أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث الثالث الأربعاء 08 يونيو 2011, 12:16 pm | |
| المبحث الثالث
بداية تفجر أحداث الجولة الثالثة
في أوائل مايو، أدهشت الحكومة السوفيتية العالم بقصة خيالية (لا تعرف ما إذا كانت لحسابها أو لحساب سورية أو مصر) عن وجود حشود إسرائيلية ضخمة على الحدود السورية. فدعا "أشكول" السفير السوفيتي لزيارة الحدود الشمالية معه حتى يتأكد بنفسه من عدم صحة تلك القصة. لكن السفير رفض فلا شك أنه كان يعرف جيداً أن القصة مختلقة. والحقيقة هي أن بضع عشرات من رجال بوليس الحدود قد وضعوا على الحدود الشمالية بعد الهجمات السورية على كيبوتزات الجليل وذلك لمراقبة المخربين السوريين.
وكانت المعلومات الكاذبة التي وصلت إلى القاهرة من المصادر السوفيتية قد ذكرت أن إسرائيل حشدت أحد عشر لواء على الحدود الشمالية. وقد أبلغ سكرتير عام الأمم المتحدة مجلس الأمن في 19 مايو أن التقارير التي بعث بها مراقبو الأمم المتحدة ليس بها ما يشير إلى وجود تلك الحشود الإسرائيلية المزعومة على الحدود السورية. وواضح أن "عبدالناصر" كان بحاجة إلى مثل تلك التقارير المختلقة من أجل مخططاته العدوانية ضد إسرائيل.
في نفس الوقت كان الروس مهتمين بالضغط على الوضع السوري لمصالحهم الخاصة فلم يكن هناك أي نية لديهم لإنكار ادعاءاتهم وقد كان الاتحاد السوفيتي مهتما بتقوية ودعم النظام الحاكم في سورية والذي منح السوفيت مزايا كبيرة له في منطقة الشرق الأوسط وقد كان تأثيرها على مصر لتهديد إسرائيل من الجنوب يحقق بذلك تقوية الأمن السوري وبالتالي دعم النظام الحاكم في دمشق. وبدأت مصر في تلقي معلومات "بعد أحداث 7 إبريل" من مصادر سورية وسوفيتية، بأن إسرائيل تحشد قواتها بالقرب من الحدود السورية، وترمي إلى غزو سورية، والاستيلاء على دمشق، والإطاحة بنظام حكمها اليساري.
وكان أمام "عبدالناصر" إما أن يدير ظهره لمطالب سورية، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بمركزه كزعيم للعالم العربي. وإما أن يعتبر نفسه ملزماً بالاستجابة لندائها والقيام بعمل مناسب واختار "عبدالناصر" الطريق الثاني، وأعلن في خطاب له في عيد العمال أول مايو 1967، أنه سوف يضع تحت تصرف سورية، كل الطائرات والطيارين اللازمين للدفاع عنها.
وزاد الروس الموقف الملتهب اشتعالاً. ففي 12 مايو 1967. نقل ضابط مخابرات من السفارة السوفيتية بالقاهرة للمخابرات الحربية المصرية "تأكيداً" للتقرير السوري الذي أفاد أن إسرائيل تحشد قواتها على الحدود السورية. وفي اليوم التالي كرر الرئيس السوفيتي "نيكولاي بودجورني" هذا الادعاء في حديثه مع "أنور السادات"، الذي كان يزور موسكو في ذلك الوقت. وأضاف "بودجورني"، أن هدف إسرائيل هو غزو سورية، وأن الاتحاد السوفيتي سوف يساعد سورية ومصر في حربهما ضد إسرائيل.
وأن على مصر أن تستعد لهذا العدوان. وقال: "يجب ألا نؤخذ على غرة، فستكون الأيام القادمة حاسمة". وتحدث وزير الخارجية السوفيتي بلهجة مماثلة إلى الضيف المصري، وأضاف تفصيلات جديدة، بأن إسرائيل قد تهاجم سورية في الفترة ما بين 16، 22 مايو. وبادر "السادات بإبلاغ عبدالناصر" بما سمعه في موسكو.
وفي إسرائيل لم يكن هناك أي توتر فقد تنبأ "اسحاق رابين" رئيس أركان قوات الدفاع حينئذ بفترة طويلة من الهدوء في إسرائيل وكان ذلك في مقابلة صحفية. وقد تم الاحتفال بالعيد التاسع عشر للاستقلال يوم 15 مايو بشعور مريح ( ومن المفارقات أن إعلان إسرائيل أنها سوف تقيم عرضاً متواضعاً يوم عيد الاستقلال الموافق 15 مايو، وذلك لأسباب اقتصادية، فقد اعتبره السوريون والروس دليلاً جديداً على أن معظم قوات إسرائيل وأسلحتها مشغولة في مجال آخر، هو الاستعداد لغزو سورية). في نفس الوقت قرر الرئيس "جمال عبدالناصر" القيام باستعراض للقوة، وذلك بإرسال فرقتين إلى سيناء لانضمام إلى الفرقة الموجودة هناك بالفعل، وكان هذا العمل، الذي علم به رئيس الأركان الإسرائيلي في المساء، هو أول خطوة عسكرية تقوم بها مصر. وكان إيذانا ببدء موكب الجيوش المتجهة إلى حرب الأيام الستة.
وقد قال "محمد حسنين هيكل" الصحفي والصديق المقرب "لعبدالناصر"، أن قرار "عبدالناصر" ذو دافع مزدوج: أن يظهر لسورية أن مصر مستعدة للقتال إلى جانبها.. وأن يرغم إسرائيل على نقل قواتها من الحدود السورية إلى الجنوب لمواجهة التهديد المصري. ساعتها أصيب العالم العربي بهيستريا وأصبح "عبدالناصر" في قمة شعبيته مرة أخرى وذلك بعد دفع حكومة عربية بتدعيم من آخرين إلى حماس الحرب الوشيكة.
أولاً: سحب قوات حفظ السلام وتأثيره على الموقف
أما الحدث الذي فجر أحداث يونيه فكان انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من قطاع غزة وخليج شرم الشيخ. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وافقت منذ أكثر من عشر سنوات ـ في 5 نوفمبر سنة 1956ـ على وضع كتائب من قوات الأمم المتحدة في قطاع غزة وشرم الشيخ.
وكان الغرض من وجود بعض الكتائب في قطاع غزة هو ضمان توقف أعمال التخريب والقتل على أيدي الفدائيين، أما الهدف من وجود البعض الآخر من الكتائب في شرم الشيخ فهو ضمان حرية الملاحة الإسرائيلية في مضايق إيلات.
وكانت هذه هي شروط إسرائيل للانسحاب من قطاع غزة وشرم الشيخ بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء. وكانت قوات الطوارئ الدولية تتكون من 978 جندياً هندياً، 795 كندياً، 579 يوغسلافياً، 530 سويدياً، 430 برازيلياً، 61 نرويجياً، دانمركيين. وكان داج همرشولد قد ذكر في 5 أغسطس 1957 أنه قد توصل إلى اتفاق مع "عبدالناصر" مؤداه أنه "لن تترك القوات الدولية مواقعها إلا بعد انتهاء مهمتها. وفي حالة طلب مصر جلاء تلك القوات فإن المسألة تطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة لدراستها. فإذا تبين للجمعية العامة أن مهمة القوات الدولية قد انتهت، فإنها ترحل.
أما إذا تبين أن مهمتها لم تتحقق بعد، وطلبت مصر رغم ذلك جلاء تلك القوات، فإن ذلك يعد انتهاكا للاتفاق مع الأمم المتحدة".
وفي مارس 1960 قابل رئيس الوزراء الإسرائيلي "داج همرشولد" في نيويورك. وكانت قد راجت في ذلك الوقت شائعات بأن قوات الطوارئ الدولية على وشك الجلاء عن شرم الشيخ. وقد قال رئيس الوزراء لـ"همرشولد" أن تلك الشائعات قد أثارت قلق الحكومة الإسرائيلية بسبب الخطر الذي ينجم عن إغلاق مضايق إيلات مرة أخرى في وجه السفن الإسرائيلية مع ما في ذلك من انتهاك للتعهدات التي قطعتها الدول البحرية في شهري فبراير ومارس 1957 في الجمعية العامة، وأن من حق إسرائيل، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أن تستخدم القوة للدفاع عن حريتها في الملاحة الدولية.
وقد أكد "همرشولد" في ذلك الوقت لرئيس الوزراء أن تلك الشائعات لا أساس لها من الصحة وأن قوة الطوارئ لن تجلو عن شرم الشيخ أو قطاع غزة دون موافقة الجمعية العامة. إلا أن خليفة "همرشولد ـ أوثانت" ـ لم يلتزم لسبب ما بتلك التعهدات بخصوص قوات الطوارئ.
ثانياً: الحشود المصرية في سيناء
ازداد الوضع تدهوراً على الحدود السورية. وواصلت القوات الخاصة عملياتها ضد المستعمرات اليهودية في الجليل، وبدأ الدكتاتور المصري يحشد قواته في صحراء سيناء. وقد بدأ تدفق القوات إلى سيناء في منتصف مايو سنة 1967 بحجة أن سورية تتعرض لخطر هجوم إسرائيلي.
وكما سبق الإشارة، فإن الحكومة الإسرائيلية أكدت للأمم المتحدة أن الروايات القائلة بوجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية مختلقة كما أن "أوثانت" نفسه قرر في تقريره إلى مجلس الأمن في 19 مايو أن مراقبي الأمم المتحدة أكدوا عدم وجود حشود إسرائيلية عسكرية أو تحركات للقوات على طول الحدود الشمالية. ومع ذلك استمر تدفق القوات المصرية إلى سيناء بمعدلات متزايدة.
ولقد كان بسيناء قبل 14 مايو أقل من فرقتي مشاة وكمية صغيرة من الأسلحة، لكن بحلول 21 مايو كانت هناك أربع فرق. وزادت قوة المدفعية المصرية والقوات الجوية بنوع خاص.
وفي السادس عشر من مايو أخبر رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري الجنرال "أ.ح ريكي" القائد الهندي لقوات الطوارئ الدولية في سيناء وقطاع غزة بما يلي: "لقد أصدرت الأوامر إلى القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة بأن تكون مستعدة للعمل ضد إسرائيل في اللحظة التي تقوم فيه إسرائيل بأي عمل من أعمال العدوان ضد إي بلد عربي. وعلى ضوء تلك الأوامر حشدنا قواتنا على حدودنا الشرقية في سيناء.
ونحن نطلب إبعاد قوات الأمم المتحدة فوراً ضماناً لسلامة أفرادها في نقاط المراقبة على طول حدودنا". وهكذا أصبحت مشكلة قوات الطوارئ في يد السكرتير العام للأمم المتحدة ولسبب ما رأى "أوثانت" ضرورة إبلاغ "عبدالناصر" أن أي طلب للإبعاد المؤقت لقوات الطوارئ سيعامل مثل طلب إبعادها التام عن غزة وسيناء وسرعان ما قبل "عبدالناصر" ذلك الإيضاح. وعليه أصدر "أوثانت" أمر إلى قائد القوات الدولية في سيناء وغزة بإجلاء القوات.
ثالثاً: انسحاب قوات الطوارئ الدولية
كانت الأوامر قد صدرت أصلاً إلى الجنرال الهندي لتجميع قواته الموجودة في غزة في مكان داخلي بالقطاع ولم يقل أحد شيئاً في ذلك الوقت حول إبعاد القوات الدولية عن شرم الشيخ. وأبلغ "أوثانت" الوفد المصري بالأمم المتحدة ـ بعد أن تلقى صورة من برقية رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري إلى الجنرال "ريكي" في السادس عشر من مايو ـ أن الانسحاب الجزئي للقوات الدولية أمر غير مقبول وأن على "عبدالناصر" أن يختار بين بقائها حيث هي أو انسحابها كاملاً.
وقد اختار "عبدالناصر" البديل الثاني. وفي التاسع عشر من مايو قام الجنرال "ريكي" بإبلاغ السلطات الإسرائيلية أن قوات الطوارئ الدولية ستتوقف عن مباشرة مهمتها اعتباراً من الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم. رابعاً: إسرائيل لا تنفعل أمام المشكلة
وقد تصادف في ذلك اليوم أن وصل الرئيس "شازار" رئيس إسرائيل إلى كندا للاشتراك في احتفالاتها بالذكرى المئوية لاتحادها الكنفيدرالي.
وقال عند وصوله ضمن أشياء أخرى: "أن أبلغ دليل على أن الانفعال لا يسيطر على إسرائيل رغم اهتمامها العميق بالحشود العدائية للقوات المصرية هو إتمام زيارتي لكندا في موعدها المقرر لتمثيل إسرائيل في الاحتفال بالذكرى المئوية لكندا. نحن لا ننوي أن نستفز أو نهاجم أيا من جيراننا. أما إذا كانت مصر تنوي استفزازنا أو إذا كانت سياسة سورية تستهدف مواصلة العمل العدواني ضد أراضينا، فسوف ندافع بلا شك عن أراضينا كما ينبغي".
وفي 19 مايو أبلغ "أوثانت" الجمعية العامة أن قوات الطوارئ الدولية قد انسحبت من سيناء وقطاع غزة. وشعر الوفد الكندي بالاستياء من التصرف المتعجل للسكرتير العام خاصة وأن ذلك الوفد كان قد ساهم بدور كبير في تشكيل تلك القوات الدولية كما أن تلك القوات كانت تضم عدداً كبيراً من الكنديين. لكن عبدالناصر حقق ما أراد من حرية العمل.
فقد أعلن بعد أن احتلت القوات المصرية مواقع في شرم الشيخ، أنه لن يسمح بأي حال من الأحوال للسفن التي ترفع العلم الإسرائيلي بالمرور عبر خليج العقبة وأنه سيمنع مرور السفن الأجنبية التي تحمل مواداً إستراتيجية إلى أو من إسرائيل. وذهب "عبدالناصر" إلى أبعد من ذلك حين قال: "هؤلاء اليهود يهددون بالحرب، ونحن نقول لهم: تعالوا فمصر مستعدة!" كان "عبدالناصر" يعلم جيداً أن إغلاق المضايق يعني إعلان الحرب على إسرائيل وهذا ما قصده. خامساً: 21 مايو في القاهرة: اجتماع اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي العربي قام جمال عبد الناصر بخطوته الحاسمة نحو الحرب. فقد اجتمعت اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي العربي ـ الحزب السياسي الوحيد في مصر ـ في منزل "عبدالناصر" يوم 21 مايو. وتقرر فرض حصار على ميناء إيلات الإسرائيلي، وذلك بمنع جميع السفن الإسرائيلية، وجميع السفن الأجنبية التي تحمل "مواد إستراتيجية" إلى إسرائيل من المرور في مضيق تيران ـ وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس "عبدالناصر"، أثناء زيارته لقاعدة أبو صوير الجوية: "أن خليج العقبة، مغلق بالنسبة للإسرائيليين".
وبدأ فرض الحصار في اليوم نفسه، وهو الثاني والعشرين من مايو. فقد أوقفت سفينتان ألمانيتان عند مضيق تيران، وتم تفتيشهما، ولم يسمح لهما بمواصلة رحلتهما إلا بعد التأكد من أنهما متجهتان إلى ميناء العقبة الأردني وليس إلى إسرائيل.
واجتمع "عبد الناصر"، مع السفير السوفيتي مساء اليوم نفسه، بعد إعلانه إغلاق المضيق. وسأله السفير عما إذا كان يرغب في أن تكرر روسيا تحذيرها لإسرائيل: بأنه إذا هاجمت أية دولة عربية، فسوف يرسل الاتحاد السوفيتي قواته لمساعدة الدول العربية المشتركة في القتال. ورد "عبدالناصر": بأنه من الأفضل إرسال هذا التحذير إلى الولايات المتحدة.
ومن تلك اللحظة، انعكست الصورة تماماً، ذلك أن حشد القوات والتهديد بالحرب لم يكن من إسرائيل ضد سورية، بل كان من مصر ضد إسرائيل، وصدمت إسرائيل صدمة شديدة، ووقعت في حيرة، فلم تكن حكومتها، ولا شعبها يتوقعان هذا التصرف، ولم تكن إسرائيل تريد خوض هذا الحرب .. وفي الوقت نفسه، لم تكن في مقدورها أن تروض نفسها على إغلاق خليج العقبة، الأمر الذي ينهي إيلات كميناء إسرائيلي.. كما لم يكن في مقدورها أن تتجاهل الجيش المصري المتقدم نحو حدودها.
سادساً: 22 مايو في إسرائيل جلسة الكنيست الإسرائيلي لبحث الأزمة وإعلان التعبئة الجزئية في إسرائيل
يوم الاثنين 22 مايو، تحدث رئيس الوزراء في الكنيست عن الموقف السياسي فأعلن أن القوات المصرية المعادية تدفقت إلى سيناء في 15 مايو، وأن القاهرة فسرت ذلك على أنه رد على حشود عسكرية إسرائيلية للهجوم على سورية.
وقد كذبت إسرائيل تلك المعلومات الخاطفة وأيد مراقبو الأمم المتحدة ذلك التكذيب. ثم أضاف قائلاً: "زاد عدد القوات المسلحة المصرية في سيناء من 35 ألفاً إلى ثمانين ألفاً. كما زاد عدد قوات المدفعية والطائرات. ويتعين على الدول الكبرى أن تمارس كل نفوذها لمنع خطر اندلاع الحرب في الشرق الأوسط نظراً لأن التوتر في تزايد.
وتقع مسؤولية خاصة على الاتحاد السوفيتي الذي له نفوذ في دمشق والقاهرة ولم يعترض صراحة على سياسة حكومة دمشق تجاه إسرائيل. وبوسعي أن أقول العكس: فموسكو تبحث عن حجج أن الاتحاد السوفيتي يتعين عليه أن يطبق دون تمييز سياسته الرامية إلى اللجوء للطرق السلمية وعدم استخدام العنف في حل المشاكل الأمر الذي يساعد على إقرار السلام.
لقد بلغت الحشود المصرية في سيناء حداً من شأنه زيادة التوتر في هذه المنطقة وإثارة القلق في العالم. وينبغي إعادة الوضع على جانبي الحدود إلى حالته السابقة. وعلى ضوء ما أعلنه سكرتير الأمم المتحدة، يجب على جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وبخاصة الدول الكبرى، أن تدين أعمال التخريب التي ترتكب ضد دولة عضو بالأمم المتحدة وتطلب وقفها باعتبارها انتهاكا للاتفاقيات الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
يجب أن يكون للنفوذ الدولي وزنه وأثره في المحافظة على الهدوء الذي ساد الحدود المصرية الإسرائيلية منذ سنة 1957 عن طريق احترام الحقوق الدولية الحيوية لجميع الدول بما في ذلك إسرائيل.
أعضاء الكنيست المحترمون: كان تحرك القوات المصرية إلى سيناء يفسر في بداية الأمر في عواصم العالم على أنه مجرد استعراض للعضلات وليس له أية دلالة عسكرية. لكننا نحن الذين تهدد حدودنا نشعر أن علينا أن نتخذ كل الإجراءات الضرورية لمواجهة أي احتمال. وأريد من هذا المنبر أن أقول مرة أخرى للدول العربية، وخاصة مصر وسورية، أننا لا ننوي العدوان.
نحن لا نريد الاعتداء على أمنهم أو أراضيهم أو حقوقهم القانونية. ولقد أصدرت أمري، نظراً للحشود المصرية على الحدود وجلاء قوات الطوارئ الدولية، باستدعاء محدود للاحتياط وتم ذلك فعلاً وفقاً للخطة الموضوعة. وأخيراً فإني أدعو دول المنطقة بأن تحترم كل منها سيادة ووحدة أراضي والحقوق الدولية للدول الأخرى. إن دولة إسرائيل، الواثقة من قدرتها على الدفاع عن نفسها والقوية بقوتها وروحها، تعبر في هذا الوقت عن استعدادها للانضمام لأي جهود من شأنها تعزيز الهدوء وترقية قضية السلام في منطقتنا.
اقترح بن جوريون (رافي) إحالة مناقشة بيان رئيس الوزراء إلى لجنة الشؤون الخارجية والأمن نظراً لأن بعض الأمور لا تحتاج لإيضاح علني ولا يمكن نشرها على الملأ تجنباً للإضرار بالدولة. وقد غادر رئيس الوزراء الاجتماع لمدة قصيرة ليتيح الفرصة للأحزاب للتشاور فيما إذا كان ذلك النقاش يجب إجراؤه في الكنيست أو لجنة الشؤون الخارجية والأمن وأسفر التشاور عن قرار ببحث الأزمة حالاً في الكنيست.
وكان "مناحم بيجن" (جحال) أول المتحدثين فقال: "أنه يتفق مع الرأي القائل بأن الوضع الحالي فيه أمور لا ينبغي الإفصاح عنها علناً، لكن هناك أموراً أخرى يجب أن تعلن من فوق منبر الكنيست ليسمعها العالم أجمع وخاصة العدو. لقد تردى الأمن في الأيام الأخيرة ولن يمر هذا الوضع بسرعة.
ويجب أن يعرف شعبنا ذلك وهو الذي صمد أمام اختبارات كثيرة. إن بلادنا لا تريد سفكا للدماء، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي، تحت أي ظروف، على سفك الدم اليهودي في أرض آبائه أو على تعريض سيادتنا الوطنية للخطر، أو على الأعمال العدوانية، والتسلل وبث الألغام. إنها أمام هذا العدوان، سوف تمارس حقها الكامل في الدفاع الشرعي عن نفسها وهو الحق الذي يكفله القانون الدولي العام.
ولقد أصدرت مصر في الأسبوع الماضي بيانين: أحدهما يقول بأنها أرسلت قواتها صوب إسرائيل، والثاني يقول بأن مصر ستدخل الحرب ضدنا إذا هاجمت إسرائيل سورية. وأود بكل احترام أن أقول أن ما قاله رئيس الوزراء اليوم من أن ما نتعرض له من الخارج مجرد استعراض للقوة ليس صحيحاً. هذه الفكرة جاءت من عندنا.
من مصادر حكومية ولن أخوض فيما إذا كان ذلك مصدره نصيحة من الخارج أو أن التفسيرات الخارجية جاءت نتيجة للفكرة الإسرائيلية. إن مصادر حكومية حاولت في الحقيقة تفسير نوايا العدو على أنها مجرد استعراض للقوة وبذلك أبرأت الحكومة تلك النوايا من آثامها الخطيرة.
فمن الحقائق المعروفة جيداً أن مصر لا زالت في حالة حرب مع إسرائيل. وعندما تقوم هذه الدولة بإرسال جيوشها ودباباتها وطائراتها ومدافعها نحو حدودنا فذلك تهديد واضح وصريح بالعدوان. ورغم كل ذلك تتحدث الحكومة الإسرائيلية عن مظاهرات واستعراض للقوة".
وواصل "بيجين" كلامه فقال: "لقد قالت مصر أنه إذا هاجمت إسرائيل سورية فستعلن مصر الحرب علينا. وهذا تهديد واضح بالعدوان، ذلك أن إسرائيل لم تهاجم سورية بل إن سورية، على العكس، هي التي تقوم بأعمال عدوانية مستمرة ضد إسرائيل سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
لذلك يجب استخدام كلمات واضحة اليوم في مخاطبة العالم والعدو بنوع خاص حتى يمكن تفادي تدهور الموقف أكثر من ذلك وتجنب أعمال العدوان التي يمكن أن تتطور لحرب شاملة. سيدي رئيس الوزراء، كان ينبغي لك أن تكون أكثر صراحة اليوم.
كما أن الحملة السياسية التي تشنها هذه الحكومة يجب أن تكون عاجلة وأكثر إصراراً وأن تتضمن المطالبة بإعادة تلك القوات المحتشدة الآن على حدود إسرائيل إلى قواعدها السابقة. إن قوات الطوارئ الدولية في مصر وقطاع غزة قد سحبت ولم تعد قائمة.
كما أن حرية الملاحة من إيلات وإليها شرط ضروري ولا ينبغي القول أكثر من ذلك. وأخيراً فإن العدو في الجنوب يهدد بالحرب إذا مارسنا حقنا المشروع في الدفاع عن النفس ضد العدوان من العدو في الشمال. ولذلك يجب أن نعلن بوضوح أن التهديد بالعدوان من الجنوب لن يجعل إسرائيل تذعن للعدوان من الشمال".
وتحدث كثيرون آخرون، لكن المناقشات لم تنته إلا في اليوم التالي. وأحاط رئيس الوزراء الكنيست علماً بأن رئيس جمهورية مصر أعلن صباح اليوم عن نيته بشأن إغلاق الممر المائي الدولي الذي يربط خليج إيلات بالبحر الأحمر أمام السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والسفن الأجنبية الأخرى التي تحمل مواداً لها طابع استراتيجي.
إن أي تدخل ضد حرية الملاحة في الخليج والمضايق لهو انتهاك خطير لحرية الملاحة الدولية وعدوان على حقوق سيادة الدول الأخرى، وعمل عدواني ضد إسرائيل. كما أن اللحظات التي تنتظرنا لهي لحظات مصيرية بالنسبة لإسرائيل والعالم.
وسوف تؤيد حكومة إسرائيل السياسة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول مارس 1957. وقال رئيس الوزراء: "سوف أدلي بمعلومات أكثر عن الموقف في لجنة الشؤون الخارجية والأمن حيث ستظل المناقشات دائرة".
لقد تلقت حكومتنا ـ بعد إعلان إغلاق مضايق إيلات أمام الملاحة الإسرائيلية طلباً من الرئيس الأمريكي ليندون ب. جونسون بالامتناع عن أي عمل لمدة 48 ساعة. وقد ووفق بأغلبية 89 صوتاً ضد أربعة أصوات على إعداد ملخص عن المناقشات ومواصلتها في لجنة الشؤون الخارجية والأمن. سابعاً: اجتماع لجنة الدفاع الوزارية وإعلان التعبئة الكاملة للاحتياط كانت لجنة الدفاع الوزارية قد انعقدت يوم 23 مايو 1967، حيث قدم رئيس الوزراء ملخصاً للموقف وقال: "لقد دعينا إلى اجتماع عاجل لأن هناك مشكلة تتطلب قراراً سريعاً. فقد طلبت الولايات المتحدة منا أن ننتظر لمدة 48 ساعة، بعد إعلان "عبدالناصر" في الليلة الماضية إغلاق مضيق تيران ـ قبل إرسال سفينة إسرائيلية في رحلة تجريبية عبر خليج العقبة".
واقترح "ايبان" أن تطلب من الولايات المتحدة إرسال مدمرة أمريكية تصاحب هذه السفينة، لأن ذلك سيكون اختباراً لموقف الولايات المتحدة. وقيل لنا أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل أنه إذا كنا نريد أن نشركها في تحمل المسؤولية، فعلينا أن نستشيرها قبل اتخاذ أي خطوة.
أما "موشي ديان" فقد ذكر: "أنه ينبغي أن نشن هجوماً عسكرياً ضد مصر بعد انتهاء الثماني وأربعين ساعة، يهدف إلى إيقاع خسائر فادحة في قواتها المسلحة. وسوف يكون من الأفضل لو تم اختيار ساحة للمعركة تكون قريبة من حدود إسرائيل، حيث يتعين أن ندخل في حسابنا احتمال دخول الدول العربية كلها الحرب ضدنا" . وبعد مناقشات طويلة، وافق أغلب الحاضرين على الاستجابة للطلب الأمريكي، وتم الاتفاق أيضاً على إعلان التعبئة الكاملة لقوات الاحتياط.
ثامناً: جولة وزير الخارجية الإسرائيلي في الخارج
اقترح "آبا إيبان" وزير الخارجية أن يسافر إلى واشنطن لمقابلة الرئيس "جونسون"، لكن رئيس الوزراء عارض ذلك الاقتراح وأيدته "جولدا مائير" في تلك المعارضة. ومع ذلك، فعندما وصلت معلومات من سفير إسرائيل في باريس بأن الرئيس "شارل ديجول" مستعد هو الآخر للالتقاء بأي مسؤول إسرائيلي، تقرر أن يقوم "ايبان" بتلك الرحلة.
وفي اجتماع باريس يوم 23 مايو دامت المقابلة بين ايبان وديجول نصف ساعة. حضرها "مسيو موريس كوف دي مورفيل" وزير الخارجية الفرنسية، و"والتر ايتان" سفير إسرائيل. واتسم التقرير الذي قدمه "آبا إيبان" بالتفاؤل. كما كان "ايتان" متفائلاً أيضاً.
وفي نفس الوقت بعث السفير الإسرائيلي ببريطانيا تقريراً مؤداه أن رئيس الوزراء البريطاني "هارولد ويلسون" مستعد لمقابلة "ايبان" الذي طار في اليوم نفسه إلى لندن. وقد قال له "ويلسون" أن بريطانيا سوف تؤيد إسرائيل في قضية حرية الملاحة إذا أثير الموضوع في الأمم المتحدة، أو في عملية دولية تشترك فيها الولايات المتحدة.
وفي اليوم الذي وصل فيه "ايبان" إلى واشنطون (24 مايو) سافر الرئيس "جونسون" إلى كندا ولم يقابله "ايبان" إلا في 26 مايو. وفي هذا اللقاء أبدى الرئيس "جونسون" تعاطفه ومودته بالنسبة لإسرائيل إلا أنه أوضح أن أي عمل من جانب الولايات المتحدة لضمان حرية الملاحة في مضايق إيلات يحتاج لموافقة مجلس الشيوخ.
وكان محور الاتصال مع أمريكا يهدف إلى تقديم ضمان أمريكي لإسرائيل ضد أي هجوم من جانب الجيوش المصرية، وليس مساندة أمريكا لإسرائيل عندما تقوم بضربة لكسر الحصار المصري.
وفي إسرائيل تزايد الشعور بعدم الثقة بالحكومة، وازداد القلق حتى بين صفوف القوات المسلحة نفسها. وطالب الكثيرون بإدخال تغييرات في الحكومة وخاصة في وزارة الدفاع ومنصب رئيس الوزراء.
بل أن بعض الأعضاء الرئيسيين لأكبر حزب (الماباي) فقدوا الثقة برئيس الوزراء وطالبوا بإبعاده. لكن الشخصيات القيادية الرئيسية ـ "جولدا مائير"، "زالمان آران"، شاؤل أفجور"، وآخرون ـ أيدت أشكول وعارضت أي تغيير في وضعه.
تاسعاً: الضغط العام يساعد على تشكيل حكومة وحدة وطنية
في الثالث والعشرين من مايو، اقترح أعضاء الحزب الديني الوطني على الماباي توسيع الحكومة بحيث يشترك فيها حزبا رافي وجحال. وفي اليوم التالي التقى ممثلو رافي وجحال في مكتب "موشي شابيرا" وزير الداخلية لمناقشة إدخال تغييرات في الزعامة الوطنية.
وقد قال "مناحيم بيجين": "كان "أشكول" وزيراً لمدة 5 سنوات في حكومة "بن جوريون" وربما يوافق على أن يكون ذلك هذه المرة أيضاً". ارتاب ممثلو الحزب الديني في ذلك. واقترح "شابيرا" تعيين بن جوريون وزيراً للدفاع لكن "شيمون بيريز" ذكره بأن "بن جوريون" استقال استقالة نهائية في سنة 1963.
وقال "بيجين": "إذا كان "بن جوريون" على استعداد للعودة من جديد رئيساً للوزراء فهو على استعداد للموافقة على ذلك. واستفسر "بيريز" من "بن جوريون" عن إمكانية ذلك، إلا أنه عاد برد سلبي من "بن جوريون".
وعبر "اسحق رافاييل" (الحزب الديني الوطني) عن شكوكه فيما إذا كان حزب التحالف سيوافق على التخلي عن منصب رئيس الوزراء. واقترح "آريه بن إليزر" (جحال) أن يحاول "بيجين" إقناع "أشكول" بدعوة بن جوريون للانضمام إلى الحكومة. وبعد ذلك اقترح "بيجين" أن يوافق "أشكول" على تعيين بن جوريون وزيراً للدفاع في حكومة برئاسة أشكول. لكن أشكول رفض هذا أيضاً وقال: "يعتقد رجال الجيش أن بن جوريون لم يكن ناجحاً كوزير للدفاع.
فلقد ارتكب أخطاء كثيرة تمت تغطيتها". ولم يتوقف ضغط الحزب الديني الوطني على الماباي، وأعلن زعماء عديدون من الماباي أنهم يوافقون على اختيار أربعة أعضاء جدد للانضمام إلى الحكومة. اثنان من جحال، واحد من رافي، و"جولدا مائير" السكرتيرة العامة للحزب. وأعلن المتحدث باسم الحزب رافي أنهم يوافقون فقط إذا أصبح عضو حزبهم "موشي ديان" وزيراً للدفاع.
وفي 25 مايو 1967، نشرت صحيفة دافار الإسرائيلية: "لم تتم أية مباحثات بشأن أي توسع في الحكومة الائتلافية وليس في النية إجراء مثل هذا التوسع" كما أصدر المتحدث الرسمي باسم مكتب رئيس الوزراء تكذيباً رسمياً عن وجود أية مباحثات بهذا الصدد، ووصف تلك الشائعات بأنها لا تستند إلى أساس من الصحة ويعد ترددها ضاراً".
زاد قلق الشعب، بل وبين صفوف الماباي. وقد اقترح وزير الشؤون الدينية الدكتور "زيراً وارهافتيج"، في اجتماع مجلس الوزراء في 26 مايو، انضمام أحزاب جحال ورافي وأجودات إسرائيل إلى الحكومة.
وقال بعض أعضاء الماباي أن اقتراح توسيع الحكومة يعني التعبير عن عدم الثقة بالحكومة. فرد ممثلو الحزب الديني الوطني بأن اقتراحهم يهدف ـ على عكس ذلك ـ إلى تدعيم الحكومة.
أما رئيس الوزراء فقد اقترح اشتراك ممثلي جحال ورافي في لجنة الشؤون الخارجية والأمن، إلا أن وزير العدل أوضح أن الذي يحق له المشاركة في اللجان الوزارية هم الوزراء فقط. واقترح ـ بدلاً من ذلك ـ أن يعين أعضاء رافي وجحال وزراء بلا وزارة. وفي مساء السبت (27 مايو) التقى ممثلو جحال مع ممثلي التحالف. وكان ذلك بعد يومين من اجتماع أمانة الماباي الذي صوت ضد دخول أعضاء من جحال ورافي في الحكومة وقد حدث في الوقت نفسه تغيير في موقف التحالف.
إذ وافق المتحدثون باسم التحالف الآن على انضمام (جحال) و(رافي) وذلك بعد أن وضح لهم وجود اعتبارات قانونية تحول دون اشتراكهم في لجنة وزارية. واستفسرت "جولدا مائير" من ممثلي جحال عن سبب جعلهم دخول الحكومة مشروطاً بدخول "رافي" فأجابوا: "لا يوجد اتفاق بيننا وبين "رافي" على الانضمام معا إلى الحكومة.
بل على العكس، فقد قال لنا "شيمون بيريز" أننا أحرار في الانضمام إلى الحكومة دون رافي. ومع ذلك فإن المشكلة الرئيسية التي تواجهنا هي تلك الخاصة بحكومة وحدة وطنية. وسوف يؤدي الإخفاق في انضمام "رافي" إلى الإضرار بهذا الهدف.
ونحن نعرف أن "رافي" لن ينضم للحكومة إلا إذا أصبح "موشي ديان" وزيرا للدفاع". وقد رد ممثلو حزب التحالف بأن تعيين "ديان" وزيراً للدفاع سيؤدي إلى الانتقاص من مكانة "أشكول"، ومن ثم فلن تكون هناك حكومة وحدة وطنية.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثالث الأربعاء 08 يونيو 2011, 12:28 pm | |
| استدعى رئيس الوزراء إلى مكتبه يوم الأحد 28 مايو "موشي ديان" بعد أن عاد ديان من جولة تفقد فيها خطوط الجبهة. وعرض عليه "أشكول" أن يعينه وزيراً بلا وزارة أو نائباً لرئيس الوزراء، لكن "ديان" رفض قائلاً أنه لن يقبل إلا منصباً له قيمة علمية. وكان يهدف إما تعيينه وزيراً للدفاع، أو يستدعى كقائد لأحد الجبهات القتالية. فرد عليه رئيس الوزراء بأنه سوف ينظر في الأمر.
عاشراً: موشي ديان ينتقد الخطط العسكرية انتقد موشي ديان في مقابلته مع مائير آميت رئيس الموساد خطط عمليات الجيش في مواجهة الأزمة، بعد الجولة الميدانية التي قام بها في الجبهة الجنوبية (في مواجهة مصر) وزيارته للقوات الإسرائيلية، وقد ارتكز اعتراضه على الأسس التالية: 1. نظراً لأن السبب المباشر الذي يدعونا إلى الحرب هو قيام مصر بفرض حصار على المضيق وهذا عمل من أعمال الحرب ضد إسرائيل، فيجب تصوير حملتنا بصورتها الحقيقية: إجراء يهدف إلى إعادة فتح المضيق. وحسب طبيعة الحرب، فإن الحملة سوف تشمل جميع القوات المصرية في سيناء، بما فيها المطارات والمدرعات والتشكيلات الأخرى المتمركزة بين إسرائيل ومصر.
2. يجب أن يكون هدف الحملة هو مواجهة القوة العسكرية المصرية وتدميرها. وينبغي أن يقتصر ذلك على النصف الشرقي من سيناء.
3. رفض الافتراض القائل بأن الاستيلاء على الأراضي والتمسك بها يمكن استخدامه ورقة للمساومة في مقابل حرية مرور السفن. وكان يرفض الاستيلاء على قطاع غزة بكثافته البشرية، ويرفض الاقتراب من قناة السويس، لأنها قد تسبب أزمة دولية. "إن قطاع غزة مثل عش النحل، وقناة السويس مثل عش الدبابير".
كما أن فكرة قفل قناة السويس، وربط فتحها بفتح المضيق فكرة مضللة بصورة خطيرة حيث ستثير كل من يستخدم قناة السويس ضد إسرائيل. وقد طلب مائير أن يعرض وجهة نظر "ديان" على رئيس الوزراء، وقد عرض "موشي ديان" تلك المقترحات على "عيزرا وايزمان" رئيس العمليات، صباح يوم 27 مايو..
حيث قال أن تلك الخطة يمكن تنفيذها من وجهة نظر السلاح الجوي ولكن تواجهه مشكلتان عاجلتان: أولهما رئيس الأركان، إذ أن "اسحق رابين" قد فاجأة منذ عدة أيام بإبلاغه أنه يشعر بأن ينبغي عليه تقديم استقالته. والثانية: هي توقيت الهجوم، لأنه يشعر ما لم نتصرف على الفور، فسيكون الأوان قد فات، وسوف تقوم مصر بتوجيه الضربة الأولى.
وفي الثالثة بعد ظهر اليوم نفسه، كانت أمام الجنرال "ديان" معلومات المخابرات التي طلبها لكي يقدر موقف مصر.. وكانت المعلومات المتاحة للأزمة كلها تتلخص في الآتي:
1. لدى المصريين في سيناء حوالي 900 دبابة، 200 طائرة، وحوالي 80 ألف جندي وتحتشد تلك القوات طبقاً لخطط دفاعية، ولديهم خطط هجومية يمكن تنفيذها بدون إعادة حشد.
2. إن موقف الرئيس "جونسون" رئيس الولايات المتحدة، بناء على اتصالات إسرائيلية معه هو: "أعطونا وقتاً كافياً، وسوف نفتح المضيق، ونضمن حرية الملاحة. وإذا تصرفتم وحدكم، فسوف تكونون وحدكم. وإذا امتنعتم عن الهجوم، وهاجمكم المصريون، فسوف نساعدكم".
3. تحاول الولايات المتحدة استرضاء المصريين، وكان "جونسون" على استعداد لدعوة "عبدالناصر" كما أبلغ السفير الأمريكي في القاهرة، الرئيس "عبدالناصر"، بأن الولايات المتحدة لا تقف إلى جانب إسرائيل.
4. لم يقبل الأمريكيون تقييم إسرائيل للموقف، حيث كانت التعليمات الصادرة "لايبان" أثناء زيارته لواشنطن هي تصوير استعداد المصريين لشن هجوم شامل ضد إسرائيل، وألا يطرح مسألة المضيق بوصفها القضية الرئيسية، ولكن حدث العكس، فقد ركز ايبان على مسألة المضيق.
حادي عشر: خطاب أشكول إلى الشعب الإسرائيلي
في مساء الاثنين الثامن والعشرون من مايو. أذاع "أشكول" خطاباً على الأمة بالراديو. وكان قد مضى أسبوعان منذ بدأت مصر تحريك قوات ضخمة عبر قناة السويس. وكان الجميع ينتظرون الخطاب، وكانت آذان الجماهير في كل مكان ملتصقة بالراديو، حتى يستمعوا إلى تحليل واضح للأزمة وعرض دقيق لتصور الحكومة.
ولكن رئيس الوزراء تعثر أثناء إلقاء خطابه، وتلعثم في نطق الكلمات وكان رئيس الوزراء في أشد الإرهاق وقتها من تأثير الاجتماعات المطولة للكنيست والأحزاب وفي رئاسة الوزراء. علاوة على المشاكل التي تطرح عليه ولا تنتهي..
وكان الخطاب قد أعد على عجل وكتب على الآلة الكاتبة ـ فتضمن أخطاء كثيرة ـ ولم يتسع الوقت لمراجعة "أشكول" للصيغة النهائية!!" ومن هنا فقد استمع الشعب إلى عبارات متقطعة من رجل غير واثق من نفسه. وكان الخطاب مفجعاً وتحول الشك العام والسخرية إلى شعور طاغ بالقلق العميق.
ثاني عشر: مواجهة الجنرالات: 28 مايو 1967
عاد "أشكول" بعد إلقاء خطابه ليجد جنرالات الجيش يطلبون الاجتماع به بصفته وزيراً للدفاع عن طريق رئيس الأركان. ولم يكن منظر أحد عشر جنرالاً، وهم يدخلون مكتب "ليفي أشكول" منظراً يوحي بالاطمئنان. فقد كانت ملامحهم جميعاً مقطبة، وبوادر التحفز ظاهرة على قسمات وجوههم..
وأراد "أشكول" أن يستوعب حماس الجنرالات، فبدأ حديثه بوصفهم أنهم أمل الأمة، وطلب منهم التحدث بصراحة لأن الموقف يقتضي ذلك.
وقد تحولت تلك الصراحة إلى طلقات من الكلمات توجه إلى "أشكول".. بدأها الجنرال وايزمان رئيس العمليات مخاطباً "أشكول": "أن السياسة التي تتبعونها مجلبة للكوارث، وهذا هو رأينا باختصار: "وحاول "أشكول" أن يصطنع الهدوء.. وقال: "كان يجب عليِّ أولاً أن أشرح لكم الموقف"..
فقاطعه "وايزمان": بأن حقائق الموقف معروفة بالكامل، ولا يستطيع أحد أن يضيف عليها شيئاً، والحقيقة الظاهرة لكافة الناس في الجيش وخارجه، هي أن إسرائيل تواجه أخطر أزماتها، بينما قيادة العمل السياسي فيها موكولة إلى أضعف فريق عرفته إسرائيل.
والحقيقة المؤكدة هي أن هناك عجزاً كلياً عن اتخاذ القرار.. وأن هناك عشرات الآلاف ينتظرون في الخنادق وهم لا يطلبون إلا صدور الأمر لهم، بينما الأمر لا يصدر، وإسرائيل كلها تعلم لماذا الأمر لا يصدر.. وكرر "وايزمان" قولاً سبق أن ذكره "شارون" قبل أيام أثناء زيارة "أشكول" للجبهة .. قال: "أن أقوى جيش يهودي منذ أيام الملك داوود موجود تحت إمرتك.. أصدر لهذا الجيش بالزحف، وستدخل التاريخ كواحد من الفاتحين الكبار في وقت يتعرض فيه وجود إسرائيل نفسها للاختبار". وظهر "لأشكول" أن جميع الجنرالات متضامنين مع "وايزمان"، الذي قام بحركة مسرحية بأن خلع نيشان معلق على صدره، وألقاه على مكتب أشكول صائحاً: "أنه لا يعتقد أنه أو غيره يحق لهم الاحتفاظ بأي وسام إذا كان العجز عن العمل هو ردهم على الخطر!! وتدخل الجنرال "اسحاق رابين" رئيس الأركان.. وقال: "أنه لا يستطيع أن يضمن السيطرة على القوات إذا ما تأخر صدور الأمر لها ببدء القتال. وهو يضع تلك الحقيقة كرئيس للأركان، أمام السلطة السياسية لكي تأخذها في اعتبارها وهي تتخذ قرار نهائي".
وأضاف "شارون" بعصبية: "إنني لا أستطيع أن أسيطر على نفسي، فضلاً عن سيطرتي على قواتي. وإذا لم أتلق أمراً بالتحرك، فإني سوف أعتبر نفسي في حل من التصرف، ومسؤولاً أمام التاريخ اليهودي وحده".
وكانت أشد المفاجآت على "أشكول" في هذا الاجتماع، هو ما عرفه أثناء المناقشات الحامية، من أن الجنرالات قرروا في الصباح إرسال مبعوث خاص منهم إلى واشنطن لاستطلاع حقيقة رأيها. فهم لا يثقون في دبلوماسية "ايبان" كما يعرفون حقيقة التزامات الولايات المتحدة، ولا يجدون سبباً إلى تأجيل الوفاء بها.
وكان "أشكول" قد علم أن جنرالاته بعثوا بالجنرال "مائير يآميت" مدير الموساد، والمسؤول عن التنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية وقتها.. كمبعوثاً خاصاً لهم، مكلفاً باستطلاع الرأي كذلك إبلاغ الطرف الآخر بأن إطلاق العنان لها "To Unleash Israel" هي هذه الساعة نفسها، وليست ساعة قادمة. ثم جاءت في النهاية طلبات الجنرالات المحددة:
1. تشكيل وزارة وحدة وطنية تستطيع أن تقود البلاد.
2. تعيين الجنرال موشي ديان وزيراً للدفاع ليستطيع أن يقود الجيش.
3. صدور قرار سياسي يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي أن يتصرف في إطاره الدستوري والقانوني بأسرع ما يمكن، وقبل أن تضيع الفرصة، ويصبح أمن إسرائيل في خطر.
لم يكن أمام "أشكول" ما يقوله، سوى أنه سوف يعيد دراسة الموقف، مع الوزارة والأحزاب، وأنه يؤيد قرارهم بإرسال "آميت" إلى واشنطن، ولو سألوه في هذه المهمة لوافق عليها متحمساً، ولعمل على إنجاحها.. وأنه سوف يرسل إلى واشنطن، ما يؤكد أن "آميت" يمثل إسرائيل كلها.
كان موقف "أشكول" نفسه، لا يختلف كثيراً عن موقف الجنرالات في ضرورة شن الحرب بمبادأة من إسرائيل، ولكنه كانت أمامه العديد من المشكلات السياسية التي اتخذ تجاهها جانب الحذر، كما كان لا يريد التخلي عن منصبه كوزير دفاع، وكان يريد أن يستثمر جهوده منذ عام 1964، الذي طور خلالها جيش إسرائيل وحصل على أكبر صفقات سلاح دخلت مخازن هذا الجيش.
ولكن كان الخوف من انقلاب عسكري ـ في هذه المرة ـ هو السبب الذي أرغم "أشكول" لتلبية مطالب الجنرالات.
ثالث عشر: الصحف الإسرائيلية تهاجم الحكومة "29 مايو 1967"
نشرت الصحف في صباح يوم 29 مايو مقالات انتقدت فيها حديث رئيس الوزراء الذي أذيع بالراديو. فكتبت جريدة هاآرتس المستقلة بعنوان: "مطلوب زعامة وطنية" جاء بها قولها: "خلال حرب الاستقلال كانت هناك حكومة مؤقتة ضمت كل الأحزاب من الماباي اليساري حتى الصهيونيين العموميين اليميني.
هذه الحكومة الائتلافية المؤقتة التي كان الماباي أقلية فيها (إذ كان له أربعة أعضاء فقط في الوزارة المؤلفة من 13 وزيراً) التفت حول رجل واحد استطاع بفضل شخصيته أن يجمع بين منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع وأن يكون مركزاً لتجميع المعلومات السياسية والعسكرية.
وما أكثر ما كان بن جوريون يقابل بالمعارضة القوية داخل الحكومة، وما أكثر ما كان يرضخ لها، ومع ذلك اعترف حتى أولئك الذين عارضوا من آن لآخر بأنه كان يشع الإلهام الذي أضفى قوة على الحكومة وعلى القيادة العسكرية وعلى مجلس الدولة المؤقت وعلى الأمة بأسرها.
إن ما نحتاجه الآن، أولاً وأخيراً، ليس حكومة موسعة كهذه (رغم أنه سيكون من المرغوب فيه إلى حد كبير إلغاء الحظر المفروض على دخول "رافي" وجحال) فزيادة عدد أعضاء الحكومة إلى عشرين وزيراً بدلاً من ستة عشر لا يعني إنقاذنا من الموقف. إذ ما فائدة المستشارين التقليديين طالما بقي المستر "أشكول" رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع.
لو كانت لدينا ثقة بقدرة المستر "أشكول" على توجيه دفة سفينة الدولة في هذه الأوقات المضطربة لكنا قد سرنا وراءه طواعية مختارين، لكن تلك الثقة مفتقدة ويحس الناس بذلك أكثر وأكثر. بل أن عدد هؤلاء الناس قد زاد عقب سماعهم لخطاب المستر "أشكول" في إذاعة إسرائيل الليلة الماضية.
إن المستر "أشكول" لا يصلح في الوضع الحالي أن يكون رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع. صحيح أن تغيير الفرسان في منتصف الطريق أمر صعب لكن هناك سوابق تاريخية كثيرة غيرت فيها الزعامة في مواقف مماثلة لما نحن فيه الآن، فالحكومة بتشكيلها الراهن عاجزة عن توفير الزعامة في وقت الخطر ويجب أن تفسح الطريق أمام زعامة جديدة. كما أن الوقت يتطلب سرعة في التصرف".
رابع عشر: اجتماع الكنيست "29 مايو 1967"
وفي مساء يوم الاثنين 29 مايو، استعرض رئيس الوزراء في الكنيست مرة أخرى أحداث الأسابيع القليلة الماضية: الحشود العسكرية المصرية في سيناء، الانسحاب السريع لقوات الطوارئ الدولية من قطاع غزة وشرم الشيخ، وإعلان عبدالناصر إغلاق مضايق إيلات أمام مرور السفن الإسرائيلية.
قال رئيس الوزراء أنه لا يستطيع ذكر تفاصيل أكثر عن الموقف، ذلك أن أعضاء لجنة الشؤون الخارجية والأمن قد أحيطوا علماً بآخر التطورات وقد أدلى بن جوريون بتصريح للصحفيين بعد انعقاد الكنيست قال فيه: "لست من الذين يرون أن بمقدورهم تغيير الماضي. والأمر الوحيد الذي ينبغي لنا التفكير فيه هو ما يتعلق بالمستقبل العاجل.
إن الكثيرين من الزعماء العرب، وعلى رأسهم الزعيم المصري، يتحدثون ليل نهار عن وجوب القضاء على إسرائيل ـ ليس القضاء على الأمة الإسرائيلية المنتشرة في جميع أنحاء العالم بل ذلك الجزء من الشعب اليهودي الذي يعيش على أرضه. إن هذه التهديدات لا ينبغي تجاهلها. وأود أن أطرح عدة أمور عن تصريف أمور الحرب. إن كل طفل يدرك تماماً أن المرء لا يمكن أن يحارب دون جيش.
ومن حسن حظنا أن لدينا جيشاً يمكن الاعتماد عليه، جيش ـ رغم قصوره العددي ـ لا يقل عن أي جيش آخر في العالم تفانياً واستبسالاً. إلا أنه ينبغي لنا أن نضع في اعتبارنا عاملين في غاية الأهمية:
"إن الجيش في الدولة الديمقراطية لا يتصرف من تلقاء نفسه أو من قادته العسكريين بل يتصرف نيابة عن حكومة مدنية. والأمر الثاني والذي لا يقل أهمية عما سبق هو أن الحرب ليست بالعمليات العسكرية فقط. إن قوات الدفاع الإسرائيلية لم يسبق أن قامت بعمل غير دفاعي.
والآن فإن إغلاق مضايق تيران ـ التي تعتبر ممراً مائياً دولياً ـ أمام السفن الإسرائيلية إنما هو عمل عدواني وعلينا أن ندافع عن أنفسنا ضده بالقوة. إن الحرب الدفاعية لا تتم بالقوة العسكرية وحدها إنما تتطلب عملاً سياسياً أيضاً. ويحتاج توجيه الحرب ـ إذا ما فرضت علينا ـ إلى مسؤولية وذكاء كبيرين على المستويين السياسي والعسكري".
كان الاستياء الشعبي في تزايد. كما كان آباء وأخوة وأخوات وأقارب وأصدقاء الجنود يدركون عدم ثقة الجيش بوزير الدفاع الذي كان في الوقت ذاته رئيساً للوزراء. ونشرت دافار في 30 مايو بياناً للكاتب حاييم هازار قال فيه: "تناشد الأمة قادتها بأن ينبذوا خلافاتهم ويتحدوا في شكل حكومة طوارئ موسعة، حكومة تليق بمكانة جيش إسرائيل وبالقوة المعنوية للأمة.
ويتعين على أولئك الرجال الذين يتسمون بالكياسة ويحظون بالتأييد وغيرهم من ذوي الخبرة والرأي السديد أن يتنازلوا عن امتيازاتهم وخلافاتهم وأن يعملوا معاً في الحكم خدمة لقضية الدفاع. إن قضية الدفاع يصلح لها كل فرد! فهي مسألة حياة أو موت بالنسبة للأمة"!
ونشرت صحيفة هاآرتس كلمة "لاسحاق زيف آف" ـ الذي كان موظفاً مخلصاً بوزارة الدفاع أثناء حرب الاستقلال ـ وجه فيها اتهاماً مريراً "لجولدا مائير" سكرتيرة حزب الماباي ووصفها بأنها "تلك المرأة التي تعتبر حجر عثرة" لتعصبها السياسي المدمر ولعرقلتها للوحدة الوطنية. وأضاف: "أن التعبئة الرائعة للأمة تؤهلها في رأيي لحكومة تعبر عن تلك الوحدة التي لا نظير لها".
وكانت جريدة علهمشمار ـ الناطقة بلسان حزب المابام ـ هي الوحيدة التي ذكرت أن الوقت لم يحن بعد لدخول أعضاء من المعارضة في الحكومة.
ومع ذلك فلقد أدركت الدوائر القيادية العليا في حزب التحالف أن الضغط الشعبي يتزايد من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية. وأعلن رئيس الوزراء أنه ينوي تشكيل "لجنة استشارية" أو "مجلس حزب" يضم أشخاصاً مثل يادين، لاسكوف، ديان، آلون، وذلك لحل مشكلة "الوحدة". وقد أجاب ديان بالنفي عندما سئل عما إذا كان يقبل التعيين في هذا المجلس.
ونصح عدد من كبار الزعماء رئيس الوزراء بأن يعين "إيجال آلون" مساعداً وممثلاً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع. وكاد "أشكول" ينزع إلى الموافقة. واقترحت "جولدا مائير" تعيين "ديان" وزيراً بلا وزارة وذلك أثناء اجتماعها مع ممثلي حزب "رافي".
لكن المتحدث بلسان حزب "رافي" رفض هذا العرض. واجتمع الجنرال "يادين" برئيس الوزراء ونصحه بتعيين "ديان" وزيراً للدفاع، لكن أشكول اقترح صوراً أخرى لتوحيد الصفوف، وظل غير راغب في التخلي عن وزارة الدفاع.
ووصل الأمر إلى حد أن بدأ أعضاء الماباي يطالبون "أشكول" بترك منصب وزير الدفاع وإسناده "لديان". واستمر انعدام الثقة بالحكومة يتزايد. وطلعت هاآرتس بمقال عنوانه: "الحكومة العاجزة يجب أن تستقيل".
وقال عدد كبير من وزراء الماباي بإبلاغ "أشكول" بازدياد السخط بين أفراد الشعب بل وبين أعضاء التحالف. وفي مساء يوم 30 مايو التقى رئيس كتلة التحالف ـ موشي بارام ـ بأعضاء تلك الكتلة في مبنى الكنيست وطالب بحضور رئيس الوزراء لذلك الاجتماع. أعلن "أشكول" في بادئ الأمر أنه لن يتمكن من الحضور، إلا أنه جاء بعد أن حذره بارام من أن الحزب سيتمرد عليه إذا لم يحضر فحضر.
وفي اليوم التالي، الموافق 31 مايو، اجتمعت "جولدا مائير" مع رئيس الوزراء. وكانت الكآبة تسيطر عليهما بسبب ازدياد المعارضة لبقاء "أشكول" وزيراً للدفاع، ووافق على الانضمام للأقلية المؤيدة لاختيار "إيجال آلون" لذلك المنصب.
وفي المساء، التقى "أشكول" "بديان" في مكتب رئيس الوزراء بتل أبيب واقترح تعيينه نائباً لرئيس الوزراء لكن "ديان" رفض قائلاً: "ما لم أعين وزيراً للدفاع فإنني أفضل أن أخدم في الجيش في أي منصب يراه رئيس الأركان مناسباً. وعندما سأله "أشكول": "مثل ماذا؟ رد عليه "ديان" قائلاً: "قائداً للجبهة الجنوبية نظراً لأنه يعرف سيناء جيداً.
رأى "أشكول" أن ذلك من شأنه حل المشكلة وعليه فقد استدعى رئيس الأركان الجنرال "اسحق رابين" لبحث إمكانية تعيين ديان قائداً للجبهة الجنوبية.
وفي المساء أبلغ أشكول اللجنة السياسية للتحالف أن ديان بات موضع اعتبار وسوف يصبح قائداً للجبهة الجنوبية. واجتمعت أمانة الماباي في القدس في نفس اليوم ولم تكن قد علمت بعد بالاتفاق الجديد الذي توصل إليه "أشكول" وبعد نقاش حاد صوتت أغلبية كبيرة لصالح التوصية بتعيين "ديان" وزيراً للدفاع. ولكن كان رأي رئيس الوزراء هو أن يصبح "إيجال آلون" بمقتضاه وزيراً للدفاع "وديان" قائداً للجبهة الجنوبية.
وفي الساعة 9:45 مساء يوم 31 مايو عقد مجلس الوزراء اجتماعاً في كيريا بتل أبيب. وأعلن "أشكول" أن اللجنة السياسية للماباي قررت فصل منصب وزير الدفاع عن رئاسة الوزارة حتى يخف العبء عنه في الظروف الطارئة الحاضرة. وسوف يسند منصب وزير الدفاع إلى "آلون"، وبالنسبة "لديان" فلقد ترك له حرية الاختيار بين أن يكون نائباً لرئيس الوزراء أو قائداً، فاختار العرض الأخير. كان وزراء الحزب القومي الديني غاضبين لهذا المقترح؛ إذ أصروا على أن يكون "ديان" وزيراً للدفاع وإلا فلن تكون هناك حكومة وحدة وطنية. وهدد "شابيرا" بانسحاب الحزب القومي الديني من الحكومة.
وطالب الوزير "موشي كول" (من الليبراليين المستقلين) بأن يكون "موشي ديان" وزيراً للدفاع. وفي الساعة الحادية عشرة من مساء ذلك اليوم جاء أحد موظفي مكتب رئيس الوزراء وأبلغ "بيريز" سكرتير "رافي" أن "ديان" وافق ـ في حديث مع رئيس الوزراء ـ على أن يقبل منصب قائد في الجيش. وفي اليوم التالي، الخميس أول يونيه، اتصل "بيريز" تليفونياً "بديان" وسأله ما إذا كان صحيحاً أنه رفض منصب وزير الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية. فرد ديان قائلاً أن ذلك ليس صحيحاً، وأن كل ما قاله "لأشكول" في اليوم السابق هو أنه إذا لم يعين وزيراً للدفاع فإنه مستعد للخدمة في الجيش على إحدى الجبهات.
ومع ذلك فلقد أمكن تسوية المسألة في نفس اليوم، أول يونيه 1967. إذ أعلن "آلون" أنه لن يقبل منصب وزير الدفاع، ومن ثم فقد أسند إلى "ديان"، وبذلك أمكن تشكيل حكومة واحدة وطنية رغم معارضة الزعامة العليا للماباي. وسبق هذا القرار اجتماعات ومناقشات بين زعماء الأحزاب المختلفة.
وقد تظاهرت النساء في الشوارع وكن يصحن: "من أجل الأمن القومي ـ لا رجل إلا ديان". وفي الساعة الثالثة بعد الظهر زار الوزير "كول" رئيس الوزراء وطلب منه أن يقبل ديان كوزير للدفاع.
وتقدم الجنرال "يادين" بنفس الطلب، وقد ازدحمت شقة "أشكول" بأناس يطالبون في صخب بأن يتولى "ديان" وزارة الدفاع. وعند الغروب دعا "أشكول" "ديان" إلى مكتبه وطلب منه أن يقبل منصب وزير الدفاع.
وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء الأول من يونيه 1967، اجتمع أعضاء حزب "رافي" بمنزل "بن جوريون" بتل أبيب دون علم منهم بهذا التطور الجديد. وقال بيريز: "إن بن جوريون" قد اختار "ديان" بوصفه أفضل مرشح؛ كما زكاه باعتباره رجلاً يتمتع بخصائص بارزة. "فموشي" يعتبر أنسب رجل لتوجيه أمور الحرب في ظل نظام حكمنا هذا.
وتعيين "ديان" في هذا المنصب يعد مصدراً لرفع معنويات القوات المسلحة والشعب. واقترح أن يصدق حزب "رافي" على تعيينه وأن يدعو له بالتوفيق وطلب "بن جوريون" الكلمة حيث قال: "بعد أن فكرت ملياً في الأمر، أرى أن يوافق "رافي" على تعيين "موشي ديان" وزيراً للدفاع".
أما الموجي ( حزب رافي ) فكان الوحيد الذي أصر على عدم وجوب انضمام "ديان" لحكومة "أشكول" وقال: "أن دخول ديان الحكومة إنما هو أشبه بدق لوح من الخشب في باب الكنيسة لجعله أكثر قوة وصلابة". وهنا طلب "بن جوريون" الكلمة مرة أخرى فقال: "إنني أفهم ما يقصده الموجي، والسبب في أني غيرت رأيي. فلقد قيل لي أن دخول "ديان" أمر ضروري لاستعادة ثقة الجيش بقيادته الوطنية.
ويجب أن تتوفر الثقة لدى الجيش، وهذا سيتحقق إذا أصبح "ديان" وزيراً للدفاع. ويصدق نفس الشيء بالنسبة للأمة. سيظل "أشكول" رئيساً للوزراء إلا أنه لن يكون على الأقل وزيراً للدفاع". مع حشد القوات المصرية في سيناء، فقد كان رأي معظم القادة الإسرائيليين، هو أن إسرائيل سوف تضطر إلى الرد عن طريق القيام بعمل عسكري، وأن الخطوة المباشرة لهذا العمل يجب ألا يكون الاستيلاء على المضيق عن طريق احتلال شرم الشيخ، بل من خلال حمل العدو على الدخول في معركة وهزيمته هزيمة منكرة في موقع مناسب لإسرائيل، وبعد ذلك يتم توسيع نطاق العمليات جنوبا لتصل إلى المضيق.
وقد اجتمعت القيادة العامة في تل أبيب يوم 23 مايو، وقررت `مؤقتا` أن يكون الهجوم بعد انقضاء 72 ساعة على إغلاق عبدالناصر لمضيق تيران، وصدور التصريح لشن غارات جوية على المطارات المصرية والاستيلاء على قطاع غزة (ولكن ذلك لم يتحقق)
خامس عشر: إعلان حكومة الوحدة الوطنية
وفي الساعة التاسعة والنصف مساء الأول من يونيه 1967، اجتمع مجلس الوزراء للموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد دخول "ديان" وزيراً للدفاع. وهنأ "أشكول" الأعضاء الجدد على تحملهم عبء المسؤولية الوطنية.
وبدأت حكومة الوحدة الوطنية عملها على الفور حتى قبل أن يوافق الكنيست عليها (بدأت الحكومة مهامها اعتباراً من أول يونيه، بينما صدق الكنيست في الرابع من يونيه). وفي جلسة الكنيست فقد أدلى رئيس الوزراء "أشكول" بما يلي: "السيد رئيس الكنيست، السادة الأعضاء المحترمون:
أعلن على حضراتكم القرارات التالية:
وفقاً لقانون الفترات الانتقالية ولمواد معينة منه: 1. يشرفني أن أعلن أن الحكومة قررت الموافقة على طلبي بالإعفاء من منصب وزير الدفاع فور موافقة الكنيست على تعيين عضو الكنيست "موشي ديان" كوزير للدفاع، وذلك وفقاً للجزء 11ـ ج من قانون الفترة الانتقالية الصادر عام 1945.
2. كما يشرفني أن أعلن أن الحكومة قد قررت تعيين ثلاثة من أعضاء الكنيست هم: "مناحيم بيجين"، و"جوزيف سابير كوزيرين بلا وزارة، وموشي ديان كوزيراً للدفاع"، وذلك وفقاً للجزء 11ـ د من قانون الفترة الانتقالية الصادر عام 1945.
3. أن عضو الكنيست "زفي دينشتاين" لم يعد يشغل منصب نائب وزير الدفاع وذلك وفقاً للجزء 11ـ أ( ب ) من القانون الانتقالي الصادر عام 1949.
وأطلب من الكنيست أن يصدق على قراري بانضمام أعضاء جدد للحكومة. وفي الكنيست صوتت الأغلبية لصالح اقتراحات الحكومة بينما اعترض عليها ثلاثة. وجاءت تلك الموافقة يوم الأحد الرابع من يونيه.
وبدأت الحرب يوم الاثنين الخامس من شهر يونيه عام 1967.
وفي الحال وقع "بيجين وسابير" إعلاني الولاء. وأعلن رئيس الكنيست أن "ديان" سيوقع في أقرب فرصة إعلان ولائه، لكنه باشر مهام منصبه فوراً حسبما يقضي قانون الفترة الانتقالية، بخاصة بعد أن صدق الكنيست على تعيينه. ولم يحضر الوزير "ديان" اجتماع الكنيست لانشغاله بالحرب التي بدأت صباح اليوم التالي. هذا وقد عين "ديان" الجنرال "زفي تسور" نائباً له.
منقول من موسوعة مقاتل من الصحراء |
|