أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث الثاني: الموت عند اليهود والنصارى الإثنين 08 نوفمبر 2021, 6:11 pm | |
| المبحث الثاني: الموت عند اليهود والنصارى أولاً: الموت عند اليهود 1. معنى الموت كلمة "موت" العربية يقابلها في العبرية كلمة "مافت" والتي كانت تعني إله الموت، في العبادة الكنعانية القديمة، الذي كان دائماً يصارع "بعل" إله المطر والخصب، ويعود "بعل" في شهر المطر، ويموت في نهايته، أمَّا "مافت"، فيعود إلى الحياة حينما يتوقف المطر، ويموت حينما يهطل المطر مرة أخرى، وهذه رؤية ثنوية للإله وجدت طريقها إلى العهد القديم، إذ ينظر إلى الموت باعتباره قوة مستقلة عن الإله، وله رسله (هوشع 13 /14) أمثال (16/14).
وتوجد عبارات عديدة في العهد القديم يفهم منها أن أعضاء جماعة إسرائيل تصوروا أن الموت ضرب من ضروب العودة إلى الأسلاف، والانضمام إليهم (سفر التكوين 49/33، عدد 27/13)، وهو تعبير عن الطبقة الحلولية داخل اليهودية، ومن هنا نشأ الاهتمام بمكان الدفن؛ إذ أصبح من الضروري أن يدفن اليهودي بجوار أسلافه.
والديانة اليهودية في عهدها الأول لم تعن بخلود الروح ولم تذكره بحرف، وما نشأ فيها ذلك إلا بعد دخولها في دور جديد من الأجيال التالية.
وقد ارتبط مفهوم الموت بعدم الإيمان بالبعث، فكان الموت ينظر إليه (في سفر أيوب مثلا) على أنه نهاية مطلقة وعدماً كاملاً، وفناء لا يرجى منه شفاء.
وقد ورد في العهد القديم سببان يفسران الموت: أ. الأول: أن الإنسان خلق من تراب، ولذا فإنه لابد أن يعود إلى التراب (تكوين 2/7، أيوب 10/9). ب. الثاني: هو أن الموت عقاب على الذنوب، التي يرتكبها الإنسان، وعلى معصية آدم (الأولى) التي طرد بسببها من الجنة، فلم يعد بمقدوره أن يأكل من شجرة الحياة الأزلية (تكوين 3/22،24).
والموت، بهذا المعنى، عقوبة سيرفعها الإله عن الناس في الآخرة، أي في العالم الآخر(الآتي).
وكان الموت يعني الذهاب إلى أرض الموتى (شيول)، التي لا عودة منها، دون أن يكون هناك ثواب أو عقاب.
ثم ظهر الإيمان بخلود الروح وبالبعث، بعد الاحتكاك بالفرس واليونان، وتقبل الفكر الكهنوتي اليهودي الموت كحقيقة طبيعية حتمية، وحينما ظهر التفكير القبالي (والقبالة طائفة من اليهود ترى ضرورة الرقص ودق الطبول عند ترتيل ترانيم العبادة)، طُرحت قضية الموت مرة أخرى، فالفكر القبالي يرى أن الموت نتيجة خلل حدث في الكون.
وقد حاول الفكر القبالي أن يهون من نهاية الموت، فطرح فكرة تناسخ الأرواح، التي تجعل الزمان الإطار المرجعي الأساسي، وإن لم يكن الوحيد، والذي تمكن هزيمته عن طريق دورات التناسخ.
وفي العصر الحديث، اتخذ الفكر اليهودي مواقف متفاوتة متضاربة من حقيقة الموت، تعكس التناقضات القديمة، وقد عاد الفكر القبالي إلى الظهور، من خلال الحاخام الصهيوني إسحاق كوك، الذي يرى أن الموت ليس حقيقة نهائية يقبلها المؤمن، وإنما هو عيب في الخَلق، وعلى الشعب أن يصلح هذا العيب، ويزيله وينقذ الطبيعة من الموت بالتوبة والصلاة، ويتفق هذا الموقف تماماً مع موقف كوك الحلولي المتطرف.
فالحلولية لا يمكن أن تقبل الموت؛ لأن هذا يعني وجود مسافة بين الخالق والمخلوق، وقد كان كوك يرى أن تزايد متوسط عمر الفرد، في القرن العشرين، إحدى علامات اقتراب زوال الموت، وربما الانتصار النهائي عليه.
2. الدفن والمدافن عند اليهود تتسم العقائد الأخروية "قبيراه" عند اليهود بالغموض، وعدم الوضوح؛ إذ تتعايش داخل إطارها عدة أفكار غير متجانسة بل ومتناقضة على طريقة اليهودية، وبعضها حلولي، بدرجات متفاوتة من الحلول، والبعض الآخر توحيدي، ويلاحظ أن شعائر الدفن والمدافن تكتسب أهمية خاصة داخل الإطار الحلولي.
وقد دخل على اليهود بعض المفاهيم البابلية عن أرض الموتى، وحسب هذه المفاهيم يتوقف مصير الموتى، لا على ما اقترفوه من آثام، وما فعلوه من حسنات، وإنما على الطريقة المادية للدفن، وهل تمت طقوس الدفن حسب القواعد المرعية أم لا؟ وهل وضع بجوار الميت طعام أم لا؟ وتوجد مثل هذه الأفكار في العهد القديم؛ إذ يجب تقديم طعام للموتى على أن يكون قد دُفعت عشوره.
ويؤكد العهد القديم أهمية الدفن، وخصوصاً في مقبرة الأسرة (تكوين 47/30، 49/29).
وقد اهتم الآباء بمكان دفنهم وأعدوا العدة لذلك، والسِيَر التي وردت في العهد القديم تنتهي دائما بسرد تفاصيل دفن الشخص، الذي وردت سيرته.
ويعد عدم دفن الجثمان عقوبة قاسية تلحق بصاحبه، ومع هذا لم تكن هناك طريقة عبرانية محددة للدفن؛ إذ استمر العبرانيون في استعمال طرق الدفن السائدة في فلسطين، قبل التسلل العبراني، ولم ترد قواعد محددة للدفن في العهد القديم.
لكل ما تقدم تشغل طقوس الدفن جزءاً مهماً في اليهودية وتأخذ أشكالاً متنوعة، ويعمد اليهود إلى غسل موتاهم في أسرع وقت ممكن، ثم يدفنونهم في احتفال بسيط، بعد تلاوة صلاة معينة تسمى "القاديش".
ويستخدم اليهود الغربيون "الإشكناز" توابيت يدفنون فيها الموتى، أمَّا اليهود الشرقيون فيدفنون موتاهم في الأرض مباشرة كما هي عادة المسلمين، وعادة ما يدفن اليهودي الذي يموت ميتة طبيعية في طيلسان الصلاة (طاليت)، الذي كان يستخدمه أثناء حياته.
أمَّا المقتول فيؤخذ بملابسه الملطخة، ويُلف بطيلسانه؛ حتى لا يفقد أي جزء من أعضاء جسمه، ويقوم اليهود بختان الطفل الذي يموت قبل أن يختن، ثم يُطلق عليه اسم عبري ويدفن.
وهناك عدة طقوس ذات طابع حلولي شعبي مرتبطة بمراسم الدفن، فإحدى صلوات الإشكناز، في الجنازة اليهودية، كانت تتضمن طلب الغفران من الجثة، وهي عادة ظلت قائمة حتى عام 1887م، حينما أوقفها الحاخام الأكبر في إنجلترا.
ويلقي اليهود السفارديم عملات في الجهات الأربع كهدية، أو رشوة للأرواح الشريرة.
ويدفن اليهود في اليمن وأقدامهم موجهة نحو القدس.
وفي ليبيا إذا كانت أرملة الميت حُبلى، فإنهم يرفعون النعش وتمر الأرملة تحته حتى يتبيَّن أن الميت هو أب الجنين الذي تحمله، ولا شك في أن كل هذه العادات متأثرة بالعادات الوثنية التي كانت موجودة في المحيط الحضاري الذي عاش فيه أعضاء الجماعات اليهودية.
وتحظى المدافن اليهودية بالاهتمام نفسه الذي تحظى به طقوس الدفن، وهى تسمى "بيت الأحياء"، كما يطلق عليها أيضاً اسم "بيت الأزلية" وتقع المدافن اليهودية عادة خارج حدود المدينة؛ لأن جثث الموتى أحد مصادر النجاسة.
ويزور اليهود المقابر في الأعياد ليقدموا الصلوات، أمام قبور الموتى؛ حتى يتشفّعوا لهم عند الإله، ويُحتفظ بأماكن خاصة في المدافن للعلماء والحاخامات والشخصيات البارزة.
وللدفن في الأرض المقدسة دلالة خاصة (وهذا أمر منطقي في الإطار الحلولي)، فمع حلول الإله في الأرض والشعب، وعدم تجاوزه لهما، فإن الخلود الفردي يتراجع، ويحل محله الخلود عن طريق التوحد مع الأمة والأرض.
فإبراهيم، عليه السلام، اشترى لنفسه قبراً في فلسطين، أمَّا موسى، عليه السلام، فلم يُدفن هناك، وقد اعتبر اليهود -إفكاً وبهتاناً- أن هذا تقليل من شأنه.
ولا يزال كثير من أثرياء اليهود في العالم يشترون قطع أرض في إسرائيل؛ ليدفنوا فيها.
وجرت العادة خارج فلسطين على أن يُرش على رأس الميت تراب يُجلب خصيصاً من فلسطين، كما أولت الحكومة الإسرائيلية عنايتها البالغة لنقل رفات معظم الزعماء الصهاينة، فور إعلان دولة إسرائيل، وبذلت جهداً كبيراً لاسترداد جثث الجنود الإسرائيليين، الذين قتلوا أثناء الحروب العربية الإسرائيلية.
وعندهم لا يجوز إخراج جثة اليهودي المدفونة من الأرض، إلا لإعادة دفنها في مدافن العائلة، أو في أرض إسرائيل، ويُقال في الفولكلور الديني في التلمود: "إن جثة الميت خارج فلسطين تزحف تحت الأرض، بعد دفنها، حتى تصل إلى الأرض المقدسة وتتوحَّد معها".
وقد تحوَّلت المدافن إلى حلبة أساسية للصراع، بين أعضاء الجماعات اليهودية، في أمريكا اللاتينية.
فالإشكنازي الذي يتزوَّج سفاردية لا يمكن أن يُدفن في مدافن السفارديم.
كما أن السيطرة على المدافن أصبحت من أهم مظاهر الهيمنة الحاخامية في أمريكا اللاتينية، الأمر الذي حدا بأحد الباحثين إلى القول بأنه إذا كانت الكنيسة الكاثوليكية تؤكد أنه لا خلاص للمسيحي خارج الكنيسة، فإن المؤسسات اليهودية في أمريكا اللاتينية حولت الدفن في المقابر اليهودية إلى شيء يشبه الخلاص.
وتقوم مجالس الجماعات اليهودية المختلفة بجمع الرسوم الباهظة، من أعضاء الجماعات اليهودية.
وإن بدأت تخف حدة هذا التوتر؛ نظراً لعدم اكتراث كثير من أعضاء الجماعات، في الوقت الحالي، بمكان الدفن أو مراسمه.
وتشكل القداسة والنجاسة مشكلة أساسية في عملية الدفن، كما هو متوقع، في الإطار الحلولي، وتعبر القداسة (أو انعدامها) عن درجات الحلول الإلهي.
فالكهنة أو الذين يُفترض أنهم من نسل الكهنة، وهم الذين يعبرون عن الحلول الإلهي بدرجة أعلى من بقية اليهود، يُدفنون إما في نهاية صف المقابر، وإما في الصف الأمامي، على بعد أربع خطوات من المقبرة، حتى يتسنى إقامة حاجز يقي أقارب الميت (وهم أيضاً من الكهنة) من الدنس الذي قد يلحق بهم، لو لمسوا جثث الموتى من اليهود العاديين، أو اقتربوا منهم، وعادة لا يجوز دفن اليهود في مقابر غير اليهود.
ولكن إذا لم تتوافر مدافن خاصة بهم، فيمكن دفنهم في مقبرة عامة على أن يكون هناك فاصل من أربع خطوات بين مقبرة اليهودي ومقبرة أي من الأغيار.
ولا يمكن إزالة مدافن اليهود لأنها مقدسة في زعمهم، أما مدافن العرب والمسلمين وغير اليهود فيمكن هدمها بكل بساطة، وعلى سبيل المثال أُزيلت مئات المقابر في إسرائيل لإقامة فندق هيلتون تل أبيب، ولكن عندما هدمت الحكومة الأردنية بعض مقابر اليهود على جبل الزيتون، حدث احتجاج على ذلك وبشدة.
وقد أثيرت مؤخراَ قضية مقابر اليهود في حي البساتين في القاهرة، إذ تقرَّر بناء طريق دائري سريع حول القاهرة، يمر بهذه المقابر، وهو ما سيؤدي إلى نقل بعضها بضعة أمتار.
وهناك فتاوى حاخامية تذهب إلى أنه يجوز نقل هذه المقابر، وهناك سوابق لذلك، ومع هذا قررت المؤسسة الصهيونية تحويل هذه الواقعة إلى مناسبة للصراع، وإلى وسيلة ضغط على الحكومة المصرية، وتأكيد فكرة الشعب اليهودي على حساب السيادة المصرية، فصرح الحاخام "هرتس فرانكيل" (من بروكلين) بأن المقبرة، حسب العقيدة اليهودية أكثر قداسة من المعبد اليهودي، وهو أمر قد يكون صحيحاً من منظور حلولي يهودي يساوى بين الإله (المعبد) والإنسان (المقبرة)، بل يُعلي من شأن الإنسان على الإله، ثم يُعلي من شأن المقبرة على المعبد، ولكن ذلك ليس صحيحاً من منظور حاخامي توحيدي معتدل.
وقد أضاف الحاخام فرانكيل أيضاً: إن المقابر اليهودية جزء من التراث اليهودي وتاريخ الشعب اليهودي.
وقد جنَّدت المؤسسة الصهيونية بعض رجال الكونجرس للضغط على الحكومة المصرية لبناء كوبري، يمر فوق المقبرة، بدلاً من نقل المقابر.
وقد طُبع مؤخراً في إسرائيل ما يُسَمَّى "محذوفات التلمود" جاء فيه، أنه إذا مَرَّ يهودي على مقبرة يهودي مثله، فعليه أن يدعو له بالبركة، وإن كانت المقبرة لغير يهودي، فعليه أن يلعن أم الميت.
وقد غيَّر اليهود الصلاحيون كثيراً من طقوس الدفن، فأصبح من الممكن دفن الميت، بعد يوم أو يومين، في ملابس عادية، كما أنهم يصرحون بإحراق الجثة.
وفي الآونة الأخيرة، هناك اتجاه، آخذ في التزايد نحو إحراق جثمان الميت، وذر رماده، أو الاحتفاظ به في وعاء خاص، وهي ممارسة يعترض عليها اليهود الأرثوذكس؛ لأنها تتنافى مع الشريعة اليهودية.
وتطبق قوانين الدفن والمدافن تطبيقاً كاملاً في إسرائيل.
وقد أثار "أفنيرى" في الكنيست، مسألة التفرقة التي تمارسها الدولة في دفن الجنود الإسرائيليين، الذين يسقطون أثناء القتال، إذ يدفنون دون تمييز في بادئ الأمر، ثم تقوم دار الحاخامية (سراً) بغرس شجرة، أمام القتلى الذين لم تعترف الحاخامية بيهوديتهم، حتى يتم عزلهم عن بقية المدفونين.
وقد أثيرت مؤخراً حادثة جثة "تيريزا أنجليوفيتش" المستوطنة الصهيونية، التي هاجرت من رومانيا إلى إسرائيل، مع زوجها، ودفنت في مقابر اليهود، وقد اختطفت جثتها لدفنها في مقبرة منفصلة، لأنها لم تتهود بالطريقة المعتمدة لدى الحاخامية، وفي نهاية الأمر أعيد دفنها في مقابر اليهود، وتقدمت "شولاميت ألوني" باقتراح إنشاء مقابر لليهود العلمانيين، مستقلة عن مقابر المتدينين.
ومن القضايا التي أثيرت أخيراً، الطلب الذي تقدمت به إحدى أمهات الجنود الإسرائيليين، الذين قُتلوا في لبنان، بأن يزال من فوق شاهد قبر ابنها عبارة "عملية السلام من أجل الجليل"، وهو الاسم الرسمي للغزو الإسرائيلي للبنان.
وقد أشارت الأم إلى أنها لم تكن عملية وإنما كانت حرباً، ولم تكن من أجل السلام، كما أنها لم تحققه.
كما أشارت إلى أن ابنها لم يسقط في الجليل، وإنما في لبنان، وطلبت الأم تغيير التاريخ المكتوب على قبر ابنها من التاريخ العبري إلى التاريخ الجريجوري، وقد وافقتها المحكمة على طلبها.
ويطلب كثير من أعضاء الجماعات اليهودية أن يدفنوا في إسرائيل، الأمر الذي أدَّى إلى ارتفاع ثمن المقابر.
وقد لوحظ أن بعض المهاجرين السوفييت يصلون أحياناً، ومعهم توابيت لبعض أفراد الأسرة، ليُدفنوا في فلسطين، ولكنهم يكتشفون أن أسعار المدافن باهظة وأنهم غير قادرين على دفع الثمن.
وتنوي بلدية القدس المحتلة بناء مقابر تابعة لها، في الضفة الغربية، بالقرب من معلية أدوميم.
ولابد أن يكون الاحتفال بتشييع الجنائز مختصراً إلى حَدٍ ما، ومنذ القرون الأولى كان اليهود يتبعون وصية الحاخام "جمائيل" حيث قال: "ويجب أن يكون الكفن بسيطاً، ومصنوعاً من التيل، وأن يصنع النعش من الخشب العادي، دون أي نقوش من أي نوع".
وكان القدماء من رجال الدين ينصحون بذلك، لكي لا تُحرج أسر فقيرة، أو تتكبد من المصروفات ما لا طاقة لها به، وهي تحاول منافسة جيرانها من الأغنياء، عندما يحتفلون بتشييع جنازات الموتى.
وفي جنازات اليهود الأرثوذكس، لا يُسمح بحمل باقات الزهور، أو عزف الموسيقى من أي نوع؛ إذ تُعَدُّ هذه التقاليد من رموز البهجة والسرور، مما لا يتفق مع الشعور بالأسى والحزن.
وبعد تشييع الجنازة تُعرف أول فترة للعزاء باسم "شفيع" (سبعة أيام لاستقبال وفود المعزيين)، وفي الواقع قد تكون ستة أيام أو أقل من ذلك؛ إذ العزاء ممنوع في أيام السبت والأعياد الرسمية.
وإذا تصادف أن كان هناك احتفال ديني، أثناء فترة العزاء، فلا تستأنف الأيام السبعة، بعد نهاية الاحتفال.
والعزاء في الأيام السبعة مقصور على الأهل والأقارب، من أطفال وآباء وأمهات وأخوة وأخوات وزملاء الفقيد، وهم عادة لا يغادرون المنزل، إلا لتأدية الشعائر الدينية في يوم السبت، وهناك صلاة تقام في المنزل ثلاث مرات كل يوم، ويشرف على تأديتها أحد أقارب المتوفى.
وفي العصور الأولى كان الرجال وحدهم يؤدون صلاة الشكر، ولكن في الوقت الحاضر يشترك الرجال والنساء.
وصلاة الشكر هي أهم الملامح المميزة لتقاليد اليهود في مناسبات العزاء، وكلماتها باللغة الأرمنية وليست بالعبرية، ولا تشير إلى الموت مباشرة أو الفقيد، وتبدأ بالكلمات "باسم الله العظيم المقدس" وتؤكد الثقة بحكمة الله، وسننه في خلقه أجمعين.
وأثناء أسبوع العزاء، اعتاد الجيران زيارة أسرة المتوفى لتقديم واجب العزاء، وكل ما يستطيعون من مساعدة.
ومن أهم الواجبات وضع الطعام في سلال مصنوعة من أغصان الشجر؛ لمنع المنافسة بين الجيران.
وبعد الأسبوع الأول تستمر فترة الحداد، أحد عشر شهراً، حيث تؤدى صلاة الشكر كل يوم (بعض الأسر تؤدي هذه الصلاة في أيام السبت فقط).
قبل الاحتفال بإحياء الذكرى السنوية، يزاح الستار عن الحجر التذكاري بجانب المقبرة.
وبعد السنة الأولى، تقام صلاة خاصة في المعبد، في عيد الغفران، وفي الأيام الأخيرة من عيد الفصح وسكوت وشيوعوت، يؤديها أولئك الذين فقدوا الآباء أو الأطفال والأخوة والأخوات والأزواج أو الزوجات.
هناك، كذلك، عدة تقاليد خرافية يتمسك بها اليهود في أيام الحداد، فمثلاً كانوا يغطون كل المرايا، التي في المنزل خشية أن ترتبك روح الميت عندما ترى صورة صاحبها في المرآة، وتبقي في المنزل.
كذلك كان المشاركون في تشييع الجنازة يغسلون أيديهم، ويضعون الوشاح حول أكتافهم بعد مغادرة مكان المقبرة؛ خوفاً من الشياطين.
وفي الاحتفال بالذكرى السنوية للمتوفى عند معظم اليهود الأرثوذكس؛ كان القوم من غير أقارب المتوفى يغادرون المعبد قبل نهاية الاحتفال؛ خوفاً من أن يدرك أحدهم الموت كما حدث للفقيد.
ثانياً: الموت عند النصارى معنى الموت عند النصارى هو مفارقة الروح للجسد، الذي هو من تراب، وتذهب الروح إلى مكانها اللائق بها، إمَّا إلى مكان الأبرار أو إلى مكان الأشرار، ويقول بولس: "لأننا نعلم أنه إن نقص بيت خيمتنا الأرض فلنا في السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد أبدي" (2 كو 5:1).
وبيت خيمتنا يقصد به ثلاثة منازل في هذه الحياة، وهي تحقق الفناء وتؤكد الزوال: الأول: هذا العالم السفلي العنصري الذي يشهد الكتاب الإلهي أنه لابد أن يبيد ويزول، فيقول بولس: "ولكن سيأتي في الليل يوم الرب، الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها (3:10).
الثاني: المنازل المادية المسكونة، والتي مهما حدث في تحسينها وتزيينها لابد من مفارقتها، كما يقول القديس أوغسطينوس "لا تقل إن بيتك هو ملكك؛ لأنك ورثته من أبيك، ولأن ذلك يدل على أن أباك قد جاز فيه وتركه ومضى، وهكذا أنت تجوز فيه وتتركه لابنك، وهو أيضاً يعبر فيه جائزاً ويتركه لغيره".
الثالث: الجسد القابل للفساد، ليس مسكن الأرواح، بل هو بمنزلة المظلة، كقول بطرس "عالماً إن خلع مسكني قريب كما أعلن لي ربّنا يسوع المسيح" (2 بط 1:14) أي أن الجسد مثل الخيام التي يستظل بها المغتربون في البراري؛ فيقول بطرس "فإننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين، إذ لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة" (2 كو 5:14).
ومن ثَمَّ فهم يعتقدون أن المنزل الحقيقي هو اللحد للجسد، وهو المسكن الأبدي: "فيرجع التراب إلى الأرض كما كان، وترجع الروح إلى الله الذي أعطانا، وأن الله لم يخلق الروح للأرض بل للسماء، والأرض فانية والسماء باقية: فالطبيعة الروحية لم تخلق لأمور هذه الحياة المادية بل لأمور أفضل" (جا 12: 7).
وقد عبَّرت النصرانية عن الموت في بعض الأحيان بالنوم: "وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع آبائك"(تث 31:16)، كذلك الآيات: "قال هذا، وبعد ذلك قال لهم، إن العازر حبيبنا قد نام ولكني أذهب لأوقظه، فقال تلاميذه يا سيد إن كان نام فقد أشفى، وكان يسوع يقول عند موته، وظنوا أنه يقول عن رقاد النوم" (يو 11: 11-13).
وعندهم أن من يقصر الله شقاءه ويختاره قبل حينه، إنما يمنع عنه الآلام والمشاق، كما قال أيوب".
الإنسان مولود المرأة، قليل الأيام، وشبعان تعباً، إن كانت أيامه محدودة وعدد أشهره عندك وقد عينت أجله فلا تتجاوزه.
فأقصر عنه ليستريح إلى أن يُسرَّ كالأجير بانتهاء يومه" (اى 14: 1، 5،6).
فأيام حياتنا مع كونها قصيرة، لكنها رديئة جداً، كما قال يعقوب البار: "قليلة رديئة"، وأن خروجنا من هذا العالم أفضل جداً، وأكثر رحمة بنا من دخولنا إليه من كل الوجوه "يوم الممات خير من يوم الولادة".
لأن يوم الولادة يثقل كاهل النفس بحمل الجسد الثقيل، أما يوم الممات فيحررها من ذلك الحمل (تك 47: 9).
والموت عند النصارى حقيقة يجب أن لا يخشاها الإنسان؛ فالإنسان يدخل العالم من باب، ولابد أن يخرج من باب آخر، فدخوله من باب الولادة، وخروجه من باب الموت، وإن الإنسان، كما سجل اسمه في عداد المولودين يوماً، سيسجل أيضاً ضمن الأموات في يوم آخر، ولا بد أن يتهيأ لاستقبال الموت، واللوم على من لا يتهيأ لهذا الاستقبال؛ لأنه كمن أمن لعدوه: "ويمحى عهدكم مع الموت ولا يثبت ميثاقكم مع الهاوية" (1ش 28:18).
وتقول تفسيراتهم: وينبغي للإنسان أن يُعِدَّ نفسه بين الذين يموتون في هذه الثانية، ولا يحسبها بين الذين يموتون بعد سنين.
وأن من كان تحت خطر الإعدام يتصوره في كل دقيقة، فليتصور الإنسان الموت على الدوام، وليحتقر الأرضيات وليرغب في السماويات، كي لا يكون الموت هلاكاً دائماً، بل حياة أبدية بالمسيح يسوع ذلك لأن الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة (عب 9:27) وبعد ذلك يكون الإنسان أمام أمرين، إما سعادة أبدية، أو شقاء أبدي، فالرجاء مقطوع، والأمل مفقود، فكما يعيشون يموتون، ويدانون، والحياة التي يحبونها، والأعمال التي يعملونها، هي التي تكسبهم الحياة الأبدية، أو هي التي تقضي عليهم بالموت الأبدي.
وعند ورود ساعة الموت يمتلئ المؤمن فرحاً وهو يقول: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" (لو 23: 46)، وملاك الرب يستلم روحه، ليحملها إلى الأفراح الأبدية، أمام عرش الله.
والويل لمن لا يتوب قبل حلول ساعة موته؛ فإن ملائكة الله يقبلون وقتئذ عليه، والغضب يتقدمهم، ونار الله الآكلة ترافقهم، فيستولي عليه الانزعاج والرعب، ويحاول الفرار من فوق سرير احتضاره، ولكن أنى له ذلك.
حينئذ لا يجد لديه وسيلة إلا الندم والتوسل.
وهل يجدي الندم بعد العدم؟ يستغيث: (ارحموني ارحموني ولا تحضروني، أمام الديّان، ونفسي مدنسة بالشرور والخطايا، ولا تفصلوني عن الجسد، وأنا ملوث بالنتانة والخطيئة.
اتركوني زماناً يسيراً لكي أتوب وأرجع إلى الله).
فتسمع نفسه صوت ملائكة الله قائلين لها: (أيتها النفس الشقية.
لقد صرفت أيامك كلها في الكسل والتواني، والآن تريدين التوبة والنجاة، إن ذلك من المحال، لأن نجمك قد أفل، وموتك قد دنا واقترب.
الله يدعوك ليحاسبك على ما عملت، فاخرجي أيتها النفس الخاطئة لتنالي عقابك، لأن وقت الخلاص قد انقضى، وحبل الرجاء قد انقطع).
"سوف ينطفئ سراج الأشرار، ويأتي عليهم بوارهم، أو يقيم لهم أوجاعاً في غضبه.
أو يكونون كالتبن قدام الريح، وكالعاصفة التي تسرفها الزوبعة.. لتنظر عيناه هلاكه ومن حمة القدير يشرب" (أي 21: 17 و18 و20).
ويتصور النصارى أن البعث لا يكون إلا للأرواح، دون الأجساد، وأنه ليس هناك نصراني يدخل النار أبداً، ولا يهودي، وإنما النار خالصة لغيرهما. |
|