أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث الثامن السبت 10 سبتمبر 2011, 4:15 pm | |
| المبحث الثامن
الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الكبرى ودورها في تسوية الحرب في الصومال:
أولاً: موقف المنظمات الدولية:
1. موقف الأمم المتحدة من الحرب في الصومال: بعد مضي عام ونصف على اندلاع الحرب في الصومال، وفي ظل هول الكارثة الإنسانية وتعقيداتها في تلك الدولة، وبعد فشل جميع الجهود العربية والأفريقية والدولية للوساطة والتوفيق والمصالحة بين المتقاتلين وأطراف الحروب القبلية والمنازعات الدموية، قد قررت الدول المانحة التدخل المباشر في الصومال تحت شعار "التدخل الإنساني" وهو مبدأ جديد لا يأخذ في اعتباره ما سبق أن استقرت عليه قواعد القانون الدولي من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإنما له صلة بصياغات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتي بموجبها نفذت عمليتا الأمم المتحدة في الصومال United Nations Operation In Somalia (UNOSOM) وهما:
أ. يونوصوم1:
وقد بدأت هذه العملية اعتباراً من 24 ابريل 1992 بناءا على توصية الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك بهدف تقديم المساعدة الإنسانية العاجلة للصومال، ومناشدة المجتمع الدولي لتقديم التمويل والدعم لخطة الأمين العام المسماة 90-Day Plan وأيضًا التعاون مع كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في مجال التشاور مع جميع الأطراف الصومالية لإقناعهم بعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية والوحدة.
ب. يونوصوم2:
وبدأ العمل بموجبها في 3 مارس 1993، عندما رفع الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا إلى مجلس الأمن متضمنا التوصية بتحويل قوة المهمة الموحدة Unified Task Force التي نقودها الولايات المتحدة الأمريكية إلى عملية الأمم المتحدة في الصومال الثانية UNOSOM II والتي كان من بين مهامها: حث جميع الفصائل على الامتناع عن القيام بالأعمال العدائية واحترام الاتفاقات الموقعة بينها وإخضاع الأسلحة الثقيلة التي بحوزة الفصائل المتنازعة للسيطرة الدولية وتأمين جميع الموانئ والمطارات وخطوط الاتصالات لضمان نقل المساعدات الإنسانية وحماية الأفراد والأجهزة والمعدات التابعة للأمم المتحدة ووكالاتها وتنفيذ برنامج لإغاثة المناطق المتضررة والمنكوبة وإعادة توطين اللاجئين والمشردين داخل الصومال والقيام بالوظائف الأخرى الموكولة من جانب مجلس الأمن.
إن ما يمكن ملاحظته على دور الأمم المتحدة في الصومال هو أن تعاملها مع الصراعات الداخلية والحروب الأهلية ـ وخاصة في الوقت الراهن ـ إنما يكون من خلال دور متواضع ومتراخٍ مقارنة بمكانتها العالمية، كما يشوب إعداد قواتها وتعبئتها العديد من أوجه القصور، كما تتسم عملية صنع القرار المكلفة بها بالتباطؤ والبيروقراطية، وفي الوقت الذي تتطلب عمليات حفظ السلام الدولي الإسراع في تعبئة قوات الأمم المتحدة، فإن تلك العملية تأخذ في الغالب أربعة شهور فيما بين تصديق مجلس الأمن على مهمته ووضعها موضع التنفيذ، وهو ما يمكن أن يحدث خلالها تفاقم للأزمة والحيلولة دون إتمام التدخل على النحو المناسب.
كما حدث في الصومال وهو ما يتطلب أيضاً إعادة التقييم لدور الأمم المتحدة وآلياتها في مجال حفظ السلام الدولي، وإلا أصبح مجلس الأمن أداة فقط من أدوات السياسية الخارجية الغربية لتعزيز وحماية مصالحها في ظل النظام العالمي الجديد.
إن محاولات الأمم المتحدة المستمرة من خلال المؤتمرات الوطنية المختلفة والقرارات المتنوعة الصادرة عنها لم تفلح في الوساطة والتوفيق بين أكثر من 16 من الفصائل المعروفة في الصومال ومن ثم انتهت مهمة يونوصوم UNOSOM في عام 1995 بدون إحلال السلام في البلاد وبدون إعادة تأسيس سلطة وطنية في الصومال.
وعلى سبيل المثال فإن هناك علاقة بين سجل الإخفاق في نزع السلاح ـ وهى إحدى المهام الأساسية لوجود الأمم المتحدة في الصومال ـ وغياب التقدم تجاه إحداث مصالحة وطنية في الصومال، وبالفعل فان المحاولة المهمة الحقيقية الأولى لتنفيذ خطة نزع السلاح بدأت في يناير1993، ولكن في دولة منهارة مثل الصومال حيث لا توجد سلطة معترف بها، فإن مسألة نزع السلاح ترتب عليها صعوبات بالغة، وهو الأمر الذي تغاضت عنه أو تجاهلته الأمم المتحدة، كما تجاهلت وجود العديد من الحركات المتناحرة والتي مثلت تحدياً أمام كل من عمليتيها التقليديتين يونو صوم 1 ويونوصوم 2 ويضاف إلى ذلك أن تراخى قوة حفظ السلام العاملة في مقديشيو لا يرجع فقط إلى محاولة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادتها وتوجيهها، وإنما يرجع ذلك أيضاً إلى اعتماد الأمريكيين لاقتراب التوسل Cap in hand تجاه لوردات الحرب غير الراغبين في نزع السلاح بالقوة.
أعرب مجلس الأمن عن قلقه من عدم الاستقرار والعنف الذي يعصف بالصومال، وطالب بزيادة المساعدات الإنسانية للصومال بالإضافة إلى إجراء حوار سياسي عاجل.
كما أكد المجلس دعمه لإنشاء قوة أفريقية لتوفير الحماية والتدريب للقوات الصومالية.
وبعد جلسة مغلقة للمجلس قدم فيها وكيل الأمين العام للشؤون السياسية، إبراهيم غمباري، إحاطة للمجلس عن الوضع في الصومال، قال رئيس المجلس للشهر الحالي، فيتالي شوركين، الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، إن أعضاء المجلس يضعون الوضع في الصومال على قائمة أولوياتهم.
وأعلن المجلس أمس أنه سيرسل فريقا إنسانيا لتقييم الوضع بالقرب من الحدود مع كينيا، حيث يتجمع آلاف السكان للهروب من القتال الدائر بين الحكومة الانتقالية وقوات المحاكم الإسلامية.
وسيبحث الفريق كيفية إعادة بدء عمليات المساعدات الإنسانية في الصومال وكيفية التعامل مع تحركات السكان الواسعة التي بدأت مع تفاقم القتال في الأسابيع الأخيرة، ما دفع المنظمات الإنسانية إلى تعليق المساعدات.
وذكر شوركين: إن أعضاء المجلس اتفقوا على ضرورة إجراء حوار سياسي شامل بين مختلف الأطراف الصومالية لإنهاء النزاع والتخفيف من الأزمة الإنسانية.
وبالإشارة إلى بعثة الحماية والتدريب، كما ذكر شوركين إن المجلس يدعم هذه البعثة التي سيؤسسها كل من الاتحاد الأفريقي والهيئة الدولية الحكومية المعنية بالتنمية (إيجاد)، والتي ستعرف باسم (إيجاسوم) ولن يسمح للدول المجاورة للصومال بالمساهمة بقوات في هذه البعثة.
من ناحيته قال جمباري إنه وأثناء إحاطته للمجلس أكد على ضرورة نشر قوات إيجاسوم في أسرع فرصة ممكنة لإعادة الاستقرار إلى الصومال، مضيفا أن عدة دول من بينها نيجيريا وجنوب أفريقيا وملاوي يبحثون إمكانية المساهمة بقوات في هذه البعثة.
والجدير بالذكر أن موقف الأمم المتحدة ظل متردداً وغير جازم في السعي والتحرك الجاد نحو إحداث تسوية حقيقية وفعالة وسريعة في الصومال، وربما تركت المنظمة الدولية حرية اتخاذ القرارات والسياسات التي تراها مجدية ومناسبة في هذا السياق لجهاز مجلس الأمن التابع لها، والذي أصدر العديد من القرارات ذات الصلة، ومن ذلك القرار رقم 1725 الصادر عن مجلس الأمن في 6 يناير 2006 في أعقاب أحداث التدخل الإثيوبي لدعم الحكومة الاتحادية الانتقالية في مواجهة المحاكم الإسلامية.
وقد حث القرار الحكومة الانتقالية على الحوار بينها وبين المحاكم الإسلامية، والسماح لمنظمة الإيجاد والاتحاد الأفريقي بإنشاء بعثة حماية وتدريب في الصومال، ودعم مواقفهما في هذا الشأن.
وكان مجلس الأمن الدولي قد حث يوم 2 فبراير 2007 الاتحاد الأفريقي لإرسال قوات حفظ سلام إلى الصومال بسرعة حتى يتسنى لإثيوبيا سحب قواتها.
كما أنه أيد نشر قوات من بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة التقنية إلى الصومال لتقديم توصيات بشأن الاحتياجات الأمنية.
2. موقف الاتحاد الأوروبي من الحرب في الصومال:
إن الأطراف غير الأفريقية ـ لاسيما الاتحاد الأوروبي ـ المشاركة في الجهود الرامية لإيجاد حل للوضع في الصومال مثل الاتحاد الأوروبي، قد شددت على ضرورة خلق قاعدة عريضة من تمثيل الصوماليين داخل الحكومة الصومالية، وضرورة المصالحة مع العناصر الساخطة في المجتمع الصومالي، بما في ذلك العناصر المعتدلة في المحاكم الإسلامية، ومنظمات المجتمع المدني.
ومن ناحيته فإن رئيس الحكومة الاتحادية الانتقالية عبدالله يوسف قد وافق في ذلك الحين على عقد مؤتمر المصالحة، على الرغم من عدم تحديد المكان أو الموعد.
وإن كانت هناك في تلك الآونة تقارير تثير القلق حول مدى جدية والتزام الحكومة الانتقالية أو أن تكون هناك نتائج جيدة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل البرلمان الصومالي والوزارات، وأن تنطوي سلوكيات الحكومة على إقرار مبدأ تقاسم السلطة مع مشاركة عناصر المجتمع الصومالي الأخرى في هذا الشأن، وذلك لأن الاعتقاد الشائع عندئذ أن أحد إفرازات الأزمة الصومالية يترسخ في كون تلك الجماعات الصومالية الأخرى غالباً ما تكون ممثلة تمثيلاً ضعيفاً في التشكيلات الحكومية المقترحة.
وأن هذا الأمر يمكن أن يعاد إنتاجه وخصوصاً بعد الانتصار الذي تحقق نتيجة التدخل الإثيوبي لدعم تلك الحكومة (أوائل عام 2006).
إن الحكومة الاتحادية الانتقالية كان يتوجب عليها أن تثبت للشعب الصومالي، أنها مستعدة لكسب احترامه ودعمه.
وعندئذ فقط سوف يكون هناك دور مفيد للبعثة الاتحاد الأفريقي، وعندها فقط ستكون للحكومة الاتحادية الانتقالية في وضع يمكنها من تشكيل حكومة وطنية لها فرصة من أجل البقاء والاستمرار لمدة طويلة الأجل وبمنأى عن الاعتماد على وجود القوات الأجنبية.
إن بداية عملية مصالحة ذات معنى ينبغي أن يكون بادرة إشارة إلى المجتمع الدولي إلى زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية والإنمائية في الصومال.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة سخية في تقديم المساعدات الإنسانية في حين أن الاتحاد الأوروبي قد كان إلى حد ما أكثر استعدادا للتعاون مع أنشطة التنمية وإعادة الإعمار.
وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، مثل برنامج الغذاء العالمي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسيف، لم تفعل أكثر من إدعاء رفع الأعباء الثقيلة في السنوات الأخيرة.
إن التقدم الحقيقي حول المصالحة الصومالية ينبغي أن يؤدي إلى بذل جهد أكبر من قبل جميع الشركاء الدوليين.
ثانياً: موقف الأطراف الدولية من الحرب في الصومال:
1. الموقف الأمريكي من الحرب في الصومال: أ. الاهتمام الأمريكي بالصومال: بدأ اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالصومال قبيل الاستقلال بحوالي عشر سنوات حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من ضمن خمس دول بينها مصر أعضاء لجنة شكلتها الأمم المتحدة لتقديم توصية حول استقلال الصومال.
وبعد الاستقلال أصبح الصومال ميداناً من ميادين الحرب الباردة بين أمريكا والإتحاد السوفيتي السابق.
وجاء الانقلاب الذي قاده العسكر بقيادة الجنرال محمد سياد بري لصالح الاتحاد السوفيتي، حيث تم إعلان الصومال بلداً اشتراكياً، ولكن حرب الأوجادين بين إثيوبيا والصومال في عام 1977 جعلت الصومال ترتمي في أحضان المعسكر الأمريكي وطرد الضباط الروس.
وبعد انتهاء الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية في بداية التسعينيات انهار الصومال بسبب معارضة قبلية مسلحة، ولم يتمكن الصوماليون بعد ذلك من تشكيل حكومة مركزية تعيد الأمن والاستقرار وسيادة القانون، بل أصبحت السيطرة لمجموعات قبلية تتحارب فيما نجحت بعض المناطق الصومالية في تشكيل إدارات محلية تستطيع حفظ الأمن مثل منطقة "بونت لاند" في الشمال الشرقي ومنطقة صومالي لاند في الشمال.
ويلاحظ أنه في بداية الأزمة الصومالية يلاحظ ضعف دور الولايات المتحدة الأمريكية أو غيابه، وربما يرجع ذلك إلى عدم الاكتراث أو ربما حتى يتضح ميزان القوى الداخلي بين الجبهات المختلفة في الصومال، كذلك لم تسع جدياً لعقد مصالحة بين الأطراف الصومالية، وإذا كان مرد ذلك يمكن أن يكون لتمسك تلك الجبهات بالحل العسكري وتساوى قوتهم وتوافر الأسلحة لديهم وهو ما يزيد من احتمالات إحباط أي محاولة للتصالح بينهم، في حين أن السلوك الأمريكي تجاه الدولة المجاورة إثيوبيا كان يختلف عن ذلك مع التشابه النسبي لظروف الدولتين حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية اهتمت بحركة التغيير ودعمتها في إثيوبيا منذ بدايتها عام 1990 وحتى الوقت الحاضر.
ويبدو أن الدور الأمريكي إزاء الصومال قد ارتبط بتصور أكثر اتساعا لنظام أمنى في المنطقة، تقوم فيه إثيوبيا فيه بالدور الفعال والأكثر أهمية، لذلك سعت الإدارة الأمريكية لتسوية نزاعات المنطقة بالقدر الذي يحافظ على إثيوبيا قوية وموحدة.
وهذا الأداء الأمريكي الكثيف والفعال في التعامل مع إثيوبيا، قابله اهتمام متريث سواء بفصائل المعارضة الصومالية أو بنظام سياد بري (الحليف السابق للولايات المتحدة) الذي نصحته الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلي عن الديكتاتورية واتباع نظام أكثر ديمقراطية في الوقت الذي منعت عنه المعونات المالية والعسكرية.
ولقد حرصت الإدارة الأمريكية في بداية تدخل قواتها في الصومال على التأكيد بأن دور قوات الأمم المتحدة إنما ينصرف إلى حفظ السلام وتأمين وسائل الإغاثة الإنسانية، ورفضت أن يكون لهذه القوات دور في فرض السلام أو في نزع سلاح الفصائل الصومالية، وهى بهذا قد اختلفت عن توجهات الأمين العام للأمم المتحدة الذي أصر على أن من مهام القوات الدولية نزع سلاح الفصائل الصومالية، ثم عادت الإدارة الأمريكية فغيرت موقفها، فحاولت فرض السلام عقب مقتل الجنود الباكستانيين في يونيه 1993 وما أسفر عنه ذلك من تداعيات انتهت بمقتل عدد من الجنود الأمريكيين في عمليات قتال ومطاردة في مقديشيو في أكتوبر 1993، ثم عدلت سياستها للمرة الثانية لتعلن عن تحديد موعد لانسحاب قواتها من الصومال في نهاية مارس 1994، ولتلقى باللائمة على الأمم المتحدة وعلى الأخطاء التي ارتكبتها في الصومال.
ويمكن الإشارة إلى تطورات السياسة الأمريكية تجاه الصومال وفقاً لما يلي:
ب. أمريكا وإعادة الأمل في الصومال: في 3 ديسمبر 1992، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 794، الذي دعا إلى إنشاء عملية لإيجاد بيئة آمنة لعمليات الإغاثة، وفي صبيحة 9 ديسمبر 1992، دخل 38 ألف جندي بينهم 28 ألف أمريكي البلاد في إطار عملية ضخمة حملت اسم عملية "إعادة الأمل" في الصومال.
وسمح القرار الأممي "باستخدام كل الوسائل اللازمة لتهيئة بيئة آمنة لعمليات الإغاثة الإنسانية في الصومال في أسرع وقت ممكن، وتقديم المساعدات إلى الصومال بأقصى سرعة ممكنة"، ورغم النجاحات الباهرة التي أحرزها التدخل الدولي في مجال الإغاثة والحد من المجاعة التي كانت منتشرة في المحافظات الجنوبية والوسطي وإنقاذ مئات الألوف من الصوماليين من الجوع، إلا أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية اصطدمت مع الجنرال الراحل فارح عيديد الذي شعر بتهميشه وإقصائه من الساحة السياسية.
ورداً على الاستفزازات الأمريكية هاجم أنصار الجنرال عيديد صبيحة 5 يونيه 1993 وحدة من الجيش الباكستاني كانت تقوم بعمليات إغاثة في أحد أحياء وسط العاصمة الصومالية فقتلت علي الفور 24 باكستانيا.
وبالمقابل هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية والقوات الدولية الأخرى أهدافا تابعة لعيديد وصدرت يوم 19 يونيه 1993 مذكرة توقيف بحقه مع إعلان مكافأة مقدارها 25 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد علي القبض عليه، ما أدى إلى اختفائه عن الأنظار، وقد ذكر أحد مساعديه لاحقا أنه كان يختفي بحي هروا غالباً مع تنقلات ليلية للإشراف علي المقاومة.
وبعد ذلك تتابعت الأحداث بصورة دراماتيكية ففي يوم 8 أغسطس 1993 دمرت مركبة عسكرية من نوع هامر، عن طريق لغم أرضي بطريقة التحكم عن بعد في حي مدينة يعتقد أن إسلاميين تولت تدريبهم القاعدة كانوا وراءها، ما أسفر عن مصرع 4 من قوات الشرطة العسكرية الأمريكية.
لكن يومي 3-4 أكتوبر 1993 كانا أسوأ أيام الجيش الأمريكي حيث كانت حصيلة المواجهات الدامية التي استمرت 17 ساعة بين أنصار عيديد وعناصر الجيش الأمريكي مقتل 18 جنديا أمريكيا وجرح 84 آخرين، وإسقاط طائرة مروحية وسحل جندي أمريكي في شوارع العاصمة الصومالية، ثم أحرق الأهالي جثته.
وقتل ثلاثون جندياً أمريكياً إبان المواجهات.
كما تكبدت القوات الدولية الأخرى خسائر بشرية حيث لقي 151 من جنود قوات الأمم المتحدة مصرعهم خاصة في صفوف القوات الباكستانية والإيطالية والنيجيرية والماليزية.
ويعتقد أن ايطاليا -وهي الدولة التي استعمرت جنوب الصومال وشاركت في عملية الأمم المتحدة في الصومال ودول أخري- تخلت عن الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد عيديد، بل وتعاونت مع الجنرال عيديد استخباراتياً لإجهاض مساعي الولايات المتحدة الأمريكية، وذكر لي مستشار لعملية الأمم المتحدة في الصومال أن القوات الأمريكية كانت تتصرف بثقة واسعة في الصومال واتسم تعاملها مع الدول المشاركة في عملية حفظ السلام مثل إيطاليا باستخفاف وتعالٍ، ما أدى إلى وقوفهم موقف المتفرج في القتال بين أنصار عيديد والولايات المتحدة الأمريكية.
على الجانب الصومالي كانت الخسائر فادحة وقدرت السلطات الأمريكية أن قرابة 1000شخص من المليشيات والمدنيين قتلوا جراء المواجهات، ، ما أدى إلى أفول نجم الجنرال عيديد، حيث استطاعت أمريكا تجنيد ساعده الأيمن عثمان علي عاتو، والذي انشق عليه بعد إطلاق سراحه من قبل القوات الأمريكية ودخل عيديد بعد رحيل القوات الدولية عن الصومال في ربيع عام 1995 حروبا أهلية مع قبائل الهوية ومع ساعده الأيمن ـ الذي ينتمي لنفس الفرع من القبيلة ـ وانتهى الأمر بمقتله على يد قناص صومالي في 2 أغسطس 1995، وربما كانت المخابرات الأمريكية وراء مقتله.
لكن ومن ناحية أخرى فقد كان للإسلاميين في الصومال تحليلهم الخاص لعملية إعادة الأمل التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وتتلخص في أن الولايات المتحدة الأمريكية خشيت تنامي الإسلام السياسي في الصومال، حيث كان لجماعة الإتحاد الإسلامي مراكز عسكرية في عدة مناطق منها مدينة مركا الساحلية ومنطقة دبلي وإقليم جدو، وكان فرع جماعة الاتحاد الإسلامي في إثيوبيا له حضور عسكري، لذا يرون أن تحرك الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لإنقاذ الصومال، وإنما لإنقاذ مصالحها ومصالح حلفائها في منطقة القرن الأفريقي.
ج. الاهتمام الأمريكي بالصومال منذ تفجيري كينيا وتنزانيا عام 1998:
لقد مني الشأن الصومالي بإغفال تام من الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1995 إلى عام 1998.
لكن تدمير خلايا القاعدة سفارتيها في نيروبي وتنزانيا كان بداية ما يمكن وصفه بـ"عملية محاربة الإرهاب" في القرن الإفريقي من الولايات المتحدة الأمريكية والتي يمكن عدها العامل الثاني والأهم الذي يحدد سياسات أمريكا تجاه الصومال في الماضي والحاضر والمستقبل القريب.
د. الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة عبدالقاسم صلاد (2000 – 2003):
في مؤتمر جيبوتي الذي جمع 2000 من الصوماليين أغلبهم من المجتمع المدني والقبائل الصومالية، انتخب عبدالقاسم صلاد حسن رئيسا للصومال، وتم ذلك بغياب أغلب وأهم زعماء الفصائل الصومالية، وعلي إثرها اختير على خلف جيلير رئيسا للوزراء، وعادوا لمقديشيو في استقبال شعبي وصف حينها بأنه الأضخم في مقديشيو.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم ترحب بتلك الحكومة، ولم تقدم لها يد المساعدة، رغم محاولة عبدالقاسم صلاد التودد لأمريكا والقضاء علي المحاكم الإسلامية، وإبعاد رئيسها الشيخ حسن كبويني إلى الخارج بعد تعيينه في القنصلية الصومالية في مدينة جدة.
وإخراج الشيخ حسن طاهر عويس من الصومال، وكان من الواضح أن صلاد يريد فعلا مساعدة حكومته ومحاربة الإرهاب مع أمريكا، وقال بالحرف الواحد " إن الولايات المتحدة الأمريكية إذا أرادت القضاء على الشبكات الإرهابية الموجودة داخل الصومال؛ فعليها أن تتعاون وتنسق معنا وليس مع زعماء الحرب".
ورغم أن المخابرات الصومالية ألقت القبض علي من اشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة وتسليمهم إلى السعودية وإلقاء القبض علي لاجئين من العراق وفلسطين في الصومال والتحقيق معهم، إلا أن تلك الجهود لم تسفر عن التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية وذهبت تلك الجهود سدى.
وذكرت مصادر في حكومة عبدالقاسم صلاد حسن أنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م كادت الولايات الأمريكية توجه ضربات جوية إلى الصومال "ولكن بفضل الإعلام وبجهود حثيثة قامت بها كل من جيبوتي ومصر تراجعت الولايات المتحدة، وقد أقنعتها جيبوتي بإنشاء قاعدة تراقب الوضع عن كثب للحيلولة دون أن يصبح الصومال ملاذا آمنا للإرهاب الدولي.
هـ. الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الانتقالية:
بعد مؤتمر مصالحة نيروبي الذي وصف بأنه الأطول من نوعه، في الفترة مابين شهر أغسطس- ديسمبر 2004، وقع الاختيار على عبدالله يوسف أحمد رئيساً للصومال وشريف حسن الشيخ آدم رئيسا للبرلمان وعلي محمد جيدي رئيسا للوزراء، وهذه الحكومة لم يكن حظها أفضل من حكومة عبدالقاسم، حيث وصف موقف الولايات المتحدة الأمريكية منها بالفتور.
وأصبح من أهم العقبات التي واجهت هذه الحكومة هي التعامل مع زعماء الفصائل الصومالية في مقديشيو والذين منعوها من دخول العاصمة لمدة عام كامل (2005م)، كما تمردوا علي سلطتها رغم أنهم كلهم كانوا أعضاء في مجلس الوزراء، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تراهن عليهم لا علي الحكومة في مجال محاربة الإرهاب، وكانت تدرك أن هذه الحكومة لا تحظي بتأييد شعبي، وليس لديها قوة عسكرية، وأن أهم قادتها جاءوا لمناصبهم عن طريق تأييد إثيوبيا ونفوذها في مؤتمر المصالحة في كينيا.
لكن الحكومة الضعيفة حسب وصف وسائل الإعلام العالمية والمحلية أصبحت بين عشية وضحاها تملأ عين الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد نجاح المحاكم منتصف العام الماضي في هزيمة التحالف من أجل السلام والإرهاب الذي كان يضمهم.
و. الولايات المتحدة الأمريكية والمحاكم الإسلامية: وبصفة عامة يمكن الإقرار بأن علاقة المحاكم الإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن ودية، بل كانت واشنطن تتهم بعض قادتها مثل الشيخ حسن طاهر عويس والشيخ حسن التركي وآدم حاجي عيرو بأنهم إرهابيون، بالإضافة إلى اتهام المحاكم أو بعض أجنحتها ـ مجموعة الشباب ـ بإيواء كل من فيصل عبدالله وأبو طلحة السوداني وصالح علي صالح النبهاني وهم أشخاص تتهمهم واشنطن بأنهم قادة تنظيم القاعدة في الشرق الإفريقي.
وفي نيروبي عقد لقاء بين الشيخ شريف الشيخ أحمد وبين السفير الأمريكي في كينيا والمسؤول عن ملف الصومال، لكن تلك اللقاءات باءت بالفشل، وبالمقابل دعمت واشنطن دبلوماسيا الحكومة الصومالية الحالية بقيادة عبدالله يوسف، كما تعاونت مع إثيوبيا عسكريا لإخراج المحاكم الإسلامية من اللعبة السياسية في الصومال.
وفي حوارات صحفية قام بها الباحث مع كل من الشيخ شريف شيخ أحمد ومع الشيخ حسن طاهر عويس في بداية عام 2006م ومنتصفه، كان الرجلان علي استعداد لفتح صفحة من التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن واشنطن فضلت المواجهة ولو بالوكالة عنها.
ز. السياسة الأمريكية تجاه الصومال في الوقت الراهن:
يمكن استشفاف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصومال في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور من خلال التركيز ثلاثة محاور وهي:
(1) السعي لعقد محادثات سلام أو حوار سياسي بين الصوماليين:
وأوضحت فرايز في هذا الصدد أن واشنطن تعمل لتحقيق مصالحة شاملة يشارك فيها رؤساء العشائر وخاصة قبائل العاصمة- قبيلة هوية- والمثقفين والعلماء والمعتدلين من المحاكم الإسلامية بجانب الحكومة الحالية؛ لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن مشاركة بعض قيادات المحاكم الإسلامية في المصالحة والحوار لا تحظى بقبول الحكومة الانتقالية الحالية، ويرفض الجميع بمن فيهم الرئيس عبدالله يوسف أي حوار مع المحاكم الإسلامية.
(2) تحقيق الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب: حيث تري الخارجية الأمريكية أن تحقيق مصالحة صومالية في إطار الحكومة الانتقالية الحالية سيفضي إلى استقرار، وذلك من خلال دعم الدول الأفريقية المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية والتي يفترض أن يصل عددها إلى8 آلاف جندي.
وقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للقوات الأوغندية التي كانت طليعة هذه القوات حوالي 10 مليون دولار.
كما أبدت الولايات المتحدة الأمريكية قلقها من الإرهاب في الصومال حسب وصفها، وأعلنت أن بلادها تحارب الإرهاب في الصومال، وتواصل دعم الدول المجاورة وتدريبها لزيادة قدرتها على التصدي للإرهاب وهذا يعني مواصلة تحالف واشنطن مع أديس أبابا.
(3) تقديم المساعدات الإنسانية ودعم مؤسسات الحكومة:
أنه لأول مرة يتم إدراج بند مساعدة مؤسسات الحكومة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصومال، أما البند الآخر وهو المساعدات الإنسانية فقد كان ثابتا وحاضرا دائما.
وقد خصصت واشنطن حوالي 60 مليون دولار مساعدات إنسانية ودعماً لمؤسسات الحكومة، وتسعي الولايات المتحدة الأمريكية لحث دول ومنظمات " مجموعة الاتصال الدولية حول الشأن الصومالي" لتقديم مساعدات مماثلة للحكومة الصومالية وبرنامج المصالحة.
ولقد زارت فرايز الصومال (8 أبريل 2007)، لكنها لم تأت بجديد، بل كررت مرتكزات سياسة بلادها في الصومال من دعم للحكومة، وحث المسؤولين في الحكومة على إجراء مصالحة شاملة وحقيقية، والتنويه إلى أن الإرهابيين مازالوا موجودين في الصومال ويجب محاربتهم ولكن في مقديشيو.
2. الموقف الإيطالي:
شاركت إيطاليا منذ بداية الصراعات الصومالية في بعض المبادرات لتسويتها, منها المبادرة المصرية – الإيطالية في عام 1989 لإجراء المصالحة بين نظام محمد سياد بري والجماعات المعارضة في الصومال، وفي وسط الخراب القومي العام بدأ يظهر ويتفرد دور إيطاليا ليس فقط في ميدان الإغاثة الإنسانية، وإنما أيضاً في المعاونة لإقرار الأمن والنظام وضبط الأوضاع الحكومية والإدارية وقد أعلنت الحكومة المؤقتة في مقديشيو عام 1992 على لسان رئيس الوزراء ثم وزير الخارجية عن مناشدة إيطاليا للتدخل، وأن ترسل عشرة آلاف جندي إيطالي للإسهام في إقرار النظام والأمن في البلاد، وربما نبعت هذه المناشدة من المهمة التاريخية الإيطالية تجاه مستعمراتها السابقة – الصومال – وعلى الجانب الآخر لم يرغب الجنرال محمد فرح عيديد في أن تمر هذه المناشدة بدون أن يستفيد منها، ولهذا حدث تغيير نسبى في موقفه بشأن اتهاماته لإيطاليا من قبل بمساندة منافسه رئيس الحكومة المؤقتة، فأرسل رسالة إلى الحكومة الإيطالية يطلب فيها التدخل وبذل المساعي لإنهاء القتال وإقرار النظام، وكانت الحكومة الإيطالية عند حسن ظن الطرفين المتقاتلين في الصومال حيث أعلن وزير الخارجية عن استعداد بلاده للوساطة والتدخل، ولكن اشترط الموافقة الصريحة من جميع الأطراف الصومالية في جنوب البلاد على استقبال القوات المسلحة الإيطالية للقيام بالمهمة التاريخية المطلوبة.
ومع تصاعد العمليات العسكرية للأمم المتحدة ضد الجنرال عيديد ومؤيديه، كان الموقف الغربي برمته بدأ يشهد انقسامات بل وصراعات على الساحة الصومالية، وقد تصاعد هذا الانقسام بين القوات الأمريكية من جانب والقوات الإيطالية من جانب، حول طبيعة قوات الأمم المتحدة ودورها في الصومال، وحول ممارسات القيادة الأمريكية لقوات يونو صوم 2 من جانب ثان أكدت إيطاليا أن على قوات يونوصوم2، أن تعود إلى الالتزام بمهمتها الأساسية، وهو تحقيق التسوية السلمية للأزمة الصومالية.
وإزاء تصاعد الأزمة بين إيطاليا والأمم المتحدة أعلنت الأولى عزمها سحب قواتها العاملة من الصومال، وطلب وزير الخارجية الإيطالي في سبتمبر 1993 بمبادرة حازمة لاستئناف الحوار والبحث عن حل سياسي في الصومال، وأشار إلى تباعد وجهات النظر بين بلاده والولايات المتحدة، وأوضح أن المطلوب تصحيح المنهج الذي اتبعته الأمم المتحدة والذي ثبت خطأه وأنه غير مثمر.
ولقد كان الموقف الإيطالي بصفة عامة فاعلاً، فقد توالت انسحابات كافة القوات الغربية وعلى رأسها القوات الأمريكية وأرسل الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً للصومال لاستئناف جهود المصالحة الوطنية والتسوية السلمية للمشكلة الصومالية والإفراج عن الصوماليين المحتجزين لدى القوات الأمريكية والدولية، ومن جهة ثالثة قرر مجلس الأمن وقف عملية مطاردة زعيم التحالف الوطني الصومالي الجنرال عيديد، ليفتح المجال بذلك أمام السعي لتحقيق مصالحة وطنية في إطار تسوية سلمية.
3. الموقف الفرنسي:
تعاطفت فرنسا مع مخاوف جيبوتي وخشيت من احتمالات تدهور الوضع الداخلي فيها نتيجة الصراعات التي تدور في الصومال المجاورة لها، الأمر الذي قد يؤثر على مصالحها الإستراتيجية بالمنطقة، ولهذا زادت من مساعدتها الاقتصادية ودعمت جهودها سياسيا ومالياً بعقد مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية في يوليه 1991.
وقد سارعت فرنسا بإرسال قوات لها من جيبوتي إلى الصومال، حتى لا تترك للقوات الأمريكية فرصة الانفراد بالأمر هناك، وفي أواخر عام 1993 أعلنت فرنسا عزمها سحب قواتها من الصومال. |
|