أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
هنا نقلوا المسألة من الاعتراض على بشرية الرسول إلى التشكيك في عملية البعث بعد الموت، وهكذا أصبح لدينا جوابان للقسم
{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ق: 1].
الجواب الأول: إنك لمنذر والثاني: لتبعثُنَّ، الأول: أخذناه من قوله:
{ بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ..} [ق: 2]
والثاني: من قوله سبحانه: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق: 3].
ومعنى {رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق: 3] أي: رجوع إلى الحياة بعد أنْ نموت ونصير تراباً، هذا أمر بعيد عن أذهانهم، لماذا؟ وأنتم عندكم آثار سيدنا إبراهيم وإسماعيل وبقايا الديانات السابقة، وتعرفون الله وتعترفون أنه خالقكم وخالق السماوات الأرض.
في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حكى القرآن قوله:
{ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ..} [البقرة: 260].
وقلنا: إن السؤال هنا ليس شكاً من سيدنا إبراهيم في قدرة الله على إحياء الموتى، إنما سؤال عن الكيفية فقط: { كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ ..} [البقرة: 260].
فأراه الله سبحانه الكيفية ليستْ قولاً إنما فعلاً وتجربة مشاهدة، يُجربها هو بنفسه، وكأن الله تعالى يقول له ولنا: أن إحياء الموتى ليس صعباً ولا معجزاً لي، بل إذا أردتُ أُعدِّي قدرتي إلى عبد من عبادي، فيفعل ذلك بإذني.
{ { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 260].
هذا أثر من آثار قدرة الله يمنحه لعبد من عباده.
وفي قصة سيدنا عيسى عليه السلام:
{ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ ..} [آل عمران: 49].
والقرآن يرد على منكري البعث، فيقول: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ ...}.


قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ [٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
يعني: لِمَ تعجبون وتنكرون البعث بعد الموت، والله علم مُكوِّناتكم وجزئيات وعناصر هذا الجسم وكمية كل عنصر منها، ويعلم ما تأخذه الأرض منكم وقادر على جمعه وإعادته كخَلْقه الأول هو هو، وإن كانت العناصر التي خرجتْ منه لا تزال خارجة، إذن: نحن نختلف باختلاف عناصر التكوين، لا باختلاف مجموع العناصر.
ومعنى {قَدْ عَلِمْنَا ..} [ق: 4] أي: أن هذه العملية تقوم على علم وعلى دراية لا مجرد كلام، ثم تستند إلى توثيق آخر: {وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4] فهذا العلم مُؤيّد بكتاب مسجَّل مسطور مشهود يحصى فيه كل شيء.
فإنْ قلتَ: فما فائدة الكتاب بعد العلم؟ نقول: علم الله واسع، وهو صفة من صفاته تعالى، وهو سبحانه لا ينسى، لكن يكتب في كتاب ليكون الكتابُ حجةً على مَنْ أنكر، كما في مسألة الحسنات والسيئات.
فالله تعالى يعلمها ويُحصيها، ولا يحتاج مَنْ يُذكِّره بها، لكن يكتبها للعبد لتكون حجة عليه يوم يقول له:
{ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14].
وكلمة {حَفِيظٌ} [ق: 4] مبالغة على وزن فعيل، وهي هنا بمعنى فاعل.
أي: حافظ لكل شيء، مسجل لكل صغيرة وكبيرة، وهو أيضاً محفوظ فلا تمتد إليه يد فتختلس منه شيئاً، أو تغير فيه شيئاً.
لذلك قال: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ }  [الواقعة: 77-79].
وقال:
{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59].
والذي يحاول التشكيك في البعث أو نَقْضه هم الناس المستهترون المسرفون على أنفسهم، فهؤلاء لو صَحَّ البعثُ وصَحَّ الحساب والجزاء، فستكون العاقبة بالنسبة لهم سوداء، فحظهم إذن أن يُشككوا في البعث، وأنْ يُكذِّبوه، بل الدين كله في نظرهم كذب.
وتأمل مثلاً إفلاسهم في الحجة حين يقولون في تكذيبهم بالبعث: لو أن رجلاً مات وزُرعت فوق بقاياه شجرة تفاح مثلاً، فسوف تتحلل عناصره وتتغذّى منها هذه الشجرة، فسوف يأتي مَنْ يأكل منها.
وبذلك تصله بعض عناصر الأول، فإذا مات الثاني فكيف تُبعث هذه العناصر من الأول أم من الثاني؟ وهذه شبهة واهية، وللرد عليها نقول: لو أن رجلاً وزنه مثلاً مائة كيلو، وأصابه مرض أنقص من وزنه النصف حتى صار شبحاً، ثم مَنَّ الله عليه بالشفاء حتى استعاد صحته ووزنه الأول، فهل عادت إليه نفس عناصره الأولى؟ أبداً، لأنه يأكل عناصر أخرى غير التي فارقته لكن تبقى الشخصية وتبقى المعنويات المميزة لها، وحين تعود تعود كما كانت هي هي.
إذن: المسألة ليست مسألة نفس العناصر، إنما مسألة إعادة شخص بعينه، وما دام الحق سبحانه قال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ ..} [ق: 4] فهو سبحانه قادر على جمعها وتكوينها من جديد، بقوله تعالى: كُنْ فيكون.


بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
فهمنا من قولهم:
{ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق: 3]
أنهم مُنكرون للبعث لا يُصدِّقون أنهم سيُبعثون بعد الموت، وهذا الإنكار لا يغير من الواقع شيئاً، فالبعث حَقّ وسيحدث لكنهم يكذبون به لأنه ليس في صالحهم.
لذلك قال هنا: {بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ ..} [ق: 5] والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير أبداً مهما طرأتْ عليه من أحداث، فسوف تمضي الأحداث والوقائع ويبقى الحق ثابتاً.
والحق سبحانه أعطانا مثلاً محسوساً للحق وللباطل، فقال سبحانه:
{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [الرعد: 17].
كذلك سيذهب إنكارهم وتكذيبهم وتبقى الحقيقة ويبقى الحق ثابتاً لا يتغير، وفي القرآن آيات كثيرة تحمل هذا المعنى، اقرأ:
{ وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا ..} [التوبة: 40]  
فـ (كلمة) الأولى مفعول به، أما الأخرى فهي مبتدأ لإنشاء كلام جديد غير معطوف على الأول.
فالأولى مجعولة، والأخرى أمر ثابت أزلاً، جعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله عليا بداية، يعني: لم تكُنْ سُفلى فجعلها عليا، هذا يعني أن الحق شيء ثابت أزلاً وباقٍ لا يتغير.
وقوله تعالى: {فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [ق: 5] معنى مريج، أي: مختلط، فهم مذبذبون مترددون، مرة: تعجبوا وقالوا: { هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } [ق: 2]
ومرة أنكروا، ومرة كذَّبوا، فالأمر بالنسبة لهم مختلط من قولهم: مرج الخاتم في الإصبع إذا كان واسعاً سهل الحركة.
والدليل على أنهم في أمر مريج أنهم استقبلوا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمجموعة من الاتهامات، كلما خاب سعيهم في واحدة قالوا بالأخرى، لأن القرآن لهم بالمرصاد يرد كيدهم عن رسول الله.
لذلك سمعناهم يقولون: ساحر، شاعر، مجنون، كاهن.
إذن: {فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [ق: 5] لا يدرون ماذا يقولون، فكلما قالوا تهمة كشف القرآن كذبها، فالحق شيء واحد، لذلك نراه ثابتاً، أما الباطل فمتعدد لذلك لا يثبت.
وهذه المسألة نشاهدها في الشهادة أمام القاضي، فشاهد الحق يأتي قوله واحداً لا يتغير لأنه يصف واقعاً، أما شاهد الزور فيغير ولا يصمد أمام محاورات القاضي، وسرعان ما يقع وينكشف كذبه، لأنه لا يصف واقعاً، إنما يؤلف الأحداث من عنده.
ثم ينقل الحق سبحانه وتعالى مجالَ الحديث إلى الآيات الكونية التي تثبت قدرة الله تعالى وتمسّ مسألة العقيدة، فحين نُصحح لهؤلاء عقيدتهم ونعطفهم إلى الإيمان بالله سيفكرون في رسالة محمد، ويهتدون إلى الحق.
لذلك ترك الحديث عن تكذيبهم لرسول الله وللبعث، إلى الحديث عن الآيات الكونية في السماوات والأرض.


أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [٦]وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [٧]تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
الاستفهام في {أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ ..} [ق: 6] غرضه الحثّ على النظر والتأمل في خَلْق السماوات وما فيها من آيات ومعجزات، لأن هذه الآيات هي دليل القدرة، وكلمة {بَنَيْنَاهَا ..} [ق: 6] دلتْ على أن السماء على اتساعها مبنية، ومع اتساع هذا البناء لا نجد له عمداً ترفعه.
لذلك قال تعالى في آية أخرى:
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ..} [الرعد: 2]
إذن: طالما ليس لها عمَد تحملها، فهي ممسوكه من أعلى، ولا يمسك هذه السماء إلا قوة عظمى هي قدرة الله: { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ ..} [فاطر: 41].
وهذه الفكرة رأيناها في بناء الكباري الطويلة التي ليس لها قواعد وأعمدة تحملها،
فيعلقونها من أعلى، وتُسمّى الكباري المعلّقة.
والحق سبحانه وتعالى يُقرِّب لنا هذه المسألة بقوله:
{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } [الملك: 19]
فكما يمسك الطير في السماء يمسك السماوات أنْ تقع على الأرض إلا بإذنه.
ثم لم يقف الأمر عند بناء السماء، بل {وَزَيَّنَّاهَا ..} [ق: 6] بما فيها من الكواكب والنجوم التي تُضيء {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [ق: 6] يعني: ليس فيها شقوق ولا فتوق، بل نراها مستوية ملساء، انظر إليها وهي صافية تجد روعة الألوان.
وبعد أن حدَّثنا عن الآيات العليا في السماء يُحدِّثنا عن آياته سبحانه في الأرض، وإذا كانت الآيات في السماء بعيدة عنا، فالآيات في الأرض قريبة منا وتحت إدراكاتنا.
{وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ..} [ق: 7] بسطناها وجعلناها مستوية صالحة للمعيشة، والمد هو البسط، والشيء المنبسط الممتد ليس له نهاية، وهذه صفة الأرض، فأينما سرتَ تجدها أمامك منبسطة ليس لها حافة تنتهي عندها، وهذا الامتداد فسَّر لنا كروية الأرض.
{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ..} [ق: 7] هي الجبال الثابتة التي تثبت الأرض، فلا تميد، كما قال سبحانه:
{ وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } [النبأ: 7]
أي: هي الأرض مثل الأوتاد للخيمة {وَأَنبَتْنَا فِيهَا ..} [ق: 7] أي: في الأرض {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] من النبات والزوج أي الصنف، وهو فرد معه مثله.
فالنبات لكي يعطي إنتاجاً لا بدَّ له من زوجين ذكر وأنثى، كما في الإنسان والحيوان، لذلك قال تعالى:
{ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ..} [الذاريات: 49]
لأن التناسل لا يتم إلا بهما.
ومعلوم أن التلقيح في النبات يتم بواسطة الفراشات والحشرات الطائرة التي تنقل حبوب اللقاح من عنصر الذكورة لعنصر الأنوثة، لذلك لما كثُرتْ الحشرات في أحد البساتين وضعوا لها المبيد الحشري فماتت، فلاحظوا أن الأشجار في البستان لم تزهر ولم تثمر، لماذا؟ لأن الفراشات والحشرات التي تلقح الزرع ماتت.
وقد لاحظوا أن الحشرات تتلوَّن بلون الزهرة التي تلقحها، بحيث يكون بينهما توافق بديع في الألوان، فلا تكاد ترى الفراشة وهي على الزهرة، وهذه الألوان في تناسقها مظهر من مظاهر الإبداع في الخلق.
وقوله: {بَهِيجٍ} [ق: 7] أي: جميل حسن المظهر.
وقد فهم العلماء من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ..} [ق: 7] أن الأرض غير ثابتة، وأنها تدور، فلو كانت الأرضُ مخلوقةً على هيئة الثبات ما احتاجتْ إلى الجبال الرواسي لتثبتها فلا تميل بأهلها.
وهذه كلها كانت من غيب السماوات والأرض كشفه الله لنا بتقدّم العلوم وتطور الحضارات، لذلك نقرأ مثلا:
{ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ..} [النمل: 88]
نعم السحاب يمر ويتحرك بحركة الهواء، فكيف تتحرك الجبال وهي راسية مستقرة مُثبتة على سطح الأرض؟ إذن: الجبال لا تتحرك إلا مع حركة الأرض، ولأنك ستتعجب من هذه الحقيقة، قال الحق بعدها:
{ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ..} [النمل: 88]
فما دام الفعل لله والصنعة لله، فلا تتعجب ولا تستبعد الأمر.
ثم يقول سبحانه: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ ..} [ق: 8] أي: أن هذه الآيات الكونية في السماوات وفي الأرض تعطي بصيرة للناس، وتُذكِّرهم بقدرة الخالق سبحانه ليتفكروا في خَلْق هذا الكون وما فيه من هندسة وإبداع.
والتبصرة هي الآية الثابتة، و{وَذِكْرَىٰ ..} [ق: 8] هي الظاهرة تأتي وتتغير، مثل الأرض تكون جرداء قاحلة، فإذا نزل عليها المطر اخضرتْ.
وقوله: {لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [ق: 8] كثير الرجوع إلى الله بالتوبة، ويأخذ من آيات الله في الكون دليلاً على قدرته تعالى، فيذعن لها ويؤمن بها.