أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة يس الآيات من 41-45 الثلاثاء 19 يناير 2021, 10:46 pm | |
| وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ (٤٤) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله تعالى (وَآيَةٌ لَّهُمْ) (يس: 41) هي آية لنا ولهم، لنا على سبيل الاستدلال نستدل لهم بها لنقنعهم، ولهم هم أي: تدعوهم إلى الإيمان بالله؛ لذلك لَمَّا سُئِلَ الإمام علي رضي الله عنه: أعرفتَ ربك بمحمد؟
أم عرفتَ محمداً بربك؟
فقال: عرفتُ ربي بربي، وجاء محمد فبلَّغني مُراد ربي مني.
ومعنى (ٱلْفُلْكِ) السفن (ٱلْمَشْحُونِ) المملوء.
والمُراد: سفينة سيدنا نوح -عليه السلام- وقد أوحى الله إليه أنْ يصنع السفينة، ودلَّه على كيفية صناعتها، كما قال سبحانه: (فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا..) (المؤمنون: 27).
فالسفن في حَدِّ ذاتها من آيات الله، ولو لم يُوحِ الله إلى نوح أن يصنع السفينة، كيف كنا ننتقل في الماء، وهو ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، فهذه آية أجراها الله تعالى على يد سيدنا نوح، ليعلم الناسُ جميعاً صناعة السفن، ثم للعقول بعد ذلك أنْ تُطوِّرها وترقى بصناعتها، كما نرى الآن السفن العملاقة على أحدث ما يكون، حيث استبدلَ الإنسانُ قِلْع المركب بآلات البخار والكهرباء، وحَلِّ الحديد والمعادن محلَّ الخشب والمسامير... الخ.
ومع هذا التطور، وبعد الاستغناء عن قوة الريح في تسيير السفن تظلّ السفن تسير بسم الله وبقدرته حتى إن استخدمت البخار أو الكهرباء؛ لأن الريح لا يعني الهواء الذي يُسيِّر السفن فحسب، إنما الريح تعني القوة أيّاً كانت؛ لذلك يقول سبحانه: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ..) (الأنفال: 46).
ويقول سبحانه: (إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ..) (الشورى: 33).
ويستوقفنا في هذه الآية قوله تعالى: (حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ) (يس: 41) والآية تتحدث عن العرب الذين نزل القرآن مُخاطباً لهم، والذين حُمِلوا في السفينة هم آباؤهم لا ذريتهم، فكيف ذلك؟
قال القرآن: (حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ) (يس: 41) والمُراد: آباؤهم؛ لأن الذرية تُطلق أيضاً على الأب؛ لأن الذراري منه، أو لأن الآباء الذين نجوا في السفينة هم الأصل الأصيل للموجودين الذين يخاطبهم القرآن، وكانوا هم مطمورين في آبائهم.
لذلك سبق أنْ قُلْنا: إن كل واحد منا إلى أنْ تقوم الساعة فيه جزىء حَيٌّ من أبيه آدم لم يطرأ عليه الموت، ولو تتبعتَ الآباء وسلسلْتَ هذه السلسلة لقُلْتَ إنني من ميكروب حيٍّ جاء من أبي، وأبي من ميكروب حَيٍّ جاء من أبيه، وهكذا إلى آدم -عليه السلام-، ولو كان هذا الميكروب ميتاً ما جئت.
إذن: ففي كل مِنَّا ذرة تكوينية من أبيه آدم لم يطرأ عليها تغيير، وهذه الذرة هي التى تحمل الفطرة الإيمانية في كل إنسان.
ووصف الحق سبحانه الفُلْكَ بأنه مشحون.
يعني: مملوء؛ لأن سيدنا نوحاً لم يأخذ فيها المؤمنين ليُنجيهم من الغرق فحسب، إنما ليُوفِّر لهم سُبُل العيش بعد النجاة، وإلا فكيف يعيش الناسُ على أرض لا يوجد فيها غيرهم، لا نبات ولا حيوان ولا طيور؟
لذلك قال سبحانه مخاطباً نبيه نوحاً: (قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ..) (هود: 40).
وقوله سبحانه: (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ) (يس: 42) فمن بعد السفينة أخذها الناس نموذجاً، وصنعوا مثله، وطوَّروا في صناعته، فأنشأوا السفن والمراكب والزوارق وغيرها مما يُركَب في البحر.
أو: خلقنا لهم من مثله ما يُركَب في البراري والصحراء، ومن ذلك يُسَمُّون الجمل مثلاً سفينة الصحراء.
ثم يحذرنا الحق سبحانه أنْ نغترَّ بهذه المراكب؛ لأنها وسائل للنجاة، لأنه سبحانه إنْ أراد الهلاك أهلك، وكم رأينا سُفُناً عملاقة توفرت لها كل سُبُل الأمان والسلامة، ومع ذلك ابتلعتْها الأمواج بمَنْ فيها.
وصدق الله: (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ) (يس: 43) فإياك حين تُرزَق بنعمة تخلصك من معطب أنْ تغرَّك النعمة فتحسب فيها الأمن والنجاة؛ لأنك لن تفلت من قبضة الله، ولا ينقذك أحد، ولا ينجيك شيء إنْ أراد بك الهلاك، وهل ترى بيدك شيئاً يُنجيك حين تهبُّ عاصفة، أو يعلو الموج فوق سفينتك كالجبال؟
إذن: آلاتك ووسائلك لا تُنجيك من قدري.
ومعنى (فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ) (يس: 43) الصريخ هو الذي تستصرخه وتستنجد به لينقذك، ويأخذ بيدك، ويُخرِجك من المأزق الذي أنت فيه.
ومن روائع العقائد التي استشفها أهل الإشراق والتنوير أنْ قالوا: الإنسان يصرخ ويستنجد بمَنْ هو أقرب منه: كأبيه: أو أمه، أو خادمه، أو جاره... الخ.
فإذا لم يجد؟
يقول: يا الله، لذلك نسمع بعضهم يقول عند المأزق: يا هُوْه.
والمراد يا هُوَ يعني: يا الله؛ لأنه لا يوجد غيره ينقذ ويُغيث.
ومن المواضع التي وردت فيها مادة صرخ قوله تعالى حكايةً عن الشيطان: (مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) (إبراهيم: 22) والمُصْرِخ: هو الذي يُزيل الصراخ يعني: يسعفك، ويزيل عنك الشدة.
وقوله تعالى: (وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ) (يس: 43) يعني: امتنع المصرخ، وامتنع عنهم أيضاً المنقذ الذي يتطوَّع فينقذهم، وهذا قَطْع للأمل في النجاة، فإنْ أراد اللهُ الإهلاكَ فلا سبيلَ للنجاة أبداً، إلا بإذنه تعالى ورحمته.
لذلك يقول في الآية بعدها: (إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا) (يس: 44) رحمة تنجي من الغرق، ومعنى (وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ) (يس: 44) أن هذه النجاة ليست صَكّاً بالسلامة الدائمة والبقاء المستمر، إنما هذه النجاة متاعٌ إلى حين، إلى أنْ يحلَّ الأجلُ ويُدركك الموت، فأنت إذنْ سلمتَ من الحِمام إلى الحِمام الذي لا بُدَّ منه.
وأشبه بذلك قول الفخر الرازي: ولَوْ أنَّا إذَا مِتْنَا اسْتَرحْنَا لَكانَ الموْتُ رَاحةَ كُلِّ حَيّ ولكِنَّا إذَا مِتْنَا بُعِثْنَا ونُسَأل بَعْدهَا عن كُلِّ شَيّ
وكلمة الحين تعني الفترة من الزمن بحسب ما تُقاس به، فمثلاً في: (فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (الروم: 17) الحين يعني: يوم وليلة، وفي قوله تعالى: (تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ..) (إبراهيم: 25) الحين هنا يعني: سنة، وفي: (هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً) (الإنسان: 1) يعني: مقدار مُحدَّد من الزمن.
ثم يقول الحق سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة يس الآيات من 41-45 الثلاثاء 19 يناير 2021, 10:46 pm | |
| وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
تعلمون أن (إذَا) أداة الشرط التي تفيد التحقيق.
أمَّا (إنْ) فتفيد الشكّ، ومعنى (لَهُمُ) أي: للكافرين، وجاء الفعل (قِيلَ) هكذا مبنياً للمجهول ليفيد العموم، فكأن كل مؤمن عليه أنْ يقول، وأنْ ينصح، وأن يأخذ بيد غيره إلى طريق الله.
والحق سبحانه في هذه الآية يقول لعباده المؤمنين: يا عبادي، يا مَنْ آمنتم بي، وصدَّقتم رسلي، لكني أحب ألاَّ تدخروا وُسْعاً لتنقذوا خَلْقي من غضبي عليهم، حين يُصِرُّون على الكفر ويقيمون عليه.
وهذا نوع من الرجاء في المؤمنين أنْ يأخذوا بيد الكفار، وأن ينقذوهم من دواعي غضب الله عليهم، وهذا المعنى داخل تحت قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
ومعنى: (مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) (يس: 45) أي: ما هو أمامكم، وما ينتظركم من البعث والحشر والسؤال والحساب، ثم النار (وَمَا خَلْفَكُمْ) (يس: 45) يعني: ما سبقكم من العبر بالمكذِّبين قبلكم، وكيف كانت عاقبتهم ونهاية كفرهم (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (يس: 45) رجاء أنْ يرحمكم الله.
إذن: فينبغي أن يكون في بال المؤمن أنْ يمهد السبيل لرحمة الكافر، وأنْ يحاول وُسْعه أن ينقذه، وأنْ يعطف عليه، لا أنْ يسلك معه مسلَك اللدد والخصومة التي لا تجدي. |
|