منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالإثنين 24 أغسطس 2020, 11:46 pm

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية
سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com
مقدمة السلسلة
في جوٍ مشحونٍ بزيفِ الباطل وركامِ الجاهلية، يسوسُ الناسَ جهلهم، ويحكمُهم عرفُهم وعاداتُهم، قتلٌ وزنا، عُهُرٌ وخَنا وأدٌ للبنات، تفاخرٌ بالأحساب والأنساب، سادَ في البِقاعِ قانونُ الغاب، فالبقاءُ للقوي، والتمكينُ للعزيز، تُغِيرُ القبيلةُ على الأخرى لأتفهِ الأسباب، تقومُ الحروبُ الطاحنةُ، تُزهق الأرواحُ، وتُهلَك الأموال، وتُسبى النساءُ والذراري، وتدومُ السنون وتتعاقبُ الأعوام، والحربُ يرثها جيلٌ بعد جيلٍ، وأصلها بعيرٌ عُقْر، وفرسٌ سبقتْ أخرى، أو قطيعُ أغنامٍ سيقٌ وسرْق، ساد في ذلكمُ المجتمعُ عاداتٌ غريبةٌ عجيبة، فعند الأشراف منهم كانتِ المرأة إذا شاءتْ جمعتِ القبائلَ للسلامِ وإن شاءت أشعلتْ بينهم نارَ الحربِ والقتال، بينما كان الحالُ في الأوساطِ الأخرى أنواعٌ من الاختلاطِ بين الرجلِ والمرأةِ لا نستطيعُ أن نعبرَّ عنه إلا بالدَعارةِ والمجونِ والسِفاحِ والفاحشةِ، كانت الخمرُ مُمتَدحُ الشعراء، ومَفخَرة ُالناس، فهي عندهم سبيلٌ من سُبُلِ الكرم، ناهيك عن صورِ الشركِ وعبادةِ الأوثان، التي تُصوِّرُ كيف كانَ أولئكَ يعيشون بعقولٍ لا يفكرون بها، وأعينٍ لا يبصرون بها، وأذانٍ لا يسمعون بها إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَـامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ في هذه الأثناءِ حدث حادثٌ عجيبٌ لمكةَ وحرمِها، رأى أبرهةُ نائبَ النجاشي على اليمنِ أن العربَ يحجونَ الكعبةَ، فبنى كنيسةً كبيرةً بصنعاءَ ليصرفَ حجَّ العربِ إليها، وسمع بذلك رجلٌ من بني كِنانة، فدخلها ليلاً ولطَّخَ قِبلتها بالعَذِرة، ولما علم أبرهةُ بذلك ثار غضبه وسارَ بجيشٍ عرمرمٍ عدده ستونَ ألفَ جنديٍ إلى الكعبةِ ليهدمها، واختار لنفسه فيلاً من أكبرِ الفيلةِ، وكان في الجيشِ قُرابةَ ثلاثةَ عشر فيلاً، وتهيأ لدخولِ مكةَ فلما كان في وادي محسِّرٍ بين مزدلفةَ ومنى بركَ الفيلُ ولم يقُم، وكلما وجهوه إلى الجنوبِ أو الشمالِ أو الشرقِ قام يهرول، وإذا وجهوه قِبَلَ الكعبةِ بركَ فلم يتحرك، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل أمثالُ الخطاطيف مع كل طائرٍ ثلاثةُ أحجارٍ مثلُ الحُمُص، لا تصيبُ أحدًا منهم إلا تقطعت أعضاؤه وهلك، وهربَ مَن لم يصبه منها شيءٌ يموجُ بعضهم في بعض، فتساقطوا بكلِ طريقٍ، وهلكوا على كل مهلكٍ، وأما أبرهةُ فبعثَ الله عليه داء تساقطت بسببه أنامِلُه، ولم يصِل إلى صنعاءَ إلا وهو مثلُ الفرخِ، وانصدع صدرُه عن قلبِه ثم هلك، وكانتْ هذه الوقعةْ قبل مولدِ النبي بخمسين يومًا أو تزيد، فأضحت كالتقْدُمةِ قدَّمها الله لنبيه وبيتِه، وبعد أيامٍ من هلاكِ ذلكم الجيشِ أشرقت الدنيا وتنادت ربوعُ الكونِ تزُّفُ البشرى بولدِ سيدِ المرسلين، وإمامِ المتقين، والرحمةِ للعالمين في شِعْبِ بني هاشمٍ بمكةَ صبيحةَ يومُ الإِثنين التاسعِ من ربيعٍ الأولِ لعامِ الفيل، وُلد خيرُ البشر، وسيدُ ولدِ آدم، ولد الرحيمُ الرفيقُ بأمته، أطلَّ على هذه الحياةِ محمدُ بنُ عبد الله بنُ عبد المطلبِ الهاشميِ القرشي، أرسله الله إلى الناس جميعا ليقول للناس " إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " جاء النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-  يدعوا الناسَ إلى شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، جاء نبي الرحمة -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-  يدعو الناسَ إلى العفافِ والطهرِ والخلقِ الكريم والاستقامةِ وصلةِ الأرحام وحسنِ الجوار والكفِّ عن المظالم والمحارم، يدعوهم إلى التحاكمِ إلى الكتابِ العزيز لا إلى الكهان وأمرِ الجاهلية، وجعْلِ الناس كلهم أمام شريعةِ الله سواءً يتفاضلون بالتقوى، روى ابنُ جريرٍ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال " لما مرِضَ أبو طالبٍ دخلَ عليه مشيخةٌ من قريشٍ فيهم أبو جهلٌ فقالوا: إنَّ ابنَ أخيك يشتُمُ آلهتَنَا ويفعلُ ويفعلُ ويقولُ ويقولُ فأنْصِفْنَا من ابنِ أخيك، فلْيَكُفَّ عن شتمِ آلهتِنا وندَعُهُ وإلهُهُ، فقال أبو طالبٍ: يا ابنَ أخي ما بالُ قومِكَ يشكُونَكَ ويزعُمُون أنكَ تشتُمُ آلهتَهم..؟ قال يا عم: أريد أن يقولوا كلمةً تَدِينُ لهم بها العربُ، وتؤدي لهم بها العجم الجزية، فقال أبو جهل: نقولُها وعشرًا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: قولوا لا إله إلا الله، ففزِعوا وولوا مدبرينَ وهم ينفُضُون ثيابَهم ويقولون: أجعل الآلهةَ إلهً واحدًا إنّ هذا لشيء عجاب " نعم.. لقد دعا رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الناسَ كلَّهم إلى هذا المعنىَ العظيم، وقام بهذا الواجبِ الكبيرِ الذي هو أكبرُ واجبٍ في تأريخ البشريةِ كلها، دعا إلى دينٍ قويمٍ يرقى به الإنسانُ إلى أعلى المنازلِ، ويسْعَدُ به في الآخرةِ سعادةً أبديةً في النعيمِ المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقَهُمُ المشركونَ أنواعَ العذاب، ووقف في وجههِ ثلاثةُ أنواعٍ من الناس: المستكبرونَ الجاحدونَ العالمونَ بالحق، والحاسِدونَ المحترقون، والجهالُ الضالون، وكوّنَ هذا الثالوثُ جبهةً عنيدةً وحربًا وحزبًا شيطانيًا لا يترُكُ من سبيلٍ ولا وسيلةٍ إلا سلكها للصد عن سبيل الله) يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون (واشتدَّ الكربُ بمكةَ وضُيِّقَ الخِناقُ على الدينِ الإسلامي، وائتمرَ المشركونَ بمكةَ أن يقتلوا رسولَ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-  قال جبريل عليه السلام " إن الله أذن لك يا محمد بالهجرةِ إلى المدينةِ فلا تَبِتْ هذه الليلةَ في فراشك " ورصده المشركونَ عند بابه ليضربوه ضربةَ رجلٍ واحدٍ ليتفرقَ دمَه بين القبائلِ، فخرج -عليه الصلاة والسلام- عليهم وهو يتلو صدرَ سورةِ يس وذرى على رؤوسهمُ الترابَ وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهمُ النعاسَ، واختبأ هو وصاحبَه أبو بكر الصديقِ في غارِ ثورٍ ثلاثةَ أيامٍ حتى هدأ الطلبُ، ففتشتْ عنه قريشٌ في كلِ وِجْهَةٍ، وتتبعوا الأثرَ حتى وقفوا على الغارِ فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: يا رسولَ الله لو أن أحدَهم نظر إلى موضعِ قدميه لأبصرنا، فقال " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ولقيا الدليلَ بعد ثلاثٍ براحلتْيَهما، ويمّما المدينة َفكانت هجرةُ المصطفى -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- نصرًا للإسلام والمسلمين حيثُ أبطلَ الله مكرَ المشركينَ وكيدَهم في تفكيرهِمُ القضاءَ على الإسلامِ بمكةَ وظنهَّمُ القدرةَ على قتلِ رسول الله.
------------
أهمِّ الدروسِ:
من أهمِّ الدروسِ أيها الأحبة التي ينبغي التأملُ فيها وخاصةً من يَسْبُرُ أوراقَ السيرةِ، ذلكم الأمرُ المهمُ في حياةِ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، ألا وهو أمرُ الهجرةِ وما أدراكم ما الهجرة.

إن الهجرةَ النبويةَ في حدِّ ذاتِها بغَضِّ النظرِ عن أحداثِها تستحقُ الوقفةَ المتأنيَة، تستحقُ الوقفةَ الثاقبة، تستحقُ النظرَ الدقيق، فهي ليستْ نزهةً بريةً ولا وسياحةً بحريةً، الهجرةُ النبويةُ ليست للتفرجِ والإطلاعِ، ولا للنظرِ والمعاينةِ، ولا للسفرِ والتحصيلِ في مُتَعِ هذه الدنيا وملذاتِها، وإنما هي نقلةٌ جديدةٌ وانتقالٌ وطيدٌ من أجلِ الحفاظِ على العقيدةِ، الحفاظ على الركنِ الأساسِ، والأُسِّ المتينِ مع التضحيةِ بالنفسِ والمالِ والأهلِ والولدِ، نعم.. إنه الحفاظُ على العقيدةِ والمحافظةِ عليها، فهو مبدؤها وهدفُها وأملُها وغايتُها ونهايتها.

إن الهجرةَ النبويةَ حدثٌ غيّرَ مجرى التأريخ، حدثٌ حملَ في طياتِه معانيْ الشجاعةِ والتضحيةِ والإباءِ والصبرِ والنصرِ والفداءِ والتوكلِ والقوةِ والإخاءِ والاعتزازِ بالله وحده.

إنَّ حدثَ الهجرةِ النبويةِ حدثٌ جعلَه الله سبحانه طريقاً للنصرِ والعزةِ ورفعِ رايةِ الإسلامِ وتشييدِ دولتِه وإقامةِ صرحِ حضارتِه، فما كانَ لنورِ الإسلامِ أن يشِّعَ في جميعِ أرجاءِ المعمورةِ لو بقيَ حبيساً في مهده، إنه حدثٌ شاملٌ كاملٌ متكاملٌ لمن أحسنَ الاستفادةَ منه وأخذَ العبرةَ والعظةَ على أحسنِ وجه، إنه في الحقيقةِ حدثٌ يعرِضُ منهجَ النبيِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، منهجَ المعصومِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، منهجَ من لا ينطقُ عن الهوى، مهجَ المؤَيَّدِ من ربِ العالمين، فليست الهجرةُ حدثاً عادياً، ولا أمرا طبيعيا، بل هي أمرٌ جللٌ يستحقُ منا الاهتمام بما تحويه هذه الهجرة وما بداخلها من كنوز.

إن بين أيدينا هجرةُ الرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، بين أحضاننا هجرةُ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وفيها الدواءُ الناجعُ لكثيرٍ من أمراضِنا وأوضاعِنا وعللنا.

إن في هذه الهجرةِ المباركةِ من الآياتِ البيناتِ والآثارِ النيراتِ والدروسِ والعبرِ البالغاتِ ما لو استلهمَتْه أمةُ الإسلامِ اليومَ وعملتْ على ضوئِه وهي تعيشُ على مُفْتَرَقِ الطرقِ لتحقّقَ لها عِزُّهَا وقوتُها ومكانتُها وهيبتُها، ولعلمت علمَ اليقينِ أنه لا حلَّ لمشكلاتِها ولا صلاحَ لأحوالِها إلا بالتمسكِ بإسلامِها والتزامِها بعقيدتِها وإيمانها، فوالذي بعثَ محمدا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-  بالحقِ بشيراً ونذيراً ما قامتِ الدنيا إلا بقيامِ الدينِ ولا نالَ المسلمونَ العزةَ والكرامةَ والنصرَ والتمكينَ إلا لما خضعوا لربِّ العالمين وهيهاتَ أن يَحُلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلا باتباعِ نهجِ الأنبياءِ والمرسلين، ومن هنا جئنا لنتحدثَ هذه الليلة حولَ بعضِ المفاهيمِ والدروسِ والعبرِ والعظاتِ المجتناهْ من هجرةِ المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإني لمَّا كنتُ أُقلِّبُ صفحات هذه الهجرةِ المباركةِ عرضتُ أتذكَّرُ حكمةً عربيةً قديمةً تقول: "مَنْ أخْصَبَ تخيَّرَ"، أي من وجدَ الأرضَ الخِصبةَ الوفيرةَ تخيَّرَ المرعى، فرأيتُ الحكمةَ تنقلبُ علي َّ فإني لم أَعُدْ أجدُها وأنا أقلبُ صفحات هذهِ الهجرة "مَنْ أخْصَبَ تَخَيَّرَ".

ولكني وجدتها "مَنْ أَخْصَبَ تَحَيَّرَ" فماذا أقول الليلةَ وماذا أدع..؟ فلا أكتمُكم أحبتي أنني وقفتُ أمامَ المفاهيمِ والدروسِ التي اطلعْتُ عليها، واحترت: نعم.. احترتُ أيَّ مفهومٍ من هذه المفاهيم آخُذ؟ وأيها أترُك؟ أيها أدعُ؟ وأيها ألتمس؟

ووصَلَتْ معي هذه المفاهيم وهذه الدروسُ عدداً وكمّاً كبيراً، ولكن مراعاةً للوقت، وتركيزاً على بعضِ النقاط، وإلا لا أقولُ "على المهم، أو الأهم" فكلُ هجرةِ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مهمة، وتركيزاً على بعضِ النقاطِ التي تزدادُ حاجتنا إليها؛ سأذكرُ بعضَ الوقفات، وبعضَ المفاهيم وبعضَ الدروس التي أخذتها من استيعابِ هذه الهجرةِ المباركة، فما أجملَ أن نُشيرَ إشاراتٍ عابرةٍ لعددٍ من القضايا المهمةِ الجديرة بالإشادةِ والتذكيرِ في هجرة رسولِ العالمين الذي أسألُ اللهَ بِمَنِّهِ وكرمه أن يُلحقنا به وأنْ يحشرَنا في زُمرته وأن يَسقِيَنَا من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبداً.
اللهم آمين.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:38 am

أولا.. لماذا الهجرة..؟
إني لما نظرتُ إلى تأريخِ الهجرةِ، ونظرتُ إلى الإعِدادِ الذي أعدّهُ الرسولُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ونظرتُ إلى الأسبابِ والأساليبِ التي اتخذَها، ابتداءً من إذْنِه بالهجرةِ للصحابةِ، وانتهاءً بوُصُولِه إلى المدينة، وما بينهما من أسبابٍ بشريةٍ كثيرةٍ، فيها الاختفاءُ والسِّريةُ، فيها كثيرا من الأسبابِ البشرية، تساءلتُ: ألم يُسْرَ بالرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قبلَ عامٍ فقطٍ إلى بيتِ المقدسِ، ويُعرَج به إلى السماءِ؟         

ألم يأتِ إليه جبريلُ على الصلاةُ والسلامُ وهو مُسْنِدٌ ظهره الشريف للكعبة بالبراقِ ليرحلَ هو وإياهُ من مكةَ المكرمة إلى بيتِ المقدس ومن هناك إلى السموات..؟         

سبحان الله! يُسْرى به إلى بيتِ المقدس، ويُعرج به إلى السماءِ، ويرْجِع في ليلةٍ واحدةٍ، ويجلس عدَّةَ شهورٍ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ويتَّخِذَ كثيرا من الأسبابِ والوسائلِ لهذه الهجرةِ!

لماذا..؟         

ما السبب..؟         

لِمَ لمْ تكن تلك الهجرةِ كذاكَ الإسراء..؟         

يُمْسي في مكةَ ويصبحُ في المدينةِ النبوية بأمرِ الله سبحانه وتعالى وبقدرته؟         

أليس الله قادرٌ على ذلك..؟         

أيُعْجِزُه سبحانَه وتعالى شيءٌ في الأرضِ والسماء..؟         

كيف لا.. والمعجزاتُ تتنزلُ عليه -عليه الصلاة والسلام-، لكنني بعدَ التأمُلِّ وجدتُ أن الله سبحانه وتعالى أراد منا ومن أمةِ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أن نفقه هذا الدين فِقْهًا دقيقاً، أرادنا أن نفقهَ هذه الدعوة المحمدية فقها سديدا، فهذه الدعوةُ أيها الأحبابُ هي وربي منهجٌ للبشر، ربنا جل وعلا قادرٌ أن يأخذَ رسوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في لحظةٍ واحدة، وينقُلُه من مكةَ إلى المدينة، لا يحتاجُ إلى إعداد، لا يحتاج إلى اختفاء، لا يحتاج إلى مئونة، لا يحتاج إلى مطاردةٍ، لا يحتاج إلى مصاحبةٍ، لكن الأمرَ أعمقَ من ذلكَ وربي وأبعدَ بكثير، إنه الدينُ..!

أراده الله ليكونَ منهجاً للبشريةِ، لماذا..؟         

لأنه لو فُعل ذلك برسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وجاءَ بعدَه من الدعاةِ ممن تواجهُهُم مثلُ هذه المشاكلِ، مشاكلِ الاضطهاد، ومعاناةِ العذاب في سبيلِ تبيينِ الدعوةِ وإخراجِ الناسِ من عبادةِ العباد إلى عبادةِ ربِ العبادِ.

فأين حينَها يجدُونَ الحلَّ؟         

كيف يجدونَ المخرج؟         

إلى من يلتجئون..؟         

أولئك الذين يُضطهدونَ في دينهم، أولئكَ الذينَ يحارَبونَ في عقيدتهم، أولئك الذين تُمتَهَنُ كرامتُهم عليهم أن يأخذوا الدروسَ العظيمَةَ من هذه الهجرةِ.

إذًا..نحن في هذه الهجرةِ بجميعِ مراحلِها، نتبينُّ من خلالِها الدروسَ العظيمةَ للدعاةِ وللمسلمينَ، فلو تمَّتْ هذه الهجرةُ بين عشيةٍ وضحاها؛ لخسرنا تلكَ الدروسَ، ولخسرنا تلكَ المواقفَ، وهذا أمرٌ لا ينتبه له كثيرٌ من الناس، ويكفي التأريخَ شرفاً أن سطَّرَ بأحرفهِ الذهبيةِ هذه السيرةِ العطرةِ، وهذه الهجرة المباركة، لنلجأ إليها كمخرجٍ من كُرباتِنا، وحلٍ لأزماتِنا، وشِفاءٍ لأمراضَنا، بعد الله جل وعلا.

في هذه الهجرةِ يعرفُ الدَّاعيةُ كيف يأخذُ بالأسبابِ، كيف يفرقُ بين التوكلِ والتواكُلِ، يأخذ الحذرَ والحِيطةَ، يعرفُ المسلمُ من هذه الهجرةِ النبويةِ أنه لا يستكينُ ولا يستهينُ ولا يقْبَلُ الذلةَ في دينه، ولا في عقيدته أبداً.

نعم.. إن هذه الهجرةَ العظيمةَ منهجٌ للبشر، ولو خرجْتُ عن الموضوعِ من جهةٍ أخرى في درسٍ عظيمٍ أربِطُهُ بهذا الموضوعِ، وهو "قضيةُ المنافقين" فلقد وقفتُ كثيراً وتأمّلتُ بتمعُّنٍ قصةَ علاجِ الإسلامِ لقضيةِ المنافقين، وكيف عالج الرسولُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قضيتهم حتى انتهت، ابتداءً من الهجرةِ وحتى وفاتِه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مروراً بالأطوارِ التي مَرَّتْ بها قضيةُ المنافقينَ وأثرُهم في المدينة، وتساءَلْتُ وقلتُ: الله جلا وعلا قادرٌ على أن يُعْلِمَ نبيهَ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بعض أسماء المُنافقينَ لِيَسْتَتِيَبهم؛ فإن تابوا، وإلا قُتلوا، أو طُردوا: "ومِمَّنْ حولكم من الأعراب مُنافقون ومن أهل المدينة مَرَدُوا على النِّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم"، نعم.. لا تعلمهم كلهم نحن نعلمهم، لأن الله لم يُردْ إبلاغَه إيَّاهم؛ لأن الله تعالى لو أخبرَ رسولَه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بهذهِ الأسماء، نحنُ الذينَ نأتي من بعدِه مَنْ سيُخبِرُنا بالمُنافقينَ الذين يعيشونَ بيننا؟         

كيف نعالجُ مُشْكِلَتِنَا معهم وهم من بني جلدتِنا؟         

إذاً لا بدَّ من اللجوءِ بعد الله تعالى إلى سيرةِ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، إلى هجرةِ الرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فَمِثْلَمَا عالجَ الرسولُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- تلكَ المشكلةَ وتلكَ الفتنةَ داخلَ الصفِّ المسلمِ، ووقفَ على تلكَ الخياناتِ التي ارتُكبتْ في داخلِ هذا الصفِّ؛ سنجدُ حينها علاجا لمشكلاتِنا في زماننا هذا.

إن درسَ الهجرةِ أيها الأحبة درسٌ عظيم، أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نتعلمَ منه الشيءَ الكثيرَ.

ولكن أين القلوبُ الحَيَّةُ؟         

أين القلوبُ الصادقةُ اليقظةُ؟         

أين القلوبُ الباحثةُ عن الحق؟         

فالعودة العودة الصادقة الحميمة إلى هجرةِ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لنستلهمَ الدروسَ والعبرَ ,,, وإلى ثاني الدروس الجنية من الهجرة النبوية.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:40 am

ثانيا: المدينة النبوية، التأسيس والتوطين..!
وهذه قضيةٌ مهمةٌ، وهي أنه لا بُدَّ أن يكونَ للفئةِ المسلمةِ موطنٌ أو موضعٌ تتأسسُ فيه وتتربى عليه، وتستطيعُ أن تمارسَ من خلالِه عمليةَ التغيير، وقد كان هذا في دارِ الأرقمِ بنِ أبي الأرقمَ قبلَ الهجرةِ، فقد كان موطنُ بناءٍ وتعليمٍ وإرشادٍ وغرسٍ للعقيدةِ وبناءٍ للإسلام في النفوسِ، وتجميعٍ للصفوف ومعرفةٍ لواقع الباطلِ والجاهليةِ، وهذا التجمعُ هو الذي كان يحرِّكُ دعوةَ الإسلامِ حتى أذن الله بالهجرةِ فكان التأسيسُ والتوطينُ في صورةِ دولةٍ وفي صورةِ مجتمعٍ متكاملٍ في مهَاجَرِ رسولِ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.

لقد كانَ هدفُ النبيِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من هجرتهِ إلى المدينةِ إيجادُ موطئ قدم للدعوة هناك حتى تَنْعُمَ بالأمنِ والاستقرار، حتى تستطيعَ أن تَبْنِي نفسَهَا من الداخلِ وتَنْطَلِقَ لتحقيقِ أهدافِها في الخارجِ، ولقد كان هذا الهدفُ أملاً وحلُما يراودُ رسولَ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- "رأيتُ في المنامِ أني أهاجرُ من مكةَ إلى أرضٍ بها نخلٌ، فذهب ظنِّي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب".

كان هدفُ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من الهجرةِ تكثيرُ الأنصارِ وإيجاد رأيٍ عامٍ مؤَيِّدٍ للدعوةِ، لأن وجودَ ذلكَ يوفرُ على الدعوةِ الكثيرَ من الجهودِ ويُذَلِّلُ في طريقِها الكثيرَ من الصِعاب، والمجالُ الخَصْبُ الذي تَتَحققُ فيه الأهدافُ والمُنْطَلَقُ الذي تَنْطَلِقُ منه الطاقاتُ هو في المدينة، ولهذا حرِصَ رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أن يبعثَ مصعبَ بنَ عميرٍ أولَ سفيرٍ في الإسلام، حرِص -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أن يرسله ليكونَ سفيرَه إلى المدينةِ ليعلِّمَ الأنصارَ الإسلامَ وينشرَ دعوةَ الله فيها، ولمّا اطمأنَّ رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلى وجودِ رأيٍ عامٍ مؤَيِّدٍ للدعوةِ في المدينة حثّ أصحابَه إلى الهجرةِ إليها وقال لهم "هاجروا إلى يثرب، فقد جعلَ الله لكم فيها إخواناً وداراً تأمنونَ بها ".

لقد كان هدفُ رسولِ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من الهجرةِ استكمالُ الهيكلِ التنظيميِ للدعوةِ، فقد كان صعباً أن يكونَ الرسولُ القائدُ في مكةَ، والأنصارُ والمهاجرونَ في المدينة، صعبٌ أن يكونَ المعلمُ في مكةَ والتلاميذُ بعيدونَ عنه في المدينة، ولهذا هاجرَ رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ليكونَ بين ظهْرَاَنيْ أتباعِه، لأن الجماعةَ بدونِ قائدٍ كالجسدِ بلا رأسٍ، ولأنَّ تحقيقَ أهدافِ الإسلامِ الكبرى لا يتمُّ إلا بوجودِ جماعةٍ مؤمنةٍ منظَمَةٍ، تُغَذِّ السيرَ إلى أهدافِها بخُطًى وئيدةٍ وطيدةٍ متينةٍ.

فما أحوجَ المسلمينَ اليومَ إلى هجرةٍ نحو الله ورسولِه، هجرةٍ إلى الله بالتمسكِ بحبله المتينِ وتحكيمِ شرعهِ القويم وهجرةٍ إلى رسوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- باتباعِ سنته، والاقتداءِ بسيرته، فإنْ فعلوا ذلك فقد بدأوا السيرَ في الطريقِ الصحيحِ وبدأوا يأخذونَ بأسبابِ النصرِ، وما النصرُ إلى مِن عندِ الله، ويسألونكَ متى هو؟

قل عسى أن يكونَ قريباً.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:51 am

ثالثا: دعوةٌ مستمرةٌ وصبرٌ عظيم.

فالنبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كما نعلمُ ظلَّ في مكةَ ثلاث عشرةَ سنةً يدعو إلى الله جل وعلا ليلَ نهار، متعرضاً في ذلك إلى الأذى الشديدِ والاضطهادِ المستمرِ من كفارِ قريشٍ الذينَ لا يريدونَ للخيرِ أن ينتشرَ، ومع ذلك فلم ييأس مع كلِّ هذا العنتِ وقلةِ من آمنَ معه خلالَ هذه المدةِ، فحاولَ أن يتجهَ إلى بيئةٍ أخرى لعلهُ يستطيعُ من خلالِها نشرَ دينِ الله جل وعلا، فاتجه إلى الطائفِ ولكنه فوجئَ بالسفهاءِ يردونَه رداً منكرا، تقولُ أمُ المؤمنينَ عائشةُ رضى الله عنها وهي تحدِّثُ ابنَ أختها عروة أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ..؟


قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فعلت ولك ذلك، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا (رواه البخاري).


إن هذه الوقفةَ أيها الأحبةُ تجعلُنا نتساءل: ماذا قدمنا لدينِ الله؟


كم تحملنا من الأذى في سبيلِ نشره بين الناس؟


هل صبرَنا كما صبرَ -عليه الصلاة والسلام-؟


أم أننا استسلمنا بمجردِ أن نواجِهَ أذىً أو معارضةً، فقمنا بعد ذلك بالتوقُفِّ عن الدعوةِ إليه سبحانَه، هل هذه هي القدوةُ بالنبيِ المصطفى الأمينِ، إنك لو نظرتَ أيها الكريمُ إلى أمتكَ الكريمةِ في القرآنِ الكريمِ ونظرتَ إليها في أرضِ الواقعِ لانفلق كبِدُكَ من الحزنِ والبكاءِ على واقعِ أمةٍ قد انحرفت كثيراً وكثيراً عن منهج الله جل وعلا وعن سنةِ رسوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.


فهاهي الأمَّة التي نراها اليومَ ونعيشُ تحت ظِلالها، ليستْ هي الأمةُ التي خرجتْ وبزغتْ في فجرِ الإسلام، أمتنا اليومْ بدلت شرع الله وانحرفتْ عن طريقِ رسول الله واستبدلتِ الذي هو أدنى بالذي هو خير، أذلَّ الله الأمَّةَ لأحقرِ وأذلِّ أُممِ الأرضِ ممن كتب الله عليهمُ الذلةَ والهوانَ واللعنةَ من إخوانِ القردةِ والخنازيرِ من أبناءِ يهود.


نعم.. أصبحتِ الأمةُ اليومَ قَصْعَةً مستباحةً لأحقرِ أممِ الأرضِ وأذلِّها، وحَقَّ عليها قولُ الصادقِ المصدوق -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في الحديثِ الصحيحِ الذي رواه أبو داوودَ من حديثِ ثوبانَ رضي الله عنه: "يوشِكُ أن تتداعى عليكمُ الأممُ كما تتداعى الأكلةُ إلى قصعتها قالوا: أوَمِنْ قلةٍ نحنُ يومِئذٍ يا رسول الله؟


قال: لا، ولكنكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ، وليوشكَّنَ اللهُ أن ينزعَ المهابةَ من قلوبِ عدوِّكُم، وليقذفنَّ في قلوبكمُ الوهنَ، قيل وما الوهنُ يا رسول الله؟          


قال: حبُ الدنيا وكراهيةُ الموت".


لقد أصبحتِ الأمةُ اليومَ أيها الأخيارُ غُثاءً من النِفاياتِ البشريةِ تعيشُ على بِساطِ الحياةِ الإنسانيةِ، تعيشُ الأمةُ كدُويلاَتٍ متناثرةٍ متصارعةٍ متحاربةٍ تفصل بينها حدودٌ جغرافيةٌ مصطنعة، ونَعَرَاتٌ قوميةٌ جاهلية، وتُرفرفُ على سمائها راياتٌ قوميةٌ ووطنيةٌ تَحْكُمُها قوانينٌ جاهلية غربية، وتدورُ بالأمةِ الدوراتُ السياسيةُ فلا تملكُ الأمةُ نفسها عن الدورانِ بل ولا تختارُ لنفسِها حتى المكانَ الذي تدورُ فيه!


ذلت الأمةُ بعد عِزَّةٍ، وجَهِلتِ الأمةُ بعد علم، وضعُفتِ الأمةُ بعد قوة، وأصبحتْ في ذيلِ القافلةِ الإنسانيةِ بعد أن كانتْ بالأمسِ القريبِ تقودُ القافلةَ كلَّها بجدارةٍ واقتدار.


أصبحتِ الأمةُ اليومَ تتسوَّلُ على موائدِ الفكرِ الإنسانيِ والعلمي بعد أن كانتِ الأمةُ بالأمسِ القريبِ منارةً تَهْدِي الحيارىَ والتائهينَ ممن أحرقَهُمْ لفحُ الهاجرةِ القاتلِ وأرَّقهم طولُ المشيِ في التيهِ والضلال، أصبحتِ الأمةُ اليومَ تتَأْرجحُ في سيرِها، ولا تعرفُ طريقَها الذي يجبُ عليها أن تَسْلُكَهْ وأن تسيرَ فيه بعدَ أن كانتِ الأمةُ بالأمسِ القريبِ الدليلَ الحاذقَ الأربَ في الدروبِ المتشابكةِ والصحراءِ المهلكةِ التي لا يهتدي للسيرِ فيها إلا الألداءُ المجرِّبونَ..


فما الذي جرى؟


ما الذي تغير.. لا شيء..!


لكنها السننُ الربانيةُ...


"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" واللهِ إن هذا الواقعَ الأليمَ الذي نراه بأمِّ أعينِنا في أمتنا يستنفرُ جميعَ الهِممِ الغيورةِ ويستوجبُ أن يسألَ كلُ واحدٍ منا نفسَه هذا السؤالَ.


ماذا قدمنا لدين الله جل وعلا؟


هل فعلا نحنُ السببُ في تخلفِّ هذه الأمةِ ورُكُوبِها ذيلَ القطار..؟


سؤالٌ وإن كان يُمَثِّلُ في الحقيقةِ ظاهرةً صحيةً إلا أنه يَنُمُّ عن خَلَلٍ في فَهْمِ حقيقةِ الانتماءِ لهذا لدينِ إلى الحَدِّ الذي أصبحَ فيه المسلمُ لا يعرفُ ما الذي يجبُ عليه أن يقدِّمَه لدينِ الله جلّ وعلا.


لماذا؟!


لأن قضيةَ العملِ للدين ما تحركتْ في قلوبنا إلا في لحظةِ حماسٍ عابرةٍ أجَّجَهَا عالمٌ مخلصٌ أو داعيةٌ صادقٌ، فقمنا بعد هذه اللحظةِ الحماسيةِ المتأججةِ نسألُ عن أدوارِنا..


إنه وربي سؤالٌ مخجلٌ سؤالٌ مَهيب؟


سؤالٌ يجبُ ألا نمِلَّ طرحه وألا نسئمَ تِكراره لنُحييَ في القلوبِ قضيةَ العملِ لهذا الدينِ في وقتٍ تحرَّكَ فيه أهلُ الكفرِ والباطلِ بكلِ رجولةٍ وقوةٍ لباطلِهم وكفرِهم!


في وقتٍ انتعشَ أهلُ الباطلِ فيه وتحركوا في الوقتِ الذي تقاعسَ فيه أهلُ الحقِ وتكاسلوا، بل والله ما انتفشَ الباطلُ وأهلُهُ إلا يومَ أن تخلى عن الحقِ أهلُه، إنه واقعٌ يجبُ أن يستنفرَ جميعَ الهممِ الغيورةِ، قُلْ لنفسكَ وخاطبها..


ما هو دوري في هذه الحياة؟


كيف أقدمُ لدين الله..؟.


أما والله لو كانتْ قضيةُ العملِ لدينِ الله تشْغَلُ أفكارَنا وتملأُ قلوبَنا وتُحرِقُ وُجدانَنا وتُقِضُّ مضاجعَنا ونفكرُ فيها ليلَ نهار في النومِ واليقظةِ في السِّرِ والعلانية، نعم.. لو كانتْ قضيةُ العملِ لدين الله في قلبِ كلٍّ منا ما سأل نفسه أبداً هذا السؤالَ، لأنه سيحدِّدُ أمرَه بحَسَبِ الزمانِ الذي يعيشُه وبِحَسَبِ المكانِ الذي يعيشُ فيه، لأن قضيةَ العملِ لدينِ الله تملأُ عليه همَّهُ ووُجدانَه وقلبه، لكن بكلٍ أسفٍ بكلِ مرارةٍ بكل حزنٍ أصبحت قضيةُ العملِ لدينِ الله قضيةً هامشيةً ثانويةً في حِسِّ كثيرٍ من المسلمين!..


بل وأصبحَ لا وجودَ لها في حِسِّ قِطَاعٍ عريضٍ آخرَ ممن يأكلونَ مِلَءَ بطونِهم وينامون ملءَ عيونهم ويضحكون ملءَ أفواههم، بل وينظرونَ إلى واقعِ الأمةِ فَيَهُزُّ الواحدُ كتفيه ويَمْضِي وكأنَّ الأمرَ لا يعنيه، وكأنه ما خُلقَ إلا ليأكلَ ويشربَ، أقولُ..


إن العملَ للدينِ مسئوليةُ كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، فلا بدَّ أن تكونَ لقضيةِ الدينِ مساحةٌ في خريطةِ اهتماماتنِا وبرامجنا، نعم.. لا بدَّ أن يَضْبطَ الدينُ عواطفَنا، وأن يُحْرِقَ همُّ الدينِ وِجدانَنا، وإِنَّ من المُحالِ أن يتحرَكَ الإنسانُ لشيءٍ لا يعتقده، لا يحمله في قلبه، وتأمل كيف احترق قلبُ نبينا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لهذا الدين حتى قال له ربه "فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديثِ أسفا".



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:54 am

رابعا: الثبات على المبدأ.
إن الله تعالى خلقَ الخلق ليعرفوه ويعبُدُوهُ، ونصبَ لهم الأدلةَ الدالةَ على كبريائهِ وعظمته ليهابُوه، وقد اقتضت حكمتُه سبحانه وتعالى أن جعلَ الابتلاءَ سنةً من سننِ اللهِ الكونيةِ، وأن المرءَ بحاجةٍ إلى تمحيصٍ ومراجعةٍ حتى يتميَّزَ الخبيثُ من الطيبِ، والمؤمنُ من غيره؛ فالسعيدُ من اعتصم بالله، وأناب ورجعَ إلى الله، والمؤمنُ الصادقُ ثابتٌ في السراءِ والضراءِ.

قال تعالى: "الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"، "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ".

إن هجرةَ النبيِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلى المدينةِ كشفتْ لنا معالمَ في الشدةِ والرخاءِ، والعسرِ واليسر، وأبانت لنا عن معادنِ النفوسِ، وطبائعِ القلوب؛ ومن عَلِمَ حكمةَ الله في تصريفِ الأمور، وجريانِ الأقدارِ فلن يجدَ اليأسُ إلى قلبه سبيلاً، ومهما أظلمتِ المسالكُ وتتابعتِ الخطوبُ وتكاثرتِ النكباتُ؛ فلن يزدادَ إلا ثباتاً؛ فالإنسانُ إلى ربه راجع، والمؤمنُ بإيمانه مستمسكٌ وبأقدار الله مسلِّم، وإن من معالمِ هذه الهجرةِ النبويةِ المباركة: الثباتُ على المبدأ، الثباتُ على الدينِ والاستقامةُ عليه، ذلك أن الثباتَ على دينِ اللهِ والاعتصامَ به يدلُ دلالةً قاطعةً على سلامةِ الإيمانِ، وحسنِ الإسلامِ وصحةِ اليقين.

إن الثباتَ على دينِ الله خُلُقٌ عظيمٌ، ومعنى جميل، له في نفسِ الإنسانِ الثابتِ وفيمن حولَه من الناسِ مؤثراتٌ مهمةٌ تفعل فِعْلَها، وتؤثرُ أَثَرَهَا، وفيه جوانبُ من الأهميةِ الفائقةِ في تربيةِ الفردِ والمجتمع.

إن صفةَ الثباتِ على الإسلامِ والاستمرارِ على منهجِ الحق نعمةٌ عظيمةٌ حبا الله بها أولياءَه وصفوةَ خلقه، وامتنَّ عليهم بها، فقال مخاطباً عبدَه ورسولَه محمداً -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- "وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ".

إن الثباتَ على دينِ الله دليلٌ على سلامةِ المنهجِ، وداعيةٌ إلى الثقةِ به، وهو ضريبةُ النصرِ والتمكينِ والطريقِ الموصلةِ إلى المجدِ والرفعةِ، ألم تروا كيف ثبتَ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في دعوتِه قبلَ الهجرة وبعدَها؟

ألم تروا كيف مُكِّن وأُعزَّ ونُصِرَ بسبب ثباته على مبدأه صلوات ربي وسلامه عليه..؟

إن الثباتَ طريقٌ لتحقيقِ الأهدافِ العظيمةِ، والغاياتِ النبيلةِ؛ فالإنسانُ الراغبُ في تعبيدِ الناسِ لربِ العالمين والعاملُ على رفعةِ دينه وإعلاءِ رايتِه لا غِنَى له عن الثبات.

إن الثباتَ يعني الاستقامةَ على الهدى، والتمسكَ بالتقى، وقَسْرَ النفسِ على سلوكِ طريقِ الحقِ والخير، والبُعْدِ عن الذنوبِ والمعاصي وصوارفِ الهوى والشيطان.

إنَّ مما يُعينُ على الثباتِ أمامَ الفتنِ والابتلاءاتِ صحةُ الإيمانِ وصلابةُ الدينِ؛ فكلَّمَا كانَ الإنسانُ قوياً في إيمانه، صلْباً في دينه، صادقاً مع ربه، كلما ازدادَ ثباتُه، وقَوِيَتْ عزيمتُه وثبتَتْ حُجتُه، وحَسْبُكَ أن صاحبَ الهجرةِ محمداً -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كان يدعو ربه ويسألُه الثبات " اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرشد".

إن الثباتَ على الدينِ مطلبٌ عظيمٌ ورئيسٌ لكلِ مسلمٍ صادقٍ يحبُ الله ورسولَه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، ويريدُ سلوكَ طريقِ الحقِ والاستقامةِ بعزيمةٍ ورشد، والأمَّة الإسلاميةُ اليومَ أحوجُ ما تكونُ إلى الثباتِ خاصةً وهي تموجُ بأنواعِ الفتنِ والمغريات وأصنافِ الشهوات والشبهات، فضلاً عن تداعي الأممِ عليها، وطَمَعِ الأعداءِ فيها ومما لا شك فيه أن حاجةَ المسلمِ اليومَ لعواملِ الثباتِ أعظمُ من حاجةِ أخيه المسلمِ إلى ذلك في القرونِ السالفة وذلك لكثرةِ الفسادِ ونُدْرَةِ الإخوان، وضَعْفِ المُعين، وقِلةِ الناصح والناصر.
واللهُ المُسْتضعَانْ.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:59 am

خامساً: جِنسيةُ المسلمِ ووطنُه عقيدته.
إن أغلى ما لدى الإنسانِ إذا تخلى عن مُقوِماتِ دينِه، أهلُه وولدُه وماله وبلده، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم لما وجدوا أن مكةَ ليستْ مقراًّ لدينِهم؛ استأذنوا من الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بالهجرةِ، فأذن لهم -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وهنا ارتفعوا عن مطالبِ الدنيا، وعن حقارةِ الدنيا، وعن ذُلِّ الدنيا، وَنَجَوا بعقيدتِهم؛ لأن المسلمَ وطنُه عقيدتُهُ، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم ضحَّوا بالوطنِ، وضحوا بالأهلِ، وضحوا بالمالِ في سبيل هذه الهجرة في سبيلِ عقيدتِهم، وانظر إلى صهيبٍ الرومي رضي الله عنه، كان عبداً مملوكاً في مكةَ، فلما جاء الله بالإسلام صدّقَ وأطاع، فاشتدَ عليه عذاب الكفار، ثم أَذِنَ النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- للمؤمنينَ بالهجرةِ إلى المدينة فهاجروا، فلما أرادَ أن يهاجرَ معهم منعه سادةُ قريشٍ، وجعلوا عنده بالليل والنهارِ من يحرُسُه، خوفاً من أن يَهْرُبَ إلى المدينة، فلما كان في إحدى الليالي، خرجَ من فراشِه إلى الخلاء، فخرجَ معه من يرْقُبُه، ثم ما كادَ يعودُ إلى فراشهِ حتى خرجَ أخرى إلى الخلاءِ، فخرج معه الرقيب، ثم عاد إلى فراشه، ثم خرجَ، فخرجَ معه الرقيبُ، ثم خرج كأنه يريد الخلاءَ، فلم يخرُج معه أحد، وقالوا: قد شغلَتُه اللاتُ والعزى ببطنه الليلةَ، فتسَلَّلَ رضي الله عنه، وخرَجَ من مكةَ، فلما تأخَّرَ عنهم، خرجوا يلتمسونَهُ، فعلِمُوا بهربِه إلى المدينة، فلحقوه على خَيْلِهم، حتى أدركوُه في بعضِ الطريقِ، فلما شَعُرَ بهم رقى على ثَنِيَّةِ جبلٍ، ثم نَثَرَ كِنَانَةَ سِهَامِهِ بين يديه وقال: يا معشرَ قريشٍ، لقد علمتُم واللهِ أنِّي أصوبُكُم رمياً، ووالله لا تَصِلُونَ إليَّ حتى أَقْتُلَ بِكِلِّ سَهْمٍ بين يَدَيّ رجلاً منكم، فقالوا: أتيتنا صُعْلُوكاً فقيراً، ثم تخرجُ بنفسكَ ومالك، فقال: أرأيتم إنْ دَلَلْتُكُم على موضِعِ ماليِ في مكةَ أتأخذونه وتدعوني..؟

قالوا: نعم.. فقال: احفروا تحتَ أُسْكُفَّةِ بابِ كذا وكذا فإن بها أواقيَ من ذهب، فخذوها واذهبوا إلى فلانةَ فخذوا الحُلَّتَيْن من ثيابٍ، فرجعوا وتركوه، ومضى يَطْوِي قِفَارَ الصحراءِ، يحمله الشوقُ ويحدوهُ الأملُ في لقاءِ النبيِ عليه السلامُ وأصحابِه، حتى إذا وصلَ المدينةَ، أقبلَ إلى المسجدِ فدخلَ على رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وعليه أَثَرُ الطريق وَوَعْثَاءُ السفرِ، فلما رآه النبيُ -عليه الصلاة والسلام- قال: ربِحَ البيعُ أبا يحيى.. ربحَ البيعُ أبا يحيى.. ربح البيعُ أبا يحيى.. نعم والله ربحَ البيع..

ولماذا لا يربح..؟

وهو الذي هانَ عليه أن يَتْرُكَ المالَ الذي جمعه بكَدِّ الليلِ وتَعَبِ النهار، لماذا لا يربح وقد تركَ الأرضَ التي ألفها والبلدَ التي عرفها، والدارَ التي سكنها، في سبيل طلبِ عقيدته ومرضاةِ ربه..

أيها الأحبةُ الكرام..
لا بُدَّ أن نوطنَّ أنفسنا، وأن نفهم هذه الهجرةَ فهماً حقيقيا بأن جنسيةَ المسلمِ ووطنِه هي عقيدتُه، فالمسلمُ تبعًا لهذا المبدأ، فلا يَهِنُ ولا يستكين ولا يقبل الذلَّ، ولا يقبلُ الخور والضعفَ: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"، ولما وجد الصحابةُ رضي الله عنهم أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بهذا الدين إلا بالذل والمهانة والاستكانة؛ تخلوا عن هذا الوطن، وذهبوا إلى بلاد يرفعون فيها رؤوسهم عالية، فرفع الله مقامهم، وأعادهم إلى وطنهم منتصرين.

لقد أكدَّت دروسُ الهجرةِ النبويةِ أن عزة الأمَّة تكمُن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيدِ الكلمةِ عليها، وأن أي تفريقٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوةِ الدينِ مآلُه ضعفُ الأفرادِ وتفكُكُ المجتمعِ وهزيمةُ الأمَّة، وإن المتأملَ في هزائمِ الأممِ وانتكاساتِ الشعوبِ عبر التأريخِ يجدُ أن مردّ ذلك إلى التفريطِ في أمر العقيدةِ والتساهلِ في جانب الثوابتِ المعنويةِ مهما تقدمتِ الوسائلُ المادية.

إن عقيدةَ التوحيدِ هي الرابطةُ التي تتضاءلُ أمامها الانتماءاتُ القوميةُ والتمايزاتُ القبليةُ والعَلاقاتُ الحزبية، واستحقاقُ الأمَّة للتمجيدِ والتكريمِ مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطِها بمبادئها.

كيف لا..؟

وفي الأمَّة في أعقابِ الزمن منهزمونَ كثر أمامَ تياراتٍ إلحاديةٍ وافدةٍ ومبادئَ عصريةٍ زائفةٍ ترفعُ شعاراتٍ مصطنعةٍ وتُطْلِقُ نداءاتٍ خادعةً، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلّ والصغارَ والمهانةَ والتبارَ والشقاءَ والبوارَ؛ فأهواءٌ في الاعتقاد ومذاهبُ في السياسةِ ومشاربُ في الاجتماع والاقتصادِ كانت نتيجتها التخلفَ المهينَ والتمزقَ المشين، وفي خِضَّمِ هذا الواقعِ المُزري يَحِقُّ لنا أن نتساءلَ بحرقةٍ وأسى: أين دروسُ الهجرةِ في التوحيدِ والوحدة؟

أين أخوةُ المهاجرينَ والأنصارِ مِن شعاراتِ حقوقِ الإنسانِ المعاصرةِ الزائفة؟

قولوا لي بربكم أيُ نظامٍ راعى حقوقَ الإنسانِ وكرّمه أحسنَ تكريمٍ وكَفِلَ حقوقَه كهذا الدينِ القويم.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 1:01 am

سادسا: المسجدُ والدورُ الحقيقي.
ويواصلُ النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سيرَهُ حتى وصلَ إلى المدينةِ، فبدأ ببناءِ المسجدِ وعمارتِه لِعِلْمِه أنَّ المسجدَ لم يوجدْ في الإسلامِ لأداءِ الصلاةِ فقط، وإنما هو مدرسةُ المجتمعِ الحقيقيةِ وهو نُقطةُ الانطلاقِ لتبليغِ دينِ الله، وهو مركَزُ الدولةِ الإسلاميةِ السائرةِ على منهجِ الله.

لقد نشأتْ مكانةُ المسجدِ وترعرعتْ في قلوبِ المسلمينَ مُنْذُ عهدِ النبوةِ، حيث كانَ مصدرَ النورِ والعلم والبصيرةِ والعزة للإسلامِ والمسلمين؛ فأعلى سبحانَه شأنَ المساجدِ ورفع قدرها، ولا أدلَّ على عظيمِ مكانةِ المسجدِ ومعرفةِ المسلمينَ الأوائلَ أنْ لا طريقَ لإعلاءِ دينِهمُ الذي هو مصدرُ عِزِّهِم، إلا بالانطلاقِ منه، ولذلكَ فإنَّ أولَ ما بَدأ به النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عندما حلَّ بأرضِ الهجرةِ النبويةِ هو بِناءُ المسجدِ لِجَعْلِه مصدرًا للدعوةِ ومنبعًا لها وموردًا للصحابةِ رضي الله عنهم للجلوسِ معه -عليه الصلاة والسلام-، وعندما رسخَتْ هذه المعاني في قلوبِهم رضي الله عنهم ساروا عليها بكُلِّ ما أُوتُوا من عزْمٍ ويقينٍ بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، ثم سارَ المسلمونَ من بعدهم في هذا المسير، وانطلقوا من هذا المنطلقِ، ومن ذلك المكانِ الطاهر الشريفِ فإن الإمامَ عليه مسئوليةٌ وتَبِعَات، ومؤذِنُ المسجدِ والمصلونَ كذلك، كُلٌ له دورُه الذي يُعْتَبَرُ لَبِنَةً لِبِنَاءِ هذه الرسالة، وبَعْثِها لأرجاءِ المعمورة.

أرأيتم لو قامَ كُلٌ بدوره المأمولِ منه وإحيائِه واستحضارِه… أيبقى دورٌ في أرجاءِ الأرضِ وقوةٌ على ظهرها لغيرِ الإسلامِ ودعوته؟         

ولا أدلَّ على عِنَايةِ الإسلامِ بالمسجدِ وقداسَتِه من أمْرِ الشارعِ بعدم زخرفتِه، ونَشْدِ الضالةِ ورفعِ الصوتِ، كُلُ ذلك لِتَتَوَحَّدَ القلوبُ وتبتهلَ إلى خالِقها وإلهِها بدونِ صوارفَ وشواغلَ تُعيقُ تَهَيؤَها للقيامِ بدورها تجاهَ المسجدِ ورسالته، فأين أغنياءُ المسلمينَ عن هذه الحقيقةِ، وأينَ العلماءُ والمسئولونَ عن هذا الأمرِ المهمِ في حياةِ المجتمعات، لماذا أصبحتِ المساجدُ مهملةً، وإذا اعتُنِيَ بها فمِن أَجْلِ الصلواتِ فقطْ ولا دورَ لها بعد ذلك في حياة المسلمين.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 1:04 am

سابعا: الهجرةُ وتأريخها..!
وإشارةً أخرى إلى أمرٍ يتعلقُ بحدثِ الهجرةِ النبويةِ في قضيةٍ تُعبِّرُ بجلاءٍ عن اعتزازِ هذه الأمَّة بشخصيتها الإسلاميةِ وتُثبتُ للعالمِ بأسره استقلالَ هذه الأمَّة بمنهجها المتميزِ المُستقى من عقيدتِها وتأريخها وحضارتِها، إنها قضيةٌ إسلامية وسُنَّةٌ عُمريةٌ أجمعَ عليها المسلمونَ في عهدِ عمرَ بنِ الخطاب -رضي الله عنه- إنها التوقيتُ والتأريخُ بالهجرةِ النبويةِ المباركة، واختيارُ الصحابةِ هذا التأريخَ على غيرهِ من الأحداثِ يُعَدُّ من فقهِهِمْ وفهمهمُ العميقِ لأهميةِ هذا الحدثِ الذي انتقلتِ الأمَّة المسلمةُ بسببه من مرحلةِ الاستضعافِ والابتلاءِ إلى مرحلةِ الاستخلافِ والتمكين، وكم لهذه القضيةِ وربي من مغزًى عظيمٍ يَجْدُرُ بأمةِ الإسلامِ اليومَ تَذَكُّرَهُ والتَقيُدَ به، كيف وقد فُتِنَ بعضُ أبنائِها بتقليدِ غيرِ المسلمينَ والتشبهِ بهمْ في تأريخِهم وأعيادِهم.

فأين هي عِزةُ الإسلام؟


وأين هي شخصيةُ المسلمين؟

هل ذابت في خِضَمِّ مُغْرَياتِ الحياة؟

فإلى الذين تنكروا لثوابتِهم وخدشوا بَهاءَ هويتِهم وعملوا على إلغاءِ ذاكرةِ أمتِهم، وتهافتوا تَهَافُتاً مذموماً وانساقوا انسياقاً محموما خلف خصومِهم وذابوا وتميعوا أمامَ أعدائهم، ننادي نداءَ المحبةِ والإشفاق: رويدَكم؛ فنحنُ أمةٌ ذاتُ أمجادٍ وأصالةٍ وتأريخٍ وحضارةٍ ومنهجٍ متميزٍ منبثقٍ من كتابِ ربِنا وسنةِ نبينا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فلا مساومةَ على شيءٍ من عقيدتنا وثوابتنا وتأريخِنا ولسنا بحاجةٍ إلى تقليدِ غيرِنا، بل إن غيرَنا في الحقيقةِ بحاجةٍ إلى أن يستفيدَ من أصالتِنا وحضارتنا، لكنه التقليدُ والتبعيةُ والمجاراةُ والانهزاميةُ والتشبهُ الأعمى من بعضِ المسلمينَ هداهم الله.

كيف لا..؟

وقد حذر -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أمتَه من ذلك بقوله فيما أخرجَه الإمامُ أحمدُ وأهلُ السننِ: "من تشبه بقوم فهو منهم".



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 1:06 am

ثامنا: الهجرةُ ومبدأ الشورى.

كلَّنا نعرفُ أن قريشاً اجتمعتْ في دارِ الندوة، وتشاوروا كيف يفعلونَ بالرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟


نعم.. تآمروا واختلفوا في الرأي، لكنهم اتفقوا على أن يجتمعَ عددٌ من أمزاعِ القبائلِ وأفرادها ليقتلوا الرسولَ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فيَضِيعُ دمُه بين القبائلِ.


ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة، وما أقربَ عِلاقةَ الماضي بالحاضرِ والحاضرِ بالماضي؛ أعداءُ الله جادونَ لحربِ دينِ الله، جادون لحربِ الدعاة، كما كان أولئكَ جادينَ في دارِ الندوة، فقط..


اختلفتِ الأدوارُ واتفقتِ الأهدافُ، اختلفتِ الوسائلُ واتفقتِ الغايات.


كما أجد أن كفارَ قريشٍ في دارِ الندوةِ يشعُّون حماساً لإنهاءِ هذه الدعوةِ المحمديةِ، أجد واللهِ أعداءَ الله يتطايرُ النومُ من أعينِهم حماساً لحربِ الدعاةِ وحربِ الإسلام، أجدُ أن الدعاةَ يفتقرونَ إلى شيءٍ مما نجده عندَ أعداءِ اللهِ وهو الحماسُ لدعوتهِم ومبادئِهم، والتخطيطِ البعيدِ المستمر، كفارُ قريشٍ جلسوا يتشاورون ويعقدون ويتآمرون، والسؤال المهم الذي ينبغي أن نستفيده: هلِ المسلمونَ يتشاورونَ فيما يتعلقُ بأمورِ دينهم وعقيدتهم؟


هل يلتقونَ ليتدارسوا أوضاعَ المؤامراتِ على هذه العقيدة، وعلى هذا الدينِ؟


كفارُ قريش في دارِ الندوة، وكفارُ العصرِ الحاضرِ في دورٍ كثيرةٍ، يتشاورونَ ويخططونَ، والمسلمونَ نائمون، كفار قريش في دار الندوة سلكوا السبيل الذي يحقق لهم أهدافهم، وبنفس القوةِ وبنفسِ المنطقِ أعداءُ الإسلام في العصر الحاضر يسلكونَ السبيلَ ذاتَه، ولهذا فإن الرسولَ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- علاجا للمشكلة التي مرَّ بها والمؤامرة التي حلت به واجه التخطيطَ بالتخطيط، والقوةَ بالقوة، والحكمة بالحكمة، والأسلوبَ بالأسلوب.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 7:42 am

تاسعا: الهجرةُ والتخطيط.

إن التخطيطَ للهجرةِ من أعظم الدروس التي نستفيدُها في دعوتنا، مأساة كثيرٍ من المسلمين بل مأساةُ الدعاة أن التخطيطَ لديهم فيه ضعفٌ كبير، إن لم أقل: إنه لا يوجد لدى الكثيرِ منهم أبداً مفهومُ التخطيط، لديهمُ الإعدادُ الضعيف، بينما نجده في الهجرةِ يتمثَّل في أشياءَ كثيرة.


يتمثَّل في الاستعدادِ المبكرِ من الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، يتمثلُ التخطيطُ في تهيئةِ أبي بكرٍ رضي الله عنه لذلك، حيثُ جلس كما في الصحيحِ أربعةَ أشهرٍ ينتظرُ الهجرةَ معَ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ويهيئُ الرَّاحلةَ، نجدُ التخطيطَ في إقامةِ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَلِيّاً مكانه، وعندما بدأت مراحلُ الهجرة؛ جاءَ التخطيطُ الدقيقُ في خُطُوَات.


وانتبهوا إلى هذه الخطوات وهذا التخطيط:

أولاً: الانتقالُ إلى غارِ ثورٍ، ولماذا اختارَ النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وأبو بكرٍ هذا الغار؟         


نعم.         


اختارا هذا الغارَ ليُخالفوا ما أرادت إليه قريش، فاتجهوا جنوباً.


ثانياً: توزيعُ الأدوار، فعبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ يأتي بالأخبار، وعامرُ بنُ فهيرةَ يأتي بالغنمِ ليحلبوا ويشربوا، ويغطي آثارَ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكر، وأسماءُ تأتي بالطعام، وعبدُ اللهِ بنُ أُرَيقِط يَسْتَعِدُ للانطلاقِ بهم بعدَ ثلاثِ ليال، أرأيتم كيفَ أنه ترتيبٌ محكمٌ دقيقٌ مخططٌ له، فهل نحن عندما نريد أن نُقْدمَ على أي أمرٍ من أمورِ الدعوة؛ نستعدُّ لذلك؟         


نخططُّ له، نُجيدُ تحديدَ المراحل، المؤسفُ أن الواحدَ منا إذا أراد أن يَعْمُرَ بيتا؛ جَلسَ يُخططُ عدةَ أشهرٍ، نعم.. إذا أقبل على أمرٍ من أمورِ الدنيا؛ خطَّطَ ورتبَ واستعدَ، ولكن في أمورِ الدعوة في أمورِ الإسلام فإنه يَخْبِطُ خبطَ عشواء، ومن هنا جاءتِ النتائجُ السلبيةُ والنتائجُ السيئةُ لكثيرٍ من الدعواتِ وكثيرٍ من الحركاتِ؛ لأنهم يتحركونَ بدونِ تخطيطِ، يتحركونَ بدونِ دراسةٍ للواقع، وبدونِ حسابٍ للمستقبل؛ حسبَ الأسبابِ التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وهذا رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يا أحبابي، وهو رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُخططُ تخطيطاً بشريًا دقيقا، يخططُ ليستفيدَ الدعاةُ من هذه التجربةِ، إنها دروس، فهل نستفيد منها؟


تذكرتُ وفكرتُ في كثيرٍ من النكباتِ التي حلَّتْ بكثيرٍ من الجماعاتِ الإسلاميةِ في كثيرٍ من الدول، ووجدتُ أن مِن أهمِّ أسبابِها ضعفُ التخطيطِ لمقابلةِ أعداءِ الله، فالمسلمُ كَيِّسٌ فطن، فلا يُقْدِمْ على أمرٍ إلا بعد أن يكونَ قد قلَّبَ جميعَ الأمور، وأخذَ بجميعِ الوسائلِ والأسباب، وهذا الدرسُ واضحٌ وجليٌ وعظيمٌ في سيرةِ الرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، تخطيطٌ محكمٌ دقيقٌ، لا تجدُ فيه ثغرةً من الثغراتِ، فسبحانَ الله! ما أحوجنا إلى أن نقفَ أمامَ هذا الأمرِ العظيم؛ لتستفيدَ منه الأجيالُ بعد الأجيالِ.


فإلى متى والمسلمونَ يتخبَّطونَ في أمورهم؟         


إلى متي ونحن أبناءُ الصُدفةِ، وأبناءُ العواطفِ؟         


فقطْ عواطفُ تهيجُ ثم تخبوا، فأين الجِدُّ؟         


أين العزيمة؟         


أين الوُضوح؟         


فالأمرُ من الجدِّية بمكان، ثم نقول بعد ذلك ونتفاخر: "النصر من عند الله"؟!


نعم، بلا شكٍ: النصرُ من عند الله، ولكن لا بُدَّ من الأخذِ بالأسباب، لا بُدَّ من الأخذِ بالوسائلِ المشروعة.


فأين هذا من واقعنا؟         


أليس لنا في سيرةِ الرسولِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عبرة؟         


أليس لنا فيه عِظة؟         


بدأ وحيداً -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وبالرقمِ القياسيِ بدأتْ الدعوةُ في ازديادٍ شيئاً فشيئاً، حتى قامتْ دولةُ الإسلام..


أيها الأحباب:

أكرر فأقول:

لا مكانَ للفوضى في هذا العصر، بل لا مكانَ للفوضى في حياةِ المسلم أبداً، فكلُ واحدٍ منا يُحاسبُ نفسه ولو من زاويةٍ ضيقةٍ، ألسنا نعيشُ فوضى داخلَ حياتِنا الخاصةِ اليومية.


هل كلُ واحدٍ منا ينظِّمُ وقتَه تنظيماً دقيقا؟         


هل كلُ واحدٍ منا يعيشُ هَمَّ هذه الدعوة، ويفكِّرُ لها ليلَ نهار؟         


ثم ماذا عمِلَ إن كانَ فكَّرَ ورتَّبَ لذلك؟         


والله لا عُذر لنا أمامَ الله سبحانه وتعالى فيما نرى من المصائبِ والمشكلات.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 7:49 am

عاشراً: البيتُ المسلمُ المتكامل.
لقد كانَ البيتُ المسلمُ حاضراً لأخطرِ قرارٍ في تأريخِ الدعوة، فقد كانتْ عائشةُ وأسماءُ رضي الله عنهما تسْتمعانِ لتلكَ المداولاتِ التي دارت بين رسولِ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وبين والدهِما أبيِ بكر الصديقٍ رضي الله عنه قالت: "بينما نحنُ يوماً جلوسٌ في بيتٍ أبي بكرٍ في نحرِ الظهيرةِ، قال قائلٌ لأبي بكر: هذا رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- متقنِّعاً في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكرٍ: فداءً له أبي وأمي، والله ما جاءَ به في هذه الساعةِ إلا أمرٌ...

قالت: فجاءَ رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فاستأذنَ فأذِنَ له فدخل، فقال النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لأبي بكر: أَخْرِجْ مَن عندَك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلُكَ بأبي أنتَ يا رسول َالله، قال: فإني قد أُذِنَ لي في الخروجِ، فقال أبو بكرٍ: الصحبةَ بأبي أنت يا رسولَ الله، قال رسولُ الله: نعم، قال أبو بكرٍ: فخُذْ بأبي أنت يا رسولَ الله إحدى راحلتِي هاتين، قال رسولُ الله، بالثمنِ، قالت عائشةُ: فجهزناهما أحسنَ الجهازِ وصنعنَا لهما سَفْرَةً في جرابٍ فقطَعَت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ قِطعةً من نِطَاقِها فربطتْ به على فَمِ الجِرابِ فبذلكَ سُميت ذاتُ النطاقين".

الله أكبر.. ما أجملَ هذا البيتَ المسلمَ بيتَ أبي بكرٍ، أبو بكرٍ، وابْنُه عبد الله وابْنتاه أسماءُ وعائشةُ، بل وحتى مولاهُ عامرُ بنُ فُهيرةَ، في وسطِ الجاهليةِ، ومرابضِ الوثنيةِ، في وسط هذا الخِضَّمِ الأسودِ الذي يَهْرُبُ فيه المسلمونَ بعقيدتهم، نجد بيتا صالحا فيه مُقَوِماتُ الصلاح، فعندما قالَ الرسولُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "أَخرِج من عندك"، قال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله".

أكانَ الرسولُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يجهلُ أنهما ابنتا أبي بكر؟

لا وربي، فهْو يعْرفهُما، ولكن أراد أبو بكرٍ أن يقولَ " إنهما على منهجي، همَا على عقيدتي، لا خوف عليهما يا رسولَ الله ".

لقد وقفتُ أمامَ هذا البيتِ المسلمِ، وقارنت هذا البيتَ المسلمَ ببيوتِنا في ديارِ الإسلام، أين البيتُ الذي تتوفرُ فيه صفاتُ البيتِ المسلمِ كبيت أبي بكر..؟

إن من أولى أولوياتِ البيتِ المسلمِ وأسما رسالةٍ يقدمُها للمجتمعِ تربيةُ الأولاد، وتكوينُ جيلٍ صالحٍ قويٍ، ولا قيمةَ للتربيةِ ولا أثرَ للنصيحةِ إلا بتحقيقِ القدوةِ الحسنةِ في الوالدين؛ القدوةِ في العبادةِ والأخلاق، القدوةِ في الأقوالِ والأعمال، القدوةِ في المخبرِ والمظهر.

في غَيابِ البيتِ المسلمِ الهادئِ الهانئِ ينمو الانحرافُ، وتفشو الجريمةُ، وترتفعُ نسبةُ المخدرات، بل ونسمعُ بارتفاعِ نسبةِ الانتحار.

إن البيتَ الذي لا يَغرِسُ الإيمانَ ولا يستقيمُ على نهجِ القرآن ولا يعيشُ في أُلفةٍ ووئام، يُنجِبُ عناصرَ تعيشُ التمزُّقَ النفسي، والضياعَ الفكري، والفسادَ الأخلاقي، هذا العقوقُ الذي نجده من بعضِ الأولادِ والعَلاقاتِ الخاسرةِ بين الشباب والتخلي عن المسؤوليةِ والإعراضِ عن الله والتمرُّدِ على القيمِ والمبادئِ الذي يعصِفُ بفريقٍ من أبناءِ أمتنا اليوم، ذلك نتيجةٌ حتميةٌ لبيتٍ غفلَ عن التزكيةِ، وأهملَ التربيةَ، وفقدَ القدوةَ، وتشتَّت شملُه.

البيتُ الذي يجعلُ شرائعَ الإسلام عِضين، يأخذ ما يشتهي، ويذرُ ما لا يريد، إلى شرقٍ أو غرب، يُنشئ نماذجَ بشريةٍ هزيلةً ونفوساً مهزوزة، لن تفلحَ في النهوضِ بالأمَّة إلى مواقعِ عزها وسُؤدُدِها.

من سماتِ البيت المسلم أنه يرُدُ أمرَه إلى الله ورسولِه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عندَ كلِّ خلاف، وفي أي أمرٍ مهما كان صغيراً، وكلُ مَن فيه يرضى ويسلِّم بحكم الله: :وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـلاً مُّبِيناً".

من سماتِ البيتِ المسلمِ تعاوُنُ أفراده على الطاعةِ والعبادة، فضعْفُ إيمانِ الزوجِ تقوِّيهِ الزوجةُ، واعوجاجُ سلوكِ الزوجةِ يقوِّمُه الزوج، تكاملٌ وتعاضُد، ونصيحةٌ وتناصر.

من سماتِ البيت المسلمِ الحياءُ، وبه يُحصِّنُ البيتُ كِيانَه من سهامِ الفتكِ ووسائلِ الشر التي تدعُ الديارَ بلاقع، لا يليقُ ببيتٍ أسِّس على التقوى أن يُهتَكَ سترُه، ويُنقضَ حياؤه، ويلوَّثَ هواؤه بما يخدشُ الحياءَ من أفلامٍ خليعةٍ وأغانٍ ماجنة ونبذٍ للحجابِ وتشبهٍ بأعداء الدين، كلُ ذلك ينخِرُ كالسوسِ في كَيانِ البيتِ المسلم، وبُؤَراً تفتحُ مغالقَ الشرِّ وتدعُ العامرَ خرابا.

من سماتِ البيتِ المسلم أن أسراره محفوظةٌ، وخلافاتِه مستورةٌ، لا تُفشى ولا تُستقصى " إن من شرِّ الناسِ عند الله منزلةً يوم القيامةِ الرجلُ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم يَنْشُرُ سِرَّها "

لا يدخلُ البيتَ المسلمَ من لا يُرضَى دينُه، فدخولُ المفسدِ فسَاد، ووَلوجُ المشبوهِ خطرٌ على فلذات الأكباد بهؤلاء فسدتِ الأخلاقُ في البيوت، وفشا السحرُ، وحدثتِ السرقاتُ، وانقلبتِ الأفراحُ أتراحا، بل إنهم معاوِلُ هدمٍ للبيتِ السعيد، والله المستعان..

لقد برزَ أثرُ الهجرةِ في مجالِ تربيةِ الشبابِ والمرأةِ وميدانِ البيتِ والأسرةِ، ِففي موقفِ عبداللهِ بنِ أبي بكر رضي الله عنهما في خدمةِ ونُصرةِ صاحبِ الهجرة -عليه الصلاة والسلام- بأبي هو وأمي، ما يُجلّيِ أثرَ الشبابِ في الدعوةِ ودورِهم في الأمَّة ونُصرةِ الدينِ والمِلة، فأين هذا مما يُنادي به بعضُ المحسوبينَ على فِكرِ الأمَّة وثقافتِها من تخديرِ الشباب بالشهواتِ وجعلِهم فريسةً لمهازلِ القنواتِ وشبكةِ المعلوماتِ في الوقتِ الذي يُعَدُّون فيه للاطلاعِ بأغلى المهماتِ في الحفاظِ على الدينِ والقيم، والثباتِ على الأخلاقِ والمبادئ أمامَ المتغيراتِ المتسارعةِ ودعاوَى العولمةِ المفضوحة، وفي موقفِ أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنها ما يُجَلّيِ دورَ المرأةِ المسلمةِ في خدمتِها لدينها ودعوتها.

فأين هذا من دُعاةِ المدنيةِ المأفونةِ الذين أجلبوا على المرأةِ بخيلِهم وَرَجِلِهم زاعمينَ زوراً وبُهتانا أنَّ تَمَسُّكَ المرأةِ بثوابتِها وقيمها واعتزازها بحجابها وعفافها تقييدٌ لحريتِها وفقدٌ لشخصيتها وبئسَ ما زعموا فخرجَتِ من البيتِ تبحثُ عن سعادةٍ موهومةٍ وتقدميّةٍ مزعومةٍ لتَظُنَّها في الأسواقِ والشوارعِ والملاهيِ والمصانعِ فرجعت مسلوبةَ الشرفِ مُدَنَّسةِ العرضِ مُغْتَصَبَةَ الحقوقِ عديمةَ الحياءِ موءودةَ الغيْرَة، وتلكَ صورة من صورِ إنسانياتِ العصرِ المزعومةِ وحريتِه المأفونةِ ومدنيته المدَّعاة..

أقول:
ما أحوجنا إلى بيتٍ كبيتِ أبي بكر، ما أحوجنا إلى أسرة كأسرة أبي بكر، ما أحوجنا إلى إيمان كإيمان أبي بكر بل ما أحوجنا إلى آباء كأبي بكر وأبناء كأبناء أبي بكر..



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 7:53 am

الحادي عشر: الصدق والإخلاص مع الله
نصْرُ الله سبحانَه وتعالى لنبيه أمرٌ جليٌ وواضحٌ وظاهر "إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".

روى الإمام البخاري في صحيحه قال: لَمَّا صعدَ كُفَّارُ قريشٍ إلى الجبلِ ونظروا؛ قال أبو بكر: يا رسولَ الله، لَوْ نظرَ أحدُهم إلى أسفلِ قدميهِ لرآنا، فقال رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: يا أبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ باثنين اللهُ ثالثهُمَا؟!

"الله أكبر، إنه التوكل والثقة بنصر الله تعالى لم يقل -عليه الصلاة والسلام- "ما ظنك بنبي وصاحبُه؟! "لا" ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!

إنها قاعدةٌ عظيمة: أنَ كلَ اثنينِ صادقينِ مخلصين؛ الله معهما، لم يربطْ القضيةَ -عليه الصلاة والسلام- به، لم يقل "يا أبا بكر، لا تخف؛ لأنني أنا موجودٌ، أنا رسولُ الله " لا، ربطَهَا بقضيةٍ أصليةٍ؛ حتى إذا تكررتْ في يومِنا الحاضرِ؛ يتكررُ الهدفُ والسببُ والنتيجة " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!

إذا أصابتك مصيبة وأنت معتصم بالله؛ فلا تخف؛ فأمامك "ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!".

إذا ادلهمت عليك الخطوب من كل جانب فلا تحزن لأنك تقرأ "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" إذا واجهك عدو فاعتصم برب العدو لأنك تتلوا "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"
إذاً..

القضيةُ ليست مربوطةً بأنه نبي، لا؛ لأن الله تعالى يقول: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ" نبِيٌ وغيرُ نبي، ما دام أنه على منهج النبي: "إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ" نصْرُ الله كان لنبيه، ولمن يقتفى سنةَ نبيه، وسيكونُ وسيظلُ لكل صادقٍ مخلصٍ مؤمنٍ بالله متبعٍ نبيه، كما نجد في هذا الأمرَ أن الأمرَ لا يتعلق بالقوةِ الماديةِ والضخامةِ المادية.

فكم بذلت قريشٌ من أجلِ هذا الأمر، ولكنها لم تُحقِّقْ شيئا ونَصَر الله نبيَه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بوسائِله الضعيفةِ البسيطةِ الهزيلة، لكنها الوسائل المادية، أما وسائله الكبرى فهي وسائلٌ عظيمة، أقواها وسيلةُ الإيمانِ بالله سبحانه وتعالى والصدقِ معه والتوكل عليه والثقة بنصره.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 7:56 am

الثاني عشر: الدَّاعية لا يمل ولا يكل.
المسلمُ ليسَ عنده توقُفٌ عن الدعوةِ لله عز وجل، وعن السعيِ لنشرِ دينِ الله جل وعلا، وهكذا كانَ النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بعد أن وَجَدَ الصدَّ في مكةَ، ذهبَ إلى الطائفِ -عليه الصلاة والسلام-، وبعد أن وجدَ الصدَّ هناكَ فتحَ لأصحابِه بابَ الهجرةِ إلى الحبشةِ أولاً ثم جاءت بيعةُ العقبةِ ثانياً ثم بدأت بداياتُ الهجرة، كلُ هذا طَرْقٌ لكلِ الأبوابِ والأسبابِ ومواصلةٌ للدعوة هناك وهناك، وبعضُ الناس قد يَطْرُقُ باباً أو بابين أو يلتقي بفردٍ أو اثنين ثم يقولُ سُدَّتِ الأبوابُ وانقطعتِ السبلُ ويرجعُ ويقعُدُ في بيته.

لكنّ النبيَ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حينما أدركَ تآمرَ قريشٍ، وأن قريشا لا تريدُ الإسلامَ؛ استخدمَ معها كلَّ الوسائِل، وبذلَ معهم جميعَ الأساليب، مع عُتُوِّهِم ونفورهِم وإصرارهِم وعِنادهِم، فلم يخطرْ بباله العودةَ إلى الغارِ أو يَعْبُدَ اللهَ في مسجده، لا.. بدأ يبذُلُ الوسائلَ والأسبابَ للانتقالِ بهذه الدعوةِ إلى أرضٍ خصبةٍ، فإذا كانت هذه الأرضُ لا تقبلُ هذه الدعوةَ فأرضُ الله واسعةٌ بدأ بالبحث، وبعرضِ نفسِه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- على القبائلِ شيئا فشيئا، وموسما موسما حتى وَجَدَ من هُمْ أهلٌ لهذه الدعوةِ، وبلادَهم خير بلادٍ لهذه الدولة، فالمسلمُ لا يستكين، والداعيةُ لا يمل ولا يكل.

كثيرٌ من الدعاةِ يُصابُ باليأس، كثيرٌ من الدعاةِ يصاب بالقنوط، يقول " دعوت ودعوت، فلم يُسمع لي، لم يُستجب لي " لكننا نجدُ في سيرةِ الرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وفي هجرتِه المثلَ الرائع، والقدوةَ المُثلى للداعيةِ الصابرِ المرابط.

مشكلةُ كثيرٍ منَ المسلمين اليومَ أنهم يستعجلونَ النتائجَ فيُصابون باليأس، بل أسوأُ من ذلك أنهم ربما شككوا في مبادئِهم، شكوا في نصرِ الله سبحانه وتعالى، شكوا بوعد الله سبحانه وتعالى الذي وعد أولياءَه بالنصر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،" فلا يصبرون ولا يتصبرون، بل يستعجلون النتائجَ والثِمار، ومن هنا حلَّت كثيرٌ من النكبات بكثيرٍ من المسلمين، كثيرٌ من الدعواتِ أصيبتْ بالوهن...

 لماذا؟

لأنها استعجلتِ النتائجَ؛ لأنها لم تصبِرْ على مقوماتِ الدعوة، ولهذا جلسَ الرسولُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثلاثةَ عشرَ عامًا يدعو قومَه في مكةَ ومع ذلك لمَّا وصلَ إلى أمرٍ يقينِي بأنَّ هؤلاءِ القومَ لا يُريدون هذا الدين، وأرادوا القضاءَ عليه؛ بحث عن مأمْنٍ وأرضٍ ومخرج، فبدأ بالاتصالِ بالقبائلِ، وعَرَضَ نفسه عليها ومن هنا جاءَ ترتيبُ هذه الهجرةِ في بيعةِ العقبةِ الأولي، وفي بيعةِ العقبةِ الثانيةِ، وما تلا ذلك من مراحل، حتى تمَّت هجرتُه صلى الله عليه وسلم.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 8:04 am

الثالث عشر: بالصبرِ واليقينِ تُنالُ الإمامةُ في الدين.

يقولُ ابنُ القيمِ رحمه الله: "اليقينُ من الإيمانِ بمنزلةِ الروح من الجسد"، ويقول ابنُ تيميةَ رحمه الله: "الصبرُ نصفُ الإيمان، واليقينُ الإيمانُ كلُه"، إن المسلمينَ اليوم، وهم يمرونَ بمرحلةٍ عصيبةٍ من مراحلِ تاريخهم المعاصر وتكادُ تغلِبُ في هذه المرحلةِ عواملُ اليأسِ ومشاعرُ الإحباطِ لهم بأمسِّ الحاجةِ إلى التمسكِّ بالدين، والعضِّ عليه بالنواجِذ؛ لأن الاستسلامَ لليأسِ يقتلُ الهممَ ويُخَدِّرُ العزائمَ ويدمِّرُ الطموحات.


وهذه المعاني هي التي تُحَرِّكُ الإراداتِ إلى بذلِ الجهد، ورغمَ تتابُعِ الفتنِ وتنوُعِهَا وتكاثُرِها فإن نصرَ الله آتٍ لا محالةَ كما وعدنا سبحانه شريطةَ أن نتمسكَ بدينِنا ونعتـزَّ بشريعتِنا ويكونَ ولاؤنا لله ولرسولِه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ولِمَنْ ولَّاَنَا اللهُ تعالى أمرهم: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ".


"لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرينَ على الحقِ لا يضُرُهم من خَذَلَهم ولا من خَالَفهم حتى يأتَي أمرُ الله وهم ظاهرون"، و"لا يزالُ هذا الدينُ قائماً يُقاتِل عليه عِصَابةٌ من المسلمينَ حتى تقومَ الساعة،" ومع تكاثُرِ أعداءِ الإسلام، وتكالبِهم على هذا الدينِ، والكيدِ له ولأهله، إلا أن النصرَ والتمكينَ بمشيئةِ الله لحملةِ هذا الدينِ المبشرينَ بالثناءِ والتمكينِ كما مُكِّنَ رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في حياتِه وأذعنت له الأمم.


كيف لا وهو القائل: "إن الله زوى ليَ الأرضَ فرأيتُ مشارقهَا ومغاربها، وإن أمتي سيبلغُ مُلكُهَا ما زُوي لي منها"، كيف لا.. وهو القائل: "ليبلغّنَ هذا الأمرُ ما بلغ الليل والنهار، ولا يتركُ الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدينَ بعز عزيز أو بذُلِّ ذليل، عزاً يُعِزُّ اللهُ به دينَ الإسلام، وذلاً يُذِلُ به الكفر".


إن عِزَّ هذه الأمَّة، ورِفْعَةَ أهلِ الحقِّ لا تتِمُّ ولنْ تكونَ إلا بالعضِّ على هذا الدينِ بالنواجذِ عقيدةً وشريعةً، صدقاً وعدلاً ثباتاً في الموقفِ وصدقاً مع الله: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، "وَإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ".


إن تَرَقُّبَ النصرِ القادمِ الذي وعدَ الله عبادَه وعداً لا يُخْلِفُه في قوله: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ"، من أجلى ينابيعِ الأملِ وأقواها لدى المسلم، حيث تدفَعُه نحوَ العملِ لدينِه المنصورِ ومبدئه الظافر: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".


 ولقد أعلنها -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بعد هجرته في وقتِ الشدةِ لتشَّتَدَّ أنظارُ المؤمنينَ إلى المستقبلِ المحتوم؛ مهما كان الواقعُ يفرِضُ على الناسِ أقسى الظنون، فعن البراءِ ابن عازبٍ رضي الله عنه أنه قال: "أمرنا رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بحفرِ الخندق، وعرض لنا صخرةٌ في مكانٍ من الخندقِ لا تأخذ فيها المعاوِل، فشكونا إلى رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فجاء رسولُ الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثم هبطَ إلى الصخرةِ فأخذَ المِعْوَل فقال: بسمِ الله فَضَرَبَ ضربةً فَكَسَر ثُلُثَ الحجر، وقال: اللهُ أكبر! أُعطيتُ مفاتيحَ الشام، والله إني لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الحُمْرَ من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى فكُسرت ثُلُثُ الحجر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيحَ فارس والله! إني لأبصر المدائنَ وأبصرُ قَصْرَها الأبيضَ من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى فقلع بقيةَ الحجر، فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله! إني لأبصرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا".


أيها الأخوة الكرام..

إن حتميةَ البلاءِ الذي كتبه الله على عبادِه منبعٌ للأمل، فلا يُدْهَشُ المؤمنُ بنزولِ البلاء، ولا ينهارُ ولا يُحْبَطُ حينَ يواجِهُ الكروبَ.


إن تقريرَ حتميةِ البلاءِ يجعلُ المؤمنَ متَرَقِّباً للشدائدِ مستعداً لها ومدركاً لحِكمتِها، ومدركاً أنّ مقَدِّرَها هو القادرُ على دفعها: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"، ولذلك كان الصحابةُ رضوانُ الله عليهم يُدركونَ هذا الأمرَ إدراكاً جيداً، فهم يبادرونَ في تحليلِ الموقفِ وِفْقَ هذا الاعتبارِ: "وَلَـمَّا رَأَى الْـمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَاناً وَتَسْلِيماً".


ورحم الله ابنَ القيم يوم قال:

والحقُ منصورٌ ومُمْتَحَنٌ فلا *** تعجب فهذي سنةُ الرحمن



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ   الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ Emptyالثلاثاء 25 أغسطس 2020, 8:11 am

وأخيراً..
فإنَّ حالَ المسلمينَ في العالم يُوجبُ الاستفادةَ من معاني الهجرةِ النبوية، فلن يَصْلُحَ حالُ المسلمينَ في هذا العصرِ إلا بالأمورِ التي صَلَحَ بها السلفُ الصالحُ من الإيمانِ الحقِ والتوحيدِ الخالصِ والخُلُقِ الكريمِ والصدقِ مع الله والتوكلِ عليه والصبرِ على المكارهِ وإحسانِ العبادةِ على وصْفِ ما جاءَ به النبيُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-  في السنةِ المطهرة، ولئن فاتنا ثوابُ الهجرةِ إلى الله ورسولِه في زمنِ النبوةِ، فقد شرع الله لنا هجرةً من نوعٍ آخر، فيها الثوابُ العظيمُ إنها الهجرةُ من المعصيةِ إلى الطاعةِ.

فاهجر أخي الكريمُ المعصيةَ وهاجرْ إلى الطاعة، اهجُرِ التفريطَ وهاجرْ إلى الاستقامةِ، اهجُرِ التمردَ والآثامَ وهاجر إلى الانقيادِ والاستسلامِ، اهجُرِ الكسلَ والأملَ الباطلَ وهاجر إلى الجِدِّ والاجتهادِ فيما يُرضي مولاك، اهجُرِ الركونَ إلى الدنيا والاطمئنانَ إليها وهاجرْ بقلبك إلى الله والدارِ الآخرةِ والرغبةِ في ما عند الله.
 
قال نبيك -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "المسلمُ مَنْ سَلِمَ المُسلمُونَ من لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَنْ هَجَرَ ما حَرَّمَ اللهُ"، وفي صحيح مسلم: "عبادة في الهرج (أي في وقت الفتنة) كهجرة إليّ"، (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة اللهِ واللهُ غفورٌ رحيمٌ).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخط والنار، اللهم إنا نسألك عيشاً رغداً، وولداً باراً، ورزقاً داراً، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نسألك عيش السعداء، ونُزُلَ الشهداء، ومرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء، والفوز في القضاء يا سميع الدعاء.

اللهم طهِّر مجتمعات المسلمين من كل فاحشة ورذيلة، ومن كل عادة خبيثة دخيلة، يا أرحم الراحمين، اللهم اهد شباب المسلمين، ورُدَّ ضالهم إليك رَدّاً جميلاً، اللهم جنِّبهم قُرناء السُّوء والفساد، اللهم أقِرَّ عيون الآباء والأمهات بصلاح أبنائهم وبناتهم يارب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدَّيْنَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، نسألك نصراً وعزاً وتمكيناً للإسلام والمسلمين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، الذين يقاتلون أعداءك لإعلاء كلمتك اللهم انصرهم في فلسطين والشيشان، وفي كشمير وأفغانستان وفي العراق، وفي كل مكان يارب العالمين.

اللهم أقر عيون المسلمين بعودة أراضيهم ومقدساتهم إلى حوزتهم، اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين في كل مكان، فقد لاقوا أشد العذاب والعناء، ولا ناصر لهم إلا أنت في زمن قل فيه الناصر والظهير، اللهم ثبت حجتهم، وأخرجهم من سجونهم سالمين غانمين، واجعلهم مجاهدين في سبيلك فاتحين يا أرحم الراحمين، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين.

اللهم عليك باليهود والنصارى المعتدين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك، وسلّط بعضهم على بعض، اللهم أهلكهم بالقحط والسِّنين، اللهم أغرقهم بالفيضانات المُغرقة، والأعاصير المُهلكة، اللهم دَمِّرْ مُقدَّراتهم، واهلك حرثهم ونسلهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين يا قوي يا عزيز.

اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، واجعل عمله في رضاك، اللهم هيئ له البطانة الصالحة، اللهم وفقه للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، اللهم اربطه بالعلماء العاملين، واجعلهم له خيرَ دليل ومعين، إنك على كل شيء قدير، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت نستغفر ونتوب إليك.



الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفَوَائِدُ الجَنِيَّة مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِّيَّةِ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْم
» وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأظلمت المدينة
» ذِكْرُ مَا أنْزَلَ اللهُ فِي أحُدٍ مِنَ القرآن
» القاعدة السادسة والثلاثون: الحَذَرِ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالأَوْلادِ
» {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (طلحة بن عبيد اللَّه).

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـضــــائل الـشهـــور والأيـــام :: الهجرة أعظم حدث في تاريخ الإسلام-
انتقل الى: