أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الحلقة التاسعة عشرة من مدرسة الحياة الجمعة 13 مايو 2011, 5:04 am | |
| المحاضرة التاسعة عشر فلازال حديثنا موصولًا مع بن الجوزي- رحمه الله تعالي- وهو يرد علي الذين ذموا الدنيا بإطلاق فبين أنها ليست كذلك ، بل المذموم فيها هو أعمال العاصي والجاهل ، أما إذا استخدم المرء ما خلقه الله- عز وجل- علي الوجه المشروع فإن هذا يُمدح ولا يُذم ، وتكلم في ثلاث محاور ، تكلم عن المال وتكلم عن النكاح ، وتكلم عن المطعم ، وتكلم عن الملبس ، وكنا وقفنا في آخر المرة الماضية عند كلام بن الجوزي رحمه الله تعالي عن الملبس .فقال: ( وقد اقتَنعَ أقوامٌ بالدونِ من ذَلك لأنَّ الحَلالَ الصَّافي لا يكادُ يُمكِنُ فيه تَحصِيلُ المُراد وإلا فَقد لَبِسَ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حُلةً اشتُريَت لَه بِسَبعةً وعشرين بَعيرًا ،وكان لتميم الداري حلةً اشتُريَت بِألفِ دِرهَم يُصَلي فيها باللَّيل )خَبَرِ الحِلّةُ الَّتِيْ اشْتُرِيَتْ لِلْنَّبِيِّ- صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد روي هذا الخبر أبو داوود في سننه من طريق عُمارة بن زازان عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن " ملك ذي يزن وهو من اليمن اشتري للنبي- صلي الله عليه وسلم- حلة بثلاث وثلاثين بعيرًا ، ثم أرسلها إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- فقبلها رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم-".ولكن هذا الخبر لا يصح من جهة إسناده ، لأن عمارة بن زازان كثير الخطأ وقد تفرد بهذا الحديث عن ثابت بن أسلم البُناني . مِنْ عَلَامَاتِ الْحَدِيْثِ الْمُنْكَرِ:والعلماء يحدون الحديث المنكر أي من علامات الحديث المنكر ، أن يتفرد راوي سيء الحفظ عن شيخ مشهور له أصحاب متوافرون بخبر من الأخبار فيقولون أين بقية أصحابة الثقات ؟ لو كان هذا الخبر موجودًا عند هذا الشيخ المشهور لكان موجودًا عند أصحابة الذين يلازمونه عادة .وثابت بن أسلم البُناني طبعًا في الشهرة كالشمس ، ولازمَ أنس بن مالك أربعين سنة ، وله أصحاب متوافرون من أصحابه حماد بن سلمه ، وحماد بن زيد ، وسليمان بن المغيرة ، وكثير من أصحاب ثابت له أصحاب كثيرون فيأتون علي هذا الشيخ وهو عمارة بن زازان وفي حفظه سوء ، ، فيقولون: كيف انفرد عن ثابت في شهرته وكثرة أصحابة بهذا الخبر ، هذا مما يدل علي أنه لم يثبت ، إذ لو كان ثابتًا لرواه غيره معه ، أو علي الأقل يكون ثبتاً في ثابت ، يكون رجل ثقة مثل حماد بن زيد ، وحماد بن سلمه لو أنفرد واحد من هذين ، أو واحد من الثقات عن ثابت بخبر ممكن يقبل ، إذًا هذا الخبر لا يصح من جهة إسناده فنحن نحكم عليه بالضعف . (وكان لتميم الداري حُلةً اشتُريَت بِألفِ دِرهَم يُصَلي فيها باللَّيل ).وهذا الخبر أيضًا لا يصح ، رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير في ترجمة تميم الداري ، ومعجم الطبراني الكبير كمسند الإمام أحمد ، أي رتبه الطبراني على مسانيد الصحابة ، فيقول أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- ويسرد طرفًا من أخباره ، ثم يذكر شيئًا مما أسنده أبو بكر الصديق إلى رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ، وهكذا كل صحابي له مسند ، جمع أحاديث الصحابي في مكان واحد ، لكن طبعًا الطبراني ميزته على مسند أحمد أنه رتب الترجمة على التابعين عن الصحابة ، بخلاف الإمام أحمد فإنه سرد أحاديث الصحابي سردًا بلا ترتيب ، إنما يسرد كيفما اتفق . الإمام الطبراني: روى هذا الخبر من حديث محمد بن عبد الله الحضرمي الملقب بمطين ، ويرويه عن شيخه أبي كُريب محمد بن العلاء عن وكيع بن الجراح عن همام بن يحي عن قتادة عن محمد بن سيرين( أن تميم الداري اشترى حلة.....إلى أخر الخبر ) ، فأنا الآن لو قلت وروى الطبراني بإسناد صحيح أن تميماً الداري ، فالخبر به علة فوق محمد بن سيرين لأن الخبر لو كان صحيحًا لقلت وروى الطبراني بإسناد صحيح عن تميم الداري أنه قال كذا كذا أو اشترى كذا كذا ,طالما وصلت بالخبر إلى راو في الإسناد ، صححت الخبر إلى هذا الراوي في الإسناد ولم أصححه إلى آخر الإسناد ، فتكون هناك مشكلة فوق الراوي الذي وقفت عنده .ما العلة ؟ العلة: الانقطاع ، كيف عرفنا أن هذا الخبر منقطع ؟ نظرنا في وفاة تميم الداري وهل أدركه محمد بن سيرين أم لا ، تميم الداري توفي سنة أربعين كان في المدينة ثم تحول بعد مقتل عثمان- رضي الله عنه- إلى الشام ، وولِد محمد بن سيرين سنة ثلاث وثلاثين ، فلما مات تميم الداري كان بن سيرين عمره سبع سنوات ، بن سبع لا يضبط ، وقد يضبط , لكن الذي يمنع من تصحيحنا لهذا الخبر أن محمد بن سيرين بصري ، كان يسكن البصرة في العراق ، وتميم الداري كان في الشام ولم تجري العادة قديمًا أن يرحل لطلب العلم بن سبع سنوات ، لو أن تميم الداري سكن البصرة كان من الممكن أن نقول أن المسألة محتملة ، لأن العلماء يقولون أن الضبط يكون بمعرفة تمييز الراوي . محمود بن الربيع: أحد صغار الصحابة ، قال: عقلت ، وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه في كتاب العلم وبوب عليه بقوله باب سماع الصغير أي متى يعتد بسماع الصغير ، يقول محمود بن الربيع: ( عقلت مَجةً مَجهَا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وأنا بن خمس )، قال العلماء أن ضابط المسألة التمييز ، ممكن يكون ولد عمره خمس سنوات ، ويضبط ما يسمع ، وآخر كبير عقله غير منضبط ، فالمسألة على حسب التمييز ,بن خمس قد يضبط ، بن سبع قد يضبط ، لكن لم تجري العادة أن يرحل بن سبع ما كانوا يسمحون للصغار في مثل هذه السن أن يرحلوا من بلادهم إلى البلاد الأخرى لطلب العلم ، كان يبلع خمسة عشر سنة على الأقل ، هذه عادتهم ، بعد خمسة عشر سنة يكون حفظ القرءان وأخذ العلم على شيوخ بلده ، وبعد أن ينتهي من العلم الذي عند شيوخ بلده يندبونه إلى الرحلة ، أن يفارق بلده ويذهب إلى البلدان الأخرى ، فلهذه العلة هناك انقطاع بين محمد بن سيرين وبين تميم الداري ، أدركه نعم لكن لم يسمع منه أدركه لأنهم كانوا يعيشون في عصر واحد سبع سنوات ، لكن لم يسمع منه للعلة التي ذكرتها , منقبة تميم بن أوس الداري: صحابي جليل له منقبة عظيمة جدًا ، وهي أنه الصحابي الوحيد في حدود ذاكرتي الآن الذي روى عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، العادة أن يقول أن الصحابي روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، لكن تميم الداري روى عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- ، والحديث خبره خبر الجسَّاسة الذي هو في صحيح مسلم ، وسميت الجسَّاسة: لأنها كانت تتجسس الأخبار وتلقيها إلى المسيح الدجال وخبر عجيب لما جاء تميم الداري من رحلة بحرية لقيَّ فيها الجسَّاسة ولقيَّ المسيخ الدجال موجود في كهف تحت الأرض وغير ذلك ، وقص على النبي- صلى الله عليه وسلم- فجمع الناس وقال إن تميماً الداري حدثني بمثل ما حدثتكم عن المسيخ الدجال ، وساق الحديث بطوله وهو في صحيح مسلم في كتاب الفتن ,هذه منقبة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- روى عنه وكان تميم أحد العباد الكبار ، وقد صح عنه انه كان يختم القرءان كل سبع ، وقام ليلة كاملة بآية واحدة يرددها ويبكي ، ويقوم ويأتي بالركعة التي تليها لا يجاوز هذه الآية﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾(الجاثية:21) ،لم يتجاوز هذه الآية كما أن النبي- صلي الله عليه وسلم- صلي ليلة كاملة لم يتجاوز قوله تعالي:﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾( المائدة:118) ، لكن برغم ضعف الأخبار الخاصة إلا أن الأدلة العامة تنصر هذا الفهم لكي يقول أحد: أنت ضعفت الدليل ، فيكون المعني ضاع ، أقول: لا ، ممكن الدليل الخاص في المسألة لا يثبت فنحتج حينئذٍ بعموميات الأدلة الصحيحة ، ونحتج له بالنص سواء كان قرآنًا أو سنة .مثل قوله- تبارك وتعالي- ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾(الأعراف:32) أي هم أولي الناس أن يتمتعوا بالطيبات ، وقول النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- عندما رأي رجل بذيء الهيئة ، ملابسة ليست نظيفة حتى أنه لم يرجل شعره ومثل ذلك ، ويظهر عليه علامات الفقر ، فقال:" أرب مال أنت ؟ قال: نعم يا رسول الله ، قال: من أي المال ؟ ، قال:كل المال ، فقال: إن الله عز وجل إذا أنعم علي عبد نعمة أحب أن يري أثرها عليه " .لأن الملابس الممزقة مع قدرتك علي أن تلبس الجيد كأنه فيه نوع شكوى ، أنما يلبس المرء هذه الثياب الخشنة إذا لم يجد ، إنما يجد ثم يحيد لا ، لأجل هذا كان الإمام مالك يلبس أجود الثياب ، والإمام الشافعي كان أحيانًا ، الإمام أحمد كان له بذاذة ، لماذا ؟ لأن الإمام أحمد لم يكن له تجارة ، ولم يكن له راتب مالي فاقتصر علي ما يجد ، فإن العبد إذا أنعم الله- عز وجل- عليه أحب أن يري أثر نعمته علي عبده ، وقد تكلمنا في هذا المعني قبل ذلك .إذًا ضعف الدليل الخاص لا يعني ضعف المسألة ، ضعف الحكم لماذا ؟ ممكن أن نحتج الحكم في العمل . قال: (فجاء أقوام فأظهروا التِّزَهُدَ وابتَكَرُوا طريقةً زيَنهَا لهم الهوى، ثم تَطَلَبُوا لها الدليل ،وإنما ينبَغِي للإنسان أن يتبعَ الدَّليلَ لا أن يَتبِع طَريقًا ويَتَطَلبُ دَلِيلَهَا )ما أحسن هذا الكلام ، وبسبب انقلاب هذه الصورة وقعنا في رفقة التقليد حتى فيما لا يجوز ، لأجل هذا أقول: إن من درس الفقه مثلًا من الأدلة مباشرة كان أعلي مرتبة ممن قلد الإمام وبحث لأقواله عن دليل ، وهذه الحقيقة أرجو ألا يفهم من قولي أنني أُخذِلَ علي الأئمة الكبار ، لا ، بل الذي أراه أن الطالب في بداية تفقهه لابد أن يلزم كتابًا من أي مذهب كان حتى ينهي الفقه بشرط أن يضع نُصب عينيه أنه إذا ثبت عن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- خلاف قول الإمام لا يجوز له أن يبقي مع قول الإمام , إذا دخل بهذا المعني وهذا الفهم يدخل علي أي كتاب من كتب المذاهب فيدرس الفقه وبعد ذلك مع الأيام تستوي ملكته يدرس علم الأصول ويبدأ في فهم هذا الإمام أخذ هذا الحكم من الدليل الفلاني ، قد الدليل لا يثبت والإمام يؤسس عليه حكماً ، أنا إذا درست ووصلت إلى أهلية ما لا يلزمني أن أقلد أحدًا .وفي زماننا وأنا في بداية عهدي الطلب كان مشهورًا عن شيخنا الألباني- رحمة الله عليه- أنه لا يري التمذهب ، ومن كثرة كلامه عن نبذ التقليد ، وإعمال النظر وإتباع السنة وهذا الكلام ، انتشر عنه أنه كان يخذِّل عن المذاهب الفقهية ، فلما لقيته- رحمه الله- وسألته سؤالاً مباشرًا في هذا ، لأن كان المخالفين يحطون عليه ويلمزونه بسبب هذا ، ويقولون أنه نفض الأئمة الأربعة والمذاهب الفقهية وهذا لا يجوز لأنها موروثات الأمة كلها ، وحرض الجهلاء على النظر في الأدلة ، فأحدثوا عبثًا في الأحكام الفقهية لا يعلم مداها إلا الله وهذا كان كلام الخصوم آنذاك,فلما سألته: هل يجوز للطالب أن يدرس الفقه على أي من المذاهب في بداية الدراسة ، بشرط أن يضع نصب عينيه أن كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- هو المقدم ؟ قال: نعم ، قلت فأي المذاهب تنصح ، ما أفضلها ؟ ما أفضل المذاهب الفقهية ؟ قال الشافعي ، ثم الحنبلي ، ثم المالكي ثم الحنفي ، مع أن الشيخ بدأ حنفيًا ، حياته في الفقه بدأ حنفيًا لأن والده كان حنفيًا وكان يدرس المذهب الحنفي ، وكان مفتي الحنفية آنذاك ,لما الطالب تستوي ملكته ويتعامل مع الأدلة يرى سهولةً ونورًا ويسرًا في حياته لو تعامل مع الأدلة مباشرةً ، ويستطيع أن يستخرج من الدليل الواحد عشرات الأحكام الفقهية التي قد يند هذا الدليل عن ذهن القارئ .مثلاً: أحد العلماء سئل ، هل تجد في كتاب الله- عز وجل – أن الحرام يأتيك جزفًا جزفًا الحلال لا يأتيك إلا قوتًا ؟ ، أي أن الحرام كثير جدًا ، إنما الحلال قليل جدًا ، هل تجد هذا في كتاب الله- عز وجل- ؟ قال: نعم ، وتلا قوله تعالي:﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ﴾ (الأعراف:163) ,شرعًا: أي أن الحوت يمشي في الماء يوم السبت يرفع رأسه ، يرفع رأسه في الهواء وظهره يظهر وسيد قشطه وسمك القرش وغير ذلك لأنه محرم عليهم يصطادوا يوم السبت ، وربنا عز وجل قال:﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ﴾(الأعراف:163) ، يختبرهم وقال لهم لا تصطادوا يوم السبت فاليوم الذي ممنوع أن يصطادوا فيه أنت لا تري الماء من كثرة السمك ، ويوم لا يسبتون يوم الأحد لا تأتيهم ولا سمكة واحدة يجدونها في الماء ، لا يجدون أي شيء في الماء ، ولأنهم قوم فاسقون قال نعمل حيلة ، وجاءوا على البحر وحفروا حفرة قناة وعملوا بئر كبيرة على جنب ، ويفتحوا الماسورة يوم السبت فيدخل السمك والحيتان على البئر الذي عملوه ، وقبل السمك ما يفكر في الرجوع يغلقون البئر ويصطادوا هذا الكلام يوم الأحد ، حيلة يقولون نحن لم نصطاد السبت ، لكنهم في الواقع اصطادوا السبت ,أنظر منزع العالم حاضر عنده بديهة ، عرف أن يتصرف مع الأدلة من دراسته لأصول الفقه وتعامله مع الأدلة عرف أن يتصرف ، لكن الذي يقف عند كلام العلماء في الكتب الفقهية قد تعرض له مسألة من مسائل من مسائل النوازل لا يستطيع أن يأتي لها بدليل لماذا ؟ لم يدرب هو حافظ هكذا ، إذا سألته سؤالاً مباشرًا موجود في كتب الفروع الفقهية يجيبك كما العلماء يقولون ، إنما لو جدت مسألة نازلة لا يستطيع أن يأتي بالحكم إلا رجل تعامل مع الأدلة ، قرءانًا وسنة ,الإشكال هنا أنه لم يتبع الدليل ، لا ، هو اخترع طريقة وأخذ يبحث عن دليل لهذه الطريقة ، قول العالم قد يكون خطأً ، والعلماء ليسوا معصومين مع فضلهم ، فقد يقول القول ويرجع عنه ، فالمقلد يأتي على قول العالم ويبحث له علي دليل ، فيتعب جدًا ، لأن العالم قد يكون أخذ هذا المنزع من عموم آية أو عموم حديث لا يخطر للمقلد على بال ، فيتعسف في طلب الدليل وقد لا يجد ، فلما تقول له: كيف وقفت ؟ يقول هو أنت أعلم منه ، هل أنت أعلم من فلان أو أعلم من فلان ؟ أو أعلم من فلان ؟ هو أعلم منك ، نعم صح ن هو أعلم مني ، لكن الجزئيات في العلم لا تتناهي . الشافعي-رحمة الله عليه- يقول: ( ما منا من أحد إلا وتعزب عنه سنة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- )، أي تغيب عنه سنة ، وهذا حدث لأفاضل الأمة ، حدث لأبي بكر الصديق ، حدث في ميراث الجدة حتى شهد المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي- صلي الله عليه وسلم- أعطاها السدس ، لما جاءت تسأل ، قال لها: لم أجد لك في كتاب الله شيئًا ، ولا أجد لك في سنة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- شيئًا ولكن أسأل الناس ، هذا أبو بكر الذي ما كان يفارق النبي- صلي الله عليه وسلم- إلا وهو داخل حجرة نومه وكان دائماً يقول- صلي الله عليه وسلم:" دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر " عمر بن الخطاب: فاته أكثر مما فات أبا بكر الصديق ، وعثمان فاته أكثر مما فات عمر وعلي فاته أكثر مما فات عثمان ، وهذا أخباره كثيرة مشهورة فإذا كان فات الذين لازموا النبي- صلى الله عليه وسلم- مع حفظهم ومحبتهم للدين ، وأنت تعرف لو أحببت واحد تعرف سكناته وحركاته ، لو صح حبك ، كل حاجة تحفظها ، وتتعجب أنه يلتقط أشياء لا يمكن لأحد أن ينتبه إليها ، لماذا لأنه محب ، فعينه كالكاميرا المسجلة ، ومعروف حب الصحابة للنبي- صلى الله ليه وسلم- لاسيما أبو بكر وعمر على وجه الخصوص ، فهؤلاء لا يفوتهم شيء ، ومع ذلك فاتهم شيء ، فلأن يفوت الذين جاءوا من بعدهم أولى ، وأولى ، وأولى . الْصَّحَابَةِ كَانُوْا لَا يَفْعَلُوْنَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْتَمِرُوا:سلوك الصحابة في هذه المسائل كان يختلف عن سلوك المتأخرين ، روى الإمام الترمذي وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رجلاً مر بجبل على كهف أو مكان فيه ماء عذب فأعجبه ، فأراد أن يعتزل الناس ليسلم منهم ويسلموا من شره ، فقال: لا أفعل حتى أستأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذلك ، فجاء ووصف للنبي- صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة ، فقال له:" لمقام الرجل في الصف خير من عبادة أحدكم ستين سنة " ، فقبل أن يتخذ هذا القرار قال: أسأل هذا مشروع لي أم لا ؟ وهذا عكس الذين جاءوا بعد ذلك ,خطر بباله أن يعتزل يأتي بأحاديث العزلة وآيات العزلة ويقعد ولا ينظر الصحابة لم يكونوا كذلك ، ونفس هذا المعني ورد في حديث أبو أُمامه الذي رواه الإمام أحمد والطبراني ولكن إسناده ضعيف جدًا ، فيه راوي اسمه علي بن يزيد الألهاني ، لكن هو نفس المعني .كذلك حديث بن عباس: الذي رواه البخاري في صحيحه وقد رواه الشيخان من حديث أبي سعيد ألخدري لما قال بن عباس أن الصحابة نزلوا ضيوفاً على حي من العرب ، استضافوهم فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيدهم ، أصابته حية ً لدغته ، فالتمسوا له كل طب فعجزوا ، فقالوا لبعضهم البعض أذهبوا لهذا الحي من العرب لعل فيهم راقيِ يرقيه ، فلما جاءوا قالوا إن سيدنا سليم سليم: أي لديغ ، وكانت العرب تقول عن اللديغ سليمًا تيمنًا أن يسلم كما كانوا يقولون: عن الصحراء مفازة ، رجاء أن يفوز المرء منها ، لأن المرء إذا تاه في الصحراء مات إذا لم يعرف طرقها ، فقالوا إن سيد الحي سليم ، فهل فيكم راقي ، قالوا: والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فلا أقوم معكم حتى تجعلوا لنا جعلاً ، لأنهم لم يبذلوا القرى ، والقرى حق الضيف ,فبذلوا لهم ثلاثين شاة ، فذهب راق ، في حديث أبو سعيد ألخدري في سنن النسائي قال أبو سعيد فقلت أنا راقٍ ، فذهب وقرأ فاتحة الكتاب سبع مرات قال: فكأنما أنشط من عقال ، كان مقيدًا ثم انفك أول ما قرأ عليه الفاتحة سبع مرات ، وفي بعض الروايات في حديث أبي سعيد ، قال: فقام منا رجل لا نأبنه برقيا ، أي لم يرقي قبل ذلك ولا يعرف شيء في مسألة الرقى ولا هذا الكلام أول مرة يجرب ، لا نأذنه برقيا: أي لا نعرفه برقيا ، فلما انشط من عقال أعطوهم ثلاثين شاة أرادوا أن يقسموهم على بعض ، فقال لا والله لا نفعل حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيأمرنا ننظر ماذا يقول أحلال لنا أننا أخذنا هذا الجعل أم هو حرام لا يجوز ؟ فلما رجعوا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:" وما يدريك أنها رقيا ؟ " ربنا عز وجل هداه أن يرقيه بفاتحة الكتاب قال:" وما يدريك أنها رقيا؟ ، اضربوا لي معكم بسهم " ، فيكون حلال أم لا ؟ حلال ، لأنه لو كان حرامًا لا يجوز ما كان يقول لهم اضربوا لي معكم بسهم ، فهذا أقوى من أن يكون حلال ، أو أقوى من أن يقول جائز إذ نسب ذلك لنفسه- صلى الله عليه وسلم- ، وهكذا الصحابة – رضي الله عنهم كانوا وقافين ، لا يفعل الفعل ثم يلتمس له ، لا ,فهؤلاء وقعوا في هذه المسألة بسب بعدهم وعدم التماسهم للأدلة ، وهذا الكلام هو الذي بن الجوزي ينعاه عليهم . يقول: ( وإنما ينبَغِي للإنسان أن يتبعَ الدَّليلَ لا أن يَتبِع طَريقًا ويَتَطَلبُ لها دَلِيلََا ، ثم انقسموا: فمنهم مُتَصَنِعُ في الظاهر لَيثُ الشَّري في الباطن )الشَّري: هو المكان التي تؤي إليه الأسود(يتناول في خَلَوَاتِهِ الشَّهوات ويَنعَكِفُ على اللَّذَاتِ ويُرِي الناس بِزِيهِ أنَّه مُتَصوفٍ مُتَزَهِد ، وما تَزَهَدَ إلا القميص) .يرتدي ملابس ممزقة مع قدرته على ذلك ، وممكن يأخذ عصا معه أيضًا حتى تكون أدعى للخشوع ، كل ما ينحني وغير ذلك ويتخشع كلما يظهر عليه أثر التزهد . يقول:( وإذا نُظِر إلى أحواله فعنده كِبرُ فرعون) وهذا النوع من المتصوفين جمع بين الجهل والكبر ، لا أقول أنهم جميعًا كذلك ، ولكن بن الجوزي يقصد أناساً أو طائفة بأعينهم ، ما تزهد إلا القميص ولكن عنده كبر فرعون ، ويظهر هذا الكبر عندما يُعارض ،و العلم له سلطان أشد من سلطان الجاه ، لماذا ؟ لأن صاحب سلطان الجاه يخضع الجوارح ، أما العالم فيخضع القلب ، لذلك كان سلطان العالم على العوام أعظم من سلطان الحاكم على العوام ، الحاكم أن تخشى بطشه إذا كان ظلومًا غشومًا فجوارحك خاشعة ، وأنت تقف أمامك وتضع وجهك في الأرض ، اعمل كذا حاضر ، افعل كذا حاضر ، لا تفعل كذا حاضر ، وقلبك يلعنه وأنت آمن ، طالما القلب هو الذي يعمل أنت آمن ، لأن لا أحد مطلع على القلب فتكون الجوارح ساكنة .أما العالم يخضع القلب لأن سلطان الحجة أعظم من سلطان ذي السلطان فينقاد القلب لها ، وأنت تعرف أمثال هؤلاء لما تعارضه ، تنظر له فتجد انتفض ولا يقبل أن يعدل عليه أحد ، ونسأل الله أن يعافينا من الهوى والكبر ، ولما تراقب العلماء العاملين تجده لا يستنكف من مثل هذا ,في سنن البيهقي بسند صحيح إلى المستورد بن شداد- رضي الله عنه- قال:" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخلل بين البراجم " , والبراجم: هي الأصابع ، أصابع اليدين وأصابع الرجلين ، قال بن وهب فسمعت مالكاً سئل عن تخليل البراجم ، فقال: ليس ذلك على الناس ، فقلت له لما خف المجلس واختلى به ، كيف تفتي بهذا وفيه عندنا سنة ، قال: وما هي ؟ قال حدثني عمر بن الحارث وبن لهيعة وساق إسناده إلى المستورد بن شداد- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خلل بين البراجم ، فقال مالك: هذا حديث حسن وما سمعت به إلا الساعة ، وهذا مالك وفاته مثل هذا ، وقد أفلح من انتهي إلى ما سمع ,لما واحد يسأله عن حكم البراجم تخلل أم لا ؟ وليس عنده خبر يقول: نعم يجوز ، كيف ذلك ؟ قد أفلح من انتهى إلى ما سمع ، وقول مالك: هذا حديث حسن لا يقصد به الحسن الاصطلاحي الذي هو في مقابل الصحيح ، لا ، حسن أي جميل وحكم جيد .قال بن وهب: (فسمعت مالكاً بعد ذلك إذا سئل عن تخليل البراجم يفتي به ولا يتكبر وكيف بن وهب تلميذه يقول مثل هذا الكلام ، لا ، لأنهم كانوا يتدينون بالعلو ولا يستطيلون به ولا غير ذلك .كذلك سئل مالك ست وثلاثون مسألة أجاب في ستة منها وقال في ثلاثين منها لا أدري ، فقال له رجل يا أبا عبد الله مثلك لا يدري ؟ قال: نعم وأبلغ من وراءك أنني لا أدري ، ما الذي يضره ؟قال بن عجلان: وهو من شيوخ مالك ( إذا ترك العالم لا أدري فقد أصيبت مقاتله ،) لأنه لا يوجد عالم في الدنيا يستطيع أن يجاوب على كل سؤال يأتي له فيه أسئلة تحتاج إلى مراجعة ، فيقول أنا لا أدري ، فيكون قد عمل الذي عليه ونصف العلم لا أدري ، لكن كلما جلس يتحزلق لابد أن يتكلم ,مثل بعض الناس المنتشرين في الفضائيات وغير ذلك ، والفضائيات لا ينفع فيها أن يقول رجل لا أدري ، عيب ، كيف يكون طالع للدنيا كلها ويقول لا أدري ، فنحن نؤسس هذا المذهب في الفضائيات أيضًا ، ولنا همة أن نؤسس هذا المذهب ، لا أدري ؟ نعم لا أدري ، ما الإشكال ، يقعد يلف ويدور ويعيد سؤال السائل ، يقول قد قلت في سؤالك أنك فعلت كذا وكذا ، وقد قال لك جارك كذا وكذا وقلت له كذا وكذا وأنتم تسمعون هذا الكلام ويظل يعيد السؤال ويبدأ يلف ويدور ، أي واحد عنده بصر يعرف أن هذا في هزل ، هذا ليس عنده علم ، هذا يلف ويدور ,لماذا يلف ويدور ؟ من كان أعظم وأعلم قال لا أدري ، فما الإشكال ، لكن أحيانًا الإنسان إذا أجاب في كل مسألة ممكن يتورط كما حكوا أن رجلاً والله أعلم بصحة الحكاية ، لكنها مذكورة في الكتب ، أن شابًا كان لا يُسئل سؤالاً إلا أجاب ، ولكن بعض الأسئلة كان لا يستطيع أن يحدد فيه جواب فكان يقول: للشافعي فيها قولان ، قول بالجواز وقول بعدم الجواز ، كلما تأتي له مسألة لا يستطيع أن يحرر البحث فيها يقول: للشافعي فيها قولان فقام واحد كان يحضر له فقال له أفي الله شك ؟ قال: للشافعي فيها قولان ، فانكشف وانفضح ، وهكذا كل إنسان يحاول أن يرقي إلى ما لا يحسن ,فتعرف الإنسان إذا كان متواضعًا إذا أُسدِيَ إليه شيء فيقبله ، تعرف أن العلم قلم أظفاره ، والذي يتقاوى مع العلم يُكسر ، كما في الحديث لا يشاد الدين أحدًا إلا غلبه ، لا تستطيع أن تأتي بآخره أبدًا ، فيه أحكام أنت لا تطيق هذه الأحكام التي هي خاصة في قسم المستحب ، إذا دخلت مدخل الورع وغير ذلك ممكن تتورع حتى ينقطع نَفَسَكَ ولا تصل إلى نهاية الورع أيضًا ,فهذا الإنسان الذي يتكلم عنه بن الجوزي أشار إليه ابن الجوزي في خاطرة أخرى جميلة ، لكن أنا لا أتذكر هذا الكلام إلا وأنا أجلس ولو تذكرت لأتيت لكم بها وإن شاء الله سأحضرها إليكم . يقول بن الجوزي: ( أحيانًا ترى الرجل عابدًا زاهدًا ورعًا وتَمُجُه القلوب وتَمقُتَه ، وأحيانًا ترى العالم قليل العبادة عن هذا وتقبل عليه القلوب ) وهو علل هذه المسألة وقال: أنها مسألة السرائر ، ما من رجل فعل فعلاً إلا ألبسه الله سريرته على وجهه ، يرى إذا كان وجهه فعلاً مضيء أم مظلم ، وأنت لو عندك يقظة وعنك بصر لا يخفي عليك مثل هذا ، فتكون المسألة كلها مسألة سرائر ، فهذا إذا خلا بنفسه عكف على الشهوات واللذات وغير ذلك وإذا خرج لبس الممزق وغير النظيف حتى يُري الناس أنه متزهد ، فهذا صنف ,يقول: (ومنهم: سَليمِ البَاطِنِ إلَّا أنَّه في الشَّرع جَاهل .) الْمُبْتَدَعَ شَرٍّ مِنْ الْعَاصِيْ:طيب ، وبن حلال لكنه جاهل ، مثل بعض الناس الذين يخرجون ليدعوا الناس إلى دين الله تعالي وليس عندهم علم ، أنت أخرجته من المعصية وألبسته في البدعة ، فما الذي أنت فعلته ؟ والعلماء يقولون إن المبتدع شر من العاصي ، لما لأن العاصي يعلم أنه عاصي وإن كابر ، قال تعالي:﴿ بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾(القيامة:14:15) ، كل إنسان يعلم من حقيقة نفسه حقيقة نفسه وإن كابر وأظهر العذر للناس,﴿ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ ، لكنه يعلم من داخله أنه كذاب ، صح الناس اقتنعوا فعلاً أن له عذرًا ، لكنه يعرف أن ليس له عذر .فالإنسان لا يستطيع أن يخدع نفسه والعاصي يعرف ، واحد يعكف على الأفلام الجنسية أو القصص الغرامية أو يشرب الخمر أو يبصبص بذيله ، ونحن قلنا أن الذي يبصبص هو الكلب فقط ، ويعمل موبقات وغير ذلك ، لا يخفى عليه أن هذا حرام ، وإن لعبت به الشهوات وإن أعتذر بأي عذر ولكنه يعرف أنه عاصي ، فهذا يرجى له .إنما المبتدع: يرى بدعته دينًا فيتقرب إلى الله بها ، فإن حملته على تركها كأنك تحمل السُّني على ترك السنة فلا ينزع ، وعندنا قصة الجعد بن درهم ، وإن كان بعض العلماء تكلم في ثبوتها الجعد بن درهم هو الذي أسس مذهب الجهمية ، وعطل صفات الله- تبارك وتعالي, وأخذها الجهم بن صفوان وأسس المذهب . قصة الجعد بن درهم:الجعد بن درهم أحدث هذه المقالة : قال: (إن الله لم يكلم موسى تكليمًا ولم يتخذ إبراهيم خليلاً) كيف يقول هذا الكلام ؟ وهذا معارضة صريحة لكتاب الله- عز وجل- ، العلماء لما سمعوا هذا الكلام ذموه وكفروه ، مهمة الحكام حينئذٍ أن يحضروه ، لأن هذا يتكلم كلام كفر صريح ، المهم جاءوا به وخالد بن عبد الله القسري كان حاكمًا على العراق وأرسل في طلبه وقبضوا عليه وحبسه عنده ، حتى جاء يوم عيد الأضحى فأتوا به مقيدًا مسلسلاً ووضع بجانب المنبر ، وخطب خالد خطبته ، ثم قال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحىٍ بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر ، فشكر له العلماء ذلك أنتم تعلمون من كتاب الله– عز وجل – أنه يُرَخِّصُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقُوْلُ كَلَامُ الْكُفْرَ إِذَا كَانَ قَلْبِهِ مُطْمَئِنا بِالإِيْمَانِ :كما قال الله- عز وجل-:﴿ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ﴾ (النحل:106) ، أي أن الذي ينشرح صدره للكفر هذا هو الذي يأثم ، إنما رجل قلبه مطمئن بالإيمان يجوز له أن يقول كلام الكفر ، وقصة عمار بن ياسر لعلكم تعرفونها ، لما أمره المشركون أن يسب النبي- صلي الله عليه وسلم- فسبه ثم تركوه ، فلما برد جلده وذهب إلى النبي-صلي الله عليه وسلم وقص عليه ما حدث ، أنهم قالوا سب النبي- صلي الله عليه وسلم- ، قل هو ساحر ، هو كاهن ومجنون ، فقالها عمار فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-: يا عمار كيف تجد قلبك ؟ قال أجده مطمئنًا بالإيمان ، قال: يا عمار إن عادوا فعد ، وهذا الخبر له طرق متعاضله أي على الأقل له أصل فَيُرَخَّصُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُوْلَ كَلَامُ الْكُفْرِ :فهذا لماذا لم ينطق طالما هو يعرف أنه سيذبح ، لأنه يعتقد أن البدعة دينًا فأصر عليها ، ولذلك أن ينزع المبتدع صعب جدًا ، لكن أن ينزع العاصي سهل ، اليوم أنا لما أكون رجل طيب وأحب الدين من قلبي ، وأريد أن الدنيا كلها تهتدي ، ذهبت للعصاة وفعلت وعملت وأنا ليس عندي علم بحقائق الشرع ، صح هو لم يكن يصلي جعلته يصلي ، لكن فيه بدعه ، العلم لو كان حاكمًا ما وقع في هذه البدعة ، بعض الناس يقول هو خير ، نعم هو خير من وجه ولكنه شر من وجه أخر ، لذلك ,يحي بن سعيد القطان قال: (ما رأينا الصالحين أكذب في شيء من كذبهم في الحديث )، أي يخطئون ، يكذب ولا يدري، لماذا ؟ غلب عليه الصلاح والزهد فغفل عن ضبط الحديث .قال مالك- رحمه الله-: (إن ها هنا رجالاً لو أُتمن أحدهم على بيت المال كان أمينًا ما أخذت عنه حرفًا )، لأنه سيء الحفظ ، لا يضبط الحديث ، فإذا أخطأ وقع في الكذب من حيث لا يدري . الخلاصة: فيكون عندنا واحد متصنع في الظاهر وعنده كبر فرعون ، إذا خلا بمحارم الله – عز وجل- انتهكها ورجل آخر عنده محبة للدين في قلبه لكنه جاهل بالشرع .قال: (ومنهم: من تَصَدرَ وصنف – ألف كتبًا- فاقتَدى به الجَاهِلُون في هذه الطَّريقة وكَانُوا كعُمِيٍ اتبعوا أَعمَى ، ولَو أنَّهم تَلَمحُوا الأَمرَ الأول الذي كان عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- والصَّحابةَ- رضي الله عنهم- لمَا زَلُوا) انتهي التاسع عشر |
|