ثانياً: النتائج في مجال السياسة الداخلية:
1. لم تتحقق حتى الآن أهداف الثورة التي قام بها الشعب التونسي، والتي تعد مقدمة لثورات الربيع العربي، وظلت الأوضاع كما هي من فساد، وبطالة، وازداد عليها انعدام الأمن وظهور عصابات الجريمة المنظمة والإرهاب.
2. استشعر الشعب الثائر أن ثورته سُرقت منه، وأن جماعات كانت محظورة إبان النظام السابق ولم تشارك في الثورة هي التي استولت على الحكم، وأنها تقود البلاد بأسلوب مقارب لما كان يفعله النظام السابق، وزاد عليه تمكين أفرادها وكوادرها من شغل المناصب الرئيسة للسيطرة على الدولة وعلى الشعب.
3. تقلص فاعلية المعارضة، وانحسار قدرات اتحاد الشغل نتيجة للمراقبة الأمنية على أعضائه، وبما أتاح لكوادر حزب النهضة في التصرف في مقدرات الدولة.
4. ازداد غليان الشعب التونسي، خلال النصف الثاني من عام 2013، وبالتحديد في أعقاب اغتيال الناشط السياسي "محمد البراهيمي"، واستعاد قدراته على المقاومة والمطالبة بالحقوق السياسية والدستورية والإنسانية التي سلبت منه.
5. انقسم الشعب التونسي إلى العديد من الفئات ثورية -ليبرالية- مهنية، يمثلها اتحاد الشغل، والنقابات الفنية والدينية التي تمثل التيار الإسلامي مكان المناطق الحدودية، الذين يحاولون البعد عن السياسة، ويركزون على التعامل مع دول الجوار، خاصة في مجال التهريب للبضائع والسلاح وغير ذلك، ثم فئات الخارجين عن القانون، ومنهم الإرهابيون والجماعات السلفية الجهادية.
6. تقلصت قدرات الأمن في السيطرة على أركان الدولة، وتصاعد دور جديد للميليشيات التابعة لحزب النهضة، التي تنفذ مهام لصالح الحزب في مواجهة الفئات الأخرى.
7. المحصلة النهائية أن الأوضاع الداخلية في تونس ازدادت سوءاً عما كانت عليه قبل الثورة، خاصة في مجال الأمن، مع ارتفاع أسعار الاحتياجات الرئيسة، والتأثير على الروح المعنوية للجماهير، نتيجة لانعدام الرؤية في مستقبل تونس، إلى جانب ما يحدث في دول الجوار، خاصة دول الربيع العربي الذي يؤثر تأثيراً مباشراً على الأوضاع في تونس.
8. أدت هذه الأوضاع إلى تفجر ثوري آخر، وعودة الوعي التونسي، واستعادة فاعلية اتحاد الشغل وأحزاب المعارضة، واتخذوا من الأوضاع في مصر مثلاً وقدوة، وكان اتفاقهم على مبدأ الحوار، وخروج تونس من أزمتها، في أكتوبر 2013، خطوة على الطريق الصحيح في مسار الثورة، واستقرار الدولة.
9. على جانب آخر، فقد تصاعدت مظاهر سلبية خطيرة أهمها:
أ. لجوء بعض أفراد الشعب التونسي إلى الانتحار، نتيجة سوء الأوضاع المعيشية والأمن، وهو ما يعيد بالذاكرة لبداية الثورة التونسية.
ب. نشاط الإرهاب الذي تقوم به مليشيات من الإسلاميين الجهاديين، سواء بمبادرة منهم أو بالتنسيق مع حزب النهضة، والنتيجة هي شغل الجيش والأمن واستنزاف جهودهما، بما يمكن الميليشيات الإسلامية من السيطرة على الدولة، وردع أية معارضة للنظام الإسلامي.
ثالثاً: النتائج في مجال السياسة الخارجية:
خلال سنوات الثورة الثلاث، لم تحقق تونس أي تأثير في مجالها الحيوي، وكان لأحداث الداخل انعكاسات سلبية شديدة على سياستها الخارجية، كما كان للمتغيرات الإقليمية والعالمية تأثير على تلك النتائج.
1. على المستوى الإقليمي:
إن ثورات الربيع العربي كان لها أثر على توجه جامعة الدول العربية، والدول العربية النفطية، في دعم الثورة التونسية، كما كان للثورة الليبية، وانهيار الأمن على الحدود الليبية ـ التونسية أثره على الأمن الوطني التونسي، والعلاقات مع أحد أهم دول الجوار لتونس، الذي كان يتلقى منها دعماً معنوياً واقتصادياً.
وتأثرت العلاقات بين الجزائر وتونس، لخشية الجزائر أن تنتقل عدوى الثورة إلى أراضيها، وخوف تونس من تسلل عناصر القاعدة، التي تتخذ جنوب الجزائر قاعدة لها، إلى أراضيها.
وكان لموقف المملكة العربية السعودية، التي استقبلت الرئيس التونسي السابق بعد هروبه من تونس، يمثل صدمة للنظام في تونس، التي حاولت إعادة الرئيس "بن علي" لمحاكمته، ولم توافق المملكة لظروف سياسية وإنسانية.
2. على المستوى الدولي:
صُدمت الحكومات التونسية من التحول في علاقات الغرب معها، وتوجيه اهتماماتهم نحو دول أخرى جنوب المتوسط (مصر والجزائر والمغرب وليبيا)، أكثر من توجهاتهم للاهتمام بها.
وكان تركيز التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على إنجاح تجربتهم في تونس، وتحويلها إلى حكم إسلامي، مجالاً لتخوف الكثير من الدول من الانفتاح على تونس، والانتظار إلى أن تستقر الأوضاع في تونس ثم تقرر طبيعة العلاقات معها.
في السياق نفسه، فإن أمن البحر المتوسط -من وجهة النظر الأوروبية- في عدم استخدامه للهجرة غير الشرعية من دول الجنوب والدول الإفريقية عبر تونس، كان مثار تهديد للدول الأوروبية، نتيجة افتقاد السيطرة التونسية على شواطئها، وانعكس ذلك في العلاقات بين تونس والعديد من الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط.
وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد، والتي كانت تعمل على دعم النظام الذي يقوده حزب النهضة، والذي أدى إلى إحساس الشعب التونسي بتهديد أمريكي لهم، ومن ثم تصاعدت انتقادات الشعب التونسي للولايات المتحدة الأمريكية.
رابعاً: النتائج على المستوى الاقتصادي:
الاقتصاد -دائماً- هو الذي يصاب بأكبر الأضرار، بسبب الثورات، وذلك نظراً لغياب الأمن، وتوقف الإنتاج، وابتعاد الاستثمار، والتأثير على العديد من المجالات التي تنعش الاقتصاد، مثل الحركة السياحية، وتحويل أموال المغتربين إلى الوطن، وتجارة الترانزيت، وغير ذلك.
في السياق نفسه، فإن الحكومة عادة ما تضطر إلى السحب من الاحتياطي النقدي العام لتصريف أمور الدولة، والاستجابة لبعض مطالب الثوار.
ويزيد على ذلك أن الرئيس التونسي السابق، حمل معه أثناء هروبه جزء غير قليل من احتياطي الذهب واحتياطي العملة في تونس.
ونظراً لأن عائلة الرئيس السابق وأصهاره وزوجته، كانوا يمتلكون زمام الاقتصاد التونسي، خاصة المصانع والبنوك والأراضي الزراعية، والتي توقفت أو نُهبت بعد الثورة، فقد أدى ذلك إلى إضعاف آخر للاقتصاد التونسي.
ولم تتلق تونس الدعم الاقتصادي، الذي تسارعت بعض الدول الغربية والعربية بتقديم الوعود به، بعد نجاح الثورة وفي مراحلها الأولى، ولكن كانت المعونات قليلة ولم تتناسب مع المطالب الحقيقية لدعم الاقتصاد الوطني، ما أدى إلى لجوء تونس للخضوع لشروط صندوق النقد الدولي، الذي قرر دعم الاقتصاد التونسي بحوالي نصف مليار دولار، بدءاً من بداية عام 2014.
انعكست النتائج الاقتصادية على تونس كالآتي:
1. الاقتراب من أزمة اقتصادية تهدد موارد الدولة، ويحتاج معالجتها إلى عدة سنوات، بشرط الاستقرار والإدارة العلمية للاقتصاد الوطني.
2. ارتفاع معدل التضخم الذي يعاني منه الشعب، والذي قد يؤدي مستقبلاً إلى انتفاضات أو تظاهرات أخرى للمطالبة بتحسين أحوال المعيشة، وهي في نفس الوقت تزيد من أعباء تدهور الاقتصاد.
3. عدم وضوح مستقبل تونس، وهل ستؤدي الانتخابات القادمة إلى عودة التيار الإسلامي أو إبعاده، وذلك يمثل تهديداً للاقتصاد، وثقة المستثمرين، ومؤسسات التمويل الدولية في التعامل مع تونس.
4. تمثل إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي، وتحويل المؤسسات التي كانت تمتلكها أسرة الرئيس السابق إلى أملاك للدولة قضية مهمة قد تتحول إلى أبعاد عالمية في القضاء والحقوق.
كذلك فإن الأموال التونسية المهربة للخارج تمثل قضية أخرى في محاولة إعادتها، لأن النظام العالمي الحالي يخضع لشروط قاسية في إعادة هذه الأموال، كذلك فإن هناك شركات ومؤسسات غير سوية تدير محافظ أموال المهربين ولا يمكن اكتشاف أسرارها.
خامساً: النتائج في المجال الاجتماعي:
تأثر المجتمع التونسي بالثورة إيجاباً وسلباً، ويمكن القول بأن الآثار الاجتماعية كانت هي أهم نتائج الثورة في تونس.
والمعروف عن المجتمع التونسي، أنه مجتمع منفتح على الغرب بثقافاته وحضارته، كما أنه مجتمع متعلم بدرجة كبيرة، وتكاد الأمية تختفي في العديد من المدن التونسية، وبالرغم من ذلك فإن النظام السابق تمكن من السيطرة الأمنية على هذا المجتمع من خلال القهر والإعلام السلطوي، وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال على الشعب، لدرجة أن فرصة العمل لا تتحقق إلا لمن يخضع للنظام ويتجه له بالولاء.
1. النتائج الإيجابية للثورة في المجال الاجتماعي:
أ. إدراك الشعب أهمية التغيير والمحافظة على الوطن، وبناء دولة ديموقراطية حديثة تتواكب مع الحضارة التونسية القديمة التي كان لها شأن كبير حيث تنخرط من الحضارة الفينقية والقرطاجية.
ب. اندماج الشعب في العولمة بمجالاتها المختلفة، حيث تونس قريبة من دول الاتحاد الأوروبي، كذلك فإن أعداد المهاجرين التونسيين إلى أوروبا ليست بالقليلة.
ج. امتلاك الذات، ورفض الحكم السلطوي والسعي للوحدة الوطنية.
د. تحول الإعلام من إعلام سلطوي إلى إعلام ليبرالي، يمكن التعبير من خلاله عن القضايا المختلفة.
من كل ما سبق فإن الشعب التونسي قد خرج من الإطار السلطوي الذي وضع فيه منذ الاستقلال، عام 1956، وحتى قيام ثورة الياسمين، وأن هذا الشعب لا يمكن أن يتقبل أي حكم سلطوي بعد الثورة، ولا يمكن أن يتعايش مع نظام يقيد من حريته.
2. النتائج السلبية للثورة في المجال الاجتماعي:
أ. عدم وجود قيادة للثورة عكس آثاره في فقد الهدف الرئيس الذي شبت من أجله الثورة، بحيث تم تداول الحكم بين نظام قديم، ثم نظام آخر قفز على السلطة، نتيجة عدم وضوح الهدف.
ب. الانفلات الأمني الذي انتشر في ربوع تونس بعد الثورة، وأدى إلى عدم شعور الغالبية من الشعب بالأمان، خاصة مع انتشار الميليشيات التابعة للتيارات الإسلامية.
ج. ضعف الإنتاج وتقلص السياحة، وانحسار فرص العمل، وكلها تزامنت مع غلاء الأسعار، ما أدى إلى إرهاق المجتمع وازدياد المشكلات المجتمعية، وانتشار الفقر، ومن ثم السخط على الأنظمة الحاكمة الجديدة.
د. شعور المجتمع التونسي أن ثورته قد سلبت منه بصعود التيار الإسلامي ـ المحظور سابقاً ـ إلى الحكم، وتوجه هذا التيار إلى السيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما لم يقبله المجتمع التونسي، وثار عليه في أكتوبر 2013.
هـ. انتشار عمليات التهريب، وتحول المناطق الحدودية (شرقاً وغرباً) إلى مجتمعات متخصصة في تهريب ونقل البضائع بكل أنواعها، بدءاً من السلاح حتى المواد الغذائية، وقد أثر ذلك تماماً على الأمن الوطني التونسي.
ربما تزول معظم الآثار السلبية، نتيجة لانتفاضة الشعب، بدعم من اتحاد الشغل والنقابات المهنية، في أكتوبر 2013.