{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
(طلحة بن عبيد اللَّه).
"هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ!"
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-).
هو أحد العشرة المُبَشَّرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوفِّيَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ.
إنه طلحة الخير كما سمَّاه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحُد، وطلحة الفيَّاض كما سمَّاه في موضع آخر، وطلحة الجُود كما سمَّاه في موضع ثالث.
إنه طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه وأرضاه.
طلحة هذا الذي لا يعرفه الكثير منّا والذي لم نقرأ عنه في مناهجنا شيئًا حال دون وقوع أكبر جريمة كانت ستعرفها الإنسانية في التاريخ، ولمعرفة السبب الذي جعل من طلحة شهيدًا يمشي على الأرض، ينبغي عليك أن تتحول بقلبك إلى الجزيرة العربية، لتدع روحك ترافق أبا بكرٍ الصديق -رضي اللَّه عنه- وهو يلهث راكضًا كما لم يركض أحَدٌ من قبل متجهًا إلى جبل أحُدٍ محاولًا مسابقة الزمن قبل فوات الأوان.
قبل أن يفقد صديق عمره وقد أحاط الكفار به من كل جانب، هناك كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أحرج ساعة في حياته، فلقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُحَاصَرًا من الكفَّار وقد عزموا على قتله.
ليس حوله إلّا تسعة أبطال مسلمين سقط منهم سبعة دفاعًا عنه، ليبقى بجانبه مدافعان اثنان، أحدهما سنكتشفه في نهاية هذا الكتاب، والآخر سيكتشفه أبو بكر لنا الآن!
فقد أخذ أبو بكر يُسارع الخُطى وأنفاسه تكاد تنقطع، ليلمح من بعيد وهو يَمُدُ ناظريه قبالة صديقه رجلًا يتحرك كالشَّبح ويقاتل كالنَّمِرْ ذودًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمام رهط من فرسان قريش.
فتُرمى على رسول اللَّه السهام فيتلقاها، وترمى عليه الرماح فيتصدى لها، فيتمنى أبو بكر أن يكون هذا الأسد هو نفسه ذلك الذي في باله، فإذا كان هو الذي في باله فإن صاحبه لابد أن يكون في أمان بحراسة ذلك الصنديد المغوار.
عندها قال أبو بكر في نفسه:
"كن طلحة فداك أبي وأمي!... كن طلحة فداك أبي وأمي!"
وصدق ظن الصديق، لقد كان هذا الفدائي هو الشخص الذي يتمنَّاه، إنه طلحة ابن عبيد اللَّه!
هناك كان طلحة يقاتل ببسالة ما عرفت كواسر الأرض مثلها يدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بجسده وروحه ووجدانه، فقد كانت السهام تتطاير نحو الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ليقفز طلحة كالنمر نحو الرسول محيطًا به ليتلقى السهام بنفسه، قبل أن يرجع مرة أخرى لمقاتلة الكفار بسيفه والدماء تتصبب من كل مكان في جسده.
وفجأة... ينطلق سهم خارق من أعظم رام سهامٍ عرفته العرب نحو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مباشرةً، فتلمح عين طلحة السهم وهو يقاتل المشركين، فيسرع كالبرق الخاطف ليسبق هذا السهم قبل أن يصل إلى أعظم إنسان خلقه اللَّه في الكون.
وبينما السهم يخترق الفضاء متوجهًا بنجاح نحو صدر الرسول وإذ بيد طلحة تمتد لتحضن السهم احتضانًا في شرايينها، عندها نظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يد طلحة والدماء تسيل من عروقها ليقول له: "لو قلت بسم اللَّه لرفعتك الملائكة والناس ينظرون".
وبينما رسول اللَّه ينظر إلى تلميذه بشفقه وحنان، وصل أبو بكر ومعه أبو عبيدة يريدان حمايته، ليقول لهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحنان الوالد وهو ينظر إلى ولده الحبيب: "دونكم أخاكم فقد أوجب" عندها لم يصدق الصدِّيق عينيه!
فلقد وجد أبو بكر جسد طلحة ملطخًا بالدماء حتى أخمص قدميه وبه بضع وستون جرحًا ما بين ضربة وطعنة ورمية دفاعًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
هل كنت تعلم شيئًا عن عظمة طلحة والزبير؟ أعلمت الآن لماذا قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلحة والزبير جاراي في الجنة؟".
إذا لم تكن تعلم شيئًا عنهما من قبل فعليك أن تعلم أن أعداء الأمة يعرفون تاريخنا أكثر منا، بل يعلمون جيدًا مَنْ هم أبطالنا ورموزنا الذين غفلنا نحن عنهم، ففي صيف عام 2009 قام رئيس دولة إيران الفارسية (أحمدي نجادي) بسب طلحة والزبير على الهواء مباشرة أثناء حملته الانتخابية!
فلماذا يكره نجادي رئيس دولة إيران جاري رسول اللَّه في الجنة؟
ومَنْ هم الصفويون الجدد؟ وما هي مخططاتهم؟
ومَنْ هو ذلك الصقر التركي الذي انطلق من جبال الأناضول ليدكَّ حصون الصفويين المَجُوسَ دكًّا دكَّا على رؤوسهم؟
وما هي حكايته البطولية؟
يتبع....
يتبع إن شاء الله...