العرب أنه كان هناك زمان، كانت فيه الحجارة رطبة، ويسمونه زمن الفطحل.
(5) فتوح مصر 40-41، وفي ط: "والأجناد بلا عداد"، وما أثبته من فتوح مصر.
(6) فتوح مصر 48.
(7) من فتوح مصر.
_________
الإسكندرية اليوم، ونقيطة (1) ؛ وكان على كل واحدة منهن سور، وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن؛ يحيط بهن جميعًا (2).
وأخرج ابن عبد الحكم عن عبد الله بن طريف الهمداني، قال: كان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق (3).
وأخرج عن خالد بن عبد الله وأبي (4) حمزة أن ذا القرنين لما بنى الإسكندرية رخمها بالرخام الأبيض؛ جدرها وأرضها، فكان لباسهم فيها السواد والحمرة؛ فمن قبل ذلك لبس الرهبان السواد من نصوع بياض الرخام، ولم يكونوا يُسرجون فيها بالليل من بياض الرخام، وإذا كان القمر أدخل الرجل الذي يخيط بالليل في ضوء القمر في بياض الرخام الخيط في حجر الإبرة (5).
قال: وذكر بعض المشايخ: إن الإسكندرية بُنيت ثلاثمائة سنة، وسُكنت ثلاثمائة سنة، وخُربت ثلاثمائة سنة؛ ولقد مكثت سبعين سنة ما يدخلها أحد إلا وعلى بصره خرقة سواد؛ من بياض جصها وبلاطها، ولقد مكنت سبعين ما يستسرج فيها (6).
قال: وأخبرنا ابن أبي مريم، عن العاطف بن خالد، قال: كانت الإسكندرية بيضاء تضيء بالليل والنهار، وكانوا إذا غربت الشمس لم يخرج أحد منهم من بيته، ومن خرج اختطف، وكان منهم راع يرعى على شاطئ البحر، وكان يخرج من البحر شيء فيأخذ من غنمه، فكمن له الراعي في موضع حتى خرج؛ فإذا جارية، فتشبث بها، فذهب بها إلى منزله فأنست بهم، فرأتهم لا يخرجون بعد غروب الشمس، فسألتهم، فقالوا: من خرج منا اختطف، فهيأت لهم الطلسمات بمصر في الإسكندرية.
_________
(1) ط: "ولقيطة".
(2) فتوح مصر 42.
(3) فتوح مصر 42.
(4) ط: "ابن حمزة".
(5) فتوح مصر 42.
(6) فتوح مصر 43.
_________
وأخرج عن عطاء الخراساني، قال: كان الرخام فد سخر لهم حتى يكون من بكرة إلى نصف النهار بمنزلة العجين، فإذا انتصف النهار اشتد (1).
وأخرج عن هشام بن سعد المديني، قال: وُجد بالإسكندرية حجر مكتوب فيه مثل حديث ابن لهيعة سواء؛ وزاد فيه: "وكنزت في البحر كنزًا على اثني عشر ذراعًا لن يخرجه أحد حتى تخرجه أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (2).
وقال التيفاشي في كتاب سرور النفس بمدارك الحواس الخمس: كانت الإسكندرية تسمى قبل الإسكندر رفودة، وبذلك تعرفها القبط في كتبهم القديمة.
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: كانت بحيرة الإسكندرية كرما كلها لامرأة المقوقس؛ فكانت تأخذ خراجها منهم الخمر بفريضة عليهم، وكثر الخمر حتى ضاقت به ذرعًا، فقالت: لا حاجة لي في الخمر؛ أعطوني دنانير، فقالوا: ليس عندنا، فأرسلت عليهم الماء فغرقتها، فصارت بحيرة يصاد فيها الحيتان حتى استخرجها بنو العباس، فسدوا جسورها وزرعوا فيها (2).
قال صاحب المرآة: من عجائب مصر عمود السواري بالإسكندرية، وليس في الدنيا مثله، وقد شاهدته؛ ويقال إن أخاه بأسوان.
قال ابن فضل الله في المسالك: بظاهر الإسكندرية عمود السواري، عمود
_________
(1) فتوح مصر 43.
(2) فتوح مصر 7.
_________
مرتفع في الهواء تحته قاعدة، وفوقه قاعدة، يقال: إنه لا نظير له في العُمُد في علوة ولا في استدارته.
قلت: قد رأيت هذا العمود لما دخلت الإسكندرية في رحلتي، ودَوْر قاعدته ثمانية وثمانون شبرًا، ومن المتواتر عن أهل الإسكندرية أن من حاذاه عن قرب، وغمض عينيه ثم قصده لا يصيبه بل يميل عنه.
وذكروا أنه لم تحصل إصابته لأحد قط مع كثرة تحريتهم ذلك؛ وقد جربت ذلك مرارًا فلم أقدر أن أصيبه.
وذكر بعض فضلاء الإسكندرية أنها كانت أربعة أعمدة على هذا النمط، وكان عليها قبة يجلس عليها أرسطو صاحب الرصد.
وفي هذا العمود يقول الشاعر:
نزيل سكندريةٍ ليس يُقرى...سوى بالماء أو عمد السواري
وإن تطلب هنالك حرف خبزٍ...فلم يوجد لذاك الحرف قاري
وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن أسامة بن زيد التنوخي، قال: كان بالإسكندرية صنم من نحاس، يقال له شراحيل.
على خشفة من خشف البحر، وكان مستقبلًا بإصبعه القسطنطينية، لا يُدرى أكان مما عمله سليمان أو الإسكندر؛ فكانت الحيتان تجتمع عنده، وتدور حوله فتصاد، فكتب أسامة إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان يخبره بخبر الصنم، ويقول: الفلوس عندنا قليلة، فإن رأى أمير المؤمنين أن نقطع الصنم ونضربه فلوسًا.
فأرسل إليه الوليد رجالًا أُمَّنًا، فأنزلوا الصنم فوجدوا عينيه ياقوتتين حمراوين، ليس لهما قيمة، فذهبت الحيتان ولم تعد إلى ذلك الموضع.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:29 pm


ذكر منارة الإسكندرية وبقية عجائبها:
قال صاحب مباهج الفكر: من عجائب المباني بأرض مصر منارة الإسكندرية، وهي مبنية بحجارة مهندمة مضببة بالرصاص، على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس، وفيها نحو ثلاثمائة بيت، بعضها فوق بعض، تصعد الدابة بحملها إلى سائر البيوت من داخلها، وللبيوت طاقات تنظر إلى البحر.
واختلف أهل التاريخ فيمن بناها؛ فقيل: إنها من بناء الإسكندر، وقيل: من بناء دلوكة الملكة.
ويقال: إن طولها كان ألف ذراع، وكان في أعلاها (1) تماثيل من نحاس، منها تمثال قد أشار بسبابة يده اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك، يدور معها حيثما دارت.
ومنها تمثال وجهه إلى البحر، متى (2) صار العدو منهم على نحو من ليلة سمع له صوت هائل، يعلم به أهل المدينة طروق العدو.
ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة صوت صوتًا مطربًا، وكان بأعلاه مرآة ترى منها قسطنطينية، وبينهما عرض البحر، فكلما جهز الروم جيشًا رُئي في المرآة.
وحكى المسعودي أن هذه المنارة كانت في وسط الإسكندرية، وأنها تعد من بنيان العالم العجيب، بناها بعض ملوك اليونان، يقال إنه الإسكندر، لما كان بينهم وبين الروم من الحروب، فجعلوا هذه المنارة مرقبًا، وجعلوا فيها مرآة من الأحجار المشقفة، تشاهد فيها مراكب البحر إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها، ولم تزل كذلك إلى أن ملكها المسلمون، فاحتال ملك الروم لما انتفع بها المسلمون في ذلك على الوليد بن عبد الملك، بأن أنفذ أحد خواصه، ومعه جماعة إلى بعض ثغور
_________
(1) ح، ط: "أعلاء".
(2) ح، ط: "إذا".
_________
الشام؛ على أنه راغب في الإسلام، فوصل إلى الوليد، وأظهر الإسلام، وأخرج كنوزًا ودفائن كانت بالشام؛ مما حمل الوليد على أن صدقه على أن تحت المنارة أموالًا ودفائن وأسلحة، دفنها الإسكندر.
فجهزه مع جماعة من ثقاته إلى الإسكندرية، فهدم ثلث المنارة، وأزال المرآة، ثم فطن الناس "إلى" أنها مكيدة، فاستشعر ذلك، فهرب في مركب كانت معدة له، ثم بُني ما تهدم بالجص والآجر.
قال المسعودي: وطول المنارة في وقتنا هذا -وهو سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة- ثلاثون ذراعًا، وكان طولها قديمًا نحو أربعمائة ذراع، وبناؤها في عصرنا ثلاثة أشكال، فقريب من الثلث مربع "مبني" (1) بالحجارة، ثم بعد ذلك بناء مثمن الشكل مبني بالأجر ومائتان والجص نحو ستين ذراعًا، وأعلاها مدور الشكل (2).
قال صاحب مباهج الفكر: وكان أحمد بن طولون بنى في أعلاها قبة من خشب، فهدمتها الرياح، فبُني مكانها مسجد في أيام الملك الكامل صاحب مصر.
ثم إن وجهها البحري تداعى، وكذلك الرصيف الذي بين يديها من جهة البحر، وكادا ينهدمان؛ وذلك أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، فرمه (3) وأصلحه. انتهى.
وذكر ابن فضل الله في مسالكه أن هذه المنارة قد خربت وبقيت أثرًا بلا عين، وكان هذا وقع في أيام قلاون أو ولده.
وقال ابن المتوج في كتاب إيقاظ المتغفل: من العجائب منارة الإسكندرية التي بناها ذو القرنين، كان طولها أكثر من ثلاثمائة ذراع، مبنية بالحجر المنحوت، مربعة الأسفل، وفوق المنارة المربعة منارة مثمنة مبنية بالآجر، وفوق المنارة المثمنة منارة
_________
(1) من ط.
(2) انظر مروج الذهب 1: 375-376 في الكلام على منارة الإسكندرية، ويختلف ما نقله المؤلف هنا عما في هناك اختلافًا كثيرًا.
وانظر نهاية الأرب 1: 357.
(3) كذا في ح، ط، وفي الأصل: "فرم".
_________
مدورة وكانت كلها مبنية بالصخر المنحوت على أكثر من مائتي ذراع، وكان عليها مرآة من الحديد الصيني، عرضها سبعة أذرع، كانوا يرون فيها جميع من يخرج من البحر من جميع بلاد الروم، فإن كانوا أعداء تركوهم حتى يقربوا من الإسكندرية، فإذا قربوا منها ومالت الشمس للغروب أداروا المرآة مقابلة الشمس، فاستقبلوا بها السفن، حتى يقع شعاع الشمس في ضوء المرآة على السفن في البحر عن آخرها، ويهلك كل من فيها.
وكانوا يؤدون الخراج ليأمنوا بذلك من إحراق المرآة لسفنهم، فلما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية احتالت الروم بأن بعثت جماعة من القسيسين المستعربين (1)، وأظهروا أنهم مسلمون، وأخرجوا كتابًا زعموا أن ذخائر ذي القرنين في جوف المنارة، فصدقتهم العرب لقلة معرفتهم بحيل الروم، وعدم معرفتهم بمنفعة تلك المرآة والمنارة، وتخيلوا أنهم إذا أخذوا الذخائر والأموال أعادوا المرآة والمنارة كما كانت، فهدموا مقدار ثلثي المنارة، فلم يجدوا فيها شيئا، وهرب أولئك القسيسون، فعلموا حينئذ أنها خديعة، فبنوها بالآجر، ولم يقدروا أن يرفعوا إليها تلك الحجارة، فلما أتموها نصبوا عليها تلك المرآة كما كانت، فصدئت ولم يروا فيها شيئا، وبطل إحراقها.
والنصف الأسفل الذي من عمل ذي القرنين، يدخل الآن من الباب الذي للمنارة، وهو مرتفع من الأرض مقدار ذراعا، يُصعد إليه على قناطر مبنية بالصخر المنحوت، فإذا دخل من باب المنارة يجد على يمينه بابا، فيدخل منه إلى مجلس كبير عشرين ذراعا مربعا، يدخل فيه الضوء من جانبي المرآة، ثم يجد بيتا آخر مثلها، ثم مجلسا ثالثا، ومجلسا رابعا كذلك.
قال: وقد عملت الجن لسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في الإسكندرية مجلسا من أعمدة الرخام الملون المجزع كالجزع اليماني، المصقول كالمرآة، إذا نظر الإنسان إليها يرى من يمشي خلفه لصفائها.
_________
(1) في الأصل: "المستعربة".
_________
وكان عدد الأعمدة ثلاثمائة عمود، وكل عمود ثلاثون ذراعا، وفي وسط المجلس عمود طوله مائة وإحدى عشرة ذراعا، وسقفه من حجر واحد أخضر مربع، قطعته الجن.
ومن جملة تلك الأعمدة عمود واحد يتحرك شرقا وغربا، يشاهد ذلك الناس، ولا يرون ما سبب حركته!
قال: ومن جملة عجائب الإسكندرية السواري والملعب الذي كانوا يجتمعون فيه (1) في يوم من السنة، ويرمون بأكرة (2)، فلا تقع في حجر أحد منهم إلا ملك مصر، وكان يحضر هذا الملعب ما شاء من الناس ما يزيد على ألف ألف رجل؛ فلا يكون منهم أحد إلا وهو ينظر في وجه صاحبه.
ثم إن قرئ كتاب سمعوه جميعا، أو لعب لون من ألوان اللعب رأوه عن آخرهم (3).
قال: ومن عجائبها المسلتان، وهما جبلان قائمان على سرطانات من نحاس في أركانهما، كل ركن على سرطان، فلو أراد أحد أن يُدخل من جانبهما شيئا حتى يعبر إلى جانبهما الآخر فعل.
قال: ومن عجائبهما عمودا الإعياء، وهما عمودان ملقيان، وراء كل عمود منهما جبل حصى كحصى الجمار، فمتى أقبل التعب النصب (4) بسبع حصيات من ذلك الحصى، فاستلقى على أحدهما، ثم يرمي (5) وراءه بالسبع حصيات، ويقوم ولا يلتفت، ويمضي لطيته، قام كأنه لم يتعب ولم يحس بشيء.
قال: ومن عجائبها القبة الخضراء، وهي أعجب قبة ملبسة نحاسا، كأنه الذهب الإبريز، لا يبليه القدم، ولا يخلقه الدهر.
_________
(1) ح، ط: "إليه"، وما أثبته من الأصل.
(2) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "بالأكرة".
(3) خطط المقريزي 1: 255.
(4) في الأصل: "والنصب"، والأجود ما أثبته من ح، ط.
(5) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "رمى".
وانظر المقريزي 1: 49.
_________
وقال: ومن عجائبها منية عقبة، وحصن فارس، وكنيسة أسفل الأرض؛ وهي مدينة على مدينة، وليس على وجه الأرض مثلها، ويقال إنها إرم ذات العماد، سميت بذلك لأن عمدها لا يُرى مثلها طولا وعرضا.
وقال صاحب مرآة الزمان: كان للإسكندر أخ يُسمى الفرما، فلما بنى الإسكندر الإسكندرية، بنى الفرما الفرما، على نعت الإسكندرية.
ولم تزل الإسكندرية بهجة يرتاح إليها كل من رآها، ولم تزل الفرما مذ بُنيت رثة، فلما فتحت الإسكندرية قال عوف بن مالك لأهلها: ما أحسن مدينتكم! فقالوا: إن الإسكندر لما بناها قال: هذه مدينة فقيرة إلى الله تعالى غنية عن الناس، فبقيت بهجتها.
ولما فتحت الفرما قال أبرهة بن الصباح لأهلها: ما أخلق مدينتكم! قالوا: إن الفرما لما بناها قال: هذه مدينة غنية عن الله، فقيرة إلى الناس، فذهبت بهجتها.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:29 pm


ذكر دخول عمرو بن العاص مصر في الجاهلية:
أخرج بن عبد الحكم، عن خالد بن يزيد، أنه بلغه أن عمرا قدم إلى بيت المقدس لتجارة في نفر من قريش، وإذا هم بشماس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية، قدم للصلاة في بيت المقدس، فخرج في بعض جبالها يسيح، وكان عمرو يرعى إبله وإبل أصحابه، وكانت رعية الإبل نوبا بينهم؛ فبينما عمرو يرعى إبله إذ مر به ذلك الشماس، وقد أصابه عطش شديد في يوم شديد الحر، فوقف على عمر فاستسقاه، فسقا عمرو من قربة له، فشرب حتى روي، ونام الشماس مكانه، وكان إلى جانب الشماس حيث نام حفرة، فخرجت منها حية عظيمة، فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم فقتلها، فلما استيقظ الشماس نظر إلى حية عظيمة قد أنجاه الله منها، فقال لعمرو: ما هذه؟ فأخبره عمرو أنه رماها بسهم فقتلها، فأقبل إلى عمرو، فقبل رأسه، وقال: قد أحياني الله بك مرتين: مرة من شدة العطش، ومرة من هذه الحية، فما أقدمك هذه البلاد؟ قال: قدمت مع أصحاب لي نطلب الفضل من تجارتنا، فقال له الشماس: وكم ترجو أن تصيب من تجارتك؟ قال: رجائي أن أصيب ما أشتري به بعيرا، فإني لا أملك إلا بعيرين، فأملي أن أصيب بعيرا آخر، فيكون لي ثلاثة أبعرة.
قال له الشماس: أرأيت دية أحدكم بينكم، كم هي؟ قال: مائة من الإبل، فقال الشماس لسنا أصحاب إبل، نحن أصحاب دنانير، قال: تكون ألف دينار، فقال له الشماس: إني رجل غريب في هذه البلاد، وإنما قدمت أصلي في كنيسة بيت المقدس، أسيح في هذه الجبال شهرا، جعلت ذلك نذرا على نفسي، وقد قضيت ذلك، وأنا أريد الرجوع إلى بلادي فهل لك أن تتبعني إلى بلادي، ولك عهد الله وميثاقه أن أعطيك ديتين؛ لأن الله تعالى قد أحياني بك مرتين! فقال له عمرو: أين بلادك؟ قال: مصر في مدينة يقال لها الإسكندرية، فقال له عمرو: لا أعرفها ولم أدخلها قط، فقال له الشماس: لو دخلتها لعلمت أنك لم تدخل قط مثلها، فقال له عمرو: تفي لي بما تقول، وعليك بذلك العهد والميثاق؟ فقال الشماس: نعم لك الله على بالعهد والميثاق أن أفي لك، وأن أردك إلى أصحابك، فقال عمرو: كم يكون مكثي في ذلك؟ قال: شهرًا تنطلق معي ذاهبًا عشرًا، وتقيم عندنا عشرًا، وترجع في عشر؛ ولك عليَّ أنت أحفظك ذاهبًا، وأن أبعث معك من يحفظك راجعًا.
فقال له: أنظرني حتى أشاور أصحابي، فانطلق عمرو إلى أصحابه، فأخبرهم بما عاهد عليه الشماس، وقال لهم: أقيموا حتى أرجع إليكم، ولكم عليَّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك، على أن يصحبني رجل منكم آنس به، فقالوا: نعم، وبعثوا معه رجلًا منهم، فانطلق عمرو وصاحبه مع الشماس إلى مصر؛ حتى انتهى إلى الإسكندرية، فرأى عمرو من عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال والخير ما أعجبه ذلك، وقال: ما رأيت مثل مصر قط وكثرة ما فيها من الأموال، ونظر إلى الإسكندرية وعمارتها وجودة بنائها وكثرة أهلها وما بها من الأموال، فازداد تعجبًا، ووافق دخول عمرو الإسكندرية عيدًا فيها عظيمًا يجتمع فيها (1) ملوكهم وأشرافهم، ولهم أكرة من ذهب مكللة، يترامى بها ملوكهم، وهم يتلقونها بأكمامهم؛ وفيما اختبروا من تلك الأكرة على ما وضعها من مضى منهم: إن من وقعت الأكرة في كمه، واستقرت فيه، لم يمت حتى يملكهم.
فلما قدم عمرو الإسكندرية أكرمه الشماس الإكرام كله، وكساه ثوب ديباج ألبسه إياه، وجلس عمرو والشماس مع الناس في ذلك المجلس، حيث يترامون بالأكرة، وهم يتلقونها بأكملهم، فرمى بها رجل منهم، فأقبلت تهوي حتى وقعت في كم عمرو؛ فتعجبوا من ذلك، وقالوا: ما كذبتنا هذه الأكرة قط إلا هذه المرة، أترى هذا الأعرابي يملكنا! هذا لا يكون أبدًا!
_________
(1) فتوح مصر: "فيه".
_________
وإن ذلك الشماس مشى في أهل الإسكندرية وأعلمهم أن عمرًا أحياه مرتين، وأنه قد ضمن له ألفي دينار، وسألهم أن يجمعوا ذلك له فيما بينهم؛ ففعلوا ودفعوها إلى عمرو، فانطلق عمر وصاحبه، وبعث معهما الشماس دليلًا ورسولًا، وزودهما وأكرمهما؛ حتى رجع هو وصاحبه إلى أصحابهما؛ فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها، ورأى منها ما علم أنها أفضل البلاد وأكثرها مالًا.
فلما رجع عمرو إلى أصحابه دفع إليهم فيما بينهم ألف دينار وأمسك لنفسه ألفًا، قال عمرو: فكان أول مال "اعتقدته وتأثلته" (1).
_________
(1) فتوح مصر 53-55.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:30 pm


ذكر كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا هشام بن إسحاق وغيره، قال: لما كانت سنة ست من الهجرة (1)، ورجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية بعث إلى الملوك، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى حاطب بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انتهى إلى الإسكندرية، وجد المقوقس في مجلس يشرف (2) على البحر، فركب البحر؛ فلما حاذى مجلسه، أشار بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين إصبعيه، فلما رآه أمره بالكتاب فقُبِض، وأمر به فأوصل إليه، فلما قرأ الكتاب (3) قال: ما منعه إن كان نبيًّا أن يدعو عليَّ فيسلط عليَّ! فقال له: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يُفعل به ويُفعل! فوجم ساعة، ثم استعادها فأعادها حاطب عليه، فسكت، فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فانتقم الله به ثم انتقم منه؛ فاعتبر بغيرك، ولا تعتبر بك.
وإن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي به الله فَقْدَ ما سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به، ثم قرأ الكتاب، فإذا فيه:
_________
(1) فتوح مصر: "من مهاجرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
(2) فتوح مصر: "مشرف".
(3) كذا في فتوح مصر، والأصل وفي ط: "فقرئ".
(1/97)
_________
بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم ويؤتك الله أجرك مرتين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (1).
فلما قرأه أخذه، فجعله في حق من عاج، وختم عليه، ثم دعا كاتبًا يكتب بالعربية، فكتب:
لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط.
سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًّا قد بقي؛
وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها. والسلام (2).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن أبان بن صالح، قال: أرسل المقوقس إلى حاطب ليلة، وليس عنده أحد إلا ترجمان له، فقال له: ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها، فإني أعلم أن صاحبك تخيرك حين بعثك لي!
قلت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك، قال: إلام يدعو محمد؟ قال: إلى أن نعبد الله، ولا نشرك به شيئًا، ونخلع ما سواه، ويأمر بالصلاة.
قال: فكم تصلون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم.
قال: ومَنْ أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم، قال: فهل يقاتل قومه؟ قال: نعم، قال: صفه لي، فوصفته بصفة من صفاته، ولم آت عليها، قال: قد بقيت أشياء، لم أرك ذكرتها؛ في عينيه حمرة قلما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالتمرات والكسر، لا يبالي من لاقى من عمٍ ولا ابن عم، قلت: هذه صفته، قال: قد كنت أعلم أن نبيًّا قد بقي، وقد
_________
(1) سورة آل عمران: 61.
(2) فتوح مصر 45-46، مع اختلاف وحذف.
_________
كنت أظن أن مخرجه بالشام، وهناك تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج في العرب، في أرض جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتباعه، ولا أحب أن يُعلم بمحاورتي إياك، وسيظهر على البلاد، وينزل أصحابه "من بعده" (1) بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا، وأنا لا اذكر للقبط من هذا حرفًا، فارجع إلى صاحبك (2).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ، قال: لما مضى حاطب بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل المقوقس الكتاب، وأكرم حاطبًا، وأحسن نزله، ثم سرحه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين، إحداهما أم إبراهيم، ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم، الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر.
قال ابن عبد الحكم: ويقال بل وهبها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت، فهي أم عبد الرحمن بن حسان؛ ويقال: بل وهبها لمحمد بن مسلمة الأنصاري، ويقال: بل لدحية بن خليفة الكلبي (3).
ثم أخرج من طريق المنذر بن عبيد، عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن أمه سيرين، قال: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا؛ فلما مات نهانا عن الصياح.
هذا يصحح قول من قال إنه وهبها لحسان (4).
وقال ابن الحكم: أنبأنا هانئ المتوكل، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن المقوقس لما أتاه كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضمه إلى صدره، وقال: هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته وصفته في كتاب الله، وإنا لنجد صفته أنه
_________
(1) من فتوح مصر.
(2) فتوح مصر 46-47.
(3) فتوح مصر 47.
(4) فتوح مصر 47-48.
_________
لا يجمع بين أختين في ملك يمين ولا نكاح، وأنه يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، وإن جلساءه المساكين، وأن خاتم النبوة بين كتفيه.
ثم دعا رجلًا عاقلًا، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها؛ وهما من أهل حفن من كورة أنصنا.
فبعث بهما معه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له بغلة شهباء، وحمارًا أشهب، وثيابًا من قباطي مصر، وعسلًا من عسل بنها، وبعث إليه بمال صدقة، وأمر رسوله أن ينظر: مَنْ جلساؤه وينظر إلى ظهره، هل يرى شامة كبيرة ذات شعر؟ ففعل ذلك الرسول، فلما قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم إليه الأختين والدابتين والعسل والثياب، وأعلمه أن ذلك كله هدية.
فقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدية -وكان لا يردها من أحد من الناس- فلما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه، وكره أن يجمع بينهما، وكانت إحداهما تشبه الأخرى، فقال: اللهم اختر لنبيك، فاختار له الله مارية، وذلك أنه قال لهما: قولا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فبادرت مارية، فتشهدت وآمنت قبل أختها، ومكثت بعدها أختها ساعة، ثم تشهدت وآمنت، فوهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أختها لمحمد بن مسلمة الأنصاري.
وكانت البغلة والحمار أحب دوابه إليه، وسمى البغلة دلدلًا، وسمى الحمار يعفورًا، وأعجبه العسل، فدعا لعسل بنها بالبركة، وبقيت تلك الثياب حتى كفن في بعضها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1).
قال ابن الحكم: ويقال إن المقوقس بعث مع مارية بخصي فكان يأوي إليها (2).
ثم أخرج عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم إبراهيم أم ولده القبطية، فوجد عندها نسيبًا كان لها، قدم معها من مصر؛ وكان كثيرًا
_________
(1) فتوح مصر 48-49.
(2) فتوح مصر 49.
_________
ما يدخل عليها، فوقع في نفسه شيء، فرجع، فلقيه عمر بن الخطاب، فعرف ذلك في وجهه، فسأله فأخبره، فأخذ عمر السيف، ثم دخل على مارية فوجده عندها (1)، فأهوى إليه بالسيف، فلما رأى ذلك كشف عن نفسه -وكان مجبوبًا ليس بين رجليه شيء- فلما رجع عمر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، قال: "إن جبريل أتاني، فأخبرني أن الله قد برأها وقريبها، وأن في بطنها غلامًا مني، وإنه أشبه الخلق بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم، وكناني بأبي إبراهيم" (2).
وأخرج ابن عبد الحكم والبيهقي في الدلائل، من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن جده، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فجئته بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزلني في منزل، وأقمت عنده ليالي، ثم بعث إليّ، وقد جمع بطارقته، فقال: سأكلمك بكلام، وأحب أن تفهمه عني، قلت: هلم، قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو بنبيّ؟ قال: قلت: بلى، هو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فما له لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها! قال: فقلت له: فعيسى بن مريم، تشهد أنه رسول الله، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه، ألا يكون دعا عليهم، بأن يهلكهم (3) الله حتى رفعه الله إليه في السماء الدنيا؟ فقال: أنت حكيم، جاء من عند حكيم؛ هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد؛ وأرسل معك مبذرقة يبذرقونك (4) إلى مأمنك.
_________
(1) فتوح مصر: "ثم دخل على مارية وقريبها عندها".
(2) فتوح مصر 49.
(3) كذا في فتوح مصر، وفي الأصول: "فأهلكهم".
(4) يبذرقوتك، أي: يخفرونك.
_________
وأهدى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث جوارٍ، منهن أم إبراهيم، واحدة وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العبدري، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت، وأرسل إليه بثياب، مع طرف من طرفهم (1).
قال ابن أبي مريم: قال ابن لهيعة: وكان اسم أخت مارية قيصرًا ويقال: سيرين (2).
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن الأعرج، قال: بعث المقوقس بمارية وأختها حنة (2).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن راشد بن سعد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو بقي إبراهيم ما تركت قبطيًّا إلا وضعت عنه الجزية" (3).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن ابن مسعود، قال: قلنا يا رسول الله، فيم نكفنك؟ قال: "في ثيابي هذه، أو ثياب مصر" (4).
وأخرج الواقدي وأبو نعيم في الدلائل عن المغيرة بن شعبة، أنه لما خرج مع بني مالك إلى المقوقس، قال لهم: كيف خلصتم إلي من طائفتكم، ومحمد وأصحابه بيني وبينكم؟ قالوا: لصقنا بالبحر، وقد خفناه على ذلك، قال: فكيف صنعتم فيما دعاكم إليه؟ قالوا: لم يتبعه منا رجل واحد، قال: ولِمَ ذاك؟ قالوا: جاءنا بدين مجدد لا تدين به الآباء، ولا يدين به الملك، ونحن على ما كان عليه آباؤنا.
قال: فكيف صنع قومه؟ قال: تبعه أحداثهم وقد لاقاه من خالفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن، مرة تكون عليهم الدبرة ومرة تكون له.
قال: ألا تخبروني، إلى ماذا يدعو؟ قالوا: يدعو إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونخلع ما كان يعبد الآباء، ويدعو إلى الصلاة والزكاة، قال: ألهما وقت يُعرف، وعدد يُنتهى إليه؟ قالوا: يصلون في
_________
(1) فتوح مصر 49-50، وذكر بعده: "فولدت مارية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبراهيم، فكان من أحب الناس إليه، حتى مات فوجد به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
(2) فتوح مصر 52.
(3) فتوح مصر 53.
(4) فتوح مصر 53.
_________
اليوم والليلة خمس صلوات كلها بمواقيت وعدد، ويؤدون من كل ما بلغ عشرين مثقالًا، وكل إبل بلغت خمسًا شاة، ثم أخبره بصدقة الأموال كلها، قال: أفرأيتم إن أخذها أين يضعها؟ قال: يردها على فقرائهم، ويأمر بصلة الرحم ووفاء العهد وتحريم الزنا والربا والخمر، ولا يأكل ما ذُبح لغير اسم الله.
قال: هو نبي مرسل إلى الناس كافة، ولو أصاب القبط والروم تبعوه، وقد أمرهم بذلك عيسى بن مريم؛ وهذا الذي تصفونه منه بُعِثت به الأنبياء من قبل، وستكون له العاقبة حتى لا ينازعه أحد، ويظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومنقطع البحور، قلنا: لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا.
فأنغض رأسه (1)، وقال: أنتم في اللعب! ثم قال: كيف نسبه في قومه؟ قلنا: هو أوسطهم نسبًا، قال: كذلك الأنبياء، تبعث في نسب قومها، قال: فكيف صدق حديثه؟ قلنا: يسمى الأمين من صدقه، قال: انظروا في أموركم، أترونه يصدق فيم بينكم وبينه، ويكذب على الله! ثم قال: فمن تبعه؟ قلنا: الأحداث، قال: هم أتباع الأنبياء قبله، قال: فما فعلت يهود يثرب، فهم أهل التوراة؟ قلنا: خالفوه، فأوقع بهم فقتلهم وسباهم، وتفرقوا في كل وجه، قال: هم قوم حسدٍ حسدوه، أما إنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف.
قال المغيرة: فقمنا من عنده، وقد سمعنا كلامًا ذللنا لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخضعنا، وقلنا: ملوك العجم يصدقونه ويخافونه على بعد إرجائهم منه، ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه، وقد جاءنا داعيًا إلى منازلنا! قال المغيرة: فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أسقف من القبط لم أر أحدًا أشد منه، فقلت: أخبرني، هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال: نعم، هو آخر الأنبياء، ليس بينه وبين عيسى نبي، قد أمر عيسى باتباعه، وهو النبي الأمي العربي، اسمه أحمد، ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، وليس بالأبيض ولا
_________
(1) أنغص رأسه: أي حركها.
_________
بالآدم، يُعفي شعره، ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزئ بما لقي من الطعام؛ سيفه على عاتقه، ولا يبالي من لاقى، يباشر القتال بنفسه ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم أشد له حبًّا من آبائهم وأولادهم، من حرم يأتي، وإلى حرم يهاجر، إلى أرض سباخ ونخل، يدين بدين إبراهيم.
قلت: زدني في صفته، قال: يأترز على وسطه، ويغسل أطرافه، ويُخص بما لم يُخص به الأنبياء قبله.
كان النبي يبعث إلى قومه، وبعث هو إلى الناس كافة وجعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا: أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى وكان من قبله مشددًا عليهم لا يصلون إلا في الكنائس والبيع.
قال المغيرة: فوعيت ذلك كله من قوله وقول غيره، ثم رجعت وأسلمت.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:35 pm


ذكر بعث أبي بكر الصديق رضي الله عنه حاطبًا إلى المقوقس:
أخرج ابن عبد الحكم، عن علي بن رباح اللخمي، قال: بعث أبو بكر الصديق رضى الله عنه بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطبًا إلى المقوقس بمصر، فمر على ناحية قرى الشرقية، فهادنهم وأعطوه (1)، فلم يزالوا على ذلك حتى دخلها عمرو بن العاص، فقاتلوه، وانتقض ذلك العهد.
قال عبد الملك بن مسلمة: وهي أول هدنة كانت بمصر (2).
_________
(1) فتوح مصر: "وأعطوه".
(2) فتوح مصر 53.
_________
ذكر فتح مصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عثمان بن صالح، أنبأنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر وعياش بن عباس القتباني وغيرهما، يزيد بعضهم على بعض، قالوا: لما كانت سنة ثماني عشرة، وقدم عمر بن الخطاب الجابية، قام إليه عمرو بن العاص، فخلا به، وقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي أن أسير إلى مصر، وحرضه عليها، وقال: إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم؛ وهي أكثر الأرض أموالًا، وأعجزهم عن القتال والحرب.
فتخوف عمر بن الخطاب على المسلمين، وكره ذلك، فلم يزل عمرو يعظم أمرها عند عمر، ويخبره بحالها، ويهون عليه فتحها، حتى ركن لذلك عمر، فعقد له على أربعة آلاف رجل، كلهم من عك، ويقال: على ثلاثة آلاف وخمسمائة.
فقال عمر: سر وأنا مستخير الله في مسيرك، وسيأتي إليك سريعًا إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها، أو شيئًا من أرضها فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي، فامض لوجهك، واستعن بالله واستنصره.
فسار عمرو بن العاص من جوف الليل، ولم يشعر به أحد من الناس، واستخار عمر الله؛ فكأنه تخوف على المسلمين في وجههم ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين: فأدرك الكتاب عمرًا وهو برفح، فتخوف عمرو بن العاص؛ إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه، وسار كما هو، حتى نزل قريةٍ فيما بين رفح والعريش، فسأل عنها فقيل: إنها من مصر؛ فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، فقال عمرو: ألستم
تعلمون أن هذه من مصر؟ قالوا: بلى، فقال: فإن أمير المؤمنين عهد إليّ، وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل مصر أن أرجع، وإن لم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر؛ فسيروا وامضوا على بركة الله.
فتقدم عمرو بن العاص.
فلما بلغ المقوقس قدوم عمرو، توجه إلى الفسطاط، فكان يجهز على عمرو الجيوش، فكان أول موضع قوتل فيه الفرما، قاتله الروم قتالًا شديدًا نحوًا من شهر، ثم فتح الله على يديه.
وكان بالإسكندرية أسقف للقبط، يقال له أبو بنيامين (1)، فلما بلغه قدوم عمرو بن العاص، كتب إلى القبط يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة، وأن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو، فيقال إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ لعمرو أعوانًا.
ثم توجه عمرو؛ لا يُدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى نزل القواصر.
فنزل ومن معه، فقال بعض القبط لبعض: ألا تعجبون من هؤلاء القوم، يقدمون على جموع الروم، وهم في قلة (2) من الناس! فأجابه رجل آخر منهم إن هؤلاء القوم لا يتوجهون إلى أحد إلا ظهروا عليه، حتى يقتلوا أخيرهم (3)، فتقدم عمرو لا يُدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها نحوًا من شهر، حتى فتح الله عليه، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى أم دنين، فقاتلوه بها قتالًا شديدًا.
وأبطأ عليه الفتح، فكتب إلى عمر يستمده، فأمده بأربعة آلاف، تمام ثمانية آلاف، فسار عمرو بمن معه حتى نزل على الحصن، فحاصرهم بالقصر الذي يقال له بابليون حينًا، وقاتلهم قتالًا شديدًا؛ يصبحهم ويمسيهم.
فلما أبطأ عليه الفتح، كتب إلى
_________
(1) في الأصول: "ميامين"، وما أثبتاه من فتوح مصر.
(2) فتوح مصر: "وإنما هم في قلة".
(3) ابن عبد الحكم: "خيرهم".
_________
عمر بن الخطاب يستمده، فأمده عمر بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل، وكتب إليه: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد.
واعلم أن معك اثني عشر ألفًا، ولا يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة.
وكانوا قد خندقوا حول حصنهم، وجعلوا للخندق أبوابًا، وجعلوا سكك الحديد موتدة بأفنية الأبواب.
فلما قدم المدد على عمرو بن العاص أتى إلى القصر، ووضع عليه المنجنيق -وكان على القصر رجل من الروم يقال له الأعيرج واليًا عليه، وكان تحت يدي المقوقس- ودخل عمرو إلى صاحب الحصن، فتناظرا في شيء مما هم فيه، فقال: أخرج وأستشير أصحابي، وقد كان صاحب الحصن أوصى الذي كان على الباب: إذا مر به عمرو أن يلقي عليه صخرة فيقتله، فمر عمرو وهو يريد الخروج برجل من العرب، فقال: قد دخلت فانظر كيف تخرج، فرجع عمرو إلى صاحب الحصن، فقال: إني أريد أن آتيك بنفر من أصحابي، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، فقال العلج في نفسه: قتل جماعة أحب إلي من قتل واحد، فأرسل إلى الذي كان أمره بقتل عمرو، ألا يتعرض له، رجاء أن يأتي بأصحابه فيقتلهم.
وخرج عمرو، فلما أبطأ عليه الفتح، قال الزبير: إني أهب نفسي لله، أرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين، فوضع سلمًا إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام، ثم صعد، وأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعًا، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر معه السيف، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفًا من أن ينكسر.
فلما اقتحم الزبير، وتبعه من تبعه، وكبر وكبر من معه، وأجابهم المسلمون من خارج، لم يشك أهل الحصن أن العرب قد اقتحموا جميعًا، فهربوا، فعمد الزبير وأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه، واقتحم المسلمون الحصن؛ فلما خاف المقوقس على نفسه ومن معه؛ حينئذ سأل عمرو بن العاص الصلح، ودعاه إليه على أن يفرض للعرب على القبط دينارين دينارين على كل رجل منهم، فأجابه عمرو إلى ذلك (1).
قال الليث بن سعد رضى الله عنه: وكان مكثهم على باب القصر حتى فتحوه سبعة أشهر.
قال ابن الحكم: وحدثنا عثمان بن صالح، أخبرنا خالد بن نجيح، عن يحيى بن أيوب وخالد بن حميد، قالا: حدثنا خالد بن يزيد، عن جماعة من التابعين، بعضهم يزيد على بعض، أن المسلمين لما حاصروا بابليون، وكان به جماعة من الروم وأكابر القبط ورؤساؤهم، وعليهم المقوقس، فقاتلوهم بها شهرًا، فلما رأى القوم الجد منهم على فتحه والحرص، ورأوا من صبرهم على القتال ورغبتهم فيه، خافوا أن يظهروا، فتنحى المقوقس وجماعة من أكابر القبط وخرجوا من باب القصر القبلي، ودونهم جماعة يقاتلون العرب، فلحقوا بالجزيرة وأمروا بقطع الجسر؛ وذلك في جري النيل وتخلف الأعيرج في الحصن بعد المقوقس، فلما خاف فتح الحصن، ركب هو وأهل القوة والشرف، وكانت سفنهم ملصقة بالحصن، ثم لحقوا بالمقوقس في الجزيرة.
فأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص: إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا، وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا؛ وإنما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلتكم الروم، وجهزوا إليكم، ومعهم من العدة والسلاح، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسارى قد أيدينا، فأرسلوا إلينا رجالًا منكم نسمع من كلامهم؛ فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم، فلا ينفعنا الكلام، ولا نقدر عليه؛ ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر
_________
(1) فتوح مصر 55-63.
_________
مخالفًا لطلبتكم ورجائكم، فابعث إلينا رجالًا من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم، وما يهم من شيء.
فلما أتت (1) عمرو بن العاص رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين، حتى خاف عليهم المقوقس، فقال لأصحابه: أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم، يستحلون ذلك في دينهم! وإنما أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين.
فرد عليهم عمرو مع رسله: أن ليس بيني وبينك إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم أعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
فلما جاءت رسل المقوقس إليه، قال: كيف رأيتموهم؟ قالوا: رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف رفيعهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويتخشعون في صلاتهم.
فقال عند ذلك المقوقس: والذي يُحْلَف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، ولا يقوى على قتال هؤلاء أحد، ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل، لم يجيبوا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض، وقووا على الخروج من موضعهم.
فرد إليهم المقوقس رسله، وقال: ابعثوا إلينا رسلًا منكم نعاملهم، ونتداعى نحن وهم إلى ما عسى أن يكون فيه صلاح لنا ولكم.
فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر، وأحدهم عبادة بن الصامت، وهو أحد من أدرك
_________
(1) ط: "أتوا"، وما أثبته من فتوح مصر.
_________
الإسلام من العرب، طوله عشرة أشبار، وأمره أن يكون متكلم القوم، وألا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الثلاث الخصال؛ فإن أمير المؤمنين قد تقدم في ذلك إليّ، وأمرني ألا أقبل شيئًا سوى خصلة من هذه الثلاث الخصال.
وكان عبادة بن الصامت أسود، فلما ركبوا السفن إلى المقوقس، ودخلوا عليه، تقدم عبادة، فهابه المقوقس لسواده فقال: نحُّوا عني هذا الأسود، وقدموا غيره يكلمني، فقالوا: إن هذا الأسود أفضلنا رأيًا وعلمًا، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنا نرجع جميعًا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به.
فقال المقوقس لعبادة: تقدم يا أسود، وكلمني برفق؛ فإني أهاب سوادك، وإن اشتد علي كلامك ازددت لك هيبة، فتقدم إليه عبادة، فقال: قد سمعت مقالتك، وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا مني وأفظع منظرًا ولو رأيتهم لكنت أهيب "منك" (1) لي.
وأنا قد وليت، وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا، وكذلك أصحابي؛ وذلك إنما رغبتنا وبغيبتا الجهاد في الله تعالى، واتباع رضوان الله؛ وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا، ولا طلبًا للاستكثار منها؛ إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالًا، وما يبالي أحدنا: أكان له قنطار من ذهب، أم كان لا يملك إلا درهمًا! لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها، يسد بها جوعته، وشملة يلتحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإنا كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذي بيده (2)؛ لأن نعيم الدنيا ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمر به نبينا، وعهد إلينا ألا تكون
_________
(1) من فتوح مصر.
(2) بعدها في فتوح مصر: "ويبلغة ما كان في أيدينا".
_________
همة أحدنا من الدنيا إلا فيما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضا ربه، وجهاد عدوه.
فلما سمع المقوقس ذلك منه، قال لمن حوله: هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط! لقد هبت منظره؛ وإن قوله لأهيب عندي من منظره؛ إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض (1) ؛ وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها.
ثم أقبل المقوقس على عبادة، فقال: أيها الرجل، قد سمعت مقالتك، وما ذكرت عنك وعن أصحابك؛ ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، ولا ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جميع الروم مما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدة، ممن لا يبالي أحدهم من لقي، ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلّتكم، وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم؛ ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين دينارين؛ ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به.
فقال عبادة بن الصامت رضى الله عنه: يا هذا؛ لا تغرن نفسك ولا أصحابك؛ أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم، وأنا لا نقوى عليهم؛ فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به، ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه؛ إن كان ما قلتم حقًّا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم، وأشد لحرصنا عليهم؛ لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه، وإن قتلنا من آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنته، وما من شيء
_________
(1) ط: "البلاد".
_________
أقر لأعيننا، ولا أحب إلينا من ذلك؛ وأنَّا منكم حينئذ على إحدى الحسنيين؛ إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنها لأحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا؛ وإن الله تعالى قال لنا في كتابه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (1)، وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحًا ومساءً أن يرزقه الشهادة، وألا يرده إلى بلده ولا إلى أهله وولده؛ وليس لأحد منا هم فيما خلَّفه، وقد استودع كل واحد منا ربّه أهله وولده؛ وإنما همنا ما أمامنا.
وأما "قولك": إنا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا؛ فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلها لنا، ما أردنا لأنفسنا منها أكثر مما نحن فيه، فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقلبها منكم، ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث، فاختر أيها شئت، ولا تُطمع نفسك في الباطل؛ بذلك أمرني الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين؛ وهو عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل إلينا.
أما إن أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا، وكان أخانا في دين الله؛ فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك، فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولا نستحل أذاكم، ولا التعرض لكم، وإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم؛ إذ كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد الله علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من
_________
(1) سورة البقرة: 249.
_________
آخرنا، أو نصيب ما نريد منكم؛ هذا ديننا الذي ندين الله به، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم.
فقال له المقوقس: هذا مما لا يكون أبدًا، ما تريدون إلا أن تأخذوا لكم عبيدًا ما كانت الدنيا.
فقال له عبادة: هو ذاك، فاختر ما شئت.
فقال له المقوقس: أفلا تجيبونا إلى خصلة غير هذه الخصال الثلاث؟
فرفع عبادة يديه، وقال: لا ورب السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها، فاختاروا لأنفسكم.
فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه، فقال: قد فرغ القول فما ترون؟ فقالوا: أويرضى أحد بهذا الذل! أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم؛ فهذا لا يكون أبدًا، ولا نترك دين المسيح ابن مريم وندخل في دين لا نعرفه، وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا أبدًا، فالموت أيسر من ذلك؛ لو رضوا منا أن نُضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا، كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعبادة: قد أبى القوم، فما ترى؟ فراجع صاحبك، على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون.
فقام عبادة وأصحابه، فقال المقوقس لمن حوله عند ذلك: أطيعوني، وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم بهم طاقة، وإن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منها كارهين.
فقالوا: أي خصلة نجيبهم إليها؟ قال: إذًا أُخبركم... أما دخولكم في غير دينكم، فلا آمركم به؛ وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقدروا عليهم، ولن تصبروا صبرهم، ولا بد من الثالثة (1)؛ قالوا: فنكون لهم عبيدًا أبدًا؟ قال: نعم تكونون عبيدًا مسلطين (2) في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم، وتكونوا عبيدًا وتباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا، أنتم وأهلوكم وذراريكم.
قالوا: فالموت أهون علينا.
وأمروا بقطع الجسر بين الفسطاط والجزيرة، وبالقصر من جمع الروم والقبط جمع كثير فألح المسلمون عند ذلك بالقتال على من في القصر حتى ظفروا بهم، وأمكن الله منهم، فقتل منهم خلق كثير، وأسر من أسر، وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة، وصار المسلمون قد أحدق بهم الماء من كل وجه، لا يقدرون على أن ينفذوا ويتقدموا نحو الصعيد، ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى، والمقوقس يقول لأصحابه: ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم؟ ما تنتظرون! فوالله لتجيبهم إلى ما أرادوا طوعًا أو لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منه كرهًا، فأطيعوني من قبل أن تندموا.
فلما رأوا منهم ما رأوا، وقال لهم المقوقس ما قال: أذعنوا بالجزيرة، ورضوا بذلك على صلحٍ يكون بينهم يعرفونه.
وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص: إني لم أزل حريصًا على أجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التي أرسلت إلي بها، فأبى ذلك عليَّ مَن حضرني من الروم والقبط، فلم يكن لي أن أفتات عليهم، وقد عرفوا نصحي لهم، وحبي صلاحهم، ورجعوا إلى قولي، فأعطني أمانًا أجتمع أنا وأنت في نفر من أصحابي ونفر من أصحابك، فإن استقام الأمر بيننا تم لنا ذلك جميعًا؛ وإن لم يتم رجعنا إلى ما كنا عليه.
فاستشار عمرو أصحابه في ذلك فقالوا: لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية،
_________
(1) ط: "الثلاثة"، وهو خطأ.
(2) ط: "مسلطنين"، وما أثبته من فتوح مصر.
_________
حتى يفتح الله علينا، وتصير كلها لنا فيئًا وغنيمة، كما صار لنا القصر وما فيه، فقال عمرو: قد علمتم ما عهد إليَّ أمير المؤمنين في عهده، فإن إجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التي عهد إلي فيها أجبتهم إليها، وقبلت منهم، مع ما قد حال الماء بيننا وبين ما نريد من قتالهم.
فاجتمعوا على عهد بينهم، واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران عن كل نفس، شريفهم ووضيعهم، ومن بلغ الحلم منهم؛ ليس على الشيخ الفاني، ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم، ولا على النساء شيء، وعلى أن للمسلمين عليهم النزل لجماعتهم حيث نزلوا، ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام، وأن لهم أرضهم وأموالهم، لا يعرض لهم في شيء منها.
فشرط هذا كله على القبط خاصة، وأحصوا عدد القبط يؤمئذ خاصة من بلغ منهم الجزية، وفرض عليهم الديناران، ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة، فكان جميع من أحصي يومئذ بمصر فيما أحصوا وكتبوا أكثر من ستة آلاف ألف نفس؛ فكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف ألف دينار في كل سنة.
وقيل: بلغت غلتهم ثمانية آلاف ألف.
وشرط المقوقس للروم أن يتخيروا، فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا أقام على هذا لازمًا له، مفترضًا عليه ممن أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج، وعلى أن للمقوقس الخيار في الروم خاصة؛ حتى يكتب إلى ملك الروم يعلمه ما فعل، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم؛ وإلا كانوا جميعًا على ما كانوا عليه.
وكتبوا به كتابًا، وكتب المقوقس إلى ملك الروم يعلمه على وجه الأمر كله.
فكتب إليه ملك الروم يقبح رأيه ويعجزه، ويرد عليه ما فعل، يقول في كتابه: إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفًا، وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى؛ فإن كان القبط كرهوا القتال، وأحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا، فإن عندك بمصر من الروم وبالإسكندرية، ومن معك أكثر من مائة ألف، معهم العدة والقوة.
والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت، فعجزت عن قتالهم، ورضيت أن تكون أنت ومن معك في حال القبط أذلاء، ألا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت، أو تظهر عليهم؛ فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم، وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة، فناهضهم القتال، ولا يكون لك رأي غير ذلك.
وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابًا إلى جماعة الروم.
فقال المقوقس لما أتاه كتاب ملك الروم: والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة منا؛ وذلك أنهم قوم الموت أحب إليهم من الحياة، يقاتل الرجل منهم وهو مستقل، ويتمنى ألا يرجع إلى أهله وبلده ولا ولده، ويرون أن لهم أجرًا عظيمًا فيمن قتلوا منا، ويقولون: إنهم إن قتلوا دخلوا الجنة، وليس لهم رغبة في الدنيا، ولا لذة إلا على قدر بلغة العيش من الطعام واللباس، ونحن قوم نكره الموت، ونحب الحياة ولذتها، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء، وكيف صبرنا معهم! واعلموا معشر الروم؛ إني والله لا أخرج مما دخلت فيه، وصالحت العرب فيه؛ وإني لأعلم أنكم سترجعون غدًا إلى قولي ورأيي، وتتمنون أن لو كنتم أطعتموني؛ وذلك أني قد عاينت ورأيت، وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره، ولم يعرفه، ويحكم! أما يرضى أحدكم أن يكون آمنًا في دهره على نفسه وماله وولده، بدينارين في السنة!
ثم أقبل المقوقس إلى عمرو بن العاص، فقال له: إن الملك قد كره ما فعلت وعجزني، وكتب إلي وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك، وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم؛ ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه؛ وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم الصلح فيما بينك وبينهم؛ ولم يأت من قبلهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم؛ وأما الروم فأنا منهم بريء، وأنا أطلب منك أن تعطيني ثلاث خصال.
قال له عمرو: ما هن؟ قال: لا تنقضن (1) بالقبط، وأدخلني معهم وألزمني ما لزمهم، وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك، فهم متمون لك على ما تحب.
وأما الثانية فإن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئًا وعبيدًا، فإنهم أهل لذلك؛ فإني نصحتهم فاستغشوني، ونظرت لهم فاتهموني.
وأما الثالثة، أطلب إليك إن أنا مت، أن تأمرهم أن يدفنوني في أبي يحنس (2) بالإسكندرية.
فأنعم له عمرو بن العاص، وأجابه إلى ما طلب، على أن يضمنوا له الجسرين جميعًا، ويقيموا له الإنزال والضيافة والأسواق والجسور؛ ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية.
ففعلوا وصارت لهم القبط أعوانًا، كما جاء في الحديث، واستعدت الروم وجاشت، وقدم عليهم من أرض الروم جمع عظيم.
ثم التقوا بسلطيس، فاقتتلوا بها قتالًا شديدًا، ثم هزمهم الله، ثم التقوا بالكريون، فاقتتلوا بها بضعة عشر يومًا.
وكان عبد الله بن عمرو على المقدمة، وحامل اللواء يومئذ وردان مولى عمرو.
_________
(1) فتوح مصر: "لا تنقض".
(2) ط: "حنش"، صوابه من فتوح مصر.
_________
وصلى عمرو يومئذ صلاة الخوف، ثم فتح الله يومئذ على المسلمين، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة، واتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية، فتحصن بها الروم، وكانت عليهم حصون مبنية لا ترام، حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس، إلى ما وراء ذلك؛ ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة، ورسل ملك الروم تختلف إلى الإسكندرية في المراكب بمادة الروم، وكان ملك الروم يقول: لئن ظفرت العرب على الإسكندرية، إن ذلك انقطاع ملك الروم وهلاكهم؛ لأنه ليس للروم كنائس أعظم من كنائس الإسكندرية؛ وإنما كان عيد الروم حين غلبت العرب على الشام بالإسكندرية، فقال الملك: لئن غلبوا على الإسكندرية لقد هلكت الروم، وانقطع ملكها.
فأمر بجهازه ومصلحته لخروجه إلى الإسكندرية، حتى يباشر قتالها بنفسه إعظامًا لها، وأمر ألا يتخلف عنه أحد من الروم، وقال: ما بقي للروم بعد الإسكندرية حرمة، فلما فرغ من جهازه صرعه الله فأماته، وكفى الله المسلمين مؤنته وكان موته في سنة تسع عشرة (1).
وقال الليث بن سعد: مات هرقل في سنة عشرين، فكسر الله بموته شوكة الروم، فرجع كثير ممن قد توجه إلى الإسكندرية، وانتشرت العرب عند ذلك وألحت بالقتال على أهل الإسكندرية، فقاتلوهم قتالًا شديدًا، وحاصروا الإسكندرية تسعة أشهر بعد موت هرقل، وخمسة قبل ذلك، وفتحت يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين (2).
وقال ابن عبد الحكم: أنبأنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: أقام عمرو بن العاص محاصرًا الإسكندرية أشهرًا؛ فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: ما أبطأ بفتحها إلا لما أحدثوا.
_________
(1) فتوح مصر 64-76 مع اختصار وحذف وتداخل في الروايات.
(2) فتوح مصر 79.
_________
وأخرج ابن عبد الحكم، عن زيد بن أسلم، قال: لما أبطأ على عمر الخطاب فتح مصر، كتب إلى عمرو بن العاص: أما بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر؛ إنكم تقاتلونهم منذ سنتين؛ وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم؛ فإذا أتاك كتابي، فاخطب الناس، وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، ومر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة فيها، ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله، ويسألوه النصر على عدوهم.
فلما أتى عمرًا الكتاب، جمع الناس، وقرأ عليهم كتاب عمر، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا، ويصلوا ركعتين، ثم رغبوا إلى الله تعالى، ويسألوه النصر على عدوهم، ففعلوا ففتح الله عليهم (1).
قال ابن عبد الحكم: حدثنا أبي، قال: لما أبطأ على عمرو بن العاص فتح الإسكندرية، استلقى على ظهره، ثم جلس فقال: إني فكرت في هذا الأمر؛ فإنه لا يصلح آخره إلا من أصلح أوله -يريد الأنصار- فدعا عبادة بن الصامت، فعقد له، ففتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك (2).
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن مالك بن أنس، أن مصر فتحت سنة عشرين.
_________
(1) فتوح مصر 79
(2) فتوح مصر 79-80.
_________
قال: وحدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: لما هزم الله الروم، وفتح الإسكندرية، وهرب الروم في البر والبحر، خلف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه، ومضى عمرو ومن معه في طلب من هرب من الروم في البر، فرجع من كان من الروم في البحر إلى الإسكندرية، فقتلوا من كان فيها من المسلمين إلا من هرب منهم.
وبلغ ذلك عمرو بن العاص، فكرَّ رادعا، ففتحها وأقام بها، وكتب إلى عمر بن الخطاب: إن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوة بغير عقد ولا عهد.
فكتب إليه عمر بن الخطاب يقبح رأيه، ويأمره ألا يجاوزها (1).
قال: وحدثنا هانئ بن المتوكل، حدثنا حزم بن إسماعيل المعافري، قال: قُتل من المسلمين من حين من كان من أمر الإسكندرية ما كان، إلى أن فُتحت عنوة اثنان وعشرون رجلا (2).
وحدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، قال: بعث عمرو بن العاص معاوية بن حديج وافدا إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، بشيرا له بالفتح، فقال له معاوية: ألا تكتب معي كتابا؟ قال له عمرو: وما تصنع بالكتاب! ألست رجلا عربيا تبلغ الرسالة؛ وما رأيت وما حضرت! فلما قدم على عمر، وأخبره بفتح الإسكندرية، خر عمر ساجدا، وقال الحمد لله (3).
وحدثنا إبراهيم بن سعد البلوي، قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف منية (4) بأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي (5) وأربعمائة ملهى للملوك (6).
_________
(1) فتوح مصر 80.
(2) فتوح مصر 80-81.
(3) فتوح مصر 81.
(4) في ط: "متنة"، وهو المكان الصلب المرتفع، وما أثبته من فتوح مصر.
(5) بعدها في فتوح مصر: "عليهم الجزية".
(6) فتوح مصر 81
_________
وأخرج ابن عبد الحكم، عن أبي قبيل، وحيوة بن شريح، قالا: لما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية، وجد فيها اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر (1).
وأخرج عن محمد سعيد الهاشمي، قال: ترحل في الليلة التي دخل عمرو بن العاص الإسكندرية منها -أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو بن العاص- سبعون ألف يهودي (2).
وأخرج عن إبراهيم بن سعد البلوي، أن سبب فتح الإسكندرية، أن رجلا كان يقال له ابن بسامة، كان بوابا، فسأل عمرو بن العاص أن يؤمنه على نفسه وأرضه وأهل بيته، ويفتح له الباب، فأجاب عمرو إلى ذلك، ففتح له الباب فدخل (3).
وأخرج عن حسين بن شفي بن عبيد، قال: كان بالإسكندرية، فيما أحصي من الحمامات اثنا عشر ديماسا، أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس، كل مجلس منها يسع جماعة نفر.
وكان عدة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال، فلحق بأرض الروم أهل القوة، وركبوا السفن، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل، وبقي من بقي من الأسارى ممن بلغ الخراج، فأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان، فاختلف الناس على عمرو في قسمتهم، وكان أكثر الناس يريدون قسمتها، فقال عمرو: لا أقدر أقسمها، حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها، ويعلمه أن المسلمين طلبوا قسمها، فكتب إليه عمر: لا تقسمها، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين، وقوة على جهاد عدوهم، فأقرها عمرو، وأحصى أهلها، وفرض عليهم الخراج، فكانت مصر
_________
(1) فتوح مصر 82.
(2) فتوح مصر 82.
(3) فتوح مصر 80.
_________
صلحا كلها بفريضة دينارين دينارين على كل رجل، لا يزاد على كل واحد منهم في جزية رأسه أكثر من دينارين، إلا أنه يلزم بقدر ما يتوسع فيه من الأرض والزرع إلا الإسكندرية، فإنهم كانوا يؤدون الخراج والجزية على قدر ما يرى مَنْ وليهم؛ لأن الإسكندرية فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد، ولم يكن لهم صلح ولا ذمة (1).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كانت قُرى من قرى مصر قاتلت ونقضوا، فسبوا منها قرية يقال لها بلهيب، وقرية يقال لها الخيس، وقرية يقال لها سلطيس، وفرق (2) سباياهم بالمدينة وغيرها، فردهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قراهم، وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة (3).
وأخرج عن يحيى بن أيوب، أن أهل سلطيس ومصيل وبلهيب، ظاهروا الروم على المسلمين في جمع كان لهم، فلما ظهر عليهم المسلمون استحلوهم وقالوا: هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية، فكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب إليه عمر أن يجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين، ويضرب عليهم الخراج، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط قوة للمسلمين على عدوهم، ولا يجعلوا فيئا ولا عبيدا.
ففعلوا ذلك (4).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن هشام بن أبي رقية اللخمي، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما فتح مصر قال لقبط مصر: من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته، وإن قبطيا (5) من أهل الصعيد، يقال له بطرس، ذكر لعمرو أن عنده كنزا، فأرسل إليه فسأله، فأنكر وجحد، فحبسه في السجن، وعمرو يسأل عنه: هل يسمعونه
_________
(1) فتوح مصر 82.
(2) في الفتوح "فوقع".
(3) فتوح مصر 82-83.
(4) فتوح مصر 83.
(5) فتوح مصر، "نبطيا".
_________
يسأل عن أحد؟ فقالوا: لا، إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور، فأرسل عمرو إلى بطرس، فنزع خاتمه من يده، ثم كتب إلى ذلك الراهب، أن ابعث إلي بما عندك، وختمه بخاتمة، فجاءه رسوله بقلة شامية مختومة بالرصاص، ففتحها عمرو، فوجد فيها صحيفة مكتوبا فيها: مالكم تحت الفسقية الكبيرة؛ فأرسل عمرو إلى الفسقية، فحبس عنها الماء، ثم قلع منها البلاط الذي تحتها، فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهبا مضروبة، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فأخرج القبط كنوزهم شفقة أن يسعى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس (1).
_________
(1) فتوح مصر 87.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:36 pm


ذكر الخلاف بين العلماء في مصر هل فتحت صلحا أو عنوة؟:
فمن قال إنها فتحت صلحا:
قال ابن عبد الحكم: حدثني عثمان بن صالح، أخبرنا الليث، قال: كان يزيد بن أبي حبيب يقول: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية، فإنها فُتحت عنوة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عون بن حطان، أنه كان لقريات من مصر-منهن أم دنين- عهد.
وأخرج عن يحيى بن أيوب وخالد بن حميد، قالا: فتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهروا الروم على المسلمين: سليطس، ومصيل، وبلهيب (1).
ومن قال إنها فتحت عنوة:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الملك بن مسلمة وعثمان بن صالح، قالا: أخبرنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، أن مصر فتحت عنوة.
وقال: أخبرنا عبد الملك، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال: سمعت أشياخنا يقولون: إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.
_________
(1) فتوح مصر 87.
_________
وقال: أنبأنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، أن مصر فتحت عنوة.
وقال: أنبأنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن وهب، عن داود بن عبد الله الحضرمي أن أبا حيان أيوب بن أبي العالية، حدثه عن أبيه، أنه سمع عمرو بن العاص يقول: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليَّ عهد ولا عقد إلا أهل أنطابلس، فإن لهم عهدا يوفى لهم به (1).
حدثنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قنان به، وزاد: إن شئت قتلت، وإن شئت خمست، وإن شئت بعت (2).
وأخرج عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عمرو بن العاص فتح مصر بغير عهد ولا عقد، وأن عمر بن الخطاب حبس درها وصرها أن يُخرج منه شيء، نظرا للإسلام وأهله (3).
وأخرج عن زيد بن أسلم، قال: كان تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده، فلم يوجد لأهل مصر عهد (4).
وأخرج عن الصلت بن أبي عاصم، أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن شريح: إن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.
وأخرج نحو ذلك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعراك بن مالك وسالم بن عبد الله (5).
وأخرج ابن عبد الحكم، ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: من دخل مصر من الصحابة، من طرق عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة: سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول:
_________
(1) فتوح مصر 89.
(2) فتوح مصر 89.
(3) فتوح مصر 89.
(4) فتوح مصر 89.
(5) فتوح مصر 89.
_________
لما فتحنا مصر بغير عهد، قام الزبير بن العوام، فقال: يا عمرو أقسمها، فقال عمرو بن العاص: لا أقسمها، فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، فقال عمرو: لم أكن لأحدث حدثا، حتى أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين.
فكتب إليه عمر بن الخطاب: أقرها حتى تغزو منها حبل الحبلة (1).
قال محمد بن الربيع: لم يرو أهل مصر عن الزبير بن العوام غير هذا الحديث الواحد.
ومن قال إن بعضها صلح وبعضها عنوة:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا يحيى بن خالد، عن رشيد بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، قال: كان فتح مصر بعضها بعهد وذمة، وبعضها عنوة، فجعلها عمر بن الخطاب جميعا ذمة، وحملهم على ذلك؛ فمضى ذلك فيهم إلى اليوم (2).



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:38 pm


فصل عن القضاعي لخص فيه قصة فتح مصر:
قد لخص القضاعي في كتابه الخطط قصة فتح مصر تلخيصاً وجيزاً فقال -ومن خطه نقلت-:
لما قدم عمرو بن العاص رضي الله عنه من عند عمر رضي الله عنه، كان أول موضع قوتل فيه الفرما قتلاً شديداً نحواً من شهر، ثم فتح اللهُ عليه.
قال أبو عمر الكندي: وكان أول من شد على باب الحصن حتى اقتحمه أسيفع بن وعلة السبئي وأتبعه المسلمون، فكان الفتح.
وتقدم عمرو، لا يدافع إلا بالأمر الخفيف، حتى أتى بلبيس، فقاتلوه بها نحواً من شهر، حتى فتح الله عليه، ثم مضى لا يدافع إلا بالأمر الخفيف؛ حتى أتى دنين وهي المقس، فقاتلوه بها قتالاً شديداً، وكتب إلى عمر
_________
(1) فتوح مصر 88.
(2) فتوح مصر 90.
_________
يستمده، فأمده باثني عشر ألفا، فوصلوا إليه إرسالاً يتبع بعضهم بعضاً، وكان فيهم أربعة آلاف عليهم أربعة، وهم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد -وقيل: إن الرابع خارجة بن حذافة دون مسلمة- ثم أحاط المسلمون بالحصن، وأمير الحصن يومئذ المندفور الذي يقال له الأعيرج من قبل المقوقس بن قرقب اليوناني، وكان المقوقس ينزل الإسكندرية وهو في سلطان هرقل، غير أنه كان حاضر الحصن حين حاصره المسلمون، ونصب عمرو فسطاطه في موضع الدار المعروفة بإسرائيل التي على باب زقاق الزهري، ويقال في دار أبي الوزام التي في أول زقاق الزهري، ملاصقة لدار إسرائيل.
وأقام المسلمون على باب الحصن محاصرين للروم سبعة أشهر.
ورأى الزبير خللا مما يلي دار أبي الحراني الملاصقة لحمام بن نصر السراج عند سوق الحمام، فنصب سلما، وأسنده إلى الحصن، وقال: إني أهب نفسي لله عز وجل، فمن شاء أن يتبعني فليتبعني، فتبعه جماعة حتى أوفى الحصن، فكبر وكبروا، ونصب شرحبيل بن حسنة المرادي سلما آخر مما يلي زقاق الزمامرة، ويقال: إن السلم الذي صعد عليه الزبير كان موجودا في داره التي بسوق وردان إلى أن وقع حريق فاحترق.
فلما رأى المقوقس أن العرب قد ظفروا بالحصن، جلس في سفنه هو وأهل القوة.
وكانت ملصقة بباب الحصن الغربي، فلحقوا بالجزيرة، وقطعوا الجسر، وتحصنوا هناك والنيل حينئذ في مده.
وقيل إن الأعيرج خرج معهم.
وقيل أقام في الحصن.
وسأل المقوقس في الصلح، فبعث إليه عمرو بعبادة بن الصامت، فصالحه المقوقس على القبط والروم، على أن للروم الخيار في الصلح إلى أن يوافي كتاب ملكهم؛ فإن رضي تم ذلك، وإن سخط انتقض ما بينه وبين الروم؛ وأما القبط فبغير خيار.
وكان الذي انعقد عليه الصلح أن فرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران عن كل نفس في كل سنة من البالغين؛ شريفهم ووضيعهم دون الشيوخ والأطفال والنساء، وعلى أن للمسلمين عليهم النزل (1) حيث نزلوا، وضيافة ثلاثة أيام لكل من نزل منهم؛ وأن لهم أرضهم وبلادهم، لا يعترضون في شيء منها.
فمن قال مصر فُتحت صلحا تعلق بهذا الصلح، وقال: إن الأمر لم يتم إلا بما جرى بين عبادة بن الصامت وبين المقوقس؛ وعلى ذلك أكثر العلماء من أهل مصر؛ منهم عقبة بن عامر ويزيد بن أبي حبيب والليث بن سعد وغيرهم، وذهب الذين قالوا إنها فُتحت عنوة إلى أن الحصن فُتح عنوة؛ فكان حكم جميع الأرض كذلك.
وممن قال إنها فتحت عنوة، عبيد الله بن المغيرة السبئي وعبد الله بن وهب ومالك بن أنس وغيرهم.
وذهب بعضهم إلى أن بعضها فُتح عنوة وبعضها فُتح صلحا، منهم ابن شهاب وابن لهيعة، وكان فتحها مستهل المحرم سنة عشرين.
وذكر يزيد بن أبي حبيب أن عدد الجيش الذي كان مع عمرو بن العاص خمسة عشر ألفا وخمسمائة.
وذكر عبد الرحمن بن سعيد بن مقلاص (2)، أن الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثنا عشر ألفا وثلاثمائة بعد من أصيب منهم في الحصار من القتل والموت.
ويقال إن الذين قتلوا في مدة هذا الحصار من المسلمين دفنوا في أصل الحصن.
ثم سار عمرو بن العاص إلى الإسكندرية في شهر ربيع الأول سنة عشرين -وقيل في جمادى الآخرة- فأمر بفسطاطه أن يقوض (3)، فإذا بيمامة قد باضت في أعلاه، فقال:
_________
(1) ط: "النزل والضيافة".
(2) ح، ط: "مقدام".
(3) ح، ط: "يعرض".
_________
لقد تحرمت بجوارنا، أقروا الفسطاط حتى يطير فراخها، فأقروا الفسطاط في موضعه، فبذلك سميت الفسطاط.
وذكر ابن قتيبة، أن العرب تقول لكل مدينة فسطاط، ولذلك قيل لمصر: فسطاط.
وقفل عمرو بن العاص من الإسكندرية بعد افتتاحها والمقام بها في ذي القعدة سنة عشرين.
قال الليث: أقام عمرو بالإسكندرية في حصارها وفتحها ستة أشهر، ثم انتقل إلى الفسطاط، فاتخذها دارا. انتهى كلام القضاعي بحروفه رحمه الله.



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:39 pm


ذكر الخطط:
أخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية ورأى بيوتها وبناها مفروغا منها، هم أن يسكنها، وقال: مساكن كفيناها، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه في ذلك؛ فسأل عمر الرسول: هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إذا جرى النيل.
فكتب عمر إلى عمرو: إني لا أحب أن تنزل المسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف.
فتحول عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط (1).
وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمر بن الخطاب، كتب إلى سعد بن أبي وقاص، وهو نازل بمدائن كسرى، وإلى عامله بالبصرة وإلى عمرو بن العاص وهو نازل بالإسكندرية؛ ألا تجعلوا بيني وبينكم ماء، متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت.
فتحول سعد من مدائن كسرى إلى الكوفة،
_________
(1) فتوح مصر 91.
_________
وتحول صاحب البصرة من المكان الذي كان فيه، وتحول عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط (1).
قال ابن عبد الحكم: وحدثنا أبي سعيد بن عفير، أن عمرو بن العاص لما أراد التوجه إلى الإسكندرية "لقتال من بها من الروم" (2) أمر بنزع فسطاطه، فإذا فيه يمام قد فرخ، فقال: لقد تحرم منا بمتحرم، فأمر به فأقره كما هو، وأوصى به صاحب القصر، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية، وقالوا: أين ننزل؟ قال: الفسطاط لفسطاطه الذي كان خلفه، وكان مضروبا في موضع الدار التي تعرف اليوم بدار الحصى (3).
وقال القضاعي: لما رجع عمرو من الإسكندرية، ونزل موضع فسطاطه، انضمت القبائل بعضها إلى بعض، وتنافسوا في المواضع، فولى عمرو على الخطط معاوية بن حديج التجيبي وشريك بن سمي القطيفي؛ من مراد، وعمرو بن مخزوم الخولاني، وحيويل ابن ناشرة المعارفي؛ فكانوا هم الذين أنزلوا الناس، وفصلوا بين القبائل، وذلك في سنة إحدى وعشرين.
ذكره الكندي.
قال ابن عبد الحكم: وقد كان المسلمون حين اختطوا تركوا بينهم وبين البحر والحصن فضاء لتفريق دوابهم وتأديبها، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولي معاوية بن أبي سفيان، فأقطع في الفضاء، وبنيت به الدور.
قال: وأما الإسكندرية فلم يكن بها خطط، وإنما كانت أخائذ، من أخذ منزلا نزل فيه هو وبنو أبيه.
ثم أخرج عن يزيد بن أبي حبيب أن الزبير بن العوام اختط بالإسكندرية.
_________
(1) فتوح مصر 91.
(2) من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 91.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:41 pm


ذكر بناء المسجد الجامع:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن الليث بن سعد، قال: بنى عمرو بن العاص المسجد؛ وكان ما حوله حدائق وأعنابا، فنصبوا الحبال حتى استقام لهم، ووضعوا أيديهم، فلم يزل عمرو قائما حتى وضعوا القبلة؛ وإن عمرا وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعوها واتخذوا فيه منبرا (1).
وحدثنا عبد الملك عن ابن لهيعة، عن أبي تميم الجيشاني، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد؛ فإنه بلغني أنك اتخذت منبرا ترقى به على رقاب المسلمين، أوما (2) حسبك أن تقوم قائما والمسلمون تحت عقبيك! فعزمت عليك لما كسرته (3).
وحدثنا عبد الملك، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، أن أبا مسلم اليافعي صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤذن لعمرو بن العاص، فرأيته يبخر المسجد (4).
وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة الجامع ثمانون من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن عبد الحكم: ثم إن مسلمة بن مخلد الأنصاري زاد في المسجد الجامع بعد بنيان عمرو له ومسلمة الذي كان أخذ أهل مصر ببنيان المنار للمساجد، كان أخذه إياه بذلك في سنة ثلاث وخمسين، فبُنيت المنار، وكتب عليها اسمه، ثم هدم عبد العزيز بن مروان المسجد في سنة سبع وسبعين وبناه.
_________
(1) فتوح مصر 92.
(2) ط: "أما".
(3) فتوح مصر 92.
(4) فتوح مصر 92.
_________
ثم كتب الوليد بن عبد الملك في خلافته إلى قرة بن شريك العبسي، وهو يومئذ واليه على أهل مصر (1) فهدمه كله، وبناه هذا البناء وزوقه، وذهب رءوس العُمد التي هي في مجالس قيس، وليس في المسجد عمود مذهب الرأس إلا في مجالس قيس.
وحول قرة المنبر حين هدم المسجد إلى قيسارية العسل، فكان الناس يصلون فيها الصلوات، ويجمعون فيها الجمع، حتى فرغ بنيانه، ثم زاد موسى بن عيسى الهاشمي بعد ذلك في مؤخره في سنة خمس وسبعين ومائة.
ثم زاد عبد الله بن طاهر في عرضه بكتاب المأمون بالإذن له في ذلك سنة ثلاث عشرة ومائتين، وأدخل فيه دار الرمل ودورا أخرى من الخطط.
هذا ما ذكره ابن عبد الحكم (2).
وقال ابن فضل الله في المسالك: مسجد عمرو بن العاص مسجد عظيم بمدينة الفسطاط، بناه عمرو موضع فسطاطه وما جاوره، وموضع فسطاطه حيث المحراب والمنبر وهو مسجد فسيح الأرجاء، مفروش بالرخام الأبيض، وعمده كلها رخام، ووقف عليه ثمانون من الصحابة، وصلوا فيه، ولا يخلو من سكنى الصلحاء (3).
_________
(1) بعدها في فتوح مصر: "وكانت ولاية قرة بن شريك مصر سنة تسعين، قدمها يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.
(2) فتوح مصر 131-132.
(3) مسالك الأبصار 1: 208.
_________
ذكر الدار التي بنيت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر بجعلها سوقا:
أخرج ابن عبد الحكم، عن أبي صالح الغفاري، قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: إنا قد اختططنا لك دارا عند المسجد الجامع.
فكتب إليه عمر: أنى لرجل بالحجاز يكون له دار بمصر! وأمره أن يجعلها سوقا للمسلمين.
قال ابن لهيعة: هي دار البركة، فجعلت سوقا، فكان يُباع فيها الرقيق (1).
_________
(1) فتوح مصر 92.
_________
ذكر أول من بنى بمصر غرفة:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا شعيب بن الليث وعبد الله بن صالح، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: أول من بنى غرفة بمصر خارجة بن حذافة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، أما بعد فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بنى غرفة؛ وأراد أن يطلع على عورات جيرانه؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إن شاء الله.
والسلام (1).

ذكر حمام الفأر:
وقال ابن عبد الحكم: اختط عمرو بن العاص الحمام التي يقال لها حمام الفأر؛ لأن حمامات الروم كانت ديماسات كبار، فلما بُني هذا الحمام، ورأوا صغره، قالوا: من يدخل هذا! هذا حمام الفأر (2).
_________
(1) فتوح مصر 104.
(2) فتوح مصر 96.
_________
ذكر اختطاط الجيزة:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عثمان بن صالح، أنبأنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وابن هبيرة، قالا: لما اختطت القبائل استحبت همدان وما والاها الجيزة، وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يعلمه بما صنع الله للمسلمين.
وما فتح الله عليهم، وما فعلوا (1) في خططهم؛ وما استحبت همدان وما والاها من النزول بالجيزة.
فكتب إليه عمر، يحمد الله على ما كان من ذلك، ويقول له: كيف رضيت أن تفرق أصحابك، ولم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر، لا تدري ما يفجؤهم، فلعلك على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره.
فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك، وأعجبهم موضعهم، فابن عليه من فيء المسلمين حصنا.
فعرض ذلك عمرو عليهم فأبوا، وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم؛ يافع (2) وغيرها، وأحبوا ما هنالك، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن بالجيزة في سنة إحدى وعشرين، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين وعشرين.
قال غير ابن لهيعة من مشايخ أهل مصر: إن عمرو بن العاص لما سأل أهل الجيزة أن ينضموا إلى الفسطاط قالوا: متقدم (3) قدمناه في سبيل الله، ما كنا لنرحل منه إلى غيره، فنزلت يافع بالجيزة فيها مبرح ابن شهاب، وهمدان، وذو أصبح، فيهم أبو شمر بن أبرهة، وطائفة من الحجر، منهم علقمة بن جنادة أحد بني مالك بن الحجر، وبرزوا إلى أرض الحرث والزرع.
وكان بين القبائل فضاء، من القبيل إلى القبيل، فلما قدمت الأمداد في زمن عثمان بن عفان وما بعد ذلك، وكثر الناس، وسع كل قوم لبني أبيهم حتى كثر البنيان، والتأم خطط الجيزة (4).
_________
(1) ح، ط: "صنعوا"، وما أثبته من الأصل وابن عبد الحكم.
(2) في القاموس: "يافع أبو قبيلة من رعين"، وفي الأصول: "نافع"، والصواب ما أثبته من فتوح مصر.
(3) كذا من الأصل وفي ح، ط: "مقدم".
(4) فتوح مصر 128-129.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:43 pm


ذكر المقطم:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو عن ذلك وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: سله لِمَ أعطاك به ما أعطاك وهي لا تُزدَرَع (1) ولا يُستنبط بها ماء، ولا ينتفع بها.
فسأله فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب؛ إن فيها غراس الجنة.
فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إنا لا نعلم غراس الجنة إلا للمؤمنين، فاقبر فيها من مات قبلك من المسلمين، ولا تبعه بشيء.
فكان أول من دفن فيها رجل من المعافر، يقال له عامر، فقيل: عمرت (2).
حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة، أن المقوقس قال لعمرو: إنا لنجد في كتابنا أن ما بين هذا الجبل وحيث نزلتم ينبت فيه شجر الجنة، فكتب بقوله إلى عمر بن الخطاب، فقال: صدق، فاجعلها مقبرةً للمسلمين (2).
حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عمن حدثه، قال: قبر فيها ممن عرفنا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس نفر: عمرو بن العاص، وعبد الله بن حذافة السهمي، وعبد الله بن الحارث الزبيدي، وأبو بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر الجهني.
وقال غير عثمان: ومسلمة بن مخلد الأنصاري.
قال ابن لهيعة: والمقطم ما بين القصير إلى مقطع الحجارة، وما بعد ذلك فمن اليحموم (3).
حدثنا سعيد بن عفير وعبد الله بن عياد، قالا: حدثنا المفضل بن فضالة، عن أبيه قال: دخلنا على كعب الأحبار، فقال لنا: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل مصر، قال: ما تقولون
_________
(1) ح، ط: "تزرع".
(2) فتوح مصر 156-157.
(3) فتوح مصر 157-158.
_________
في القصير؟ قلنا: قصير موسى قال: ليس بقصير موسى، ولكنه قصير عزيز مصر، كان إذا جرى النيل يترفع فيه، وعلى ذلك إنه لمقدس من الجبل إلى البحر (1).
حدثنا هانئ بن المتوكل، عن ابن لهيعة ورشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، عن حسين بن شفي الأصبحي، عن أبيه شفي بن عبيد، أنه لما قدم مصر -وأهل مصر أتخذوا مصلى بحذاء ساقيه أبي عون التي عند العسكر- فقال: ما لهم وضعوا مصلاهم في الجبل الملعون، وتركوا الجبل المقدس (1).
حدثنا أبو الأسود نصر بن عبد الجبار، أنبأنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، أن رجلًا سأل كعبًا عن جبل مصر، فقال: إنه لمقدس ما بين القصير إلى اليحموم (1).
وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن سفيان بن وهب الخولاني، قال: بينما نحن نسير مع عمرو بن العاص في سفح المقطم، ومعنا المقوقس، فقال له: يا مقوقس، ما بال جبلكم هذا أقرع، ليس عليه نبات ولا شجر، على نحو من جبال الشام! قال: ما أدري؛ ولكن الله أغنى أهله بهذا النيل عن ذلك؛ ولكنا نجد تحته ما هو خير من ذلك، قال: وما هو؟ قال: ليدفنن تحته قوم يبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم، فقال عمرو: اللهم اجعلني منهم.
وقال الكندي: ذكر أسد بن موسى، قال: شهدت جنازة (2) مع ابن لهيعة، فجلسنا حوله، فرفع رأسه، فنظر إلى الجبل، فقال: إن عيسى عليه الصلاة والسلام مر بسفح هذا الجبل، وأمه إلى جانبه، فقال: يا أماه، هذه مقبرة أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الكندي: وسأل عمرو بن العاص المقوقس: ما بال جبلكم هذا أقرع، ليس عليه نبات كجبال الشام؟ فقال المقوقس: وجدنا في الكتب، أنه كان أكثر الجبال شجرًا، ونباتًا وفاكهة، وكان ينزله المقطم بن مصر بن يبصر بن حام بن نوح، فلما كانت
_________
(1) فتوح مصر 157-158.
(2) الجنازة: الميت.
_________
الليلة التي كلم الله فيها موسى، أوحى الله تعالى إلى الجبال: إني مكلم نبيًّا من أنبيائي على جبل منكم، فسمت الحبال وتشامخت إلا جبل بيت المقدس، فإنه هبط وتصاغر، قال: فأوحى الله إليه؛ لِمَ فعلت ذلك؟ فقال: إجلالًا لك يا رب، قال: فأمر الله الجبال أن يعطوه؛ كل جبل منها مما عليه من النبت، وجاد له المقطم بكل ما عليه من النبت، حتى بقي كما ترى، فأوحى الله إليه: إني معوضك على فعلك بشجر الجنة أو غراسها، فكتب بذلك عمرو بن العاص إلى عمر رضي الله عنهما، فكتب إليه: إني لا أعلم شجر الجنة "أو غراسها" (1) لغير المسلمين، فاجعله لهم مقبرة.
ففعل ذلك عمرو، فغضب المقوقس، وقال لعمرو: ما على هذا صالحتني! فقطع له عمرو قطيعًا من نحو الحبش يدفن فيه النصارى.
قال الكندي: وروى ابن لهيعة عن عياش بن عباس، أن كعب الأحبار سأل رجلًا يريد السفر إلى مصر، فقال له: أهد لي تربة من سفح مقطعها؛ فأتاه منه بجراب.
فلما حضرت كعبًا الوفاة أمر به ففرش في لحده تحت جنبه.



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:44 pm


فصل عن ابن الجميزي وغيره عن الفتوى بهدم كل بناء بسفح المقطم
مدخل
قد أفتى ابن الجميزي وغيره بهدم كل بناء بسفح المقطم، وقالوا: إنه وقف من عمر على موتى المسلمين.
وذكر ابن الرفعة عن شيخه الظهير التزمنتي، عن ابن الجميزي، قال: جهدت مع الملك الصالح في هدم ما أحدث بالقرافة من البناء، فقال: أمر فعله والدي، لا أزيله.
قال: وهذا أمر قد عمت به البلوى وطمت، ولقد تضاعف البناء حتى انتقل إلى
_________
(1) م ح، ط.
_________
المباهاة (1) والنزهة، وسلطت المراحيض على أموت المسلمين من الأشراف والأولياء وغيرهم.
وذكر أرباب التاريخ، أن العمارة من قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه إلى باب القرافة؛ إنما حدثت أيام الناصر بن قلاون، وكانت فضاء، فأحدث الأمير يلبغا التركماني تربة، فتبعه الناس.
قال الفاكهي في شرح الرسالة: ولا يجوز التضييق فيها ببناء يحرز (2) به قبرًا ولا غيره، بل لا يجوز في المقبرة المحبسة غير الدفن فيها خاصة؛ وقد أفتى من تقدم من أجلة العلماء رحمهم الله -على ما بلغني ممن أثق به- بهدم ما بُني بقرافة مصر، وإلزام البنائين فيها حمل النقض، وإخراجه عنها إلى موضع غيرها.
وأخبرني الشيخ الفقيه الجليل نجم الدين بن الرفعة، عن شيخه الفقيه العلامة ظهير الدين التزمنتي، أنه دخل إلى صورة مسجد بُني بقرافة مصر الصغرى، فجلس فيه من غير أن يصلي تحية، فقال له الباني: ألا تصلى تحية المسجد! قال: لا؛ لأنه غير مسجد، فإن المسجد هو الأرض والأرض، مسبلة لدفن المسلمين -أو كما قال.
وأخبرني أيضًا المذكور، عن شيخه المذكور، أن الشيخ بهاء الدين بن الجميزي، قال: جهدت مع الملك الصالح في هدم ما أُحدث بقرافة مصر من البناء، فقال: أمر فعله والدي لا أزيله.
وإذا كان هذا قول ذلك الإمام وغيره في ذلك الزمان قبل أن يبالغوا في البناء، والتفنن فيه ونبش القبور لذلك، وتصويب (3) المراحيض على أموات المسلمين من الأشراف والعلماء والصالحين وغيرهم؛ فكيف في هذا الزمان، وقد تضاعف ذلك جدًّا حتى كأنهم لم
_________
(1) ط: "للمباهاة".
(2) ط: "يجوز".
(3) ح، ط: "ونصب"، وما أثبته من الأصل.
_________
يجدوا من البناء فيها بدًّا، وجاءوا في ذلك شيئًا إدا، فيجب على ولي الأمر أرشده الله تعالى الأمر (1) بهدمها وتخريبها حتى يعود طولها عرضًا وسماؤها أرضًا.
وقال ابن الحاج في المدخل: القرافة جعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لدفن موتى المسلمين فيها، واستقر الأمر على ذلك، فيمنع البناء فيها.
قال: وقد قال لي من أثق به وأسكن إلى قوله: إن الملك الظاهر -يعني بيبرس- كان قد عزم على هدم ما في القرافة من البناء كيف كان، فوافقه الوزير في ذلك، وفنده واحتال عليه بأن قال له: إن فيها مواضع للأمراء، وأخاف أن تقع فتنة بسبب ذلك، وأشار عليه أن يعمل فتاوى في ذلك فيستفتي فيها الفقهاء: هل يجوز هدمها أم لا؟ فإن قالوا بالجواز فعل الأمير ذلك مستندًا إلى فتاويهم، فلا يقع تشويش على أحد.
فاستحسن الملك ذلك، وأمره أن يفعل ما أشار به.
قال: فأخذ الفتاوى، وأعطاها لي، وأمرني أن أمشي على من في الوقت من العلماء، فمشيت بها عليهم مثل الظهير التزمنتي، وابن الجميزي ونظائرهما في الوقت، فالكل كتبوا خطوطهم، واتفقوا على لسان واحد أنه يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله، ويجب عليه أن يكلف أصحابه رمي ترابها إلى الكيمان، ولم يختلف في ذلك أحد منهم.
قال: فأعطيت الفتوى للوزير، فما أعرف ما صنع فيها، وسكت على ذلك، وسافر الملك الظاهر إلى الشام في وقته، فلم يرجع، ومات بها.
فهذا إجماع هؤلاء العلماء المتأخرين، فكيف يجوز البناء فيها! فعلى هذا فكل من فعل ذلك فقد خالفهم.
_________
(1) في الأصل: "إلى الأمر".
_________
ذكر جبل يشكر:
هو الذي عليه جامع أحمد بن طولون، ويقال: إنه قطعة من الجبل المقدس، وكان يشكر رجلًا صالحًا.
وقيل: إن الجبل المذكور يُستجاب فيه الدعاء.
وكان يصلي عليه التابعون والصالحون وقد أشار أهل الفلاح (1) على ابن طولول أنه يبني جامعه عليه.
_________
(1) كذا في الأصل، وفي ح، ط: "ابن الصلاح".
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 4:46 pm


ذكر فتوح الفيوم:
قال ابن عبد الحكم: حدثني سعيد بن عفير وغيره، قالوا (1): لما تم الفتح للمسلمين بعث عمرو جرائد الخيل إلى القرى التي حولها، فأقامت الفيوم سنة، لم يعلم المسلمون بها ولا مكانها (2) حتى أتاهم آت، فذكرها لهم؛ فأرسل عمرو ربيعة بن حبيش بن عرفطة الصدفي؛ فلما سلكوا في المجابة لم يروا شيئًا، فهموا بالانصراف، فقالوا: لا تعجلوا، سيروا؛ فإن كان كذبًا فما أقدركم على ما أردتم! فلم يسيروا قليلًا حتى طلع لهم سواد الفيوم، فهجموا عليها؛ فلم يكن عندهم قتال، وألقوا ما بأيديهم.
ويقال: بل خرج مالك بن ناعمة الصدفي على فرسه "وهو صاحب الأشقر" (3) ببعض المجابة، ولا علم له بما خلفها من الفيوم، فلما رأى سوادها، رجع إلى عمرو، فأخبره بذلك.
ويقال: بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد، فسار حتى أتى القيس، فنزل بها، وبه سميت القيس، فراث (4) على عمرو خبره، فقال ربيعة بن حبيش: كفيت.
فركب فرسه، فأجاز عليه البحر -وكانت أنثى- فأتاه بالخبر.
ويقال: إنه أجاز من ناحية الشرقية حتى انتهى (5) إلى الفيوم (6).
_________
(1) ح، ط: "قال"، وما أثبته من الأصل وفتوح مصر.
(2) فتوح مصر: "بمكانها".
(3) من فتوح مصر.
(4) راث، أي أبطأ؛ وفي ح، ط: "فراس"، تحريف.
(5) ح، ط: "أتى".
(6) فتوح مصر 169، وفي آخره: "وكان يقال لفرسه الأعمى".
_________
ذكر فتح برقة والنوبة:
قال ابن عبد الحكم: وبعث عمرو بن العاص نافع بن عبد القيس الفهري -وكان نافع أخا العاصي بن وائل لأمه- فدخلت خيولهم (1) أرض النوبة صوائف كصوائف (2) الروم، فلم يزل الأمر على ذلك حتى عزل عمرو بن العاص عن مصر، ووليها (3) عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وصالحهم، وذلك في إحدى وثلاثين؛ على أن يؤدوا كل سنة للمسلمين ثلاثمائة رأس وستين رأسًا، ولوالي البلد أربعين رأسًا (4).
قال: وكان البربر بفلسطين، وكان ملكهم جالوت؛ فلما قتله داود عليه الصلاة والسلام خرج البربر متوجهين إلى المغرب؛ حتى انتهوا إلى لوبية وماقية -وهما كورتان من كور مصر الغربية مما يشرب من السماء، ولا ينالهما النيل- فتفرقوا هنالك؛ فتقدمت زناتة ومغيلة (5) إلى المغرب، وسكنوا الجبال، وتقدمت لواته، فسكنت أرض أنطابلس؛ وهي برقة؛ وتفرقت في هذا المغرب، وانتشروا فيه، ونزلت هوارة مدينة لبدة (6).
فسار عمر بن العاص في الخيل حتى قدم برقة؛ فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها إليه الجزية، على أن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم ولم يكن يدخل برقة يومئذ جابي خراج إنما كانوا يبعثون بالجزية إذا جاء وقتها.
ووجه عمرو بن العاص عقبة بن نافع؛ حتى بلغ زويلة، فصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين (7).
_________
(1) ح، ط: "خيليهم".
(2) الصائفة في الأصل غزوة الروم؛ لأنهم كانوا يغزون صيفًا لمكان البرد والثلج.
وفي ح، ط: "طوائف كطوائف"، تحريف.
(3) فتوح مصر: "وأمر".
(4) فتوح مصر 169-170.
(5) كذا في فتوح مصر، وفي الأصل: "مغللة"، وفي ح، ط: "وغويلة".
(6) بعدها في فتوح مصر: "ونزلت نفوسة إلى مدينة سيرت، وجلا من كان بها من الروم من أجل ذلك، وأقام الأفارق -وكانوا خدمًا للروم- على صلح يؤدونه إلى من غلب من بلادهم".
(7) فتوح مصر 170-171.
_________
ذكر الجزية:
قال ابن عبد الحكم: كان عمرو بن العاص يبعث إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بالجزية بعد حبس ما يحتاج إليه؛ حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: كانت فريضة مصر لحفر خلجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفاً، معهم الطور والمساحي والأداة؛ يتعقبون ذلك، لا يدعون ذلك شتاء ولا صيفاً (1).
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن القاسم بن عبد الله، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كتب عمر بن الخطاب أن يخُتم في رقاب أهل الذمة بالرصاص، ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأَكُفِّ (2) عرضاً، [ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، ولا يضربوا على النساء ولا على الولدان] (3)، ولا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين في ملبوسهم (4).
حدثنا عبد الملك، عن الليث بن سعد، قال: كانت ويبة عمر بن الخطاب في ولاية عمرو بن العاص ستة أمداد (5).
قال ابن عبد الحكم: وكان عمرو بن العاص لما استوسق (6) له الأمر أقر قبطها على جباية الروم؛ وكانت جبايتهم بالتعديل: إذا عمرت القرية، وكثر أهلها زيد عليهم، وإن قل أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرفاء كل قرية ورؤساؤهم، فيتناظرون في
_________
(1) فتوح مصر 151
(2) الإكاف: البرذعة، وجمعه أكف
(3) من فتوح مصر
(4) فتوح مصر 151
(5) في القاموس: "الويبة: اثنان أو أربعة وعشرون مدا"، وانظر فتوح مصر 153
(6) استوسق له الأمر: اجتمع
_________
العمارة والخراب؛ حتى إذا أقروا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى، فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع، ثم ترجع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية وما فيها من الأرض العامرة فيبدرون ويخرجون من الأرض فدادين لكنائسهم وحمامامتهم ومَعْدياتهم (1) من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان؛ فإذا فرغوا نظروا إلى ما في كل قرية من الصنائع والأجراء، فقسموا عليهم بقدر احتمالهم؛ فان كانت فيها جالية (2) قسموا عليها بقدر احتمالها، وقل ما كانت إلا للرجل الشاب أو المتزوج، ثم نظروا (3) فيما بقي من الخراج فيقسمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون بين من يريد الزرع منهم على قدر طاقتهم؛ فان عجز أحد وشكا ضعفًا عن زرع أرضه وزعوا ما عجز عنه على ذوي الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزيادة أُعطي ما عجز عنه أهل الضعف؛ فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدتهم، وكانت قسمتهم على قراريط: الدينار أربعة وعشرين قيراطًا، يقسمون الأرض على ذلك.
وكذلك روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا"، وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب وويبتين من شعير إلا القرط (4)، فلم يكن عليه (5) ضريبة، والويبة يومئذ ستة أمداد (6).
وحدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث بن سعد، قال: لما ولي ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها، وينظر في تعديل الخراج عليهم، فقام
_________
(1) كذا في فتوح مصر والمقريزي، وفي الأصل: "ومقدماتهم".
(2) في القاموس: "الجالية أهل الذمة؛ لأن عمر أجلاهم عن جزيرة العرب"، وفي ط: "الخالية"، تحريف صوابه من فتوح مصر والأصل.
(3) فتوح مصر: "ينظرون".
(4) ح، ط: "القبط"، تحريف.
والقرط: علف الماشية.
(5) ح، ط: "عليهم"، وهو خطأ.
(6) فتوح مصر 152-153، والمقريزي: 123.
_________
في ذلك ستة أشهر بالصعيد، حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكتاب يكفونه ذلك بجد وتشمير وثلاثة أشهر بأسفل الأرض، فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية (1).
حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، أن عمرًا جبى مصر اثني عشر ألف ألف، وجباها المقوقس قبله سنة عشرين ألف ألف، فعند ذلك كتب إليه عمر بن الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم.
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص.
سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فإني فكرت في أمرك والذين أنت
عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة في بر وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملًا محكمًا، مع شدة عتوهم وكفرهم، فعجبت من ذلك؛ وأعجب مما أعجبت، أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب؛ ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إليَّ ذلك؛ فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها (2) لا توافق الذي في نفسي؛ ولست قابلًا منك دون الذي كنت تُؤخذ به من الخراج قبل ذلك.
ولست أدري ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك! فلئن كنت مجزئًا كافيًا صحيحًا، إن البراءة لنافعة، ولئن كنت مضيعًا نطفًا (3) إن الأمر لعلى غير ما تُحدث به نفسك.
وقد تركت أن أبتغي ذلك منك في العام الماضي في رجاء أن تفيق فترفع إليَّ ذلك؛ وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمالك عمال السوء، وما توالس عليه وتلفف؛ اتخذوك كهفًا.
_________
(1) فتوح مصر 156.
(2) كذا في المقريزي، وفي الأصول: "تنتالها".
(3) نطف الرجل؛ إذا اتهم بريبة.
_________
وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه؛ فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه؛ فإن النهز (1) يخرج الدر، والحق أبلج، ودعني وما عنه تتلجلج، فإنه برح الخفاء.
والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص؛ سلام عليك، فأني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيه من عمل الفراعنة قبل، وإعجابه من خراجها على أيديهم، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام.
ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر؛ لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام.
وذكرت بأن النهز يُخرج الدر، فحلبتها حلبًا قطع ذلك درها.
وأكثرت في كتابك، وأنبت، وعرضت وثربت (2) ؛ وعلمت أن ذلك عن شيء تُخفيه على غير خبر؛ فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات؛ ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق.
وقد علمنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولمن بعده؛ فكنا بحمد الله مؤدين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا، نرى غير ذلك قبيحًا، والعمل به سيئًا، فيعرف ذلك لنا ويصدق فيه قيلنا.
معاذ الله من تلك الطعم، ومن شر الشيم، والاجتراء على كل مأثم؛ فاقبض عملك؛ فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضًا "ولم" (3) تكرم فيه أخًا.
والله يابن الخطاب؛ لأنا حين يُراد ذلك مني أشد لنفسي غضبًا، ولها إنزاهًا وإكرامًا.
وما علمت من عمل
_________
(1) نهز الناقة: ضربها لتدر.
(2) التثريب: اللوم والتأثيب.
وفي المقريزي: "وأنبت".
(3) من فتوح مصر.
_________
أرى عليَّ فيه متعلقًا؛ ولكني حفظت ما لم تحفظ؛ ولو كنت من يهود يثرب ما زدت -يغفر الله لك ولنا- وسكت عن أشياء كنت بها عالمًا؛ وكان اللسان بها مني ذلولًا؛ ولكن الله عظم من حقك ما لا يُجهل.
والسلام.
فكتب إليه عمر بن الخطاب (1):
من عمر بن الخطاب إلى عمر بن العاص؛ سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج وكتابك إلي ببنيات الطرق (2)؛ وقد علمت أني لست أرضى منك إلا بالحق البين؛ ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طُعمة ولا لقومك؛ ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج، وحسن سياستك؛ فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج، فإنما هو فيء المسلمين، وعندي من "قد" (3) تعلم قوم محصورون.
والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لعمر بن الخطاب من عمر بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج، ويزعم أني أعند عن الحق، وأنكب عن الطريق؛ وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم؛ ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تُدرك غلتهم؛ فنظرت للمسلمين؛ فكان الرفق بهم خيرًا من أن يُخرق بهم، فنصير إلى ما لا غنى بهم عنه.
والسلام.
فلما استبطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخراج، كتب إليه: أن ابعث إليَّ رجلًا
_________
(1) بعدها في فتوح مصر: "كما وجدت في كتاب أعطانيه يحيى بن عبد الله بن بكير بن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي مرزوق التجبي، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص".
(2) بنيات الطريق في الأصل: "الطرق الصغار تتشعب من الجادة.
(3) من فتوح مصر.
_________
من أهل مصر؛ فبعث إليه رجلًا قديمًا من القبط، فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام، فقال: يا أمير المؤمنين، كان لا يُؤخذ منها شيء إلا بعد عمارتها، وعاملك لا ينظر إلى العمارة، وإنما يأخذ ما ظهر له؛ كأنه لا يريدها إلا لعام واحد.
فعرف عمر ما قال، وقبل من عمرو ما كان يعتذر به (1).
قال ابن عبد الحكم: حدثنا هشام بن إسحاق العامري قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص، أن يسأل المقوقس عن مصر: من أين تأتي عمارتها وخرابها؟ فسأله عمرو، فقال له المقوقس: تأتي عمارتها وخرابها من خمسة وجوه: أن يُستخرج الخراج (2) في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويُرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومها، وتُحفر في كل سنة خُلُجها، وتُسد ترعها وجسورها، ولا يُقبل محل أهلها -يريد البغي- فإذا فُعل هذا فيها عمرت، وإن عُمل فيها بخلافه خربت (3).
قال الليث بن سعد: "إن عمرًا جباها اثني عشر ألف ألف.
وقال غير الليث: وجباها المقوقس قبله بسنة عشرين ألف ألف.
قال الليث" (4): وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر ألف ألف، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله، درت اللقحة (5) بأكثر من درها الأول، قال عمرو: أضررتم بولدها (6).
حدثنا شعيب بن الليث وعبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: انظر من بايع
_________
(1) فتوح مصر 158-161، والمقريزي 1: 123-126.
(2) فتوح مصر: "خراجها".
(3) فتوح مصر 161.
(4) من فتوح مصر.
(5) اللقحة: الناقة الحلوب.
(6) فتوح مصر 161.
_________
تحت الشجرة، فأتم لهم العطاء لشجاعته، ولعثمان بن أبي العاص لضيافته (1).
حدثنا سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، قال: كان ديوان مصر في زمان معاوية أربعين ألفًا، وكان منهم أربعة آلاف في مائتين، فأعطى مسلمة بن مخلد أهل الديوان أعطياتهم وأعطيات عيالهم وأرزاقهم ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز؛ وبعث إلى معاوية بستمائة ألف دينار فضلًا.
حدثنا هانئ، حدثنا ضمام عن أبي قبيل، قال: كان معاوية بن أبي سفيان قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب رجلًا يصبح كل يوم، فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال: ولد لفلان غلام ولفلان جارية؛ فيقول: سموهم، فيكتب.
ويقال: نزل بنا رجل من أهل اليمن بعياله فيسمونه وعياله، فإذا فرغ من القبائل كلها أتى الديوان.
_________
 (1) فتوح مصر 145.
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Empty
مُساهمةموضوع: رد: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول   حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول Emptyالخميس 23 نوفمبر 2023, 8:46 pm

ذكر المكس على أهل الذمة:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا سعيد بن عفير، عن بن لهيعة، عن ابن هبيرة، قال: دعا عمرو بن العاص خالد بن ثابت الفهمي ليجعله على المكس (1)، فاستعفاه؛ فقال عمرو: ما تكره منه؟ فقال: إن كعبًا قال: لا تقرب المكس؛ فإن صاحبه في النار؛ فكان ربيعة بن شرحبيل بن حسنة على المكس (2).
_________
 (1) المكس: الضريبة.
(2) فتوح مصر 231.
_________
ذكر القطائع:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا يحيى بن خالد، عن الليث بن سعد، قال: لم يبلغنا أن عمر بن الخطاب أقطع أحدًا من الناس شيئًا من أرض مصر إلا لابن سندر، فإنه أقطعه أرض منية الأصبغ؛ فحاز لنفسه ألف فدان؛ فلم تزل له حتى مات؛ فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز من ورثته؛ فليس بمصر قطيعة أقدم منها ولا أفضل (1).
حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أنه كان لزنباع الجذامي غلام يقال له سندر، فوجده يقبل جارية له، فجبه وجدع أذنيه وأنفه، فأتى سندر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إلى زنباع، فقال: "لا تحملوهم ما لا يطيقون، وأطعموهم مما تأكلون، وأكسوهم مما تلبسون؛ فإن رضيتم فأمسكوا، وإن كرهتموهم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله، ومن مُثِّل به أو أُحرق بالنار فهو حر، وهو مولى الله ورسوله".
فأعتق سندر، فقال: أوص بي يا رسول الله، قال: "أوصي بك كل مسلم"؛ فلما توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى سندر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: احفظ فيَّ وصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعاله أبو بكر رضي الله عنه حتى توفي، ثم أتى عمر فقال: احفظ فيَّ وصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال: نعم، إن رضيت أن تقيم عندي أجريت عليك ما كان يجري عليك أبو بكر، وإلا فانظر أي المواضع أكتب لك؛ فقال سندر: مصر فإنها أرض ريف؛ فكتب إلى عمرو بن العاص: احفظ وصية رسول الله صلى الله عليه فيه؛ فلما قدم على عمرو، قطع له أرضًا واسعة ودارًا، فجعل سندر يعيش فيها، فلما مات سندر قبضت في مال الله تعالى.
قال عمرو بن شعيب: ثم أقطعها عبد العزيز بن مروان الأصبغ بعده؛ فكانت خير أموالهم (2).
_________
(1) فتوح مصر 137.
(2) فتوح مصر 137-138.
_________
ذكر مرتبع الجند:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن صالح، عن عبد الرحمن بن شريح، عن أبي قبيل، قال: كان الناس يجتمعون بالفسطاط إذا قفلوا؛ فإذا حضر مرافق الريف خطب عمرو بن العاص بالناس، فقال: قد حضر مرافق ريفكم؛ فانصرفوا، فإذا حمض اللبن، واشتد العود، وكثر الذباب، فحي (1) على فسطاطكم، ولا أعلمن ما جاء أحد قد أسمن نفسه، وأهزل جواده (2).
حدثنا أحمد بن عمرو، أنبأنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي يزيد بن أبي حبيب، قال: كان عمرو يقول للناس إذا قفلوا من غزوهم: إنه قد حضر الربيع، فمن أحب منكم أن يخرج بفرسه يربعه فليفعل؛ ولا أعلمن ما جاء رجل قد أسمن نفسه وأهزل فرسه؛ فإذا حمض اللبن وكثر الذباب، وقوي العود، فارجعوا إلى قيروانكم (3).
حدثنا سعيد بن ميسرة، عن إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري عن بحير بن ذاخر المعافري، قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة، "تهجيرًا" (4)، وذلك آخر الشتاء "أظنه بعد حمم النصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع إذ أقبل رجال بأيديهم السياط، يزجرون الناس، فذعرت، فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بني هؤلاء الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة" (4)، فقام عمرو بن العاص على المنبر، "فرأيت رجلًا ربعة قصد القامة وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشية، كأن به العقيان، تأتلق عليه حلة وعمامة وجبة"، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه
_________
(1) ح، ط: "فجيئوا"، وما أثبته من فتوح مصر.
(2) فتوح مصر 139.
(3) القيروان: معظم الجيش؛ أصله بالفارسية: "كاروان" فعرب.
والخبر في فتوح مصر 139، وفي رواية أخرى: "فحي على فساطيطكم".
(4) من فتوح مصر.
_________
وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، ثم قال: يا معشر الناس إنه قد نزلت الجوزاء، وذكت الشعرَى، وأقلعت السماء، وارتفع الوباء، وقل النداء، وطاب المرعى، ووضعت الحوامل، ودرجت السخائل، وعلى الراعي حسن النظر لرعيته، فحي لكم على بركة الله ريفكم، تنالوا من خيره ولبنه، وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم، وبها مغانمكم وأثقالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرًا؛ حدثنا عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا، فإن لكم منهم صهرًا وذمة"، فعفوا أيديكم وفروجكم، وغضوا أبصاركم، ولا أعلمن ما أنى رجل قد أسمن جسمه، وأهزل فرسه.
واعلموا أني معترض بالخيل كاعتراض الرجال؛ فمن أهزل فرسه من غير علة حططت من فريضته قدر ذلك.
واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة؛ لكثرة الأعداء حولكم وتشوق قلوبهم إليكم وإلى دياركم، معدن الزرع والمال، والخير الواسع والبركة النامية.
وحدثني عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال له أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة"، فاحمدوا الله معاشر المسلمين على ما أولاكم، فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم؛ فإذا يبس العود وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمض اللبن، وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحي على فسطاطكم، على بركة الله تعالى وعونه ولا يقدمنّ أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله، وأستحفظ الله عليكم.
قال حفظت ذلك عنه، فقال والدي: يا بني إنه يُجرئ الناس إذا أنصرفو إليه على الرباط كما جرأهم على الريف والدعة (1).
_________
(1) فتوح مصر 140-142، مع حذف وتصرف.
_________
ذكر نهي الجند عن الزرع:
أخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن هبيرة، قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر مناديه أن يخرج إلى أمراء الأجناد يتقدمون إلى الرعية؛ أن عطاءهم قائم، وأن رزق عيالهم سائل، فلا يزرعون "ولا يزارعون" (1).
قال ابن وهب: فأخبرنا (2) شريك بن عبد الرحمن المرادي، قال: بلغنا أن شريك بن سمي الغصيفي (3) أتى عمرو بن العاص، فقال: إنكم لا تعطونا ما يحسبنا (4)، أفتأذن لي في الزرع؟ قال: ما أقدر على ذلك، فزرع شريك من غير إذن عمرو، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب (5) يخبره أن شريكًا حرث بأرض مصر فكتب إليه عمر: أن ابعث إليّ به "فبعث به إليه، فقال له عمر: لأجعلنك نكالًا لمن خلفك، قال: أوتقبل مني ما قبل الله من العباد؟ قال: وتفعل؟ قال: نعم، فكتب إلى عمرو بن العاص: إن شريك بن سمي جاءني تائبًا. فقبلت منه" (6).
_________
(1) فتوح مصر.
(2) فتوح مصر: "فأخبرني".
(3) في الأصول: "الغطفي"، وما أثبته من فتوح مصر.
(4) يحسبنا، أي يكفينا.
(5) فتوح مصر: "فلما بلغ ذلك عمرًا".
(6) كذا ورد الكلا متقتضبًا، وفي فتوح مصر 162: "فلما انتهى كتاب عمر إلى عمرو أقرأه شريكًا، فقال شريك لعمرو.
قتلتني يا عمرو، فقال عمرو: ما أنا قتلتك، أنت صنعت هذا بنفسك، قال له: إذ كان هذا من رأيك، فأذن لي بالخروج إليه من غير كتاب، ولك عهد الله أن أجعل يدي في يده، فأذن له بالخروج، فلما وقف على عمر قال: تؤمنني يا أمير المؤمنين؟ قال: ومن أي الأجناد أنت؟ قال: من جند مصر، قال: فلعلك شريك بن سمي الغطيفي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: لاجعلنك نكالًا لمن خلفك، قال: أوتقبل مني ما قبل الله من العباد، قال: وتفعل؟ قال: نعم، فكتب إلى عمرو بن العاص: إن شريك بن سمي جاءني تائبًا فقبلت منه".
_________
ذكر حفر خليج أمير المؤمنين:
قال ابن عبد الحكم: حدثنا عبد الله بن صالح وغيره، عن الليث بن سعد، أن الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة عمر عام الرمادة (1)، فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص: سلام عليك؛ أما بعد؛ فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، أن أهلك أنا ومن معي؛ فياغوثاه، ثم ياغوثاه! يردد قوله.
فكتب إليه عمرو بن العاص: لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عبد الله عمرو بن العاص؛ أما بعد فيا لبيك ثم يا لبيك! قد بعثت إليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي.
والسلام عليك ورحمة الله.
فبعث إليه بعيرٍ عظيمة، فكان أولها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضًا، فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس (2).
وكتب إلى عمرو بن العاص يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، "فقدموا عليه" (3)،
_________
(1) قال صاحب اللسان: "عام الرمادة معروف، سمي بذلك لأن الناس والأموال هلكوا فيه كثيرًا.
وقيل: هي أعوام جدب تتابعت على الناس في أيام عمر بن الخطاب، وفي حديث عمر، أنه أخر الصدقة عام الرمادة، وكانت سنة جدب وقحط، فلم يأخذها منهم تخفيفًا عنهم".
(2) بعدها في فتوح مصر: "ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرًا بما عليه من الطعام، وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص يقسمونها على الناس، فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيرًا بما عليه من الطعام، أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير، فيأكلوا لحمه، ويأتدموا شحمه، ويحتذروا جلده، وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف وغيره، فوسع الله عليه بذلك على الناس. فلما رأى عمر ذلك حمد الله وكتب...".
(3) من فتوح مصر.
_________
فقال عمر: يا عمرو؛ إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في روعي -لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم- (1) أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة؛ فإن حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ معه ما نريد؛ فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم.
فانطلق عمرو، فأخبر "بذلك" (2) من كان معه من أهل مصر فثقل ذلك عليهم، وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له: هذا أمر لا يعتدل، ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلًا.
فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك حين رآه، وقال: والذي نفسي بيده، لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرت به من حفر الخليج، فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر؛ فنرى بأن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: هذا لا يعتدل، ولا نجد إليه سبيلًا.
فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت، فقال عمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجد في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله تعالى.
فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفعلة ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط، الذي يقال له خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم؛ فلم يأت الحول حتى فرغ، وجرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسُمي خليج أمير المؤمنين.
ثم لم يزل يُحمل فيه الطعام، حتى حُمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه،
_________
(1) بعدها في فتوح: "حين فتح الله عليهم مصر، وجعلها قرة لهم ولجميع المسلمين".
(2) من فتوح مصر.
_________
ثم ضيعه الولاة بعد ذلك، فترك وغلب عليه الرمل، فانقطع، وصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية طحا القلزم (1).
قال ابن عبد الحكم: وحدثني أخي عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن -قال: حسبته، عن عروة- أن عمر بن الخطاب قال لعمرو بن العاص حين قدم عليه: "قد عرفت الذي أصاب العرب" (2)، وليس جند من الأجناد أرجى عندي من أن يغيث الله بهم أهل الحجاز من جندك؛ فإن استطعت أن تحتال لهم حيلة حتى يُغيثهم الله! فقال عمرو: "ما شئت يا أمير المؤمنين" (3)، قد عرفت أنه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل الإسلام، فلما فتحنا مصر، انقطع ذلك الخليج واستد، وتركته التجار، فإن شئت أن تحفره فتنشئ فيه سفنًا يُحمل فيها الطعام إلى الحجاز فعلته! قال عمر: نعم، فحفره عمرو، وعالجه وجعل فيه السفن (4).
حدثنا أبي، سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، أن رجلًا أتى عمرو بن العاص من قبط مصر، قال: أرأيتك إن دللتك على مكان تجري فيه السفن، حتى تنتهي إلى مكة والمدينة، أتضع عني الجزية وعن أهل بيتي؟ قال: نعم، فكتب إلى عمر، فكتب إليه أن افعل؛ فلما قدمت السفن الحجاز خرج عمر حاجًّا أو معتمرًا، فقال الناس: سيروا بنا ننظر إلى السفن التي سيرها الله إلينا من أرض فرعون (5).
قال ابن زولاق: وليس بمصر خليج إسلامي غيره.
قال: وكان حجاج البحر يركبون فيه من ساحل تنيس يسيرون فيه، ثم ينتقلون بالقلزم إلى المراكب الكبار.
_________
(1) فتوح مصر 163-164.
(2) فتوح مصر: "يا عمرو، إن العرب قد تشاءمت بي، وكادت أن تهلك على رجلي، وقد عرفت الذي أصابها".
(3) من فتوح مصر.
(4) فتوح مصر 164.
(5) فتوح مصر 166.
_________
ذكر انتقاض عهد الإسكندرية وسببه:
وذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه، قال ابن عبد الحكم (1): حدثنا عثمان بن صالح، عن الليث بن سعد، قال: عاش عمر بن الخطاب بعد فتح مصر ثلاث سنين، قدم عليه فيها عمرو قدمتين، استخلف في إحداهما زكريا بن جهم العبدري (2) على الجند، ومجاهد بن جبير مولى بني نوفل على الخراج، فسأله عمر: من استخلفت؟ فذكر له مجاهد بن جبير، فقال عمر: مولى ابنة (3) غزوان؟ قال: نعم؛ إنه كاتب، فقال عمر: إن القلم (4) ليرفع صاحبه.
واستخلف في القدمة الثانية عبد الله بن عمر.
حدثنا عن حيوة بن شريح، عن الحسن بن ثوبان، عن هشام، عن أبي رقية قال: كان سبب نقض الإسكندرية العهد أن صاحب إخنا، قدم على عمرو بن العاص، فقال: أخبرنا، ما على أحدنا من الجزية (5) ؟ فقال عمرو (6): لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك؛ إنما أنتم خزانة لنا؛ إن كُثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم.
فغضب صاحب إخنا، فخرج إلى الروم، فقدم بهم، فهزمهم الله، وأسر النبطي، فأُتي به إلى عمرو فقال له الناس: اقتله؛ قال: لا بل انطلق؛ فجئنا بجيش آخر (7).
_________
(1) فتوح مصر 178-179.
(2) ط: "الغبدي"، ما أثبته من فتوح مصر.
(3) ط: "بنى" وصوابه من فتوح مصر، قال: "وبنت غزوان هذه أخت عبتة بن غزوان، وقد شهد بدرًا".
(4) ح، ط: "العلم"، وما أثبته من الأصل وفتوح مصر.
(5) بعدها في فتوح مصر: "فيصبر لها".
(6) بعدها في فتوح مصر: "وهو يشير إلى ركن كنيسة".
(7) فتوح مصر 176-177.
_________
حدثنا سعيد بن سابق، قال: كان اسمه طلما، وإن عمرا لما أُتي به سوره، وتوجه وكساه برنس أرجوان، وقال له: ائتنا بمثل هؤلاء.
فرضي بأداء الجزية، فقيل لطلما: لو أتيت ملك الروم! فقال: لو أتيته لقتلني، وقال: قتلت أصحابي (1).
حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: كانت الإسكندرية انتقضت وجاءت الروم، وعليهم منويل الخصي في المراكب، حتى أرسى بالإسكندرية، فأجابهم من بها من الروم؛ ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث؛ وقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه عزل عمرو بن العاص، وولى عبد الله بن سعد؛ فلما نزلت الروم بالإسكندرية، سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم؛ فإن له معرفة بالحرب، وهيبة في قلب العدو؛ ففعل.
وكان على الإسكندرية سورها؛ فحلف عمرو بن العاص: لئن أظفره الله عليهم ليهدمن سورها؛ حتى يكون مثل بيت الزانية يُؤتى من كل مكان.
فخرج عليهم عمرو في البر والبحر، وضوى إلى المقوقس من أطاعه من القبط؛ فأما الروم فلم يطعه منهم أحد، فقال خارجة بن حذافة لعمرو: ناهضهم القتال قبل أن يكثر مددهم، ولا آمن أن تنتفض مصر كلها، فقال عمرو: لا، ولكن أدعهم حتى يسيروا إلي، فإنهم يصيبون من مروا به، فيجزي الله بعضهم ببعض، فخرجوا من الإسكندرية، ومعهم من نقض من أهل القرى فجعلوا ينزلون القرية، فيشربون خمورها، ويأكلون أطعمتها، وينهبون (2) ما مروا به.
فلم يتعرض لهم عمرو حتى بلغوا نقيوس، فلقوهم في البر والبحر، فبدأت الروم والقبط، فرموا بالنشاب في الماء رميا حتى أصاب النشاب يومئذ فرس عمرو في لبته، وهو في البر، فعقر، فنزل عنه عمرو، ثم خرجوا من البحر فاجتمعوا هم والذين في البر، فنضحوا المسلمين بالنشاب؛ فاستأخر المسلمون عنهم شيئا يسيرا وحملوا على المسلمين حملة ولى المسلمون منها، وانهزم شريك بن سمي في خيله.
_________
(1) فتوح مصر 177.
(2) فتوح مصر: "وينبهون".
_________
وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف، وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له، عليه سلاح مذهب، فدعا إلى البراز، فبرز إليه رجل من زبيد، يقال له حومل، يكنى أبا مذحج، فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان، ثم ألقى البطريق الرمح، وأخذ السيف، وألقى حومل رمحه، وأخذ سيفه، وكان يعرف بالنجدة، وجعل عمرو يصيح: أبا مذحج! فيجيبه: لبيك! والناس على شاطئ النيل في البر على تعبئتهم وصفوفهم، فتجاولا ساعة بالسيفين، ثم حمل عليه البطريق، فاحتمله -وكان نحيفا- فاخترط حومل خنجرا كان في منطقته أو في ذراعه، فضرب نحر العلج أو ترقوته فأثبته (1)، فوقع عليه وأخذ سابه، ثم مات حومل بعد ذلك بأيام، فرئي عمرو يحمل سريره بين عمودي نعشه حتى دفنه بالمقطم، ثم شد المسلمون عليهم، فكانت هزيمتهم.
فطلبهم المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية، ففتح الله عليهم، وقُتل منويل الخصي (2).
حدثنا الهيثم بن زياد، أن عمرو بن العاص قتلهم حتى أمعن في مدينتهم؛ فكُلم في ذلك، فأمر برفع السيف عنهم، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدا، وهو المسجد الذي بالإسكندرية يقال له مسجد الرحمة -وإنما سمي مسجد الرحمة لرفع عمر السيف هناك- وهدم سورها كله.
وجمع عمرو ما أصابه منهم، فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض، فقالوا: قد كنا على صلحنا، وقد مر علينا هؤلاء اللصوص، فأخذوا متاعنا ودوابنا، وهو قائم في يديك.
فرد عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه، وأقاموا عليه البنية (3).
_________
(1) أثبته، أي جعله لا حراك به.
(2) فتوح مصر 175-176.
(3) فتوح مصر 76.
_________
رجع إلى حديث يزيد بن أبي حبيب.
قال: فلما هزم الله الروم، أراد عثمان عمرا أن يكون على الحرب وعبد الله بن سعد على الخراج، فقال عمرو: أنا إذًا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها! فأبى عمرو (1).
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عمرو بن العاص، أنه فتح الإسكندرية الفتحة الأخيرة عنوة قسرا في خلافة عثمان بعد موت عمر بن الخطاب (2).
حدثنا عبد الملك، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان فتح الإسكندرية الأول سنة إحدى وعشرين، وفتحها الآخر سنة خمس وعشرين (3).
قال نمير بن لهيعة: وأقام عمرو بعد فتح الإسكندرية، ثم عزله عثمان رضي الله عنه، وولى عبد الله بن سعد؛ وكان عمر بن الخطاب ولى عبد الله بن سعد من الصعيد إلى الفيوم، فكتب عثمان بن عفان، إلى عبد الله بن سرح يؤمره على مصر كلها.
فلما كان سنة خمس وثلاثين مشت الروم إلى قسطنطين بن
هرقل، فقالوا: نترك الإسكندرية في أيدي العرب، وهي مدينتنا الكبرى، فقال: ما أصنع بكم؟ ما تقدرون أن تمالكوا ساعة إذا لقيتم العرب! قالوا: فاخرج على أنَّا نموت.
فتبايعوا على ذلك، فخرج في ألف مركب يريد الإسكندرية، فسار في أيام غالبة (4) من الريح، فبعث الله عليهم ريحا فغرقتهم، إلا قسطنطين نجا بمركبه، فألقته الريح بسقلية فسألوه عن أمره فأخبرهم، فقالوا شأمت (5) النصرانية، وأفنيت رجالها، لو دخل العرب علينا لم نجد من يردهم، فقال: خرجنا مقتدرين، فأصابنا هذا، فصنعوا له الحمام، ودخلوا عليه، فقال: ويلكم! تذهب رجالكم، وتقتلون ملككم! قالوا: كأنه غرق معهم ثم قتلوه، وخلوا من كان معهم في المركب (6).
_________
(1) فتوح مصر 177-178.
(2) فتوح مصر 178.
(3) فتوح مصر 178، وبعده: "بينهما أربع سنين".
(4) ح، ط: "عالية".
(5) في الأصل: "شتت"، وما أثبته من ط.
(6) فتوح مصر 191.
_________
ذكر رابطة الإسكندرية:
أخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب وعبد الله بن هبيرة، قالا: لما استقامت البلاد، وفتح الله على المسلمين الإسكندرية، قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس خاصة؛ الربع يقيمون ستة أشهر (1) والربع في السواحل، والنصف الثاني مقيمون معه.
قال غيرهما: وكان عمر بن الخطاب يبعث كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية، فكانت الولاة لا تغفلها، وتكشف رابطتها (2)، ولا تأمن الروم عليها.
وكتب عثمان إلى عبد الله بن سعد: قد علمت كيف كان هم أمير المؤمنين بالإسكندرية، وقد نقضت الروم مرتين، فألزم الإسكندرية رابطتها، ثم أجر عليهم أرزاقهم، وأعقب منهم في كل ستة أشهر (3).
وأخرج عن أبي قبيل، أن عتبة بن أبي سفيان عقد لعلقمة بن يزيد الغطفي على الإسكندرية، وبعث معه اثني عشر ألفا، فكتب علقمة إلى معاوية يشكو عتبة حين غدر به وبمن معه.
فكتب إليه معاوية: إني قد أمددتك بعشرة آلاف من أهل الشام وبخمسة آلاف من أهل المدينة، فكان فيها سبعة وعشرون ألفا (4).
وأخرج ابن حبان في الضعفاء، من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعا: "أربعة أبواب من الجنة مفتحة في الدنيا: الإسكندرية وعسقلان، وقزوين، وجدة".
_________
(1) بعدها في فتوح مصر: "ثم يعقبهم من فتوح مصر شاتية ستة أشهر".
(2) الفتوح: "فكاتب الولاة: لا تغفلها وتكثف".
(3) فتوح مصر 191-192.
(4) فتوح مصر 192.
_________
وأخرج ابن الجوزي في الموضوعات من طريق عمرو بن صبيح، عن أبان، عن أنس مرفوعا: "يحول الله القيامة ثلاثة قرى من زبرجدة خضراء: عسقلان، والإسكندرية، وقزوين".
وقال ابن الجوزي: عمرو بن صبيح يضع على الثقات.
وقال الكندي في فضائل مصر: قال أحمد بن صالح، قال لي سفيان بن عيينة: يا مصري، أين تسكن؟ قلت: أسكن الفسطاط، قال: أتأتي الإسكندرية؟ قلت: نعم، قال لي: تلك كنانة الله يحمل فيها خير سهامه.
وقال عبد الله بن مرزوق الصدفي: لما نُعي إليَّ ابن عمي خالد بن يزيد -وكان توفي بالإسكندرية- لقيني موسى بن علي بن رباح وعبد الله بن لهيعة والليث بن سعد متفرقين، كلهم يقولون: أليس مات بالإسكندرية! فأقول: بلى، فيقولون: هو حي عند الله يرزق، ويجري عليه أجر رباطه ما قامت الدنيا، وله أجر شهيد حتى يُحشر على ذلك.
_________
ذكر وسيم:
وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي غطيف، عن حاطب بن أبي بلتعة، أن عمر بن الخطاب قال: يقاتلكم أهل الأندلس بوسيم، حتى يبلغ الدم ثُنَن (1) الخيل، ثم ينهزمون (2).
_________
(1) الثنن: جمع ثنة؛ وهو الشعرات التي في مؤخر رسغ الدابة؛ وفي ح، ط: "متن".
(2) فتوح مصر 317.
_________
ذكر ما يقع بمصر قرب الساعة:
أخرج الحاكم في المستدرك، وصححه من حديث عبد الله بن صالح: حدثني الليث، حدثني أبو قبيل، عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا من أعداء المسلمين بالأندلس، يقال له ذو العرف، يجمع من قبائل المشركين جمعا عظيما؛ يعرف مَنْ بالأندلس أن لا طاقة لهم به، فيهرب أهل القوة من المسلمين في السفن، فيجيزون إلى طنجة، ويبقى ضعفة الناس وجماعتهم، ليس لهم سفن يجيزون عليها، فيبعث الله جلا وعلا وينشر لهم في البحر، فيجيز الوعل، لا يغطي الماء أظلافه، فيراه الناس فيقولون: الوعل، الوعل! اتبعوه، فيجيز الناس على أثره كلهم، ثم يصير البحر على ما كان عليه، ويجيز العدو في المراكب؛ فإذا حبسهم أهل إفريقية هربوا كلهم من إفريقية، ومعهم من كان بالأندلس من المسلمين، حتى يدخلوا الفسطاط، ويقبل ذلك العدو حتى ينزلوا فيما بين ترنوط إلى الأهرام، مسيرة خمسة برد، فيملئون ما هناك شرا، فتخرج إليهم راية المسلمين على الجسر، فينصرهم الله عليهم، فيهزمونهم ويقتلونهم إلى لوبية، مسيرة عشرة ليال، ويستوقد أهل الفسطاط بعجلهم وأداتهم (1) سبع سنين، وينقلب ذو العرف من القتل، ومعه كتاب لا ينظر فيه إلا وهو منهزم، فيجد فيه ذكر الإسلام، وأنه يُؤمر فيه بالدخول في السلم، فيسأل الأمان على نفسه وعلى من أجابه إلى الإسلام من قومه، فيُسلم، ثم يأتي العام الثاني رجل من الحبشة يقال له أنيس، وقد جمع جمعا عظيما، فيهرب المسلمون منهم من أسوان حتى لا يبقى فيها ولا فيما دونها أحد من المسلمين، إلا دخل الفسطاط، فينزل أنيس بجيشه منف، فيخرج إليهم راية المسلمين على الجسر، فينصرهم الله عليهم، فيقتلونهم ويأسرونهم، حتى يباع الأسود بعباءة.
قال الحاكم: صحيح موقوف.
_________
(1) ح، ط: "وأدوانهم".
_________



حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة - المجلد الثاني
» المجلد السابع.. الجزء الأول.. الباب الأول: إشكالية التطبيع
» المجلد الأول
» المجلد الأول
» المجلد الأول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـضــــــــــــــائـل مـصـــــــــــــــــر :: تـاريـــخ مـصــــــــر-
انتقل الى: