القاعدة السادسة والثلاثون: الحَذَرِ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالأَوْلادِ 3610
القاعدة السادسة والثلاثون: الحَذَرِ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالأَوْلادِ
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
 
قال الله تعالى: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن: 14).
هذهِ القاعدةُ العظيمةُ مأخوذةٌ مِنَ الآيةِ الكريمةِ، إلّا أنَّ بعضَ الناسِ يُخطئُ في فهمِها، فيَظنُّ أنَّ الأصلَ في أزواجِهِ وأولادِهِ العداوةُ لهُ، وأنَّه يجبُ عليهِ أنْ يُعاملَهمْ كأعداءٍ حقيقيينَ، وليسَ الأمرُ كذلكَ!

فالمرادُ منَ العَداوةِ في الآيةِ أمْرانِ؛ الأولُّ: العداوةُ المباشِرةُ الحقيقيةُ، كمُحاولةِ إلحاقِ الأذَى عمْدًا، سواءً كانَ أذىً في الدُّنيا مثلَ أخذِ مالِ الزوجِ والأب بدونِ إذنِهِ، أوِ الإساءةِ إليهِ بالقولِ والفعلِ، أوْ فِي الآخرة كمحاولةِ صَرْفِهِ عَنْ طاعةِ اللهِ بمختلفِ صُوَرِها، وهذا النَّوعُ قليلٌ.

وأما المعنى الثانِي: فهو عداوةٌ غيرُ مباشِرةٍ وقد يكون سببها شدَّة المحبَّةِ والغلوَّ فيها، فيَجْلبُون لهُ مِنَ الأذَى مثلَما يَجلبُ العدوُّ ولكنْ بِحُسْنِ نيةٍ دونَ قصدِ الإيذاءِ، مثل الزوجةِ التي تَطْلُبُ منْ زَوجِها مَا لا يُطيقُ منَ الطَّلَبَاتِ قَدْ تَدْفَعُهُ -إنْ ضَعُفَ- لأخذِ المالِ مِنْ غَيْرِ حِلّهِ، والأولاد الذَّيْنَ لا يُدْرِكُونَ حُرْمةَ المعازفِ والأفلامِ ومَا أَشْبَهَ ذلكَ، إنْ طَلَبُوا منْ أبِيهِم إدخالَها فإنَّهم يُحقِّقونَ عداوتَه دونَ قَصْدٍ؛ لأنَّ طاعتَهم تُحقِّقُ آثارَ العَدَاوَةِ، إذْ وُجُودُ هَذِهِ الْمَعاصِي في البُيوتِ أوِ ارتكابُ المحرَّماتِ طَلَبًا لرِضَا الزَّوْجِ أوِ الأولادِ يُحَقِّقُ مُرادَ عَدُوِّنَا إبليسَ بإيذاء بنِي آدَمَ.

لكنَّ هذَا ليسَ مُتَحَقِّقًا فِي كلِّ الأزوَاجِ والأولادِ، فَقَدْ قَال تعالى: (إِنَّ مِنْ) والراجِحُ أنَّها تَبْعِيضِيَّةٌ، أيْ ليسَ كلُّ زوجٍ أوْ ولدٍ عَدُوًا، بلِ الأَصْلُ فِيهِم أنهم أولياء لا أعداء، وقيل إنها بَيانيَّةً، أيْ إنَّ أزواجَكم وأولادَكم عدوٌ لَكُم، لكنَّ الأوْلَ أشهرُ.

وقولُه: (مِنْ أَزْوَاجِكُمْ) قدْ يكونُ الزَّوْجُ عَدُوًا أيضًا وليسَ الزوجةُ وحدها، فالخطاب للرجال والنساء.

ثمَّ إنَّه قَالَ: (فَاحْذَرُوهُمْ)، والحَذَرُ هوَ أنْ يَتَّقِيَ الإنسانُ أسْبَابَ هذهِ العداوةِ، سواءٌ كانتْ مباشِرَةً وهِيَ الأقلُّ عادةً، أوْ غيرَ مباشِرَةٍ وهِيَ الأكثرُ بدليلِ قولِهِ: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فَمَنْ وَجَدَ مِنْ أَوْلَادِهِ أوْ مِنْ زَوْجِهِ مَا يُسَبِّبُ لَهُ العَنَتَ وَقَدْ يُوقِعُهُ فِيمَا حرَّمَ اللهُ، فَعَلَيْهِ أخذُ الحذَرِ منْ مُوافقتِهَم، إما بسبب الحُبِّ أوِ الشّفقةِ عليهِم، أوْ بسبب الضعفِ.

فقدْ يَضْعُفُ الرجلُ ويُحقِّقُ لزوجِهِ وأولادِه مَا يُغْضِبُ اللهَ عز وجل، وهذَا يُحققُ العَدَاوةَ، فينبغِي الحَذَرُ والانتباهُ إلَى طلباتِهم ومراداتهم وتصرفاتِهم، ألَّا يكونَ فيها مَا حرّمَ اللهُ، وفِي الوقتِ نفسِه يَعْفُو ويَصْفَحُ وَيغفِرُ ما صَدَرَ مِنْهُم عَنْ غَيْرِ إرادةِ للضررِ، وإنَّما لضَعْفِهِم وتقصيرِهِم، وبِهذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: الحذرُ والصفحُ والمغفرةُ تَستقِرُّ الحياةُ: (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، يغفِرُ لنَا ويرحمُنا ويَهَبُنا الحياةَ الهانئةَ المطمئنةَ، والسكنَ والرحمةَ والمودَّةَ بمنِّه وجُوده وفَضْلِه.

المصدر:
http://www.almoslim.net/tarbawi/290999