المرأة العلوية وبناتها اليتامي
كان بعض العلويين نازلاً ببلخ من بلاد العجم وله زوجة علوية وله منها بنات...

وكانوا في سعة ونعمة فمات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء...

واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ومضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين:
جمع على رجل مسلم وهو شيخ البلد وجمع على رجل مجوسي وهو ضامن البلد.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1) - العقد الفريد.


فبدأت بالمسلم وشرحت حالها له وقالت أنا امرأة علوية ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة وأريد الليلة قوتهم.
فقال لها: أقيمي عندي البينة إنك علوية شريفة.         
فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها وأخبرته أن معها بنات أيتام وهي امرأة شريفة غريبة وقصَّت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم.
فقام وأرسل بعض نسائه وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام وألبسهن أفخر اللباس وباتوا عنده في نعمة وكرامة.         
قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت وقد عقد اللواء على رأس النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان..
فقال: يا رسول الله لمن هذا القصر؟ قال لرجل مسلم موحد.
فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أقم عندي البينة أنك مسلم موحد.
قال فبقي متحيراً فقال له -صلى الله عليه وسلم-: لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة إنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة إنك مسلم فانتبه الرجل حزيناً على رَدِّهِ المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها حتى دُلَّ عليها أنها عند المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له: أريد منك المرأة الشريفة العلوية وبناتها.
فقال: ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني.
قال: خذ مني ألف دينار وسلمهن إليَّ فقال: لا أفعل فقال: لا بد منهن.
فقال: الذي تريده أنت أنا أحق به والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي.
أتدلُّ عليَّ بالإسلام؟
فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية ورأيت مثل الذي رأيت في منامك وقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العلوية وبناتها عندك؟
قلت: نعم يا رسول الله قال: القصر لك ولأهل دارك وأنت وأهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمناً في الأزل.
قال فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله.

التعليق:
انظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام ما أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله".
قال الراوي أحسبه قال: "وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر" والساعي عليهم هو القائم بأمورهم ومصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى.         
وفقنا الله لذلك بمنه وكرمه إنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم.