أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الحلقة الرابعة عشر من مدرسة الحياة الجمعة 13 مايو 2011, 12:15 am | |
| المحاضرة الرابعة عشر فلا زال حديثنا موصولاً عن كلام بن الجوزي-رحمه الله تعالي- في هؤلاء الذين يعبدون الله- عز وجل- بالجهل وإما بالرأي ، وصلنا إلى كلامه عن الدنيا وعن المال قال رحمه الله: ( فبَانَ لَنا أن الذَّمَ إنما هو لأفعَالِ الجَاهلِ أو العَاصِي في الدُّنيا ، فَإِنَّه إذا اقتَنَى المالَ المُباحَ و أدَى زكَاتهُ لم يُلَم ,وقد عُلمَ ما خَلَفَ الزبير وبن عوف و غيرهما ، وبلغت صدقة علي- رضي الله عنه- أربعين ألفًا وخلَّف بن مسعود تسعين ألفًا )أما علي رضي الله عنه: فكان فقيرًا في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى أنه- رضي الله عنه- لما أراد أن يتقدم لخطبة فاطمة- رضي الله عنها- لم يكن معه المهر ، حتى قال له النبي- صلى الله عليه وسلم- أين درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم كذا وكذا ، الدرع التي كان يقاتل بها ، كان يلبسها إذا قاتل ، وهي درع من حديد ، فجعلها مهرًا لابنته ، ولم يكن معه مالٌ يتمول به ، وصل به الحال- رضي الله عنه- أنه تمول وتقدم في إحراز المال حتى أن صدقته بلغت أربعين ألفًا ، التي هي الزكاة . (وخلف بن مسعود تسعين ألفًا .)وكان أيضًا بن مسعود- رضي الله عنه- ممن لم يتمول في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- وإن كان هذا الخبر أن بن مسعود تمول تسعين ألفًا لا يصح من جهة النقل لأن فيه سيف بن عمر ، وهو متروك .و كان- رضي الله عنه- فقيرًا حتى كانت امرأته تعطيه زكاة مالها ، كما ثبت في الصحيحين من حديث زينب امرأة بن مسعود أنها سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:" تصدقن ولو من حليكن ، فلما سمعت زينب زوجة بن مسعود ذلك وكانت تنفق على أيتام في حجرها ، فقالت لابن مسعود سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هل يجوز أن أصرف لكم أموال الصدقة أي الزكاة ، فقال لها بن مسعود: سلي أنت ، فانطلقت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لتستفتيه ، قالت: فوجدت امرأة من الأنصار بالباب حاجتها حاجتي ،وكانت المرأة الأنصارية هذه اسمها زينب أيضًا ، قالت: فمرَّ بنا بلال فقلنا له: سل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن كذا وكذا_ أي عن المسألة التي من أجلها ذهبت_ ,فقال يا رسول الله إن امرأة بالباب تقول كذا وكذا ، قال: من هي ؟ قال: زينب ، قال: أي الزيانب ، قال: زينب امرأة بن مسعود ، قال: " نعم لها أجران أجر الصدقة وأجر القرابة " أي أن المرأة يجوز إن كانت صاحبة مال أن تعطي زوجها من مال الزكاة ، لماذا ؟ لأنه هو أولي ينفق على أولادها وينفق عليها ، فكان بن مسعود_ رضي الله عنه- كذلك .وحديث أيضًا ترويه رائطة ، وهي أم ولد بن مسعود ، أم ولد تدل على أنها أمة ولم تكن حرة ، وكان أيضًا لها مال وحدث معها مع بن مسعود نفس الكلام ، لكن الزيادة في حديث رائطة ، أنها قالت: "إن إنفاقي عليكم حرمني من الصدقة " لأنها كانت تتصدق على الناس ورأت إن إعطاء بن مسعود الصدقة حرمها أن تتصدق ، فسألت إذا كانت ما أعطيه لك من الصدقة إنما إذا كان لا يعد من الصدقة فهي تريد أن تحرز أو تصيب سهمًا في التصدق بن مسعود – رضي الله عنه ما مات حتى كان موسرًا . (وَكَانَ الْلَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُسْتَغَلَّ كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِيْنَ أَلْفا )وكان الليث بن سعد يستغل : أي كانت غلته ، غلة الأرض والتجارة وغير ذلك ، كان يستغل كل سنة عشرين ألفًا ,الليث بن سعد فقيه أهل مصر وبن الجوزي يدلل على أن الفضلاء كانوا يمتلكون المال ، أي أن المال ليس عيبًا ، لأنه لو كان اقتناء المال يذم ما تموله هؤلاء الفضلاء ، وهذه هي الأمثلة التي يضربها بن الجوزي- رحمه الله- .يقول: الليث بن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفًا ، والليث كما قال الشافعي- رحمه الله - ، قال: الليث أفقه من مالك ، لكن أصحابه لم يقوموا به .وهذه أرزاق ، الصحبة أرزاق ، المذاهب ليست أربعة فقط كما قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس ، المذاهب الأربعة الفقهية عند أهل السنة ، وهي المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي ، لا ، هؤلاء العلماء رزقوا بتلاميذ نجباء نقلوا أقوالهم وفسروها وحرروها وبحثوا عن القواعد التي يمكن فتاوي الإمام تلتئم عليها ، فالليث لم يقم أصحابه به ، سفيان الثوري ، أبو عمر الأوزاعيأبو عمر الأوزاعي: هذا كان إمام أهل الشام حتى قال فيه مالك:لا يزال أهل الشام بخير ما بقي فيهم الأوزاعي ، ويوم مات الأوزاعي جاء رجل إلى سفيان الثوري فقل له يا أبا عبد الله رأيت أمس كأن وردة قلعت من الأرض وارتفعت في السماء ، قال ويحك أنظر ما تقول ؟ لو صحت رؤياك مات الأوزاعي ، فجاء نعي الأوزاعي من أخر النهار . الْثَّوْرِيُّ وَتَقْدِيْرُهُ لِلْأَوْزَاعِيِّ بِرَغْمِ الْخِلَافِ :هذا الكلام يقوله سفيان الثوري عن الأوزاعي مع أنه جرت بين الأوزاعي وبين سفيان الثوري مناظرة في فرع من الفروع الفقهية فاحتد عليه الأوزاعي وقال له: قم بنا نلتعن عند المقام أينا أصوب ، أي يلعن بعضنا بعضًا عند المقام في البيت الحرام فتبسم سفيان الثوري وقال لم يصل الأمر إلى هذا ، وانتهت المناظرة وإذا سفيان الثوري آخذٌ بلجام بغلة الأوزاعي ، يسلُّ بغلة الأوزاعي في الزحام ويقول أوسعوا لبغلة الشيخ ، من الذي يعمل ذلك ؟ سفيان الثوري يأخذ لجام بغلة الأوزاعي ، هؤلاء هم الذين رباهم العلم ، كانوا يتزينون بالعلم . وأنا في الحقيقة أتمني أن الأخوة يطلعوا على تراجم أهل العلم ، ممكن يختلفوا لكن تبق الأخوة كما هي ، أنا لا أتصور أن تعصف مسألة خلافية بإخوة اثنين فإن حدث فالواقع أنه ليس بينهما أخوة أصلاً ، لأن الأخوة بنيان متين ، لا تعصف به لا مسألة ولا اثنين ولا عشرة ولا عشرين ، نحن نختلف لكن الأخوة ليس لها شأن بذلك الموضوع ، إلا أن نختلف في الأصول خلافًا يفرق مثل القول بخلق القرءان فرق بين أحمد وبين أحب الناس إليه وأقرب الناس إليه ، مثل يحي بن معين وعلى بن المديني ، نعم ممكن ,لكن في الفروع ، الفروع أكثر أن تنضبط ، الأخوة بنيان متين لا تعصف به الخلافات الْشَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُ فِيْ الْأُخُوَّةِ مَعَ الْخِلَافِ:يونس بن عبد الأعلى أحد الأئمة الثقات ، وهو من مشايخ البخاري ومسلم وكان رفيقًا للشافعي ، قال: اختلفت مع الشافعي في مسألة ، فجاءني والشافعي هذا شيخ يونس ، والشافعي حاجة كبيرة جدًا جدًا ، ولا أعبر عنه بقلم ، شيخه واختلف مع التلميذ ، قال يونس التلميذ فجاءني فطرق بابي وأخذ بيدي ، وقال يا أبا موسي ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة ، هل ينفع أن نظل على الأخوة حتى لو اختلفنا في كل مسألة ولم نتفق في مسألة ، طالما هذه المسألة مسألة فرعية .فهؤلاء الأئمة الكبار كانت لهم مذاهب ، مثل داود الظاهري له مذهب الظاهرية كذلك بن جرير الطبري أبو جعفر الإمام الكبير كان له المذهب الجريري وكل هذه المذاهب التلاميذ لم يقوموا ،من يمن الشيخ ، من يمن طالعه أن يرزق بتلاميذ أوفياء هم الذين ينقلون علمه . مَافَعَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ لِلْمَذْهَبِ الْشَّافِعِيُّ:البيهقي مثلاً هو صاحب الشافعي ، الصحبة المعروفة عند المتأخرين أن كل من تمذهب للشافعي صار من أصحابه ، لو تعرفوا ما الذي فعله البيهقي للمذهب الشافعي ،كتيبة من أهل العلم لا يعرفون أن يعملوا ما عمله البيهقي الشافعي حتى قال الجويني ما من شافعي إلا وللشافعي عليه فضل إلا البيهقي فله الفضل على الشافعي لأنه قرب مذهبه وذب عن المذهب أمام الخصوم الكتب الفقهية التي صنفها البيقهي لخدمة المذهب الشافعي,وصنف كتاب معرفة السنن الآثار وصنف كتاب الخلافيات التي كانت بين أبي حنيفة والشافعية وصنف كتابًا في تخريج أحاديث الأم للإمام الشافعي . والمسائل التي توقف الشافعي في الحكم بها لأنه لم يعرف صحة الحديث اثنين وخمسين مسألة ، موجودة في كتب البيهقي كلها ، والحافظ بن حجر العسقلاني جمع كل هذه المسائل في كتاب لا أعلم عنه شيئًا وهو لا يزال مخطوطًا سماه[ المنحة فيما علق الشافعي به الحكم على الصحة ] يقول إن صح هذا الحديث قلت به .الحاصل: أن المذاهب الفقهية كثيرة ، لكن أصحاب حرروا المذهب ونقلوه لمن بعدهم وآخرون لم يقوموا بالمذهب ، من هؤلاء العلماء الفضلاء الكبار الليث بن سعد وهو إمام أهل مصر وهو أفقه من مالك كما قال الشافعي وحسبك بالشافعي حكمًا ، لاسيما فيما يتعلق بالفقه .(وَكَانَ سُفْيَانُ يَتَّجِرُ بِمَالٍ ).سفيان الثوري أبو عبد الله الإمام الزاهد القدوة شيخ الإسلام وأمير المؤمنين في الحديث وكان العلماء يفضلونه على شعبة ، هم الاثنين كفرسي رهان شعبة بن الحجاج وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وكان شعبة يفضل سفيان على نفسه ، يقول: سفيان أمير المؤمنين في الحديث ,الذي يقول ، ما أشد إنصافهم ، كان لما يُزكي يزكي يحي القطان يقول: لا أقدم علي شعبة في زمانه أحد ، وإن خالفه سفيان فالقول قول سفيان ، وهذا كلام يحي القطان ، وما أدراك ما يحي القطان ، بن سعيد- رحمة الله عليه ,فسفيان في الحديث في السماء وكذلك في الفقه وفي الزهد كان كذلك وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان كذلك ، كان إذا دخل سوقًا من الأسواق لا يفتر لسانه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، رأوه في السوق ومعه مال ، فكأن بعض الناس تعجب كيف سفيان الثوري الزاهد العابد يكون معه فلوس مثلهم ، فقال له يا أبا عبد الله: أمعك دراهم ؟ قال له: اسكت لولاها لتمندل بنا الملوك ، كانوا جعلونا كالمناديل ، وأنت تعرف المنديل أنت تستعمله وترميه في السلة .فسفيان يقول: أن هذه الدراهم تعصم المرء لاسيما أن كان عالمًا أن يريق ماء وجهه ، لأنه لا يوجد شي إلا بمقابل ، والملوك يعطون عطاء من لا يخشي الفقر ، لماذا ؟ لن الخزائن تحت أيديهم .أبو دلامة الشاعر: أخذ ثلاثين ألف درهم في ثلاث أبيات ، كان هو والمهدي وسليمان بن علي في رحلة صيد ، يصوبوا ، المهدي أصاب ظبيًا وسليمان صوب فأصاب كلبًا ، وهم أخذوا أبو دلامة أصلًا لكي يضحكوا به حتى يكون نديم جميل ، ويقول بعض الشعر ، ويجعل الرحلة جميلة ، فقال له المهدي: قل لنا شيئًا في هذا الأمر ، أنا رميت ظبي أصبته وهذا رمي كلباً و الكلام كان عندهم علي البديهة قال : قد رمي المهدي ظبيًا | شك بالسهم فؤاده | وعلي بن سليمـــــة | رمي كلبًا فصـــاده | فهنيئًا لهما كــــل | امرؤ يأكــــل زاده |
يتبع إن شاء الله.. فطبعًا هذا المهدي أمير المؤمنين ، وهذا علي بن سليمان رئيس الوزراء فرئيس الوزراء لا يوجد مانع أن يهان ، لكن المهدي لا يقرب منه أعطي له ثلاثين ألف درهم ، كل بيت بعشرة آلاف درهم ، يعطون عطاء من لا يخشي الفقر الخزائن كلها تحت أيديهم لا أحد يقول له ماذا تعطي ؟ ,المأمون مثلًا عندما دخل عليه النضر بن شميل وطبعًا النضر بن شميل إمام في النحو ، واللغة ، والحديث ، وكان يعيش في بغداد وهو طالع بغداد شيعه ثلاث مائة عمامة فقال: يا أهل بغداد لو وجدت عندكم مُدًا من باقلا ما خرجت من بغداد ، لو أجد كل يوم كيلو فول لم أخرج من بغداد ، هل الثلاث مائة هؤلاء لا يعرفون أن يوفروا كيلو فول لكي لا يخرج النضر من بين أيديهم ؟ لا يوجد لديهم ، خرج النضر بن شميل هذا الإمام الكبير فذهب إلي مرو ، ومرو هذه كان فيها المأمون أمير المؤمنين ، فعادة الناس قديمًا وهم الخلفاء كانوا يقربون أهل الدين ، وأهل اللغة ، فقال لهم: التمسوا لي واحداً أتكلم معه يكون نديمي ، فبحثوا له ثم أتوا بالنضر بن شميل ,فالنضر أتي وهو يلبس ملابس ممزقة ومقطعة ، فأول ما دخل علي المأمون فقال له: يا نضر أتجالس أمير المؤمنين بهذه الخُلقَان ؟ ، قال: يا أمير المؤمنين إن حر مرو شديد ، وهذه فتحات تهوية وليست ملابس ممزقة ، ولكنها للتهوية قال له: لا ولكنك رجل زاهد ، قال: ثم جري ذكر النساء ، فالمأمون قال: حدثنا هشيم بإسناده ، وكان الإسناد مرسل أن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال: " إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان سَدَادًا من عِوَل " , فالنضر قال: صدق أمير المؤمنين حدثنا ثم ساق بإسناد نفسه " إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كانت سِدَادًا من عول " ، المأمون قالها سَدَاداً ، فهو لن يقول له أخطأت يا أمير المؤمنين أو مثل هذا ، لا , كانوا يعرفون من يخاطبون ؟ وطبعًا الناس لهم منازل ، والملوك يستصعبوا أحد يقول له أنت أخطأت ، لأنه يلبس الملك وأنت تكلمه ، فمخاطبة الملوك لها فقه الشافعي عندما كان يخاطب الخليفة كان يقول له: يا بن عم رسول الله ، فلا يهيجون قلوب الملوك فهو أراد أن يعرفه خطأه ، فساق الحديث بإسناد نفسه ولكنه صحح اللحن اللغوي ، هو قال سَدَاداً النضر قال سِدَاداً ، و قال: وكان متكأ فجلس ، لأن اللحن كان مصيبة عند هؤلاء . حِرَصَ الْخُلَفَاءِ عَلَىَ تَعْلِيْمِ أَوْلَادُهُمْ:الخليفة كان أولاده يأتي لهم بأكابر العلماء في النحو واللغة ، والفقه ، والحديث قبل ما يكون ولي العهد لابد أن يكون عالم ، يجلس في وسط العلماء وليس مثل الأصم في الزفة ، يتكلم ، ويأخذ ، ويعطي عنده أسانيد وغير ذلك كان متكأ فجلس قال: أتلحنني يا نضر ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين ، ولكن الذي لحن هشيم ، هو لم يفتري علي هشيم أيضًا ، حتى لا يفكر أحد أنه أراد أن يجامل المأمون علي حساب هشيم بن بشير الإمام الثقة الكبير . هُشيم بن بشير: شيخ المأمون الذي حدثه بهذا الحديث ، وهشيم هذا شيخ الإمام أحمد بن حنبل ، وهشيم هذا حدوته كبيرة ، كل ما أمر بعالم من علماء الحديث يصعب علي أن أمر من غير أن أحكي حكايات عنه ، لأنهم أئمة كبار لكن هشيم كان لحانًا ، كان يلحن هشيم كان هذا فيه كان لحانًا ,قال: إنما لحنه هشيم ، فتبع أمير المؤمنين لفظه هشيم ، وهذا أيضًا فيه مبحث من علم الحديث . هَلْ إِذَا تُلْقِيَ الْشَّيْخُ الْلَّحْنُ مِنْ شَيْخِهِ يَقُوْلُهُ كَمَا هُوَ أَمْ يُصَحِّحُهُ ؟ فالعلماء يقولون: بل يقوله كما هو ، ثم يعلق بما شاء لاحتمال أن تكون لغة وهو لا يدري ، فلا يصح إذا كان رجل بصريًا يتبع مدرسة أهل البصرة في النحو مثلًا أن يأخذ الحديث عن رجل كوفي ، فيُخضع مذهب الكوفيين للبصريين ، وأنتم تعرفون البصرة كان علي رأسها سيبويه ، ويمكن مذهب أهل البصرة هو المنتشر في المشرق أكثر من مذهب الكوفيين ,مذهب الكوفيين في النحو كان علي رأس الإمام الكسائي علي بن حمزة الكسائي صاحب القراءة المتواترة المشهورة ، فمن الممكن أن يكون هناك قاعدة مثلًا عند الكوفيين هي خطأ عند البصريين ، فأنا كرجل مثلًا بصري أخذت الحديث عن شيخ كوفي بلغة معينة ، فلا يصح أن أقول هذا خطأ لماذا ؟ لأن لها وجهاً في العربية ، فيكون الصحيح في هذه المسألة أن تأخذ الحديث من شيخك فترويه كما هو ، ثم تعلق بما شئت .فقال له: هُشيم لحن وأمير المؤمنين تبعه ، قال: ما تقول يا نضر ؟ ما الصواب في ذلك ؟ فقال له: السَدَادُ في كل شيء هو الطريقة المسلوكة السديدة وهو القصد ، أما السِدَادُ فهو البُلغة ، ما يُتَبَلغُ به ، والبلغة مأخوذة من ذلك أيضًا لأنك تركب البلغة كالدراجة لتذهب بها وتبلغ المكان ، لذلك سميت بلغة ,فقال له: السِدَادُ فهو البلغة وطبعًا يدل عليها من عوز أي الحاجة ، فقال له: يا نضر أتعرف العرب ذلك ؟ قال: نعم ، قال العرجي : أضاعوني وأي فتىً أضاعوا | ليوم كريهةٍ وسداد ثغرٍ |
قال المأمون: قبَّحَ الله من لا أدب له ، مالك يا نضر ، أي أذكر لي مالك ، ما عندك من المال ، وهو جاء من بغداد لا يجد كيلو فول ، فقال عندي أريضة أتمزجها ، أريضة: تصغير أرض ، وأتصابها ، أي عندما تشرب الماء في الكوب وتظل ترتشف الماء من الكوب حتى لا تبقي فيه شيء ، وهي صبابة الإناء أي ليس عنده شيء ، فقال يا نضر: ألا أفيدك مالاً ؟ فقال إني لذلك لمحتاج فكتب له ورقة يذهب بها إلى فلان الفلاني القائم على بيت المال ، وقام بثني الورقة والنضر لا يعرف ما القصة , فلما ذهب إليه وقال له: هذه ورقة أمير المؤمنين وفتحها وقرأها ، قال له: لا أنا لن أعطيك المال إلا لما تقول لى ما الحكاية ، أمير المؤمنين أعطاك خمسين ألفًا فقال له الحكاية ، فقال لولا أنه لا يجوز لي أن أساوي أمير المؤمنين في العطاء وانظر إلى الأدب ، لأعطيتك خمسين ألف ، هذه ثلاثون مني ، يقول النضر أستفيد مني بحرف واحد كان في مقابل هذا الحرف ثمانون ألفًا .سفيان الثوري يقول: لما قال له رجل معك فلوس ، قال له: لولاها لتمندل بنا الملوك ، هذا الذي يجعل عند العالم عزة نفس طول ما هو مستغني لذلك أنا أقول لطلبة العلم استغنوا ، حتى لا ينظر أحد لأموال في أيدي الناس اعمل وحقق كتب وابحث لك عن عمل ، وعش بقدر ما عندك من المال ولا تنظر إلى ما في أيدي الناس لأن هذا يضعف المُنة ، يجعلك لا تستطيع أن تنكر ، وبن الجوزي له هنا كلام جميل ، يمكن لو أنا استقبلت من أمري ما استدبرت وكنت أعرف أنني سأتكلم في هذا المعنى وأوسع فيه ، كنت أحضرت لكم كلام بن الجوزي ,وهو يقول: الأغنياء تلاعبوا بالعلماء وهذا في زمان بن الجوزي، تلاعبوا بالعلماء لأن الأغنياء علموا أن العلماء ينظرون إلى ما في أيديهم ، فالأموال لما تكون عند الإنسان يصون بها نفسه .وسفيان الثوري- رحمه الله- أغلق هذا الباب على نفسه بما يتعلق بالخليفة ويمكن أنا ذكرت طرفًا من قصة سفيان وهروبه من الخليفة ، لأنه كان خائف من مجاورة الخليفة ويذهب معه ويذهب ويجيء ويعطيه صرة مال وصرة مال قلبه يضعف عن الإنكار ، لذلك كان سفيان يقول: والله ما أخشي اهانتهم ولكن أخشي معروفهم فلا أرى منكرهم منكرًا ، وكان يقول إذا رأيت العالم عند الوالي فاعلم أنه لص ، وهذا رأي سفيان . رَأْيَ الْعُلَمَاءُ فِيْ الْتَّقَرُّبِ مِنْ الْمُلُوْكِ وَالْأُمَرَاءِ:وطبعًا أهل العلم لهم مذهبان في المسألة:-المذهب الأول: مذهب يري جواز الاقتراب إذا كان المرء عنده القدرة ألا يفتتن ، لأن قرب أهل العلم من الحاكم خير للحاكم وللدنيا ، لأنه لن يصدر إلا عن رأيهم ، وإذا ترك أهل العلم الوالي فسيقترب منه أهل النفاق وأهل الفسق وهم أهل مشورته ، فلا يضرون الحاكم وحده أنما يضرون الخلق فاقتراب أهل العلم فيه منفعة كبيرة ، لذلك كان مالك والشافعي والأوزاعي سفيان بن عيينة وكثير من علماء الأمصار لا يرون بأسًا بذلك الاقتراب .المذهب الثاني: بعض أهل العلم كانوا لا يرون ذلك مثل بن جريج في مكة وعبد الله بن المبارك في خراسان ، وسفيان الثوري في الكوفة ، كانوا لا يرون الاقتراب ,المسألة مسألة شخصية إذا الإنسان قدر أنه إذا اقترب لا بأس بذلك وأنه سيصدع بالحق ، فمثلاً بن جريج عبد الملك بن عبد العزيز إمام أهل مكة يقول أحمد بن حنبل: بن جريج أقول بالحق من مالك ، دخل علي أبي جعفر المنصور فقال له: إن أولاد المهاجرين والأنصار يموتون ببابك ، الإمام أحمد يعلق ويقول: وأبو جعفر أبو جعفر ، لا أحد يستطيع أن يقول له شيء ولا أحد يستطيع أن يتنفس في حضرة أبي جعفر لأنه كان شديدًا ,ومع ذلك بن جريج يقول له هذا الكلام القوي العالي ، لذلك الإنسان إذا كان يضمن إن اقترب يقول الحق ولا يضره إن استبعد فله أن يقترب ، وإذا خاف على نفسه كما كان سفيان يخاف وكما كان بن المبارك يخاف ,بن المبارك كان يقول وكان يشتد في هذا أيضًا ، وكان يقول:فهذه طائفتان وكل امرئ يعرف نفسه .سفيان الثوري يقول: بقاء المال في يد العالم فيه صيانة للعلم حتى لا يستذل .(وكَان بن مَهدِي يَستَغِل كل سَنة ألفى دينار .)أي عشري ألف درهمًا ، وبن مهدي هو عبد الرحمن بن مهدي وهو من مشايخ الإمام أحمد بن حنبل وهو من أهل الفقه والحديث ، وهو من أثبت الناس ، ولعبد الرحمن بن مهدي جميل في أعناقنا جميعًا ، قلَّ من يلتفت إليه فإنه كان السبب المباشر في أن يصنف الشافعي كتاب الرسالة ، أ,ل كتاب في أصول الفقه ، فإن عبد الرحمن بن مهدي أرسل إلى الشافعي رسالة أن يكتب شيئًا في ضبط مسائل التأويل والمعاني ، فاستجاب الشافعي –رحمه الله- وكتب كتاب الرسالة بأسلوبه الرشيق ، وأنا أريدكم أن تشتروا هذا الكتاب كتاب الرسالة لكي تستمتع بلغة الشافعي وليس بفهمه ، وكان الشافعي من أنحى الناس ، يقول بن هشام: لو صنف الشافعي الكتب بلغته ما فهمها أحد ، إنما كان يتبسط في العبارة حتى يوصل العلم لإلى الناس ,فلما كتب الشافعي- رحمه الله- هذا الكتاب الفرد وأرسله إلى بن مهدي وقرأه بن مهدي ذهل منه ، وقال: فعلمت أن الشافعي رجل عاقل ولا أزال أدعوا له والكتاب اسمه الرسالة لأن الشافعي أرسلها إلى بن مهدي على خلاف المتعارف عليه الآن ، أي جزء صغير نسميه رسالة ، يقول لك : هذه رسالة صغيرة ، لا ، الرسالة مأخوذة من الإرسال ، إنما الكتاب لما يكون صغير هذا اسمه جزء ، لذلك لا تجد في أي كتاب من الكتب صغيرة الحجم أحد ممكن يكتب رسالة ، إنما يكتب الجزء فيه كذا وكذا ، ولفظ الجزء هو الذي فيه ثلاثين أو أربعين ورقة وغير ذلك ,فأي جزء فيه ثلاثين ، أربعين ورقة أو هذا الكلام هذا يسمى جزء ولا يسمى رسالة ، لأن بعض طلبة العلم يخطأ ويقول أنا عملت رسالة صغيرة في كذا لا الرسالة إنما تكون من الإرسال وليست من صغر الجزء .بن الجوزي سينقل نقلة ولن ينفع أننا نقولها لكم ونترككم معلقين لأنه سيتكلم عن الزواج ، والكلام لابد أن يكون وراء بعضه ، حتى لا نقول كلمتين وتجلس تنتظر حتى نأتي لك اليوم التالي . انتهي ا لدرس الرابع عشر. |
|