منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers (إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..) |
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)
(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
|
|
| المقالة السادسة | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المقالة السادسة الإثنين 29 يونيو 2020, 8:07 pm | |
| المقالة السادسة الفصل الأول في تقسيم العلوم والفنون على طريق الإفرنج اعلم أن الإفرنج قسَّموا المعارف البشرية إلى قسمين: علوم، وفنون، فالعلم هو الإدراكات المحققة المذكورة بطريق البراهين، وأمَّا الفن فهو معرفة صناعة الشيء على حسب قواعد مخصوصة.
ثم إن العلوم تنقسم إلى رياضيَّة وغيرها، وغير الرياضية تنقسم إلى طبيعيات وإلاهيات.
والعلوم الرياضية هي: الحساب، والهندسة، والجبر، والمقابلة.
والعلوم الطبيعية هي: تاريخ الطبيعيات، وعلم الطبيعة، وعلم الكيمياء.
والمُراد بتاريخ الطبيعيات علم الحشائش والأعشاب، وعلم المعادن والأحجار وعلم الحيوانات.
وهذه الفروع الثلاثة تسمى مراتب التولدات: مرتبة النباتات، ومرتبة المعادن، ومرتبة الحيوانات.
وأمَّا الإلهيات فتُسَمَّى أيضًا علم ما وراء الطبيعيات: أو ما فوق الطبيعيات.
وأمَّا الفنون فإنها تنقسم إلى فنون عقلية، وإلى فنون عملية، فالفنون العقلية ما يكثر قربُها من العلوم، مثل علم الفصاحة والبلاعة، وعلم النحو، والمنطق، والشعر، والرسم، والنحاتة والموسيقى، فإن هذه فنون عقلية؛ لأنها تحتاج إلى قواعد علمية.
وأمَّا الفنون العملية: فهي الحِرَف.
هذا هو تقسيم حكماء الإفرنج، وإلا فعندنا أن العلوم والفنون في الغالب شيء واحد، وإنما يفوق بين كون الفن علمًا مستقلاً بنفسه، وآلة لغيره، ثم إن العلوم المطلوبة من عموم التلامذة هي: الحساب، والهندسة، والجغرافيا، والتاريخ، والرسم، ومعرفة هذه كلها تكون بعد معرفة اللغة الفرنساوية، وما يتعلق به.
فلذلك وجب علينا هنا أن نذكر نبذة منها.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:59 pm عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المقالة السادسة الإثنين 29 يونيو 2020, 8:18 pm | |
| الفصل الثاني في تقسيم اللغات من حيث هي، وفي ذِكْرِ اصطلاح اللغة الفرنساوية اعلم أن اللغة لَمَّا كانت ضرورية في أفهام السامع معنى يحسن سكوت المتكلم عليه وكانت لازمة في التفهيم والتفهم وفي المخاطبات والمحاورات، وجب عند جميع الأمم على المتعلم أن يبتدئ بها، ويجعلها وسيلة لما عداها، واللغة من حيث هي الألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة، وطريقها الكلام والكتابة المختلفة باختلاف الأمم، وهي قسمان: لغات مستعملة، ولغات مهجورة؛ فالأول ما يتكلم بها الآن كلغة العرب، والفرس، والترك، والهند، والفرنسيس، والطليانية، والإنكليز، والإسبانيول، والنمسا، والموسقو، والثاني ما انقرض أهله واندثر ولم يبق إلا في الكتب مثل اللغة القبطية، واللاطينية، واليونانية العديمة المسماة بالإغريقية، ومعرفة هذه اللغات المهجورة في المخاطبات نافعة لمن أراد الاطلاع على كتب المتقدمين، في بلاد الإفرنج توجد مدارس مخصوصة معدة لتعلم هذه الألسن، لما يعلمُون من نفعها.
وكل لغة من اللغات لا بد لها من قواعد لتضبطها كتابة وقراءة، وتسمى هذه القواعد باللغة الطليانية "أغرماتيقا" وباللغة الفرنساوية "أغرمير" ومعناها تركيب الكلام، يعني علم ضبط اللغة من حيث هي، وهو مرادنا هنا فهو: علم به يعرف تصحيح الكلام والكتابة على اصطلاح اللغة المرادة الاستعمال، والكلام ما قصد به إفادة السامع معنى يحسن عليه السكوت، وهو يتركب من الكلمة، وأقسامها عند أهل اللغة العربية ثلاثة: الاسم، والفعل والحرف، والاسم إما مظهر نحو زيد، أو مضمر نحو هو، أو مبهم نحو هذا، والفعل إما ماض كضرب، أو مضارع كيضرب، أو أمر كاضرب، والحرف إما مختص بواحد من قسميه كمن وقد، أو مشترك بينهما كهل وبل.
وإنَّمَا قسَّمنا هذا التقسيم هنا؛ لأنه سيأتي لنا أن الفرنساوية عندهم الضمير واسم الإشارة قسيمان للاسم، ولا يعدان منه بوجه من الوجوه فإنهم جعلوا أجزاء الكلمة عشرة، كل واحد منها قسم مستقل له علامة وهي الاسم، والضمير وحرف التعريف والنعت والمشترك وهو أسماء المفعول والفاعل والفعل والظرف ويسمى عندهم مكيف الفعل، وحروف الجر وحروف الربط وحروف النداء والتعجب ونحوه، فيقولون في تعريف الاسم هو كلمة تدل على شخص أو شيء أي على العالم وغير العالم مثل زيد وفرس وحجر، وفي تعريف الضمير: هو ما يقوم مقام الاسم وحرف التعريف هو أيضًا عندهم لام التعريف كما عندنا إلا أنه يختلف باختلاف الاسم الداخل عليه، فإنه للمذكر "ل" بالضم، وفي المؤنث "ل" بالفتح، ولجمعيهما "لس".
ولكن السين لا ينطق بها ويقولون في تعريف النعت هو ما يدل على الاتصاف بوصف من الأوصاف كحسن وجميل، فهو نظير الصفة المشبهة، وأما اسم الفاعل واسم المفعول فإنهما نحو ضارب ومضروب، والظرف عندهم مثله في لغة العرب، وحروف الجر مثل الظروف، وحروف الجر في اللغة العربية، فإذا قال الإنسان باللغة الفرنساوية: "جئت" قبل زيد وبعده، فإن قبل وبعد من حروف الجر عندهم، وإذا قال جاء زيد أولاً أو قبل أو نحو ذلك فإنه ظرف، وأما الحروف الروابط فإنهم يعرفونها بأنها ما تتوسط بين كلمتين أو جملتين نحو واو العطف في قولك جاء زيد وعمرو، ونحو أن قولك أؤمل أن أعيش زمنًا طويلاً، ومن هذا القسم إذن وحينئذ من نحو قولك أنت عاقل، فإذ أنت قابل للتعلم أو أنت فحينئذ قابل، وحروف النداء والتعجب ونحوها معلومة، وقواعد لغتهم يلزمها هذا التقسيم.
ويظهر أن قول بعضهم: أقسام الكلمة أو الكلام ثلاثة في سائر اللغات، وأن الحصر عقلي لعلة استغلالها المفهومية وعدمه، ودلالة ما استقل بالمفهومية على زمان وعدمها فيه بعض شيء، ورأيت في كتب الفرنساوية مَنْ قسَّمها أولاً إلى هذه الأقسام الثلاثة، ثم قسَّمها تقسيمًا ثانويًا، فالحصر حينئذ عقلي على حاله.
ثم إن كل إنسان يعبر عن مقصوده إمَّا بالكلام أو بالكتابة، فكلامه يُسَمَّى عبارة ومنطقًا، وتعبيره عن مقصوده بالكتابة يُسَمَّى نفسًا ومسطرة وقلمًا، فقد يكون قلم الإنسان أفصح من عبارته، فإنه قد يكون الإنسان ألْكَنْ، ويكون قَلَمُهُ فصيحًا ثم إنه إذا أفصح وأغرب غرابة مقبولة كانت عبارته عالية، وإن كانت عبارته مؤدية للمقصود من غير ركاكة فهي مناسبة، وإن كان بها بعض شيء يَمُجُّهُ السَّماع فهي ركيكة أو رديئة، وعلى كلٍّ، فالعبارة إمَّا بها إطناب أو اختصار أو على الأصل، ثم إن الكاتب إمَّا أن يُفصح عن مُراده بنظم أو نثر، وعلى كل فإمَّا أن يكون كلامه أو تأليفه باللغة المستعملة في المُحاورَات المُسَمَّاة الدَّارجة أو باللغة الموافقة، فقواعد النثر هو الأصل في الكلام والتآليف، ولا يحتاج إلى وزن تقفية إلا في السجع، وهو لسان العلوم والتاريخ والمعاملات والمراسلات والخطابات ونحو ذلك؛ ولاتساع اللغة العربية كان بها كثير من كتب العلوم منظومًا، وأمَّا لغة الفرنسيس فلا ينظم فيها كتب العلوم أصلاً.
والنَّظم هو أن يُفصح الإنسان عن مقصوده بكلام موزون مُقَفَّى، وهو يحتاج زيادة عن الوزن إلى رِقَّةِ العبارات، وقوة الأسباب الدَّاعية لنظمه.
ويعجبني قول بعضهم موريًّا: صوغ القريض على اختلاف رجاله ما بين خصبًا لا تعد وجوهرُ وإذا أردت بأن تفوز بدرِّه نظمًا فخذه من "صحاح الجوهري"
ولبعضهم: يا من يقول الشعر غير مهذب ويسومني التكليف في تهذيبه لو كان كل الخلق فيك مساعدي لعجبت من تهذيب ما تهزو به١
وقال بعضهم في فقد الأسباب: قالوا تركت الشعر قلت ضرورة باب الدواعي والبواعث مغلق خلت الديار: فلا كريمٌ يرتجى منه النوال، ولا مليح يعشق
وقال آخر: الشعر لا يخفى عليكم حاله قد بار - وا أسفاه - بعد نفاق٢ وارحمتا لبني القريض؛ فإنهم ماتوا، وهم أحيا من الإملاق٣
ونظم الشعر غير خاص بلغة الغرب؛ فإن كل لغة يمكن النظم فيها بمقتضى علم شعرها، نعم، فن العروض على الكيفية الخاصة به المدون عليها في لغة العرب وحصره في البحور الستة عشر المستعملة هو لخصوص اللغة العربية، وليس في اللغة الفرنساوية تقفية النثر، ومعرفة فن النظم لا تكفي في نظم الشعر، بل لا بد أن يكون الشاعر به سجية النظم سليقة وطبيعة، وإلا كان نفسه باردًا وشعره غير مقبول: إلى العربي مل في نظم شعر فذاك لسان أرباب الكمال فشعر الفرس أسكرنا بجام وشعر الترك طرز بالخيال
ولنذكر هنا خلاصة صغيرة من الأشعار ملخصة من أحسن القصائد والمقطعات فنقول: قد اشتهر أن أرق بيت قالته العرب في الغزل قول جرير: إن العيون التي في طرفها حور قتلتنا، ثم لم تحيين قتلانا يسلبن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
ولنذكر هنا حكاية لطيفة، وهي: إنه دخل أعرابيٌّ على ثعلب، فقال له: تزعم أنك أعلم الناس بالأدب؟ فقال: كذا يزعمون، فقال: أنشدني أرق بيت قالته العرب، وأسلسه فقال قول جرير: إن العيون إلى آخره، فقال: هذا الشعر غث رث، قد لاكه السَّفلة بألسنتها، هات غيره، فقال ثعلب: أفدنا من عندك يا أعرابيٌّ: فقال: قول مسلم بن الوليد صريع الغواني: نبارز أبطال الوغى فنبيدهم ويقتلنا في السلم لحظ الكواعب وليست سهام الحرب تفني نفوسنا ولكن سهام فوقت في الحواجب
فقال ثعلب لأصحابه: اكتبوها على الحناجر، ولو بالخناجر! فشعر مسلم ابن أبي الوليد أقوى حماسًا من قول جرير.
وأقول: إن نسبة القوة بينهما كنسبتها بين قول بعضهم: خطرات النسيم تجرح خديـ ـه ولمس الحرير يدمي بنانه
وقول ابن سهل الإسرائيلي: إني له عن دمي المسفوك معتذر أقول: حملته في سفكه تعبا
ومما يمكن نظمه في سلك قول مسلم بن الوليد قول بعضهم: نعد العذارى من دواهي زماننا وأقتلها أحداقها والمحاجر ونشكو إليها دائرات صروفه وأعظمها أطواقها والأساور
ويعجبني قول أمين أفندي الزللي في همزيته: واقرن صبوحك بالغبوق، ولا تدع فرص السرور بغدوة ومساء واعقد ببنت الحان، واجعل مهرها عقلي، وأشهد سائر الندماء واستجلها بكرًا تقلد جيدها بعقود درٍّ بل نجوم سماء
إلى أن قال: من كف ساق في لِماه ولحظه وحديثه نوع من الصهباء وبخده ورد حماه بأسهم عن قطفه باللحظ والإيماء
ويحسن هنا ذكر قول الشهاب الحجازي: لا وغصن راق للطرف ورق وعليه حلل الظرف ورق وشموس لم تغب عن ناظري والشعور الليل والخد الشفق وعيون حرمت نومي وما حللت لي غير دمعي والأرق ما احمرار الراح إلا خجلا من رضاب سكرت منه الحدق والذي قد حسبوه حببًا فوق خد الكاس قطرات العرق
ويعجبني قول بعضهم: لولا شفاعة شعرها في صبها ما واصلت وأزالت الأسقاما لكن تنازل في الشفاعة عندها وغدا على أقدامها يترامى
وينتظم في سلكه قول بعضهم: سل سيفًا من لحظه ثم أرخى وفرة وفرت عليه الحميلة٤ إن شكا الخصر طولها غير بدع لنحيل يشكو الليالي الطويلة
ومما يفوق قول الواو٥ الدمشقي أو يساويه: قالت الظعن يا هذا؟ فقلت لها: أما غدًا زعموا أولاً فبعد غد فأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت وردًا، وعضت على العُناب بالبَرد
وقول بعضهم: بنفسي بيضاء العوارض أقبلت بوجه كأن الشرق من حسنه غرب وبين الإزار الملوي حقف رملة٦ وبين الوشاح الملتوي غصن رطب وتحت لئام الخز أنفسها لظى٧ وفوق الرواد السكب لامعها سكب تبدت مع الأتراب تدعو على النوى٨ وإن لم يكن في الغانيات لها ترب تسيل على الخد الأسيل٩ دموعها وصب دموع العين يروي به الصب وقد وكلت إحدى يديها بقلبها مخافة أن يرفض من صدرها القلبُ١٠ فلما أجزن الجسر قمن وراءه كسرب من الغزلان ليس له سربُ١١ وعضت بِدُرّ الثغر فضةَ معصم يكاد يثنيه من الذهب القلب١٢ وكادت تحط الرحل لولا عزيمتي في جفون العين أسهمها الهدب
ومما بعد من الأشعار الرقيقة قول الشاعر: يصفرّ وجهي إذا تأمله طرفي فيحمر خده خجلاً حتى كان الذي بوجنته من دم جسمي إليه قد نقلا
ومما ينسب للخليفة هارون الرشيد: وإذا نظرت إلى محاسنها فلكل١٣ موضع نظرة نبل١٤ وتنال منك بحد مقلتها ما لا ينال بحده النصل شغلتك وهي لكل ذي بصر لاقى محاسن وجهها شغل فلقلبها حلم يباعدها عن ذي الهوى، ولطرفها جهل ولوجهها من وجهها قمر ولعينها من عينها كحل١٥
ومن أرق ما قيل أيضًا قول الشاعر: لاموا على صب الدموع كأنهم لا يعرفون صبابتي وولوعي فأجبتهم: وعد الخيال بزورة أفلا أرش طريقه بدموعي
ومما يعجب في الرثاء قول أي الطيب في أبي شجاع فاتك: يا من يبدل كل يوم حلة إني رضيت بحلة لا تنزع ما زلت تخلعها على من شاءها حتى لبست اليوم ما لا يخلع ما زلت تدفع كل أمر فادح حتى أتى الأمر الذي لا يدفع فظللت تنظر لا رماحك شرَّعٌ١٦ بين الأقام ولا سيوفك قطع بأبي الوحيد وجيشه متكاثر يبكي ومن شر السلاح الأدمع وإذا حصلت من السلاح على البكا فحشاك رحت به وخدك تقرع
إلى أن قال: من للمعاقل والجحافل والسرى١٧ فقدت بفقدك قميرًا لا يطلع ومن اتخذت على الضيوف خليفة ضاعوا ومثلك لا يكاد يضيع
وقوله أيضًا في فاتك المذكور: لا فاتك آخر في مصر نقصده ولا له خلف في الناس كلهم من لا تشابهه الأحياء في شيم أضحى تشابهه الأموات في الرمم عدمته وكأني سرت أطلبه فما تزيِّدني الدنيا على العدم
إلى أن قال: الدهر يعجب من حملي نوائبه وحمل جسمي على أحداثه الحطم١٨ وقت يضيع وعمر ليت مدته في أمته من سالف الأمم أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم
بالجملة والتفصيل فأحسن وأظرف سائر ما قيل: سلوت على الأحبة والمدام وملت عن التهتك والهيام وسلمت الأمور إلى إلهي وودعت الغواية بالسلام وملت إلى اكتساب ثواب ربي وقدمًا طال عزمي بالغرام وما أنا بعده معط عنان الـ ـهوى لكن ترى بيدي زمامي أبعد الشيب وهو أخو سكون يليق بأن أميل إلى غرام فشرب الراح نقص بعد هذا ولو من راحتي بدر التمام فكم أجريت في ميدان لهو خيول هوى وكم ضربت خيامي وكم قبلت وردًا من خدود وكم عانقت غصنًا من قوام سأوتي الكأس تعبيسًا وصدًا وإن جاءت تقابل بابتسام عزمت على الرجوع عن المناهي ومثلي من يدوم على اعتزام -------------------------------------------- ١ الصواب: ما تهذيبه، ليكون الجناس تمامًا. ٢ نفاق: مصدر نفق البيع: راج: ورغب الناس فيه. ٣ الإملاق: الافتقار. ٤ الحميلة: علاقة السيف. ٥ الصواب: الواواء. ٦ الإزار: كل ما سترك، والحقف: كل ما اعوج من الرمل واستطال. ٧ الخز: الحرير، واللظا: النار أو لهجها. ٨ الأتراب: جمع ترب وهو من ولد معه، والنوى: البعد. ٩ الأسيل: اللين الأملس الطويل. ١٠ ارفضّ: تفرق، وذهب. ١١ السرب من الغزلان: القطيع منها، وسرب (في آخر البيت) بمعنى البال والقلب والنفس. ١٢ يثنيه: يكون ثانيًا له، القلب (بالضم)، سوار المرأة. ١٣ الأصل: "فكل" وبه ينكسر الوزن ولعل الصواب ما ذكرناه، فلكل. ١٤ النبل: عظام الحجارة أو صغارها. ١٥ الكحل: سواد منابت شعر الأجفان خلقة. ١٦ شرع: مسددة، مصوبة. ١٧ الجحافل: جمع جحفل، وهو: الجيش العظيم. ١٨ الحطم: الشديدة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:59 pm عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المقالة السادسة الإثنين 29 يونيو 2020, 8:20 pm | |
| الفصل الثالث في فن الكتابة هو فن يعرف به التعبير عن المقصود بنقوش مخصوصة تسمى حروف الهجاء أو حروف المعجم، وأغلب الحروف الهجائية متفقة في سائر اللغات ومبدوءة بحرف الألف إلا عند الحبشة، فإن حرف الألف هو الثالث عشر، وصناعة الكتابة شديدة النفع عند سائر الأمم، وهي روح المعاملات وإحضار الماضي، وترتيب المستقبل ووصول المراد، ونصف المشاهدة، ثم إن العرب والعبرانيين والسريانيين يكتبون من اليمين إلى الشمال، والصينيون يكتبون من أعلى إلى أسفل، وتكتب الإفرنج من الشمال إلى اليمين، وهل الأوفق طبعًا الكتابة من اليمين إلى الشمال كما تكتب العرب وغيرهم ممن ذكرهم معهم، أو العكس كما تكتب الإفرنج؟
مما يدل على الأول ترتيب الأعداد فإنها مرتبة طبعًا، وهي تبتدئ من اليمين إلى اليسار؛ فالآحاد التي هي أجزاء العشرات تكون على يمين العشرات، والعشرات كذلك بالنسبة للمئات، وهي كذلك بالنسبة للألوف، وإذا كان الأعداد أصولاً لغيرها -يعني أشياء أولية اتفقت فيها الطبائع على اختلاف أصحابها- دل ذلك على أن مخالفتها مخالفة للأصل وثبت نقيضه وهو المُراد، وحاول الإفرنج فحملوا القراءة والكتابة على قراءة الأعداد وكتابتها فقط، فبرهنوا بهذا على أوفقية طريقتهم للطبع.
فمن باب أولى يُقال: إن الكتابة من أعلى إلى أسفل مخالفة لمقتضى الطبع ويُقال: إن العرب كانت تعرف الكتابة في زمن سيدنا أيوب عليه السلام، وقد وقع اختلاف في أن الحروف الهجائية هل هي من الأوضاع الإلهية أو من الأوضاع البشرية، وعلى الثاني فقد وقع الاختلاف في أنها من أوضاع أي مِلَةٍ، فقال بعضهم: إنها من أوضاع السريانيين أو من أوضاع قدماء المصريين، واستظهر الأول فعليه تكون انتقلت من السريانيين إلى اليونان، بدليل أن الحروف اليونانية هي عين السريانية إلا أنها انقلبت من الشمال إلى اليمين، ومن أهل اليونان أخذ الرومانيون حروفهم.
وجودة الخط لا تدل على الفضل، وعدم تأدية الكتابة حقها دليل على الجهل.
وقد تنازع الشعراء في التفضيل بين السيف والقلم، بين قلم الإنشاء والحساب.
وأشار المتنبي١ إلى تفضيل السيف في قوله: السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
وأشار السيوطي في كتاب الأوائل إلى تفضيل القلم على السيف حيث قال: الكتب عقل شوارد الكلم والخط خيط فرائد الحكم٢ بالخط نظم كل منتثر منها، وفُصِّل كل منتظم والسيف، وهو بحيث تعرفه فرض عليه عبادة القلم
وتمام رفع المنازعة في تاريخ الدول لابن الكردبوسي في قوله: قوام الملك٣ شيئان: السيف، والقلم، والثاني مقدم على الأول، وبرهن على ذلك، والظاهر أن يُقال في ذلك ما قيل في الكتابتين: من أن صناعة الإنشاء أرفع، وصناعة الحساب أنفع، فيُقال إن السَّيف أرفع من القلم، والقلم أنفع. -------------------------------- ١ البيتان الآتيان لأبي تمام في مطلع قصيدته التي هنأ بها المعتصم بعد عودته منتصرًا من غزوة في بلاد الروم. ٢ عقل الدابة: ربطها، وشوارد الكلم: نوادرها وغرائبها، فرائد الكلم! نفائسها. ٣ قوام الملك: عماده، وما يقوم به.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 11:59 pm عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المقالة السادسة الإثنين 29 يونيو 2020, 8:21 pm | |
| الفصل الرابع في علم البلاغة المُشتمل على البيان والمعاني والبديع وهو علم تحسين العبارة، أو علم تطبيق العبارة على مقتضيات الأحوال، والمقصود منه على العموم توصل الإنسان إلى الإفصاح عما في ضميره بفصيح الكلام وبليغه.
وهذا العلم بهذه الحيثية ليس من خواص اللغة العربية، بل قد يكون في أي لغة كانت من اللغات، فإنه يعبر عن هذا العلم في اللغات الإفرنجية بعلم "الريثوريقي" نعم هذا العلم في اللغة العربية أتم وأكمل منه في غيرها، خصوصًا علم البديع فإنه يشبه أن يكون من خواص اللغة العربية؛ لضعفه في اللغات الإفرنجية.
وبلاغة أسلوب القرآن الذين نزل إعجازًا للبشر من خصوصيات اللغة العربية، ثم إنه قد يكون الشيء بليغًا في لغة غير بليغ في أخرى، أو قبيحًا فيها، وقد تتفق بلاغة الشيء في لغتين أو لغات، كما إذا أردت أن تعبر عن رجل شجاع بأنه أسد، فتقول زيد أسد؛ فإن هذا مقبول في غير اللغة العربية كما هو مقبول فيها، وإذا أردت أن تعبر عن شخص حسن بأنه بديع الجمال، فتقول: هو شمس أو عن حمرة خده فتقول: خدوده تتلظى، فإن هذا التشبيه حسن في اللغة العربية، غير مقبول أصلاً في اللغة الإفرنجية، وكذلك ما يقال في الريف ونحوه.
مثل قول الشاعر: خليليَّ إن قالت بثينةُ: ما له أتانا بلا وعد؟ فقولا لها: لها سها، وهو مشغول بعظم الذي به ومن بات طول الليل يرعى السهاسها١ بثينة تزري بالغزالة في الضحى إذا برزت لم يبق يومًا بِها بَها٢ لها مقلة نجلاء كحلاءُ خِِلقة كأن أباها الظبيُ أو أمها مها٣ دهتني بودٍ قاتلي، وهو متلفي وكم قتلت بالودِّ مَن وُدُّها دَها٤ وماست بأعطاف لطاف تهزها فعاينت غصن البان من هزهازها٥ وقالت: وقد سارعت في السير دونها وقاطعت طرقًا دونها ومَهامِها سلافة ريق٦ عتقت، ثم روقت فمن لم يمت بالسكر من صفوها وهى وفي الشفة اللعسا دوا كل مدنف فإن كنت مشتاقًا إلى رشفها فها٧
فأغلب التشبيهات الموجودة في هذه الأبيات غير مقبولة عندهم؛ لأنهم يقولون إن الطبع لا يألف الريق مثلاً لكونه آيلاً إلى البصاق، وإذا شبهت بضع العذراء قبل افتضاضها بالوردة التي لم تفتح، ثم بعده بالوردة المفتوحة كان ذلك عظيمًا عند الفرنسيس، فمبنى البلاغة عندهم على ما يقبله الطبع، ويقال: نسبة علم البلاغة للبلاغة كنسبة العروض للشعر، فحينئذ قد توجد البلاغة عند من لا يحسن علمها، كما أنه قد يحسنه غير البليغ.
وأغلب نفع البلاغة يكون في الشعر والخطابات ونحوها من كتب الآداب والتواريخ وأعظم نفع ذلك العلم الموصل إلى معرفة أسرار التنزيل وإعجازه؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث في زمن شعر ونظم وكهانة، فأيَّده الله -سبحانه وتعالى- بالقرآن الذي لو: "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء: من الآية: ٨٨)، فظهر لأرباب العقول الصائبة أنه كلام قادر يقدر عليه، وأنه لا يشبه كلام المخلوقين، فآمنوا به، واتبعوه، إلا مَنْ حَقَّ عليه العذاب، فنزل القرآن الشريف على مُقتضيات الأحوال، وكانت سائر عباراته مناسبة للأحوال لفظًا ومعنى، وإذا أردت توضيح العلوم الثلاثة ومعرفة قواعدها فعليك بكتب المعاني والبديع. ------------------------------------ ١ السها: كوكب خفي في مجموعة "بنات نعش". ٢ الغزالة: الشمس. ٣ النجلاء: الواسعة، والمها جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية. ٤ دها: دهاء. ٥ الظاهر أن الصواب: ريقي؛ ليكون مقول القول، وعتق: قدم. ووهى الرجل: حمُق. ٦ المدنف: المريض. ٧ المدنف: المريض.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 12:00 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المقالة السادسة الثلاثاء 30 يونيو 2020, 12:13 am | |
| الفصل الخامس في المنطق هو علم يبحث فيه عن المعلومات التصورية والتصديقية من حيث توصيلها إلى غيرها، والمشهور أن واضعه "أرسطو الحكيم" المسمى أيضًا: "أرسطاطاليس" وفي كتب الفرنساوية أو أرسطاطاليس هو الذي كمل هذا الفن، وأن "أفلاطون" أيضًا هذبه، وأن "زنون" وضعه، ونسبة هذا العلم للجنان كنسبة النحو للسان، والعروض للنظم ونحو ذلك.
ولهذا العلم مبادٍ ومقاصد؛ فمباديه التصورات والتصديقات ومقاصده التعريفات والأقيسة، والتصور إدراك غير الحكم، وعكسه للتصديق فإذا تصورنا حقيقة الرجل من غير أن نحكم عليه بإثبات ونفى كان ذلك تصورًا، وإذا حكم عليه بأنه عالمٌ مثلاً فإنه يكون تصديقًا، والتصور قسمان: بسيط، مركب، فالتصور البسيط: إدراك الشيء مجردًا عن صفاته، والمركب: إدراك الشيء مع بعض صفاته، مثال الأول: ما إذا تصورت الإنسان ولم يخطر ببالك أنه متحرك، ومثال الثاني: ما إذا تصورته وميزته من الجماد بتحركه فالتصور لا يكون إلا في المفردات، كما أن التصديق لا يكون إلا في القضايا، والقضية، هي حكم يحصل بإثبات تصور إلى آخر، أو نفيه عنه، فالتصور المسند إليه الإثبات أو النفي يسمى: الموضوع، والتصور المسند إلى الموضوع مما تقدم يسمى: المحمول، والموضوع والمحمول يسميان جزئي القضية، وهذان الجزآن يجمعهما جزء ثالث يسمى رابطة، مثال ذلك ما إذا قلت: "زيد فصيح" فإن زيدًا هو الموضوع وفصيح هو المحمول، والرابطة مقدرة والتقدير زيد هو الفصيح، فإن الرابطة ظاهرة، ثم إن القضية إما كلية يعني مستغرقة لسائر الأفراد، كما إذا قلت: كل إنسان صنعة الله تعالى، وإما جزئية كما في قولك: بعض الحيوان إنسان، وكل من القضية الكلية والجزئية مسور.
وإمَّا شخصية وإمَّا مهملة؛ فالأولى كزيد قائم والثانية كالإنسان كاتب بقطع النظر عن الكلية والجزئية، وإمَّا طبعية: كما في قولك: الظلم رديء، والقضية أيضًا إمَّا بسيطة أو مركبة؛ فالقضية البسيطة ما كانت غير متعددة الموضوع والمحمول، كما في قولك: الفضيلة حميدة، والرذيلة ذميمة، وبخلافها المركبة؛ فهي ما تعدد فيها الموضوع فقط، أو المحمول فقط، أو هما معًا، كما إذا قلت: الفضيلة والرذيلة ضدان لا يجتمعان، ونحو ذلك، وإذا كانت القضية المركبة مصنوعة من عدة قضايا بسيطة فإنه يكفي في كذبها كذب بعض أجزائها، وأما التعريفات التي هي مقاصد التصورات ومصححات القضايا فإنها تنقسم إلى تعريف بالحد، وتعريف بالرسم، وتعريف لفظي، فمثال التعريف بالحد قولك: الإنسان حيوان ناطق، ومثال التعريف بالرسم قولك: الإنسان حيوان كاتب، ومثال التعريف اللفظي قولك: الإنسان هو الآدمي إذا فرضنا أن لفظ الآدمي أشهر وأعرف من لفظ الإنسان، ويمكن أن يجعل من هذا القسم الثالث سائر تفسير الألفاظ المترجمة من لسان إلى آخر، مثال ذلك: إذا قدرنا أن أعجميًا لا يعرف معنى كلمة الله، فإنه تعرفها له تعريفًا لفظيًا بقولك له: الله هو "خداي".
وكل من الحد والرسم ينقسم إلى تام، وإلى ناقص، على حسب كونه بالجنس، أو الفصل القريب أو البعيد، أو بالخاصة، أو بالعرض العام، كل منها منفردًا أو مجتمعًا، وهذا كله موضح في كتب المنطق.
وأمَّا القياس: وهو المقصود الأصلي من علم المنطق فهو ما يلزمه لذاته تصديق آخر، مثال ذلك: ما إذا قلنا إن الله -سبحانه وتعالى- لا بد أن يقتص من الظالم للمظلوم، فإنك تقول هكذا: الله -سبحانه وتعالى- حكم عدل، وكل من كان كذلك فإنه يقتص للمظلوم من الظالم، فتكون النتيجة هكذا: الله سبحانه وتعالى يقتص للمظلوم من الظالم، فمتى سلمنا القضيتين الأوليين فلا بد أن نسلم القضية الثالثة: والقضيتان الأوليان تسميان مقدمتين، وإحداهما تسمى صغرى، والأخرى كبرى، وروح القياس هو النتيجة.
والقياس يكون صحيحًا إذا كان صحيح المادة والصورة، وفاسدًا إذا فسدت إحداهما، والمراد بصحة المادة أن سائر قضاياه تكون صحيحة، والمراد بصحة الصورة أن يكون منظومًا على كيفية يكون إنتاجها ضروريًّا، والقياس الصحيح: هو المسمى بالحجة والبرهان، وأما القياس الفاسد أو البرهان الفاسد فيسمى سفسطة، وهو ما يشبه الصحيح وليس صحيحًا؛ لعدم ملازمة نتيجته الظاهرية للمقدمات الصحيحة.
وفي كتب الفرنسيس أن القاعدة التي ينبني عليها القياس الصحيح ويمتاز من السفسطة هي إثبات أصلين؛ أحدهما مبنى الصحة، والآخر مبنى الفساد، وهما أن المستلزم لشيء مستلزم لذلك الشيء، والنافي لشيء ناف لشيء آخر هو ناف لذلك الآخر، أو ناف للاثنين معًا، وكيفية تطبيق هذا على القياس أنك إذا سئلت عن الغضب: هل هو مذموم؟ فأردت أن تستدل على أنه مذموم، فإنك تبحث عن طرف القضية الذي هو الموضوع، فإنك ترى من جملة تعريف الغضب أنه عيب، فحينئذ كلمة غضب متضمنة لمعنى العيب فتركب مقدمة هكذا: الغضب عيب، ثم تقابل العيب مع الذم الذي هو محمول القضية، فإنك تجد أن العيب يستلزم الذم، فتقول: العيب ذميم، فإذا لما رأيت أن الغضب يسلتزم العيب، والعيب يستلزم الذم، فإنك تنتج منه أن الغضب ذميم، فكل قياس لا يمكن أن تطبقه على هذا الأصل فإنه يكون سفسطة، مثال ذلك أرسطو فيلسوف، وبعض الفلاسفة صالح، فأرسطو صالح، فإن الإنتاج فاسد، وذلك أن القضايا لا تستلزم النتيجة؛ لأنه لا يلزم من كون أرسطو هو أحد الفلاسفة، وأن بعض الفلاسفة صالح أن أرسطو صالح.
وبعض أجزاء القياس قد يحذف للعلم به، كما في قولك: الفضيلة حميدة، فينبغي كسبها.
والقياس إما حملي أو شرطي، فكل ما تقدم مثال للحملي، ومثال الشرطي: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودًا، لكن الشمس ليست بطالعة - تخرج النتيجة قائلة - فالنهار ليس بموجود، ومحل ذلك كتب المنطق.
ثم إن الإفرنج كما يطلقون الكلمات على قواعد اللغة الفرنساوية، ويسمون ذلك إعرابًا نحويًا، يطبقونها على قواعد المنطق ويسمون ذلك (إعرابًا) منطقيًا، فإذا أراد إنسان إعراب "زيد فاضل" إعرابًا نحويًا، فإنه يقول مثلاً: زيد مبتدأ وفاضل خبره، أو نحو ذلك مما يليق بقواعد نحوهم، وإذا أراد أن يعرب إعرابًا منطقيًا فإنه يقول: زيد موضوع، وفاضل محمول، وهذه القضية قضية شخصية، ويفعلون ذلك في سائر الجمل.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 12:00 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المقالة السادسة الثلاثاء 30 يونيو 2020, 12:17 am | |
| الفصل السادس في المقولات العشر المنسوبة إلى أرسطو من المعلوم أن أرسطاطاليس حصر الأشياء المتعقلة في عشر مراتب تسمى مقولات، فجعل المواد داخلة تحت الأولى، وجعل سائر الأعراض داخلة تحت التسعة١ الأخرى.
المقولة الأولى: مقولة الجوهر، وهو جسماني وروحاني.
الثانية: الكم وهو إما منفصل إذا كانت الأجزاء متفرقة مثل العدد، أو متصل إذا كانت الأجزاء مجتمعة، وهو إما متتابع مثل حركة الفلك، أو قار وهو المسمى العظم أو الامتداد للجسم، من الطول والعرض والعمق، فمن الطول وحده تتعقل الخطوط ومن الطول والعرض تتعقل السطوح، ومنها مع العمق يحصل الجسم التعليمي.
الثالثة: الكيف، وقسمه أرسطو إلى أربعة أقسام؛ فالأول: هو الاستعدادات يعني تهيئات العقل أو الجسم المكسوبة بالأعمال المتكررة مثل العلوم والفضائل، والرذائل، والقدرة على الكتابة والرسم والرقص، والثاني القوى الطبيعية: مثل قوة النفس والبدن؛ كالإدراك، والإرادة، وقوة الحفظ والحواس الخمسة والقدرة على المشي، والثالث القوى المشاهدة: مثل الصلابة، والرخاوة، والكثافة، والبرد، والحر، والألوان، والأصوات، والروائح، والأذواق، والرابع الصور، والأشكال التي ينتهي بها الكم مثل: الاستدارة والتربيع والكروية والتكعيبية.
الرابعة: مقولة الإضافة وهي النسبة بين شيئين مثل الأب، والابن، والمخدوم، والخادم، والملك، والرعية، وكنسبة القدرة والإرادة لمتعلقيهما، والبصر للمبصر بالقوة وكالنسبة التي تقتضي المشاركة، كالشبيه، والمساوي، والمباين، والأصغر، والأكبر.
الخامسة: مقولة الفعل، سواء كان قائمًا بالفاعل مثل: المشي، والقيام، والرقص، والمعرفة والعشق، أو واقعًا منه على غيره مثل الضرب، والقتل إلى آخره.
السادسة: مقولة الانفعال، مثل الانكسار، والانحراف.
السابعة: مقولة الأين؛ يعني جواب السؤال الذي يتعلق بالمكان مثل قولك: في مصر، في الحريم، في الفراش.
الثامنة: مقولة المتى، وهو جواب السؤال الذي يتعقل بالزمان، كما إذا قلت: متى كان موجودًا فلان؟ فقيل من منذ مائة سنة، أو متى وقع هذا؟ فقيل: البارحة.
التاسعة: مقولة الوضع، كحالة الجلوس، والوقوف، وكونه قبل، أو بعد، أو أمام أو على اليمين، أو على اليسار.
العاشرة: مقولة الملك، وهو وجود شيء مع الإنسان منسوب إليه؛ كاللباس، والزينة، والسلاح، فتعلق ذلك به وحوزه له هو هذه المقولة، فهذه المقولات العشر التي ذكرها أرسطو، وعدت من الأمور الخفيَّة، والإفرنج يقولون إنه ليس في معرفة هذه المقولات كبير فائدة، بل معرفتها مضرة لشيئين: الأول أن الإنسان يظن أنها مبنية على حكم عقلي ومحصورة بحصر استدلالي، مع أنها ليست إلا اصطلاحية جعلية، حصرها بعض الناس في هذه الأقسام ليظهر بها الرياسة على غيره، مع أنه يوجد في ذلك الغير من يمكنه أن يحصرها حصرًا آخر جديدًا، كما فعل ذلك بعض الناس من أنه حصر المقالات في سبعة.
وسمَّاها المواد العقلية: المادة الأولى: العقل أو الجوهر الدراك. الثانية: الجسم، أو الجوهر ذو الامتداد. الثالثة: القدر أو صغر كل جزء من أجزاء الهيولات. الرابعة: وضع الهيولات على التناسب بين أجزائها. الخامسة: صورة الأشياء. السادسة: الحركة. السابعة: السكون.
الشيء الثاني أن متعلمها يكتفي بمجرد ألفاظ وهمية ويظن أنه على شيء، مع أنه لم يعرف بها شيئًا له في الواقع معنى واضح محقق. --------------------------- ١ الصواب: التسع.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 12:00 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المقالة السادسة الثلاثاء 30 يونيو 2020, 12:25 am | |
| الفصل السابع في علم الحساب المُسَمَّى باللغة الإفرنجية الأرتيماطيقي١ اعلم أن "الأرتيماطيقي" هو أحَدِ العلوم الرياضية الخالصة؛ وذلك لأن حُكماء الإفرنج قسَّموا الرياضيات إلى خالصة وغير خالصة أو مختلطة، فالرياضيات الخالصة هي علم الحساب الغباري، والهوائي٢ وعلم الجبر، والمقابلة٣ وعلم الهندسة، ونحو ذلك وأمَّا الرياضيات المختلطة فهي: علوم الحيل، وفن تحريك الأثقال ونحوها، والرياضيات الخالصة هي ما تبحث عن الكميَّات، والأشياء القابلة للزِّيادة، والنُّقصان، والرياضيات المختلطة هي ما يدخلها أشياء خارجية من علم الطبيعة وغيره.
والحساب أهم العلوم الرياضية وقد دَلَّتْ كتب التواريخ على أن واضع هذا العلم أهل برور الشام، يعني: الصوريين، وقدماء أهل مصر - يعني أن هاتين الأمتين هما أول من جمع الأعداد والحساب، ونظماهما في عقد الترتيب، حتى إن فيثاغورس الحكيم رحل من بلاد اليونان على مصر، فتلقى فيها هذا العلم، ومما اشتهر بين السلف أن علم الحساب من مخترعات الصورتين ويُقال: إنهم أيضًا أول مَنْ استعمل القوائم والدفاتر.
والظاهر أن الأصابع هو أول الطرق التي استعملها الإنسان في الحساب، وأن ذلك هو السبب في كون أول عقد في العدد هو عقد العشرات، والثاني عقد عشرات العشرات التي هي المئات، والعقد الثالث عقد عشرات المئات أو الألوف وهكذا؛ لأن الأصابع عشرة، فكان الانتقال من عقد إلى آخر من عشرة إلى عشرة، ولَمَّا كانت الأصابع لا تكفي إلا في تمييز عشرة عشرة احتاج الأمر إلى طريقة أخرى، وعلامات أخرى فأخذوا صغار الحصى، وحبوب الرَّمل والقمح ونحوها، واستعملوها لضبط المعدودات، كما هو الآن عند بعض همل أمريكة، وبعض همل غيرها من أقسام الأرض، حتى إن بعض قدماء الأمم الماضين لا يوجد في لغاتهم ما يمكن التعبير به عمَّا فوق العشرات، فإنهم كانوا يعبرون عن مائة وسبعة وعشرين مثلاً، بقولهم: سبعة وعشرتان وعشرة عشرات؛ وذلك لأن الأقدمين كانوا يذكرون العدد الأصغر قبل الأكبر، فيبتدئون بالآحاد ثم بالعشرات ثم بالمئات، وهكذا، كما قال بعضهم: إنه يوجد في كتب العبرانيين واليانيين ما يدل على ذلك، وهو أيضًا أسلوب اللغة العربية فيما دون المائة، وأما الآن فقد تبحر الأمم في علم الحساب وتنوعوا وتفننوا فيه، حتى وصلوا إلى كماله، وحد علم الحساب علم يبحث فيه عن الأعداد من حيث ما يعتريها من الأعمال.
والعدد: اجتماع الآحاد، وهو قسمان؛ صحيح وكسر، وزاد بعضهم ثالثًا، وهو ما تركب منهما، وسماه عددًا مشتملاً على الكسور، ويتعلق بهذه الأعداد أعمال أربعة هي: الجمع، والطرح، والضرب والقسمة، وهي معلومة في كتب هذا الفن.
وأمَّا علم الهندسة، فموضوعه قياس الامتدادات الثلاثة التي هي الطول والعرض والعمق، كما أشرنا إليه في منظومتنا في علم الهندسة بقولنا: موضوعه قياس الامتداد فسِرْه بالثلاثة الأبعاد الطول والعرض كذا والعمق وشرح هذي غير مستحق
وأمَّا الجغرافيا، فقد تقدم منها نبذة في مقدمة الكتاب، وإنما ينبغي لنا هنا أن نذكر أقسامها، فنقول: إنه تارة ينظر إلى الأرض من جهة شكلها وسكونها أو تحركها، أو نسبتها لما عداها من الأجرام الفلكية، فتسمى الجغرافيا الرياضية أو علم هيئة الدنيا، وتارة تلاحظ من جهة مادتها الترابية أو المائية، وما يتعلق بذلك مما يظهر على سطحها مثل الجبال، فتسمى بالجغرافية الطبيعية أي: المتعلقة بطبيعة الأرض، وتارة ينظر إليها من جهة اختلاف أهلها في الدين والملة، فتسمى: بالجغرافيا الدينية، وتارة ينظر إليها من جهة اختلاف أهلها في التدبير والسياسة والرسوم والقوانين، فيسمى ذلك بالجغرافيا السياسية أو التدبيرية وتارة تعتبر من جهة التغيرات والتقلبات الحاصلة طولَ الأزمان المختلفة في الأرض وفي أجزائها، بالنسبة للدين والسياسة ونحو ذلك، ويسمى ذلك بالجغرافيا التاريخية.
وهذه هي الأصول، و(الأفالقسسة) غير حاصرة، ومَنْ أراد الكلام على ذلك فعليه برسالتنا المُسَمَّاة: "بالتعريبات الشافية" بمريد٤ الجغرافية فإنه موضح فيها غاية التوضيح، غير أنه ينبغي لنا هنا الكلام على مسألة من مسائل علم الجغرافيا الرياضية التي هي علم الهيئة، فنقول: الإفرنج قسَّموا الكواكب الفلكية إلى ثوابت وإلى سيَّارة، وإلى سيَّارة السَّيَّارة، وإلى ذوات الذنب، وعدُّوا الشَّمس من الثوابت، والأرض من السَّيَّارة، والقمر من سيَّارة السَّيَّارة، أي التابعة في السَّير للكواكب السَّيَّارة، وهذا المذهب يُسَمَّى عندهم مذهب "كبرنيق٥ النيمساوي".
وقد كشف المتأخرون منهم عِدَّةَ كواكب سيَّارة لم يظفر بها المتقدمون؛ لفقد الآلات عندهم، ووجودها لهؤلاء الإفرنج، فبذلك بلغت السَّيَّارات المعروفة عندهم أحد عشر، غير الشَّمس والقمر، فإن الأولى من الثوابت على رأيهم، والثاني من سيَّارة السَّيَّارة، ولنذكرها لك على حسب قُربها من الشَّمس، فنقول: هي: عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، و"وِستة" (بكسر الواو، سكون السين المهملة، وفتح التاء المثناة) أي: المجمرة السَّيَّارة، و"بونون" (بضم الباء والنون بعدها واو) وتُسَمَّى (زوجة المشترى) ويقال لها: بنت زحل، و"سريس" (بكسر السين والراء بعدها ياء مسكنة) ويقال لها: (أي السُّنبلة السَّيَّارة) و"بلاس" (بفتح الباء وتشديد اللام) ومعناه "أبو الفلق" والمشترك، وزحل، و"أورانوس" (بضم الهمزة وراء بعدها ألف ثم نون مضمومة) ومعناه الفلك الأعلى.
وهذه الكواكب الجديدة لا يمكن رصد دورانها على نفسها إلا بصعوبة؛ لصغر بعضها في رأي العين، وبُعد البعض الآخر، بل لا يمكن رصد ما عدا "أورانوس" إلا بالنظارات الفلكية؛ ولهذا سُمِّيَتْ عند الإفرنج بالسَّيَّارات النظارية، ويؤمل الإفرنج كشف غيرها من السَّيَّارات.
وأمَّا التاريخ فهو أيضًا مما ينبغي للإنسان الاطلاع عليه، لا سيما أرباب الدول، ولنذكر لك هنا نبذة لطيفة ذكرها هنا بعض المؤلفين من الإفرنج، فنقول:
التاريخ مدرسة عامة يقصدها مَنْ أراد من الأمم أن يفوز بالتعلم وهو أيضًا تجريبيات حوادث الأعصر التي تساعد الحال الراهنة، من جهة اشتماله على عبر محفوظة يعين المرء على التفكر في ظاهر الآتي، فمنه يعتبر من اعتبر من جميع الناس أيًّا ما كان مقامهم؛ لما أنه يظهر على رءوس الأشهاد الآثار الرديئة المترتبة على تشاجرهم واختلافهم، ومثل هذه الصورة المهولة تحملهم على التخلق بالأخلاق الحميدة مثل الحلم والعدل.
ومن التاريخ يفهم الملوك أنه في زمن سلطة ملك حَسَن التدبير ينبغي أن تكون شوكة الملك وكراسيه ظلاً ووقاية قال "بسوه": "لو فرض أن التاريخ لا ينفع غير الأمراء، فإنه يجب قراءته للأمراء، ولكن إنما يفتح التاريخ للعاقل كنوزه؛ ليفهم منها خفياته ورموزه، فيشغل فكره مدة قراءته عن تغيرات معيشة الإنسان الباطنة، ثم ينتقل من ذلك إلى مادة أهم من ذلك، فتنكشف له سلاسل الزمن العديدة التي تمس حلقتها الأخيرة خلق العالم، أو ليس أن هذه السلاسل كميدان عظيم يطلع الإنسان فيه دفعة واحدة على جميع الأمم والدول وأزمان كل؟ فانظر إلى هذا المحفل العظيم المحتوى على أرباب سعود ونحوس، فكم فيه من مدائن دمرت، ومن دول انقرضت، ومن ممالك ذهبت واندثرت، ومن محال خربت، ومن مقابر عمرت! فكأن كل شيء يؤول إلى القبور، وهي التي تعلو وحدها على ميدان الأرض! فكم تظهر زينة الحياة الدنيا هينة حقيرة إذا نظر الإنسان من سماء التاريخ! وكم يظهر أن الجمعية التي في زماننا يسيرة هينة بجانب جمعيات أهالي القرون والإعصار، فشتان بين ملوك عصرنا الذين يمكن للناظر أن يقيس عظمها المحسوس، وملوك تلك الأزمنة التي يظهر للأعين كأنهم جبال مرفوعة على دائرة أفق الأعصر السالفة! وانظر ما تكون حروبنا الوقتية، وحبنا للعلو والشرف المؤقتين، عجائب منازعة السلف من مبدأ العالم، على مكان من الأمكنة، أو على شبر من أرض، فمن نظر حق النظر في عجائب التاريخ فإنه يكتسي بثياب الجد، ويتجرد من ملابس الهزل، ويصعد على ذروات النظر فيرى تحت رجليه أن العالم بأسره أشبه ببحر محيط، تسبح فيه سفن آمال الخلق وأمانتهم من غير دفة، عرضة للرياح الشديدة، وينتهي أمرها إلى الانكسار على ما يصادمها من الشعوب، ولا تجد من المراسي ما ترسو عليه غير فرضات القدم! فإذا نظرت من هذا المحل ترى بعين مجردة عن الطمع حطام الدنيا الفانية، والمدح الباطل المقصودين المرغوبين لكثير من الناس كلاشيء، أو ليس أن للدهر نكبات، وتغيرات في جميع ما وهبه وأعطاه، فأي مملكة أمنَّا على كرسيها من السقوط؟ وأي دولة أيسنا على تختها من الارتفاع؟ أوَما رأينا أن الهيكل الواحد يتداول على محرابه عدة أديان متباينة؟ وكم ارتكبت الرذائل حيث كانت الفضائل قاطنة؟ وكم من قواعد فخر وغنى آل أمرها إلى أن أعقبها الفقر والحقارة؟ وكم شوهد أن الخشونة والتمدن يمشيان بهرولة على سطح الكرة، ويتبادلان على أجزائها من غير تخلل وساطة بينها؟ وكيف قد آل أمرك أيُّتها المدائن التي كانت عامرة ببلاد آسيا، وقد كنت تحكمين على جميع الأمم يا مدن "نينيويونس"، و"بابل" السحر؟ أو "يا اصطخر" فارس، و"تدْمُر" سليمان، كيف صارت الآن مجالك خرابًا، وقد كنت كراسي دول العلوم فلم يبق لك من فخارك القديم، وبهائك الجسيم غير الاسم وبعض رسم من حجر! ومع ذلك فلم يحل ببلد من بلاد الدنيا، من النكبات العجيبة والبلايا الغريبة، مثل ما حل بمصر المباركة المصابة بالشقاء التي كانت خيولها تسبق سالفًا خيول سائر الممالك في الركض في ميادين الفخار والعلم والحكمة! فكأن الدهر أراد أن يصب على هذه البلاد - دفعة واحدة - إما نعيم الإنعام، أو عذاب الانتقام، مع أنه لم يكن من الأمم مثل قدماء مصر، في كونهم بذلوا جهدهم في الجلوس على مباني هياكلهم المشيدة، وأرادوا بذلك أن يكونوا مؤبدين، فبادوا جميعًا وانقرضوا، حتى إن أهل مصر الموجودين الآن ليسوا جنسًا من أجناس الأمم، بل هم طائفة متجمعة من مواد غير متجانسة، ومنسوبون إلى عدة جنوس مختلفة، من بلاد آسيا وأفريقية، فهم مثل خليط، من غير قياس مشترك، وتقاطيع شكل صورهم لا تتقوم منها صورة متحددة بها يعرف كون الإنسان مصريًا من سحنته، فكأنما سائر بلاد الدنيا اشتركت، في تأهيل بر النيل!؟ انتهى مترجمًا من مقدمة "الخواجا أكوب" في تاريخ مصر.
وعلم التاريخ واسع، وإن شاء الله -تعالى- يصير التاريخ على اختلافه منقولاً من الفرنساوية إلى لغتنا وبالجملة فقد تكفلنا بترجمة علمي التاريخ والجغرافيا بمصر السعيدة بمشيئته تعالى. ------------------------------------ ١ L’Arithmétique. ٢ يريد بالحساب الغباري: ما يقوم به الحاسب على التراب والرمل، وبالهوائي ما يقم به على الهواء. ٣ يريد بالمقابلة المعادلات الجبرية. ٤ الصواب: "لمريد". ٥ وفي الأصل كيرنيق وهو خطأ. Copernic
|
| | | | المقالة السادسة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|