كيف ننصر نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم)؟
• سؤال يجب أن يسأله كلٌ محبٍّ صادقٍ في محبته لهذا النبيِّ الكريم -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لنفسه، وهو: كيف انصر هذا النبيَّ الكريم -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟ كيف أذبُّ عن عرضه الشريف -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟

• وكيف أردُّ على حملات التشويه الظالمة، والإساءة الغاشمة، التي يتعرَّض لها شخصه الكريم -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في الشرق والغرب؟

• وماذا يجب عليَّ وفاءً بِحَقِّهِ وتأكيدًا لِمَحَبَّتِهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟

• وقبل أن أجيبك على هذا السؤال؛ لتسأل نفسك:  مَنْ اتَّصَفَ بكل هذه الصِّفات الرَّائعة العظيمة التي بلغت الكمال البشري- أليس جديرًا بأنْ يُحَبَّ؟!!

• فكيف إذا عَلِمْتَ أنَّهُ يُحِبُّكَ؟!! بل كيف إذا عَلِمْتَ أنَّهُ يشتاقُ لك ويتمنَّى رؤيتكَ (322)؟!! بل ويبكي من أجلك خَوْفًا عليكَ وشفقةً بِكَ (323)؟!

• لا أشُكُّ لَحْظَةً أنَّكَ ستقولُ مِنْ كُلِّ قلبكَ وكيانكَ: بلى، أحِبُّهُ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.

• عندها سأقول لك: إنَّ مُجرَّد محبَّته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لا تكفي وحدها!! بل لابد أنْ تحقق حقيقة قول نبيك وحبيبك -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَّبَّ إلِيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ" (324).

• وهذا هو الجواب على كل الأسئلة المتقدمة: لكي ننصر نبيَّنا وحبيبنا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لابدَّ أولاً أن نحقق في أنفسنا حقيقة محبته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وأن يكون حبُّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أعظم في قلوبنا من كلِّ حبٍّ؛ بل أعظم من محبينا أنفسنا، وأن نجعل ذلك الحبَّ واقعًا ملموسًا مشاهدًا لا زعمًا.

• حبَّاً كذاك الحبِّ الذي ملأ قلب الصِّدِّيق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حتى وجد ري َّظمأ حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في جوفه حقيقة لا ادعاء ولا مبالغة؛ فرضي لذلك!!

• يحكي أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عن رحلة الهجرة مع حبيبه من مكة إلى المدينة؛ فيقول: "مررنا براعٍ وقد عطش رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فحلبت كثبةً من لبنٍ في قدحٍ، فشرب حتَّى رضيت... " (325).

بالله ما أعظم وأصدق هذا الحب!: "فشرب حتَّى رضيت"!!
وكيف يرضى الصِّدِّيق إلا وقد ذهب العطش عن حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟!!

وكأنَّ أبا بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، هو الذي ارتوى؛ فذهب عطشه، والصِّدِّيق الذي جاء بالصدق وصدَّق به، لا يبالغ في حديثه، ولا يقول إلا ما وجده حقيقة!!

• وهو نفسه الحبُّ الذي ملأ كيان هذا الصحابي كلَّه؛ حتى لا يكاد يصبرُ على رفاق حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فيرجع لينظر إلى وجهه الشريف -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؛ بل إن هذا الشوق يتجاوز حدود الزمان والمكان؛ ليمتد إلى يوم القيامة، حتى وهو في الجنة!! فيقول له: يا رسول الله، والله إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحبُّ إليَّ من أهلي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك؛ فما اصبر حتى آتيك؛ فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك؛ عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألَّا أراك... (326)!!

• وهو نفسه الحبُّ الذي ملأ قلب بلال -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حتى جعله يستعذب الموت فرحًا مستبشرًا لقدومه؛ لأنه سيمكنه من رؤية حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-!!

تقول امرأته عند احتضاره: واويلاه! ويقول هو: وافرحاه! غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه (327)!!

• وهو الحُبُّ الذي جعل زيد بن الدَّثنة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يؤثر الموت راضيًا مطمئنًا، على أن تصيب حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- شوكةٌ تؤذيه وهو في مجلسه!! يقول له أبو سفيان -وقد أخرجوه من الحرم ليقتلوه- فيسأله حين قدم ليقتل: أنشدك الله، يا زيد، أتحبُّ أنَّ محمّدًا عندنا الآن في مكانك، نضرب عنقه، وأنَّك في أهلك؟ قال: والله، ما أحبُّ أنَّ محمّدًا الآن في مكانه الَّذي هو فيه، تصيبهُ شوكةٌ تؤذيه، وأنَّي جالسٌ في أهلي. قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من النَّاس أحدًا يُحبُّ أحدًا؛ كحبِّ أصحاب محمّدٍ محمَّدًا!! (328).

• وهو نفسه الحُبُّ الذي ملأ قلب سعد بن الرَّبيع؛ فجعل نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وفداءه بالمهج والأرواح، هي آخر وصية يوصي بها قومه الأنصار، وهو يجود بنفسه شهيدًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-!!

يقول زيد بن ثابت -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: بعثني رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يوم أحد أطلب سعد بن الربيع. قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو بآخر رمق، وبه سبعون ضربة؛ ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت: يا سعد! أنَّ رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عنِّي السَّلام، وقل له: إنَّ سعد بن الرَّبيع يقول لك: جزاك الله عنَّا خير ما جزى نبيَّاً عن أمّته، وأبلغ قومك عنِّي السَّلام، وقل لهم: إنَّ سعد بن الرَّبيع يقول لكم: إنَّه لا عذر لكم عند الله، إن خلص إلى نبيّكم -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وفيكم عينٌ تطرف، وفاضت نفسه من وقته (329).

• فأيُّ عُذْرٍ تعتذر به اليوم أمَّةَ المليار، وقد خلص إلى رسولها -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- واجترأ عليه الأراذل والسفهاء؟!!

• إن الحُبَّ الحقيقي لرسولنا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إذا لامس شغاف قلوبنا حقًا وصدقًا، وأصبح حقيقة لا دعوية لابدَّ وحتمًا أن يصبح واقعًا ملموسًا نعيشه، ونلمس آثاره في أخلاقنا، وفي سلوكنا وفي اهتماماتنا، وفي حياتنا كلِّها.

• إن هذا الحُبَّ يدفعنا أول ما يدفعنا إلى نصرة دين حبيبنا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وأن نبذل لأجل الدعوة إليه، والحفاظ عليه، مهجنا وأرواحنا، وشعارنا هو كلمة أعظم محبٍّ وأصدق محبٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يوم تعرض دين محبوبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- للخطر؛ فصاح صيحته الخالدة: إنَّه قد انقطع الوحي، وتمَّ الدِّين، أينقص وأنا حيٌّ؟! (330).

• وما أفقه إمام دار الهجرة، وفقيه الإسلام -رحمه الله-، وهو يقول: "من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أنَّ محمدًا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- خان الرّسالة، لأنَّ الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3) فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا" (331).

• فليت شعري كيف يدعي محبته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أقوامٌ؛ ثم هم أولُ معول هدمٍ لشريعته ومحاربة سنته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؛ بالابتداع في دينه بدعوى محبته، متجاهلين تحذيره الشديد -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "إياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة" (332)؟!!

• فالمُحِبُّ الصادق لرسوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الذي يريد نصرته بحقٍ، حريصٌ على إتباعه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في كل شئونه، والاحتكام إلى شريعته الطاهرة، والرضا بها، والتسليم التام لها، وتعظيم سنته الشريفة.

• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يطيعه في نهيه عن الغلو فيه، ولا يُنزله فوق منزلته، التي أنزله الله إياها، ورضيها له ربُّه عزَّ وجلَّ؛ وهي أنه عبد الله ورسوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.

• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حرصٌ أشدَّ الحرص على أن يتعرف على سنَّة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وعلى سيرته الشريفة، وأن يعلِّمها أولاده وأهله وزملاءه في العمل.

والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، يحرص أشدَّ الحرص على التأسي بأخلاقه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الكريمة وخصاله الشريفة، ليعطي صورة مشرفة لدينه ودعوته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، ولينعم بالقرب منه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ويحظى بجواره يوم القيامة، تلك المنزلة العالية التي لا تُنال إلا بحسن الخلق، كما أخبر -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بذلك؛ فقال: "إن َّمن أحبِّكم إليَّ، وأقربكم منِّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" (333).

• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لا تفارق محبته -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قلبه طرفة عينٍ، فهو دائمًا يستحضر عظيم فضله وإحسانه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عليه، وعلى كلِّ واحد منا؛ فقد بلغنا الرسالة أتم البلاغ، وأدى الأمانة أحسن الأداء، ونصح الأمة أعظم النصح وأصدقه.

• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يحبُّ أهل بيته الكرام الأخيار الأبرار؛ من أزواجه وذريَّته وقرابته الأطهار، ويواليهم ويجلُّهم، ويبغض كلَّ من يبغضهم، أو ينتقص من قدرهم.

ويا لها من كلمة مُحِبٍّ ما أصدقه وأصدقها: "والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي" (334)!!

• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، يحبُّ أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ويوقِّرهم، ويقتدي بهم، ويهتدي بهديهم، ولا يذكرهم إلَّا بالجميل، ويكفُّ عمَّا شجر بينهم، ويدعو ويستغفر لهم، ويعتقد فضلهم على من جاء بعدهم، في العلم، والعمل، والمنزلة، ويبغض كلَّ من يبغضهم، أو ينتقص منهم.

أيا ساكني أكناف طيبة كلكم     إلى القلب  من أجل الرسول حبيب

والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبة -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، يحبُّ العلماء الربانيين، والدعاة الصادقين، ويقدِّرهم، ويعرف لهم فضلهم ويقدرهم، ويطيعهم في المعروف، ولا يتتبَّع زلَّاتهم، ويرجع إليهم في الملمَّات، ويصدر عن فتاويهم في المهمَّات، وينشر حسناتهم، ويذبُّ عنهم؛ لمكانتهم وصلتهم بميراث حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.

• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لا يكلُّ ولا يملُّ من ترطيب لسانه وتعطيره، بكثرة الصلاة والسلام على حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في كلِّ حينٍ، ويبادر إلى ذلك عند سماع اسمه الشريف -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.

وكيف يملُّ ويكلُّ؟! والصلاة على الحبيب -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- هي جلاء الأبصار، ونور البصائر، وبهجة القلوب، وراحة الأرواح، وقرة العيون، وانشراح الصدور، وهي جالبة السرور، وبها ذهاب الهموم والغموم، وهي مسك المجالس، وطيب الحياة، وزكاة العمر، وجمال الأيام، وهي علامة الحبِّ، وشاهد المتابعة، وبرهان الموالاة، والبخيل كلّ البخيل من ضنَّ بها (335)، والذلُّ والرَّغام مصير من امتنع عنها (336).
 
• والمُحِبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يغار على محبوبه أن يسئ إليه أو ينتقصه أحدٌ، كائنًا من كان، ويغضب لذلك أشدَّ الغضب؛ ولكنَّه غضبٌ إيجابي، وليس غضبًا مندفعًا بلا رشد أو هدف.

غَضَبٌ يتأسَّى فيه بمُحِبٍّ صادقٍ، وقف في وجه أبيه، عندما أساء إلى حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فمنع أباه من دخول المدينة، وقال له: والله، لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، لتعلم أيهما الأعزُّ من الأذلِّ: أنت أم رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؟! فيقول له أبوه: تصنع هذا بأبيك؟!... فمرَّ رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وعبد الله واطئٌ على يد راحلة أبيه، وابن أبيِّ يقول: لأنا أذلُّ من الصبيان، لأنا أذلُّ من النساء، فقال رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: "خلِّ عن أبيك" فخلَّى عنه، وقال له: "أما إذا أذن لك رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، فجز الآن" (337). فيمنع أباه من دخول مدينته، حتى يأذن له حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ليعلم أبوه- ولتعلم الدنيا كلُّها- أن العزَّة لله ولرسوله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وأن الذي تجرأ على الإساءة لمقام حبيبنا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لا مكان له بيننا، ولا كرامة له أبدًا.

• هذا هو الغضب الذي نريده من المُحبِّ الصادق؛ ليدفعه لأن يترك بعض مألوفاته ومحبوباته...

• غضبٌ يجعل كلَّ محبٍّ يعلنها واضحةً مجلجلةً: والله، لا يدخل جوفي شيءٌ من بلدٍ أساء إلى حبيبي وقرة عيني -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حتى يأخذوا على يد من سوَّلت له نفسه الخبيثة فعل ذلك؛ ليكون عبرةً لكلِّ من تسوِّل له نفسه الخبيثة الإساءة إلى حبيبنا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مرة ثانية.

وليعلموا أن رسولنا وحبيبنا -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أحبُّ إلينا من آبائنا وأمهاتنا وأولادنا!! بل من أنفسنا وأرواحنا ومهجنا؛ فكيف ببطوننا وملذاتنا وبعض شهواتنا؟!!

إمام المرسلين فداك روحي
وأرواح الأئمة والدعاة
رسول العالمين فداك عرضي
وأعراض الأحبة والتقاة
ويا علم الهدى يفديك عمري
ومالي يا بني َالمكرمات
وعرضك عرضنا ورؤاك فينا
بمنزلة الشهادة والصلاة
رفعت منازل وشرحت صدرًا
ودينك ظاهرٌ رغم العداة
وغرسك مثمرٌ في كل صقع
وهديك مشرقٌ في كل ذات
وأعلى الله شأنك في البرايا
وتلك اليوم أجلى المعجزات
رحيمٌ باليتيمة والأسارى
رفيقٌ بالجهول والجناة
كريمٌ كالسَّحاب إذا أهلَّت
شجاعٌ هدَّ أركان البغاة
بليغٌ علَّم الدنيا بوحي
ولم يقرأ بلوح أو دواة
حكيمٌ جاء باليسرى شفيقٌ
فلانت منه أفئدة القساة (338)

• وأخيرًا، فالمُحبُّ الصادق الذي يريد نصرة حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يعتزُّ بعقيدته وشريعته، ويتميَّز بشخصيته وفكره، ويأنف أن يكون إمَّعة مُقلدًا لأنماط وعادات سلوكية وفكرية، لأناس لا يؤمنون بدينه، ولا يُعظِّمُونَ حبيبه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-.
***