منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم   الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر 2023, 9:36 pm

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Ocia_922
الباب الأول
أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم

الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب فضل كبير على أمته لأنه صلى الله عليه وسلم بواسطته وصل إلينا الوحي بشقيه القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية اللذين هما مصدرا الشريعة الإسلامية وأساس الدين كله.

ووصول الوحي إلى الناس لم يتم بسهولة ويسر، وإنّما تم بجهود متواصلة وصبر كبير وتحمّل لمشقات متنوعة من صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.

وقد تحمّل -عليه الصلاة والسلام- هذه كلها حتى تحقق منهج الله -سبحانه وتعالى- في الأرض وكمل الدين وتمّت النّعمة.

يقول تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3].

وبتمام النعمة قامت الأمَّة وتحقق وعد الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض.

قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)) [النور: 55].

وتقديراً لهذه النعمة التي أنعم الله بها على المؤمنين عليهم أن يشكروا الله ويعرفوا حق صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.

ولا يتم الشكر والعرفان إلاّ بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم حيّاً وميّتاً، سراً وجهراً، في المنشط والمكره.

وهناك من الأسباب الأخرى ما يدفع إلى ضرورة التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ككرم محتذه، ورفعة نسبه، واتصافه بالأخلاق الكريمة وتمتعه بالصفات النبيلة طوال حياته -عليه الصلاة والسلام-.

ومنها أيضاً ما اتصف به صلى الله عليه وسلم من صفات ساعدت على نشر الدين، وتبليغ الأمانة.

وفي هذا الباب سوف أتكلم عن الأسباب التي من أجلها كان التأدّب معه صلى الله عليه وسلم وهي في مجملها ترجع إلى أمرين:
أولهما: ما يرجع إلى ذاته صلى الله عليه وسلم من ناحية عراقة الأصل، وكرم الخلق في تبليغ الله تعالى.
ثانيهما: ما يرجع إلى عمله صلى الله عليه وسلم وحرصه على هداية الناس وإسعادهم بمنهج الله تعالى.

وقد عقدت لكل من الأمرين فصلاً مستقلاً: ولذلك اشتمل الباب على الفصلين التاليين:
الفصل الأول: نسبه وصفاته صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثاني: عمله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة وحرصه على هداية الناس.

وسيأتي تفصيل ذلك فيما يلي بمشيئة الله تعالى.
الفصل الأول
نسبه صلى الله عليه وسلم ونشأته وصفاته
منذ أن خلق الله -سبحانه وتعالى- أبا البشر آدم عليه السلام وأهبطه هو وزوجه إلى الأرض لم يترك الناس سدى يتصرفون برؤية عقولهم واتجاهاتهم لأن عقل البشر مهما كانت قدرته قاصر عن إدراك الطريق المستقيم ومعرفة الحق بصورة تامة، وإن أدرك بعض الجوانب بالفطرة التي فطر الله الناس عليها.

ولكي تستقيم الفطرة وتكمل نحو الأفضل كانت تأتي هداية الله -سبحانه وتعالى- للناس متتابعة على السُّنَّة الرسل -عليهم السلام- فكلما انحرفت البشرية عن طريق الله القويم جاءها مبعوث من الله سبحانه وتعالى - لهدايتها، ودعوتها.

يقول الله تعالى: ((وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ)) [فاطر: 24].

فكل أمة جاءها رسول من بينها مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً مضيئاً ينير الطريق. ويهدي للتي هي أقوم. وبذلك تقوم الحجه على الناس.

يقول تعالى: ((رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) [النساء: 165].

يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: (أنّه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة، وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى للمعتذر عذر) (1).

ومما يؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس أحد أحب إليه المدح من الله -عز وجل- من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله من أجل ذلك حرّم الفواحش، وليس أحد أحب اليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل) (2).

وكانت الرسل قبل رسولنا صلى الله عليه وسلم يأتون أقوامهم خاصة ليكون التبليغ مناسباً للناس، وليدينوا الله بشريعة يستطيعون القيام بتكاليفها.

وقد ختم الله -سبحانه وتعالى- الرسل -عليهم الصلاة والسلام بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة رحمة لهم.

يقول الله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) [سبأ: 28].

ويقول الله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء: 107].

وبذلك بعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً وختم الله به الرسل وقضى باستمرار رسالته إلى يوم القيامة.

وأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم اللبنة الأخيرة في البناء العظيم الذي يمثل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لبناته.

كما أخبر صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأجمله إلا موقع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) (3).

واختيار الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة كانت بمشيئة الله -تعالى- الذي خلق الناس جميعاً، وهو العليم بذواتهم وخصائص كل منهم يقول الله تعالى: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ)) [القصص: 68] ويقول الله تعالى: ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام: 124].

يقول الألوسي في تفسير هذه الآية: (إنّ منصب الرسالة ليس مما ينال مما يزعمون من كثرة المال والولد وتعاضد الأسباب وإنما ينال بفضائل نفسانية ونفس قدسية أفاضها الله -تعالى- بمحض الكرم والجود على مَنْ كمل استمداده.

ونص بعضهم على أنه تابع للاستعداد الذاتي وهو لا يستلزم الإيجاب الذي يقول به الفلاسفة لأنه -سبحانه- إن شاء أعطى وإن شاء أمسك، وإن استعد المحل) (4).

ومن ثم اختار الله للدعوة الإسلامية التي ختم الله بها كل الرسالات المكان الملائم واختار لحملها خير أمة أخرجت للناس كما اختار رجلها المتميز -وهو الرسول صلى الله عليه وسلم- بصفات جعلته خير من يتلقى الوحي ويبلغه للناس ويتحمل في سبيل ذلك كل اضطهاد وعنت كما هي سنة الله مع كل رسالاته ورسله (5).

وقبل اختيار الرسول للتبليغ صنعه الله، وهيأه، وكفل الله له التنشئة السليمة حتى يكون أهلاً للرسالة والتبليغ، ومن المعلوم أن اصطفاء الله للرسل يتم على مرحلتين، مرحلة تهيئة، ومرحلة تكليف وإبلاغ.

 ولولا أن النبوة اصطفاء وإحسان لقلنا أن الرسل بصفاتهم يستحقونها كسباً لكنّ جمهور المسلمين أجمعوا على أن الرسالة لا تكتسب فلا بد أن يخلق الله لها استعداداً خاصاً عند صاحبها بحيث يجعله أهلاً لحملها وإبلاغها.

وبعد ذلك يصطفيه للرسالة (6).

وفي هذا الفصل سوف أتحدث فيه عن مرحلة تهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم لحمل الرسالة الخاتمة وإبلاغها إلى الناس كافة.

ولذا سيأتي مكوناً من ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عراقة أصله.
المبحث الثاني: نشأته وتربيته.
المبحث الثالث: اتصافه بصفات طيبة وأخلاق فاضلة.

وذلك فيما يلي:
المبحث الأول: عراقة أصله:
يذكر علماء الوراثة أنّ الشخص يتأثر بنسبه سواء من ناحية الجسم والبنية أو من ناحية الذكاء والعقل أو من ناحية الفكر والعقيدة.

يقول د. محمد بيصار: (ولا تكون الوراثة عاملاً هاماً في نقل الصفات الحسية فحسب وإنما كذلك عن طريقها تنتقل الصفات الأدبية كالأمزجة والميول والغرائز، والصفات العقلية كالذكاء والبلادة وحسن تقدير الأمور أو سوء أو شدة الانتباه أو ضعفه إلى غير ذلك من صفات يكون لها الأثر الأقوى في تكوين أخلاق المرء وتكييفها وطبعها بطابع معيّن خيراً كان ذلك الطابع أو شراً حسناً أو قبيحاً).

ويؤيد هذا علم القيافة. الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم فعن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها سروراً تبرق أسارير وجهه فقال: (ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما فقال: إنّ بعض هذا الأقدام من بعض) (7).

يدل عليه قوله تعالى حاكياً عن نبي الله نوح عليه السلام: ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً)) [نوح: 26-27].

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي فاجراً في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) (8).

ويدخل في هذا المفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة (9) فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء (10).

يقول أبو هريرة راوي الحديث: واقرأوا إن شئتم: ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)) [الروم: 30]) (11).

وبهذا يثبت أنّ الولد يتأثر بأبويه من ناحية الجسم والبنية، ومن ناحية العقل والذكاء، ومن ناحية الفكر والعقيدة، قليلاً أو كثيراً، سلباً أو إيجاباً، وذلك بإرادة الله وقدرته.

إذا عرف هذا ننظر إلى نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدى تأثره به.

يقول الأستاذ الدكتور/ أحمد غلوش: (هيأت عناية الله تعالى سلسلة ممتازة من الآباء والأجداد للنبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ منها عن طريق الوراثة كثيراً من الخلق والطبائع) (12).

وقد وردت في هذا المضمار نصوص كثيرة تدل على أنّ نسب النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الناس نسباً.

من ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) (13).

وقد أشار النووي -رحمه الله- إلى أنّ بني هاشم أفضل العرب لا يدانيهم في الأفضلية إلاّ بنو المطلب مستدلاً بهذا الحديث(14).

ويقول المباركفوري عند شرحه لهذا الحديث: قوله: (إن الله اصطفى) أي اختار، يُقال استصفاه واصطفاه، إذا اختاره وأخذ صفوته والصفوة من كل شيء خالصه وخياره) (15).

ومن ذلك أيضاً ما أخرجه الترمذي عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة ثم خص البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً) (16).

أي: أصلاً إذا جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبدالله بنكاح لا سفاح (17).

ومما يدل على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له مكانة عند قومه من جهة النسب شهادة أعدائه كما ورد في قصة أبي سفيان وهو مشرك ومن ألد أعداء صاحب الرسالة آنذاك -مع هرقل ملك الروم عندما وجه إليه أسئلة عديدة تتعلق بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها: (كيف نسبه فيكم؟ قال -أي أبو سفيان-: هو فينا ذو نسب، ثم قال هرقل في آخر القصة: سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب فكذلك تبعث الرسل في أنساب قومها) (18).

يقول النووي: (أي في أفضل أنسابهم) (19).

ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء على لسان مفوض مشركي قريش عتبة ابن أبي ربيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عند افتتاح كلامه مع الرسول: (يا ابن أخي إنّك منّا حيث قد علمت من السطة (20) في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم...) (21).

وهاتان القصتان تشهدان بما للرسول صلى الله عليه وسلم من المكانة في النسب عند قومه لإقرار أعدائه وأعداء رسالته حيث لم يستطيعوا أن يخفوا هذه الحقيقة مع أنهم كانوا يتهمونه بتهم باطلة، مرة بالسحر، ومرة بالجنون، ومرة بالشعر والكهانة.

ومع هذا لم ينقل إلينا عن أحدهم تهمة واحدة يقدحون بها الرسول صلى الله عليه وسلم من جهة النسب، كما أن النصوص الأخرى التي أوردناها تدل على أن العرب أفضل الناس من ناحية النسب وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم من أفضلها نسباً، وأن هذه سنة الله في اختيار رسله جميعاً كما جاء في قول هرقل السابق.

يقول الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: (الظاهر أن اخبار هرقل بذلك بالجزم كان على العلم المقرر في الكتب السالفة) (22).

والحكمة في ذلك كما قال النووي -رحمه الله- أنه أبعد من انتحاله الباطل وأقرب إلى انقياد الناس له لأن الناس يأنفون من الانقياد إلى رجل وضيع من جهة وكذلك الوضيع لا تسول نفسه له قيادة الناس عن جهة أخرى(23).

ولهذا كان نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأثير على نفسه من ناحية وعلى قومه من ناحية أخرى، كما ذكر غير واحد من العلماء.

يقول د. محمد قلعت في هذا المقام: (هذا النسب له أثره في رسول الله وكان له أثر فيمن يبلغهم رسول الله شريعة الله، أمّا أثره في رسول الله فقد شب -عليه الصلاة والسلام- مرفوع الرأس رغم يتمه لا يعرف الذل ولا الخنوع.

جريئاً في إعلان رأيه، تملأ الثقة نفسه، أما أثره فيمن دعاهم رسول الله إلى الإيمان والانضواء تحت راية الإسلام فإن أكبر شخصية في العرب لا تجد غضاضة من الانضواء تحت راية الإسلام، وقبول محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً وحاكماً لأنهم يعترفون بأن محمداً صلى الله عليه وسلم من أعرق بيوت قريش نسباً) (24).

وهذه حقيقة ثابتة لا جدال فيها وإن كان هناك من يعارضه من قومه لكن ليس هذا من جهة نسبه ولا رفضاً لشخصيته وإنما كان رفضاً موجهاً لرسالته صلى الله عليه وسلم.

وصدق الله إذ يقول: ((فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)) [الأنعام: 33].

وممَا يؤيد ذلك ما جاء على لسان أبي جهل عدو الله وعدو رسوله إذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (قد نعلم يا محمد أنك تصل الرحم وتصدق الحديث ولا نكذبك ولكنّ نكذب الذي جئت به) (25) فأنزل الله -عز وجل-: ((قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)) [الأنعام: 33].

أي إن رفض قريش كان موجهاً للدعوة التي دعاهم إليها الرسول صلى الله عليه وسلم لا لشخصيته كما يفيد منطوق قول أبي جهل السابق.

ولهذا ورد أنهم عرضوا عليه الجاه والسيادة والملك وجمع الأموال والمغريات الأخرى مقابل ترك هذه الدعوة كلية أو جزءاً منها كحل وسط (26) ولكنهم لم ينجحوا فيها لأن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم كان ثابتاً.

وعرض هذه الأمور عليه يدل على سمو مكانة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النسب عند قومه قريش الذين كانوا يأنفون أن يخضعوا للوضيع مهما كان الأمر وخاصة إذا جاء بأمر يخالف عاداتهم وتقاليدهم مثل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين الحنيف والدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والأوثان وما كان سائداً في مجتمع مكة من عادات وتقاليد جاهلية.



الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم   الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر 2023, 9:36 pm

المبحث الثاني: نشأته وتربيته:
كما هو معروف في كتب السيرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل يتيماً حيث مات أبوه وهو في بطن أمّه، وماتت أمّه وهو ابن ست سنوات، ولهذا لم يتنعم بحنين الأبوين، وقد كفله جده عبد المطلب حتى مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنوات (27).

وبعد وفاة جده عبد المطلب كفله عمّه أبو طالب الذي بذل كل ما في وسعه في رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم في زمن طفولته وشبابه، وكذلك بعد البعثة حيث دافع عنه تعصباً وحمية مع أنه لم يؤمن به حتى فارق الحياة.

 يقول الغزالي: (فالمجتمع العربي الأول كان يقوم على العصبيات القبلية الحادة، التي تفنى القبيلة كلها دفاعاً عن كرامتها الخاصة وكرامة من يمت إليها بالصلة، وقد ظل الإسلام حيناً من الدهر يعيش في حمى هذه التقاليد المرعية حتى استغنى بنفسه كما تستغني الشجرة عمّا يحملها بعدما تغلظ وتستوي) (28).

وقد كان أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً حياً لهذه العصبيات لقيامه بالدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنّه جوزي وهو كافر بما جاء به من عند الله بتخفيف العذاب عنه يوم القيامة مقابل دفاعه عنه لما ثبت في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنّه قال: (يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم هو في ضحضاح (29) من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) (30)، وفي رواية أخرى: (وجدته غمرات (31) من النار فأخرجته إلى ضحضاح) (32).

ولقد مرّ الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بمراحل عديدة، واجه حياة كدح صعبة وشاقةْ حيث أنه أصبح يتيماً فقيراً إلى أن أغناه الله فاتجه إلى الانعزال والعبادة في غار حراء.

فلقد كان -عليه الصلاة والسلام- في صباه يشتغل برعاية الغنم كما هو سنة الأنبياء، لأنّه ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط، وهو -عليه الصلاة والسلام- القائل: (ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، فقال له أصحابه -رضي الله عنهم-: وأنت؟ فقال: ، نعم كنت أرعاها على قراريط (33) لأهل مكة) (34).

وهذا الحديث إنّما يدل على أنّه صلى الله عليه وسلم كان يعتمد على نفسه في فترة مبكرة من عمره.

وبجانب رعايته للغنم كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام مع عمّه أبي طالب للتجارة.

أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: (خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلمّا أشرفوا على الراهب هبط فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب...) (35).

هذا ما ورد في فترة صباه، وأمّا بعد بلوغه، فقد ورد أيضاً أنّه كان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الشام للتجارة بأموال خديجة -رضي الله عنها- قبل اقترانه بها.

يقول ابن إسحاق: (وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء وتجعله لهم وكانت قريش قوماً تجاراً، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام (36).

فقام صلى الله عليه وسلم بواجبه في التجارة خير قيام حتى كانت سبباً في زواجه إياها إثر رجوعه من ذلك السفر بعدما عرضت نفسها عليه بناء على ما رأته فيه من صدق وأمانة، وما سمعته من ميسرة في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم من خير طوال مرافقته له في تلك الرحلة الميمونة.

يقول ابن كثير في السيرة: (فلمّا أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون: يا ابن عم إنّي قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت نفسها عليه، فلمّا قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره لأعمامه فخرج معه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها -عليه الصلاة والسلام- (37).

وبعد اقترانه صلى الله عليه وسلم بخديجة أم المؤمنين -رضي الله عنها استغنى بمالها عن الكسب والضرب في الأرض لأنّه لم يرد في كتب السيرة أنّه زاول نشاطاً اقتصادياً بعد ذلك بل ورد أنّه كان يذهب إلى غار حراء ليتعبَّد فيه فترة يرجع بعدها إلى خديجة ليتزوَّد بمثلها حتى جاءه الملك بأول آيات من القرآن وهي صدر العلق من قوله تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)) [العلق: 1] إلى قوله تعالى: ((عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) [العلق: 5].

عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أول ما بدىء رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك (38) فقال: إقرأ.. إلى قوله: ((عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) [العلق: 5].

وهذه هي المراحل التي مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وقد أشار القرآن الكريم إليها في آيات من سورة الضحى وهي قوله تعالى: ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)) [الضحى: 6-8].

قال قتادة في هذه الآيات: (كانت هذه هي منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله -عز وجل-) (39).

وقد ذكر أكثر المفسرين هذه المراحل التي مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم عند تفسيرهم هذه الآيات من سورة الضحى إلاّ أنهم يذكرون في كل مرحلة عدة أقوال محتملة ومعان متقاربة لا يتسع لذكرها هذا المقام لأن القصد هنا ليس ذكر أقوال المفسرين قاطبة وإنّما ذكر ما يشير إلى هذه المراحل.

وقد لخّص الشهيد سيد قطب معنى هذه الآيات فيقول: (لقد ولدت يتيماً قآواك إليه وعطف عليك القلوب.. ولقد كنت فقيراً فأغنى الله نفسك بالقناعة كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك خديجة -رضي الله عنها- عن أن تحس الفقر أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء.

ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد منحرفة السلوك والأوضاع فلم تطمئن روحك إليها ولكنّك لم تكن تجد لك طريقاً واضحاً مطمئناً لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرّفوا وبدّلوا وانحرفوا وتاهوا ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك وبالمنهج الذي يصلك به) (40).

ويفهم من تفسير سيد قطب للآيات الثلاث من سورة الضحى كغيره من المفسرين أن المراحل الثلاثة ليست على ترتيب الآيات من المصحف حيث أنّ مرحلة الإغناء مقدمة على مرحلة الهداية.

يقول الدكتور محمد عزت دروزة ملخصاً ما ذكره المفسرون في هذا الصدد: (إن الآية تحتوي إشارة إلى حادث تيهان وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في طفولته أو في إحدى رحلاته ورووا في ذلك روايات كما قالوا أنّها تعني أنّه كان غافلاً عن الشريعة التي لا تتقرر إلا بالوحي الرباني أو أنّه كان حائراً في أسلوب العبادة لله ونفوا عنه أي حال أن يكون ضالاً أي مندمجاً في العقائد والتقاليد الشركية والنفس لا تطمئن إلى رواية تيهان النبي صلى الله عليه وسلم مضموناً وسنداً بل إنّها ليست متسقة مع ما تضمنته الآية من منّ الله على النبي صلى الله عليه وسلم بأعظم إفضاله عليه، وتفسير ضال بحائر يحمل معنى الآية على أنه المقصود الحيرة في الطريق التي يجب أن يسار فيها إلى الله وعبادته على أفضل وجه. وهو المعنى الذي نراه) (41).

والحكمة في تلك المراحل التي مرّ بها الرسول صلى الله عليه وسلم هو أنّ الله -سبحانه وتعالى- كان يدربه حتى يكون مُهَيّأ ومؤهلاً لحمل عبء الرسالة الخاتمة وإبلاغها إلى الناس المنغمسين في بحر من الفساد في كل ناحية من نواحي الحياة حتى يصدق عليهم قوله تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)) [الروم: 41].

يقول صاحب كتاب "دراسة في السيرة" مشيراً إلى الحكمة من تلك المراحل:
"ومن مرارة اليتم ووحشية العزلة وانقطاع معين العطف والحنان قبس الرسول صلى الله عليه وسلم الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل... وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيداً عن ترف الغنى وميوعة الدلال.. وعبر رحلته إلى الشام في رعاية عمّه فتح الرسول صلى الله عليه وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التي تضطرب نشاطاً وقلقاً... وفي رحلته الثانية إلى الشام مسؤولاً عن تجارة للسيدة خديجة تعلّم الرسول الكثير الكثير عمّق في حسّه معطيات المرحلة الأولى وزاد عليها إدراكاً أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب... كما علمه الانشقاق الأخلاقي عن الوضع المكي القدرة على مجابهة الأحداث (42).



الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم   الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر 2023, 9:37 pm

لمبحث الثالث: سمو صفاته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه:
نشأ الرسول صلى الله عليه وسلم في بيئة وثنية يعبد أهلها الأصنام والأوثان، ويستعبد القوي منهم الضعيف حتى أصبح الظلم شيئاً معروفاً كما تنبىء به أشعارهم المأثورة كقول زهير بن أبي سلمى:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم (43)

إضافة إلى ما كانوا عليه من فساد في العادات والسلوك مثل وأد البنات خوفاً من العار والفقر، وأكل أموال اليتامى بحجة أنهم ضعفاء لا يستطيعون حمل السلاح والدفاع عن القبيلة، وأكل الربا واستحلاله راضين بذلك حتى اشتهر فيهم تعريف البيع به كما حكى لنا القرآن الكريم: ((إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)) [البقرة: 275].

وقد وصف جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- للنجاشي ملك الحبشة أثناء الهجرة الثانية إلى الحبشة أحوال المجتمع المكي آنذاك وصفاً دقيقاً فقال: "أيها الملك، كنّا أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسبي الجوار، ويأكل القوي منّا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وأمانته وعفافه، فدعا إلى توحيد الله وأن لا نشرك به شيئاً ونخلع ما كنّا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل أموال اليتيم..." (44).

هكذا كانت حالة المجتمع المكي آنذاك ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برعاية من الله لم يتأثر ببيئته مع اشتراكه في بعض الأعمال مع قومه لأنّها كانت أعمالاً لا تخدش نبله أو لا تسيء إلى سمعته، وأخلاقه الطيبة.

نذكر في هذا الصدد ما روي من الأعمال التي اشترك فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه.

فلقد اشترك الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في حلف الفضول الذي وقع بين بطون من قريش لرد المظالم إلى أهلها.

يروي ابن هشام بسنده عن ابن إسحاق قال(45): "تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جُدعان لشرفه وسنه... فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا في مكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممّن دخلها من سائر الناس إلاّ قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول" (46).

ويقول ابن كثير -رحمه الله- بعد إيراده ذلك الحلف: "وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب" (47).

وعلى هذا فكان اشتراكه صلى الله عليه وسلم في ذلك الحلف أمراً ذا أهمية كبيرة لأنّ ردّ المظالم إلى أهلها أمر هام وقد جاء به الإسلام فيما بعد ولهذا أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك الحلف بعد البعثة، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً ما أحب لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت" (48).

ومن الأعمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة، حرب الفِجار التي وقعت وعمره صلى الله عليه وسلم عشرون سنة كما ذكر ابن إسحاق صاحب السيرة (49).

وسبب ذلك الحرب (50) كما ذكر ابن هشام في سيرته أنّ عروة الرحال بن عتبة من هوازن أجار لطيمة (51) للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بني ضمرة: أتجيرها في كنانة؟ قال: نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض لطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سمي حرب الفجار (52).

وكانت دوره صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب أن يرد على أعمامه نبل عدوهم إذا رموهم بها، لأنّه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كنت أنبل على أعمامي" (53).

وفي اشتراكه صلى الله عليه وسلم في تلك الحرب ما يبرره وهو أنّ القتال لم يكن جائزاً في الأشهر الحرم زمن الجاهلية حتى أنّهم إذا أرادوا القتال في الأشهر الحرم أخّروها إلى شهر آخر لكي يستحلوا فيها القتال كما بينها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن معيباً عليهم: ((إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ)) [التوبة: 37].

وعلى هذا فما دامت تلك الحرب دفاعاً عن انتهاك حرمة الأشهر الحرم فلا بأس في اشتراكه صلى الله عليه وسلم فيها.

وقد أقر الله ذلك في قوله تعالى: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)) [التوبة: 36].

ومن الأعمال التي اشترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة حين بناء قريش لها بعد ما اختلفت بطونها في ذلك حيث كانت كل قبيلة تريد أن تنفرد بمزية وضع الحجر الأسود في مكانه وكادوا أن يقتتلوا لولا مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه فيهم حكماً يرضى كل الأطراف المتنازعة على ذلك.

عن عبد الله بن السائب قال: كنت فيمن بنى البيت وأخذت حجراً فسويته ووضعته إلى جنب البيت.. وأن قريشاً اختلفوا في الحجر حيث أرادوا أن يضعوه حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف فقال: اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين، فقالوا: يا محمد قد رضينا بك فدعا بثوب فبسطه ووضع الحجر فيه ثم قال لهذا البطن، ولهذا البطن، غير أنّه سمى بطوناً: "ليأخذ كل بطن منكم بناحية من الثوب" ففعلوا ثم رفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بيده (54).

واشتراكه صلى الله عليه وسلم في هذا العمل يظهر مدى فطانته ورجاحة عقله حيث حل المشكلة بسهولة ويسر بعدما كادت أن تؤدي إلى إسالة الدماء والحرب كما أنّه يدل على مكانته صلى الله عليه وسلم عند قومه بحيث إنّهم رضوا بحكمه دون تردد.

هذه هي أهم الأعمال التي وردت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اشترك فيها قبل البعثة مع قومه، وكلها كما ذكرت سابقاً من أعالي الأمور ومن مكارم الأخلاق التي من شأنها أن ترفع مكانته وشأنه وبخاصة إذا علم أن بيئته قد عم فيها الفساد وانتشرت فيها الرذائل التي عصمه الله -سبحانه وتعالى- منها وأبعده عنها لينشأ خالياً من الدنايا والشوائب.

يؤيد ذلك ما رواه أبو نعيم بسنده عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون بها إلا مرتين الدهر كلتاهما يعصمني الله -عز وجل- منها، قلت ليلة لفتى من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلنا نرعاها: أنظر غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال: نعم، فخرجت فجئت أدنى دار من دور مكة فسمعت غناء وضرب دفوف وزمراً فقلت ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلانة المرجل من قريش فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسَّ الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فأخبرته ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ففعل فخرجت فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مسّ الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله ما هممت بعدهما بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته" (55).

وهذا الحديث دليل واضح على بعده صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن أمور الجاهلية التي كانت سائدة آنذاك في المجتمع المكي ومن حوله بعناية من الله -سبحانه وتعالى- وبجانب ذلك كان صلى الله عليه وسلم متصفاً بصفات فاضلة وأخلاق حميدة أقر له بها المؤيدون والمعاندون على السواء.

وقد أوجزت لنا خديجة أم المؤمنين -رضي الله عنها- صفاته وأخلاقه بقولها بعد فزعه إليها من شدة بدء الوحي: "كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً فوالله إنك تصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل (56) وتكسب المعدوم (57) وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.." (58).

وخديجة -رضي الله عنها- أقرب شخصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تصفه بهذه الصفات بناء على تجربة دقيقة وممارسة طويلة ابتداء من ائتمانها له أن يتاجر في مالها ثم اقترانها به ومعاشرته فترة تبلغ خمس عشرة سنة.

وهذه شهادة من جانب أحد المؤمنين بدعوته صلى الله عليه وسلم وهى شهادة حق وصدق أقر بها وبحقيقتها من لم يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا بدعوته.

من ذلك ما أخرجه الشيخان بسندهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قـال: "لما نزلت: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) [الشعراء: 214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ "قالوا: ما جربنا عليكَ كذباً، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال أبو لهب: تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام: فنزلت: ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)) [المسد: 1] (59).

ففي قولهم: ما جربنا عليك كذباً دليل واضح على اتصافه صلى الله عليه وسلم بالصدق التام قبل الرسالة بشهادة أعدائه الذين وقفوا في وجه نشر الدعوة الإسلامية.

وهذه الشهادة قد صدرت من مجموع المشركين ومثلها صدرت من أفرادهم، وقد قالها أبو سفيان -رضي الله عنه- وهو مشرك- عند هرقل ملك الروم الذي وجه إليه عدة أسئلة تتعلق بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها قول هرقل: "فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ "قلت: لا، ثم قال هرقل: في آخر القصة لأبي سفيان: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب ويكذب على الله"(60).

تلك شهادة الخصوم والمؤمنين تنطق صريحة في أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكذب أبداً قبل البعثة، بل كان صادقاً دائماً.

والصدق أساس الفضائل الأخلاقية وعنوان الإنسانية الكريمة، وقد انطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله تعالى.

وكما اتصف صلى الله عليه وسلم بالصدق اتصف بكل مكارم الأخلاق ومنها الأمانة.

وخير ما يدل على ذلك قصة وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة أثناء تجديد بنائها حينما اختلفت قريش في ذلك حيث أتفقوا على تحكيم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين فقالوا: "قد دخل الأمين، فقالوا يا محمد رضينا بك" (61).

وهذه شهادة صدرت من مجموع المشركين وإن لم يكن بينه وبينهم عداوة حين نطقوا بذلك القول لأنّ ذلك كان قبل البعثة إلا أنّها تشهد على اتصافه صلى الله عليه وسلم بالأمانة حتى أصبحت لقباً له.

وعلى هذا نجزم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متصفاً بصفات فاضلة وأخلاق حميدة قبل البعثة اعترف بها أعداؤه وآمن بها أصحابه مع شيوع الظلم والعدوان وسوء الأخلاق في المجتمع المكي يومذاك.

وذلك بفضل الله وعنايته ورعايته.

وأمّا بعد البعثة فقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما ورد في حديث عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- حيث قالت: "... فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن" (62).

وهذه الأخلاق الكريمة كانت سبباً في تقريب قلوب أصحابه -رضوان الله عليهم- له ولولا اتصافه بها لما تمكن من تأثير دعوته عليهم وخاصة في أيامها الأولى في مكة.

وقد أشار الله -سبحانه وتعالى- إلى تأثير اتصافه صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة على أصحابه -رضوان الله عليهم- بقوله تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)) [آل عمران: 159].

وكما أن الأخلاق الفاضلة لها تأثير كبير على الأصحاب كذلك أيضاً لها تأثير كبير على الأعداء كما يدل عليه قوله تعالى: ((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) [فصلت: 34-35].

وقد شهد الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالخلق العظيم بقوله: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم: 4].

--------------------------------------------
1.    تفسير القرآن العظيم (1/588).
2.    البخاري كتاب التفسير باب قوله: (ولا تقربوا الفواحش) (3/129). ومسلم كتاب التوبة باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (4/2114) واللفظ لمسلم.
3.    البخاري كتاب المناقب - باب خاتم النبييون- (2/270).
4.    روح المعاني (8/21-22).
5.    انظر الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد غلوش (ص:114).
6.    انظر الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها للدكتور أحمد غلوش (ص:114).
7.    العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع (ص:240) البخاري -كتاب المناقب- باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (2/272)
8.    تفسير ابن كثير (4/427).
9.    على الفطرة: على معرفة الله فلست واحداً أحداً إلا ويقر بأن له صانعاً وإن سمّاه بغير اسمه أو عبد غيره. غريب الحديث لابن الجوزي (2/199).
10.    جدعاء: أي مقطوعة الأطراف. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/247).
11.    صحيح مسلم كتاب القدر باب معنى: (كل مولود على الفطرة وحكم أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/2047).
12.    الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها (ص:114).
13.    صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم (4/1782) والترمذي في سننه، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل النبى صلى الله عليه وسلم (5/245).
14.    شرح النووي على صحبح مسلم (15/36).
15.    تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي (10/74).
16.    أخرجه الترمذي في سننه في أبواب المناقب - باب ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم انظر (5/244)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
17.    انظر: تحفة الأحوذي (10/76).
18.    صحيح البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/8)، وصحيح مسلم، كتاب الجهاد باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ليدعوه إلى الإسلام (3/1394) واللفظ للبخاري.
19.    شرح النووي على صحيح مسلم (12/105).
20.    السطة: أي عن أوساطهم حسباً ونسباً.
21.    تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/91)، وحسّن الألباني هذه القصة في تعليقه على فقه السيرة للغزالي. انظر هامش (ص:113).
22.    فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/36).
23.    شرح النووي على صحيح مسلم (12/35).
24.    التفسير السياسي للسيرة (ص:11-12).
25.    أخرجه الحاكم في مستدركه (2/315) وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه قال الذهبي: ما أخرجاه لناجية، وقال الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير (5/25): (وهذا صحيح فإن الشيخين لم يخرجا لناجية بن كعب الأسدي ولكنه تابعي ثقة والحديث صحيح وإن لم يكن على شرطهما).
26.    انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (4/91).
27.    انظر سيرة ابن هشام: (1/167) وما بعدها.
28.    فقه السيرة: (ص:58).
29.    ضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض، غريب الحديث لابن الجوزي (2/6).
30.    صحيح مسلم كتاب الإيمان باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (1/195).
31.    غمرات: أي المواضع التي تكثر فيها النار. واحدتها غمرة. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/383-384).
32.    صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب شفاعة الني صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه (1/195).
33.    قراريط: مفردها قيراط وهو جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشر في أكثر البلاد وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين. والياء فيه بدل الراء فإن أصله من قّراط، النهاية في غريب الحديث (4/42).
34.    أخرجه البخاري في كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط: (2/32-33).
35.    سنن الترمذي، أبواب المناقب باب ما جاء في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم (5/250)، وقال: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه).
36.    سيرة ابن هشام: (1/171-172).
37.    السيرة النبوية: (1/263).
38.    أخرجه البخاري في صحيحه: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/6).
39.    تفسير ابن كثير: (4/523).
40.    في ظلال القرآن: (6/3927).
41.    سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: (1/32).
42.    دراسة ني السيرة للدكتور عماد الدين خليل (ص:47-49) مع تصرف يسير.
43.    في ديوانه: (ص:88).
44.    الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد مع شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الربّاني (20/226) كلاهما لاْحمد البنا "وقال البنا عقب هذا الهديث: "الحديث صحيح ورواه ابن هشام في سيرته بطوله عن ابن إسحاق، وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرّح بالسماع".
45.    سيرة ابن هشام: (1/122-123).
46.    سمي هذا الحلف بالفضول إما نسبة إلى الأشخاص المتحالفين الثلاث الذين سمى كل واحد منهم بالفضل أو إما السبب الذي من أجله تحالفوا وهو أن ترد الفضول على أهلها. السيرة النبوية لابن كثير (1/258-261) مع التصرف.
47.    السيرة النبوية (1/259).
48.    انظر سيرة ابن هشام (1/123-124).
49.    المصدر السابق (1/170).
50.    في حرب الفجار التي وقعت بين قريش ومن معه من كنانة وبين قيس عيلان. انظر سيرة ابن هشام (1/168).
51.    اللطيم تحمل العطر والبزّ غير الميرة. النهاية في غريب الحديث (4/251).
52.    انظر سيرة ابن هشام (1/169) بتصرف.
53.    انظر السيرة النبوية لابن كثير (1/256).
54.    أخرجه الحاكم في مستدركه (1/458) وقال: صحيح على شرط مسلم وله شاهد صحيح على شرطه ووافقه الذهبي.
55.    دلائل النبوة لأبي نعيم (ص:54) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/226) رواه البزار ورجاله ثقات.
56.    الكل: العيال والثقل. غريب الحديث لابن الجوزي (2/293).
57.    وتكسب المعدوم - يقال: فلان يكسب المعدوم إذا كان مجذوذاً محظوظاً أي يكسب ما يحرمه غيره، وقيل أرادت -أي خديجة -رضي الله عنها- تكسب الشيء المعدوم الذي لا يجدونه مما يحتاجون إليه، وقيل أرادت بالمعدوم الفقير الذي صار من شدة حاجته كالمعدوم نفسه. النياية في غريب الحديث (3/191-192).
58.    صحيح البخاري في كتاب التفسير باب تفسير سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق (3/218).
59.    صحيح البخاري في كتاب التفسير باب تفسير سورة: (تبت يدا أبي لهب وتب) (3/222). وصحيح مسلم في كتاب الإيمان، باب (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1/194).
60.    جزء من الحديث الطويل المتفق عليه؛ انظر صحيح البخاري باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/8)، وصحيح مسلم في كتاب الجهاد باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (3/1394)-(1395هـ)، واللفظ له.
61.    جزء من الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه (1/458). وقد تقدم تخريجه في (ص:73).
62.    أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1/513).



الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم   الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر 2023, 9:39 pm

الفصل الثاني
عمله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة وحرصه على هداية الناس

إن نزول الوحي الإلهى للناس يحتاج إلى رسول يتلقاه ويبلغه للمدعوين، ولذلك اختار الله رسله -عليهم السلام- قادرين على تحمل المسؤولية مهيئين بفضل الله- للقيام بواجب الدعوة خير قيام.

ومن هنا كان إرسال الرسل مسقطاً لحجة الناس بأن الدعوة لم تبلغهم.

يقول الله تعالى: ((رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) [النساء: 165].

وعمل الرسل مع الدعوة يحتاج إلى جهد كبير وصبر واضح، ومثابرة شاقة بالإضافة إلى تحمل أذى القوم وعنتهم وعدوانهم القولي والفعلي على الرسول والذين معه.

وتلك سنة عامة مع كل الرسل وسائر الدعوات من لدن نوح عليه السلام إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

ولقد تحدث القرآن الكريم عن الرسل السابقة -عليهم الصـلاة والسلام- وبين ما لقوا من أقوامهم من أذى وتعنت أو قتل أو تشريد، ولكن لا يتسع المقام لأن أسرد كل قصصهم إلاّ أنّي أذكر ما يدل على ذلك من الكتاب والسُّنَّة على وجه الإجمال.

فمن الكتاب قوله تعالى: ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)) [الأنعام: 34].

يقول الشهيد سيد قطب -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "ويستطرد من تطييب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان الأسباب الحقيقية لموقف المكذبين منه ومن دعوته، ومن آيات الله الناطقة بصدقه وصدق ما جاء به... يستطرد من هذا إلى تذكيره بما وقع لإخوانه الرسل قبله، وقد جاءه من أخبارهم في هذا القرآن ثم ما كان منهم من الصبر والمضي في الطريق حتى جاءهم نصر الله ليقرر أنّ هذه سنة الدعوات التي لا تبديل ولا يغير منها اقتراحات المقترحين كما أنها لا تستعجل مهما ينزل بالدعاة من الأذى والتكذيب والضيق" (1).

- وأما السُّنَّة فمنها ما جاء على لسان ورقة بن نوفل حينما ذهبت خديجة أم المؤمنين -رضى الله عنها- بالرسول صلى الله عليه وسلم إليه بعد فزع الرسول من رؤية الملك جبريل عليه السلام في بداية الوحي كما رواه البخاري عن عائشة -رضى الله عنها-: وفيه: .. فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمي فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك؟ فقال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟! فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس (2) الذي نزّل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً (3) ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمخرجيّ هم" قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ثم لم ينشب (4) ورقة أن توفي وفتر الوحي" (5).

وهذا الحديث نص صريح في الموضوع الذي نحن بصدده إذ أنّه يعطينا صورة واضحة عن معاداة الأمم السابقة لرسلهم من غير استثناء رسول واحد من الرسل -عليهم السلام- ابتداء من نبي الله نوح عليه السلام وانتهاء بخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم كما هي سنة الله تعالى في إرسال الرسل.

وما دامت سنة الله في كل دعوة من دعوات الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أن تواجه الابتلاء والاختبار فلا بد لدعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن تواجه أيضاً ذلك من قبل المعاندين من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم.

وفي هذا الفصل أتحدث عن ما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أعداء الدعوة الإسلامية وكيف قاومهم ومدى ما تحمل من المتاعب في سبيل نشر الدعوة الإسلامية مع مراعاة ظروف ذلك الزمان.

وقد قسمت هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تحمل مشاق نشر الدعوة.
المبحث الثاني: الصبر على الأذى والعدوان من قبل الخصوم.
المبحث الثالث: إكمال الله تعالى الدين على يده صلى الله عليه وسلم.

وذلك على النحو التالي:
المبحث الأول: تحمل مشاق نشر الدعوة:
من المعلوم أنّ الإسلام بدأ غريباً كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) (6).

وتلك الغربة قد زالت بفضل الله تعالى ثم بفضل جهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة الإسلامية في مراحلها الخمسة وتحمله المشاق في سبيل إنجاحها.

وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- تلك المراحل الخمس وهي على النحو التالي:
المرحلة الأولى: النبوة.
المرحلة الثانية: إنذار عشيرته الأقربين.
المرحلة الثالثة: إنذار قومه.
المرحلة الرابعة: إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة.
المرحلة الخامسة: إنذار جميع من بلغته الدعوة من الجن والإنس إلى آخر الدهر (7).

ويمكن تقسيم هذه المراحل التي أشرتها آنفاً إلى مرحلتين: المرحلة المكية، والمرحلة المدنية أي بعد الهجرة.

أولاً: المرحلة المكية:
وهذه المرحلة هي أصعب المرحلتين لقلة المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم وضعفهم وقوة المعادين له وكثرتهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان على ثقة بالله -سبحانه وتعالى- في أن يتم هذا الأمر فلم يتزحزح عن طريق الحق قيد شبر طيلة المدة التي كان يدعو الناس إلى الله.

وفي السنوات الثلاث الأولى من هذه المرحلة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسر دعوته ولا يدعو الناس إلا فرادى، ويأمر من آمن به أن لا يظهر إسلامه خوفاً على نفسه.

ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم عن عمر بن عبسة -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بعث وهو يومئذ مستخف فقلت أنت ما أنت؟ قال: "أنا نبي" قلت: وما نبى؟ قال: "رسول الله" قلت: أرسلك الله؟ قال: "نعم" قلت: بم أرسلك؟ قال: "بأن تعبدوا الله وتكسروا الأوثان وتصلوا الرحم" قلت: نعما أرسلت فمن تبعك على هذا؟ قال: "حر وعبد" يعني أبا بكر وبلالاً، فكان عمر بن عبسة يقول: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام فأسلمت فقلت: أتبعك يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن الحق بأرض قومك فإذا ظهرت فأتني" (8).

ويشير ابن القيم -رحمه الله- إلى هذه المرحلة قائلاً:
"وأقام صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (9) ثلاث سنين يدعو إلى الله -سبحانه وتعالى- مستخفياً ثم نزل عليه: ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ)) [الحجر: 94].

فأعلن صلى الله عليه وسلم بالدعوة وجاهر قومه بالعداوة واشتد الأذى عليه وعلى المسلمين حتى أذن الله لهم بالهجرتين" (10).

ولا يخفى ما لهذه الفترة من مشقة نفسية بالنسبة لصاحب الرسالة -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين على السواء بحيث أنّهم كانوا لا يقدرون أن ينطقوا بالحق الذي آمنوا به أمام الناس فضلاً عن دعوة الناس إليه جهراً خائفين على أنفسهم لأنّه من المحتمل وأد الدعوة في مهدها إذا أعلنوها آنذاك إمّا بقتل صاحبها أو معتنقيها أو إفتتانهم عن دينهم والفتنة أشد من القتل.

إضافة إلى ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني مشقة أخرى ينفرد بها عن أصحابه وهي شدة تلقي الوحي وخاصة في أيامه الأولى التي لم يتعوده بعد حتى أنّه كان يفزع من رؤية الملك جبريك عليه السلام أمين الوحي.

ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت: زملوني فأنزل الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)) [المدثر: 1].. إلى قوله: ((وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)) [المدثر: 5] فحمى الوحي وتتابع) (11).

وَمن شدائد الوحي أيضاً ما لقيه الرسول صلى الله عليه وسلم من حفظه وقراءته حتى إنه كان يسابق الملك في القراءة إلى أن نزل قوله تعالى: ((لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)) [القيامة: 16-17].

يقول ابن عباس -رضي الله عنه- ما في هاتين الآيتين المذكورتين: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه فأنزل الله تعالى: ((لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)) [القيامة: 16-17] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أَتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه" (12).

يقول ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين: "هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك فإنّه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله -عز وجل- إذا جاءه الملك أن يستمع له، وتكفل الله له أن يجمعه في صدره وأن ييسره لأدائه على الذي ألقاه إليه وأن يبينه له ويفسره ويوضحه، فالحالة الأولى جمعه في صدره والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه" (13).

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنّه كان يعاني من الوحي شدة طوال فترة بعثته غير أنّه تعود وتحمل دون رعب وفزع منه ومن الملك بخلاف ما كان يعاني وقت بدايته.

ويؤيد هذا ما روته عائشة -رضي الله عنها- أنّ الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة (14) الجرس وهو أشده عليَّ حتى يفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول"، قالت عائشة -رضي الله عنها-: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً" (15).

وأما بعد أن أمر الله -سبحانه وتعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة إلى الله - فقد ازدادت الشدة عليه وعلى المؤمنين بسبب معاداة قومه دعوته وإيذائه هو وأصحابه بكل ما أوتي لهم من قوة حسيّاً ومعنوياً.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بذل أقصى جهده في إبلاغ الدعوة إلى الناس وهو لا يخاف لومة لائم مهما كانت قوته وسلطته وتحمل المشاق في سبيل إنجاحها.

وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ قومه في هذه المرحلة طرقاً شتى وهي إمّا أن يطلب الناس إلى التجمع ليبلغ رسالة ربّه أو أن يذهب إلى أماكن تجمعهم كالمواسم والأسواق، أو أن يذهب إلى مواطنهم ومكان إقامتهم..

وأذكر هنا ما يؤيد ذلك من النصوص الصحيحة:
الطريقة الأولى: تجمع الناس لدعوتهم: ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت: ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)) [الشعراء: 214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا: من هذا فاجتمعوا إليه فقال: "أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أفكنتم مصدقي؟ "قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال أبو لهب: تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ (16).

وهذا الحديث يدل على مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم إبلاغ الدعوة إلى قومه بحيث وقف على جبل الصفا في الصباح الباكر قائلاً بأعلى صوته: يا صباحاه لينبه هؤلاء حتى يجتمعوا له ومن ثم يبلغهم ما كلف به من قبل الله -سبحانه وتعالى- كما أنّه يدل على ما عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من قومه من الاستهزاء والاستكبار والإعراض عنه والدعاء عليه وخاصة من أقرب شخص إليه وهو عمه أبو لهب الخاسر.

ولا يخفى ما لهذه الواقعة من المشقة إذ أنها تؤدي إلى اليأس بالنسبة لصاحب الرسالة وللمؤمنين من هؤلاء لولا لطف الله وعنايته المستمرين عليهم وكذلك إخبار الله تعالى عن الأمم السابقة وموقفهم من الرسل -عليهم الصلاة والسلام- من تكذيب وتعنت تسلية له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.

الطريقة الثانية: وهي الذهاب إلى أماكن تجمعهم كالمواسم: ومما يدل على ذلك ما أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: "هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" فأتاه رجل من همدان فقال: أنا فقال: "وهل عند قومك منعة؟" قال: نعم وسأله من أين هو؟ فقال: من همدان ثم إن الرجل الهمداني خشي أن يحفزه قومه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتي قومي فأخبرهم ثم ألقاك من عام قابل قال: نعم، فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب) (17).

وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على ما قام به مشركو قريش في وقف الدعوة الإسلامية حتى اضطر صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن قوم آخرين يوجه إليهم الدعوة التي كلف بتبليغها.

وفي ترك وطنه مشقة كبرى لا يشعرها إلا من مارس ذلك بالفعل لأنّه يقال ليس الخبر كالمعاينة مع الالتفات إلى الأسباب الداعية إلى ذلك وهي ما لقي من مشركي قريش من الأذى حسياً كان أو معنوياً.

ومن ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: "لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة (18) إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلاّ وأنا بقرن الثعالب (19) فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (20)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً" (21).

من هذه النصوص التي نقلتها آنفاً يتبين لنا مدى اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بنشر الدعوة الإسلامية واستفادته من كل فرصة متاحة في إبلاغ الدعوة إلى قومه وتحمله المشاق في سبيل ذلك من سفر وترحال مع مراعاة وسائل النقل المتاحة له في ذلك الزمان إضافة إلى ما يلقاه من أعدائه المشركين الذين بذلوا كل الجهد واستعملوا كل الوسائل المتاحة لهم بإيقاف الدعوة الإسلامية.

ثانياً: المرحلة المدنية:
بعد ما أذن الله -سبحانه وتعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم والذين معه بالهجرة إلى المدينة ووصلوا هناك نشأت الدولة الإسلامية الأولى قائدها الرسول صلى الله عليه وسلم ودستورها القرآن الكريم.

وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله طرقاً أخرى غير الذي ذكرت في المرحلة السابقة حسب ما يقتضيه المقام.

من تلك الطرق إرسال الرسل ينوبون عنه ويعلمون الدين الأقوام الذين أرسل إليهم مثل اليمن.

ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "إنّك ستأتي قوماً من أهل الكتاب فإذا جئتم فادعهم إلى أن يشهدوا أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب" (22).

ومن ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري بسنده عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذاً إلى اليمن فقال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا" (23).

من تلك الطرق التي سلك الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة إلى الله إرسال الرسائل إلى ملوك الأمم في ذلك الزمان مثل هرقل عظيم الروم وكسرى ملك الفرس وغيرهم.

وقد أخرج الإمام مسلم عن أنس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي (24) وإلى كل جبار. يدعوهم إلى الله تعالى وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم (25).

وأذكر هنا رسالة واحدة من تلك الرسائل إلى ملوك الكفار آنذاك كنموذج يشهد لما نحن بصدده.

والرسالة التي نختارها لهذا المقام هي التي وجهها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم ونصها كما يرويها الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما- هو الآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد - فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (26).

 ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) [آل عمران: 64] (27).

وبجانب هاتين الطريقتين في الفترة المدنية فقد سلـك الرسول صلى الله عليه وسلم مسلكاً آخر في نشر الدعوة الإسلامية، وهو مسلك الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته تنفيذاً لأمر الله تعالى: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)) [الأنفال: 39].

ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة...) (28).

وقد نفذ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر بواسطة إرسال سرايا وبواسطة غزوات اشترك فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى أنّه جرح في بعضها مثل غزوة أحد.

ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير وصبر على الأذى وثبات في المعركة وتحمل مشقة السفر والترحال إلى مكان العدو الذي يبعد عن المدينة عاصمة الدولة في أكثر الأوقات مع مراعاة الظروف في ذلك الزمان ووسائل النقل المتاحة له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه -رضوان الله عليهم-.

وبالإضافة إلى ذلك هناك معارضة داخلية وهي المتمثلة في اليهود وأعوانهم المنافقين الذين وقفوا في وجه نشر الدعوة الإسلامية بكل ما لديهم من قوة من غدر وتشكيك وتثبيط المؤمنين عن القتال وموالاة المشركين والتآلب مع أعداء الإسلام بغية القضاء على الإسلام ومعتنقيه.

ولا يتسع هذا المقام لأن أذكر بالتفصيل كل المؤامرات التي قام بها كلا المعسكرين اليهود والمنافقين في سبيل إيقاف نشر الدعوة الإسلامية إلى الآفاق إلا أن الحقيقة التي لا بد من ذكرها هي أنهم كانوا حجر عثرة على طريق الدعوة إلى الله طوال الفترة المدنية.

وأذكر هنا على سبيل الإجمال بعض جرائم معسكري اليهود والمنافقين:
أولاً - أهم جرائم اليهود:
 (أ) الكفر بآيات الله كما يدل عليه قوله تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)) [آل عمران: 70].

 (ب) تضليل الناس - كما يدل عليه قوله تعالى: ((وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ)) [آل عمران: 69].

 (ج) تلبيس الحق بالباطل وكتمان الحق كما يدل عليه قوله تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) [آل عمران: 71].

 (د) تحريف الكلم عن مواضعه كما يدل عليه قوله تعالى: ((مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ)) [النساء: 46].

 (هـ) الحسد على صاحب الرسالة وعلى المؤمنين - كما يدل عليه قوله تعالى: ((مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)) [البقرة: 105].

وأمَّا جرائم المنافقين فهي الآتي:
 (أ) تثبيط همم المسلمين عن القتال -كما يدل عليه قوله تعالى: ((فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ)) [التوبة: 81].

 (ب) السعي في التفريق بين المؤمنين كما يدل عليه قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) [التوبة: 107].

 (ج) القدح في أعراض المسلمين كما يدل عليه قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [النور: 11].

 (د) مظاهرة أعداء الله كما يدل عليه قوله تعالى: ((بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)) [النساء: 138-139].

وبفضل الله -سبحانه وتعالى- فقد تغلب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذين الفريقين اليهود والمنافقين.

أمَّا اليهود فقد قضى عليهم بواسطة إجلاء فريق منهم وهم بنو النضير وغيرهم وبقتل رجال الفريق الآخر وسبي نسائهم وذريتهم وأموالهم كما هو معروف في كتب السيرة.

ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (حاربت قريظة والنضير فأجلي بني النضير وأقر قريظة ومنّ عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نسائهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا وأسلموا، وأجلي يهود المدينة كلهم، بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة" (29).

وأمّا بالنسبة للمنافقين فقد اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد معهم باللسان دون السنان والغلظة عليهم لإظهارهم الإسلام دون الاعتقاد به حقيقة.

يقول تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) [التوبة: 73].

يقول الشهيد سيد قطب في تفسير هذه الآية: "وقد اختلف في الجهاد والغلظة على المنافقين، أتكون بالسيف.. أم تكون في المعاملة والمواجهة وكشف خبيئاتهم للأنظار.. والذي وقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين" (30).

وهذه الأمور التي ذكرتها كلها تدل على اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بنشر الدعوة الإسلامية طيلة ثلاثة وعشرين عاماً في مكة والمدينة.



الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم   الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر 2023, 9:40 pm

المبحث الثاني: الصبر على الأذى في سبيل الدعوة:
لقي النبي صلى الله عليه وسلم صنوفاً من الأذى من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين وغيرهم محاولين إيقاف الدعوة أو إضعافها على الأقل.

وسوف أتحدث في هذا المبحث عما لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الأعداء وأثر ذلك عليه صلى الله عليه وسلم وأقتصر هنا على بيان موقف المشركين لأنّ اليهود والمنافقين قد ظهر أذاهم للرسول صلى الله عليه وسلم بعدما قويت شوكة الإسلام وقامت دولته في المدينة بعد الهجرة على يدي رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.

وقد سلك المشركون من قريش سبلاً شتى في إضعاف الدعوة الإسلامية وإيقافها ومحاولة وأدها في مهدها بعد ظهورها في مكة وذلك بإيذاء صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام وبمنع الناس من الإيمان به وبالتحذير منه تارة وبتعذيب المؤمنين تارة أخرى.

ولقد اتخذ العدوان الجاهلي على رسول الله وأصحابه صوراً شتى وألواناً عديدة.

ومنه ما كان يتمثل في الدعايات الكلامية الموجهة إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى التهجم على الوحي بقسميه القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية.

فلقد وجه كفار قريش اتهامات باطلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وصفوه بالجنون وبالسحر، وإنشاء الشعر مع إيمانهم وتيقنهم بأنه صلى الله عليه وسلم بريء من كل هذا.

وممَّا يؤيد ذلك ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً. فقال: لم؟ قال: ليعطوكه، وإنك آتيت محمداً لتعرض لما قبله قال: قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك إنك منكر له أو إنّك كاره له. قال: وماذا أقول؟، فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي ولا أعلم برجز ولا بقصيدة منّي ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا والله إنّ قوله الذي يقول لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة (31) وإنه لمثمر أعلاه مغدق (32) أسفله، وإنه ليعلوا وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر، ففكر، فلمّا فكر قال: هذا سحر يؤثره عن غيره، فنزلت: ((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً)) [المدثر: 11] (33).

هكذا كان شأنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنهم يقرّون الحق في ضميرهم دون النطق به، بل ينكرونه ويجحدونه مصداقاً لقوله تعالى: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)) [النمل: 14]، ومصداقاً لقوله تعالى أيضاً: ((فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)) [الأنعام: 33].

وقد صور الله تعالى بعض أقاويلهم في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى حاكياً عن أقوالهم حيث قالوا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)) [الحجر: 6].

وقالوا: ((هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)) [ص: 4].

وقالوا: ((إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً)) [الإسراء: 47].

وقالوا: ((وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)) [الصافات: 36].

وقالوا: ((مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ)) [ص: 7].

وقالوا: ((مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)) [الدخان: 14].

وأمّا تهجمهم على القرآن فكثير أذكر طرفاً منه على سبيل المثال لا الحصر كما يحكي ربّنا عنهم.

من ذلك قولهم: ((أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)) [الفرقان: 5].

ومنها قولهم: ((لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)) [فصلت: 26].

ومنها قولهم: ((إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ)) [المدثر: 24].

ومنها قولهم: ((لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)) [الفرقان: 32].

ومنها قولهمِ: ((لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)) [الزخرف: 31].

وكان هذا دأب كل قوم مع رسولهم كما يدل عليه قوله تعالى حاكياً عن موقف الأمم السابقة من رسلهم: (كَذَلِكَ مَا أتَى الذِينَ مِن قبلِهم مِن رَسُولِ إلا قَالُوا سَاحِر أو مَجنُونٌ * أتَوَاصَوا بهٍ بَل هُم قومٌ طَاغُونَ) (6).

يقول الشوكاني عند تفسيره هاتين الآيتين: "في هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان أنّ هذا شأن الأمم المتقدمة وأنّ ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله ووصفه بالسحر والجنون قد كان ممن قبلهم لرسلهم" (34).

ويقول الشهيد سيد قطب في هذا الصدد: "فهي جبلة واحدة وطبيعة واحدة للمكذبين وهو استقبال واحد للحق وللرسل يستقبلهم به المنحرفون" (35).

وهذه الاتهامات التي ذكرتها يعتبر قطرة من بحر بالنسبة لما وجه إلى صاحب الرسالة ورسالته من اتهامات وافتراءات إلا أنها تدل دلالة واضحة على تعنت هؤلاء المشركين وموقفهم المتزمت تجاه الدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم طيلة المدة التي أقام المصطفى بين أظهرهم.

وقد رد الله -سبحانه وتعالى- عن رسوله وعن دينه هذه التهم في كثير من الآيات: منها قوله تعالى: ((مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)) [القلم: 2].

ومنها قوله تعالى: ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ)) [يس: 69].

ومنها قوله تعالى: ((مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم: 2-4].

ومنها قوله تعالى: ((وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)) [الحاقة: 41-42].

ومن العدوان الذي قام به المشركون أيضاً ما كان يتمثل في إيذائه صلى الله عليه وسلم جسدياً بغية أن يعدل عن دعوته كلية أو جزءاً منها.

من ذلك إيذاؤه صلى الله عليه وسلم بالخنق بواسطة ثوبه كما فعل عقبة بن أبي معيط.

يدل على ذلك ما أخرجه البخاري بسنده عن عمرو بن العاص لما سأله عروة بن الزبير عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفع عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ)) [غافر: 28] (36).

ومن ذلك إلقاء القاذورات عليه صلى الله عليه وسلم كما فعل عقبة بن معيط أيضاً.

أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "بينـا النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة ابن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة -عليها السلام- فأخذته من ظهره ودعت على من صنع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم عليك بالملأ من قريش أبا جهل بن هشام بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف أو أبي بن خلف (37) "شعبة الشاك" فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر إلا أمية أو أبي تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر" (38).

ومن ذلك أيضاً المقاطعة العامة التي فرضت عليه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين من أقربائه وغير المؤمنين الذي وقفوا بجانبه تعصباً وحميّة.

وقد ذكر أصحاب السير هذه المقاطعة العامة ومن بينهم الإمام ابن كثير -رحمه الله- في كتابه السيرة النبوية يروي ذلك تعليقاً عن ابن إسحاق صاحب المغازي قال: "فلما رأت قريش أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلداً أصابوا منه أمناً وقراراً، وأنّ النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم وأن عمر قد أسلم، فكان هو وحمزة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجعل الإسلام يفشوا في القبائل فاجتمعوا وأتمروا على أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على ألا ينكحوا إليهم ولا يناكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوا في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم" (39).

ويقول ابن إسحاق أيضاً: "فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً، حتى جهدوا ولم يصل إليهم بشيء إلا يسراً مستخفياً من أراد صلتهم من قريش" (40).

وقد ظل الحصار مفروضاً عليهم في تلك المدة حين كان يسمع أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع (41).

ومن ذلك محاولة إغرائه صلى الله عليه وسلم بواسطة ما عرضوا عليه من مغريات مادية عساه أن يجنح لبعضها حسب ما تقتضي عقولهم وأهواؤهم وحسب ما تقتضي الموازين الأرضية.

يروى أنّ عتبة بن ربيعة وكان سيداً قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فيعطيه أيها شاء ويكف عنّا وذلك حين أسلم حمزة -رضي الله عنه- ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي إنك منّا حيث علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منهـا بعضها قـال: فقـال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل يا أبا الوليد أسمع" قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: "أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني" قال: أفعل، فقرأ صلى الله عليه وسلم صدر سورة فصلت إلى السجدة منها ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك" (42).

ومن إيذائهم أيضاً التآمر على قتله صلى الله عليه وسلم، ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف (43) لو قد رأينا محمداً لقمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قومك قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك (44).

وقد أشار القرآن إلى تلك الحادثة بقوله تعالى: ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) [الأنفال: 30].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجههم بالصبر على أذاهم والثبات على مبدئه طيلة الفترة المكية إيماناً بأنّ الله -عز وجل- سوف ينصره وينصر دينه وإن تأثر بإيذائهم له صلى الله عليه وسلم تأثراً حتى نبهه الله - سبحانه تعالى- بذلك في عدة مواضع من القرآن على سبيل التسلية والتوجيه.

يقول تعالى: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ)) [الحجر: 97-98].

ويقول الله تعالى: ((فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [هود: 12].

ويقول تعالى: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً)) [الكهف: 6].

ويقول تعالى: ((...فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) [فاطر: 8].



الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم   الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء 19 سبتمبر 2023, 9:41 pm


المبحث الثالث: تكميل الدين وإتمام النعمة:
لقد جعل الله -سبحانه وتعالى- نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين.

يقول تعالى: ((مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)) [الأحزاب: 40].

ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين" (45).

وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي" (46).

فهذه النصوص من القرآن والسُّنَّة كلها تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإن ادّعى المدعون النبوة قديماً وحديثاً.

يقول ابن كثير عند تفسيره الآية السابقة: "فهذه الآية نص في أنّه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإنّ كل رسول نبي ولا ينعكس، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة -رضوان الله عليهم-" (47).

وعلى هذا فإن رسالته ختمت بها الرسالات السابقة كلها ومن ثم لا يقبل الله أن يدين أحد بسواها بعد نزولها لنسخها ما قبلها سواء كان يدين برسالة سماوية سابقة كاليهودية والنصرانية أو لا كعبدة الأوثان والأصنام.

يقول تعالى: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)) [آل عمران: 85].

ويقول صلى الله عليه وسلم مؤكداً ذلك: "لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلاّ أن يتبعني" (48).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" (49).

يؤيد هذا قوله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ)) [آل عمران: 81].

يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذه الآية التي نحن بصددها: "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه" (50).

ويروى مثل هذا القول عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- (51).

وقد تميَّزت رسالته صلى الله عليه وسلم بأمور ثلاثة تفوق بها على الرسالات التي قبلها وتؤهلها لأن تكون خاتمة:
أولاً: العموم:
بمعنى أن رسالة الإسلام ليست محددة بزمن من الأزمان ولا بمكان من الأمكنة ولا بأمة دون الأمم منذ نزولها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

يقول تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) [سبأ: 28].

ويقول تعالى أيضاً: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء: 107].

ويقول تعالى أيضاً آمراً إعلان هذا الأمر: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)) [الأعراف: 158] وهذه النصوص كلها تدل على عمومية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من إحدى خصائصه كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي... -ثم ذكر من بينها- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه وبُعثت إلى الناس كافة" (52).

ويؤيد خصوصية الرسالات السابقة قوله تعالى ((وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ)) [فاطر: 24].

ثانياً: الحفظ:
حيث تكفل الله بحفظها باقية كما نزلت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها دون تغيير شيء منها بالنقص منها أو الزيادة عليها.

يقول تعالى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر: 9] وهذا أمر مشاهد اليوم لا ينكره أحد بحيث لم يتغير منها شيء بعد أربعة عشر قرناً وستبقى كذلك إلى حين يشاء الله تعالى، بخلاف الكتب السابقة التي تعرضت للتحريف والتبديل من قبل أصحابها كالتوراة والإنجيل.

ثالثاً: الكمال والتمام: ولقد أكملها سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3].

وقد نزلت هذه الآية في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم كما ورد في الحديث الصحيح.

روى البخاري بسنده عن طارق بن شهاب قال: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرأون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً فقال عمر: "إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت يوم عرفة، وإنا والله بعرفة" (53).

ومن هنا أقول إنّ هذه الآية نزلت بعد جهاد طويل دام ثلاثة وعشرين سنة وفي وقت أظهر الله دينه وفي حجة الوداع الذي لم يحج فيه مشرك لما ورد في الصحيح.

روى البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعثني أبو بكر -رضي الله عنه- في تلك الحجة في المؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" (54).

وكان ذلك في العام التاسع من الهجرة.

ولهذا لم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك.

كما أني أقول أيضاً: إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد أبلغ الأمة ما كلف به دون كتمان شيء تنفيذاً لأمر الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)) [المائدة: 67].

وتقول عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في هذا الصدد: " من حدثك أنّ محمداً قد كتم شيئاً مما أنزل عليه، فقد كذب، والله يقول: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ)) [المائدة: 67] (55) (56).

وقد شهد له بذلك جموع من أصحابه -رضوان الله عليهم- في حجة الوداع حينما قال لهم أثناء خطبته بوادي عرنة في يوم عرفة: ".. أنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: "نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت" فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها (57) إلى الناس: "اللهم أشهد اللهم أشهد، ثلاث مرات.." (58).

ولا يخفى أن مثل هذا الأمر يتطلب جهداً وتحملاً للمشقة كما أنّه يتطلب الصبر على الأذى والثبات أمام المغريات.

وقد تحمل صلى الله عليه وسلم مشقة كبيرة في سبيل نشر الدعوة وإبلاغها إلى الناس كما أنه تحمل أذى المشركين والمنافقين واليهود ومن في حكمهم بالصبر تارة وبالجهاد معهم تارة أخرى طيلة ربع قرن من الزمن تقريباً.

وقد ذكر محمد رشيد رضا خلاصة عمله صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة حيث قال: "أقام صلى الله عليه وسلم في مكة بعد بدء التبليغ عشر سنين، يدعو إلى أصول الإيمان وكليات الدين، من التوحيد الخالص، والعمل الصالح، وتزكية النفس بتطهيرها من أدران الرذائل، وتحليتها بأحاسن الأخلاق وعقائل الفضائل، واستعمال نعم الله تعالى من بدنية وعقلية، وسماوية وأرضية، فيما تظهر به حكمه ونشاهد آياته في الخلق، وتتسع بها العلوم التي يعرف بها الحق وتكثر موارد الرزق، صابراً مع السابقين من المؤمنين، على الاضطهاد والأذى من المشركين، على أنهم عرضوا عليه الملك والمال والدثر، على أن يترك هذا الأمر، ولو كان لطلب الرياسة لآثر على الضعف والفقر، ثم دخل الإسلام بالهجرة في عهد الحرية، وتكونت له قوة العصبية، وجاء الوحي فيه مفصلاً لما أجمل في السور المكية من الأحكام، وبيان الحلال والحرام، وفيه فرضت الزكاة والحج والصيام، وكانت الصلاة فرضت بمكة في أول الإسلام وبينت السُّنَّة النبوية جميع فروع العبادات، وكل ما يحتاج إليه من النصوص والقواعد السياسية وأنواع المعاملات، فبذلك كله أكمل الله الدين وأتم نعمته على المؤمنين وقد تربى على ذلك الألوف من المهاجرين والأنصار".

وهذه الأمور التي ذكرها تمت كلها في فترة وجيزة للغاية لا تتجاوز ربع قرن من الزمن بل أقل من ذلك. بحيث تقتضي هنا الإعجاب والتقدير معاً لمن قام بها وحققها في واقع الحياة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل من الله سبحانه وتعالى: يقول أبو الحسن الندوي معرباً إعجابه بذلك: "لقد كان الانقلاب (59) الذي أحدثه صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين وبواسطتهم في المجتمع الإنساني أغرب ما في تاريخ البشر، وقد كان هذا الانقلاب غريباً في كل شيء، كان غريباً في سرعته، وكان غريباً في عمقه، وكان غريباً في سمعته وشموله، وكان غريباً في وضوحه وقربه إلى الفهم. فلم يكن غامضاً ككثير من الحوادث الخارقة للعادة ولم يكن لغزاً من الألغاز" (60).

وقد نتج عن عمله صلى الله عليه وسلم الأمور التالية:
1- القضاء على الوثنية وإحلال محلها الإيمان بالله واليوم الآخر.
2- القضاء على الرذائل الجاهلية وأقام مقامها الفضائل ومكارم الأخلاق.
3- إقامة الدين الحق الذي يصل بالإنسان إلى أقصى ما قدر له.
4- إحداث انقلاب (61) وتغيير شامل للأوضاع ونظام الحياة الذي درج عليه أهل الجاهلية.
5- توحيد الأمة العربية تحت راية القرآن في فترة وجيزة (62).

يقول سيد سابق بعد ذكره النقاط السابقة: "هذه هي الأعمال التي تمثل نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في مهمته وهي كما تبدو كلها أمور كبيرة وإقامتها بل إقامة واحد منها من الخطورة بمكان وأنّه لا يمكن أن يتأتى النجاح لفرد في بعض هذه الأعمال فضلاً عن توفر النجاح في كل ناحية من هذه النواحي" (63).

وعلى هذا فعلى المسلم أن يتأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم تقديراً لما قام به من أعمال جليلة في سبيل وصول الإسلام إلى الناس في زمانه وإلى الذين من بعده حتى يرث الله الأرض ومن عليها ولما أثر عنه صلى الله عليه وسلم من صفات حميدة من ناحية الخلقية والخلقية والتي بينتها في الفصل الأول من هذا الباب مع ما أنعم الله عليه من النبوة والرسالة التي ختم الله بها الرسالات كلها.

-------------------------------------------
1.    في ظلال القرآن (2/1077).
2.    الناموس: صاحب سر الملك، وقيل صاحب سر الخير، وأراد به جبريل عليه السلام لأنّ الله تعالى خصّه بالوحي والغيب اللذين لا طلع عليهما غيره. النهاية في غريب الحديث (5/119).
3.    يا ليتني كنت جذعاً: أي يا ليتني كنت شاباً عند ظهورها حتى أبالغ في نصرتها وحمايتها. وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان شاباً فتياً. النهاية في غريب الحديث (1/250).
4.    لم ينشب: من نشب. يقال نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه، ولم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث، وحقيقته لم يتملق بشيء غيره ولا اشتعل بسواه. وهنا لم يلبث حتى مات. النهاية في غريب الحديث (5/52).
5.    صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/7).
6.    صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً (1/130).
7.    انظر زاد المعاد (1/86).
8.    مستدرك الحاكم (3/617)، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
9.    بعد بدء نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.
10.    زاد المعاد (1/86).
11.    صحيح البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/7).
12.    صحيح البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/7).
13.    تفسير القرآن العظيم: (4/449).
14.    الصلصة: صوت الحديد إذا حرك. انظر النهاية في غريب الحديث (3/46).
15.    صحيح البخاري، كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/6).
16.    صحيح البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير سورة (تبت يدا أبي لهب وتب) (3/222)، ومسلم في كتاب الإيمان باب (وأنذر عشيرتك الأقربين) (1/194) واللفظ للبخاري.
17.    مستدرك الحاكم (2/612-613) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/35) رواه أحمد ورجاله ثقات.
18.    يوم العقبة: هو اليوم الذي وقف صلى الله عليه وسلم على العقبة التي بمنى داعياً الناس إلى الإسلام.
19.    قرن الثعالب: قرن المنازل ميقات أهل نجد - النهاية في غريب الحديث (4/54).
20.    الأخشبين - الجبلان المطيفان بمكة وهما أبو قيس والأحمر وهو جبل مشرف على قيقعان - والأخشب كل جبل غليظ الحجارة. النهاية في غريب الحديث (2/32).
21.    صحيح البخاري، في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة (2/214)، وصحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (3/1420)، واللفظ لمسلم.
22.    صحيح البخاري في كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذاً إلى اليمن (3/72-73).
23.    صحيح البخاري في كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذاً إلى اليمن (3/72-73).
24.    لقب لكل من ملك الحبشة.
25.    صحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار ودعوتهم إلى الله عز وجل.
26.    الأرسيون: هم الخدم والخول وقيل هم الأكارون - النهاية في غريب الحديث (1/38).
27.    صحيح البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/9). وصحيح مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (3/1396) واللفظ لمسلم.
28.    صحيح البخاري في كتاب الإيمان، باب: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلو سبيلهم (1/13)، وصحيح مسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حق يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/53) واللفظ لمسلم.
29.    صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب حديث بنى النضير (3/15).
30.    في ظلال القرآن: (3/1677).
31.    طلاوة: رونقاً وحسناً، وقد تفتح الطاء. النهاية في غريب الحديث (3/137).
32.    مغدق: من غدق، والغدق بفتح الدال المطر الكبير القطر، يقول: أغدق المطر يغدق إغداقاً فهو مغدق. النهاية في غريب الحديث (3/345).
33.    مستدرك الحاكم (2/507) وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
34.    تفسير فتح القدير (5/91-92).
35.    في ظلال القرآن الكريم: (6/3386).
36.    كتاب المناقب باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة (2/321).
37.    والصحيح أمية لأن أبي قد قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد كما هو مشهور في كتب السيرة. انظر زاد المعاد (3/199).
38.    صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة (2/321).
39.    السيرة النبوية: (2/47-48).
40.    المصدر السابق: (2/50).
41.    انظر المصدر السابق: (2/47).
42.    انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/91) ويروي البنوي هذه القصة في تفسيره (6/107) عن جابر -رضي الله عنه- وحسن الألباني سندها في تعليقاته على فقه السيرة للغزالي. انظر هامش (ص:113) من فقه السيرة.
43.    الخمسة أسماء لآلهة المشركين.
44.    أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/303)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/228) رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، وقال الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند (4/2763) كلا الإسنادين صحيح.
45.    صحيح البخاري كتاب المناقب، باب خاتم النبيين (2/370).
46.    صحيح البخاري كتاب المغازي، باب غزوة تبوك (3/86).
47.    تفسير القرآن العظيم: (3/493).
48.    رواه الدارمي (1/115-116) وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح (1/63).
49.    صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (1/134).
50.    انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/378).
51.    انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/378).
52.    صحيح البخاري، كتاب التيمم (1/70).
53.    صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: (اليوم أكملت لكم دينكم) (3/123).
54.    صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج) (3/134).
55.    أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) (3/125).
56.    قال القاضي عياض: كذا الرواية فيه بالتاء المثناة فوق وهو بعيد المعنى، قيل صوابه ينكبها. ومعناه ويرددها إلى الناس مثيراً إليهم، ومنه نكب كنانته إذا قلبها. شرح النووي على صحيح مسلم (8/184) وانظر مقدمة هذا البحث.
57.    صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/890).
58.    ذكرى المولد النبوي (ص:41-42).
59.    الانقلاب مصطلح حديث يستعمل للخير والشر معاً وخاصة للشر في هذا العصر لذلك من الأفضل والأولى وصف الإسلام بالتغيير الكلي أو الإصلاح الجذري.
60.    ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص:88-89).
61.    انظر هامش رقم (2) في الصفحة السابقة.
62.    العقائد الإسلامية (ص:200-201) مع التصرف.
63.    المصدر السابق (ص:201).



الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الأول أسباب قيام الأمَّة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث البدع الملحقة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
» ما أسباب هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟
» الباب الثاني أنواع الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
» مع الرسول صلى الله عليه وسلم ( الرسول داعيا – 1 )
» هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: التأدُّب مـع الرســـول-
انتقل الى: