| عيسى بن مريم (عليه السلام) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:44 pm | |
| أولاً: الحياة السياسية والدينية والفكرية قبل ظهور السيد المسيح (عليه السلام) دخلت فلسطين في حوزة الدولة الرومانية سنة 56 ق. م، ورغم ذلك لم يستقر الأمر لهذه الدولة للتنازع بين الرومان والفرس لمدة 20 سنة وانتصار كفة الرومان، وتعيينها ملكاً يُسمى هيرود على السامرة والجليل، الذي حاول التقريب بين الفئات من الروم والفرس، وقام ترميم الهيكل، إلا أنه مات مغضوباً عليه من أبنائه الثلاثة بعدما أحرق العديد من الشعب هو وأخته، وقُسمت البلاد بين أبنائه.
فكانت الجليل مكان ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) في ملك هيرود الثاني أنتيباس، الذي أصدر أمراً بالإحصاء العام لتحقيق السيادة القيصرية عليهم، واحتسابهم عبيداً لقيصر مع دفع الجزية له، (كان ذلك سبباً لتدبير مكيدة للسيد المسيح ليسألوه أمام جمهور الشعب عن أداء الجزية هل تجوز أو لا تجوز، فكان جوابه "أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله")، وبهذا كان اليهودي يؤدي ضريبتين إحداهما للهيكل والأخرى للدولة، فهو عبء شديد على الفقراء، بينما كان الجباة أو العشارون يأخذون لأنفسهم شيئاً غير الذي يسلمونه للملتزم، والملتزم يأخذ شيئاً غير الذي يسلمه لخزانة الدولة، ما جعل طائفة العشارين بغيضة إلى الشعب، وقد أنكر الشعب ذلك على السيد المسيح، لأنه كان يخاطب العشارين ويدخل بيوتهم.
كانت الطوائف اليهودية في عصر الميلاد: الصدوقيين، والفريسيين، والآسيين، والغلاة السامريين، والنذريين. 1.الصدوقيين كانوا يتولون الكهانة منذ عهد داود وسليمان عليهما السلام، فهم الأغنياء، وكتُبهُم لا تذكر البعث، بل كانوا أشد الناس عداوة للسيد المسيح (عليه السلام) فهم لا يؤمنون بالروح أو الملائكة أو القيامة.
2.الفريسيون، أقوى من الصديقيين في العدد وشيوع المبادئ، وحسن السمعة، فهم يمثلون عامة الشعب، بل كانوا يثورون على السلطان والهيكل وعلى البدع الأجنبية، ثورتهم الأولى عام 168 ق.م، فهم متدينون مسامحون.
3.الآسيون أو الآسيتيون، تساوي الطوائف السابقة في العدد، ويعيشون في جنوب فلسطين، مستقلين عن الهيكل في شعائرهم وعبادتهم، فهم نباتيون لا يذبحون الحيوانات، وهم يتطهرون من الحدث، ويصلون عند الفجر، ولا يعملون يوم السبت، ويحترفون الزراعة والحرف اليدوية، وهم مؤمنون بالقيامة وينتظرون المسيح المُخلِّص، وغلاتهم كانوا في الجليل، بل لقد رفضوا الإحصاء من الحاكم السوري؛ حتى لا يكونوا عبيداً لقيصر عام 7 ق.م.
4.السامريين، خليط من اليهود والآشوريين، أغلبهم من سبايا بابل وعادوا لفلسطين، بنوا لهم هيكلاً خاصاً في بلدهم يتعبدون فيه ويحجون إليه، بخلاف هيكل بيت المقدس لمدة 200 سنة ق.م، ثم هدمه الكهان وبعدهم الرومان بعد ثورة السامريين في القرن الخامس الميلادي، وأقيم محله مدينة نابلس الحالية بفلسطين، ولهم شأن في فكرة الخلاص، وهم يُنسبون إلى يعقوب ويدعون أنهم، دون غيرهم، الجديرون باسم (الإسرائيلي).
هكذا بدأ عصر الميلاد وسلطان الهيكل يتداعى، وكانت وظائف الكهانة فيه موقوفة على سلالة هارون فقط، فكان منهم جماعة يسجلون الأسفار الدينية (جماعة الكتبة)، أو فقهاء الدين وهم من الفريسيين، بل كان الكثير من الكهان مشتركون في صناعة الكهانة، ولكنهم لا يعملون بالهيكل.
ولمَّا ولد السيد المسيح (عليه السلام) كانت وظائف الهيكل مصفاة في المجمع المقدس "السنهدريين" بعدد 71 عضواً ويرأسهم أحد الصدوقيين، يتألف المجلس المخصوص من 23 منهم، ويتصل أعضاؤه برجال الدولة، وهو في النهاية منفذ لقرارات الحاكم الروماني.
في هذا الوقت رُفعت القيصرية إلى مقام الربوبية والعبادة، فخلع على القيصر لقب إله، وقُرِّرت عبادته مع الإله.
ورغم هذا فلم تحقق الدولة الرومانية سيادة دينية كما جرى في أطوار التاريخ السابق، بل حدث النقيض، فلقد غلبت عقائد الشرق على روما وأتباعها، فكان الشرق يحظى بسحر عظيم في نفوسهم لأنه مهبط الرسالات، بل كان الكهنة في الغرب يحلقون رؤوسهم محاكاة للكهنة المصريين، وخرجت من مصر نِحْلَةَ قوية هي نِحْلَةَ المُتنطسين على مقربة من الإسكندرية، ويُعَدّ شيوع هذه النِّحَلِ علامةً على طلب الاعتقاد الصحيح، وإحساس المخلصين المستعدين للإيمان بما يُحيط بهم من الخواء في جو التقاليد والمعتقدات.
بل لقد بدأ في هذا العصر ترجمة التوراة العبرانية إلى اللغة اليونانية في القرن الثاني قبل الميلاد، ثم كانت في عصر الميلاد اللغة الآرامية هي اللغة التي بشر بها المسيح (عليه السلام) تلاميذه.
وكانت اللغة اليونانية هي لغة الأناجيل، والسريانية هي لغة التوراة والإنجيل معاً.
أمَّا المذاهب الفكرية التي كانت مشهورة فهي الفيثاغورية، والأبيقورية، والرواقية، وكانت جميعها تتلاقى في غاية واحدة هي طلب السكينة والراحة، وقد نشأت جميع هذه المذاهب بين قبرص وآسيا الصغرى.
بينما كانت الفيثاغورية تؤمن بتناسخ الأرواح، وقيل عنهم إنهم لهم أغراض سياسية، ومتآمرون على الدولة، كان المذهب الرواقي يعتمد الصبر على الشدائد والعفة عن الشهوات، لأنهم كانوا يؤمنون بأن الوجود كله له أصل واحد، ولذا تقاسم المذهب الرواقي والأبيقوري أفكار المُعدمين والعامة في فلسطين.
وكانت النتيجة لهذا الجو السيئ أن ساءت العلاقة بين طوائف الأمَّة، واتَّسَمَ العصر كله بالعصبية بين الحاكم والمحكوم، وأصبح أبناء الأمة الواحدة طوائف تشيع فيها التهم، وتعمها البغضاء، فجاءت دعوة المسيح (عليه السلام) في أوانها، شعارها تيسير التوبة للخاطئين، وتمهيد سبل الرجاء في الغفران، فهي رسالة قائمة على اجتناب التشريع، واجتناب التعرض له بالإبطال أو الإبدال، فكان همه هو الإصلاح النفسي، بتغيير البواعث لا تغيير المقادير.
وقد مضى السيد المسيح (عليه السلام) في دعوته زمناً ولم يذكر لتلاميذه أنه هو المسيح الموعود.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:46 pm | |
| ثانياً: ميلاد المسيح (عليه السلام) رأينا سابقاً اللفتة الطيبة من مريم العذراء العابدة في بيت الله تعالى إلى زكريا (عليه السلام) بقولها له: (إنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاَءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: الآية 37)، حينما كان الله يأتيها بالرزق غير الذي يجئ به زكريا (عليه السلام) من غير أسباب، فكأن الله أراد للتجربة أن تكون من ذاتها لذاتها، لأنها ستتعرَّض لشيءٍ يتعلّق بعرض المرأة وبشرفها، فكان لابد أن تعلم مُسبقاً أن الله يرزق مَن يشاء بغير حساب، وبدون أسباب، فإن جاءت بولدٍ من غير أبٍ، فلتعلم أن الله يرزق مَن يشاء بغير حساب، واستفاد من ذلك زكريا (عليه السلام) في طلبه أن يهبهُ اللهُ ولداً، ووهبهُ اللهُ غلاماً بدون أسباب من خصوبته في التلقيح ومن تلقي امرأته.
تركت السيدة مريم العذراء أهلها والناس، واتخذت حجاباً يسترها عمَّن يَمُرُّ عليها في هذا المكان، حتى إنها عزلت نفسها عن دنيا الناس، واكتفت بأنسها بالحق سبحانه وتعالى تعبده في ذلك المكان من ناحية الشرق لبيت المقدس، مدينة بيت لحم لتفاؤل قومها بالنور حين يأتي من المشرق.
فأرسل الله أمين الوحي جبريل (عليه السلام) فتمثل لها في صورة إنسان كامل لأنه لا يمكن أن يلتقي الملك بملكيته مع البشر ببشريته، وذلك من أجل الإيناس لأن الناس لم يروا الملائكة، وليثبت الحق أن مريم طاهرة عفيفة شريفة، بدليل أنها لما رأت هذا الإنسان الوسيم السوي التجأت إلى الله سبحانه وتعالى مخافة أن يريدها هذا البشر لنفسه وأن يعتدي عليها وهي امرأة ضعيفة، فاستعاذت بالله، بل خوفته بالله عز وجل، فقالت له: إن كنت تقياً فابتعد عني، بل كان عندها الأمل أن تحفظها رحمة الله، وتقيها من هذا الرجل، فقال لها: أنا لست قادماً من تلقاء نفسي ولكني رسول من عند ربك ليعطيك (ليهب) غلاماً ذكياً طاهراً من الذنوب والمعاصي كثير البركات، وهو عيسى (عليه السلام).
فقال في ذلك المواردي: إن جبريل (عليه السلام) نفخ في جيب درعها الذي وصل إلى الفرج فحملت، وقد بَيَّنَ اللهُ تعالى أن هذا النفخ في فرجها في قوله تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِيَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا) (التحريم: الآية 12).
ورغم علمها بأنه هبة من الله، وكان المفروض ألا تسأل عن الأسباب؛ إلا أنها استغربت؛ لأنها لم تتزوج، ولم يمسسها بشر بطريق الحلال، ولا بطريق الحرام، معاذ الله تعالى، والمقصود بكلمة (المس) إذا جاءت في القرآن فمعناها النكاح، فرد عليها الملك بأن الله خلق عيسى (عليه السلام) من أم بدون أب، وهذا شيء هين على الخالق سبحانه، وأن الحق سبحانه يريد أن يجعل خلق عيسى (عليه السلام) آية للناس، فالله تعالى خلق آدم (عليه السلام) من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى إلا عيسى (عليه السلام) فإنه أوجده من أنثى بدون ذكر.
وذلك قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ ءَايَةً) (المؤمنون الآية 50).
قوله تعالى: (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عمران: الآية 59)، وقد يكون الذكر والأنثى، ولا يحدث التكاثر لأن الأمر كله لله تعالى، فهو سبحانه يهب لمن يشاء، ويجعل من يشاء عقيماً، فالكل تبع لإرادة الله سبحانه، وكل ذلك رحمة من الله عليكِ، بهذه الكرامة، وعلى قومك بالهداية والدعاء إلى عبادة الله وتوحيده، فيهتدون بهديه، ويسترشدون بإرشاده، وهذا الأمر كله قُدر في علم الله تعالى وقدرته ومشيئته.
وذلك قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً (16) فَاتّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنّيَ أَعُوذُ بِالرّحْمَـَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لّلْنّاسِ وَرَحْمَةً مّنّا وَكَانَ أَمْراً مّقْضِيّاً) (مريم: الآيات 16-21).
لمَّا شعرت السيدة مريم العذراء بالحمل في بطنها، خشيت أن يطلع أحد على سرها، فاتخذت مكاناً بعيداً عن قومها، ومع إحساسها ببداية المخاض ألجأها ألم الولادة إلى جذع النخلة، تستند إليها من شدة الألم، وكانت هذه النخلة معروفة، ومن خوفها الشديد أن يرى الناس الغلام، ويواجهونها بأقوالهم وتصرفاتهم المبيتة على سوء الظن، تمنت أن تكون قد ماتت قبل أن يحدث هذا الأمر، لما عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود، على الرغم من نهي الله لنا عن هذا التمني، وهي تعلم أن الناس لا يحملون أمرها على السداد، فلحقها فرط الحياء، وخوف اللائمة إذا بهتوها، وهي تعلم براءة ساحتها.
فكأن مريم عليها السلام قالت: يا ليتني كنت شيئاً تافهاً، لا يعرفني أحد، ولا يذكرني أحد، وذلك قول الحق سبحانه: (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىَ جِذْعِ النّخْلَةِ قَالَتْ يَلَيْتَنِي مِتّ قَبْلَ هَـَذَا وَكُنتُ نَسْياً مّنسِيّاً) (مريم: الآيتان 22، 23).
فقال لنا الحق من رحمته بأحبائه في هذا: (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (24) وَهُزّىَ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِيَ إِنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمَـَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً) (مريم: الآيات 24-26)، حيث ناداها وليدها الذي وضعته تحتها، قائلاً لها: لا تحزني، إن ربك قد جعل تحتكِ سريا، والسري هو النهر الذي يجري ماؤه زلالاً ويقول في ذلك ابن عباس: كان ذلك نهراً قد انقطع ماؤه، فأجراه الله تعالى لمريم، والطعام هو رُطب النخلة التي أمرها الله بهز جذعها، فكان ذلك تأكيداً للمعجزة العظيمة، أعطاها الله سبحانه الطعام والشراب؛ لأنه سبحانه هو المُقيت، فهو الذي يعطي كل شيء قوته.
ثم نرى الحق يعلمنا أن نأخذ بالأسباب دائماً، ثم نتوكل على رب الأسباب سبحانه، فقد أمرها بهز جذع النخلة، مع أنها في حالة مخاض ومتعبة ومتألمة، وجاءت إلى النخلة لتستتر بها، فكيف تهزها وهي في هذه الحالة من الضعف والألم، مع أن أقوى الرجال لا يقدر على ذلك، هكذا أعطى سبحانه وتعالى قوام الحياة المادية لمريم العذراء من طعام وشراب، وكان ذلك الطعام من الرطب الجني، الذي لم يجف ولم ييبس، ولا يبعد عن يد مجتنيه، وهو أفضل شيء للنفساء، ولكنها بقيت في حزنها، وتمنيها الموت لصعوبة هذا الموقف، وكيف ستواجه قومها بهذه الفضيحة في نظرهم؟.
قال لها الحق سبحانه قري عيناً، أي لا تحزني، ولتقر عينك بما أنت فيه، وبرؤية الولد النبي، فليس هناك أجمل من أن يصطفيكِ الله ويجعلك سيدة نساء العالمين.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ) (سورة آل عمران: الآيتان 42، 43)، فكان اصطفاء الله لها ليشيع اصطفاءه بين الناس، ولمصلحة الناس، وتنزيه لها من الله مما يقع على نظيره من الاختيارات، بل أمرها أن تشارك الناس في عباداتهم، وأن تركع معهم شكراً على هذا الاصطفاء، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) (الترمذي: 3813، أحمد: 11942)، وأراها الحق بأنها إذا رأت أحَداً من البشر وسألكِ عمَّا أنتِ فيه، أن تقول إني نذرت للرحمن صوماً عن الكلام فلن أكلم أحداً، ومريم يمكنها أن تشير إلى من يسألها بما يفهم منه أنها صائمة عن الكلام.
لمَّا اطمأنت مريم عليها السلام بما رأت من الآيات، وفرغت من نفاسها، أتت قومها ومعها وليدها في المكان الذي كانت به، وذلك لأن معها الحجة والبرهان والسلامة لموقفها، والثقة من تأييد الله تعالى لها.
فلمَّا رأوا الولد معها حزنوا لأنها من أهل بيت صالحين، فأنكروا عليها ذلك، وقالوا لها: يا مريم، لقد جئت أمراً غريباً جديداً لم تُسبقي إليه، فهم عرفوها عابدة قانتة فكيف يحدث ذلك منها؟ وهم يعلمون أنها غير متزوجة، وأن أباها لم يكن رجلاً سيئاً، ولا أمها كذلك، فمن أين جاءت بِهذا؟ فقابلتهم بوجه الواثقة من البراءة، وذلك لثقتها بنصر الله ومعونته، فلما كثرت الأسئلة عليها وكثر الاستنكار من القوم ماذا فعلت؟
قال تعالى: ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) (سورة مريم: الآية 29)، فقد أشارت إلى وليدها، وكأنها تقول لهم: اسألوه، وهذا دليل لمعرفتها بأنه سيتكلم، لأنه سبق أن كلمها، فاطمأنت على أن تحمله إلى القوم، لأنه دليل براءتها، فلما أشارت إليه استغرب القوم وقالوا: ( قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) (سورة مريم: الآية 29) وقالوا هل نحن مجانين حتى نكلم طفلاً رضيعاً؟! لكنَّهم انبهروا انبهاراً فتت قواهم، بل اختلت موازين حقدهم لهول المفاجأة عندما رأوا وسمعوا عيسى بن مريم (عليه السلام) وهو طفل في المهد يتكلم (قَالَ إِنّي عَبْدُ اللّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (سورة مريم: الآية 30).
فاليهود رغم أن الأمر كان بأيديهم فلقد رموها بالزنا، كما في قوله تعالي: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىَ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً) (سورة النساء: الآية 156) وهو ما في التوراة بأن من يزني يجب أن يُرجم، فلماذا لم يُرجموها؟ لأن المفاجأة كانت شديدة عليهم حتى ألجمتهم.
أمَّا النصارى فالأمر أغرب عندهم، لِما تراه من خلو الأناجيل التي بين أيدينا الآن من هذه الواقعة؟ لأن رضيعاً يتكلم في المهد معجزة بكل المقاييس، وأن هذه الكلمات لابد وأنها رائعة من طفل يتكلم، وعلى الرغم من حفظ جنود الله لهذه الكلمات منذ أن قالها عيسى (عليه السلام) وحتى تقوم الساعة، لم تذكر الأناجيل ذلك حتى لا تسألهم ماذا قال؟ فيكون الرد بلا حرج (إِنّي عَبْدُ اللّهِ) (سورة مريم: الآية 30) وهذا ينفي أنه إله كما يزعمون.
فوجئ القوم بما تحمل مريم، ثم استنكروا الكلام مع طفل رضيع، ثم نَطَق عيسى (عليه السلام) قائلاً لهم: (قَالَ إِنّي عَبْدُ اللّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيّاً) (سورة مريم: الآيات 30- 32).
فكأن المسيح (عليه السلام) يقول لهم لا تتكلموا أنتم ولكن أنا الذي سأتكلم، واستهل قوله بعبوديته لله تعالى، دليل على أنه ليس إلهاً أو شريكاً للإله سبحانه، بل أضاف أن الله أعطاه الكتاب، وهو ما زال طفلاً في مهده؟ قالوا: كأن هذا أمراً ثابتاً مفروغاً منه، ومعنى ذلك أن الوليد أهل لأن يتحمل أمانة السماء والأرض، وجعله نبياً ذا سلوك قويم، بل جعله الله مباركاً أينما كان، فهذه الصفات هي أنه عبد الله، آتاه الله الكتاب، والكتاب لم يأت بعد، ولكنه سينزل في المستقبل، ولأنه لا يتكلم إلا عن الحق سبحانه وتعالى، فلا بد وأنها مُلقَّن من قِبل الله تعالى الذي سيعطيه هذه الأشياء.
هكذا وُلد السيد المسيح (عليه السلام) بأرض الجليل المعروفة قديماً باسم "كنعان"، والتي أطلق عليها اليونان اسم "فينيقية" من لونها الأحمر، وقد امتازت قديماً بالموانئ الصالحة ووقوعها على طرق التجارة، وكان أهل الجليل ومعظمهم من العرب، أهل سماحة دينية، ويتكلمون باللغة الآرامية. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:47 pm | |
| ثالثاً: صفات نبي الله عيسى (عليه السلام) 1. صفاته (عليه السلام) في القرآن الكريم قال الله تعالى: (قَالَ إِنّي عَبْدُ اللّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيّاً) (سورة مريم: الآيات 30- 32) هكذا كان حديثه (عليه السلام)، مبتدِئاً بتنزيه ربه تعالى، حيث برأه عن الولد، وأثبت لنفسه العبودية لربه وتبرئته لأمه مما نُسب إليها من الفاحشة، وقد أخبره الله ما هو كائن من أمره إلى أن يموت, ما أبينها لأهل القدر, وأمره ببر والدته، بعد طاعة ربه لأن الله تعالى كثيراً ما يقرن الأمر بعبادته بِطاعة الوالدين، وقال إن الله لم يجعله جباراً، مستكبراً عن عبادته وطاعته وبر والدته فيشقى بذلك، وأن الله جعله مباركاً، وشرع له العبادات والشرائع من صلاة وزكاة... إلخ.
قال تعالى: (وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) (سورة مريم: الآية 33)، وهذا إثبات منه لعبوديته لله عز وجل، وأنه مخلوق من خلق الله، يحيا ويموت ويُبعث كسائر خلقه، ولكن له السلامة في هذه الأحوال، التي هي أشق ما يكون على العباد، وصلوات الله عليه وسلامه.
فيوم ميلاده (عليه السلام) كان سلاماً ولم يؤذ قومه ووالدته، والسلام عليه يوم يموت، لأنهم سيأتون ليأخذوه بغية صلبه وقتله، وبعد ذلك يُشبه لهم أنهم صلبوه وقتلوه، لكنَّ الله تعالى نجاه منهم ومن كيدهم، ورفعه إليه سالماً من كل سوء، فهذه الآية فيها إثبات السلام والأمن له من الله في كل أحواله، بل وذكر السلام على نفسه يوم يُبعث حياً، وذلك لأنه الوحيد الذي سيسأله الله هذه الأسئلة وهي قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَأُمّيَ إِلَـَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سورة المائدة: الآيتان 116، 117).
فالحق سبحانه يعلم أن عيسى (عليه السلام) لم يقل لهم إلا ما أمره الله عز وجل به، ولكن هذا تقريع لمن يزعمون أنهم أتباعه، وقد حرفوا رسالته وجعلوه إلها من دون الله بزعمهم.
ثم يقول الله سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقّ الّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ (34) مَا كَانَ للّهِ أَن يَتّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (سورة مريم: الآيتان 34، 35).
هذه قصة عيسى بن مريم (عليه السلام) يخبرنا بها الحق سبحانه وتعالى، وهو يقول لنا: اتركوا هذه الأقاويل الباطلة وخذوا الكلام من الحق سبحانه لأن قول الحق هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أي أن ذلك الموصوف بتلك الصفات هو عيسى بن مريم (عليه السلام) من غير شك ولا مرية، بل قول الحق، وكلام الله الذي لا أصدق منه قيلاً، ولا أحسن منه حديثاً، فهذا الخبر اليقيني عن عيسى بن مريم (عليه السلام) أو ما قيل فيه من شك ويمارون فيه بشكهم ويجادلون بتخرصهم، من قائل عنه أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علواً كبيراً، فقوله: (مَا كَانَ للّهِ أَن يَتّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (سورة مريم: الآية 35) فلا يجوز أبداً أن يتخذ من عباده ومماليكه ولداً؟!!
فهو مُنزه عن ذلك، سبحانه، تنزه وتقدس عن الولد، والنقص من الأمور الصغار والكبائر، فلا يمتنع عليه ولا يستصعب أن يقول للشيء كُن فيكون، فإن قدرته ومشيئته نافذة في العالم فكيف يكون له ولد؟!! وكيف يستبعد أن يوجد عيسى بن مريم (عليه السلام) من غير أب!! فسبحانه هو القوي، واتخاذ الولد قضية منفية بالنسبة لله سبحانه وتعالى، لأن الله حي لا يموت، والله لا يحتاج معونة أحد، لأنه الإله المُعين الذي يحتاج إليه كل أحد، ولا يحتاج هو إلى أحَدٍ.
وهذا قوله تعالى: (مَا كَانَ للّهِ أَن يَتّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (سورة مريم: الآية 35).
فالله تعالى مُنزه قبل أن يخلق الذين يسبحونه، وبعد أن خلق الخلق سبحوا لله، بل استمر تسبيحهم، فكل ما في الكون يُسبح لله تعالى، ولكنا لا نفهم تسبيحهم، والله إذا أراد شيئاً نُفذ في الحال، فإيَّاك أن تتعجَّب أن يفعل الله سبحانه ذلك مع زكريا ويحيى عليهما السلام لعقر الزوجة، وإياك أن تتعجب من أن الطفل الذي تكلم في المهد كان صبياً، فكل هذا في إطار "سبحانه" لأنه إذا أراد شيئاً لا يعالجه بعلاج وعمل، وإنما قوله: (كُن فَيَكُونُ) حيث يكون الشيء في الحال كما أراد الحق.
قال تعالى: (وَجِيهاً فِي الدّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ (45) وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ) (سورة آل عمران: الآيتان 45، 46)، فالمسيح (عليه السلام) سيواجه الناس بكلامه، لأن المسألة تعرض بعِرض أمه وعفتها وكرامتها، فجاءت الآية لتمحو العجب من الناس حيث يجدونها تلد بدون أب (رغم أن آية الكلام غير موجودة في الإنجيل) ولولا هذه الآية لأقام اليهود عليها الحد في حينها فهي حقيقة عجيبة، ولم يكن إغفال النصارى لهذه المعجزة في الإنجيل إلا لأن قوله يهدم اعتقادهم في عيسى (عليه السلام) لأنه قال: (إِنّي عَبْدُ اللّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (سورة مريم: الآية 30).
وصفه الله سبحانه بأنه شريف ذو جاه وقدر، وصفه الله بهذا في الدنيا يوم مولده، لأنهم اتهموا أمه بالخيانة، وهي الطاهرة البتول، وأيضاً وُصف بهذا يوم يموت، لأنهم قالوا إنه ابن الله، وأنه صُلب وأنه يكلم الناس، ويدعوهم لعبادة الله لا شريك له في حال صغره، وهي معجزة وآية، وفي حال كبره عندما يصبح كهلاً عندما يُوحى إليه.
وقد تكلم السيد المسيح (عليه السلام) في المهد ليحفظ شرف أمه، ولكنه لم يتكلم في الكهولة، وهي سن الأربعين؛ لأن الله قد رفعه إليه قبل أن يكون كهلاً، ومن هنا فإنه لا بد وأن يأتي وقت يكلم الناس فيه وهو كهل، وفي كل هذه الأحوال من قول وعمل فهو صحيح وصالح، فقد وصفه الله بالصلاح رغم أنه نبيٌّ وتكلم في المهد، فتلك المعجزات التي أكرمه الله تعالى بها لا اختيار له فيها، أما كونه من الصالحين فهذا عمله هو، وحركته السلوكية لأداء الدعوة التي يحملها، وكان الأجدر ألا يفتتن الناس بعيسى (عليه السلام) طالما أنه يتغير كما الناس من طفولة إلى كهولة، ويقولون عنه إله أو ابن إله. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:49 pm | |
| 2. صفاته (عليه السلام) في الحديث الشريف وصفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أحاديث كثيرة، منها: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ) (البخاري: 3183)، وقال ابن عمر أيضاً: (ذَكَرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَيِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ أَلاَ إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ رَجِلُ الشَّعَرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالُوا هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلاً وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطِطًا أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ) (البخاري: 3184).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ قَالَ وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي الْحَمَّامَ) (البخاري: 3182)، (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ (عليه الصلاة والسلام):... فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلاَّ مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ) (مسلم: 5228).
رابعاً: زيارة عيسى وأمِّهِ عليهما السلام لمصر لَمَّا خطط ملك الشام هيرودس لقتل عيسى (عليه السلام) وأرسل رُسُلَهُ بالهدايا، علمت السيدة مريم العذراء بهدف هؤلاء الرُّسُل، فاحتملت وليدها وذهبت به إلى مصر، فأقامت بها حتى هلك هيرودس، وقد بلغ عمر عيسى اثنتي عشرة سنة.
وظهرت عليه الكرامات والمعجزات في حال صغره خلال فترة وجوده بمصر.
خامساً: رسالة المسيح (عليه السلام) كانت دعوة عيسى (عليه السلام) تتمثل في إصلاح ما أفسده اليهود من الديانة اليهودية فحسب، فهو لم يناد بديانة جديدة، بل كانت ديانة المسيح نفسه (عليه السلام) هي اليهودية بعد تصحيحها, ولم تكون اليهودية – المسيحية سائدة في أورشاليم وفلسطين فقط طيلة القرن الأول من تاريخ المسيحية, بل كانت منتشرة في بلاد أخرى, كان الساحل السوري الفلسطيني من غزة إلى أنطاكيا يهودياً ـ مسيحياً, كما تشهد بذلك أعمال الرسل والكتابات الكلينتية، بل وقد وصل بعضهم إلى بلاد اليونان ومصر.
قال الله تعالى: (وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ) (سورة آل عمران: الآيتان 48، 49)، فقد علم الله عيسى (عليه السلام) الكتب السابقة، كما علمه الكتابة أيضاً.
رُوي أن عيسى (عليه السلام) كان يستظهر التوراة حتى قيل إنه لم يحفظها عن ظهر قلب غير موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم السلام.
كما ألهمه الله ووفقه بالهداية لتعلم الحكمة، وذلك سنن الأنبياء، وبما شرعه من الدين بالنبوة، وبالصدق في القول والعمل والعقل.
أما التوراة فقد جاء المسيح ليكملها، ليكمل ما أنقصه اليهود منها.
فالتوراة أصل من أصول التشريع طبقاً لقول الحق سبحانه: (وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ) (سورة آل عمران: الأية 49) (وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُم بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ) (سورة آل عمران: الآية 50) هكذا يتضح أن ما جاء به المسيح (عليه السلام) مطابق لما جاء في التوراة، فهو مقرر ومثبت لها.
كما أن عيسى (عليه السلام) نسخ بعض شريعة التوراة، فقد أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ، وكشف لهم عن الغطاء في ذلك لقوله تعالى: (وَلأُبَيّنَ لَكُم بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (سورة الزخرف: الآية 63)، أحل لهم عيسى (عليه السلام) أكل الشحوم، وأكل كل ذي ظفر، فالمسيح (عليه السلام) جاء ليرفع التحريم عن بعض المحرمات، التي حرمها الله تعالى على بني إسرائيل في السابق، كما قال تعالى: (وَعَلَى الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنّا لَصَادِقُونَ) (سورة الأنعام: الآية 146)، ولله تعالى حكمة فيما يحرمه على الناس، وحكمة فيما يحله لهم.
كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مّنَ الّذِينَ هَادُواْ حَرّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلّتْ لَهُمْ) (سورة النساء: الآية 160)، فهنا التحريم كان عقوبة لهم وليس لضرر، ثم يذكرهم المسيح (عليه السلام) بأنه جاء من عند الله تعالى رسولاً لهم، وعليهم أن يلتفتوا إلى الله الذي أرسل عيسى (عليه السلام) إليهم، والله هو الذي يفعل ما يشاء ويخرق النواميس، كما جاء الله بها على يدي فأنا وأنتم مشتركون في العبودية لله وحده.
هكذا كان منطق عيسى (عليه السلام) عندما قال وهو في المهد (إِنّي عَبْدُ اللّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (سورة مريم: الآية 30)، فأكد أنه عبدالله، والمكلف بنقل شرع الله إلى خلق الله حتى تكون حياتهم على مقتضى ما أنزل الله.
فكان يدعو قومه لعبادة الله وحده، كما قال تعالى: (إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـَذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ) (سورة آل عمران: الآية 51)، أي أنا وأنتم على سواء في ربوبيتنا لله الواحد، وهذا هو الصراط المستقيم، الذي يشكل أقصر الطرق إلى عبادة الله تعالى وحده، حيث العبادة هي طاعة العبد لربه في كل شؤونه فتؤدي إلى سعادة الناس، وعمارة الكون كما يريد الله تعالى، فالعبادة هي الغاية التي خلق الخلق لها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) (سورة الذاريات: الآية 56). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:51 pm | |
| سادساً: معجزات المسيح (عليه السلام) بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، وتكون معجزته من جنس ما نبغ فيه القوم، ولما كان قوم عيسى (عليه السلام) مشهورين بالطب والحكمة كانت معجزاته من جنس الحكمة والطب، بل خرج من دائرة علاج الطبيب حتى تسامت معجزته (عليه السلام) فجعلته يحيي الموتى، فلقد أحيا الجماد وداوى الأكمه والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد.
1. أنه يخلق من الطين كهيئة الطير قال تعالى: (أَنِيَ أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ) (سورة آل عمران: الآية 49)، فكان عيسى (عليه السلام) يأتي بقطعة الطين ويشكلها على هيئة الطير وينفخ فيه فتصير طيراً، وهذه هي المعجزة، وهي النفخة لأن عمل تمثال من الطين سهل يسير، أمَّا النفخة فلا يستطيعها أحد إلا بإذن الله، عندما يسمح الله له بذلك.
كما يبرز هذا أن خلق البشر من موجود لديه، أما خلق الله فهو من عدم، بل يعطيها الله الحياة فتكبر وتتكاثر، ولكن الأمر الغريب في هذه المعجزة هو فتنة بني إسرائيل بها وكان الأجدر أن يفتتنوا بإبراهيم (عليه السلام) عندما قطع أربعة من الطير ثم دعاهن فجئنه سعياً، كما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَىَ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىَ وَلَـكِن لّيَطْمَئِنّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطّيْرِ فَصُرْهُنّ إِلَيْكَ ثُمّ اجْعَلْ عَلَىَ كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنّ جُزْءًا ثُمّ ادْعُهُنّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (سورة البقرة: الآية 260).
2. أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص لقوله تعالى: (وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ) (سورة آل عمران: الآية 49) لأنهما من الأمراض المستعصية، فالأكمه هو الذي وُلد أعمى، والأبرص هو من به بقع بيضاء بجلده، هكذا جاء المسيح بشيء عجزوا عن علاجه، فكان (عليه السلام) يبرئ بدعائه والمسح بيده لكل علة.
3. إحياء الموتى قال تعالى: (وَأُحْيِـي الْمَوْتَىَ بِإِذْنِ اللّهِ) (سورة آل عمران: الآية 49)، فكان عيسى (عليه السلام) يحيي الموتى بإذن ربه، ولم يكن مَنْ يحيا بعد الموت يعيش طويلاً، لأنه عندما ظهر السيد المسيح (عليه السلام) كان بنو إسرائيل ينقسمون إلى فرقتين رئيسيتين: الأولى: الصدوقيون الذين يقول عنهم الإنجيل إنهم لا يؤمنون بالروح أو الملائكة أو القيامة. الثانية: فهم الفرَّيسيون الذين يؤمنون بذلك.
وقد كان رئيس المجمع اليهودي (السنهدرين) من الصدوقيين، فاقتضت حكمة الله تعالى أن يأتي المسيح (عليه السلام) بنفخة من "الروح" وعلى فعلها.
ومن الذين أحياهم عاذر، وكان صديقاً له مات منذ أيام، وأحيا سام بن نوح من قبره فخرج حياً رغم توفيه منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، ومرَّ على ابن ميت لامرأة عجوز فدعا الله تعالى فعاد حياً.
فكيف يفتتن النصارى بعيسى (عليه السلام) ولم يفتتنوا بإبراهيم (عليه السلام) وموسى (عليه السلام) الذي جعل للعصا حياة وهي أصلاً ليس لها حياة (أصبحت العصا حية تسعى).
4. إخباره (عليه السلام) بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم قال تعالى: (وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (سورة آل عمران: الآية 49)، فكانت من معجزاته (عليه السلام) الإخبار عن الغيوب، حيث يخبرهم بما يأكلونه وما يدَّخِرُونه في بيوتهم من أنواع الطعام والمال، وهذه آية من آيات مَنْ يعلم مغيباً من الأمور؛ لأنها تثبت قوة قاهرة بما تعطيه هذه العجائب والآيات.
5. مائدة السماء قال تعالى: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السّمَاءِ قَالَ اتّقُواْ اللّهَ إِن كُنْتُم مّؤْمِنِينَ) (سورة المائدة: الآية 112)، لقد سأل الحواريون عيسى بن مريم (عليه السلام) مائدة يكون عليها طعام يأكلونه لا ينفذ قائلين، وهل يستجيب ربك لهذا الطلب (ليس لجهلهم بقدرة الله تعالى ولكن من منبع الحب لله)، فرد عليهم: أن اتقوا الله طالما أنكم مؤمنون، وحسبكم ما أعطاه الله لي من الآيات على صدق رسالتي، وعليكم أن تلتزموا بمنهج الله، ولكن الحواريون أجابوه بقولهم: (قَالُواْ نُرِيدُ أَن نّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشّاهِدِينَ) (سورة المائدة: الآية 113)، فقد طلبوا مائدة من السماء وقدموا الرغبة في الأكل والطعام على ضرورة التصديق الإيماني الجازم.
ويقول لنا الحق عن استجابة عيسى (عليه السلام) لطلب الحواريين: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمّ رَبّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوّلِنَا وَءاَخِرِنَا وَءَايَةً مّنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ) (سورة المائدة: الآية 114)، فكان قول عيسى (عليه السلام) لما سأل ربه هذه الآية بأن طلب أن تكون المائدة عيداً يفرح به الأولون والآخرون، وآية من الحق سبحانه وتعالى، ويعترف بفضل ربوبية الرازق، ويعترف بامتنان أن الحق سبحانه خير الرازقين.
وبالنظر إلى قول الحواريين وقول عيسى (عليه السلام) يتضح لنا الفارق بين إيمان المبلِّغ عن الله وهو عيسى (عليه السلام) وهو الإيمان القوي الناضج، وإيمان الذين تلقوا البلاغ عنه وهم الحواريون، لأن إيمانهم لا يرقى إلى إيمان عيسى عليه السلام، وهذا يظهر لنا علو الرسل على المؤمنين ببلاغه، وقد ظهر ذلك في نداء عيسى (عليه السلام) لربه (اللّهُمّ رَبّنَا) (سورة المائدة: الآية 114)، وهو النداء الذي يقوم على حب العبد لمولاه، فقد ألزم عيسى (عليه السلام) نفسه بنداء الألوهية أولاً معترفاً بالعبودية لله جل وعلا ملتزماً بالتكليف القادم منه.
وكان رد ربه، قال الله تعالى: (إني منزلها عليكم) (سورة المائدة: الآية 115)، وقد نزلت المائدة فعلاً فكانت آية من الله تعالى ـ آية توَّعد الله من يكفر بها أن يعذبه عذاباً لا يُعذبه أحداً من العالمين، ولما كُشف عن السفرة وُجد عليها سمكة ضخمة مشوية، ليس في جوفها شوك، ويسيل السمن منها سيلاً، وقد تحلق حولها بقوِل من كل صنف، وعند رأسها خل وعند ذيلها ملح، وحول البقول خمسة أرغفة، على واحد منها زيتون، وعلى الثاني تمرات، وعلى الثالث نباتات، فأكلوا بسم الله، وحمدوا ربهم. ------------------------------------------------- * الحواري: مأخوذة من الحور، وهو البياض، فهم قوم أشرقت في وجوههم سيم الإيمان وذوو قلوب نقية وكان عددهم اثنا عشر حوارياً. * تناول ومضغ وبلع قطعة من الخبز مع الاعتقاد بأنها جسد المسيح، وتناول وابتلاع كمية من الخمر مع الاعتقاد بأنها دم المسيح (لوقا 22: 19-24). * ليس في الأناجيل الثلاثة السابقة في الظهور على إنجيل يوحنا جملة واحدة يقول فيها المسيح (عليه السلام) "أنا إله" أو "أنا الله"، أو يقول فيها المسيح للناس "اعبدوني"، وعندما أراد أباطرة الرومان تأليه المسيح فيما يُعرف بالمذهب الملكاني، أفزعهم عدم وجود نص صريح بالأناجيل الثلاثة يفيد أُلوهية المسيح (عليه السلام)، فكلفوا شخصاً يونانياً متعلماً بليغاً بكتابة إنجيل رابع يصرح فيه بألوهية المسيح (عليه السلام)، مثل النص القائل "أنا والأب واحد". |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:54 pm | |
| سابعاً: الحواريون قال الله تعالى: (وإذ أوحيتُ إلى الحواريين أن ءَامنوا بي وبرسُولي، قالوا ءَامنَّا واشهدْ بأنَّا مُسلمُون) (سورة المائدة: الآية 111).
هكذا اعترف الحواريون بالإسلام، كما اعترفت ملكة سبأ بإسلام سليمان (عليه السلام) وأسلمت معه، وكما اعترف كل أنبياء الله بالإسلام، فكلهم يدعون إلى التوحيد والإسلام، فأوحى الله لهم إلهاماً ألهمهم إياه لخيرهم وسعادتهم.
ويبدو أن الحواريين كتموا إيمانهم حتى أحس عيسى (عليه السلام) الكفر من قومه، فنادى فيهم كما قال تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)) (سورة آل عمران: الآيتان 52، 53)، فهم ينصرونه مع الله وينصرون الله.
وقد سَمَّى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعض أصحابه بالحواريين كالزبير بن العوام رضي الله عنه يوم الخندق، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ندب النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم الخندق فانتدب الزبير، ثم انتدبهم فانتدب الزبير، ثم انتدبهم فانتدب الزبير، فقال (لكل نبي حواريَّ، وحواريَّ الزبير) (البخاري: 7261، مسلم: 2415/48)، بل لقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يبتسم بأن عيسى بن مريم سيجد في أمَّة محمد خلقاً من حوارييه، من حديث عبدالرحمن بن سمرة عندما بعثه خالد بن الوليد بشيراً إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم مؤتة.
وقد كوَّنت مجموعة الحواريين الصغيرة، بعد رفع المسيح (عليه السلام)، طائفة يهودية تمارس ديانة المعبد وتحافظ على تعاليمها، وعندما كان ينضم إليها أشخاص جدد وثنيين كانوا يقترحون نظاماً خاصاً لهم، إذ كان المجمع المسكوني المنعقد في عام 49م يحل ويجيز للأتباع الجدد عدم التقيد بالطهارة، ومراعاة الراحة يوم السبت، وطقوس المعبد، وقد رفض كثير من اليهود المسيحيين هذا التنازل وتطبيق كل الشرائع اليهودية، وكان على رأس تلك المجموعة القديس بولس، الذي يرى أن يتحرر اليهود أنفسهم من هذه الأمور البالية دينياً وسياسياً حتى تفتح الكنيسة ذراعيها لغير اليهود فأجاز لهم عدم الختان، فهو مع اليهود يقول أنه فريسي، ويكتب الرسائل إلى الناس والدعاة والموالين له، ويجيز لهم عدم التقيد بالشرائع اليهودية لهدف في نفس بولس، هو إدخال الرومان الوثنيين إلى الديانة اليهودية- المسيحية، لأن الرومان هم القوة العسكرية الفاعلة الأولى في العالم، وحتى تتحول سيوف الرومان من رقاب المسيحيين الجدد كما سماهم إلى رقاب اليهود، فأجاز لهم عدم الختان، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، معللاً أن المهم ما يخرج من الفم وليس ما يدخل فيه على حد قوله، وبذلك ربط عجلة المسيحية بالعنصر الروماني المتشبع بالأفكار الرومانية.
قال تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (سورة الحديد: الآية 27).
وقال تعالى: (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (سورة الصف: الآية 14).
وانتصر مذهب بولس، وانفصلت المسيحية دينياً واجتماعياً وسياسياً عن اليهودية، ليتكوَّن منها ما يُطلق على تسميته "الشعب الثالث"The Third People، وذلك عندما قام طيطس الروماني بتدمير القدس وهدم الهيكل عام 70 م، ما أفضى إلى قهر اليهود المسيحيين المتمسكين بالشريعة وبالطقوس اليهودية، ومن هذه الفترة بدأ ظهور الأناجيل التي نطالعها الآن من عام 70 بعد الميلاد، وبعد تعديلات هذه النصوص، والتمسك ببعضها، واستبعاد بعضها الآخر، وبانتصار مذهب بولس تكون ما يُطلق عليه "قانون الإيمان المسيحي" الذي أدان ودمغ بالخطأ والهرطقة أي وثائق أخرى مكتوبة عن حياة المسيح (عليه السلام) التي لا تتسق مع خط الكنيسة، كنيسة بولس، وأقرت الأناجيل الأربعة "مرقس ومتى ولوقا ويوحنا"، ذلك ما أورده الكاردينال دانييلو Danielou في مقاله الذي نُشر في ديسمبر 1961 بمجلة الدراسات Etudes، إنما هي رؤية جديدة للأصول المسيحية واليهودية المسيحية الذي وضع فيه خطوط تاريخ المسيحية وحدد لنا بدء ظهور الأناجيل. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 10:59 pm | |
| ثامناً: الأناجيل كلمة الإنجيل باليونانية تعني البشارة، وقد أعطى الله تعالى المسيح (عليه السلام) الإنجيل، فهو كتاب جاء مصدقاً للتوراة، وإحياءً لشريعتها الأولى، ومؤيداً للصحيح من أحكامها، ونوراً وهدى وموعظة للمتقين.
وقد أهاب ببني إسرائيل أن يرجعوا إلى الله ويعبدوه، واشتمل الكتاب على عظات ونصائح وأمثال، يريد بذلك توجيه نظر الجماهير من اليهود إلى إخلاص العبادة لله، والتخفيف من مادياتهم التي غرقوا فيها إلى آذانهم، وترك الرياء والنفاق، وأن يلتبسوا بروح الدين الذي ورثوه عن موسى (عليه السلام)، ويبشرهم باقتراب ملكوت السماوات وهي الشريعة الإلهية الدائمة، التي يرسل الله بها النبي الأمي محمد (صلى الله عليه وسلم) المذكور في الآية 15 وما بعدها من الإصحاح 18 سفر التثنية (باسم أحمد).
ولهذا لم تنزل بالإنجيل تشريعات إلا القليل النادر مثل وجوب الاقتصار على زوجة واحدة، وعدم تزوًّج مَنْ طلّق امرأةً، بامرأةٍ أخرى سواها، وعدم تزوُّج المُطلّقة بآخر، وعدم جواز الطلاق إلا بعد الزنا، وأمر بالعفة، ونهى عن الأخلاق الرديئة كالمكر والخداع وأكل الأموال بغير حق والرِّياء.
قال تعالى: (وَقَفّيْنَا عَلَىَ ءَاثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَوْرَاةِ وَءَاتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ) (سورة المائدة: الآية 46).
وقال تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (سورة المائدة: الآية 47).
وقال تعالى: (ثُمّ قَفّيْنَا عَلَىَ ءَاثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ) (سورة الحديد: الآية 27).
وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُم مّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (سورة الصف: الآية 6).
إن عيسى (عليه السلام) جاء إلى قومه بكتاب هو الإنجيل، يحمل دعوة التوحيد الكامل وإسلام الوجه لله، قال تعالى: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سورة المائدة: الآية 117).
ولكن الناس على مر الزمان تركوا ذلك الإنجيل، وترتب على ذلك ضياعه، واستمساكهم بكتب ألف بعضها تلاميذ المسيح، وبعضها ألفها تلاميذ تلاميذه أو من بعدهم، فقد كثرت الأناجيل كثرة فاحشة زادت عن المائة.
وبهذا غُير الإنجيل، وحُول عن مجراه، بل رفضت الكنيسة كلَّ ما يخالف رغبتها وأُقِر أربعة أناجيل معروفة اليوم على ما هي عليه من انقطاع السند، وعدم العلم التام بالمؤلف الحقيقي، أو المترجم ومبلغ أمانته على الدين، وحرصه على الصدق، وعلى ما بينها من الاختلاف الحقيقي في سياق الأحداث المفضي إلى أن أحد الأقوال صادق وما عداه كاذب.
يُطلق اسم إنجيل على الأناجيل الأربعة التي اعتمدتها الكنيسة والتي وضعت بعد فترة طويلة من رفع السيد المسيح (عليه السلام)، وهي إنجيل متى، إنجيل مرقص، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا، وجميع هذه الأناجيل منقطعة السند.
ولا توجد نسخة إنجيل بخط تلميذ من تلاميذه.
بل إنها تختلف فيما ترويه عن قصة المسيح (عليه السلام) ويكذب بعضها بعضاً، فهي لا تحتوي على كل ما قاله السيد المسيح (عليه السلام) ولم تُقسم هذه الأناجيل إلى إصحاحات قبل القرن 13.
بل ويقول الأستاذ العقاد في كتابه حياة المسيح "أن الأناجيل الموجودة الآن قد كُتبت جميعاً باليونانية العامة Kaine ولوحظ في ترجمتها أنها تعتمد على نصوص آرامية، وتتفق الآراء على أن هذه الأناجيل لا تحتوي على كل ما فاه به السيد المسيح (عليه السلام)".
1.إنجيل متى يتصدر أناجيل العهد الجديد لأنه يعتبر امتداداً للعهد القديم، وقد كُتب باللسان العبراني وضاع الأصل، والإنجيل الموجود الآن هو ترجمته باليونانية، ولا يوجد عندهم إسناد لهذه الترجمة، وحتى اسم المترجم غير معلوم، وذلك ما قاله العالم جرجس زوين الفتوحي اللبناني في كتابه المطبوع سنة 1873 في بيروت والمترجم من اللغة الفرنسية إلى العبرية، وعدد إصحاحاته 27 إصحاحاً، وهو يخاطب اليهود ويحاول أن يزيل نفرتهم من الدعوة الجديدة.
يبدأ الإنجيل بما يُسمى بشجرة نسب المسيح Genlogy of Jesus، حيث يجعل المسيح متصل النسب بإبراهيم (عليه السلام) وفي النصف داود (عليه السلام)، وقيل أن من كتبه هو (متى العشار) لأنه كان واسع الإلمام بنصوص التوراة والتراث اليهودي، ويمتلئ هذا الإنجيل بوجهات نظر وروايات يستحيل التصديق بصحتها، خصوصاً عندما تكلم عن "قيامة المسيح" (27: 51-56) وهذه الثغرة ليست في جميع الأناجيل الأخرى، وهو يحمل اتجاه اليهودية ـ المسيحية حيث تخالف اليهود وتتمسك بنصوص العهد القديم.
2.إنجيل مرقص هو أكثر الأناجيل الأربعة إيجازاً، ومرقص هذا كان يهودياً لاوياً وهو تلميذ لبطرس، وكان ينكر إلهية المسيح، فهو يخاطب الأمم، ومات مقتولاً في سجن الإسكندرية عام 68 ميلادية على يد الوثنيين، وقد اختلف النصارى في تاريخ تأليف إنجيله، وقالوا إنه كتب بتدبير بطرس عام 60 ميلادية لنفع الأمم الذين كان تنصرهم يخدمه، وذلك ما قاله بطرس قرماج في كتابه (مروج الأخبار في تراجم الأبرار) المطبوع في بيروت عام 1810م، وعدد إصحاحاته 16 إصحاحاً.
ومن عيوبه الرئيسية هي أنه لم يهتم بالتعاقب الزمني للأحداث Chronology، كما كان يفتقر إلى المعقولية، ويتناقض كثيراً مع إنجيل متى ولوقا بشأن بعض الأحداث، وينكر علماء الكنيسة خاتمة هذا الإنجيل ويرون أنها غير صحيحة، وهي إضافة مزورة (16: 9-20) فيما يتعلق بصعود المسيح إلى السماء أمام أنظار حوارييه، وهو رديء الأسلوب.
3.إنجيل لوقا لوقا كاتب قصص وروائي حقيقي True novelist، وقد غلبت عليه فكرة الفلسفة وبدأه بالكلام عن "الكلمة" Logos، ولهذا فإنجيله عمل أدبي متقن ومكتوب باليونانية، فهو طبيب وأديب يوناني وثني، آمن بالمسيحية من بولس لرفقته في سفره ورحلاته، ولم ير المسيح أصلاً، ولهذا نجح في تشخيص وعلاج روايات الأناجيل السابقة المعتلة عن قصة حياة المسيح (عليه السلام)، بل لقد توسع في وصف طفولة السيد المسيح (عليه السلام).
كما استعان في تحريره الإنجيل المنسوب إليه بنصوص إنجيل متى وإنجيل مرقص.
أما عن بولس فكان يهودياً متعصباً على المسيحية، ولم ير المسيح (عليه السلام) في حياته، بل كان يسيء إلى النصارى إساءات متصلة.
ولما رأى أن اضطهاده للنصرانية لا يجدي، عمد عن طريق الحيلة إلى الدخول فيها، وأظهر الاعتقاد بالمسيح (عليه السلام)، وادعى أنه صرع وفي حالة صرعه لمسه المسيح (عليه السلام) وزجره عن الإساءة إلى متبعيه، ومن ذلك الوقت آمن وأرسله المسيح (عليه السلام) ليبشر بإنجيله، وانطلت حيلته على الكنيسة، وبإنجيله هذا جعل النصارى يمرقون من واجبات الناس التي ما جاء المسيح (عليه السلام) لإبطال أحكامه، ولكن جاء لتأييدها، فأباح لهم الميتة وشرب الخمر، وعلم بأن الإيمان وحده كافٍ في النجاة بدون عمل، وعدد إصحاحاته 24 إصحاحاً.
كان لوقا معاصراً لحصار القدس وتدميرها بواسطة جيوش طيطس Titus عام 70 ميلادية، وقد حرر إنجيله فيما بين عامي 80 و90 ميلادية.
وتوجد روايات ووقائع في إنجيله غير موجودة في الأناجيل الأخرى مثل طفولة المسيح (عليه السلام)، كما يختلف في شجرة النسب عن إنجيل متى، بل إن تفاصيل رسالة المسيح (عليه السلام) ذاتها تختلف لدى كل من لوقا ومتى ومرقص، ويقول لوقا نفسه عن صعود المسيح (عليه السلام) قولاً يناقض ما يقوله في "أعمال الرسل" التي يجمع علماء الكتاب المقدس على أنه هو كاتبها، وهي جزء متمم للعهد الجديد، حيث يجعله مرة يوم عيد الفصح، ومرة بعد ذلك بأربعين يوماً!!
بل ويختلف كثيراً عن غيره من أصحاب الأناجيل في مسألة مهمة لدى المسيحيين ترقى إلى أهمية سر تناول القربان المقدس أو الأفخار ستياً The Eucharist.
4.إنجيل يوحنا يختلف إنجيل يوحنا اختلافاً جذرياً عن الأناجيل الثلاثة الأخرى في أسلوبه وجغرافيته وأزمنة أحداثه، وفي الأمور اللاهوتية، ويشكك كل المفسرين بشأن الكاتب الحقيقي للإنجيل، فهو ليس يوحنا بن زبدي صياد السمك الأمي الذي لا يعرف الكتابة بأي لغة، في الوقت الذي يجمع فيه النقاد على التزام الكاتب ببلاغته وبجمعه لكل قواعد اللغة اليونانية الخالية من الأخطاء، وذات الطابع الفلسفي، وقد ذكر استادلن ونقله صاحب كاتلك هرالد في صفحة 205 من المجلد السابع المطبوع عام 1844 ونصه: (أن كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من المدرسة الإسكندرية)، وبالتالي فهو ليس يوحنا الحواري أحد تلاميذ المسيح (عليه السلام) الإثنا عشرة.
هذا الإنجيل كُتب لغرض خاص هو إثبات ألوهية المسيح (عليه السلام) والقضاء على التعاليم التي كانت تؤكد أنه إنسان، فليوحنا أهداف لاهوتية تختلف عن أهداف كُتاب الأناجيل التي سبق ظهورها .
وبرغم ذلك لم يتحدث يوحنا عن القربان المقدس أو الأفخاراستيا، وهو موضوع حيوي رئيسي، ويُعَدّ ركناً أساسياً من أركان الطقوس المسيحية في كل قداس مسيحي يتم في كل كنيسة، ثم يدخل في موضوع لم يرد في باقي الأناجيل فيه يصف ظهور المسيح عند بحيرة طبرية، بعد أن قام من بين الأموات ويأمرهم بصيد سمك في مكان معين بالصفحة رقم 283 وما بعدها، بينما بإنجيل لوقا الحكاية نفسها عن صيد السمك في حياة المسيح (عليه السلام) قبل محاولة الصلب بالإصحاح الخامس من إنجيل لوقا فمن "نُصدِّق؟ ومن نكذب؟" ثم يضع في كتابه الإصحاح 21 ولم يرد ذكره في إنجيل آخر (21: 1-14) إضافة إلى التناقض المتعلق بالفترة الزمنية لبعثة المسيح (عليه السلام) حيث جعلها أكثر من عامين، وكل الأناجيل تجعلها عاماً واحداً فقط. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 11:00 pm | |
| 5.مصادر الأناجيل كل ما نراه في الأناجيل هو كتابة إنشائية مفككة، مفتقرة إلى الحبكة الدقيقة لتصل إلى الاكتمال، ويبدو عليها سمات التناقضات الواضحة، فهي تبين أن كل واحد من أصحاب الأناجيل المعروفين قد أنشأ رواية على طريقته الخاصة، وحسب وجهة نظره وميوله، مع الاعتماد على المعلومات التي وجدها عند الآخرين.
Each Evangelist had taken material found in the others and compiled his an specific narration guided by his an personal vein.
وقد أشارت الترجمة المسكونية للعهد الجديد بأن متى ولوقا قد اقتبسا في إنجيل كل منهما من نصوص إنجيل مرقص كما تقول أحدث النظريات في مجال نقد النصوص الموجودة بالأناجيل، إذ تطالعنا مقدمة طبعة الأناجيل الأربعة المتوافقة للأب بينوا Benoit والأب بومار Boismard بمعهد الكتاب المقدس بالقدس (1972-1973) أن نصوص الأناجيل تطورت في مراحل متعددة تبعاً لتطور التراث، وهي في تطورها هذا لا تتمتع بصحة الأقوال والروايات التي استمدت منها في التراث الشفهي ولا عفويتها ولا تلقائيتها، هذا الكتاب قامت دار نشر "سيرف" بباريس بنشره وطبعه.
وهذا يوضح أن نصوص الأناجيل قبل ظهورها في صيغتها الموجودة بين أيدينا اليوم قد خضعت لتعديلات في مرحلة الوثائق الوسيطة.
6.تاريخ النصوص قبل عام 140 بعد الميلاد لم يكن ما يدل على وجود الكتابات الإنجيلية المعروفة، فقد كان من الضروري أن ينتظر المسيحيون حتى عام 170 بعد الميلاد حتى تكتسب الأناجيل صفة النصوص المقدسة المعترف بها لدى الكنائس، وقد زاد عدد الأناجيل عن المائة، ولكن الكنيسة أوصت بإخفاء كثير من هذه الكتابات، ومنها إنجيل برنابا Barnabas، ورغم ذلك ظلت بعض الأناجيل تحظى بقسط كبير من الانتشار والذيوع بين المسيحيين الأوائل، مثل إنجيل الناصرة، وإنجيل العبرانيين، وإنجيل المصريين، وإنجيل برنابا، وإنجيل توما.
وفي منتصف القرن الثاني بعد الميلاد دفع مارسيون Marcion السلطات الكنسية بحزم وطرحه نحو رفض نصوص التوراة وعدم التقيد بها فيما يتعلق بعقائد الإيمان المسيحي، وعندئذ اعترفت الكنيسة بكل كتابات بولس، وبعدها اعترفت أيضاً بالأناجيل الأربعة، وألحقت بالعهد الجديد بعض الكتابات الأخرى مثل "أعمال الرسل"، وقد استمر التذبذب بين اعتماد الأناجيل واستبعادها، حتى انعقد مجمع هيبون المسكوني في عام 393 بعد الميلاد، ثم مجمع قرطاجنة المسكوني في عام 397 بعد الميلاد.
كما شهد القرن الرابع الميلادي شيئاً من التنظيم الجاد فيما يتعلق بنصوص الأناجيل.
7.الأناجيل والعلم الحديث وهذا ما قاله الدكتور موريس بوكاي في كتابه التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث.
أن الهدف من صياغة الأناجيل كتابة هو أن يعرف الناس من خلال أقوال المسيح (عليه السلام) وأفعاله، التعاليم التي كان يرغب المسيح (عليه السلام) في أن يتركها للناس لإكمال رسالته، ولسوء الحظ لم يكن مؤلفو الأناجيل شهود عيان للمعلومات التي كتبوها وقاموا بتسجيلها كتابة.
فقد كانوا ببساطة ووضوح مجرد متحدثين رسميين يعبرون عن معلومات كانت مودعة في ثنايا وغمار التراث الشفهي للجماعات اليهودية / المسيحية بشأن حياة المسيح (عليه السلام) بوجه عام.
ولهذا فمن الضروري أن نتخلى عن محاولات التفسير والتسويغ الكلاسيكية التي تحاول أن ترقى بهذه النصوص إلى مرتبة الوحي الإلهي على أنها كلام الله وحده لم يخالطه كلام بشر.
كما كانت النتيجة الحتمية لتعدد المصادر في أناجيل العهد الجديد هي وجود كثير من التناقض، لأن مؤلفي الأناجيل وكُتابها كانت لديهم ميول إلى تفخيم وتضخيم بعض الصفات والسمات في شخص المسيح (عليه السلام)، ولهذا وجدنا الحدث الواحد يحكي عنه ويوصف بشكل خاص مختلف عند كل راوٍ لهذا الحدث أو ذاك.
وفي النهاية نجد أنه من الطبيعي أن تُثار الشكوك في صحة هذه الروايات المختلفة عن الحدث الواحد من أحداث حياة المسيح (عليه السلام) في الأناجيل المتعددة، كما أن المعلومات التي تتضمنها هذه الأناجيل في بعض الأحيان لم تثبُت للنقد في ضوء المعلومات والحقائق التي توصلت إليها العلوم الحديثة، ما يدعو إلى التحفظ بشأن قبول بعض المعلومات التي تتضمنها الأناجيل.
هكذا أصبحت المعلومات الخاطئة والتناقضات التي تضمنتها الأناجيل، والمخالفة تماماً لوجهة النظر العلمية في العصر الحديث يستحيل الدفاع عنها دفاعاً مجدياً مقبولاً.
بل ويصاب المسيحيون الذين يكتشفون ذلك بكثير من الدهشة في العصر الحديث، ومَثل صغير من آلاف الأمثلة التعارض الموجود في سلسلة نسب المسيح (عليه السلام) بين رواية إنجيل متى ورواية إنجيل لوقا.
ولقد جذب إنجيل يوحنا الانتباه بوجه خاص لوجود كثير من أوجه الاختلاف في الأفكار بينه وبين الأناجيل الثلاثة السابقة له في الظهور، وخصوصاً في مجال تأسيس تناول القربان المقدس، أو تناول الخبز والنبيذ، باعتبار أن الخبز هو جسد المسيح (عليه السلام) والنبيذ هو دم المسيح (عليه السلام)، وهو ما يعرف بالأفخارستيا.
لأن صياغات التوراة (العهد القديم) تتكون من حشد من الكتابات التي صاغها أفراد من البشر، مثلهم مثل الأفراد الذين يصوغون أي كتابات أدبية وفقاً لقدراتهم على الصياغة والإنشاء اللغوي والكتابة في شتى الموضوعات الأدبية، وذلك على مدار تسعمائة سنة إلى أجزاء وأسفار، كثيراً ما قام البشر على توالي القرون بالتغيير فيها وتبديلها.
فقد أُضيفت بعض الأجزاء إلى أجزاء كانت موجودة من قبل، لدرجة أنه أصبح من الصعب في بعض الأحيان أن نعرف من أين جاءت هذه الأجزاء أصلاً وابتداءً، فمثلاُ اليهود المسيحيون يتمسكون بضرورة الختان، بينما القديس بولس وحده هو الذي يجيز عدم الختان، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، وتشهد نصوص "أعمال الرسل" بالصراع الحقيقي بينهم وبين القديس بولس، وفي بهذا الصدد كيف حاولوا الفتك به لولا أن دخل تحت حماية الحاكم الروماني لفلسطين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 11:01 pm | |
| تاسعاً: قولهم على المسيح (عليه السلام) أنه ثالث ثلاثة (الأب والابن والروح القدس): لقد كان من عظمة الآيات التي أيَّد الله بها عيسى (عليه السلام)، أن افتتن قومه بها من بعده، فجعلوه إلهاً، وأغفلوا حقيقة معجزاته وهدفها، ووضح لنا ذلك رب العزة بقوله: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَأُمّيَ إِلَـَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللّهُ هَـَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) للّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنّ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة المائدة: الآيات 116-120).
حيث بين الله أن قوم عيسى (عليه السلام) قد غيروا تعاليمه من بعده، وافتتنوا به، ويريد الله أن يوبخهم على ذلك الفعل، كما يكشف الله لنا في النص القرآني براءة عيسى (عليه السلام) مما أحدثه قومه من بعده، ونرى رد عيسى (عليه السلام) لربه مبتدئاً بكلمة سبحانه، ثم برد عيسى (عليه السلام) العلم إلى الله تعالى، فالله علام الغيوب، وأن ما قاله هو أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، بل الله كان شاهداً على ذلك.
فهو يتبرأ منهم، ومن كل ما قالوه، وأن دعوته لم تزد عن التوحيد لله، ولم تخرج على الإسلام الذي اعترف به أتباعه، ويستعطف عيسى (عليه السلام) ربه عز وجل على عباده إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، مفوضاً الأمر لربه عز وجل، وأعلن تسليمه لله في نهاية حديثه، وأثنى على الله، فالله هو الملك وحده، وهو الخالق وحده، وهو القدير وما سواه عبيد.
قال تعالى: (مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ وَأُمّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطّعَامَ) (سورة المائدة: الآية 75)، لحاجتهما لما يحفظ حياتهما (فكيف يكون إلهاً!!)، ثم كان قوله تعالى:(إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (سورة آل عمران: الآية 59).
وقال لهم أيضاً: (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لّكُمْ إِنّمَا اللّهُ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لّهُ وما فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً(171) لّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً) (سورة النساء: الآيتان 171، 172).
هكذا حسم القرآن قصة الألوهية، وبين أن الله سبحانه وتعالى منزه عن الشريك والولد والشبيه، وفي النهاية كان قوله تعالى: (لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمّهُ وَمَن فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَللّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاَءُ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة المائدة: الآية 17).
فما عيسى وأمه عليهما السلام إلا عبدان ضعيفان كسائر خلق الله، لو شاء أن يهلكه هو وأمه، ومن في الأرض جميعاً لفعل، وبين الله جرمهم وكفرهم بقوله تعالى: (لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـَهٍ إِلاّ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ) (سورة المائدة: الآية 73).
لقد تعارضت المذاهب بعد رفع المسيح (عليه السلام) وضلوا، فما المسيح (عليه السلام) إلا عبد ورسول إلى بني إسرائيل، ولكنهم غيروا وبدلوا وقلبوا الحقائق.
كيف أن رضيعاً يتكلم في المهد، وتلك معجزة بكل المقاييس، ثم تخلو كل الأناجيل التي بين أيديناً الآن من هذه الواقعة؟! وهو لم يقل كلمات هينة، ولكنها مدروسة بعناية، كلمات ألجمتهم حتى أنهم لم يرجموا مريم عليها السلام، رغم وجود الرجم في كتابهم المقدس للزانية.
فحفظها جنود الله منذ أن قالها عيسى (عليه السلام) وحتى قيام الساعة.
فلم تذكر الأناجيل ذلك، لأنها لو ذكرت ذلك لسألناهم ماذا قال؟ سيكون الرد دون مواربة: لقد قال (عليه السلام) (قَالَ إِنّي عَبْدُ اللّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً(31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيّاً(32) وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّا(33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقّ الّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ(34) مَا كَانَ للّهِ أَن يَتّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(35) وَإِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـَذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ) (سورة مريم: الآيات 30-36)، وفي هذه نفي أنه إله أو شريك لله سبحانه، وفي الوقت نفسه قد ينفي تهمة الزنا عن والدته.
ولهذا لم يُذكر هذا القول في كتبهم لأنه ينقض قضيتهم في ألوهية المسيح (عليه السلام).
ومما يخزي أنهم قالوا تلك الأقاويل بعد رفع المسيح (عليه السلام) بثلاثمائة سنة عندما اختلف البطاركة الأربعة وكبار النصارى في أقوال متعددة، لا تنحصر ولا تنضبط، وتحاكموا إلى الملك قسطنطين باني القسطنطينية وهم المجمع الأول، فصار الملك على قول الباطل، واستقروا عليه، وتفردت الفرقة الصادقة التابعة لعبد الله بن أريوس الذي ثبت على أن عيسى (عليه السلام) عبد من عباد الله ورسوله، فسكنوا البراري والبوادي وبنوا الصوامع والديارات، وقنعوا بالعيش الزهيد، وفي المقابل بنت الملكية الكنائس الهائلة.
إنهم يقولون إن الله تجسد في عيسى (عليه السلام)، رغم أنهم يقرون بأن عيسى (عليه السلام) كان طفلاً ثم تدرج حتى صار كبيراً، فأي صورة من صور حياته المرحلية تمثل الله سبحانه وتعالى لتؤنس البشرية؟ وإذا كان الله كل هذه الصور فالله لا يتغير أبداً من طفل إلى كهل، فهو سبحانه منزه عن ذلك، وما هي المدة التي عاشها المسيح (عليه السلام) في الدنيا بين البشر؟ ثلاثون سنة، إذن فقد آنس الله الناس بنفسه ثلاثين سنة فقط؟؟ فكم عمر البشر والكون قبل المسيح (عليه السلام)؟ إنه آلاف وملايين السنين، هل ترك الله خلقه بلا إيناس في كل هذه الآلاف من السنين؟! ثم ترك خلقه ثانية بعد المسيح (عليه السلام) بلا صورة، لا حول ولا قوة إلا بالله، وصدق قوله (الضّآلّينَ) (سورة الفاتحة: الآية 7)، بل عرف الله عيسى (عليه السلام) لبني إسرائيل بقوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لّبَنِيَ إِسْرَائِيلَ) (سورة الزخرف: الآية 59).
هكذا فعل المغضوب عليهم والضالون، حيث اتخذوا من أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، لأنهم كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم وفي المعاصي، فلم يكن يُعبد قبل المسيح (عليه السلام) إلا الله، ولا بد أن يفرد بالعبودية في وجود المسيح ومن بعده. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 11:03 pm | |
| عاشراً: قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـَكِن شُبّهَ لَهُمْ وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ إتّبَاعَ الظّنّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (سورة النساء: الآيتان 157، 158).
هكذا حدثنا القرآن الكريم بأن الله تعالى لم يسمح لبني إسرائيل بقتل عيسى (عليه السلام) أو صلبه، وإنما نجاه الله من كفرهم، ورفعه إليه، فما قتلوه وما صلبوه، ولكن شُبه لهم.
فعلى الرغم من أن السيد المسيح (عليه السلام) اصطبغت رسالته الأولى في الجليل بصبغة الرسالة القومية إلى بني إسرائيل، وحرصه على السلام أشد الحرص، وعلى ألا يثير الناس على السلطان الحاكم، ولا يثير السلطان الحاكم عليه، حيث كان يؤثر المباعدة والتقية، فكان لا يساكنهم في بلد، بل كان يكثر من السياحة هو وأمه عليهما السلام، وبعد دعوته المباشرة ظل في بيت المقدس يرعى للكهان والفقهاء مكانتهم، عرف أن القوم يأتمرون به لإهلاكه، ومحاولة استدراجه إلى كلمة تثبت العصيان والتمرد على الدولة أو الكفر ونقض الشريعة.
هكذا مضى نبي الله عيسى (عليه السلام) في دعوته، بينما أدرك الشر زوال عرشه، وتحركت جيوش الخطيئة نحوه لما حسده اليهود على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات المبهرات، وأخذ اليهود يكيدون له، ويدسون عند الرومان بشأنه، واجتمع مجلسهم السهندريم (المجلس التشريعي الأعلى لليهود) للتآمر على عيسى (عليه السلام)، وبدأوا يخططون لقتله، بل وشوا به إلى الحاكم الروماني بأنه يدبر مؤامرة لأمن الدولة، وهنا تقرر القبض عليه وصلبه.
ذهب والي بيت المقدس ومعه طائفة من اليهود إلى منزل عيسى (عليه السلام) حيث كان معه الحواريون في يوم جمعة، فحصروهم هناك، فلما أحس بهم، وأنهم -لا محالة- داخلون عليه، قال لأصحابه: أيُكم يُلقى عليه شبهي، وهو رفيقي في الجنة؟ فقبل ذلك شاب منهم، وكرر الطلب، والشاب نفسه هو الذي يُلبي، فقال له عيسى (عليه السلام) أنت هو، وألقى الله عليه شبه عيسى، حتى كأنه هو، وفُتحت رزونة في سقف البيت، وأخذت عيسى (عليه السلام) سِنة من النوم فرُفع إلى السماء، وذلك ما قاله الله تعالى في كتابه العزيز: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَىَ إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ) (سورة آل عمران: الآية 55).
وبعد رفعه خرج باقي الحواريين، بينما دخل الجند ورأوا ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى (عليه السلام) فأخذوه في الليل وصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه، بل وتبجحوا بذلك، ووافقهم على ذلك باقي طوائف النصارى لجهلهم بما حدث، ما عدا من كان في البيت مع المسيح (عليه السلام) فإنهم شاهدوا رفعه، أما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) حتى ذكروا أن مريم عليها السلام جلست تحت ذلك المصلوب وبكت، وهذا كله امتحان من الله لعباده، لِمَا في ذلك من الحكمة البالغة، بَيَّنَهَا لنا اللهُ ووضَّحَهَا بقوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـَكِن شُبّهَ لَهُمْ) (سورة النساء: الآية 157)، لأنهم رأوا شبهه فظنوا إياه، ولهذا قال: (وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ إتّبَاعَ الظّنّ) (سورة النساء: الآية 157)، وهو يعني أن من ادعى قتله من اليهود، ومن سلَّم بذلك من جهلة النصارى، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسُعر ولهذا قال تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (سورة النساء: الآية 157) بل رفعه الله إليه لأنه عزيز حكيم، والغريب والعجيب أنهم يقولون (إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ) (سورة النساء: الآية 157)، فأي بشاعة أن يقتلوه، وهم يعلمون أنه رسول الله، بل قالوا بذلك.
هكذا أثار ميلاد المسيح (عليه السلام) ضجة شديدة، فهو على غير سنة موجودة، فلما كان الميلاد مخالفاً فلابد لنا أن نتوقع أن تكون النهاية مخالفة أيضاً؟! حتى تتسق معجزة النهاية مع معجزة الميلاد، لأن عيسى (عليه السلام) دخل الحياة بأمر عجيب، فلماذا لا يخرج منها بأمر عجيب؟.
قيل إن بعض الذين ذهبوا لقتل عيسى (عليه السلام) لما عرفوا أنه رُفع خافوا أن تنتشر حكاية رفعه بين الناس، فيؤمنوا به، وقد ينتقم الناس ممن أرادوا قتله، ولذلك جاءوا بشخص وقتلوه وألقوا عليه شبه عيسى (عليه السلام) وأعلن القتلة أنهم قتلوه.
وقيل إن القتيل هو أحد ممن باعوا نبي الله عيسى (عليه السلام) لليهود (يهوذا الاسخريوطي) وهو من تلاميذه، ولما رأى المشهد، وتيقظت ملكة التوبة في نفسه بعد أن وشى به، فقاده تأنيب الضمير أن يقول أنا عيسى، ولم يتصور المتربصون أن يجيب إنسان على قولهم (أيكم عيسى) إلا وهو عيسى (عليه السلام) بالفعل، فقتلوا الذي اعترف على نفسه (موافق لبرنابا).
كل هذه الروايات لا تهمنا بقدر قولهم إنا قتلنا عيسى وصلبناه، ويكفينا قول الحق سبحانه وتعالى أنه رفع عيسى (عليه السلام) إليه، ولكن الغريب هو أن الأناجيل الأربعة المعترف بها من المسيحيين اليوم تحدثنا أن عيسى (عليه السلام) قُتل مصلوباً ثم قام من الموت وصعد إلى السماء، بينما يُثبت القرآن الكريم كرامة عيسى (عليه السلام) عند ربه بإنقاذه من أيدي اليهود، فلم يسمح لهم بتعذيبه أو قتله، وإنما رفعه إلى السماء.
هكذا كانت الأدلة من الكتاب والسنة قد خصته برفعه إلى السماء وإبقائه حياً ثم إنزاله آخر الزمان ليحكم بشريعة القرآن، وهذا إنكار من الله على اليهود أنهم قتلوه أو صلبوه، فعيسى (عليه السلام) حي باقٍ، وإذا كانوا أرادوا قتله فالله غالب على أمره، وهو العزيز بحكمه.
أمَّا عن مبدأ وجود بشر في السماء، فنحن نؤمن به ونعتقده، فقد حدثنا رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه عُرج به إلى السماء وقابل الأنبياء الواحد تلو الآخر، ومنهم عيسى (عليه السلام) ورأى الكثير من الرؤى، فمبدأ صعود واحد من البشر من الأرض إلى السماء، وهو لا يزال على قيد الحياة البشرية المادية أمر وارد، وبذلك يكون الخلاف في المدة الزمنية، وهذه الأمور بقدرة الله ومشيئته، ولهذا فإن الله رفعه إليه، وسيتنزل طبقاً لقول الله، ليكون علماً للساعة, وليسفه قضية ألوهية المسيح (عليه السلام) عندهم، ثم بعد ذلك يجري عليه قدر الله في خلقه وهو الموت.
قال تعالى: (وَإِن مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (سورة النساء: الآية 159)، ولهذا فلن يموت المسيح (عليه السلام) الموتة الحقيقية إلا بعد أن يؤمن به أهل الكتاب عبداً ورسولاً ومبشراً، فهو سينزل بلحمه وشحمه في آخر الزمان، وسيصلي خلف واحد من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذي بشر به عيسى (عليه السلام)، ويحكم بين الناس بالعدل متبعاً في ذلك شريعة نبينا محمداً (صلى الله عليه وسلم) فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويقتل المسيح الدجال، ولا يقبل إلا الإسلام وسيؤمن به أهل الكتاب من اليهود والنصارى جميعاً قبل موته.
حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) (البخاري: 2070، مسلم: 220، الترمذي: 2159، أحمد: 10522)، ولهذا ذيل الحق سبحانه الآية بقوله (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (سورة النساء: الآية 159).
فعيسى (عليه السلام) سيشهد على مَنْ عاصر نزوله في الدنيا، وسوف يشهد يوم القيامة على الذين ادَّعَوْا فيه الألوهية.
ولله الحكم أولاً وأخيراً يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، وهو العزيز الحكيم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: رد: عيسى بن مريم (عليه السلام) الأحد 12 ديسمبر 2021, 11:05 pm | |
| حادي عشر: موقف الإسلام من النصارى أصول الشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون واحدة، أوحى الله بها إليهم، وأنزل عليهم بها كتبه، يوصي فيها سابقيهم بالإيمان باللاحق منهم ونصره وتأييده، ويوصي متأخرهم بتصديق من تقدموا منهم، وكل ما جاءوا به من عند الله يُسمى دين الإسلام، وعلى ذلك فمن آمن بأصول الشرائع، على ما جاء به الأنبياء والمرسلون فقد رضي الله عنهم، وكتب لهم السعادة، والفلاح، وهم الذين امتدحهم الله في كتابه، وأثنى عليهم نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في سنته.
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيْنَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىَ ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوَاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مّنَ الشّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلّىَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ ءَامَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَالنّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة آل عمران: الآيات 81-85).
وقال تعالى: (ءَامَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ ءَامَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ) (سورة البقرة: الآية 285).
وقال تعالى: (وَقَفّيْنَا عَلَىَ ءَاثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَوْرَاةِ وَءَاتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلَـَكِن لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا ءَاتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىَ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (سورة المائدة: الآيات 46-48).
وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ) (سورة المائدة: الآيتان 15، 16).
وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَىَ فَتْرَةٍ مّنَ الرّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة المائدة: الآية 19).
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ إِلاّ نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء: الآية 25).
ومن أجل هذا أخبر سبحانه وتعالى أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ليسوا سواء في حكمه، بل أثنى على طائفة من هؤلاء وذم طائفة أخرى.
أ.الذين أثنى الله عليهم من اليهود والنصارى ووصفهم بصفات جعلتهم أهلاً للثناء عليهم والفوز بالسعادة والنعيم المقيم وهم الذين امتثلوا أمره منهم بقوله تعالى: (قُولُوَاْ ءَامَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (سورة البقرة: الآية 136).
وأيضاً الذين قال الله فيهم: (وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (سورة آل عمران: الآية 199).
ومنهم بعض النصارى وصفهم الله بقوله تعالى: (وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُمْ مّوَدّةً لّلّذِينَ ءَامَنُواْ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّا نَصَارَىَ ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَىَ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا ءَامَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) (سورة المائدة: الآيات 82-85).
كما أثنى الله على جماعة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى بقوله: (لَيْسُواْ سَوَاءً مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ ءاَيَاتِ اللّهِ ءَانَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتّقِينَ) (سورة آل عمران: الآيات 113-115).
2.ومن الذين ذمَّهمُ اللهُ من اليهود والنصارى، ووصفهم بصفات استوجبوا بها سخط الله ولعنته وأليم عذابه الذين نافقوا، أو أمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، وكتموا الحق بعدما تبين، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وافتروا على الله الكذب في أصول الشرائع أو فروعها، ونقضوا ما أُخذ عليهم من العهد والميثاق، حيث قال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوَاْ ءَامَنّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُوَاْ أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاّ أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ (78) فَوَيْلٌ لّلّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمّ يَقُولُونَ هَـَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لّهُمْ مّمّا يَكْسِبُونَ) (سورة البقرة: الآيات 75-79).
وذم الله أيضاً الذين قالوا اتخذ الله ولداً واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، ورد على فريتهم بقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ (30) اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلَـَهاً وَاحِداً لاّ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (سورة التوبة: الآيتان 30، 31).
وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُم مّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جَاءَهُم بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ مّبِينٌ) (سورة الصف: الآية 6).
قد وردت هذه البشارة في الفصلين الثالث والأربعين والرابع والأربعين من إنجيل برنابا المكتوب بالإيطالية، والذي عُثر عليه سنة 1709 ومحفوظ الآن بمكتبة البابوية بروما، حيث يعود وجوده إلى منتصف القرن الخامس عشر، ولذا فهو من الأناجيل التي حرمت الكنيسة قراءتها لتوافقها مع القرآن الكريم في نصها على وحدانية الله، وعدم صلب المسيح (عليه السلام)، وأنه نبي وليس إلهاً، وبشر بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، وأن الذبيح هو إسماعيل (عليه السلام) وليس إسحاق (عليه السلام)، إضافة إلى اشتماله على أخبار دقيقة عن التوراة.
وهي أربعة مسائل جوهرية في العقيدة، تخالف ما نصت عليه أناجيلهم، ورغم أن هذا الإنجيل مذكور في كتب القرن الثاني والثالث الميلادي، ومن ثَم، فهو مكتوب قبل ظهور نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) بمئات السنين، كما أنه الكتاب القانوني لكنيسة الإسكندرية في عصور المسيحية الأولى، حيث كانت عقيدة التوحيد هي الغالبة، واستمر الحال حتى انعقاد مؤتمر فينيقية المسكوني برعاية الإمبراطور قسطنطين سنة 325م وفُرضت فيه عقيدة الثالوث.
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ إِلاّ نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنّهُ لا إِلَـَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء: الآية 25).
إلى غير ما ذُكر من الآيات الدالة بالعموم والخصوص على وحدة أصول التشريع الذي جاءت به الأنبياء من توحيد الله بالعبادة، والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر وأصل الزكاة والصيام.
وفي هذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ َأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ) (البخاري: 3187، مسلم 4362).
وعلى هذا فمن آمن بأصول الشرائع على ما جاء به الأنبياء والمرسلون فقد رضي الله عنهم وكتب لهم السعادة والفلاح، وهم الذين امتدحهم الله في كتابه، وأثنى عليهم نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في سنته، ومن آمن ببعض الأصول التي جاءوا بها من عند الله، وكفر ببعض، فأولئك هم الكافرون حقاً بالجميع، لضرورة وحدتها، وتصديق بعضها بعضاً، وأعد الله لهم جهنم وساءت مصيراً، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله في كتابه، وذمهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سنته، مصداقاً لقول الله تعالى: (إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مّهِيناً (151) وَالّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ أُوْلَـَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) (سورة النساء: الآيات 150-152).
وذم الله منهم من زعم مع كفره أن الجنة وقف عليهم، لا يدخلها غيرهم، كذبهم في زعمهم، وبين من هم أهل الجنة حقاً بقوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة البقرة: الآيتان 111، 112).
وذم منهم من قتل الأنبياء والصالحين بغير حق، وذم قولهم قلوبنا غلف، وافترائهم على مريم بهتاناً عظيماً، وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم، وأكلهم الربا وأموال الناس بالباطل، ومن قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وكفرهم جميعاً ورد عليهم مزاعمهم الباطلة وتوعدهم بالعذاب الأليم.
من كل ما سبق يتبين أن الإسلام وقف من اليهود والنصارى موقف إنصاف وعدل، وإنه لا تناقض بين نصوص الكتاب والسنة في الإخبار عنهم ثناءً وذماً.
وفي النهاية فإن الله أخبرنا بأن أهل الكتاب غيروا وبدلوا في كتبهم، فامتزج فيها الحق بالباطل، ولذلك فالفصل في ذلك هو حديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم) عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا (ءَامَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (سورة العنكبوت: الآية 46)) (صحيح البخاري: 4125).
(سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ (180) وَسَلاَمٌ عَلَىَ الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ) (سورة الصافات: الآيات 180-182). ---------------------------- المسيح، لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برئ بإذن الله تعالى، وبعض السَّلف يقولون سُمي مسيحاً لمسح الأرض وكثرة سياحته للدعوة بالدين. |
|
| |
| عيسى بن مريم (عليه السلام) | |
|