أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة يس الآيات من 26-30 الثلاثاء 19 يناير 2021, 9:20 pm | |
| قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
بناء الفعل (قيل) للمجهول يفيد التعميم، فمَنِ الذي قال له ادخل الجنة، ومتى قال؟
في القرآن آية نقرؤها تجيب عن ذلك، اقرأ قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ 2لْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت: 30).
فالرجل الذي وقف هذا الموقفَ الإيماني متبرعاً، وجاء من أقصى المدينة يسعى ليساند الرسل في أمر لم يُكلِّف به، ويأتي للقوم المكذِّبين بحجج وبراهين لم يَأْتِ بها الرسل أنفسهم جدير بأنْ تتنزَّل عليه الملائكة، وبأن تبشره بالجنة.
أو: أن الحق سبحانه حكى عنه ما يقوله بعد أنْ يموت ويدخل الجنة، وهذا إكبار من الله له.
ومن مؤهلات هذا الرجل لدخول الجنة أنه لم ينظر إلى حَظِّ نفسه من التديُّن، إنما نظر أيضاً إلى حَظِّ إخوانه، فحتى بعد أنْ بُشِّر بالجنة، أو بعد أنْ دخلها لم ينشغل بنعيمها عن قومه، إنما قال (يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) (يس: 26) يعني: ما أنا فيه من النعيم، وما انتهى إليه أمر الإيمان والطاعة، ليعملوا مثلي ولينالوا ما نِلْت، إنهم لو علموا لتهافتوا على الإيمان، وأقبلوا على الطاعة أكثر من تهافتهم على الكفر والمعصية.
وقوله: (بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ) (يس: 27) لاحظ أن المغفرة سبقتْ المكرُمة، وهذه المسألة يسمونها التخلية والتحلية، وسبق أن مثَّلْنا لها بالثوب حين تريد أنْ تكويه مثلاً: أتذهب به إلى (المكوجي) بما عليه من وسخ؟
لا إنما تنظفه أولا، ثم تُزيِّنه بالكَيِّ.
كذلك الحق -سبحانه و تعالى-، -ولله المثل الأعلى- قبل أنْ يُدْخِل عبده الجنة يُنقِّيه أولاً من الذنوب، ويطهره مما عَلَق به، وهذه هي التخلية، ثم يُكرمه بالجنة، وهذه هي التحلية، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185).
فالحق سبحانه يمتنُّ علينا أولاً بأن يُزحزِحنا عن النار بمغفرة الذنوب، ثم يُكرمنا بدخول الجنة كرامةً منه وفَضلاً.
ثم يقول الحق سبحانه: (وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة يس الآيات من 26-30 الثلاثاء 19 يناير 2021, 9:20 pm | |
| وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
نفهم من سياق هاتين الآيتين أن القوم المكذِّبين قتلوا هذا الرجل المتطوع، أو أنه مات بطبيعة الحال، والمنتظر أن الله تعالى يجازيهم على تكذيبهم للرسل الثلاثة أولا، ثم تكذيبهم للرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لنصحهم، فماذا فعل الله بهم؟
يقول سبحانه: إن أمر هؤلاء المكذِّبين أهون من أنْ نُنزل عليهم جُنداً من السماء تهلكهم.
ومجرد صيحة واحدة كافية لهلاكهم، فالمعنى (وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ) (يس: 28) أي: من بعد النصيحة والعِظَات والبراهين التي تطوَّع بها (مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ) (يس: 28) يعني: لم نُنزل وما كان ينبغي لنا أنْ نُنزل عليهم جنداً من السماء؛ لأن الأمر أهون من ذلك.
(إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً) (يس: 29) أي: ما كانت إلا صيحة واحدة (فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) (يس: 29) كلمة (خَامِدُونَ) (يس: 29) تدل على أنهم كانوا متحمسين للكفر بهم في أُوَار وغضب واشتعال على رسل الله أولا، ثم على الرجل المتطوع ثانياً، فهُمْ في ذلك أشبه بالنار المتأججة، فأخمدها الله.
ثم يقول الحق -تبارك و تعالى- بعد ذلك كلمة يصح أن يقولها كل مؤمن يرى مصارع العاصين ونهاية الكافرين الذين أدركهم الموت قبل أنْ يتداركوا أنفسهم بالإيمان، يقول: (يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ...). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة يس الآيات من 26-30 الثلاثاء 19 يناير 2021, 9:21 pm | |
| يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
هذه كلمة تحسُّر كثيراً ما نقولها تحسُّراً على فوات الخير ممن نحب له الخير، ومعنى (يٰحَسْرَةً) (يس: 30) هذا نداء كأنك تناديها تقول: يا حسرة تعالى، فهذا أوانكِ.
والتحسُّر هنا على العباد الذين كذّبوا رسل الله واستهزأوا بهم، وهذا أمر يجب أن يتحسَّر عليه كل مؤمن؛ لأن الله تعالى خلقك وخلق لك قبل أنْ يستدعيك للوجود.
خلق لك مقوِّمات حياتك المادية، وصان مادتك بما قدَّر لك في الأرض من أقوات ومن ضروريات وكماليات، فهل يُعقل أنْ يُعطى كل هذا للبدن ويُترك الروح بلا عطاء، وهي أهم من البدن؟
لا بُدَّ إذن أنْ يكون للروح عطاء وغذاء وقيم، بل إن القيم هي مطلوب الله من عبده؛ لأنك ستكون عابداً لله، مطيعاً لأوامره، منتهياً عن نواهيه، وهذا هو المنهج الذي كلَّفك به في افعل كذا، ولا تفعل كذا.
لذلك تجد أن عطاء المادة ومُقوِّمات حياة البدن مكفولة للجميع: للمؤمن وللكافر، للطائع وللعاصي؛ لأن الله تعالى هو الذي استدعى الكل إلى الوجود؛ لذلك تكفّل بأرزاقهم، كما تستدعي أنت مثلاً ضيفاً إلى بيتك، فتهيىء له مطعمه ومَشْربه ومُقَامه عندك، وكل الناس أخذوا هذا العطاء.
أما عطاء القِيَم والروح، فبعضهم أخذه وبعضهم تركه؛ لأن عطاء المادة سمح له بشهوة نفسه، أما القِيَم فقيَّدتْ هذه الشهوة وأمسكتها عن أشياء، نفسه تريدها، فلما صَدَّته القيم عن شهوات النفس تركها وتملَّص منها.
هذا المنهج القِيمى جاء من مُحِبٍّ لك حريص على مصلحتك، كما ذكرنا فى الحديث القدسي عن رب العزة: عبدي، أنا لك مُحِبّ، فبحقِّي عليك كُنْ لي مُحِباً.
فأنت المنتفع بهذا المنهج؛ لأن الله تعالى خلقك بكل صفات الكمال فيه سبحانه، فطاعتك لا تزيده كمالا، كما أن معصيتك له لا تُنقصه شيئاً من صفاته، ولا تضره بشيء.
لذلك جعل الله من عباده الغني والفقير، وكان قادراً سبحانه على أنْ يجعلنا جميعاً أغنياءَ لا يحتاج أحد مِنَّا إلى أحد، والفقير لو تأمل الحكمة في فقره لحمد الله ولَعلم أنه بفقره شرْط في إيمان الغني، وليس الغني شرطاً في إيمان الفقير، فالغني يحتاجني قبل أنْ أحتاجه أنا، الغَنِيّ يسعى ويتعب ويكابد أسباب الرزق والتجارة والمكسب والخسارة، ثم يأتي إلى بابي ليعطيني حَقَّ الله في ماله وأنا مستريح البال.
الغني فُرض عليه الحج، وإنْ قصَّر فيه يُعاقب، وإنْ حَجَّ فهو بين قبول أو رَدٍّ، فإن لم يُقبل حجه ظلتْ الفريضة عليه؟
وفرْق بين مَنْ فُرِض عليه الركن، وبين مَنْ لم يُفرض عليه أصلاً.
إذن: المتأمل يرى أن الفقير أحظُّ من الغني، وغير المستطيع أحظُّ من المستطيع.
وقد كنا مع بعض الإخوان، فأردنا أنْ نصلي المغرب في مسجد سيدنا الحسين، فلما قُمْنا للصلاة، استوقفنا عم الحاج سيد جلال وقال: انتظروا دقيقتين، لأنني أرسلت الولد سليمان (يفك) لي عشرة جنيهات، فقال احد الحاضرين: معي جنيهات جديدة هَاتِ العشرة جنيهات أفكها لك، فقال الحاج سيد: لا.
لأن الرجل الذي أنوي أنْ أعطيه لا يأخذ إلا الجنيه الكبير بتاع زمان، ويرفض هذه العملة الجديدة.
فقلت في نفسى: سبحان الله، هذا الرجل المجذوب الذي يقعد على باب سيدنا الحسين وصِفته كذا وكذا يُسخِّر أكبر رجل اقتصادي في مصر عم سيد جلال، ومعه الوزير أحمد طعيمة ليوفروا له النقود التي تعجبه.
والعجيب أن من هؤلاء مَنْ كان يجلس على باب سيدنا الحسين يضع رِجْلاً على رِجْل، ويمرُّ عليه موكب الوزير والوزراء فلا ينتبه إليهم، ولا هو يلقى بالاً إلى الموكب والحراس والدنيا من حوله، فماذا يعني هذا؟
يعني أنه مشغول بما هو أعظم من هذا كله، وأن الله قد تجلَّى عليه بما أفقده الوعي بالدنيا وبما حوله.
لذلك رأى أحد منهم موكباً لأحد الوزراء فقال للآخر: والله نحن في لذة، لو علم بها هؤلاء لحاربونا عليها بالسيف، أليس هؤلاء سادة؟
أليسوا أَعِزَّة؟
إذن: كل مؤمن يرى مصير المكذِّبين ومصارع الكافرين في هذه القصة وفي أشباهها لا بُدَّ أن يقول هذه الكلمة (يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ) (يس: 30).
لماذا؟
لأن من تمام الإيمان أنْ يتحسَّر المؤمن على مَنْ لم يَذُقْ طعم الفضيلة ولذة الطاعة، فهو مسكين يستحق مَنْ يشفق عليه ويتحسَّر على حاله، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل ويحب الخير للإنسانية كلها.
ثم يقول الحق سبحانه: (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ...). |
|