ما أسبـــــاب هجــرة الرســـول -صلى الله عليه وسلم-؟
صــــــــــــــــلاح حســــــــــــــن
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الهجرة النبوية:
تمثّل الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدثاً عظيماً في التاريخ، حيث كانت فيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، بين مرحلة الدعوة في مكة المكرمة، ومرحلة الدعوة في المدينة المنورة، وقد اكتسبت الهجرة النبوية عظمةً من عظمة القائمين بها، والمكان الذي وقعت فيه، فقد كان فيها أشرف خلق الله رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مكانين عظيمين، هما: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، كما حملت بين ثنايا أحداثها كلّ معاني التضحية والإخاء، والصبر والنصر، والتوكل على الله -عز وجل-، فتركت آثاراً كبيرة، وغيّرت مجرى التاريخ، وجعلها الله -تعالى- طريق نصرٍ وعزةٍ للإسلام والمسلمين، وبناء دولة ترفع راية الدين، وتنظّم حياة الناس بناءً عليه، وعلى أسمى قواعده الأخلاقية والتشريعية (1).
أسباب هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
لقد كان طريق الدعوة الإسلامية صعباً، وغير ممهّد أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان كذلك محفوفاً بالإيذاء والمخاطر، فكان يعلم ذلك من أولّ يومٍ للدعوة، وأنّه سيخرج من بلده الذي يحبّ مهاجراً إلى مكان آخر، وقد كانت الوجهة إلى المدينة المنورة، وتجدر الإشارة إلى أن الهجرة إلى المدينة سُبقت بالهجرتين الأولى والثانية إلى الحبشة.
وفيما يأتي تلخيصٌ لأهمّ أسباب الهجرة النبوية إلى المدينة: (2)
• رفض كفار مكة للإسلام ابتداءً: فقد أبَوا تقبّل الإسلام، وأبَوا إلّا أن يحاربوا الله ورسوله، فبالرغم من حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على هداية قومه، وتبليغهم دين الحق، ودخولهم فيه، وبالرغم من استخدامه أساليب عدة، ومخاطبته لهم بالحكمة والموعظة الحسنة، إلّا أنّه لم يلقَ منهم إلّا الأذى والرفض، فما كان منه إلا أن ترك مكة المكرمة، وانتقل إلى مكان آخر أكثر استعداداً لتقبّله، وتقبّل دعوته، فكانت يثرب (المدينة المنورة) هي المحضن.
• تعرّض النبي -صلى الله عليه وسلم- للأذى: فلم يكتفِ كفّار مكة برفض الدعوة وعدم تقبّلها، بل تجاوزوا ذلك إلى إيذاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلّ أنواع الإيذاء، واستخدام كل محاولات خمد الدعوة الإسلامية والقضاء عليها، وقد تمثّل هذا الإيذاء بنوعيه: اللفظي والفعلي، فمن اللفظي قولهم عنه: (ساحر وشاعر ومجنون)، ومن الفعلي: تعرّضه -صلى الله عليه وسلم- للخنق الشّديد، وطرح الجَزور على ظهره، وغير ذلك الكثير.
• تعرّض كلّ من آمن بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأذى والعذاب: فقد أوقع الكافرون بالمسلمين كلّ صنوف النّكال والعذاب، فعاشوا في مكة معذّبين مضطهدين، ولم يكن هنالك من يدافع عنهم، أو يحمي ظهورهم، فكانت الهجرة واللجوء لمكانٍ يَعبد فيه المؤمنون ربّهم بمأمنٍ واطمئنان هو الخلاص من ذلك.
• استعداد المدينة المنورة لتقبّل الدعوة الإسلامية: فقد احتوت المدينة على مجموعةٍ من الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبل في بيعة العقبة الأولى والثانية، فكانت المدينة المنورة أرضاً خصبةً للدعوة الإسلامية ولإقامة دولة إسلامية بجميع أركانها، وكانت موطناً آمناً لها بعد أن انتشر الإسلام فيها بشكلٍ كبيرٍ، حتى دخل كلّ بيتٍ من بيوتها.
• أهمية إقامة الدولة الإسلامية: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مكلّف بتبليغ الدعوة، ونشرها لأبعد مدى لتكون دعوةً عالميّة، لا محليّة ولا قوميّة، فقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، (3) وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )، (4) والطريق لتحقيق ذلك داخل إطار مكة المحدود والضيق عسيرٌ وشاق، ممّا جعله -صلى الله عليه وسلم- يتطلّع للانتقال إلى مكانٍ يكفل هذه الدعوة، ويحقق لها عالميتها، وذلك لا يكون إلا بإقامة نظام سياسي واجتماعي وعسكري.
• الهجرة سنّةٌ من سنن الأنبياء: إنّ طبيعة الدعوة تتطلب الانتقال والهجرة، وذلك لنشرها، ولإيجاد بيئةٍ تتقبلها وتستجيب لها، وهذا ما فعله عدد من الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام، فقد هاجروا من أوطانهم قاصدين أماكن أخرى، لينشر كلٌّ منهم دعوته، ومن هؤلاء الأنبياء: نوح عليه السلام الذي ارتحل في السفينة ومن معه من المؤمنين، وإبراهيم -عليه السلام- الذي تنقّل من العراق إلى الشام وإلى مصر والحجاز، وغيرهما من الأنبياء.
نتائج الهجرة النبوية:
لقد كان لهذه الهجرة المباركة آثار ونتائج عديدة، وفيما يأتي أهمّها: (2)
• إقامة الدولة الإسلامية: وهي أول وأهمّ نتائج الهجرة النبوية، فقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام بناء دولةٍ ترفع لواء الحق، ويتعبد المؤمنون فيها دون خوفٍ من عدو، أو حصول أذى منه، حيث يقول المباركفوري: (قد آن لهم أن يكوّنوا مجتمعاً جديداً، مجتمعاً إسلامياً، يختلف في جميع مراحل الحياة عن المجتمع الجاهلي، ويمتاز عن أيّ مجتمع يوجد في العالم الإنساني، ويكون ممثلّاً للدعوة الإسلامية التي عانى لها المسلمون ألواناً من النّكال والعذاب طيلة عشر سنوات).
• ومن أهمّ الأسس التي قامت عليها هذه الدولة: (5)
o تحقيق العبودية لله وحده، ونفي كلّ معبود سواه.
o غرس الأخوة، ووحدة الصف بين المسلمين، والوقوف صفّاً واحداً في الدفاع عن الإسلام، والجهاد في سبيله.
o تقديم الطاعة لله ولرسوله في المنشط والمكره والعسر واليسر.
o نجاة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام، وتخليصهم من إيذاء كفار قريش لهم (2).
o التخلص من الأضغان والمشاحنات التي سادت بين بعض القبائل، وتوحيد صفّ المسلمين تحت راية الإسلام (2).
المراجع:
1. ↑ "الهجرة النبوية الشريفة"، ar.islamway.net، 29-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2018. بتصرّف.
2. ^ أ ب ت ث أ. أحمد مصطفى عبد الحليم (7-12-2010)، "أسباب ونتائج الهجرة النبوية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2018. بتصرّف.
3. ↑ سورة المائدة، آية: 67.
4. ↑ سورة سبأ، آية: 28.
5. ↑ الدكتور/أكرم ضياء العمري (10-5-2003)، "من نتائج الهجرة قيام الدولة الإسلامية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-11-2018. بتصرّف.
المصدر:
https://mkaleh.com/%D9%85%D8%A7_%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8_%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84