أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الحلقة (20) من مدرسة الحياة الجمعة 13 مايو 2011, 5:06 am | |
| المحاضرة العشرون ذكر بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: أنماطًا من الذين خالفوا شريعة النبي- صلي الله عليه وسلم- أو تركوا سنته ، من الذين تسنموا طرق التصوف قال ومنهم ، ومنهم , ومنهم ، وذكر ثلاثة أصناف ، ذكر المتصنع في الظاهر الذي أن خلا بمحارم الله انتهكها ، وما تزهد إلا القميص ، وعنده كبر فرعون ، وذكر الصنف الثاني: أنه سليم الباطن لكنه جاهل بالشرع ، وذكر الصنف الثالث فقال: (ومنهم: من تَصَدرَ وصنف فاقتَدى به الجَاهِلُون في هذه الطَّريقة وكَانُوا كعُمِيٍ اتَّبعوا أَعمَى ، ولَو أنَّهم تَلَمحُوا للأمر الأول الذي كان عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- والصَّحابةَ- رضي الله عنهم- لمَا زَلُوا .)من أراد أن يستطعم سهولة الإسلام ، وأن يغير الإسلام حياته فلينظر إلى الشرب الأول :الذين هم الجيل في زمان الرسول- صلي الله عليه وسلم- وفي زمان الصحابة – رضي الله عنهم- ، وهذا القرن الأول المزكي ، وزُكيَّ القرن الثاني والثالث به فهو الأصل ، قال- صلي الله عليه وسلم- :" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " الْسَّبَبْ فِيْ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِصْحَابُ الْإِسْلامُ فِيْ كُلِّ أُمُوْرِ حَيَاتِنَا:كثير منا عاجز أن يستصحب الإسلام في كل أمور حياته ، فما السبب ؟ السبب: أنهم نظروا في مصنفات المتأخرين ، ونظروا في سلوك المتأخرين فشعروا بشيء من الصعوبة ، أي لما فشي الزهد في أهل البصرة كان لهم تصرفات حاول بعض الشيوخ أن ينقلها ويجعلها قانونًا ، فيقول مثلاً إن فلانًا ما رفع طرفه إلي السماء قط ، أو أن فلانًا لم يضحك ويجعلها قانونًا .فنقول: لا ، لا أستطيع أن أنسب هذا الكلام إلى السلف ، إلا إذا كانت هناك سنة متبعة ، أو ذهب عمل أكثر الصحابة إلى هذا ، هذا الذي ممكن أعمله قانون ، لكن ما نظر إلى السماء قط ، ربما تكون هذه حالة نفعته هو هذا الذي لم ينظر إلى السماء قط ، هذه هي التي تعالجه ،لكن أنا لا أستطيع أن أجعلها قانونًا ، رأيت رجلاً يرفع طرفه إلى السماء أقول له كيف وفلانًا لم يرفع طرفه إلى السماء ,فلان هذا ما ينبغي إلا أن يكون رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فقط ، لكن الصحابة كانت حياتهم سهلة ، ليس فيها أي عقد والإسلام كان فعلاً مصير حياتهم حتى حصل التدقيق في مسائل الزهد ومسائل الورع فعجز الخالفون أن يوافقوهم فيما ذهبوا إليه من التدقيق .يقول بن الجوزي: (ولقد كان جمَاعةً من المُحقِقينَ لا يُبَالُون بِمُعَظَمٍ في النِّفوسِ إذا حَادَ عن الشريعةِ ، بل يٌوسِعُونَهُ لومًا .) هناك مقولة معروفة (إن الحق لا يعرف إلا بالرجال ، اعرف الحق تعرف رجاله) أول من علمته تكلم بهذه الكلمة هو علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ، لما قال له قائلاً: أترى أكان الزبير وطلحة مخطئين ؟ وأنت تعرف أن طلحة والزبير كانوا مع معاوية- رضي الله عنهم- أجمعين ضد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقال له: (اعرف الحق تعرف رجاله ، أن الحق بالرجال لا يعرف إلا بالرجال) هذه الكلمة كلمة حق ، لكن لا بد أن تعرف أن الطعن في الرجال طعنٌ في الحق ، لأنهم ووسائط الحق وهم الذين نقلوه ، حتى لا يشتط أحد ويأخذ هذه الكلمة ويطرح الرجال جانبًا ، يقول لك لا ، لا تقلد دينك الرجال، والمسألة فيه تفصيل . يَسْرُدُ الْشَّيْخِ حَفِظَهُ الْلَّهُ مَاحَدَّثَ لَهُ فِيْ الْسِّجْنِ مَعَ جَمَاعَةٍ الْتَّكْفِيْرِ وَالْهِجْرَةِ:وكنت أذكر ونحن في المعتقل عام واحد وثمانين ، ولما ذهبنا إلى سجن أبو زعبل وكان معنا خليط ، معنا جماعة التكفير والهجرة ، كانوا سبعة عشر واحد ، ونحن السلفيين كنا حوالي ثلاثة وعشرين ، وكان معنا اثنين فرماويه وكان معنا واحد له مذهب ولا أعرف ماذا كان مذهبه ، ولما دخلنا لكي نتقاسم الزنزانة ونقسمها ، فنقوم بعد البلاط ، وننظر عدد البلاط ,كل واحد سيأخذ كم بلاطة .فكان جماعة التكفير يعتزلونا ، وهذا هو السجن الحقيقي أن يكون معك أناس مخالفين في المذهب وأنتم الاثنين مغلق عليكم باب واحد (ورب مملول لا يستطاع فراقه )، فهؤلاء الجماعة بعد حوالي خمسة عشر ، عشرين يوم قالوا نريد أن نعمل معكم مناظرات ، نحن سنظل نسكت هكذا نحن أمام بعض كيف تكون المناظرات وكان الواحد منهم لما يكون يؤم ويغلط ، وواحد منا يرده فلا يأخذ الرد منه ، كفار ، سنحرف القرءان ، فأنت وقفت في الآية ولا تستطيع أن تأتي بها ، ونحن نردك لكي تكمل قراءتك ، فلم يكن يقبل .المهم لما قالوا نعمل مظاهرات لكي نقيم عليكم الحجة وغير ذلك ، فبدأنا قصة المناظرات ، فكان منها أنهم قالوا وهذا هو الشاهد الرجل من جماعة التكفير هذا ، لما نأتي بكلام الصحابة ، قال لا ، لا تحتجون علينا بأحد ، لماذا ؟ قال : نحن رجال وهم رجال .وكان الإشكال أو كانت المناظرة في تفسير آية عن بن عباس أظن هي﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾(المائدة:44) ، فعندما جئنا بكلام بن عباس ، قال: لا ، لا تأتي بكلام بن عباس أنا مثل بن عباس بالضبط فقال صاحب لنا: - بن عباس توفرت له دعوة النبي- صلي الله عليه وسلم- " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " فأنت ماذا توفر لك ؟ فقال: ومن أدراك أن الله استجاب دعاء نبيه ؟ .الحقيقة زملاءه أنكروا عليه ، زملاءه في الفكر أنكروا عليه أن يقول هذه الكلمة العظيمة ، وما أدراك أن الله استجاب لدعاء نبيه ؟ هي السلِّمة التي وضعوا أقدامهم عليها ، هي السلِّمة التي وضع الخوارج أقدامهم عليها ، أول سلم أو أول درجة في سلم الخذلان الذي أرتقاه الخوارج أنهم طوحوا بالصحابة ، وقالوا: هم رجال ونحن رجال .ولذلك عمر بن عبيد الذي قلت لكم خبره يمكن من كم محاضرة عندما ذكر سمرة بن جندب- رضي الله عنه- أو جابر بن سمرة هو سمرة في حديث السكتتين بعد القراءة ، فقال له: ماذا تفعل بسمرة ؟ قبح الله سمرة ، لأنهم يعتقدون أن الصحابة كانوا رجالاً وهم رجال ,الصحابة كانوا رجالًَا وهم ذكور ، وفرق بين الذكر وبين الرجل فأول سلَّم هم أرتقوه قصة هم رجال ونحن رجال ، فغلي في مقابلهم ناس فطوحوا بالرجال ، لا ، المسألة تحتاج إلي توازن وإنصاف ،( نعم اعرف الحق تعرف رجاله إن الحق لا يُعرف بالرجال) صح ولكن ينبغي أن تتنبه أن الرجال هم وثائق الحق وأن الطعن في الرجال طعن في الحق ، اليوم رواه الحديث لو أنا أتيت علي سلسلة الإسناد وطوحت بها سيسقط الكلام فإذا تكلم الإنسان تكلم بعلم وعدل . بن الجوزي يقول (: ولقد كان جمَاعةً من المُحقِقينَ كانوا لا يُبَالُون بِمُعَظَمٍ في النِّفوسِ إذا حَادَ عن الشريعةِ أرد عليه ولكن لا أمتهنه ولا أُسقط درجته )أرد علي خطئه فقط مع احتفاظي بتقديره وتوقيره إن كان من أهل الحق ، وضرب بذلك بعض الأمثلة:قال: ( فنُقِلَ عن أحمد أنه قال له المَروَذيُ: ما تقول في النِّكاحِ ؟ .)المَروَذيُ ، أحد أصحاب أحمد يسأل الإمام (ما تقول في النِّكاحِ ؟ فقالَ: سنة سُنةَ النَّبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: قد قال إبراهيم قال: فصَاح بي ). أي لا يدعه يكمل عبارة إبراهيم .وقال: ( جِئتَنَا بِبُنَيَاتِ الطريق ؟ .)ِبُنَيَاتِ الطريق: هي الطرق الجانبية ، التي ممكن تكون متفرعة عن الطريق عن الجادة ، الطريق اللاحق الطويل . . فهذا هو الحق ليس به خفاءٌ | فدعني عن بنيات الطريق |
فالإمام أحمد عندما صاح به وقال: جِئتَنَا بِبُنَيَاتِ الطريق ، أي أنني لا أحتج إبراهيم هذا بن أدهم .وإبراهيم بن أدهم: هذا إمام كبير القدر ، عالي الكعب ، ولا يخفي علي أحمد قدر إبراهيم ، ولكن إبراهيم وضع في مقابل النبي- صلي الله عليه وسلم- فلا يوجد أحد إذا وُضِعَ في مقابل النبي يكون له وزن ....كما قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-: ( أن رسول الله- صلي الله عليه وآله وسلم- هو الميزان الأكبر الذي عليه توزن الأقوال والأفعال )إبراهيم بن أدهم كان مُتَنَسِكًا مُتَبَتِلًا تاركًا للنكاح باختياره ، هذه ممكن أن تصلح له ، لكن لا أستطيع أن أجعلها سنة ، لمجرد أن رجلًا فاضلًا فعلها فقد ذكر الذهبي في كتاب سير النبلاء عن سفيان بن عيينة - رحمه الله- أنه قيل لإبراهيم بن أدهم ألا تزوجت ، فقال: لو أمكنني أن أطلق نفسي لطلقتها لو نظرت في حياة الصحابة تجد طريقهم أسهل وأسد من طريقة التابعين الذين جاءوا بعد ذلك ، أخذوا في دقائق الورع وتكلموا بكلام يحتمل عدة معاني وبعض الكلام فاسد ، فهو لأنه رجل فاضل نتأول له علي اعتقاد أن الرجل الفاضل لا يصدر منه إلا كلام سديد ، لاسيما إذا كان عالمًا و اشتهرت عدالته في الأم .وقيل له: أي لأحمد ( إن سَريًا السَّقَطِي ) وهو بن المُغَلِث السَّقَطِي ولد سنة مائة اثنين وستين وتوفى سنة مائتين ثلاثة وخمسين ، أو مائتين واحد وخمسين أو مائتين سبعة وخمسين علي اختلاف بين العلماء في سنة وفاته . قال: (لما خلق الله تَعَالى الحروف وقَفَ الأَلِفُ وسَجَدَت البَاء )الباء لماذا هي نائمة ، والألف لماذا هي واقفة ، قال وقفت الألف وسجدت الباء ، فالإمام أحمد (قال: نَفِرُوا عنه ). نَفِرُوا عنه: بشعوا طريقته . لأن سري بن المغلث- رحمه الله- من أوائل من تكلم في علم الحقائق ، قصة الحقائق والكلام الذي يذكره الصوفية ، تكلم بكلام لا يحتمل ، أحسن محامله أنه قاله وهو كما يقولون في مرحلة السكر ، غُشِي عليه فتكلم بمثل هذا الكلام ، فهذا كلام لا أصل له ، فعندما تأتي وتقول وقفت الألف وسجدت الباء ، بأي دليل قلت هذا ؟ فالإمام أحمد قال: نفروا عنه مع فضل سري ، مثل ما الإمام مسلم- رحمه الله- كتب في مقدمة صحيحة عن واحد شن عليه الغارة بسبب أنه اشترط شرطًا يري مسلمٌ أن التزام هذا الشرط سيضيع علينا شطر سنة النبي- صلي الله عليه وآله وسلم- ، فشن عليه الغارة ووصفه بسوء الطوية ووصفه بالجهل .الناس قالوا من الذي يقصده الإمام مسلم ، فمن قائل قال: يقصد البخاري ومن قائل آخر يقول أنه يقصد علي بن ألمديني شيخ البخاري ، وأنا أستبعد في الحقيقة أن يقصد مسلم هذين ، لم يقصد علي بن ألمديني ولم يقصد البخاري إنما قصد رجلاً نابهًا آنذاك فأعرض عن تسميته وشن عليه الغارة .وأحيانًا يلجأ العالم إلى الشدة ليكف العوام والرعاع أن يقلدوا الرجل الفاضل في زلته ، وهذه طريقة مسلوكة عند أهل العلم ، الشدة أحيانًا تكون هي الحكمة ، وليست الحكمة اللين الدائم ، لا . قال المتنبي: ووضع الندي في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى لما تعطي إنسان وردة غير أن تعطيه بالسكينة ، اليوم لو أن واحد عنده مغص أو زائدة فلا ينفع أن أضع له مرهم ، فالمرهم لن ينفعه ، فالشفقة عليه أنك تفتح بطنه ، لكي تنقذه من هذا المرض ، فالحكمة ليس معناها اللين الدائم . الإمام النسائي- رحمة الله عليه-: اتهموه بالتشيع ، والنسائي ما كان متشيعًا قط ، لكن اتهموه بالتشيع لأنه لما دخل دمشق حدَّث بخصائص علي قبل أن يحدث بمناقب الشيخين أبا بكر وعمر ، والذي يعمل هذا العمل يكون كأنه قدم عليٍ على الشيخين وهذا إما متشيع وإما رافضي ، وفي الغالب يكون رافضي ، والتشيع قديمًا يكون بأنه يقدم علي على عثمان فقط ، لكن لا يقترب من الشيخين أبا بكر وعمر، لكن فلما دخل دمشق حدَّث بكتاب خصائص على وهو جزء من السنن الكبرى للإمام . فقال له أحدهم: ألا تحدثنا بفضائل معاوية ، الشام كانوا نواصب ، كانوا جميعهم يميلون إلى معاوية- رضي الله عنه ، بخلاف الكوفة والبصرة وغير ذلك كانوا شيعة ، والناصبي ضد الشيعي مباشرة ، الإمام النسائي لما واحد قال له من الشام وهم نواصب ، قال له: ألا تحدثنا بفضائل معاوية ، لأن فضائل علي بن أبي طالب في كتاب الخصائص يقارب ثلاثمائة حديث ، في فضل علي بن أبي طالب أغلبها ثابت يدور ما بين الصحة والحسن ، أي في درجة القبول فقال له: ( أحدثك بما لا أشبع الله بطنه .) وهذا حديث صحيح في مسلم، حديث بن عباس- رضي الله عنه- أن النبي – صلي الله عليه وسلم قال لابن عباس نادي معاوية ، وكان معاوية كاتبًا للوحي ، فوجده بن عباس يأكل فقال له: حتى آكل ، أي آكل ثم أذهب وبن عباس يلعب مع الصبيان فالنبي- صلي الله عليه وسلم- لما رآه أخذه من أذنه وأرسله إلى معاوية مرة أخرى فتأخر معاوية ، فقال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" لا أشبع الله بطنه " .العلماء أولوا هذا الحديث ، وأن هذا ليس ذمًا لمعاوية- رضي الله عنه - وقد قال النبي- صلي الله عليه وسلم- لأم سلمة: " أو ما تدرين ما شارطت عليه ربي ؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببنه فاجعله له زكاة وأجرًا " . قالوا في ترجمة الإمام النسائي: فانهالوا عليه ضربًا حتى قتلوه ، ومات الإمام النسائي في هذه الحادثة . مَا الْحَامِلِ لِلْإِمَامِ الْنَّسَائِيُّ أَنَّ يُحَدِّثُ بِفَضَائِلِ عَلَيَّ عِنْدَ الْنَّوَاصِبِ ؟وكما نقول وضع يده في عش الدبابير ، وسئل الإمام عن هذا قال: دخلت دمشق والمخالف بها كثير ، المخالف لعلي- رضي الله عنه- وكانوا ينتقصون عليًا ، ومعروف قدر علي وقربه من النبي- صلي الله عليه وسلم- سواء كان ابن عمه أو كان زوج ابنته ، وكان بطلاً مغوارًا ، ولو تكلمنا عن علي بن أبي طالب سنتكلم كثير .فلما دخل دمشق وجد أناس يسبون علي- رضي الله عنه – قال: فصنفت هذا الكتاب رجاء أن يهديهم الله تعالي ، فهو لم يصنف خصائص علي قبل الشيخين من أجل تقديم علي على الشيخين ، هذا الكلام لم يكن موجود لكنه قال: هؤلاء يتقصون فأنا سأحدث بفضائله رجاء أن يهديهم الله تعالي وإلا فقد سئل الإمام النسائي عن رجل يسب معاوية فقال( إن الإسلام دار والصحابة الباب فمن نقر على الباب أراد الدخول ، ومن أراد الصحابة أراد الإسلام .)الإمام النسائي لما عمل هكذا أراد أن يخذل ، لما أنا أجد واحد يقلد إنسانًا فغالى في تقليده حتى في أخطائه، فأهل العلم يرون أن من الحكمة أن نغض من منصب هذا العالم لنكف هذا المقلد حتى لا يحترق هذا بتقليده ، وأن هذا طريقة مسلوكة عملها الإمام الشافعي مع مالك ، وأنه لما دخل مصر وكان أشهب بن عبد العزيز كان زعيم المالكية مع بن عبد الحكم وهم يعرفون الشافعي جدًا ويعلمون منصبه ومحله من الفهم ، فخافوا لما جاء الشافعي من العراق أن يجعل مصر شافعية ، فخافوا على مذهب مالك .فأول ما دخل الشافعي كلحوا له ، لم يستقبلوه جيدًا ، والشافعي لما أحس بهذه العملية دخل داره وأغلق الباب ولم يكن يبث علمه ، فلما جاء الناس وقالوا كيف تعتزل ولا تبث علمك ، فأبدى بعد مخاوفه من تغير أصحابه من أصحاب مالك عليه ، حتى كان أشهب بن عبد العزيز يدعوا على الشافعي في سجوده والشافعي له أبيات قال: تمنى رجال أن أموت وإن أمت | فتلك طريقًا لست فيها بأوحد | فقل للذي يبغي بخلاف الذي | مضي ....... فأنقضي |
ومات الشافعي ومات بعده أشهب بثمانية عشر يوم ، فكان أشهب يدعو ويقول: اللهم أمت الشافعي حتى لا يذهب علم مالك ، وصارت مصر شافعية و انتهي مذهب مالك من مصر ، مذهب مالك استقر في المغرب ، من أول ليبيا حتى موريتانيا ، مذهب مالك هو المذهب الرسمي السائد .وأنا أريد أن أقول لما تكلم الإمام الشافعي في بعض فتاوى مالك لم يكن يقصد أن يغض من مالك ، إنما كان يقصد أن يكف عن أتباع مالك حتى فيما أخطأ فيه مالك- رحمه الله- وهذه طريقة مسلوكة .لا نبالي بمعظم في النفوس إذا خالف الشريعة لكن في نفس الوقت لا نهضمه ولا نطعن عليه ونقع فيه ، لابد أن تكون المسألة مسألة عادلة وأنظر إلى سري السقطى ماذا يقول ، وهذا الكلام الذي أقول التدقيق فيه أنت لو أخذته على ظاهره تنكره مباشرة ، ولكن لابد أن تحمله على محمل حسن لفضل سري . يقول: (حمدت الله مرة فأنا أستغفر الله من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة .)وهذه غريبة أن يحمد الله ثم يستغفر أنه حمد الله ثلاثين سنة يستغفر ، ما الحكاية ، قيل له: وكيف ذلك ؟ قال: احترق السوق ، المحلات التي في السوق احترقت ، فجاءني رجل فقال: سلم دكانك فقلت الحمد لله ، فأنا أستغفر الله من هذا الحمد ، فمما يستغفر ؟ والنبي- صلي الله عليه وسلم- قال في الحديث الذي رواه بن عمر وأبو هريرة وله أكثر من طريق وإن كانت مفرداتها ضعيفة أو لينة لكنها متعاضدة على كل حال ، أن النبي- صلي الله عليه وسلم- كان إذا رأى مبتلىً قال: " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به " فلما واحد يقول له سلم دكانك فيقوم ويستغفر الله من ذلك الحمد ، وكأنه قال له: الحمد لله الذي سلَّم لي دكاني في الوقت الذي احترقت فيه دكاكين الآخرين .أليس هذه كحديث الدعاء عند رؤية المبتلى . فَمَا وَجْهُ اسْتِغْفَارُهُ ؟كأنه رضيّ عن احتراق دكاكين إخوانه ، أو لم يشعر بالأسف على ذهاب أموال إخوانه ، والإيمان الحقيقي أن يحب المر لأخيه ما يحب لنفسه ، هو سلم دكانه نعم ، لكن كان المفروض أن يظهر حزنًا وتفجعًا على دكاكين الآخرين التي احترقت ، فكأنه رأى أنه أخلَّ ببعض مواصفات المؤمنين ، فلم يستغفر الله أنه حمد الله، إنما استغفر الله لتقصيره فيما يتعلق بأموال إخوانه ، ولا يحمل هذا الكلام إلا على هذا فقط ، وإلا فهو كلام مردود ، إذا لم تجد له في التأويل مساغًا ومسلكًا نرده لأنه ليس معصومًا ، والإنسان الفاضل قد يقول الكلام الساقط أحيانًا وقد يقول الكلام المرجوح كثيرًا ، فهذا أيضًا كلام لسري يحتاج إلى تأويل .ولما تدقق وتمحص في المعاني قد لا تهتدي لمرادك ، فقد تتبع طريقته وأنت لست مؤهلاً لذلك فيحدث عندك انتساخ عنه ، مثل الذي يدخل في الدين بمنتهى القوة في أول التزامه مثلا ويريد أن يعمل كل حاجة فترة ثم يفتر لا يجدوا عنده الحماس ولا عنده النشاط ، والنبي- صلي الله عليه وسلم- قال:" لكل عمل شِرَه وفترة ، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد هُدي" الشره: من النهم والفترة: من الفتور .كل عامل لابد أن يدركه هذا المعني ، مسألة الشره والفترة ، أحيانًا تكون تصلى ولا تريد أن تفرغ من الصلاة ، وأحيانًا تقوم إلى الصلاة بضرب الرصاص واقف وفي ملل وهذا فرع على زيادة الإيمان ونقصانه .قال: (واعلَم أن المُحَقِقَ لا يَهولَهُ اسم مُعَظَّم ).من الذي لا يهوله الاسم المعظم ، المحقق الذي هو العالم الذي يعرف موضع قدميه وليس العامي ، العامي مأخوذ من العمى ، فهو بيد من يقوده ، وكما قال المزني: (لا يقلد إلا عصبي) فقال له ابن أخته أبو جعفر الطحاوي( أو غبي) ، لكن أهل التحقيق الذين يعرفون الحق يتبع الأصول المعروفة ، لا يضره أن يخالف اسمًا معظمًا .ونحن رأينا من العلماء مثل الخطيب البغدادي له كتاب اسمه:[موضح أوهام الجمع والتفريق ] تعقب البخاري في ، البخاري في التاريخ الكبير جمع اسمًا كان ينبغي أن يفرق ، أو فرق اسمًا كان ينبغي أن يجمع ، كيف ذلك ؟ نفترض واحد اسمه علي بن يزيد المُقدَّمي أبو حفص الكوفي ، البخاري يأتي بالاسم كله وكنيته ، ويكون أبو حفص المُقدَّمي الكوفي ليس هو علي بن يزيد ، فاشتبه على البخاري فظنهما رجلاً واحدًا ، فجمع ما كان ينبغي أن يفرق ، أو فرق ما كان ينبغي أن يجمع والخطيب كتابه هذا موضوع الكتاب فلاموه وقالوا له : من أنت لكي تتعقب البخاري ؟ .فكتب في مقدمة الكتاب كلامًا رائعًا جدًا وقال( إن تعقبي لأمثال هؤلاء الحفاظ ليس ازدراءً عليهم ، إذ ما نحن في من مضي إلا كبقل في أصول نخل طوال ، وما ذُكرنا إلا بهم ، وما تميزنا عن الهمجي إلا بهم ، فكيف نُذري عليهم ؟) فاعتذر مثل ما أعتذر بن قتيبة لما تعقب أبا عبيد في غريب الحديث أيضًا ، قالوا له ، من أنت ؟ للتعقب أبا عبيد ، لأن أبا عبيد القاسم بن سلام كما قال إبراهيم الحربي: (جبل نفخ فيه الروح )و أبو عبيد فيما يتعلق بغريب الحديث معروف ، حتى أن أحمد ويحي بن معين سمعا منه هذا الكتاب ، وكلهم رفقاء ، أي زملاء في الطلب . لكن كان أبو عبيد رحمه الله متميزًا في هذا الباب ، وكان أبو عبيد على عادة القدماء كل شيء بإسناد يقول حدثنا فلان عن فلان عن فلان ، فقال له بن معين له: دعنا من الأسانيد فنحن أعلم بها منك ، هات المتن وأترك الإسناد فحدَّث مرة بالكتاب بلا إسناد ، لذلك الطبعة الموجودة من غريب الحديث لأبي عبيد المطبوعة بالهند قديمًا وصورت في بيروت ستجد أسانيد أبي عبيد في الحاشية وليست في أصل الكتاب ، لأنهم استدركوها من نسخة أخرى عن أصل أبي عبيد ، إنما النسخة التي حدَّث أبو عبيد بها يحي بن معين وأحمد بن حنبل وهذه الطبقة كانت محذوفة الأسانيد ، لأن يحي بن معين قال له: نحن أدرى بالأحاديث منك . الْمَقْصُوْدُ مِنْ غَرِيْبٍ الْقُرْءَانَ:فلما جاء بن قتيبة لكي يتعقب أبا عبيد في ألفاظ غريبة ، وكلمة غريب الحديث أي من جهة العربية ، ألفاظ غريبة في الحديث ، نهى عن الحنتم والدُّباء ، والمزفَّت و المُقيَّر ، مثلاً ، فأنت تريد أن تعرف ما المزفَّت ، و المُقيِّر والحنتم ، والدُّباء وغير ذلك ، فيقول لك الحنتم معناه كذا وكذا ، والمقير معناه كذا كذا ، وهذا معنى غريب الحديث . اعْتِذَارٌ بِنَ قُتَيْبَةُ لتَعَقِّبِهُ أَبَا عُبَيْدٍ:وبن قتيبة لا يُجهل مكانه في العربية أيضًا ، وكانوا يسمونه خطيب أهل السنة في مقابل الجاحظ خطيب المعتزلة ، فلما تعقب أبا عبيد لم يتحملوا له ذلك فكتب كلاماً رائعًا جدًا ، جدًا يعتذر فيه عن نفسه وأنه لم يقصد أن يتعقب أبا عبيد ليحط من قدره ، وأذكر من الكلام الذي قاله . قال بن قتيبة- رحمه الله-: (وإن الله- تبارك وتعالي- لم يجعل العلم مع فريق دون فريق بل جعله مشتركًا مقسومًا بين عباده ، يفتح للمتأخر ما أغلقه عن المتقدم ويحيه بقول تاليِ يعترض على ماضٍ )،وفند في هذه المقدمة قول من يقول: ( أعف عن ذي قبر)، أي لما يموت أحد ما اتركه ، لا تتعقبه ، وبين أن هذا أمانة العلم ، في كلام رائق جدًا ، جدًا سال به قلم بن قتيبة- رحمه الله-. فائدة :المحقق الذي درس العلم على أصوله له أن يعترض ، بخلاف الجاهل أو المقلد ليس له أن يعترض على أهل العلم لاسيما إذا كانت المسألة لها محامل وتحتاج إلى فهم . فيقول بن الجوزي: ( واعلَم أن المُحَقِقَ لا يَهولَهُ اسم مُعَظَّم ).مثل وصية الإمام أحمد لما أوصى تلميذه وصاحبه أبا داود السجيستاني صاحب السنن سنن أبي داود ، هذا تلميذ الإمام أحمد ، قال له: يا أبا داود: لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا تقلد الأوزاعي ، ولا تقلد سفيان وخذ من حيث أخذوا لماذا ؟ لأن أبا داود له أهلية ، إمام ، وصنَّف كتابه السنن للفقهاء , لذلك يقدمون أبا داود على النسائي في الذكر. أَسْبَابَ تَقْدِيْمُ الْعُلَمَاءُ لَسُنَنٌ أَبِيْ دَاوُدَ عَلَىَ الْنَّسَائِيِّ فِيْ الْذِّكْرِ:لأن كتاب أبا داود أسهل منزعًا من جهة الفقه ، مع أن كتاب النسائي أقيم من كتاب أبي داود ، سواء في التبويب أو في علل الحديث أو في تكرار طرق الحديث ، كتاب النسائي ذهب مثل كتاب أبي داود أيضًا ، لكن كتاب أبي داود أسهل منزعًا ، لما تأتي أنت كفقيه وتقرأ كتاب أبي داود تستمتع ، أبو داود لم يُعنى بصنعة الإسناد كثيرًا ، عُني قليلاً بالتعليلات والتذييلات التي يعملها على السنن ، لكن لم يُعنَى بصنعة الإسناد ، وكان قصده أن يصنف هذا الكتاب للفقهاء ,إذًا عنده أهلية لذلك قال له أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا تقلد الأوزاعي ، ولا تقلد سفيان وخذ من حيث أخذوا ، أي أنك عندك الأهلية أنك تتعامل مع الأدلة إنما تقلد لا .فالمحقق: أي العالم الذي يعرف موضع قدمه لا يهوله اسم معظم ، أي لا يضطرب عندما يسمعه إذا ثبت له أنه أخطأ أو حاد عن الشريعة .قال: (كما قال رجل لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: أتَظُنُ أن طلحة والزبير كانا عَلى البَاطلِ ؟ فقال له: إن الحقَّ لا يُعرَفُ بالرجالِ أعرِف الحَقَّ تَعرِف أهله , ولَعَمرِي أنه قد وقَرَ في النفوس تعظيم أقوامٌ فإذا نُقِلَ عنهم شَيءٍ فسَمِعَه جاهل بالشرع قَبِلَه لتعظِيمَهُم في نفسه ،كما يُنقَلُ عن أبي يزيد- رضي الله عنه- .)أبي يزيد: هو أبي يزيد البسطامي واسمه تيفور بن عيسى .أنه قال: (تَرَاعَنَت عليَّ نفسِي فَحلَفتُ أَلا أشربَ الماء سَنة . ) تراعنت: أي هاجت علي وخفت ، وتحمله علي العقوق وعدم الرضا فقال طالما أنك رعناء والله لأحرمنك من الماء سنة . يقول بن الجوزي: ( وهذا إذا صَحَ عنه كَان خَطأ قبيحًا وزلةً فَاحشةً لأَنَّ الماءَ يُنفِذُ الأَغذِيةَ إِلى البَدنِ وَلا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيءٌ ، فَإِذَا لم يَشرَب فَقَد سَعَى في أَذى بَدَنِهِ وقد كَان يُستَعذَبُ الماء لِرسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- ,أفَتَرَى هَذا فِعلُ مَن يَعلَمُ أنَّ نَفسَهُ لَيسَت لَهُ وأنَّه لا يَجُوزُ التَّصرفُ فِيهَا إلا عن إذن مَالِكِهَا )أبو يزيد البسطامي: له كلام نفيس وله كلام لا يُطاق إذا صح عنه ، أي كان ينقلون عنه كان يقول: سبحاني ، وكان يقول: ما في الجبة إلا الله ، وكان يقول: النار ، أي شَيءٍ النار ؟ أنا سأضع ظهري علي جدارها فأهدمها والجنة لعب صبيان ، هذا كلام نقل عنه ، قد يكون بعضه باطل وبعضه صحيح عنه .فقالوا: إذا كان صحيحًا عنه ففي حال الغَشي عندما أغمي عليه ولم يكن يعرف ماذا يقول ، عندما يدركه الخوف أو غير ذلك يقول هذا الكلام فيكون غير مسئول عن كلامه ، هذا الكلام الذي بعض العلماء يحملونه عليه لكن له كلام أيضُا جميل ، ماذا يقول من ضمن كلامه ؟ .يقول: (هذا فرحي بك وأنا أخافك ، فكيف فرحي بك إذ أمنتك .)أي أن الذين يحبون الله- عز وجل- في الدنيا لا تتم محبتهم إلا إذا أستوي رجاءهم فيه- تبارك وتعالي- مع خوفهم منه ، فخائف ، فيقول: برغم أنني خائف هذا حبي فيك فكيف لو أمنتك ؟ ويقول: ( ليس العجب من حبي لك فأنا عبد فقير إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير )كلام جميل قال الله- عز وجل-:﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ (المائدة:54) ، فقدم محبته أولًا إذ لولا أنه أحبهم ما أحبوه فله الفضل والمنة في البدء والختام كما قال تعالي:﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾(المجادلة:22) ، فما هدوا إلى الرضا إلا لأنه رضي عنه ، كما قال بن أبي الحواري .يقول أحمد بن أبي الحواري: (ليس بالطاعة سعدوا ولكن بالسعادة أطاعوا ، وليس بالمعصية شقوا ولكن بالشقاوة عصوا ).كلام جميل ، يخرج منهم أحيانًا كلام جميل حلو ، فهذا من الكلام المستملح من كلام أبي يزيد وله كلام أيضًا قاله الجنيد وقاله السري وقاله الكبار الأوائل الذين ينسب الصوفية أنفسهم إليهم .يقول: الله- عز وجل- خلق كثيرًا يمشون على الماء ، يقول هؤلاء لا قيمة لهم أي الذين يمشون على الماء ، لكن أنظروا إلى حالهم عند الأمر والنهي ، مثل كلام الليث بن سعد قال: لو رأيتم رجلاً يمشي على الماء في مخالفة الشرع فاعلم أنه مؤيد بشيطان ، وبلغت الكلمة الشافعي فقال: قصر الليث- رحمه الله- بل لو رأيته يطير في الهواء ، وليس يمشي على الماء ، يطير في الهواء مع مخالفة الشرع فاعلم أنه مؤيد بشيطان ، فتكون المسألة كلها لا تنظر إلى ما يقال أنها كرامات ، ولكن أنظر إلى هذا الإنسان وإلى وقوفه عند الأمر والنهي ، وجدته يقف عند النهي وجدته ينفذ الأمر فيكون هذا رجل صالح وأما غير ذلك لا كما سينبه بن الجوزي على ذلك .يقول بن الجوزي: أنه لما يقول: ( تراعنت علي نفسي فحلفت ألا أشرب الماء سنة ، قال كَان يُستَعذَبُ الماء لِرسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- يطلب له الماء العذب ، كما في حديث أنس في الصحيحين قال: كان أبو طلحة- رضي الله عنه- أكثر الأنصار مالاً ، وكان له بستان في قبالة المسجد النبوي ، وكان في هذا البستان عين ماء والرسول- عليه الصلاة والسلام كان يحب أن يدخل هذا البستان لكي يستظل ويشرب الماء العذب ، وفي ذات يوم نزل قوله تعالي ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾(أل عمران:92) .فجاء أبو طلحة وقال يا رسول الله: إن أنفس مالي بيرحاء ، أغلى شيء عندي لأنه يدخلها- صلي الله عليه وسلم- ، ويكفى أنه يجلس فيها ، وهذا كان كافيًا لأن يحتفظ بهذا البستان ويبيع بقية أملاكه ، ولا يبيع هذا البستان خاصة لأنه في مقابل المسجد ولأن النبي- صلي الله عليه وسلم- يشرب منه ، لكن أنظر إلى سخاء نفسه- رضي الله عنه- ، فقال: إن أنفس مالي بيرحاء ، وإني سمعت الله- عز وجل- يقول:﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ فضعها يا رسول في أي وجه شئت ، فالنبي- صلي الله عليه وسلم- أوصاه أن يضعها في أرحامه .فقال- صلي الله عليه وسلم-:" بخٍ ، بخٍ ، ذلك مالٍ رابح ، أو رايح " روايتان ، ذلك مال رابح أو رايح: أي نفق أو تُقُيل، فكان يستعذب له المال فكيف يقول: ( تَرَاعَنَت عليَّ نفسِي فَحلَفتُ أَلا أشربَ الماء سَنة ) فلا يأتي واحد ويقول: إذا تراعنت عليك نفسك فلا تشرب الماء أو أنظر إلى أعز حاجة أنت تحبها وارفضها كما فعل أبو يزيد ، وهذا ليس قانون ممكن أن تكون أعز شيء لك أنت لا تستطيع أن تتركها ، ولا أن تفارقها فتذهب نفسُك خلفها ، ضيعت عزم قلبك لأنك تريد أن تقتضي بأبو يزيد ، أبو يزيد يستطيع أن يفعل ذلك مثلًا وشفاء نفسه في مثل هذا ، أنت لا تعرف ، ليس عندك عزم أبو يزيد . عبد الله بن عمر: عندما سمع هذه الآية :﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ كان له جارية جميلة ، وكان يحبها ، أول ما سمع هذه الآية دعا نافعًا فزوجه هذه المرأة .جاء رجل إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- وقال له: إن امرأتي لا ترد يد لامس ، قال: طلقها ، قال: أخاف أن تتبعها نفسي أحبها لا أقدر علي فراقها ، فقال:" فاستمتع بها " .بعض الناس يفكر لا ترد يد لامس ، أنها سيئة ، لا ، المسألة ليست هكذا لا كانت عفيفة ، لكن ممكن تتسامح تهزل بكلمة مثلًا ، أحد يقول لها كلمة ترد عليه ، أشياء مثل هذه ، وليس لا ترد يد لامس أنها كان امرأة بغي أو مثل هذا ، لا ، لكن لما قال لها طلقها ، لأن اللمس والنظر وهذا الكلام قادح أيضًا في تمام العفة ، قال: طلقها ، قال: لا أستطيع ، أخاف أن تتبعها نفسي ، عاشق لها أو يحبها أو غير هذا ، قال: فأمسكها إذًا .فيخرج رجل فيطلق أمته ثم يبدأ يهيم وراءها كما حدث مع مغيث وبريرة ، أنت تعرف بريرة لما كاتبت عائشة- رضي الله عنها- ونالت حريتها ومغيث كان عبدًا ، والمرأة إذا نالت حريتها صارت مخيرة أن تبقى مع زوجها العبد أو أن تُطلَق ، فأول ما نالت حريتها طلبت الانفصال مباشرة ، فمغيث يريد أن يحبها ، فذهب يستشفع بالنبي- صلي الله عليه وسلم- أنه- صلي الله عليه وسلم- يقنعها ويقول لها أن تبقى معه وأن تعيش معه وهذا الكلام ، أنظر ماذا قالت ؟ قالت: ( يا رسول الله أتأمرني ؟ قال: لها لا ، قالت: لا حاجة لي فيه )، وأنظر إلى الكلام ، أتأمرني ؟ لو قال لها نعم انتهت ولا تتكلم بأي كلمة ، لكن لما قال: لها لا ، إنما أنا شفيع ، وأنا والله مستعظم أن ترد شفاعته - صلي الله عليه وسلم- ، لكن هذه هي الحرية التي كفلها الإسلام ، هي لا تستطيع أن تعيش معه ، صارت حرة ، وهذه الحرية هي أعز ما يملكه إنسان ، فلما مضت مشى وراءها مغيث ودموعه تبل لحيته ، يبكي وراءها ، فقال يا عباس عمه: " ألا ترى حب مغيث بريرة ، وبغض بريرة مغيثًا " .اليوم الواحد لو يتخلص من أي شيء مثل هذا ، أي حاجة ولا يلزم الماء ؟، ويعلم أنه لن يصبر وأن نفسه ستتقطع حسرات خلف هذا ، فليس من الحكمة أبدًا أن يُحمّل نفسه ما لا تطيق لأن هذا منافي ليسر الشريعة ، لذلك رد بن الجوزي وقال: (إن ما فعله أبا يزيد زلةً قبيحةً وخطأً فاحشًا ، ولو جاز أن يكون علاج أبي يزيد على مثل هذا فإن الناس يختلفون )، فيأتي واحد يريد أن يعظم أبا يزيد البسطامي فيتبعه في خطئه فيهلك كما يحكون أن واحد من الجماعة هؤلاء مثل أبي يزيد ، قال نزلت بئرًا |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الحلقة (20) من مدرسة الحياة الجمعة 13 مايو 2011, 5:10 am | |
| قال نزلت بئرًا لأشرب الماء فجاء اثنان فطمَّاها علي ، أي ردموها علي ، وهو داخل ليشرب أي ينزل ليشرب ، قال: فسكت حملاً لنفسي على التوكل ، قال: فجاء أسد فأخرجني .بن الجوزي: يعلق على مثل هذا الكلام ويقول: ( لو جاز أن يحصل مثل هذا لكان من لطف الله بعبده الجاهل )، لكن لا يتخذ قانونًا ، كيف يردموا عليه البئر ولا يتنفس ولا يقول يا جماعة أنا تحت أو أشرب أو مثل هذا ، فهذا إعانة على إهلاك نفسه بنفس هذه القصة ، قصة الجهل وهذا الكلام . |
|