الإسراء والمعراج في سورة النجم
لقد رأى من آيات ربه الكبرى
إدريس أحمد
 
تكشف لنا سورة النجم الصورة الحقيقية عن حادثة المعراج، وتصف لنا ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الرحلة السماوية من المعجزات الكبيرة، وصفها الله تعالى بقوله: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، وهذا يعلمنا أن للرسول صلى الله عليه وسلم إسراءً ومعراجاً وهما في ليلة واحدة قبل الهجرة النبوية إلى المدينة بنحو ثلاث سنوات أو سنة ونصف، فإن قصة الإسراء ذكرها الله تعالى في سورة الإسراء، والمعراج  خلد الله لنا ذكراه في سورة النجم، وهما من المعجزات العظيمة التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم لم يشاركه فيها أحد من الأنبياء، كما لم يقع مثلها لأحد منهم، وهما من تفضيل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم.

جاء في كتاب الشفا:
ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم قصة الإسراء وما انطوت عليه من درجات الرفعة مما نبه عليه الكتاب العزيز وشرحته صحاح الأخبار قال الله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام)... الآية، وقال تعالى: (والنجم إذا هوى)... إلى قوله: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)، فلا خلاف بين المسلمين في صحة الإسراء به صلى الله عليه وسلم إذ هو نص القرآن، وجاءت بتفصيله وشرح عجائبه وخواص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيه أحاديث كثيرة منتشرة. [1/177].  

قصة المعراج:
وعند الحديث عن الإسراء والمعراج في سورة النجم، نجد أن حكاية قصة المعراج جاءت مجملة في قول الله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (١٦) مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} [النجم].

وجاءت الأحاديث النبوية تبين هذه الآيات، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبرئيل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبرئيل: اخترت الفطرة.

ثم عُرِجَ بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل: مَنْ أنت؟، قال: جبريل، قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففتح لنا فإذا أنا بآدم صلى الله عليه وسلم فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عُرجَ بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبرئيل، فقيل: مَنْ أنت؟ قال: جبرئيل: قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة: عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا صلى الله عليهما فرحبا بي ودعوا لي بخير.

ثم عُرجَ بنا إلى السماء الثالثة فذكر مثل الأول ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عُرجَ بنا إلى السماء الرابعة وذكر مثله فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير قال الله تعالى: (ورفعناه مكانًا عليًا).

ثم عُرجَ بنا إلى السماء الخامسة فذكر مثله فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عُرجَ بنا إلى السماء السادسة فذكر مثله فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عُرجَ بنا إلى السماء السابعة فذكر مثله فإذا أنا بإبراهيم مُسْنِدًا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه.

ثم ذهب بي إلى السدرة المُنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال“، قال: “فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حُسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة..) [صحيح مسلم: 259].

وهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة التي تروي تفاصيل هذه الرحلة، وتتضمن  بعض الآيات الكبرى المشار إليها في قوله تعالى: {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} وهي من الأمور العظيمة التي لم يكن يراها من قبل.

رحلة المعراج حقيقية وليست مناماً:
وأمَّا ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في سياق الآيات عن ليلة المعراج: “فإنه رآه حقًّا ببصره وبصيرته، ولهذا قال: {ما كذب الفؤادُ ما رأى} بل تطابق القلب مع رؤية العين” [العثيمين].

ويقول القاضي عياض:  
والحق والصحيح إن شاء الله أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة إذ لو كان مناماً لقال بروح عبده ولم يقل بعبده، وقوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى) ولو كان مناماً لَمَا كانت فيه آية ولا معجزة.. [الشفا 1/189].

وما ذكر يرد على كل مَنْ يزعم أن الرؤية المذكورة في هذه الآيات في هذه الليلة المباركة كانت في النوم، ويضاف إلى ذلك ما جاء في أضواء البيان: أن ركوبه صلى الله عليه وسلم على البراق يدل على أن الإسراء بجسمه؛ لأن الروح ليس من شأنه الركوب على الدواب كما هو معروف، وعلى كل حال فقد تواترت الأحاديث الصحيحة عنه: ”أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأنه عرج به من المسجد الأقصى حتى جاوز السماوات السبع.. وقد دَلَّتْ الأحاديث المذكورة على أن الإسراء والمعراج كليهما بجسمه وروحه يقظة لا مناماً. [أضواء البيان 3/4].

وكان من الآيات الكبرى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة العلية السماوات والأرض والنور والملائكة والأنبياء وسدرة المنتهى، والجنة، وسماع صريف الأقلام، ومناجاته الله تعالى.  

وهذه الآيات الكبرى تفوق الوصف والنظر، لذلك وصفها القرآن لها في سورة النجم، بأوصاف بالغة النهاية، يعجز اللبيب عن إدراك كمال معانيها وغاياتها.

قال في الشفا:
أخبر تعالى عن فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم بقصة الإسراء وانتهائه إلى سدرة المنتهى وتصديق بصره فيما رأى، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى، وقد نبه على مثل هذا في أول سورة الإسراء، ولَمَّا كان ما كاشفه صلى الله عليه وسلم من ذلك الجبروت وشاهده من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل بحمل سماع أدناه العقول رمز عنه تعالى بالإيماء والكناية الدالة على التعظيم فقال تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى).

وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي والإشارة وهو عندهم أبلغ أبواب الإيجاز، وقال (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى.

قال القاضي أبو الفضل:
اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته صلى الله عليه وسلم وعصمتها من الآفات في هذا المسرى فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه، فقلبه بقوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى) ولسانه بقوله: (وما ينطق عن الهوى) وبصره بقوله: (ما زاغ البصر وما طغى).

أرشيف موقع إسلام أونلاين
جزاهم الله خير الجزاء.