أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة يس الآيات من 71-75 الجمعة 29 يناير 2021, 8:57 pm | |
| أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
هنا نقلهم الحق سبحانه إلى مجال المادة التي لا يستطيعون إنكارها، وقلنا: إن الرؤية في (أَوَلَمْ يَرَوْاْ) (يس: 71) يصح أن تكون رؤية بصرية أو رؤية علمية (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً) (يس: 71) قوله (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ) (يس: 71) ينفي المشاركة يعني: هذه صنعتنا وخَلْقنا لم يشاركنا فيه أحد، ولم يعاونَّا فيه أحد، بل هو خَلْق لله وحده.
وكلمة (أَنْعاماً) (يس: 71) هي الأنعام التي ذُكرت في سورة الأنعام: (ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ * وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) (الأنعام: 143-144).
وهي البقر والإبل والغنم والماعز، وسميت أنعاماً لأنها النعمة البارزة في أشياء متعددة، ننتفع بها في حياتنا، فنأخذ منها الصوف والوبر والجلود والألبان، ونحمل عليها الأثقال، وهذه كلها نِعَم واضحة في البيئة العربية.
ثم إن خَلْق الأنعام في ذاته نعمة، وقوله سبحانه (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) (يس: 71) نعمة أخرى؛ لأن هناك حيوانات أخرى متوحشة لا تُملَك إلا بالصيد وبالقوة، وهي قليلة النفع إذا ما قُورِنت بالمستأنسة التي ينتفع بها الإنسان، فيسوقها ويركبها ويحلبها.
ثم نعمة التذليل (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ) (يس: 72) وإلا فإذا خلقها الله ولم يُذلِّلها ما استطاع الإنسانُ تذليلها، ولا الاستفادة منها، فالجمل مثلاً رغم ضخامة حجمه وقوته، إلا أن الطفل يسوقه ويُنيخه ويركبه، كيف؟
لأن الله ذَلَّله وسخَّره، أما الثعبان فمع صِغَر حجمه إلا أننا نخافه ونهرب منه؛ لأن الله لم يُذلِّله لنا، بل البرغوث في الفراش يشاغبك ويقلقك، وليس لك سلطان عليه.
إذن: فخَلْق هذه الأنعام في ذاته نعمة، وتملّكها نعمة، وتذليلها نعمة، وهذه النِّعم للمؤمن والكافر على السواء، لأنها من عطاء الربوبية.
إذن: كان عليهم أن يحترموا هذه، وأن يسألوا أنفسهم: كيف نكفر بالله وهو يوالي علينا كل هذه النِّعَم، وليت الأمر يقف عند كفرهم هم، إنما يتعدى ذلك حين يمنعون الرسل من نَشْر دعوتهم.
وقوله سبحانه: (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ) (يس: 72) أي: ما يُركب من الدواب.
ورَكُوب مثل قولنا: شاة حَلُوب يعني: تُحلب (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) (يس: 72) أي: من لبنها وهي حية، واللبن نأمل منه الجبن والزبدة... الخ، (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ) (يس: 73) مشارب جمع مشرب.
والمراد القِرْبة التي كانوا يشربون بها، وتُصنع من جلود هذه الحيوانات أو يُراد بالمشارب ما يُشرب من ألبانها، واللبن وإنْ كان يُشرب من الأنثى إلا أن الذكر سبب فيه، فلولا أنها حملتْ ما كان منها اللبن.
ثم تُختم هذه النِّعَم بقوله سبحانه (أَفَلاَ يَشْكُرُونَ) (يس: 73) هكذا بأسلوب الاستفهام ليجيبوا هم، فالله لا يقول لهم: اشكروني على هذه النِّعم إنما يقررهم: أهذه تستوجب الشكر أم لا؟
ثم لو شكرتم فسوف تتعرضون لعطاء آخر وزيادة: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7).
إذن: كان يجب عليهم أن يشكروا الله على نِعَمه، وأن تدعوهم هذه النِّعَم إلى الإيمان بهذا الإله المنعِم الذي يُوالي عليهم نعمة ظاهرة وباطنة، ولِمَ لا والإنسان حينما يكون موظفاً يتقاضى أجره كل شهر من صاحب العمل لا بُدَّ أن يُحيِّيه كل يوم ويتودد إليه، فالمنعم بكل هذه النعم أفلا يستحق أنْ يُعبد وأنْ يُشكر؟
وليت الأمر ينتهي بهم عند حَدِّ عدم الشكر، إنما يحكي القرآن عنهم فيقول: (وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة يس الآيات من 71-75 الجمعة 29 يناير 2021, 8:58 pm | |
| وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
عجيبٌ أن يحكي القرآن عنهم هذا بعد أن شرح اللهُ لهم آياته التي تثبت وجوده الأعلى ووحدانيته الكبرى، ففي الآفاق حول الإنسان آيات، وفي نفسه آيات، فمَنِ انصرف عن الأولى أو غفل عنها، فكيف يغفل عن الأخرى، وهي في نفسه وذاته التي لا تفارقه.
لذلك قال سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ) (فصلت: 53).
ومع ذلك (وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً) (يس: 74) أي: عبدوها من دون الله..
لماذا؟
(لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ) (يس: 74) صحيح أن الإنسان يتخذ إلهاً منه لينصره في شدته، لكن إذا كان هذا الإله الذي ترجع إليه في الشدة هو الذي يرجع إليك ويحتاجك؛ لتصلحه إنْ كسرتْه الريح، أو أطاحت به العوارض، فإن وقع تقيمه، وإنْ كُسِرت ذراعه أصلحتها، وإن جاء السيل جرفه، وألقى به في الوحل، إذن: كيف يُتَّخذ هذا إلهاً؟
وتعرفون قصة سيدنا إبراهيم لما حطم الأصنام سأل قومه: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ) (الأنبياء: 62-63).
وهكذا أوقفهم نبي الله إبراهيم على كلمة الحق التي لا يستطيعون إنكارها، وهي أنهم جمادات صمَّاء لا تنطق: (فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ) (الأنبياء: 64) لكن سرعان ما تنبهوا إلى خطورة هذا الاعتراف، فعادوا إلى ما كانوا عليه من المكابرة والعناد: (ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ) (الأنبياء: 65) عندها رأى إبراهيم أنْ يجابههم بهذه الحقيقة التي يحاولون الانفلات منها: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (الأنبياء: 66-67).
لذلك يرد الله عليهم: (لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ) (يس: 75) فهم لا ينصرون عابديهم، إنما العابدون هم الذين ينصرونهم، ويوم القيامة سيجمعهم الله معاً، لا يُحشر العابد بدون المعبود لتكون المواجهة، فلو حُشِر العابد وحده لانتظر معبوده ينصره ويدافع عنه، إنما يُحشَر الجميع معاً، كما قال سبحانه: (مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات: 25-26).
وقال سبحانه: (ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ) (الصافات: 22) أي: أحضروهم معهم في النار، العابد والمعبود، والمعنى أن هذه الأصنام ستكون وقوداً للنار التي يُعذَّب بها العابدون.
وبعد ذلك يعود السياق إلى رسول الله، الذي يكابرون فيه ويعاندونه: (فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ...). |
|