(60) الجلسة الثانية من المؤتمر:
في اليوم التالي لليوم الذي عُقِدت فيه الجلسة الأولى للمؤتمر اجتمع جميع الأعضاء مَرَّةً أخرى، ولَمَّا انتظم عقد الجمع قام الكونت “هيجيكان” خطيبًا وقال ما معناه: إننا نرجو منكم أيها الأعضاء الأفاضل أن لا تدخلوا بنا في مضائق يَعْسُرُ علينا الخروج منها، وإلَّا ضاعت الفائدة المقصودة من عقد هذا المؤتمر؛ إذ الغرض الوحيد هو الوقوف عند دين نتخذه الدِّينَ الرسميَّ للحكومة اليابانية، وإنِّي أرى كما يرى غيري مِمَّنْ حضروا هذا الاجتماع من الأمَّة اليابانية أن الوقت أضيق من أن يسع كُلَّ هذا التطويل في المناقشات، ثُمَّ جلس وقام بعده المندوب العثُمَّاني، وبدأ يشرح بأوضح عبارة ويُبَيِّنُ الحِكَمَ والآدابَ التي يرمي إليها الدِّينُ الإسلاميُّ في كُلِّ تعاليمه من سُنَنٍ وفرائض وغير ذلك من المُعتقدات الإسلامية وأفاض في هذا الموضوع، حتى استوفى المقام نصيبه من الإيضاح والتبيين، ولا داعي لذكر ما فاه به الآن؛ حيث إن الوقت لا يساعد على ذلك.

ثُمَّ قام بعده المندوبون الإيطاليون، فالألمانيون، وواحد أمريكاني، وكل واحد منهم خطب بما في وسعه في أصول وقواعد الديانة المسيحية، وبعد أن انتهى كُلُّ خطيب من كلامه جاء دور المناقشات فتناقش الأعضاء فيما بينهم، وإنِّي وإنْ كُنْتُ قد دَوَّنْتُ أغلبَ المواضع التي دارت فيها المناقشات فإنِّي أرى من اللائق عدم ذكرها كما هي خشية الإطالة أولًا، وخشية أن يتهمني بعض المسيحيين بالتعصُّبِ الدِّيني ثانيًا، الأمر الذي أتجنبه، وإن لم يكن حذرًا من هذه التهمة فلأجل أن في هذا الوقت الحالي كثُر القيل والقال في موضوع التعصُّب الذي اتهمت أوروبا به المُسْلِمين ظلمًا، وعدوانًا، وزورًا وبهتانًا.
•••
هذا ولَمَّا انتهى الأعضاء المُنتدبونَ من المُناظرة والمُناقشة قام جناب الكونت “كاتسورة” وقال ما مَفَادُهُ: أيُّهَا السَّادَةُ المُنتدبُون الأفاضل إننا الآن قد وقفنا على الغرض المقصود لنا، ولا نرى حاجة إلى إعادة البحث والمناقشات، بيد أن الغرض الذي أشَرْتُ إليه مُتفرِّقٌ بيننا؛ فمِنَّا مَنْ استحسن الدِّينَ الإسلاميَّ واعتنقه، ومِنَّا مَنْ استحسنَ الدِّين المسيحيَّ واعتنقه، ومِنَّا مَنْ فَضَّلَ شريعة بوذا، ومِنَّا مَنْ بقي على شريعة “كونفوشيوس” وغير خَافٍ على حضراتكم أنَّ حُرِّيَةَ الأديان مُطلقة في بلادنا فكُلُّ فرد من اليابانيين يعتنقُ الدِّينَ الذي يختارهُ بلا إكراه ولا إجبار كما أنه لا حرج عليه إذا اعتنق دينًا ثُمَّ عَدَلَ عنه إلى غيره، وإنِّي بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن جلالة إمبراطورنا المُعَظَّم وسائر إخواني الذين حضروا هذا المجتمع أقدِّم لحضراتكم جميل تشكراتنا وممنونيتنا على حُسْن عنايتكم بالقيام بما عُهِد إليكم، وكما أني أخُصُّ كُلَّ فرد منكم بهذا الشكر وهذا الثناء كذلك أرجو أن تبلِّغوا بالنيابة عن جلالة الميكادو وسائر الأمَّة اليابانية إلى مُلوككم الفخام الذين اختاروكم لهذه المهمة كُلَّ عبارات الثناء والإطراء والولاء الخالص، ثُمَّ إن إرادة جلالة الإمبراطور اقتضت أنْ يَنْفَضَّ المؤتمرُ، وقد اكتفينا الآن بما سمعناه من الخُطباء، وإذا رأى جلالته أن يُعَادَ انعقاد المؤتمر مَرَّةً أخرى، فعلنا كما فعلنا في هذه المَرَّةِ وطلبنا رسميًّا من الدُّوَلِ والحُكُومَاتِ إرسال مندوبين.         

وإنِّي أُعْلِنُ انفِضاضَ المؤتمر باسم جلالة الميكادو، كَمَا أُعْلِنَ افتتاحه باسم جلالته أولًا، وعلى هذا انتهت مُهِمَّةُ المندوبين ولم يُعقَد المؤتمر بعدها إلى هذا الحين.