قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤ - الأحقاف
خواطر محمد متولي الشعراوي
الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يثبت أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء اتخذوهم بلا سابقة كمال أو سابقة نفْع، فاتخذوا الأصنام آلهةً يعبدونها من دون الله وهم صانعوها بأيديهم.
لذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لقومه: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95].
ومعنى {أَرَأَيْتُمْ..} [الأحقاف: 4] أخبروني، إنْ كنتم رأيتم فأخبروني {مَاذَا خَلَقُواْ..} [الأحقاف: 4] أي: هذه الآلهة المدَّعاة {مِنَ ٱلأَرْضِ..} [الأحقاف: 4] وأتى بالأرض أولاً لأنها محلُّ إقامتهم ومسرح حركتهم {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ..} [الأحقاف: 4] أي: مشاركة مع الله في عملية الخَلْق.
الحق سبحانه وتعالى هو الذي أعلن: أنا خالق السماوات والأرض، وهذا الإعلان سمعه هؤلاء المعاندون فهل عارضه أحد؟ هل ادَّعى أحد أنه خلق هذا الكون؟
إذن: لو كان لله شريك في الخَلْق لأعلن عن نفسه، والعقل يقول إن الدعوى تثبت لصاحبها ما لمْ يقُم لها معارض.
الحق سبحانه قال: لا إله إلا أنا، ولا خالقَ غيري ولم نسمع مَنْ يعارض هذه المقولة، إذن: هي لله وحده لا شريك له ولا منازع.
ولو تأملتَ الخَلْق وما فيه من حِكَم ودقائق لعرفتَ أنه خَلْق الله وحده، ولا يقدر غيره على هذا الإبداع، فالخالق سبحانه خلق الصغير وخلق الكبير، خلق الضخم وخلق النحيف ومع ذلك تجد في الصغير كلَّ خواصّ الكبير، فالفيل يأكل ويتحرك، والبعوضة تأكل وتتحرك.
بل ربما قدرتَ على الفيل، ولم تقدر على البعوضة، لذلك قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ..} [الحج: 73] نعم هل تستطيع أنْ تسترد ما أخذتْه الذبابة من طعامك؟ {ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].
ومن مظاهر العظمة في الخَلْق أن الله خلق لنا هذه المخلوقات وذللها لخدمتنا، ولولا أن الله ذلَّلها لنا ما قدرنا عليها، تتعجب حينما ترى الطفل الصغير يقود الجمل ويحمل عليه الأشياء، والجمل يطاوعه، في حين أنك لا تقدر على البرغوث ولا تسيطر عليه، وقد يُؤلمك ويقضّ مضجعك طوال الليل، لماذا؟
لأن الخالق سبحانه ذلَّل لك هذا ولم يُذلل لك ذاك.
إذن: العظمة في الخلق التذليل، لذلك قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 71-72].
وأنت حين تتأمل خَلْق الله تجد العظمة في كل شيء في الكبير والصغير، لذلك كان المعارضون ينتقدون الحق سبحانه في أنه يتكلم عن البعوض والذباب والعنكبوت.
فردَّ الله عليهم: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا..} [البقرة: 26] قالوا: ما فوقها في الصغر لا في الكِبَر، يعني: الميكروبات والفيروسات ودقائق المخلوقات التي لا تُرى بالعين المجردة.
لذلك نجد الحق سبحانه يتحداهم: {إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ..} [الحج: 73].
وقوله: {ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ..} [الأحقاف: 4] أي: من قبل القرآن أخبركم بهذا {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ..} [الأحقاف: 4] يعني: بقية من العلم الذي يؤُثر عن السابقين {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4] في دعواكم أنهم آلهة، وأنهم شاركوا الحق سبحانه في مسألة الخَلْق.