منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الإسراء الآيات من 056-060

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 056-060   Empty
مُساهمةموضوع: سورة الإسراء الآيات من 056-060    سورة الإسراء الآيات من 056-060   Emptyالجمعة 31 يناير 2020, 1:26 am

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الله تعالى يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: قل للذين يُعارضونك في الوحدانية إذا مسَّكم ضُرٌّ فلا تلجأوا إلى مَنْ تكفرون به، بل الجأوا إلى مَنْ زعمتم أنهم شركاء وآمنتم بهم.

فإنهم لن يستمعوا إليك؛ لأن الإنسان بطبعه لا يخدع نفسه، ولو علموا أن الذين يتخذونهم آلهة من دون الله ينفعونهم في شيء لما دَعَوْا ربهم الذين يكفرون به وتركوا الذين يؤمنون بهم، لماذا؟

لأن الإنسان لا يتمرد ولا يطغى إلا إذا كان مُسْتغنياً بكل ملكاته، بمعنى أن تكون ملكاته كلها على هيئة الاستقامة والانسجام، فإذا اختلتْ له ملكة من الملكات ضَعُفَ طغيانه، وحاول أن يستكمل هذا النقص، وحينئذ لن يخدع نفسه بأن يطلب الاستكمال مِمَّن لا يملكه، بل يطلبه ممَّنْ يعتقد أنه يملكه.

لذلك يقول تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ..) (الإسراء: 67).

وقال: (وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ..) (الزمر: 8).

لماذا؟

لأن ما أصابه من ضُرٍّ أضعفه، وكسر عنده غريزة الاستعلاء والاستكبار، لقد كفر بالله من قبل حينما حمله التكاليف، ولكن الآن وبعد أن نزل به الضُّر وأحاط به البلاء فلابُدَّ أن يكون صريحاً مع نفسه لا يخدعها.

وضربنا لهذه المسألة مثلاً بحلاق الصحة عند أهل الريف في الماضي وكان مسئولاً عن صِحَّة الناس، ويقوم مقام الطبيب في هذا الوقت، فإذا ما عُيِّن بالقرية طبيب هاجمه الحلاق وأفسد ما بينه وبين الناس، وأشاع عنه عدم العلم وقِلَّة الخبرة ليخلوَ له وجه الناس، ولا يشاركه أحد في رزقه، ومرَّت الأيام وأصيب الحلاق بضُرٍّ، حيث مرض ولد له، فإذا به يحمله خُفْيةً بليْل، ويتسلل به إلى الطبيب، ولكن سرعان ما ينكشف أمره ويُفتضح بين الناس.

إذن: الإنسان في ساعة الضر لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها، فقل لهم: إذا مسكم الضر فاذهبوا إلى مَن ادعيتم أنهم آلهة وادعوهم، فإنهم لن يستجيبوا ولن يدعوهم، ولو دَعَوْهم فلن يكشفوا عنهم ضرهم: (فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ) (الإسراء: 56).

وقوله تعالى: (وَلاَ تَحْوِيلاً) (الإسراء: 56) أي: ولا يملكون تحويل حالكم من الضر إلى النفع أو النعمة أو الرحمة، أو: لا يملكون تحويل هذا الضر إلى أعدائكم، فهم -إذن- لا يملكون هذه ولا هذه.

فالحق سبحانه يُلقِّن رسوله -صلى الله عليه وسلم- الحجة، ليوضح لهم أنهم يغالطون أنفسهم، ويعارضون مواجيدهم وفطرتهم، فإن أصابهم الضر في ذواتهم لا يلجأون إلى آلهتهم؛ لأنهم يعلمون أنها لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً، ولن تسمعهم، وإن سمعتهم -فرضاً- ما استجابوا لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، بل يلجأون إلى الله الذي يملك وحده كَشْف الضُّر عنهم.

ثم يقول الحق سبحانه: (أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ...).



سورة الإسراء الآيات من 056-060   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 056-060   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 056-060    سورة الإسراء الآيات من 056-060   Emptyالجمعة 31 يناير 2020, 1:27 am

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فهؤلاء الذين تعتبرونهم آلهة وتتخذونهم شركاء لله، هؤلاء أيضاً عبيد لله، يتقربون إليه ويتوسَّلون إليه، فالمسيح الذي أشركتموه مع الله، وكذلك الملائكة هم عباد لله: (لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ..) (النساء: 172).

هؤلاء لا يرفضون ولا يتأبَّوْن أن يكونوا عباداً لله، ويريدون التقرُّب إليه سبحانه، فكيف -إذن- تتوجهون إليهم بالعبادة وهم عباد؟

وقوله تعالى: (يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ) (الإسراء: 57) أي: يطلبون الغاية والقربى إليهتعالى (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أي: كلما تقر ّب واحد منهم إلى الله ابتغى اللهَ أكثرَ من غيره وأقبل عليه، فإذا كان الأقرب إلى الله منهم يبتغي القُرْبى، فما بال الأبعد؟

وقوله تعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الإسراء: 57).

أي: يجب الحذر منه وتجنُّب أسبابه؛ لأن العذاب إذا كان من الله فلا فِكاكَ منه ولا مهرب، وأيضاً فالعذاب يتناسب مع قدرة المعذِّب ضعفاً وشدة، فإذا نُسِب العذاب إلى الله فلا شكَّ أنه أليم شديد، لا طاقة لأحد به، كما قال تعالى: (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102).

والحق سبحانه قد أوضح لنا مسألة الوحدانية في آيات كثيرة، ولم يطلب منا الاعتراف بها إلا بعد أنْ شهد بها لنفسه سبحانه، وبعد أن شهد بها الملائكة وأولو العلم، قال تعالى: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ..) (آل عمران: 18).

فشهد الله سبحانه شهادة الذات للذات، وشهدتْ الملائكة شهادة المشهد والمعاينة، وشهد أولو العلم شهادة الاستدلال، فهذه شهادات ثلاث قبل أنْ يطلب مِنّا الشهادة.

وبهذه الشهادة أقبل الحق سبحانه على مزاولة سلطانه وقدرته في الكون، وما دام (لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ) يقول للشيء: كُنْ فيكون، قالها لأنه يعلم أنه لا إله إلا هو، وبها يحكم على الأشياء ويُغيِّر من وضع إلى وضع، فإنْ صحَّتْ هذه الشهادات الثلاث فقد انتهت المسألة.

وإنْ لم تصح وهناك إله آخر فأين هو؟!

إنْ كان لا يدري فهو إله نائم لا يصلح لهذه المكانة، وإنْ كان يدري فلماذا لم يطالب بحقه.

إذن: فهذه الدَّعْوى قد سلمتْ للحق سبحانه لأنه لم يدَّعها أحد لنفسه، فهي للحق تبارك وتعالى حتى يقوم مَنْ يدعيها لنفسه.

قال تعالى: (قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً) (الإسراء: 42).

أي: لو كان للكون إله آخر لطلبوا هذا الإله الذي استقرتْ له الأمور واستتبّ له الحال، ليُجادلوه في هذه المسألة، أو لطلبوه ليتقربوا إليه.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً...).



سورة الإسراء الآيات من 056-060   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 056-060   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 056-060    سورة الإسراء الآيات من 056-060   Emptyالجمعة 31 يناير 2020, 1:29 am

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٥٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ساعةَ أنْ تسمعَ (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ) فاعلم أن الأسلوب قائم على نفي وإثبات، فالمعنى: لا توجد قرية إلا والله مُهلِكها قبل يوم القيامة، أو مُعذِّبها عذاباً شديداً، لكن هل كل القرى ينسحب عليها هذا الحكم؟

نقول: لا. 

لأن هذا حكم مطلق والإطلاقات في القرآن تُقيّدها قرآنيات أخرى، وسوف نجد مع هذه الآية قول الحق سبحانه: (ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) (الأنعام: 131).

وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117).

فهذه آيات مُخصِّصة تُوضِّح الاستثناء من القاعدة السابقة، وتُقيِّد المبدأ السابق والسور العام الذي جاءت به الآية، فيكون المعنى -إذن- وإنْ من قرية غير غافلة وغير مُصلِحة إلا والله مُهلكها أو مُعذِّبها.

وقوله: (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا) (الإسراء: 58).

(مُهْلِكُوهَا) أي: بعذاب الاستئصال الذي لا يُبقِي منهم أحداً.

(مُعَذِّبُوهَا) أي: عذاباً دون استئصال.

لأن التعذيب مرحلة أولى، فإنْ أتى بالنتيجة المطلوبة وأعاد الناس إلى الصواب فبها ونِعْمتْ وتنتهي المسألة، فإنْ لم يقتنعوا وأصرُّوا ولم يرتدعوا وعاندوا يأتي الإهلاك، وهذا واضح في قول الحق سبحانه: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).

والواقع أن في حاضرنا شواهدَ عدة على هذه المسألة، فلابُدَّ لأيِّ قرية طغتْ وبغَتْ أن ينالها شيء من العذاب، والأمثلة أمامنا واضحة، ولا داعيَ لذكرها حتى لا ننكأ جراحنا.

وطبيعي أن يأتي العذاب قبل الإهلاك؛ لأن العذاب إيلام حيّ يشعر بالعذاب ويُحِسّ به، والإهلاك إذهاب للحياة، وهذا يمنع الإحساس بالعذاب.

وباستقراء تاريخ الأمم السابقة نلاحظ ما حاق بهم من سُنّة إهلاك الظالمين، فقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط نزل بهم عذاب الله الذي لا يُرَدُّ عن القوم الكافرين، ولكنه كان عذاب استئصال؛ لأن الأنبياء في هذا الوقت لم يكونوا مُطَالَبين بحمل السلاح لنشر دعوتهم، فكان عليهم البلاغ، والحق سبحانه وتعالى هو الذي يتولّى تأديب المخالفين.

إلا إذا طلب أتباع النبي الجهاد معه لنشر دعوته، كما حدث من أتباع موسى عليه السلام: (إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ..) (البقرة: 246).

وهكذا طلب بنو إسرائيل القتال وحَمْل السلاح، ولكن حذّرهم نبيهم، وخشي أنْ يفرضَ عليهم ثم يتقاعسوا عنه، وهذا ما حدث فعلاً ولم يَبْق معه إلا قليل منهم، وهذا القليل سرعان ما تراجع هو أيضاً واحداً بعد الآخر.

إذن: الهِمَّة الإنسانية في هذا الوقت لم يكُنْ عندها استعداد ونضج لأنْ تحملَ سلاحاً في سبيل الله، فكان على الرسول أنْ يُبلِّغ، وعلى السماء أنْ تُؤدِّب بهذا اللون من العذاب الذي يستأصلهم فلا يُبقي منهم أحداً.

أما في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد رحمنا ربنا تبارك وتعالى من هذا العذاب، فقال: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ..) (الأنفال: 33).

وهذه من كرامات الله تعالى لرسوله، فلم يأخذ قومه بعذاب الاستئصال، لماذا؟

لأن رسولهم آخر الرسل وخاتم الأنبياء، وسوف يُنَاطُ بهم حَملُ رسالته ونَشْر دعوته، والانسياح بمنهج الله في شتى بقاع الأرض.

ذلك لأن الحق -سبحانه وتعالى- حينما يرسل منهجه إلى الأرض يُقدِّر غفلة الناس عن المنهج، ويُقدِّر فكرة التأسِّي بالجيل السابق، فهذان مُعوِّقان في طريق منهج الله، يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ..) (الأعراف: 172-173).

فأوضح لنا الحق سبحانه أن الإنسان يتخبّط أو ينحرف عن المنهج، إما بسبب غفلة، أو بسبب تقليد أعمى لأُسْوة سيئة، فأول مَنْ تلقى عن الله آدم، ثم بلّغ ذريته منهج الله، وبمرور الأجيال حدثتْ الغفلة عن بعض المنهج نتيجة ما رُكِّب في الإنسان من حُبٍّ للشهوات، وهذه الشهوات هي التي تصرفه عن منهج ربه، فإنْ حدثت غفلة في جيل فإنها سوف تزداد في الجيل التالي، وهكذا؛ لأن الجيل سيقع تحت مُؤثِّرين: الغفلة الذاتية فيه، والتأسي بالجيل السابق.

إذن: بتوالي الأجيال وازدياد الغفلة عن المنهج لابُدَّ أن الحق سبحانه سيبعث في مواكب الرسل مَنْ يُنبّه الناس.

ومن هنا كانت أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خَيْر أمة أُخرِجَتْ للناس: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..) (آل عمران: 110) لماذا؟

(تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ..) (آل عمران: 110) فخيرية هذه الأمة ناشئة من حَمْل رسالة الدعوة، وقد كرَّم الله أمة محمد بأنْ جعل كل مَنْ آمن به يحمل دعوته إلى يوم القيامة، لقد بلّغ الرسول مَنْ عاصروه من أمته، وعلى أمته أن تُبلّغ مَنْ بعده؛ لذلك يشهد علينا رسول الله، ونشهد نحن على الناس.

وفي الحديث الشريف: "نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فَرُبَّ مُبلَّغ أَوْعَى من سامع“.

وهكذا تظل في الأمة هذه الخيرية وتحمل دعوة رسولها حيث لا رسول من بعده إلى يوم القيامة، ولأهمية هذا الدور الذي يقوم به المسلمون في كل زمان ومكان يُنبِّهنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مسألة هامة في مجال حَمْل الدعوة ونَشْرها، فيقول: "إن كل واحد منكم يقف على ثغرة من ثغرات هذا الدين، فإيَّاكم أن يؤتَى الدين من ثغرة أحدكم".

أو كما قال.

فليعلم كل مسلم أنه محسوب للدين أو عليه، فالعيون تتطلع إليه وتَرْصُد تصرفاته في مجتمعه، فهو صورة للدين وسفير له، وعليه أن يراعي هذه المسئولية ويقوم بها على أكمل وجه ليكون أداة جَذْب، وليكون وجهاً مشرقاً لتعاليم هذا الدين.

فأنت حارس على باب من الأبواب، وعليك أنْ تسدَّه بصدق انطباعك عن الإيمان، وبصدق انقيادك لقضايا الإسلام، وبهذا السلوك تكون وسيلة إغراء للآخرين الذين يراودهم الإيمان، ويتراءى لهم منهج الله من بعيد.

ويحلو للبعض أن يأخذوا الإسلام بجريرة أهله، ويحكموا عليه بناءً على تصرفات المنتسبين إليه، وهذا خطأ، فَمنْ أراد الصورة الحقيقية للإسلام فليأخذْها من منابع الدين في كتاب الله وسنة رسوله، فإنْ رأيتَ بين المنتسبين للإسلام سارقاً فلا تقُلْ: هذا هو الإسلام؛ لأن الإسلام حرَّم السرقة، وجعل لها عقوبة وحَدّاً يُقَام على السارق، وليس لأحد أن يكون حجة على دين الله.

لذلك فإن كبار العلماء والمفكرين الذين درسوا في الدين الإسلامي لم ينظروا إلى تصرُّفات المسلمين وحاضرهم، بل أخذوه من منابعه الأصلية.

ومنهم "جينو" الفرنسي الذي قال: الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل أن أعرف المسلمين.

لأنه في الحقيقة لو اطلع على أحوالنا الآن لَكَان في المسألة كلام آخر.

إذن: الذين نظروا إلى قضايا الإسلام نظرة عَدْل وإنصاف لابُدَّ أن يهتدوا إلى الإسلام، لكن منهم مَنْ نظر إليه نظرة عَدْل وإنصاف إلا أنهم أبعدوا قضية التديّن من قلوبهم، وإن اقتنعتْ بها عقولهم، وفَرْق كبير بين القضية العقلية والقضية القلبية.

ومن هؤلاء الكاتب الذي ألَّفَ كتاباً عن العظماء في التاريخ وأسماه: "العظماء مائة أعظمهم محمد بن عبد الله" وهو كاتب غير مؤمن، لكنه أخذ يستقرئ صفحة التاريخ، ويسجِّل أصحاب الأعمال الجلية التي أثَّرت في تاريخ البشرية، فوجدهم مائة، وبالمقارنة بينهم وجد أن أعظمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك لم يتربَّ محمد في مدرسة، ولم يتخرج في جامعة، ولم يجلس إلى مُعلم.

ألم تسأل نفسك أيها المؤلف: من أين أتى محمد بهذه الأوليّة؟

ولماذا استحق أن يكون في المقدمة؟

لقد ذكرتَ حيثيات النبوغ في جميع شخصياتك، من تربية ودراسة في جامعات وعلى أساتذة وإطلاع وأبحاث، فلماذا لم تذكر حيثيات النبوغ في رسول الله؟

ألم تعلم أنه أُميّ في أمة أُميّة؟

مما يدل على أن هذا الباحث تناول هذه القضية بعقله لا بقلبه.

نعود إلى مسألة الإهلاك والعذاب؛ لأنها أثارتْ خلافاً بين رجال القانون في موضوع إقامة حَدِّ الرجْم على الزاني المحصن والجَلْد للزاني غير المحصن، فقد رأى جماعة منهم أن الجلد ثابت بالقرآن، أما الرجم فثابت بالسنة، لذلك قال بعضهم بأن رجم الزاني المحصَن سنة.

وهذا قول خاطئ وبعيد عن الصواب، لأن هناك فرقاً بين سُنية الدليل وسُنية الحكم، فسُنية الدليل أن يكون الأمر فَرْضاً، لكن دليله من السنة كهذه المسألة التي معنا.

وكصلاة المغرب مثلاً ثلاث ركعات وهي فَرْض لكن دليلها من السنة، أما سُنية الحكم فيكون الحكم نفسه سُنة يُثَاب فاعله، ولا يُعَاقب تاركه كالتسبيح ثلاثاً في الركوع مثلاً.

إذن: فرجْم الزاني المحصَن فَرْض، لكن دليله من السنة، فالسُّنية هنا سُنية دليل، لا سنية حكم.

فمَنْ يقول: إن الرجْم لم يَرِدْ به نصٌّ في كتاب الله، نقول: الدليل عليه جاء في السنة، وهي المصدر الثاني للتشريع، حتى على قول مَنْ قال بأن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع، ففي القرآن: (وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ..) (الحشر: 7).

إذن: ففِعْل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كنصِّ القرآن سواء بسواء، وهل رجم في عهد رسول الله أو لم يرجم؟

رجم فعلاً في عهد رسول الله، فإنْ قال قائل: فهذا ليس نصّاً في الرجْم.

نقول: بل الفعل أقوى من النص؛ لأن النص قد تتأول فيه، أما الفعل فهو صريح لا يحتمل تأويلاً.

ودليل آخر على فرضية الرجم، وهو الشاهد في هذه الآية، في قوله تعالى عن إقامة الحد على الأمة: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ..) (النساء: 25).

فيقولون: الرجْم لا يُنصَّف.

إذن: ليس هناك رَجْم.

نقول: أنتم لم تُفرِّقوا بين الرجم وبين العذاب، فالرجم إماتة، والعذاب إيلام لحيٍّ يشعر ويُحِسُّ بهذا الإيلام، والمقصود به (الجَلْد).

إذن: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ..) (النساء: 25) أي: من الجَلْد، وهو الذي يُنصَّف، ولو كان الحكم عاماً لَقَال: فعليهن نصف ما على المحصنات.

فقوله: (مِنَ ٱلْعَذَابِ..) (النساء: 25) دليل على وجود الرَّجْم الذي لا فَرْق فيه بين حُرة وأمة.

وكذلك نلحظ التدرج من العذاب إلى الإهلاك في قول سليمان -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- حينما تفقّد الطير، واكتشف غياب الهدهد: (لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ..) (النمل: 21).

ولسائل أنْ يسأل: هل لابُدَّ للقرى الظالمة أن ينالها الإهلاك أو العذاب قبل يوم القيامة؟

نعم لابُدَّ أن يمسَّهم شيء من هذا؛ لأن الله تعالى لو أخَّر كل العذاب لهؤلاء إلى يوم القيامة لاستشرى الظلم وعمَّ الفساد في الكون، وحين يرى الناس الظالم يرتع في الحياة، وينعم بها مع ظلمه لأغراهم ذلك بالظلم، أما إذا رأوه وقد حاق به سوء عمله، ونزلت به النوازل لارتدعوا عن الظلم، ولَعلِموا أن عاقبته وخيمة، ولن يفلت الظالم من عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة.

أما لو تأخر عذاب الظالمين إلى الآخرة، فالوَيْل مِمَّنْ لا يؤمنون بها.

لذلك لما مات رَأْسٌ من رؤوس الظلم في الشام، ولم يَرَ الناس عليه أثراً لعذاب أو نقمة، قال أحدهم: إن وراء هذه الدار داراً يُجَازى فيها المحسن بإحسانه، والمسىء بإساءته؛ لأنه يستحيل أنْ يُفلِتَ الظالم من العذاب.

وفي مناقشتي مع الشيوعيين في بروكسل قلت لهم: لقد قسوتُمْ على المخالفين لكم من الرأسماليين والإقطاعيين عام 1917 وما بعدها، فقالوا: إنهم يستحقون أكثر من ذلك، فقد فعلوا كذا وكذا، قُلْت: منذ متى؟

قالوا: طوال عمرهم وهم يفعلون ذلك، فقلتُ: إذا كنتم أخذتم المعاصرين لكم بذنوبهم، فما بال الذين سبقوهم؟

وما حظّهم من العقاب الذي أنزلتموه بإخوانهم؟

قالوا: ما أدركناهم.

قلت: إذن كان من الواجب عليكم أنْ تؤمنوا باليوم الآخر، حيث سيعذب فيه هؤلاء، فإنْ أفلتوا من عذاب الدنيا جاءت الآخرة لتُصفّي معهم الحساب، كما يقول تعالى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ..) (الطور: 47) وأريد منكم أنْ تطلعوا على تفسير هذه الآية التي نحن بصددها: (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً) (الإسراء: 58).

راجعوا تفسيرها في كتاب النسفي، وسوف تجدون به أمثلة تُؤيّد هذه الآية، يقول: قرية كذا سيحدث لها كذا، وقرية كذا سيحدث لها كذا.

وقد جاء الواقع على وفق ما قال، إلى أن ذكر مصر وقال عنها كلاماً طويلاً أظن أنه يُمثِّل ما أصاب مصر منذ سنة 1952، وكان مما قال عنها: ويدخل مصر رجل من جهينة فويْلٌ لأهلها، وويل لأهل الشام، وويل لأهل أفريقيا، وويل لأهل الرملة، ولا يدخل بيت المقدس.

اقرأوا هذا الكلام عند النسفي.

ثم يقول تعالى: (كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً) (الإسراء: 58).

أي: مُسجّل ومُسطّر في اللوح المحفوظ، ولا يقول الحق سبحانه: (كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً) (الإسراء: 58) وتأتي الأحداث بغير ذلك، بل لابُدَّ أنْ يؤكد هذه الحقائق القرآنية بأحداث كونية واقعية.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ...).



سورة الإسراء الآيات من 056-060   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 056-060   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 056-060    سورة الإسراء الآيات من 056-060   Emptyالجمعة 31 يناير 2020, 1:30 am

وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الآيات: جمع آية، وهي الأمر العجيب الذي يلفت النظر ويسترعى الانتباه، وهذه الآيات إما أن تكون آيات كونية نستدل بها على قدرة المدبِّر الأعلى سبحانه مثل المذكورة في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ..) (فصلت: 37).

وقد تكون الآيات بمعنى المعجزة التي تثبت صِدْق الرسول في البلاغ عن ربه تعالى، وقد تكون الآيات بمعنى آيات القرآن الكريم، والتي يسمونها حاملة الأحكام.

فالآيات إذن ثلاثة: كونية، ومعجزات، وآيات القرآن.

فأيها المقصود في الآية: (وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ) (الإسراء: 59).

الآيات الكونية وهي موجودة لا تحتاج إلى إرسال، الآيات القرآنية وهي موجودة أيضاً، بقي المعجزات وهي موجودة، وقد جاءت معجزة كل نبي على حَسْب نبوغ قومه، فجاءت معجزة موسى من نوع السحر الذي نبغ فيه بنو إسرائيل، وكذلك جاءت معجزة عيسى مما نبغ فيه قومه من الطب.

وجاءت معجزة محمد -صلى الله عليه وسلم- في الفصاحة والبلاغة والبيان؛ لأن العرب لم يُظِهروا نبوغاً في غير هذا المجال، فتحدّاهم بما يعرفونه ويُجيدونه ليكون ذلك أبلغ في الحجة عليهم.

إذن: فما المقصود بالآيات التي منعها الله عنهم؟

المقصود بها ما طلبوه من معجزات أخرى، جاءت في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ..) (الإسراء: 90-93).

والمتأمل في كل هذه الاقتراحات من كفار مكة يجدها بعيدة كل البُعْد عن مجال المعجزة التي يُراد بها في المقام الأول تثبيت الرسول، وبيان صِدْق رسالته وتبليغه عن الله، وهذه لا تكون إلا في أمر نبغ فيه قومه ولهم به إلمام، وهم أمة كلام وفصاحة وبلاغة، وهل لهم إلمام بتفجير الينابيع من الأرض؟

وهل إسقاط السماء عليهم كِسَفاً يقوم دليلاً على صدْق الرسول؟

أم أنه الجدل العقيم والاستكبار عن قبول الحق؟

إذن: جلس كفار مكة يقترحون الآيات ويطلبون المعجزات، والحق سبحانه وتعالى يُنزِل من المعجزات ما يشاء، وليس لأحد أن يقترح على الله أو يُجبره على شيء، قال تعالى: (قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يونس: 16).

فالحق تبارك وتعالى قادر أن يُنزل عليهم ما اقترحوه من الآيات، فهو سبحانه لا يُعجِزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولكن للبشر قبل ذلك سابقة مع المعجزات.

والحق سبحانه يقول: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا) (الإسراء: 59).مبصرة: أي آية بينة واضحة.

لقد طلب قوم ثمود معجزة بعينها فأجابهم الله وأنزلها لهم، فما كان منهم إلا أن استكبروا عن الإيمان، وكفروا بالآية التي طلبوها، بل وأكثر من ذلك ظلموا بها أي: جاروا على الناقة نفسها، وتجرّأوا عليها فعقروها.

وهذه السابقة مع ثمود هي التي منعتنا عن إجابة أهل مكة فيما اقترحوه من الآيات، وليس عَجْزاً مِنَّا عن الإتيان بها.

وقوله تعالى عن الناقة أنها آية (مُبْصِرَةً) لبيان وضوحها كما في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً..) (الإسراء: 12) فهل آية النهار مُبصِرة، أم مُبْصَر فيها؟

كانوا قديماً يعتقدون أن الإنسان يرى الشيء من شعاع ينطلق من عينة إلى الشيء المرئيّ فتحدث الرؤية، إلى أن جاء ابن الهيثم وأثبت خطأ هذه المقولة، وبيّن أن الإنسان يرى الشيء إذا خرج من الشيء شعاع إلى العين فتراه، بدليل أنك ترى الشيء إذا كان في الضوء، ولا تراه إذا كان في ظلمة، وبهذا الفهم نستطيع القول بأن آية النهار هي المبصرة؛ لأن أشعتها هي التي تُسبّب الإبصار.

ثم يقول تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) (الإسراء: 59).

أي: نبعث بآيات غير المعجزات لتكون تخويفاً للكفار والمعاندين، فمثلاً الرسول -صلى الله عليه وسلم- اضطهده أهل مكة ودبَّروا لقتله جهاراً وعلانية، فخيّب الله سَعْيهم ورأوا أنهم لو قتلوه لَطالبَ أهله بدمه، فحاكوا مؤامرة أخرى للفتك به بليل، واقترحوا أنْ يُؤْتَى من كل قبيلة بفتى جَلْدٍ، ويضربوه ضَرْبة رجل واحد.

ولكن الحق سبحانه أطلع رسوله على مكيدتهم، ونجّاه من غدرهم، فإذا بهم يعملون له السحر لِيُوقِعوا به، وكان الله لهم بالمرصاد، فأخبر رسوله بما يُدبّر له، وهكذا لم يفلح الجهر، ولم يفلح التبييت، ولم يفلح السحر، وباءت محاولاتهم كلها بالفشل، وعلموا أنه لا سبيلَ إلى الوقوف في وجه الدعوة بحال من الأحوال، وأن السلامة في الإيمان والسير في ركابه من أقصر الطرق.

إذن: للحق سبحانه آيات أخرى تأتي لِرَدْع المكذبين عن كذبهم، وتُخوّفهم بما حدث لسابقيهم من المُكذِّبين بالرسل، حيث أخذهم الله أَخْذ عزيز مقتدر، ومن آيات التخويف هذه ما جاء في قوله تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40).

فكل هذه آيات بعثها الله على أمم من المكذبين، كُلّ بما يناسبه.

ثم يقول الحق سبحانه مخاطباً رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ...).




سورة الإسراء الآيات من 056-060   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 056-060   Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 056-060    سورة الإسراء الآيات من 056-060   Emptyالجمعة 31 يناير 2020, 1:32 am

وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (٦٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

أي: اذكر يا محمد، وليذكر معك أصحابك إذ قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس، فلا يمكن أن يتصرفوا تصرُّفاً، أو يقولوا قولاً يغيب عن عِلْمِهتعالى، لأن الإحاطة تعني الإلمام بالشيء من كُلّ نواحيه.

وما دام الأمر كذلك فاطمئن يا محمد، كما نقول في المثل (حُط في بطنك بطيخة صيفي)، واعلم أنهم لن ينالوا منك لا جهرة ولا تبييتاً، ولا استعانة بالجنس الخفي (الجن)؛ لأن الله محيط بهم، وسيبطل سَعْيَهم، ويجعل كَيْدهم في نحورهم.

لذلك لما تحدَّى الحق سبحانه وتعالى الكفار بالقرآن تحدَّى الجن أيضاً، فقال: (قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء: 88).

ففي هذا الوقت كان يشيع بين العرب أن كل نابغة في أمر من الأمور له شيطان يُلهمه، وكانوا يدَّعُون أن هذه الشياطين تسكن وادياً يسمى "وادي عبقر" في الجزيرة العربية، فتحدّاهم القرآن أنْ يأتوا بالشياطين التي تُلهمهم.

وهكذا يُطمئن الحق سبحانه وتعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأنه يحيط بالناس جميعاً، ويعلم كل حركاتهم ظاهرة أو خفيّة من جنس ظاهر أو من جنس خفيّ، وباطمئنان رسول الله تشيع الطمأنينة في نفوس المؤمنين.

وهذا من قيوميتهتعالى في الكون، وبهذه القيومية نردُّ على الفلاسفة الذين قالوا بأن الخالق سبحانه زاول سلطانه في الكون مرة واحدة، فخلق النواميس، وهي التي تعمل في الكون، وهي التي تُسيّره.

والرد على هذه المقولة بسيط، فلو كانت النواميس هي التي تُسيِّر في الكون ما رأينا في الكون شذوذاً عن الناموس العام؛ لأن الأمر الميكانيكي لا يحدث خروجاً عن القاعدة، إذن: فحدوث الشذوذ دليل القدرة التي تتحكم وتستطيع أن تخرق الناموس.

ومثال ذلك: النار التي أشعلوها لحرق نبي الله وخليله إبراهيم -عليه السلام- فهل كان حظ الإيمان أو الإسلام في أن ينجو إبراهيم من النار؟

لا.         لم يكن الهدف نجاة إبراهيم عليه السلام، وإلا لما مكَّنهم الله من الإمساك به، أو سخر سحابة تطفئ النار، ولكن أراد سبحانه أن يُظهر لهم آية من آياته في خَرْق الناموس، فمكّنهم من إشعال النار ومكّنَهم من إبراهيم حتى ألقوْه في النار، ورأَوْهُ في وسطها، ولم يَعُدْ لهم حجة، وهنا تدخلت القدرة الإلهية لتسلب النار خاصية الإحراق: (قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69).

إذن: فالناموس ليس مخلوقاً ليعمل مطلقاً، وما حدث ليس طلاقة ناموس، بل طلاقة قدرة للخالق سبحانه وتعالى فكأن الحق سبحانه يريد أنْ يُسلِّي رسوله ويُؤْنِسه بمدد الله له دائماً، ولا يفزعه أن يقوم قومه بمصادمته واضطهاده، ويريد كذلك أنْ يُطمئن المؤمنين ويُبشِّرهم بأنهم على الحق.

وقوله تعالى: (أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ) (الإسراء: 60).

الإحاطة تقتضي العلم بهم والقدرة عليهم، فلن يُفلتوا من علم الله ولا من قدرته، ولابُدَّ من العلم مع القدرة؛ لأنك قد تعلم شيئاً ضاراً ولكنك لا تقدر على دَفْعه، فالعلم وحده لا يكفي، بل لابُدَّ له من قدرة على التنفيذ، إذن: فإحاطته سبحانه بالناس تعني أنه سبحانه يُعلِّمهم ويقدر على تنفيذ أمره فيهم.

كلمة (الناس) تُطلَق إطلاقاتٍ متعددة، فقد يراد بها الخلْق جميعاً من آدم إلى قيام الساعة، كما في قول الحق تبارك وتعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ * مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ * مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ * ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ * مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ) (الناس: 1-6).

وقد يُراد بها بعض الخَلْق دون بعض، كما في قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ..) (النساء: 54).

فالمراد بالناس هنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال عنه كفار مكة: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).

وكما في قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ..) (آل عمران: 173) فهؤلاء غير هؤلاء.

وقد وقف العلماء عند كلمة الناس في الآية: (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ) (الإسراء: 60) وقصروها على الكافرين الذين يقفون من رسول الله موقف العداء، لكن لا مانع أن نأخذ هذه الكلمة على عمومها، فُيَراد بها أحاط بالمؤمنين، وعلى رأسهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحاط بالكافرين وعلى رأسهم صناديد الكفر في مكة.

لذلك فالإحاطة هنا ليست واحدة، فلكل منهما إحاطة تناسبه، فإنْ كنتَ تريد الإحاطة بالمؤمنين وعلى رأسهم رسول الله فهي إحاطة عناية وحماية حتى لا ينالهم أذى، وإنْ أردتَ بها الكافرين فهي إحاطة حصار لا يُفلِتون منه ولا ينفكُّون عنه، وهذه الإحاطة لها نظير، وهذه لها نظير.

فنظير الإحاطة بالكافرين قوله تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ..) (يونس: 22).

أي: حُوصِروا وضُيِّق عليهم فلا يجدون منفذاً.

ونظير الإحاطة بالمؤمنين وعلى رأسهم رسول الله قوله تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ) (الصافات: 171-172).

فالحق سبحانه محيط بالمؤمنين وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- إحاطة عناية، وكأنه يقول له: امْضِ إلى شأنك وإلى مهمتك، ولن يُضيرك ما يُدبِّرون.

لذلك كان المؤمنون في أَوْج فترات الاضطهاد والقسوة من الكفار في وقت كل المؤمنون غير قادرين حتى على حماية أنفسهم ينزل قول الحق تبارك وتعالى: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45).

حتى أن عمر -رضي الله عنه- الذي جاء القرآن على وَفْق رأيه يقول: أيّ جَمْع هذا؟!

ويتعجب، كيف سنهزم هؤلاء ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا وهذه تسلية لرسول الله وتبشير للمؤمنين، فمهما نالوكم بالاضطهاد والأذى فإن الله ناصركم عليهم.وكما قال في آية أخرى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ) (الصافات: 173).

فاذكر جيداً يا محمد حين تنزل بك الأحداث، ويظن أعداؤك أنهم أحاطوا بك، وأنهم قادرون عليك، اذكر أن الله أحاط بالناس، فأنت في عناية فلن يصيبك شرٌّ من الخارج، وهم في حصار لن يُفلِتوا منه.

ثم يقول تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) (الإسراء: 60).

كلمة (ٱلرُّؤيَا) مصدر للفعل رأى، وكذلك (رؤية) مصدر للفعل رأى، فإنْ أردتَ الرؤيا المنامية تقول: رأيتُ رُؤْيا، وإنْ أردتَ رأي البصرية تقول: رأيتُ رؤية.

ومن ذلك قول يوسف عليه السلام في المنام الذي رآه: (وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ..) (يوسف: 100).

ولم يَقُلْ رؤيتي.

إذن: فالفعل واحد، والمصدر مختلف.

وقد اختلف العلماء: ما هي الرؤيا التي جعلها الله فتنة للناس؟

جمهرة العلماء على أنها الرؤيا التي ثبتتْ في أول السورة: (سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا..) (الإسراء: 1) أي: حادثة الإسراء والمعراج.

وبعضهم رأى أنها الرُّؤْيا التي قال الله فيها: (لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح: 27).

فقد وعد رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بأنهم سيدخلون المسجد الحرام في هذا العام، ولكن مُنِعوا من الدخول عند الحديبية، فكانت فتنة بين المسلمين وتعجبوا أنْ يعدهم رسول الله وَعْداً ولا ينجزه لهم.

ثم بيّن الحق -تبارك وتعالى- لهم الحكمة من عدم دخول مكة هذا العام، فأنزل على رسوله وهو في طريق عودته إلى المدينة: (هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (الفتح: 25).

إذن: الحق سبحانه منعهم تحقيق هذه الرؤيا في الحديبية؛ لأنهم لو دخلوا مكة مُحاربين حاملين السلاح، وفيها مؤمنون ومؤمنات لا يعلمهم أحد، وسوف يصيبهم من الأذى وينالهم من هذه الحرب؛ لأنهم لن يُميِّزوا بين مؤمن وكافر، فقد يقتلون مؤمناً فتصيبهم مَعَرَّةٌ بقتله، ولو أمكن التمييز بين المؤمنين والكفار لدخلوا مكة رَغْماً عن أُنُوف أهلها.

لذلك كان من الطبيعي أنْ يتشكَّكَ الناس فيما حدث بالحديبية، وأن تحدث فتنة تزلزل المسلمين، حتى إن الفاروق ليقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألسنا على الحق؟

أليسوا هم على الباطل؟

ألستَ رسول الله؟

فيقول أبو بكر: الزم غَرْزَه يا عمر، إنه رسول الله.

وقد ساهمتْ السيدة أم سلمة -أم المؤمنين- في حَلِّ هذا الإشكال الذي حدث نتيجة هذه الفتنة، فلما اعترض الناس على رسول الله في عودته من الحديبية دخل عليها، فقال: "يا أم سلمة، هلك المسلمون، أمرتُهم فلم يمتثلوا”.

فقالت: يا رسول الله إنهم مكروبون، جاءوا على شَوْق للبيت، ثم مُنِعوا وهم على مَقْرُبة منه، ولا شكَّ أن هذا يشقّ عليهم، فَامْضِ يا رسول الله لما أمرك الله، فإذا رأوك عازماً امتثلوا، ونجح اقتراح السيدة أم سلمة في حل هذه المسألة.      

  وقال بعضهم: إن المراد بالرؤيا التي جعلها الله فتنة ما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل غزوة بدر، حيث أقسم وقال: "والله لكأني انظر إلى مصارع القوم”.

وأخذ يومِئ إلى الأرض وهو يقول: "هذا مَصْرع فلان، وهذا مَصْرع فلان، وهذا مَصْرع فلان".

وفعلاً، جاءت الأحداث موافقة لقوله -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْ لي: بالله عليك، مَنِ الذي يستطيع أنْ يتحكَّم في معركة كهذه، الأصل فيها الكَرّ والفَرّ، والحركة والانتقال لِيُحدد الأماكن التي سيقتل فيها هؤلاء، اللهم إنه رسول الله.

لكن أهل التحقيق من العلماء قالوا: إن هذه الأحداث سواء ما كان في الحديبية، أو ما كان من أمر الرسول يوم بدر، هذه أحداث حدثتْ في المدينة، والآية المرادة مكية، مما يجعلنا نستبعد هذين القولين ويؤكد أن القول الأول -وهو الإسراء والمعراج- هو الصواب.

وقد يقول قائل: وهل كان الإسراء والمعراج رؤيا منامية؟إنه كان رؤية بصرية، فما سِرّ عدول الآية عن الرؤية البصرية إلى الرؤيا المنامية؟

وكيف يعطي الحق سبحانه وتعالى للكفار والمشككين فرصة لأن يقول: إن الإسراء والمعراج كان مناماً؟

نقول: ومَنْ قال إن كلمة رؤيا مقصورة على المنامية؟

إنها في لغة العرب تُطلق على المنامية وعلى البصرية...

بدليل قول شاعرهم الذي فرح بصيد ثمين عنَّ له:
فَكَبَّر لِلْرُؤْيَا وهَاش فُؤَادُهُ    وَبشَّرَ نَفْساً كَانَ قَبْلُ يَلُومُهَا

أي: قال الله أكبر حينما رأى الصيد الثمين يقترب منه، فعبَّر بالرؤيا عن الرؤية البصرية.

لكن الحق سبحانه اختار كلمة (رُؤْيَا) ليدل على أنها شيء عجيب وغريب كما نقول مثلاً: هذا شيء لا يحدث إلا في المنام.

وهذا من دِقّة الأداء القرآني، فالذي يتكلم رَبّ، فاختار الرؤيا؛ لأنها معجزة الإسراء وذهاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس في ليلة.

فَوَجْه الإعجاز هنا ليس في حدث الذهاب إلى بيت المقدس لأن كثيراً من كفار مكة قد ذهب إليها في رحلات التجارة أو غيرها، بل وَجْه الإعجاز في الزمن الذي اختُصِر لرسول الله، فذهب وعاد في ليلة واحدة، بدليل أنهم سألوا رسول الله "صِفْ لنا بيت المقدس”.

ولو كانوا يشكُّون في الحدث ما سألوا هذا السؤال، إذن: فاعتراضهم على وقت هذه الرحلة التي كانوا يضربون إليها أكباد الإبل شهراً، ويخبر محمد أنه أتاها في ليلة واحدة، ولأن الإسراء حدث في هذا الزمن الضيق المختصر ناسب أن يُطلق عليه رؤيا، لأن الرؤيا المنامية لا زمنَ لها، ويختصر فيها الزمن كذلك.

ولقد توصّل العلماء الباحثون في مسألة وعي الإنسان أثناء نومه، وعن طريق الأجهزة الحديثة إلى أنْ قالوا: إن الذهن الإنساني لا يعمل أثناء النوم أكثر من سبع ثوان، وهذه هي المدّة التي يستغرقها المنام.

في حين إذا أردتَ أن تحكي ما رأيتَ فسيأخذ منكم وقتاً طويلاً.

فأين الزمن -إذن- في الرؤيا المنامية؟

لا وجود له؛ لأن وسائل الإدراك في الإنسان والتي تُشعِره بالوقت نائمة فلا يشعر بوقت، حتى إذا جاءت الرؤيا مرَّتْ سريعة حيث لا يوجد في الذهن غيرها.

لذلك مَنْ يمشي على عجل لا يستغرق زمناً، كما نقول: (فلان يفهمها وهي طايرة) وهذا يدل على السرعة في الفعل؛ لأنه يركز كل إدراكاته لشيء واحد.

ومن ناحية أخرى، لو أن الإسراء والمعراج رؤيا منامية، أكانت توجد فتنة بين الناس؟

وهَبْ أن قائلاً قال لنا: رأيت الليلة أنني ذهبتُ من القاهرة إلى نيويورك، ثم إلى هاواي، ثم إلى اليابان، أنُكذِّبه؟!

إذن: قَوْل الله تعالى عن هذه الرؤيا أنها فتنة للناس عَدَّلَتْ المعنى من الرؤيا المنامية إلى الرؤية البصرية، وكأن الحق سبحانه اختار هذه الكلمة ليجعل من الكافرين بمحمد دليلاً على صدقه، فيقولون: نحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً وأنت تدعي أنك أتيتها في ليلة؟

فلو كانت هذه الحادثة مناماً ما قالوا هذا الكلام.

لكن، ما الحكمة من فتنة الناس واختبارهم بمثل هذا الحدث؟

الحكمة تمحيص الناس وصَهْرهم في بوتقة الإيمان لنميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من الكافر، فلا يبقى في ساحتنا إلا صادق الإيمان قويُّ العقيدة، لأن الله تعالى لا يريد أن يسلم منهجه الذي سيحكم حركة الحياة في الدنيا إلى أن تقوم الساعة، إلا إلى قوم موثوق في إيمانهم ليكونوا أهلاً لحمل هذه الرسالة.

فكان الإسراء هو هذه البوتقة التي ميَّزَتْ بين أصالة الصِّدِّيق حينما أخبروه أن صاحبك يُحدِّثنا أنه أتى بيت المقدس، وأنه عُرِج به إلى السماء وعاد من ليلته، فقال: "إنْ كان قال فقد صدق" هكذا من أقرب طريق، فميزان الصدق عنده مجرد أن يقول رسول الله.

وكذلك ميزت الزَّبَد الذي زلزلته الحادثة وبلبلته، فعارض وكذب.

ثم يقول تعالى: (وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ) (الإسراء: 60).

أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنةً للناس أيضاً، وإنْ كانت الفتنة في الإسراء كامنَة في زمن حدوثه، فهي في الشجرة كامنة في أنها تخرج في أصل الجحيم، في قَعْر جهنم، ومعلوم أن الشجرة نبات لا يعيش إلا بالماء والري، فكيف تكون الشجرة في جهنم؟

ومن هنا كانت الشجرة فتنة تُمحِّص إيمان الناس؛ لذلك لما سمع أبو جهل هذه الآية جعلها مُشكلة، وخرج على الناس يقول: اسمعوا ما يحدثكم به قرآن محمد، يقول: إن في الجحيم شجرة تسمى "شجرة الزقوم"، فكيف يستقيم هذا القول، والنار تحرق كل شيء حتى الحجارة؟

وهذا الاعتراض مقبول عقلاً، لكن المؤمن لا يستقبل آيات الله استقبالاً عقلياً، وإنما يعمل حساباً لقدرتهتعالى؛ لأن الأشياء لا تأخذ قوامها بعنصر تكوينها، وإنما تأخذه بقانون المعنصِر نفسه، فالخالق سبحانه يقول للشجرة: كوني في أصل الجحيم، فتكون في أصل الجحيم بطلاقة القدرة الإلهية التي قالت للنار: كُوني بَرْداً وسلاماً على إبراهيم.

وقد قال ابن الزَّبْعَري حينما سمع قوله تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ) (الصافات: 62-64).

فقال: والله ما عرفنا الزقوم إلا الزُّبْد على التمر، فقوموا تزقَّموا معي، أي: استهزاءً بكلام الله، وتكذيباً لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.

أما المؤمن فيستقبل هذه الآيات استقبالَ الإيمان والتسليم بصدق كلام الله، وبصدق المبلِّغ عن الله، ويعلم أن الأشياء لا تأخذ صلاحيتها بعنصر تكوينها، وإنما بإرادة المعنْصِر أن يكون؛ لأن المسألة ليست ميكانيكا، وليست نواميس تعمل وتدير الكون، بل هي قدرة الخالق سبحانه وطلاقة هذه القدرة.

ولسائل أن يقول: كيف يقول الحق سبحانه عن هذه الشجرة أنها (ملعونة)؟

ما ذنب الشجرة حتى تُلْعَن، وهي آية ومعجزة لله تعالى، وهي دليل على اقتداره سبحانه، وعلى أن النواميس لا تحكم الكون، بل ربّ النواميس سبحانه هو الذي يحكم ويُغيِّر طبائع الأشياء؟

كيف تُلْعَن، وهي الطعام الذي سيأكله الكافر ويتعذَّب به؟

إنها أداة من أدوات العقاب، ووسيلة من وسائل التعذيب لأعداء الله.

نقول: المراد هنا: الشجرة الملعون آكلها، لأنه لا يأكل منها إلا الأثيم، كما قال تعالى: (إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ) (الدخان: 43-44) والأثيم لا شَكَّ معلون.

لكن، لماذا لم يجعل المعلونية للآكل وجعلها للشجرة؟

قالوا: لأن العربي دَرَجَ على أن كل شيء ضار ملعون، أي: مُبْعَد من رحمة الله، فكأن الكافر حينما يرى هذه الشجرة هو الذي يلعنها، فهي ملعونة من آكلها.

وقد أكل منها لأنه ملعون، إذن: نستطيع القول إنها ملعونة، وملعون آكلها.

ومن الإشكالات التي أثارتها هذه الآية في العصر الحديث قول المستشرقين الذين يريدون أن يتورّكوا على القرآن، ويعترضوا على أساليبه، مثل قوله تعالى عن شجرة الزقوم: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ) (الصافات: 65).

ووَجْه اعتراضهم أن التشبيه إنما يأتي عادةً لِيُوضِّح أمراً مجهولاً من مخاطب بأمر معلوم له، أما في الآية فالمشبَّه مجهول لنا؛ لأنه غَيْب لا نعلم عنه شيئاً، وكذلك المشبَّه به لم نَرَهُ، ولم يعرف أحد مِنّا رأس الشيطان، فكيف يُشبِّه مجهولاً بمجهول؟

لأننا لم نَرَ شجرة الزقوم لنعرف طَلْعها، ولم نَرَ الشيطان لنعرف رأسه.

ثم يقولون: الذي جعل المسلمين يمرُّون على هذه الآية أنهم يُعطون للقرآن قداسة، هذه القداسة تُربّى فيهم التهيُّب أنْ يُقبلوا على القرآن بعقولهم ليفتشوا فيه، ولو أنهم تخلصوا من هذه المسألة وبدأوا البحث في أسلوب القرآن دون تهيُّب لاستطاعوا الخروج منه بمعطيات جديدة.

وللردِّ على قَوْل المستشرقين السابق نقول لهم: لقد تعلمتم العربية صناعة، وليس عندكم الملَكَة العربية أو التذوّق الكافي لفهم كتاب الله وتفسير أساليبه، وفَرْقٌ بين اللغة كملَكَة واللغة كصناعة فقط.

الملَكة اللغوية تفاعل واختمار للغة في الوجدان، فساعة أنْ يسمعَ التعبير العربي يفهم المقصود منه، أما اللغة المكتسبة - خاصة على كِبَر - فهي مجرد دراسة لإمكان التخاطب، فلو أن عندكم هذه الملكة لما حدث منكم هذا الاعتراض.

والعربي قبل نزول القرآن قال:
يَغُطُّ غَطِيطَ البكْر شُدّ خِنَاقُه لِيقتُلَنِي والمرْءُ ليسَ بقتَّالِ
أَيقتُلِني وَالمشْرفيُّ مُضَاجِعِيوَمسْنُونَةٍ زُرْقٍ كأنْيَابِ أَغْوَالِ

فهل رأيتم الغول؟

وهل له وجود أصلاً؟

لكن الشاعر العربي استساغ أن يُشبّه سلاحه المسنون بأنياب الغول؛ لأن الغول يتصوَّره الناس في صورة بشعة مخيفة، فهذا التصوّر والتخيُّل للغول أجاز أنْ نُشبّه به.

وكذلك الشيطان، وإنْ لم يَرَهُ أحد أن الناس تتخيله في صورة بشعة وقبيحة ومخيفة، فلو كلّفنا جميع رسّامي الكاريكاتير في العالم برسم صورة مُتخيّلة للشيطان لرسم كل واحد منهم صورة تختلف عن الآخر؛ لأن كلاً منهم سيتصوره بصورة خاصة حَسْب تصوره للشيطان وجهة البشاعة فيه.

فلو أن الحق سبحانه شبَّه طَلْع شجرة الزقوم بشيء معلوم لنا لَتصوّرناه على وجه واحد، لكن الحق تبارك وتعالى أراد أنْ يُشيعَ بشاعته، وأنْ تذهب النفس في تصوُّر بشاعته كل مذهب، وهكذا يؤدي هذا التشبيه في الآية مَا لا يُؤديّه غيره، ويُحدِث من الأثر المطلوب ما لا يُحدِثه تعبير آخر، فهو إبهام يكشف ويجليِّ.

ثم يقول تعالى: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً) (الإسراء: 60).

أي: نُخوّفهم بأنْ يتعرّضوا للعقوبات التي تعرّض لها المكذِّبون للرسل، فالرسل نهايتهم النصر، والكافرون بهم نهايتهم الخُذْلان.

وأنت حينما تُخوّف إنساناً أو تُحذره من شر سيقع له، فقد أحسنتَ إليه وأسديتَ إليه جميلاً ومعروفاً، كالولد الذي يُخوِّف ابنه عاقبة الإهمال، ويُذكّره بالفشل واحتقار الناس له، إنه بذلك ينصحه ليلتفت إلى دروسه ويجتهد.

فقوله تعالى: (وَنُخَوِّفُهُمْ) (الإسراء: 60) التخويف هنا نعمة من الله عليهم، لأنه يُبشّع لهم الأمر حتى لا يقعوا فيه، وسبق أن ذكرنا أن التخويف قد يكون نعمة في قوله تعالى، في سورة الرحمن: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن: 35-36).

فجعل النار والشُّوَاظ هنا نعمة؛ لأنها إعلام بشيء سيحدث في المستقبل، وسيكون عاقبة عمل يجب أن يحذروه الآن.

وقوله تعالى: (فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً) (الإسراء: 60).

أي: يزدادون بالتخويف طغياناً، لماذا؟

لأنهم يفهمون جيداً مطلوبات الإيمان، وإلا لو جهلوا هذه المطلوبات لقالوا: لا إله إلا الله وآمنوا وانتهت القضية، لكنهم يعلمون تماماً أن كلمة لا إله إلا الله تعني: لا سيادةَ إلا لهذه الكلمة، ومحمد رسول الله لا بلاغَ ولا تشريعَ إلا منه، ومن هنا خافوا على سيادتهم في الجزيرة العربية وعلى مكانتهم بين الناس، كيف والإسلام يُسوِّي بين السادة والعبيد؟! إذن: كلما خوَّفْتهم وذكّرتهم بالله ازدادوا طغياناً ونفوراً من دين الله الذي سيهدم عليهم هذه السلطة الزمنية التي يتمتعون بها، وسيسحب بساط السيادة من تحت أقدامهم؛ لذلك تجد دائماً أن السلطة الزمنية لأعداء الرسل، وتأتي الرسل لهدم هذه السلطة، وجَعْل الناس سواسية.

وقد اتضح هدم الإسلام لهذه السلطة الزمنية للكفار عندما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وكان أهلها يستعدون لتنصيب عبد الله بن أُبيٍّ ملِكاً عليهم، فلما جاء رسول الله المدينة انفض الناس عن ابن أُبيٍّ، وتوجهت الأنظار إليه -صلى الله عليه وسلم-، وطبيعي -إذن- أن يغضب ابن أُبيٍّ، وأن يزدادَ كُرْهه لرسول الله، وأن يسعى لمحاربته ومناوأته، وأنْ يحسده على ما نال من حُبِّ الناس والتفافهم حوله.

ثم أراد الحق سبحانه أن يقول: إن هذه سُنّة من سُنَن المعاندين للحق والكائدين للخير دائماً، فقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ...).



سورة الإسراء الآيات من 056-060   2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الإسراء الآيات من 056-060
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الإسراء الآيات من 021-025
» سورة الإسراء الآيات من 026-030
» سورة الإسراء الآيات من 031-035
» سورة الإسراء الآيات من 036-040
» سورة الإسراء الآيات من 041-045

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الإسراء-
انتقل الى: