أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 51866 العمر : 72
| موضوع: نوح (عليه السلام) الأربعاء 08 ديسمبر 2021, 9:34 am | |
|
نوح (عليه السلام) هو نوح بن لامك بن متوشالح (متوشلح) بن خنوخ (إدريس(عليه السلام)) بن يارد بن مهلائيل (مهلاييل) بن قينان (قينن) بن أنوش بن شيث بن آدم (أبو البشر)، وقد وُلد نوح (عليه السلام) بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره، وخالفه ابن عباس في الفاصل الزمني بين آدم ونوح عليهما السلام فقال: كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام. ورد ذكر نوح (عليه السلام) في43 موضعاً في القرآن الكريم، وذُكرت قصة نوح (عليه السلام) مفصلة في القرآن الكريم في سورة (الأعراف، المؤمنون، الشعراء، القمر، نوح)، وهو أول رسول لأهل الأرض، وولد له (سام وحام ويافث ويام "كنعان"). مرت أعوام وأعوام, وتغيَّرت في الأرض أشياء وأشياء, وعادت مرة ثانية خطيئة النسيان, وظهرت عبادة الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، وكانت أسماء أصنامهم التي اتخذوها آلهة هي (ود).. و(سواع).. و(يغوث).. و(يعوق).. و(نسرا)، صنع الناس تلك التماثيل تخليداً لذكرى خمسة رجال صالحين من أجدادهم، ولم يترك إبليس تلك الفرصة فأوهمهم بأن تلك التماثيل هي آلهة، تملك النفع والضر لهم، وأضلهم فضلوا ضلالاً بعيداَ. في هذا الجو الوثني أظهر الله تعالى نوحاً (عليه السلام)، وبعثه برسالته إلى قومه، وهو ابن خمسين سنة، وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة (اُنظر خريطة بعثة نوح (عليه السلام) وكان نوح (عليه السلام) هو العقل الوحيد الطافي فوق دوامات الخراب الجماعي الهائل المتمثل في الشرك بالله، حيث اختار الله عبده نوحاً (عليه السلام) وأرسله إلى قومه لهدايتهم ودعوتهم إلى البعد عن عبادة الأوثان، وعبادة الإله الواحد الديان، وكان نوح (عليه السلام) على الفطرة مؤمناً بالله قبل بعثته إلى الناس, وهكذا كان كل الأنبياء، كما كان نوح (عليه السلام) عبداً شكوراً، يشكر الله في كل أحواله (حين يأكل/ يستيقظ/ ينام)، قال تعالى: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (الإسراء: الآية 3). أولاً: إرسال نوحٍ عليه السلام إلى قومه اختاره الله عز وجل رسولاً إلى قومه لينذرهم من عذاب الله إن ظلوا على شركهم وكفرهم، قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (نوح: الآية 1)، ولقد لبث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، كان خلالها يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة تلك الأصنام، فقام داعياً قومه ومبلغاً رسالة ربه لهم قائلاً: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: الآية 59)، غير أنهم كانوا قوماً بالغي الكفر والضلال، فقد أخذ نوح (عليه السلام) يدعوهم بالليل والنهار، سراً وعلانية، فلم يزدهم دعاؤه إلا بعدا وفراراً وضلالاً، وقد شكا نوح (عليه السلام) حال قومه إلى الله فقال: (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِي إِلاَّ فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا(7)ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)) (نوح: الآيات 5-9). لم يؤمن من قوم نوح (عليه السلام) إلا عدد قليل من فقراء قومه، بينما استكبر كبراؤهم وسادتهم، بحجة أنه بشر مثلهم، فكيف يوحى إلى بشر منهم من دونهم، ثم إن الذين اتبعوه من قومه هم أراذلهم، (كالباعة والحاكة وأشباههم)، وهم ليسوا بأشراف ولا رؤساء فيهم، وقالوا إنهم اتبعوا نوحاً(عليه السلام) بغير ترو ولا فكر ولا نظر، وما لهم من فضل في شيء، فهم أراذل القوم في الخلقة والخُلق والرزق والحال، وهو قول الذين كفروا من قومه، قال تعالى: (فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) (هود: الآية 27). ثانياً: دعوة نوح (عليه السلام) لقومه بذل نوح (عليه السلام) وسعه وجهده بغية أن يتبعه قومه فيؤمنوا بالله تعالى, وكانت دعوته إلى قومه دعوة العقل والمنطق، دعوة لقوم وضعوا الغشاوة على أعينهم، والأكنة على قلوبهم، ووضعوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً، كان نوح (عليه السلام) يقول: (يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءَاتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (هود: الآيات 28-31). هكذا كان نوح (عليه السلام) يدعوهم إلى ربهم بالعقل والمنطق، لم يكرههم على الإيمان به، ولم يسألهم على دعوته أجراً، ودافع عن المؤمنين دفاعاً قوياً ومنطقياً، فكيف يطرد الذين آمنوا معه بعد إيمانهم ؟، إن هذا هو ما يريده كبراء قومه وسادتهم، يريدونه أن يتخلى عن الذين آمنوا فينهار كل شيء، لكن كان سؤاله لقومه وحجته عليهم، أن قال لهم، من الذي ينصرني من الله إن طردتهم؟، إنه متمسك بمن آمن معه، فقد آمنوا به، وهم يعلمون أنه بشر مثلهم، وليس عنده خزائن الله، ولا يعلم الغيب، ولم يدَّعِ لهم أنه ملك من الملائكة حين آمنوا، غاية الأمر أنه بشر مثلهم، اصطفاه الله عليهم برسالته، فقام بها على وجهها. ولما لم يفلح معهم أسلوب المخاطبة بالعقل والمنطق، أخذت دعوته طابع الترغيب بلفت أنظارهم إلى الماديات المحسوسة لديهم، وجذب الانتباه إلى الخالق العظيم عن طريقها، فقال لقومه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضِ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا) (نوح: الآيات 11-20). إن نوحاً(عليه السلام) قد وجه أنظارهم إلى الذي خلقهم أطوارا أطوارا، وإلى الذي خلق لهم سبع سماوات طباقا، و جعل القمر فيهن ضياء والشمس سراجا، وإلى الذي خلقهم من الأرض وأنبتهم منها نباتا، والذي سيعيدهم فيها، ويخرجهم منها إخراجاً، لكن قومه كانوا مستكبرين جاحدين تستهويهم عبادة الأصنام فنادوا بعضهم بعضاً وقالوا: (لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (نوح: الآية23)، وقد أضلوا كثيراً منهم ومكروا مكراً كباراً. طال الزمان على نوح (عليه السلام) هو يدعوهم إلى ربهم، ومع ذلك ازدادوا إعراضاً ونأياً، وقد تصاعدت مراحل تكذيبهم وتدرجت من السخرية، إلى التهكم والاستفزاز، مروراً بمرحلة الجدال والاتهام بالضلال والجنون، وصولا إلى مرحلة التهديد بالقتل أو الرجم. ثالثاً: مراحل تكذيب قوم نوح لرسولهم 1. مرحلة السخرية تجلت هذه المرحلة حينما بدأ نوح (عليه السلام) في صنع السفينة، والذي استغرق منه زمناً طويلاً، وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، لقد كانوا يسخرون منه، ويضحكون مما يصنعه في هذا المكان القاحل، قال تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) (هود: الآية 38). 2. مرحلة التهكم والاستفزاز كان نوح (عليه السلام) يستمع إلى سخريتهم ويجيب على تلك السخرية بقوله: (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) (هود: الآية 38)، لكنهم انتقلوا من مرحلة السخرية إلى مرحلة أخرى، هي مرحلة التهكم والاستفزاز، فقال الملأ الذين كفروا من قومه: (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) (هود: الآية 27). 3. مرحلة الجدال لم يكتفوا بالسخرية والتهكم والاستفزاز، بل تصاعد تكذيبهم إلى مرحلة الجدال، كما توضح لنا الآية التالية من سورة هود، والتي يعبر عنها القرآن الكريم بكلمتهم التي قالوها لنوح (عليه السلام) (أكثرت جدالنا)، والتي يبدو منها أنهم قد وصلوا في جدالهم معه إلى حد بعيد، فكان كلما جاءهم نوح (عليه السلام) بالحق جادلوه بالباطل وهكذا، تدبر قوله تعالى: (قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) (هود: الآية 32). 4. مرحلة الاتهام بالضلال لجّ قوم نوح في تكذيبهم، وتمادوا ليصلوا إلى مرحلة توجيه الاتهام إليه بالضلال، مع أنهم هم الذين في ضلال مبين، لكن المكذبين، هكذا، يقلبون الأمور ويعكسون الحقائق دائما !! قال تعالى مصوراً لنا قولهم المنكر: (قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) (الأعراف: الآية 60). 5. مرحلة الزجر والاتهام بالجنون إن الاتهام بالضلال لاشك أنه أقل حدة من الاتهام بالجنون، ويتضح لنا من الآية التالية سوء المعاملة مع الرسول المنذر(عليه السلام) بالتمادي في التكذيب ودرجات الاتهام الموجهة إليه من قومه، لقد تحمل نوح (عليه السلام) الكثير من الأذى من قومه طوال تلك الفترة الزمنية التي تقدر بمئات السنين، لم يكتفوا بتوجيه اتهامهم الباطل له بالجنون، بل زجروه ونهروه أيضاً، قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (القمر: الآية 9). 6. مرحلة التهديد بالرجم هكذا بلغ التكذيب ذروته وبلغ مداه منتهاه، فلم يبق بعد التهديد سوى التنفيذ الفعلي لهذا التهديد، لقد تدرجوا في تكذيبهم خطوة بعد خطوة، ودرجة بعد أخرى، حتى هددوه بالرجم، قال تعالى: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء: الآية 116). إن التهديد بالرجم أو القتل هو أعلى درجات التكذيب، فلا يبقى بعدها سوى البطش الفعلي بنوح (عليه السلام)، وهذا الأسلوب مستمر منذ عصر نوح (عليه السلام) وحتى الآن، فلا يسلم منذر من بطش قومه، وقد عمدنا إلى تصوير مراحل تكذيب قوم نوح (عليه السلام) حتى تكون نموذجاً لباقي أقوام الأنبياء، فقد لبث نوح (عليه السلام) في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، على الرغم من تكذيبهم له لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا) (العنكبوت: الآية 14)، وهى مدة لم يبلغها نبي ولا رسول في قومه، ولهذا ضَرَبَ الله لنا بهم المثل في التكذيب، فتتكرر الآيات في القرآن الكريم التي تقول في أكثر من موضع (كذبت قبلهم قوم نوح) حتى يمكن أن يرجع إلى قصته كل من يريد أن يعرف معنى التكذيب الحقيقي الذي يتعرض له الأنبياء والمرسلون، ونموذجاً للمكذبين على مر العصور!!. رابعاً: يأس نوح عليه السلام من هداية قومه بعد هذا التكذيب المتصاعد والذي بلغ ذروته حد التهديد بالرجم، حزن نوح (عليه السلام) حزناً شديداً لما آل إليه قومه من إصرار على الكفر، فعلى الرغم من هذا العمر الطويل المديد الذي مكثه بينهم، وعلى الرغم من دعوته المستمرة لهم سراً وعلانية، بالليل والنهار، فإن عدد المؤمنين من قومه لم يزد على من آمن معه في بداية الآمر، وكان نوح (عليه السلام) يبتئس بما كان يفعله قومه المستكبرون الكافرون، وها هو ذا قد تأكد من عدم إيمان عدد آخر من قومه بعد أن أوحى الله إليه ذلك، قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ ءَامَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (هود: الآية 36). عندئذ دعا نوح (عليه السلام) ربه بأن يهلك الكافرين من قومه وألا يبقي على الأرض من الكافرين ديارا، قال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا) (نوح: الآيتان 27,26)، لقد كان قوم نوح (عليه السلام)، أناساً من البشر لا يستحقون شفقة ولا رحمة، قلوبهم سوداء أعماها الظلام، استمرأوا الكفر وعبادة الأصنام، لقد كانوا قوماً فاسقين طاغين، قال تعالى: (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الذاريات: الآية 46). وكانوا هم أظلم وأطغى، قال تعالى: (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) (النجم: الآية 52). خامساً: نوح عليه السلام يصنع الفلك قُضي الأمر.. وحكم الله عز وجل على الكافرين بالغرق، فأمر نوحاً(عليه السلام) بأن يصنع الفلك بعناية الله ووحيه حتى تكون أداة لنجاته، هو والمؤمنين معه من الغرق، قال تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود: الآية 37)، وأخبره سبحانه وتعالى بأن الكافرين سيغرقون مهما كانت أهميتهم أو درجة قرابتهم له، وبدأ نوح (عليه السلام) يغرس الشجر ويزرعه، ثم ينتظر سنوات ليقطعه ثم يقوم بنجارته وتركيبه شيئاً فشيئاً حتى صنع الفلك، وخلال ذلك كان كلما مر عليه ملأ من كفار قومه وشاهدوه وهو يصنع السفينة سخروا منه، فالجفاف يحيط به من كل مكان، ولا يوجد على مقربة منه بحار أو أنهار، ولعل أشد ما أثار سخريتهم أنهم علموا أنه يصنع تلك السفينة كي تكون أداة لنجاته، هو ومن معه من المؤمنين، استبعاداً منهم وقوع عذاب من عند الله كما كان يقول نوح (عليه السلام)، فأي عذاب هذا الذي يتطلب صنع سفينة للنجاة في مكان، من المحال وجود مصدر ماء به يقدر على حمل السفينة؟، لماذا إذن تلك السفينة التي يصنعها نوح (عليه السلام)، لهذا كانوا يسخرون، ولكن نوحاً(عليه السلام) كان يسخر منهم أيضاً كما يسخرون، قال تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (هود: الآيتان 39,38). وأوحى الله إلى نوح (عليه السلام) أنه إذا فار التنور كان هذا علامة على بدء الطوفان وبدء هلاك الكافرين من قومه. أما عن السفينة فلا يوجد نص بالقرآن يبين حجمها وأبعادها وإنما وُصفت بأنها (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (الشعراء: الآية 119)، وبأنها (ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) (القمر: الآية 13)، أي ألواح ومسامير، وإنما ذُكر حجمها في التوراة ، وقال قتادة: طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً وارتفاع ثلاثين زراعاً، وقال ابن عباس: طولها ستمائة وستون زراعاً في عرض ثلاثمائة وثلاثين ذراعاً وارتفاع ثلاثين ذراعاً، وقد فجر الله له عين القار بجانب السفينة تغلي غلياناً حتى طلاها به، وكانت السفينة ثلاث طبقات، كل طبقة عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مُطبق عليها، قال الحق سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا ءَايَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: الآية 15) والصورتان (اُنظر صورة أثر سفينة نوح) توضحان آثاراً متحجرة لرسو السفينة على أحد الجبال، وكذلك رسم تخطيطي للسفينة كما يصورها بعض علماء الآثار، والله أعلم بحقيقة هذا الأثر!! هل هو أثر سفينة نوح (عليه السلام) فعلاً، أم هو أثر سفينة أخرى؟!. سادساً: الطوفان فلما أتم نوح (عليه السلام) عدته وصنع السفينة, وجاء الموعد المحتوم, ورأى نوح (عليه السلام) الأمارة التي بينه وبين ربه على ابتداء أمر الطوفان, وهو فوران التنور, وانبثاق الماء فيه, (قيل مكانه ناحية الكوفة كما روى السدي)، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ ءَامَنَ وَمَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاِهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (هود: الآيتان 40،41). أمر الله تعالى نوحاً(عليه السلام) أن يحمل في السفينة أهله ومن آمن من قومه، وكانوا قليلين (قال ابن عباس: كان مع نوح (عليه السلام) في السفينة ثمانون نفساً منهم نساؤهم، وقال كعب الأحبار هم اثنان وسبعون نفساً، وقيل إنهم عشرة)، ولا يهمنا في هذا الأمر العدد الذي ركب في السفينة، إنما الذي يجب معرفته هو أن الذين ركبوا في السفينة هم الذين آمنوا من قومه، وأنهم كانوا قليلين، فغالب قومه من المغرقين، وأدخل نوح (عليه السلام) في السفينة أيضاً من كل حيوان وطير ونبات زوجين اثنين، ولم تركب معه زوجته لأنها كانت من الكافرين (كانت تُسمى واعلة وقيل واغلة)، استسلمت للشيطان واتخذت الكُفر طريقاً, والعناد سلوكا,ً والسخرية أسلوباً، كانت ترصد حركات زوجها، وتبلغ بها جبابرة قومها، تبلغهم بمن آمن بنوح (عليه السلام) فيعذبونهم، لقد كذبت الزوجة دعوة زوجها، وفرقت بين أسرتها فاستجاب لها ابنها الأكبر يام "كنعان" بلغة أهل الكتاب، فخادع والده في دعوته، فلم يكن نوح (عليه السلام) يعلم أن ابنه مع الكافرين, ولقد ضرب الله بزوجته مثلا للكافرين إلى يوم الدين، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم: الآية 10). واصل نوح (عليه السلام) تحميل السفينة, فلما استووا على ظهرها انهمرت المياه من السماء وانفجرت عيون الأرض، قال تعالى: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)) (القمر: الآيات 11- 14)، وحملت المياه السفينة ومن فيها، ومكثت ما شاء الله أن تمكث إلى أن غرق كل ما على الأرض من إنسان وحيوان ونبات (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالَ) (هود: الآية 42)، طافت السفينة بما عليها فوق الماء الذي كشر عن أنيابه وأصبح موجه كالجبال، ونادى نوح (عليه السلام) ابنه وكان في معزل منه: (يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) (هود: الآية 42)، فأبى ابنه أن يُلبي النداء فقد كان كافراً بالله وخادعا والده، وكان يظن أنه في مأمن من الغرق، فقال: (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) (هود: الآية 43)، وعاد نوح (عليه السلام) يناديه ويذكره بأن لن ينجو من الغرق أحد في هذا اليوم إلا من كان في رحمة الله فقال لابنه: (لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) (هود: الآية 43)، وبينما كان هذا الحوار يدور بين نوح (عليه السلام) وابنه إذ حجز بينهما الموج فلم ير كل منهما الآخر أو يسمعه، وغرق الابن وأسف نوح (عليه السلام) عليه، قال تعالى: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود: الآية 43). وكانت السفينة تجرى بهم في موج هائل كالجبال، تتمايل بقوة ذات اليمين وذات الشمال، لا تستقر على شيء، وظلت على هذا الحال حتى غرق الكافرون جميعاً فلم يبق منهم أحد، ثم أمر الله سبحانه وتعالى الأرض أن تبلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع عن الماء، فبدأ الماء يهدأ ويتناقص رويدا رويدا حتى استقرت السفينة على جبل الجودي، وهو جبل حصين شمال الموصل، (اُنظر خريطة بعثة نوح (عليه السلام)) قال تعالى: (وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: الآية 44). وبعد أن قضى الله تعالى وقدر نجاة المؤمنين وإهلاك الكافرين، أمر بأن تهبط السفينة بسلام وبركة من عنده سبحانه، بركات على نوح (عليه السلام) وعلى أمم ممن معه، قال تعالى: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) (هود: الآية 48)، أي انزل يا نوح من السفينة لتباشر مهمتك الإيمانية في الأرض، وابدأ فيها حياة جديدة بعد هلاك الكافرين ونجاة المؤمنين، الذين شهدوا طوفاناً سيظل في ذاكرتهم لفترة من الزمن. (اُنظر خريطة ذرية نوح (عليه السلام)) و(خريطة توزيع الجنس البشري). سابعاً: استشفاع نوح عليه السلام لابنه كان نوح (عليه السلام) يأمل في نجاة ابنه، فدعا الله ضارعاً أن ينجيه، وكيف لا وقد وعده الله بنجاة أهله إلا من سبق عليه القول، وما كان نوح (عليه السلام) يظن أن ابنه كان كافراً، فقد كان يُظهر له طوال حياته أنه مع المؤمنين، فكيف هلك؟ قال نوح (عليه السلام) مناجياً ربه: (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (هود: الآية 45)، فأجابه الحق تبارك وتعالى بأنه ليس من أهله (أي من المؤمنين) بل هو من الكافرين والمنافقين، وعاتبه الله على ذلك، وأمره بألا يسأل فيما ليس له به عِلم، وألا يسير وراء الظن فإن الله هو العليم بذات الصدور، وإن كان خدعه فلن يخدع الله عز وجل، فالله يعلم أن هذا الابن لم يؤمن بالله لحظة واحدة ولا بما يدعو له أبوه (عليه السلام)، قال تعالى: (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود: الآية 46). كان الابن مخادعاً لأبيه، وهذا ما لم يعلمه نوح (عليه السلام)، فلما علم نوح (عليه السلام) ذلك من ربه دعا الله أن يغفر له ذلك، وقال: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (هود: الآية47). ثامناً: وفاة نوح عليه السلام عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) (إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ آمُرُكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ قَالَ قُلْتُ أَوْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الشِّرْكُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الْكِبْرُ قَالَ أَنْ يَكُونَ لأَحَدِنَا نَعْلاَنِ حَسَنَتَانِ لَهُمَا شِرَاكَانِ حَسَنَانِ قَالَ لاَ قَالَ هُوَ أَنْ يَكُونَ لأَحَدِنَا حُلَّةٌ يَلْبَسُهَا قَالَ لاَ قَالَ الْكِبْرُ هُوَ أَنْ يَكُونَ لأَحَدِنَا دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا قَالَ لَا قَالَ أَفَهُوَ أَنْ يَكُونَ لأَحَدِنَا أَصْحَابٌ يَجْلِسُونَ إِلَيْهِ قَالَ لاَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الْكِبْرُ قَالَ سَفَهُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ) (مسند أحمد: 6295). وقد ذكر القرآن الكريم أن نوحاً (عليه السلام) لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهى الفترة التي قضاها لدعوة قومه, وقد بُعث إليهم وهو ابن خمسين ومائتي سنة على الغالب، وبقى بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة، فيكون نوح (عليه السلام) قد بلغ من العمر ألفاً وأربعمائة وخمسين سنة, فقد روى عن أنس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لما بعث الله نوحاً (عليه السلام) إلى قومه, بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة, فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما, وبقى بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة, فلما أتاه ملك الموت قال: يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتا له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر، وقيل دخل من أحدهما وجلس هنيهة ثم خرج من الباب الآخر. وقد روى ابن جرير والأرزقي عن عبدالرحمن بن سابط وغيره من التابعين، أن قبر نوح (عليه السلام) يوجد بالمسجد الحرام، والله أعلم. تاسعاً: صفات نوح (عليه السلام) هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وأَهلك الله أهل الأرض كلهم بدعائه، كما كان شاكراُ لله فقد وصفه الله في القرآن بالعبد الشكور، قال تعالى: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) (الإسراء: الآية 3), لأنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث الشفاعة قال:(فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ) (صحيح البخاري: 3092)، وهو أطول الأنبياء عمراً فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا) (العنكبوت: الآية 14). المصدر: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Denia9/Prophets/sec05.doc_cvt.htm |
|