(57) السبب في انعقاد المؤتمر:
كأن الحرب الروسية اليابانية كانت بمنزلة المرآة لدى اليابانيين نظروا فيها إلى هيأتهم الاجتماعية، فرأوا فيها المجد والفخار وسائر الصفات التي تسمو بالرجال إلى أعلى مراتب العِزَّةِ والمَنَعَةِ، ولكنهم رأوا فيها شيئًا لم يرضوه لأنفسهم ألا وهو الدِّين، رأوا معتقداتهم الأصلية التي اتبعوا فيها آباءهم وأجدادهم ليست منطبقة على العقل، فأنِفوا من أن يكونوا مع هذا الفخر الباهر غير متدينين بدين يوافق رُقيَّهم المادي والأدبي.

ولذلك اجتمع الكبراء، والوزراء، والعلماء منهم وتباحثوا في شأن اتخاذ دين من الأديان يقبله العقل ويكون دينها الرسمي فكان مِمَّنْ حضر هذا الاجتماع البارون “سوتانعو” وزير الداخلية سابقًا، فوافق على هذا الاقتراح وقال إنَّ أمَّة متمدِّنة مثلنا يجب عليها أن تتخذ لها دينًا مبنيًّا على قواعد صحيحة، وأصول لا تدع في النفوس ريبًا، ولكن أدع إلى غيري اختيار الطريقة التي بها نصل إلى المرغوب، فقال الكونت “كاتسورة” رئيس الوزراء سابقًا: إن الرأي عندي هو أننا نرسل إلى الدول المتمدِّنة خطابات رسمية؛ ليرسلوا إلينا العلماء والفلاسفة من المشترعين في دياناتهم ومتى وصلوا إلينا عقدنا مؤتمرًا دينيًّا تدور فيه المناقشة والمباحثة في فلسفة الأديان، ويشرح كُلُّ أهل دين قواعده، ومتى اهتدينا إلى الدِّين الصحيح اعتنقناه وجعلناه ديننا الرسمي.         

فصادق على هذا الرأي الكونت “جرافوش” وصرَّح بأنه هو الرَّأي الذي كان يَدُورُ بِخَلَدِهِ من قبل أن يُفتَح باب الكلام في هذا الموضوع.

ومما قاله الكونت “جرافوش” إن رجلًا من أهل الصين المُسْلِمين يُدعَى “حسان نيوس” حضر إلى اليابان في شهر أغسطس سنة 1905 ومعه كتاب في الديانة الإسلامية ألَّفه، وفيه بيانات كافية وأدلَّة مُنصِفَة حتى إني استحسنتُ هذه الديانة، ولكن ظروف الأحوال حالت دون أن يُسمَح لهذا الرجل بنشر كتابه؛ إذ الأمَّة اليابانية لم تكن في هذا الوقت بحثت عن دين تعتنقه، أمَّا الآن وقد عزمتم على عقد مؤتمر ديني يكون جامعًا لعلماء وفلاسفة كُلِّ دين فإني أوافق على هذا كُلَّ الموافقة، كما أني أرى أنّض الأمَّة متى رأتكم شرعتم في أمرٍ كهذا فهي تابعة لرأيكم.

وبما أن حرية الأديان مطلقة فكُلُّ إنسان منا يعتنق الدِّين الذي يرتضيه، وهذا هو رأيي الخصوصي في هذا الموضوع.

ولم يكد يفرغ المستر “جرافوش” من كلامه، حتى أقَرَّ جميع من حضروا هذا الاجتماع على وجوب إرسال الخطابات الرسمية إلى الدول، لأجل انعقاد المؤتمر وفي مقدمة الذين صادقوا على هذا الاقتراح جناب الكونت “هيجيكان”، والبارون “سون”، والأول من أصدقاء الميكادو، ويُعَوَّلُ عليه في كُلِّ الأمور الهأمَّة ذات البال، والثاني هو وزير المالية سابقًا، ولا يَقِلُّ عنه في الثقة لدى الميكادو، والاثنان قد بلغا في الآداب والحكمة ومعرفة ضروب السياسة مبلغًا عظيمًا بين سائر أكابر الأمَّة اليابانية، وبعد هذه المداولة والمفاوضة عُرِض الأمرُ على جلالة الميكادو فوافقهم على ذلك وأصدر أمره الرسمي بإرسال الخطابات إلى الدول العظمى، وكان في مقدمة الدول دولتنا العليَّة ودولة فرنسا، وإنكلترا، فإيطاليا، فالولايات المتحدة، فألمانيا، ولَمَّا أُبْلِغت هذه الدول أمر الميكادو أرسلت الوفود من رؤساء كُلِّ مذهب ودين، وإن كانت كُلُّ هذه الدول عدا دولتنا العليَّة تجتمع في الدِّين المسيحي ولكن السبب في إبلاغ كُلِّ دولة على حدتها هو اختلافها في نفس الدِّين المسيحي من خصوص المذهب؛ لأن منهم: كاثوليك، وأرثوذكس، وبورتوستنت.

ولَمَّا حضر الوفود قُوبِلوا بكُلِّ حفاوة وإجلال، وأول جلسة عُقِدت من المؤتمر كانت في أول شهر مارس سنة 1906.