منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الإسراء الآيات من 031-035

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الإسراء الآيات من 031-035   سورة الإسراء الآيات من 031-035 Emptyالسبت 25 يناير 2020, 12:29 am

وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وواضحٌ الصلة بين هذه الآية وسابقتها؛ لأن الكلام هنا ما يزال في الرزق، والخالق سبحانه يُحذِّرنا: إياكم أنْ تُدخِلوا مسألة الرزق في حسابكم؛ لأنكم لم تخلقوا أنفسكم، ولم تخلقوا أولادكم ولا ذريتكم.

بل الخالق سبحانه هو الذي خلقكم وخلقهم، وهو الذي استدعاكم واستدعاهم إلى الوجود، وما دام هو سبحانه الذي خلق، وهو الذي استدعى إلى الوجود فهو المتكفّل برزق الجميع، فإياك أنْ تتعدَّى اختصاصك، وتُدخِل أنفك في هذه المسألة، وخاصة إذا كانت تتعلق بالأولاد.

وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ) (الإسراء: 31).

القتل: إزهاق الحياة، وكذلك الموت.

ولكن بينهما فَرْق يجب ملاحظته: فالقتل: إزهاق الحياة بنَقْض البِنْية؛ لأن الإنسان يتكوّن من بنية بناها الخالق سبحانه وتعالى، وهي أجهزة الجسم، ثم يعطيها الروح فتنشأ فيها الحياة.

فإذا ضرب إنسانٌ إنساناً آخر على رأسه مثلاً، فقد يتلف مخه فتنتهي حياته، لكن تنتهي بنقْض البنية التي بها الحياة، لأن الروح لا تبقى إلا في جسم له مواصفات خاصة، فإذا ما تغيرت هذه الصفات فارقتْه الروح.

أما الموت: فيبدأ بمفارقة الروح للجسد، ثم تُنقَض بنيته بعد ذلك.

وتتلَفُ أعضاؤه، فالموت يتم في سلامة الأعضاء.وما أشبه هذه المسألة بلمبة الكهرباء التي لا تُضيء، إلا إذا توافرتْ لها مواصفات خاصة: من مُولّد أو مصدر للكهرباء، وسلك مُوصّل ولمبة كهرباء، فإذا كُسرَتْ هذه اللمبة يذهب النور، لماذا؟

لأنك نقضتَ شيئاً أساسياً في عملية الإنارة هذه.

وكذلك إذا صَوَّب واحد رصاصة مثلاً في قلب الآخر فإنه يموت وتفارقه الروح؛ لأنك نقضْتَ عنصراً أساسياً من بنية الإنسان، ولا تستمر الروح في جسده بدونها.

لذلك ليس في الشرع عقوبة على الموت -ونقصد به هنا الموت الطبيعي الذي يبدأ بخروج الروح من الجسد- لكن توجد عقوبة على القتل، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ملعون من هدم بنيان الله“.       

لأن حياة كل منا هي بناءٌ أقامه الخالق تبارك وتعالى، وهو مِلْك لخالقه لا يجوز حتى لصاحبه أن ينقضه، وإلا فلماذا حرَّم الإسلامُ الانتحار، وجعله كفراً بالله؟!

إذن: المنهي عنه في الآية القتل؛ لأنه من عمل البشر، وليس الموت.

وقد أوضح القرآن الكريم هذه المسألة في قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ..) (آل عمران: 144).

فالقتل غير الموت، القتل اعتداء على بِنْية إنسان آخر وهَدْم لها.

وقوله تعالى: (أَوْلادَكُمْ) (الإسراء: 31).

الأولاد تُطلق على الذكَر والأنثى، ولكن المشهور في استقصاء التاريخ أنهم كانوا يَئدون البنات خاصة دون الذكور، وفي القرآن الكريم: (وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8-9).

لأنهم في هذه العصور كانوا يعتبرون الذكور عَوْناً وعُدّةً في مُعْترك الحياة، وما يملؤها من هجمات بعضهم على بعض، كما يَروْن فيهم العِزْوة والامتداد.

في حين يعتبرون البنات مصدراً للعار، خاصة في ظِلّ الفقر والعَوَزِ والحاجة، فلربما يستميل البنت ذو غِنىً إلى شيء من المكروه في عِرْضها، وبهذا الفهم يؤول المعنى إلى الرزق أيضاً.

وقوله: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء: 31).

أي: خَوْفاً من الفقر، والإملاق: مأخوذة من مَلَق وتملّق، وكلها تعود إلى الافتقار؛ لأن الإنسان لا يتملَّق إنساناً إلا إذا كان فقيراً لما عنده محتاجاً إليه، فيتملَّقه ليأخذ منه حاجته.

وقوله: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) (الإسراء: 31).

وفي هذه الآية مَلْمح لطيف يجب التنّبه إليه وفَهْمه لنتمكن من الردِّ على أعداء القرآن الذين يتهمونه بالتناقض.

الحق سبحانه وتعالى يقول هنا: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء: 31).

أي: خَوْفاً من الفقر، فالفقر -إذن- لم يَأْتِ بعد، بل هو مُحْتمل الحدوث في مستقبل الأيام، فالرزق موجود وميسور، فالذي يقتل أولاده في هذه الحالة غير مشغول برزقه، بل مشغول برزق أولاده في المستقبل؛ لذلك جاء الترتيب هكذا: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ) (الإسراء: 31).

أولاً: لأن المولود يُولَد ويُولَد معه رزقه، فلا تنشغلوا بهذه المسألة؛ لأنها ليستْ من اختصاصكم.

ثم: (وَإِيَّاكُم) (الإسراء: 31).

أي: أن رِزْق هؤلاء الأبناء مُقدَّم على رزقكم أنتم.

ويمكن أن يُفْهَم المعنى على أنه: لا تقتلوا أولادكم خَوْفاً من الفقر، فنحن نرزقكم من خلالهم، ومن أجلهم.

ونهتمّ بتوضيح هذه المسألة؛ لأن أعداء الدين الذين يُنقِّبون في القرآن عن مَأْخذ يروْنَ تعارضاً أو تكراراً بين هذه الآية التي معنا وبين آية أخرى تقول: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ..) (الأنعام: 151).

ونقول لهؤلاء: لقد استقبلتم الأسلوب القرآني بغير الملَكَة العربية في فَهْمه، فأسلوب القرآن ليس صناعة جامدة، بل هو أسلوب بليغ يحتاج في فَهْمه وتدبُّره إلى ذَوْق وحِسٍّ لُغويٍّ.

وإذا استقبلتم كلام الله استقبالاً سليماً فلن تجدوا فيه تعارضاً ولا تكراراً، فليست الأولى أبلغَ من الثانية، ولا الثانية أبلغَ من الأولى، بل كل آية بليغة في موضوعها؛ لأن الآيتين وإنْ تشابهتَا في النظرة العَجْلَى لكنْ بينهما فَرْق في المعنى كبير، فآية الإسراء تقول: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) (الإسراء: 31).

وقد أوضحنا الحكمة من هذا الترتيب: نرزقهم وإياكم.

أما في آية الأنعام: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ..) (الأنعام: 151).

فلابُدَّ أن نلاحظَ أن للآية صدراً وعَجُزاً، ولا يصح أن تفهم أحدهما دون الآخر، بل لابُدَّ أن تجمع في فَهْم الآية بين صدرها وعجزها، وسوف يستقيم لك المعنى ويُخرجك من أي إشكال.

وما حدث من هؤلاء أنهم نظروا إلى عَجُزَيْ الآيتين، وأغفلوا صَدريهما، ولو كان الصدر واحداً في الآيتين لكان لهم حق فيما ذهبوا إليه، ولكنّ صَدْري الآيتين مختلفان: الأولى: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء: 31).

والأخرى: (مِّنْ إمْلاَقٍ..) (الأنعام: 151).

والفرْق واضح بين التعبيرين: فالأول: الفقر غير موجود؛ لأن الخشية من الشيء دليل أنه لم يحدث، ولكنه مُتوقَّع في المستقبل، وصاحبه ليس مشغولاً برزقه هو، بل برزق مَنْ يأتي من أولاده.

أما التعبير الثاني: (مِّنْ إمْلاَقٍ..) (الأنعام: 151).

فالفقر موجود وحاصل فعلاً، والإنسان هنا مشغول برزقه هو لا برزق المستقبل، فناسب هنا أنْ يُقدِّم الآباء في الرزق عن الأبناء.

وما دام الصَّدْر مختلفاً، فلابُدَّ أن يختلف العَجُز، فأيْنَ التعارضُ إذن؟

وهناك مَلْحَظٌ آخر في الآية الكريمة، وهو أن النهي مُخَاطَبٌ به الجمع: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ) (الإسراء: 31).

فالفاعل جمع، والمفعول به جمع، وسبق أن قلنا: إن الجمع إذا قُوبل بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، فالمعنى: لا يقتل كل واحد منكم ولده.

كما يقول المعلم للتلاميذ: أخرجوا كُتبكم، والمقصود أنْ يُخرج كل تلميذ كتابه.

فإنْ قال قائل: إن الآية تنهى أنْ يقتلَ الأب ولده خَوْفاً من الفقر، لكنها لا تمنع أنْ يقتل الأبُ ولد غيره مجاملةً له، وهو الآخر يقتل ولد غيره مجاملة له.

نقول: لا.        

لأن معنى الآية ألاَّ يقتل كل الآباء كل الأولاد، فينسحب المعنى على أولادي وأولاد غيري، وهذا هو المراد بمقابلة الجمع بالجمع.

أما لو قُلْنا: إن المعنى: تجاملني وتقتل لي ابني، وأجاملك وأقتل لك ابنك، فهذا لا يستقيم؛ لأن المقابلة هنا ليست مقابلة جمع بجمع.

وقوله تعالى: (إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) (الإسراء: 31).

خِطْئاً مثل خطأ، وهو الإثم والذنب العظيم.

وتأتي بالكسر وبالفتح كما نقول: خُذوا حِذْركم، وخذوا حَذرَكم.

وكلمة: (خِطْئاً) (الإسراء: 31).

الخاء والطاء والهمزة تدل على عدم موافقة الصواب، لكن مرة يكون عدم موافقة الصواب لأنك لم تعرف الصواب، ومرة أخرى لم توافق الصواب لأنك عرفتَ الصواب، ولكنك تجاوزْتَه.

فالمعلِّم حينما يُصوِّب للتلاميذ أخطاءهم أثناء العام الدراسي نجده يُوضِّح للتلميذ ما أخطأ فيه، ثم يُصوّب له هذا الخطأ، وهو لم يفعل ذلك إلا بعد أن أعلمَ تلميذه بالقاعدة التي يسير عليها، ولكن التلميذ قد يغفل عن هذه القاعدة فيقع في الخطأ.

وهنا لا مانع أنْ نُصوِّب له خَطَأه ونُرشده؛ لأنه ما يزال في زمن الدرس والتعلُّم والترويض والتدريب.

لكن الأمر يختلف إنْ كانت هذه الأسئلة في امتحان آخر العام، فالمعلِّم يُبيِّن الخطأ، ولكنه لا يُصحِّحه، بل يُقدِّره بالدرجات التي تُحسَب على التلميذ، وتنتهي المسألة بالنجاح لِمَنْ أصاب، وبالفشل لمن أخطأ؛ لأن آخر العام أصبح لديه قواعد مُلْزمة، عليه أنْ يسيرَ عليها.

وكلمة (خطْئاً أو خطأ) مأخوذة من خطا خطوة، وتعني الانتقال بالحركة، فإذا كان الصواب هو الشيء الثابت الذي استُقِرَّ عليه وتعارف الناس عليه، ثم تجاوزتَه وانتقلتَ عنه إلى غيره، فهذا هو الخطأ أي: الخطوة التي جعلتك تتجاوز الصواب.

ومنه قوله تعالى: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ..) (البقرة: 168).

لأنه ينقلكم عن الشيء الثابت المستقر في شريعة الله.

والشيء الثابت هنا هو أن الخالق سبحانه خلق الإنسان وكرَّمه ليكون خليفةً له في الأرض ليعمرها، ويقيم فيها بمنهج الخالق سبحانه، فكيف يستخلفك الخالق سبحانه، وتأتي أنت لتقطع هذا الاستخلاف بما تُحدِثه من قَتْل الأولاد، وهم بذُور الحياة في المستقبل؟

حتى لو أخذنا بقول مَنْ ذهب إلى أن (أَوْلادَكُمْ) المراد بها البنون دون البنات، وسَلَّمنا معه جدلاً أنك تُميت البنات، وتُبقي على الذكور، فما الحال إذا كَبِر هؤلاء الذكور وطلبوا الزواج؟!

وكيف يستمر النسل بذكر دون أنثى؟!

إذن: هذا فََهْمٌ لا يستقيم مع الآية الكريمة، لأن النهي هنا عن قتل الأولاد، وهم البنون والبنات معاً.

وقد وصف الحق سبحانه الخطأ هنا بأنه كبير، فقال: (خِطْئاً كَبِيراً) (الإسراء: 31).

ذلك لأنه خطأ من جوانب مُتعدِّدة: أولهما: أنك بالقتل هدمتَ بنيان الله، ولا يهدم بنيان الله إلا الله.

ثانيها: أنك قطعت سلسلة التناسل في الأرض، وقضيتَ على الخلافة التي استخلفها الله في الأرض.

ثالثها: أنك تعديتَ على غريزة العطف والحنان؛ لأن ولدك بعض مِنْك، وقتله يُجرِّدك من كل معاني الأُبُوة والرحمة، بل والإنسانية.

وهكذا وضع الحق سبحانه لنا ما يضمن بقاء النسل واستمرار خلافة الإنسان لله في أرضه، بأنْ نهى كل والد أن يقتلَ ولده، ونهى كل الآباء أنْ يقتلوا كل الأولاد.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً...).



سورة الإسراء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 031-035   سورة الإسراء الآيات من 031-035 Emptyالسبت 25 يناير 2020, 12:31 am

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

بعد أن تحدّث الحق سبحانه عما يحفظ النسل ويستبقي خلافة الله في الأرض، أراد سبحانه أن يحمي هذا النسل من الضياع، ويوفر له الحياة الكريمة.

والإنسان مِنّا حينما يُرزَق بالولد أو البنت يطير به فَرحاً، ويُؤثِره على نفسه، ويُخرج اللقمة من فيه ليضعها في فم ولده، ويسعى جاهداً ليُوفّر له رفاهية العيش، ويُؤمِّن له المستقبل المُرْضِي.

وصدق الشاعر حين قال:
إنمـــا أَوْلاَدُنَــــا أكبـــــادُناَ تمـــشي عَـــلَى الأَرْضِ
إنْ هَبَّتْ الريحُ على بَعْضهِم امتنعَتْ عَيْني عَنِ الغُمْضِ

لكن هذا النظام التكافليّ الذي جعله الحق سبحانه عماداً تقوم عليه الحياة الأسرية سرعان ما ينهار من أساسه إذا ما دَبَّ الشكُّ إلى قلب الأب في نسبة هذا الولد إليه، فتتحوّل حياته إلى جحيم لا يُطَاق، وصراع داخلي مرير لا يستطيع مواجهته أو النطق به؛ لأنه طَعْن في ذاته هو.

لذلك يُحذِّرنا الحق -تبارك وتعالى- من هذه الجريمة النكْراء؛ ليحفظ على الناس أنسابهم، ويطمئن كل أب إلى نسبة أبنائه إليه، فيحنو عليهم ويرعاهم، ويستعذب ألم الحياة ومتاعبها في سبيل راحتهم.

فيقول تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ) (الإسراء: 32).

والمتأمل في آي القرآن الكريم يجد أن الحق سبحانه حينما يُكلِّمنا عن الأوامر يُذيِّل الأمر بقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا..) (البقرة: 229).

والحديث هنا عن أحكام الطلاق، فقد وضع له الحق سبحانه حدوداً، وأمرنا أن نقف عندها لا نتعداها، فكأنه سبحانه أوصلنا إلى هذا الحد، والممنوع أن نتعداه.

وأما في النواهي، فيُذيلها بقوله: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا..) (البقرة: 187).

والنهي هنا عن مباشرة النساء حال الاعتكاف، وكأن الحق سبحانه يريد ألاّ نصلَ إلى الحدِّ المنهي عنه، وأنْ يكون بيننا وبينه مسافة، فقال (فَلاَ تَقْرَبُوهَا) لنظلّ على بُعْدٍ من النواهي، وهذا احتياط واجب حتى لا نقتربَ من المحظور فنقع فيه.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه“.       

فالحق سبحانه خالق الإنسان، وهو أعلم به لا يريد له أنْ يقتربَ من المحظور؛ لأن له بريقاً وجاذبية كثيراً ما يضعف الإنسان أمامها؛ لذلك نهاه عن مجرد الاقتراب، وفَرْقٌ بين الفعل وقُرْبان الفعل، فالمحرّم المحظور هنا هو الفِعْل نفسه، فلماذا إذن حرَّم الله الاقتراب أيضاً، وحذّر منه؟

نقول: لأن الله تعالى يريد أنْ يرحَم عواطفك في هذه المسألة بالذات، مسألة الغريزة الجنسية، وهي أقوى غرائز الإنسان، فإنْ حُمْتَ حولها توشك أن تقعَ فيها، فالابتعاد عنها وعن أسبابها أسلَمُ لك.

وحينما تكلَّم العلماء عن مظاهر الشعور والعلم قسَّموها إلى ثلاث مراحل: الإدراك، ثم الوجدان، ثم النزوع.

فلو فرضنا أنك تسير في بستان فرأيتَ به وردة جميلة، فلحظة أنْ نظرتَ إليها هذا يُسمَّى "الإدراك"؛ لأنك أدركتَ وجودها بحاسة البصر، ولم يمنعك أحد من النظر إليها والتمتُّع بجمالها.

فإذا ما أعجبتك وراقك منظرها واستقر في نفسك حُبُّها فهذا يسمى "الوجدان" أي: الانفعال الداخلي لما رأيتَ، فإذا مددتَ يدك لتقطفها فهذا "نزوع" أي: عمل فعلي.

ففي أي مرحلة من هذه الثلاث يتحكَّم الشرع؟

الشرع يتحكم في مرحلة النزوع، ولا يمنعك من الإدراك، أو من الوجدان، إلا في هذه المسألة "مسألة الغريزة الجنسية" فلا يمكن فيها فَصْل النزوع عن الوجدان، ولا الوجدان عن الإدراك، فهي مراحل ملتحمة ومتشابكة، بحيث لا تقوى النفس البشرية على الفَصْل بينها.

فإذا رأى الرجل امرأة جميلة، فإن هذه الرؤية سرعان ما تُولِّد إعجاباً وميلاً، ثم عِشْقاً وغريزة عنيفة تدعوه أنْ تمتدَّ يده، ويتولد النزوع الذي نخافه، وهنا إما أنْ ينزعَ ويُلبي نداء غريزته، فيقع المحرم، وإما أنْ يعف ويظل يعاني مرارة الحرمان.

والخالق سبحانه أعلم بطبيعة خَلْقه، وبما يدور ويختلج داخلهم من أحاسيس ومشاعر؛ لذلك لم يُحرِّم الزنا فحسب، بل حرَّم كل ما يؤدي إليه بداية من النظر، فقال تعالى: (قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ..) (النور: 30).

لأنك لو أدركتَ لوجدتَ، ولو وجدتَ لنزعتَ، فإنْ أخذتَ حظَّك من النزوع أفسدتَ أعراض الناس، وإنْ عففتَ عِشْتَ مكبوتاً تعاني عِشْقاً لن تناله، وليس لك صبر عنه.

إذن: الأسلم لك وللمجتمع، والأحفظ للأعراض وللحرمات أنْ تغُضَّ بصرك عن محارم الناس فترحم أعراضهم وترحم نفسك.

لكن هذه الحقيقة كثيراً ما تغيب عن الأذهان، فيغشّ الإنسانُ نفسه بالاختلاط المحرم، وإذا ما سُئل ادَّعى البراءة وحُسْن النية وأخذ من صلة الزمالة أو القرابة أو الجوار ذريعة للمخالطة والمعاشرة وهو لا يدري أنه واهم في هذا كله، وأن خالقه سبحانه أدرى به وأعلم بحاله، وما أمره بغضِّ بصره إلا لما يترتب عليه من مفاسد ومضار، إما تعود على المجتمع، أو عليه نفسه.

لذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "النظرة سَهْم مسموم من سهام إبليس، مَنْ تركها من مخافتي أبدلتُه إيماناً يجد حلاوته في قلبه“.       

ومن هنا نفهم مراده سبحانه من قوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ) (الإسراء: 32).

ولم يقل: لا تزنوا.

لأن لهذه الجريمة مقدمات تؤدي إليها، فاحذر أنْ تجعلَ نفسك على مقربة منها؛ لأن مَنْ حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ودَعْكَ ممَّنْ يُنادون بالاختلاط والإباحية؛ لأن الباطل مهما عَلاَ ومهما كَثُر أتباعه فلن يكون حقاً في يوم من الأيام.

واحذر ما يشيع على الألسنة من قولهم هي بنت عمه، وهو ابن خالها، وهما تربَّيا في بيت واحد، إلى آخر هذه المقولات الباطلة التي لا تُغيّر من وجه الحرام شيئاً، فطالما أن الفتاة تحل لك فلا يجوز لك الخلوة بها.

وفي الحديث النبوي: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما“.       

إذن: ما حرَّم الإسلام النظر لمجرد النظر، وما حرّم الخُلْوة في ذاتها ولكن حَرَّمهما؛ لأنهما من دوافع الزنا وأسبابه.

فيقول تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ) (الإسراء: 32) أبلغ في التحريم وأحوط وأسلم من: لا تزنوا.

ومثال ذلك أيضاً قوله تعالى في تحريم الخمر: (يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90).

ومع ذلك يخرج علينا مَنْ يقول: ليس في القرآن آية واحدة تحرم شرب الخمر.       

سبحان الله، فأيُّهما أبلغ وأشدّ في التحريم أن نقول لك: لا تشرب الخمر، أم اجتنب الخمر؟

لا تشرب الخمر: نَهْي عن الشُّرْب فقط.

إذن: يُبَاحُ لك شراؤها وبيعُها وصناعتها ونقلها... الخ.

أما الاجتناب فيعني: البعد عنها كُلية، وعدم الالتقاء بها في أي مكان، وعلى أية صورة.

فالاجتناب -إذن- أشدّ من مجرد التحريم.

وكيف نقول بأن الاجتناب أقل من التحريم، وقد قال تعالى في مسألة هامة من مسائل العقيدة: (وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا..) (الزمر: 17).

فهل تقول في هذه: إن الاجتناب أقلّ من التحريم؟

وهل عبادة الطاغوت ليست محرمة؟! ثم يقول تعالى: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) (الإسراء: 32).

الفاحشة: هي الشيء الذي اشتدّ قبْحه.

وقد جعل الحق سبحانه الزنا فاحشة؛ لأنه سبحانه وتعالى حينما خلق الزوجين: الذكر والأنثى، وقدَّر أن يكون منهما التناسل والتكاثر قدَّر لهما أصولاً يلتقيان عليها، ومظلّة لا يتم الزواج إلا تحتها، ولم يترك هذه المسألة مشَاعاً يأتيها مَنْ يأتيها؛ ليحفظ للناس الأنساب، ويحمي طهارة النسل، فيطمئن كل إنسان إلى سلامة نسبه ونسب أولاده.

والمراد من الأصول التي يلتقي عليها الزوجان عقد القِران الذي يجمعهما بكلمة الله وعلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وهَبْ أن لك بنتاً بلغت سنَّ الزواج، وعلمتَ أن شاباً ينظر إليها، أو يحاول الاقتراب منها، أو ما شابه ذلك، ماذا سيكون موقفك؟

لا شكَّ أن نار الغيرة ستشتعل بداخلك، وربما تعرَّضْتَ لهذا الشاب، وأقمْتَ الدنيا ولم تُقعِدْها.

لكن إذا ما طرق هذا الشاب بابَك، وتقدَّم لخطبة ابنتك فسوف تقابله بالترْحَاب وتسعد به، وتدعو الأهل، وتقيم الزينات والأفراح.

إذن: فما الذي حدث؟

وما الذي تغيَّر؟

وما الفرق بين الأولى والثانية؟

الفرق بينهما هو الفرق بين الحلال والحرام؛ لذلك قيل: "جدع الحلال أنف الغيرة”.

فالذي يغَارُ على بناته من لمسة الهواء تراه عند الزواج يُجَهِّز ابنته، ويُسلمها بيده إلى زوجها؛ لأنهما التقيا على كلمة الله، هذه الكلمة المقدسة التي تفعل في النفوس الأعاجيب.

مجرد أن يقول وليُّ الزوجة: زوجتُكَ، ويقول الزوج: وأنا قبلتُ.

تنزل هذه الكلمة على القلوب بَرْداً وسلاماً، وتُحدِث فيها انبساطاً وانشراحاً؛ لأن لهذه الكلمة المقدسة عملاً في التكوين الذاتي للإنسان، ولها أثر في انسجام ذراته، وفي كل قطرة من دمه.

ومن آثار كلمة الله التي يلتقي عليها الزوجان، أنها تُحدِث سيالاً بينهما، هو سِيَال الاستقبال الحسن، وعدم الضَّجَر، وعدم الغيرة والشراسة، فيلتقيان على خير ما يكون اللقاء.

ولذلك حينما يُشرِّع لنا الحق تبارك وتعالى العِدَّة، نجد عدة المطلقة غير عِدَّة المتوفَّى عنها زوجها، وفي هذا الاختلاف حكمة؛ لأن الحق سبحانه يعلم طبيعة النفس البشرية وما يُؤثّر فيها.

ولو كانت الحكمة من العدة مجرد استبراء الرحم لكفى شهر واحد وحَيْضة واحدة، إنما الأمر أبعد من ذلك، فعند المرأة اعتبارات أخرى وما زالت تحت تأثير الزواج السابق؛ لأن سيال الحال فيه التقاء الإيجاب والسلب من الرجل والمرأة، وقد تعودتْ المرأة على الإيجاب الحلال والسلب الحلال.

فإذا طُلِّقَت المرأة فلا يحلّ لها الزواج قبل انقضاء العدة التي حددها الشرع بثلاثة أشهر، وهي المدة التي يهدأ فيها سِيَال الحلال في نفسها ويجمد، وبذلك تكون صالحة للالتقاء بزوج آخر.

أما في حالة المتوفّى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة، والحكمة من الفارق بين العِدَّتين أن المطلقة غالباً ما يكون بين الزوجين كُرْه، هذا الكُرْه بينهما يساعد على موت السِّيال؛ لأنها بطبيعة الحال نافرة عنه غير راغبة فيه.

أما المتوفَّى عنها زوجها فقد فارقها دون كُرْه، فرغبتها فيه أشدّ؛ لذلك تحتاج إلى وقت أطول للتخلُّص من هذا السيال.

والحق سبحانه هنا يُراعِي طبيعة المرأة ومشاعرها، وعواطف الميل والرغبة في زوجها، ويعلم سبحانه أن هذا الميلَ وهذه الرغبة تحتاج إلى وقت ليهدأ هذه العواطف لدى المرأة، وتستعد نفسياً للالتقاء بزوج آخر؛ لأن لقاء الزوج بزوجته مسألة لا يحدث الانسجام فيها بالتكوين العقلي، بل الانسجام فيها بالتكوين العاطفي الغريزي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على توافق الذرات بين الذكر والأنثى.

هذا التوافق هو الذي يُولّد ذرات موجبة، وذرات سالبة، فيحدث التوافق، ويحدث الحب والعِشْق الذي يجمعهما ويمتزجان من خلاله.

وهذا -كما قلنا- أثر من آثار كلمة الله التي اجتمعا عليها وتحت ظلها.

وهكذا يلتقي الزوجان في راحة وهدوء نفسي، ويسكن كل منهما للآخر؛ لأن ذراتهما انسجمت وتآلفت؛ ويفرح الأهل ويسعد الجميع، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال في وصيته بالنساء: "إنما استحللتم فروجهن بكلمة الله".

وهذه الكلمة من الله تعالى الذي خلق الإنسان ويعلم ما يُصلحه ولك أنْ تتصورَ الحال إنْ تَمَّ هذا اللقاء فيما حَرَّم الله، وبدون هذه الكلمة وما يحدث فيه من تنافر الذرات وعدم انسجام ونكَدٍ ومرارة لا تنتهي، ما بقيتْ فيهما أنفاس الحياة.

لذلك سمَّاه القرآن فاحشةً، والدليل على فُحْشه أن الموصوم به يحب ألاَّ يُعرف، وأن تظل جرائمه خِلْسة من المجتمع، وأن الذي يقترف هذه الفاحشة يكره أن تُفعلَ في محارمه، ويكفيها فُحْشاً أن الله تعالى سماها فاحشة، وشرع لها حداً يُقام على مرتكبها علانية أمام أعين الجميع.

وقد عالج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الداء، حينما أتاه شاب يشتكي ضعفه أمام غريزته الجنسية، ويقول له: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أتى بقضايا دينيه عامة للجميع، ولكن حين يُعالج داءات المجتمع يعالج كل إنسان بما يناسبه، وعلى حَسْب ما فيه من داءات الضعف أمام شهوات نفسه.

ويتضح لنا هذا المنهج النبوي في جواب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد سُئِلَ كثيراً عن أفضل الأعمال، فقال لأحدهم: "الصلاة لوقتها“.       
وقال لآخر: "أنْ تَلْقى أخاك بوجه طَلْق“.       

وقال لآخر: "أنْ تَبرَّ أخاك“.       

وهكذا تعددتْ الإجابات، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصف مزيجاً عاماً يعطيه للجميع، بل يعطي لكل سائل الجرعة التي تُصلِح خللاً في إيمانه، كالطبيب الذي يهتم بعلاج مريضه، فيُجرى له التحاليل والفحوصات اللازمة؛ ليقف على موضع المرض ويصِف العلاج المناسب.

فكيف استقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الشاب الذي جاءه يقول: يا رسول الله إنني أصلي وأصوم، وأفعل كل أوامر الدين إلا أنني لا أقدر على مقاومة هذه الغريزة؟

هل نهره واعتبره شاذاً، وأغلق الباب في وجهه؟

لا والله، بل اعتبره مريضاً جاء يطلب العلاج بعد أن اعترف بمرضه، والاعتراف بالمرض أولى خطوات الشفاء والعافية.

وهذا الشاب ما جاء لرسول الله إلا وهو كاره لمرضه، وأول ظاهرة في العافية أن تعترف بمرضك، ولا تتكبر عليه، فإنْ تكبَّرتَ عليه استفحلَ واستعصى على العلاج.

وقد اعتبر النبي -صلى الله عليه وسلم- شكوى هذا الشاب ظاهرة صحية في إيمانه؛ لأنه ما جاء يشكو إلا وهو كاره لهذه الجريمة، ويجد لها شيئاً في نفسه، وانظر كيف عالجه النبي -صلى الله عليه وسلم-: أجلسه، ثم قال له: "يا أخا العرب أتحب هذا لأمك؟" فانتفض الشاب، وتغيَّر وجهه وقال: لا يا رسول الله جُعِلْتُ فِدَاك، فقال: "أتحبه لأختك؟

أتحبه لزوجتك؟

أتحبه لبناتك؟" والشاب يقول في كل مرة: لا يا رسول الله جُعِلْتُ فِدَاك.

ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم ولا لزوجاتهم ولا لبناتهم" ثم وضع يده الشريفة على صدر هذا الشاب ودعا له: "اللهم نَقِّ صدره، وحَصِّن فَرْجه".       

وانصرف الشاب وهو يقول: لقد خرجتُ من عند رسول الله وليس أكرَه عندي من الزنا، ووالله ما همَمْتُ بشيء من ذلك إلا وذكرْتُ أمي وأختي وزوجتي وبناتي.

وما أشبه طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في علاج هذا الشاب بما يفعله أهل الصيدلة، فعندهم مصطلح يسمونه "برشمة المر"، فإن كان الدواء مُرّاً لا يستسيغه المريض غَلَّفوه بمادة سكرية حتى يمرَّ من منطقة التذوق، فلا يشعر المريض بمرارته.

وقد جعل الخالق سبحانه منطقة التذوق في اللسان فحسب، دون غيره من الأعضاء التي يمرُّ بها الطعام، واللسان آية من آيات الله في خَلْق الإنسان، ومظهر من مظاهر قدرته سبحانه، حيث جعل فيه حلمات دقيقة يختصُّ كل منها بتذوُّق نوع من الطعام: فهذه للحلو، وهذه للمر، وهذه للحرِّيف، وهكذا، مع أنها مُتراصّة ومُلْتصقة بعضها ببعض.

وكما تحدث برشمة الدواء الحسيِّ المر، كذلك يحدث في العلاجات الأدبية المعنوية، فيُغلِّف الناصح نصيحته ليقبلها المتلقي ويتأثر بها؛ لذلك قالوا: النصح ثقيل، فاستعيروا له خِفَّة البيان.

وقالوا: الحقائق مُرّة، فلا ترسلوها جبلاً، ولا تجعلوها جدلاً.

وعلى الناصح أن يراعي حال المنصوح، وأنْ يرفقَ به، فلا يجمع عليه قسوة الحرمان مما أَلِف مع قسوة النصيحة.

وقد وضع لنا الحق سبحانه المنهج الدعوي الذي يجب أن نسير عليه في قوله تعالى: (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ..) (النحل: 125).

ومن أدب النصيحة أيضاً الذي تعلَّمناه من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تكون سِرَّاً، فليس من مصلحة أحد أنْ تُذاعَ الأسرار؛ لأن لها أثراً سلبياً في حياة المجتمع كله وفي المنصوح نفسه، فإنْ سترْتَ عليه في نصيحتك له كان أدعى إلى قبوله لما تقوله، وقديماً قالوا: مَنْ نصح أخاه سراً فقد ستره وَزَانَه، ومَنْ نصحه جَهْراً فقد فضحه وشَانَهُ.

ثم يقول تعالى: (وَسَآءَ سَبِيلاً) (الإسراء: 32).

والسبيل هو الطريق الموصل لغاية، وغاية الحياة أننا مُسْتخلفون في الأرض، خلقنا الله لعمارتها والسعي فيها بما يُسعدنا جميعاً، ويعود علينا بالخير والصلاح، فإذا ضَلَّ الإنسانُ وانحرف عَمّا رسمه له ربه أفسد هذه الخلافة، وأشقى الدنيا كلها بدل أنْ يُسعدها.

وأعتقد أن ما نشاهده الآن في بيئات الانحلال والانحراف، وما امتدَّ منهم إلى بلاد الإسلام من التفزيع والرعب يجعلنا نؤمن بأن الزنا فعلاً ساء سبيلاً، وساء طريقاً ومسلكاً، يقضي على سلامة المجتمع وأَمْنه وسعادته.

ويكفي أنك إذا خرجتَ من بيتك في مهمة تستلزم المبيت تأخذ جميع لوازمك وأدواتك الشخصية، وتخاف من شبح العدوى الذي يطاردك في كل مكان، في الحجرة التي تدخلها، وفي السرير الذي تنام عليه، وفي دورة المياه التي تستعملها، الجميع في رُعْب وفي هلع، والإيدز ينتشر انتشار النار في الهشيم، وأصبح لا يسلَم منه حتى الأسوياء الأطهار.

وما حدث هذا الفزع إلا نتيجة لخروج الإنسان عن منهج الله خروجاً جعل هذه المسألة فوضى لا ضابطَ لها، فأحدث الله لهم من الأمراض والبلايا بقدْر فجورهم وعصيانهم، وما داموا لم يأتُوا بالحسنى فليأتوا راغمين مُفزَّعين.

لذلك العالم كله الآن يباشر مشروعات عِفَّة وطهارة، لا عن إيمان بشرع الله، ولكن عن خَوْف وهَلَع من أمراض شتَّى لا ترحم ولا تُفرِّق بين واحد وآخر.

إذن: الزنا فاحشة وساء سبيلاً، وها هي الأحداث والوقائع تُثبت صِدْق هذه الآية، وتثبت أن أيّ خروج من الخَلْق عن منهج الخالق لن يكون وراءه إلا نَكَدُ الدنيا قبل أن ينتظرهم في الآخرة.

والآن وقد ضمنَّا سلامة الأعراض، وضمنَّا طهارة النسل، وأصبح لدينا مجتمع طاهر سليم، يأْمَنُ فيه الإنسان على هذا الجانب، فلابُدَّ إذن أن نحافظَ فيه على الأرواح، فلا يعتدي أحد على أحد، فيقول تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقّ...).



سورة الإسراء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 031-035   سورة الإسراء الآيات من 031-035 Emptyالسبت 25 يناير 2020, 12:32 am

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (٣٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ) (الإسراء: 33).

كان القياس أنْ يُقابل الجمع بالجمع، فيقول: لا تقتلوا النفوس التي حرَّم الله، لكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن قَتْل النفس الواحدة مسئوليةُ الجميع، لا أنْ يسأل القاتل عن النفس التي قتلها، بل المجتمع كله مسئول عن هذه الجريمة.

(ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ) (الإسراء: 33) أي: جعلها محرّمة لا يجوز التعدي عليها؛ لأنها بنيان الله وخلْقته وصناعته، وبنيان الله لا يهدمه أحد غيره.

أو نقول: (ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ) (الإسراء: 33) أي: حرَّم الله قتلها.

(إِلاَّ بِٱلحَقِّ) (الإسراء: 33) هذا استثناء من الحكم السابق الذي قال: لا تقتلوا النفس التي حرم الله (إِلاَّ بِٱلحَقِّ).

أي: ولكن اقتلوها بالحق، والحق هنا المراد به ثلاثة أشياء:
- القصَاص من القاتل.
-الردَّة عن الإسلام.
-زِنَا المحصَن أو المحصَنة.

وهذه أسباب ثلاثة تُوجِب قَتْل الإنسان، والقتْل هنا يكون بالحق أي: بسبب يستوجب القتل.وقد أثار أعداء الإسلام ضَجَّة كبيرة حول هذه الحدود وغيرها، واتهموا الإسلام بالقسوة والوحشية، وحُجَّتهم أن هذه الحدود تتنافى وإنسانية الإنسان وآدميته، وتتعارض مع الحرية الدينية التي يقول بها الإسلام في قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ..) (البقرة: 256).

ففي القصاص قالوا: لقد خَسِر المجتمع واحداً بالقتل، فكيف نُزِيد من خسارته بقتْل الآخر؟

نقول: لابُدَّ أن نستقبلَ أحكام الله بفْهمٍ وَاع ونظرة متأمّلة، فليس الهدف من تشريع الله للقصاص كثرة القتل، إنما الهدف ألاّ يقع القتل، وألاَّ تحدثَ هذه الجريمة من البداية.

فحين يُخبرك الحق سبحانه أنك إنْ قتلتَ فسوف تُقتَلُ، فهو يحمي حياتك وحياة الآخرين.

وليس لدى الإنسان أغلى من حياته، حتى القاتل لم يقتل إلا لأنه يحب الحياة، وقتل من أجلها مَنْ قتل؛ لأنه ربما خدش عِزَّته أو كرامته، وربما لأنه عدو له أقوى منه.

ولا شكَّ أن حياته أغلى من هذا كله، فحين نقول له: إنْ قتلتَ ستُقتل، فنحن نمنعه أنْ يُقدِم على هذه الجريمة، ونُلوّح له بأقسى ما يمكن من العقوبة.

ولذلك قالوا: القتْلُ أنْفَى للقتل.

وقال تعالى: (وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ..) (البقرة: 179).

وهذا نداء لأصحاب الأفهام والعقول الواعية، ليس القصاص كما يظنُّ البعض، بل فيه الحياة وفيه سلامة المجتمع وحَقْن الدماء.

ويجب أن يكون عندنا يقظةُ استقبال لأحكام الله؛ لأن القاتل ما قتل إلا حينما غفل عن الحكم، ويجب أيضاً أن ننظر إلى حكم القصاص نظرة موضوعية، لأنه كما حَمى غيري من قَتْلِي له حماني أيضاً من قَتْل غيري لي، وما دامت المسألة: لك مثل ما عليك، وحظك منها كحظِّ الناس جميعاً، فلماذا الاعتراض؟

وكذلك في السرقة، حينما يقول لك: لا تسرق، فأنت ترى أن هذا الأمر قد قيَّد حريتك أنت، لكن الحقيقة أنه أيضاً قيَّد حرية الآخرين بالنسبة للسرقة منك.

والذي يتأمل هذه الحدود يجدها في صالح الفرد؛ لأنها تُقيِّد حريته وهو فرد واحد، وتُقيَّد من أجله حرية المجتمع كله.

وفي الزكاة، حينما يُوجِب عليك الشارع الحكيم أنْ تُخرِج قَدْراً معلوماً من مالك للفقراء، فلا تَقُلْ: هذا مالي جمعتُه بجَهْدي وعَرقي.

ونقول لك: نعم هو مالك، ولكن لا تنسَ أن الأيام دُوَلٌ وأغيار، والغنيّ اليوم قد يفتقر غداً، فحين تعضّك الأيام فسوف تجد مَنْ يعطيك، ويَكيل لك بنفس الكَيْل الذي كِلْتَ به للناس.

إذن: يجب أن نكون على وَعْي في استقبال الأحكام عن الله تعالى، وأن ننظر إليها نظرة شمولية، فنرى ما لنا فيها وما علينا، وما دامت هذه الأحكام تعطينا بقدر ما تأخذ مِنّا فهي أحكام عادلة.

وحُكْم القصاص يجعل الإنسان حريصاً على نفسه، ويمنعه أنْ يُقدِم على القَتْل، فإنْ غفل عن هذا الحكم وارتكب هذه الجريمة فلابُدَّ أن يقتصَّ منه؛ فإن أخذتنا الشهامة وتشدَّقْنا بالإنسانية والكرامة والرحمة الزائفة، وعارضنا إقامة الحدود فليكُنْ معلوماً لدينا أن مَنْ يعارض في إعدام قاتل فسوف يتسبب في إعدام الملايين، وسوف يفتح الباب لفوضى الخلافات والمنازعات، فكلّ من اختلف مع إنسان سارع إلى قَتْله؛ لأنه لا يوجد رادع يُردِعه عن القتل.

إذن: لكي نمنع القتل لابُدَّ أن نُنفِّذَ حكم الله ونُقيم شَرعه ولو على أقرب الناس؛ لأن هذه الأحكام ما نزلتْ لتكون كلاماً يُتلَى وفقط؛ بل لتكون منهجاً عملياً يُنظِّم حياتنا، ويحمي سلامة مجتمعنا.

لذلك جعل الحق سبحانه وتعالى تنفيذ هذه الأحكام علانية أمام الجميع، وعلى مَرْأى ومَسْمع المجتمع كله؛ ليعلموا أن أحكام الله ليست شفوية، بل ها هي تُطبِّق أمامهم، وصدق الله تعالى حين قال: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ) (النور: 2).

والذين اعترضوا على القصاص اعترضوا أيضاً على إقامة حَدّ الردَّة، ورأوا فيه وحشية وكَبْتاً للحرية الدينية التي كفَلها الإسلام في قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ..) (البقرة: 256).

والحقيقة أن الإسلام حينما شرع حَدَّ الردة، وقال بقتل المرتد عن الدين أراد أن يُصعِّب على غير المسلمين الدخول في الإسلام، وأن يُضيِّق عليهم هذا الباب حتى لا يدخل في الإسلام إلا مَنْ أخلص له، واطمأنَّ قلبه إليه، وهو يعلم تماماً أنه إنْ تراجع عن الإسلام بعد أن دخل فيه فجزاؤه القتل.

فهذه تُحسَب للإسلام لا عليه؛ لأنه اشترط عليك أولاً، وأوضح لك عاقبة ما أنت مُقدِم عليه.أما حرية الدين والعقيدة فهي لك قبل أن تدخل الإسلام دخولاً أولياً، لا يجبرك أحد عليه، فلك أنْ تظلَّ على دينك كما تحب، فإنْ أردتَ الإسلام فتفكّر جيداً وتدبّر الأمر وابحثه بكل طاقات البحث لديك.

فليس في دين الله مجالٌ للتجربة، إنْ أعجبكَ تظلّ في ساحته، وإنْ لم يَرُق لك تخرج منه، فإنْ علمتَ هذه الشروط فليس لك أنْ تعترضَ على حدِّ الردّة بعد ذلك.

ولتعلم أن دين الله أعزّ وأكرم من أنْ يستجدي أحداً للدخول فيه.

ثم يقول تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً) (الإسراء: 33).

وهذا حكم نفي، المفروض ألاَّ يحدث.

ومعنى (مَظْلُوماً) أي: قُتِل دون سبب من الأسباب الثلاثة السابقة أي: دون حق، فعلى فَرْض أن هذا القتل وقع بالفعل، فما الحكم؟

يقول تعالى: (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ) (الإسراء: 33).

وليه: أي وليّ المقتول، وهو مَنْ يتولّى أمره من قرابته: الأب أو الأخ أو الابن أو العم ...الخ، فهو الذي يتولّى أمر المطالبة بدمه.

(سُلْطَاناً) (الإسراء: 33) أي: شرعنا له، وأعطيناه الحقَّ والقوة في أنْ يقتل القاتل، والسلطان يكون في خدمة التنفيذ، ويُمكّنه منه، وكذلك المؤمنون أيضاً يقفون إلى جواره، ويساعدونه في تنفيذ هذا الحكم؛ لأن الأمر من الله قد يكون رادعه في ذات النفس، لكن إنْ ضعُفَتْ النفس فلابُدَّ لرادع من الخارج، وهنا يأتي دور السلطان ودور المجتمع الإيماني الذي يُعين على إقامة هذا الحكم.

إذن: جعل الحق سبحانه وتعالى سلطان القصاص لوليّ الدم، فإنْ لم يكن له وليّ فإن السلطان ينتقل للحاكم العام ليتولى إقامة هذا الحكم، لكن ما يُتعِب الدنيا -حينما ينتقل حَقُّ القصاص إلى الحاكم العام- طُول الإجراءات التي تُخرج الحكم عن المراد منه، وتُذْكِي نار الحقد والغِلِّ والتِّرَة في نفسِ وليَّ الدم.

فوليّ الدم وحده الذي يُعاني طول فترة التقاضي مع أناس لا يعنيهم أن تطولَ هذه الفترة أو تقصُر؛ لأن طول فترة التقاضي تأتي في صالح القاتل، حيث بمرور الأيام - بل والسنين - تبْرُد شراسة الجريمة في نفوس الناس، وتأخذ طريقاً إلى طيّات النسيان.

وبهذا تبهت الجريمة وتُنسَى بشاعتها، وبدلَ أن يقف المجتمع ويفكر في القاتل وفي القصاص منه، تتحول الأنظار والعواطف إلى النفس الجديدة التي ستُقتل، وبذلك يتعاطف الناس معه بدل أن يتعاطفوا في إقامة القصاص عليه.

لكن يجب أنْ يُقامَ القصاص قبل أنْ تبرُدَ شراسة الجريمة في النفوس، وتبهت وتفقد حرارتها.

والحق سبحانه وتعالى كما شرع القصاص، وجعله في يد وليّ الدم، أراد في الوقت نفسه ألاَّ يحرم المجتمع من طموحات العفو الذي يُنهِي أصول الخلاف، فيقول تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..) (البقرة: 178).

ففي جَوِّ القتل وثورة الدماء التي تغلي بالثأر يتكلم الحق سبحانه عن العفو والأخوة والمعروف والإحسان، فمهما كان الأمر فالمؤمنون إخوة، وباب العفو والإحسان مفتوح.

ولوليّ الدم بعد أن أعطيناه حَقَّ القصاص ندعوه إلى العفو، وله أن يأخذ الدية وتنتهي المسألة، وله أن يعفوَ عن بعضها أو عنها كلها.

إذن: فإعطاء الحق مَنع عن المقتول له ذِلّة التسلُّط من القاتل؛ لأن الله تعالى أعطاه حَقَّ القصاص منه، فإذا ما عفا عنه عَلِم القاتل أن حياته أصبحت هبة من وليّ الدم، وما دام الأمر كذلك فسوف تتلاشى بينهما الضغائن والأحقاد، ويحل محلها الوفاق والمحبة والسلام، ونُنهي تسلسل الثارات الذي لا ينتهي.

وقد اشتهر في صعيد مصر -وكان مثالاً للأخْذ بالثأر- أن القاتل يأخذ كفنه في يده، ويذهب به إلى وليّ الدم ويُسلِّم نفسه إليه معترفاً بجريمته، معطياً لولي الدم حرية التصرف فيه.

فما يكون من ولي الدم أمام هذا الاستسلام إلاّ أن يعفوَ ويصفح، وبذلك تُقتلَع الضغائن من جذورها.

ثم يقول الحق تبارك وتعالى: (فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ) (الإسراء: 33).

أي: طالما أن الله أعطاك حَقَّ القصاص فليكُنْ القصاص بقَدْره دون زيادة أو تعدٍّ أو مجاوزة للحدِّ، والإسراف في القتل يكون بأوجه عدة: فقد يكون القاتل غير ذي شأن في قومه، فلا يرضى وليّ الدم بقتْله، بل يتطلع إلى قتل إنسان آخر ذي مكانة وذي شأن، فيقتل إنساناً بريئاً لا ذنبَ له، وهذا من الإسراف في القتل، وهو إسرافٌ في ذات المقتول.

وقد يكون الإسراف في الكَمِّ، فإنْ قُتِل واحد فلا يكتفي وليّ الدم بأن يقتل القاتل، بل يحمله الغِلّ وثورة الدم إلى أنْ يقتل به أكثر من واحد.

وقد يكون الإسراف بأنْ يُمثّل بجثة المقتول، ولا يكفيه قتله، والمفروض ألاَّ يحملك الغضب على تجاوز الحدِّ المشروع لك.

وقد أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفعلها في قاتل حمزة، فنهاه الله عن ذلك.

ثم يقول تعالى: (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) (الإسراء: 33).

أي: لا يجوز له أنْ يُسرف في القتل؛ لأننا لم نتخلّ عنه، بل وقفنا بجانبه وأعطيناه حقّ القصاص ومكنَّاه منه، إذن: فهو منصور ليس متروكاً، فيجب أن يقف عند حَدِّ النُّصْرة لا يتجاوزها؛ لأنه إن تجاوزها بقتل غير القاتل، فسوف يُقتل هو الآخر قصاصاً.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...).



سورة الإسراء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 031-035   سورة الإسراء الآيات من 031-035 Emptyالسبت 25 يناير 2020, 12:49 am

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وهنا أيضاً يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ) (الإسراء: 34).

ولم يقل: ولا تأكلوا مال اليتيم ليحذرنا من مجرد الاقتراب، أو التفكير في التعدِّي عليه؛ لأن اليُتْم مظهر من مظاهر الضعف لا يصح أنْ تجترئَ عليه.

و (اليتيم) هو مَنْ مات أبوه وهو لم يبلغَ مبلغ الرجال وهو سِنْ الرُّشْد، وما دام قد فقد أباه ولم يَعُدْ له حاضن يرعاه، فسوف يضجر ويتألم ساعة أنْ يرى غيره من الأولاد له أب يحنو عليه، وسوف يحقد على القدَر الذي حرمه من أبيه.

فيريد الحق سبحانه وتعالى أولاً أنْ يستلِّ من قلب اليتيم وفكره هذه المشاعر؛ لذلك يُوصِي المجتمع به ليشعر أنه وإنْ فقد أباه فالمؤمنون جميعاً له آباء، وفي حُنوِّهم وعطفهم عِوَض له عن وفاة والده.

وكذلك حينما يرى الإنسانُ أن اليتيم مُكرّم في مجتمع إيماني يكفله ويرعاه، ويعتبره كل فرد فيه ابناً من أبنائه، يطمئن قلبه ولا تُفزِعه أحداث الحياة في نفسه، ولا يقلق إنْ قُدِّر له أن يُيَتَّم أولاده، فسوف يجدون مثل هذه الرعاية، ومثل هذا الحنان من المجتمع الإيماني.

إذن: إنْ وجد اليتيم في المجتمع عِوَضاً عن أبيه عَطْفاً وحناناً ورعاية يرضى بما قُدِّر له، ولا يتأبَّى على قدر الله، وكذلك تطمئن النفس البشرية إنْ قُدِّر عليها اليُتْم في أولادها.

ثم يقول تعالى: (إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء: 34).

أي: لا تنتهز يُتْم اليتيم، وأنه ما يزال صغيراً ضعيف الجانب فتطمع في ماله، وتأخذه دون وجه حق.

وقوله: (إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء: 34) استثناء من الحكم السابق (وَلاَ تَقْرَبُواْ...) يبيح لنا أن نقرب مال اليتيم، ولكن بالتي هي أحسن.

و (أَحْسَنُ) أفعل تفضيل تدل على الزيادة في الإحسان، فكأن لدينا صفتين ممدوحتين: حسنة وأحسن، وكأن المعنى: لا تقربوا مال اليتيم بالطريقة الحسنة فحسب، بل بالطريقة الأحسن.

فما الطريقة الحسنة؟

وما الطريقة الأحسن؟

الطريقة الحسنة: أنك حين تقرب مال اليتيم لا تُبدده ولا تتعدَّى عليه.

لكن الأحسن: أنْ تُنمي له هذا المال وتُثمّره وتحفظه له، إلى أن يكون أَهْلاً للتصرّف فيه.

لذلك فالحق سبحانه حينما تكلم عن هذه المسألة قال: (وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا..) (النساء: 5).

ولم يقل: وارزقوهم منها؛ لأن الرزق منها يُنقِصها، لكن معنى: (وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا..) (النساء: 5) أي: من ريعها وربحها، وليس من رأس المال.

وإلاَّ لو تصوّرنا أن أحد الأوصياء على الأيتام عنده مال ليتيم، وأخذ ينفق عليه من هذا المال، ويُخرج منه الزكاة وخلافه، فسوف ينتهي هذا المال ويبلغ اليتيم مبلغ الرُّشْد فَلا يجد من ماله شيئاً يُعتَدُّ به.

وكأن الحق -تبارك وتعالى- يقول: حقِّقوا الحسن أولاً بالمحافظة على مال اليتيم، ثم قدِّموا الأحسن بتنميته له وزيادته زيادة تتسع لنفقات حياته، وإلاَّ فسوف يشبّ الصغير، وليس أمامه من ماله شيء.

والحق سبحانه وتعالى يريد ألاَّ يحرم اليتيم من خبرة أصحاب الخبرة والصلاحية الاقتصادية وإدارة الأموال، فقد يكون من هؤلاء مَنْ ليس لديه مال يعمل فيه، فليعمل في مال اليتيم ويُديره له ويُنمّيه، وليأكل منه بالمعروف، وإنْ كان غنياً فليستعفف عنه؛ لأنه لا يحلّ له، يقول تعالى: (وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ..) (النساء: 6).

لأن الإنسان إذا كان عنده خبرة في إدارة الأموال ولديْه الصلاحية فلا نُعطِّل هذه الخبرة، ولا نحرم منها اليتيم، وهكذا نوفر نفقة صاحب الخبرة الذي لا يجد مالاً، ونفقة اليتيم الذي لا يستطيع إدارة أمواله، وبذلك يتم التكامل في المجتمع الإيماني.

ثم يقول تعالى: (حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (الإسراء: 34).

أي: حتى يكبر ويبلغ مبلغ الرجال، ولكن هل هذه الصفة كافية لكي نُعطِي لليتيم ماله وقد بلغ سِنّ الرُّشْد والتكليف؟

في الحقيقة أن هذه الصفة غير كافية لنُسلّم له ماله يتصرف فيه بمعرفته؛ لأنه قد يكون مع كِبَر سِنّه سفيهاً لا يُحسِن التصرُّف، فلا يجوز أن نتركَ له المال لِيُبدّده، بدليل قوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..) (النساء: 6).

وقال في آية أخرى: (وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ..) (النساء: 5).

ولم يقل: أموالهم، لأن السفيه ليس له مال، وليس له ملكية، والمال مال وليِّه الذي يحافظ عليه ويُنمّيه له.

إذن: فالرُّشْد وهو سلامة العقل وحُسْن التصرُّف، شرط أساسي في تسليم المال لليتيم؛ لأنه أصبح بالرُّشْد أهْلاً للتصرُّف في ماله.

وكلمة: (أَشُدَّهُ) (الإسراء: 34) أي: يبلغ شِدّة تكوينه، ويبلغ الأشدّ أي: تستوي ملكاته استواءً لا زيادة عليه، فأعضاء الإنسان تنمو وتتربى مع نموه على مَرِّ الزمن، إلى أن يصل سِنّ الرشد ويصبحَ قادراً على إنجاب مثله، وهذه سِنّ الأشُدّ أي: الاستواء.

لذلك أجَّلَ الله تعالى التكليف للإنسان إلى سِنِّ البلوغ؛ لأنه لو كلَّفه قبل أن يبلغ ثم طرأ عليه البلوغ بعد التكليف لاحتجَّ بما طرأ عليه في نفسه من تغيرات لم تكن موجودة حال التكليف.

ثم يقول تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: 34).

(ٱلْعَهْدَ) ما تعاقد الإنسان عليه مع غيره عقداً اختيارياً يلتزم هو بنتائجه ومطلوباته، وأول عقد أُبرِمَ هو العَقْد الإيماني الذي أخذه الله تعالى علينا جميعاً، وأنت حُرٌّ في أن تدخل على الإيمان بذاتك مختاراً أو لا تدخل، لكن حين تدخل إلى الإيمان مُخْتَاراً يجب أن تلتزم بعهد الإيمان؛ لأن الله لا يريد منّا قوالب تخضع، ولكن يريد مِنّا قلوباً تخشع، ولو أراد الله منّا قوالب تخضع ما استطاع واحد مِنّا أنْ يشذّ عن الإيمان بالله.

لذلك خاطب الحق تبارك وتعالى رسوله بقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء: 3-4).

فالله لا يريد أعناقاً، وإنما يريد قلوباً، لكن يخلط كثير من الناس إنْ أمرته بأمر من أمور الدين فيقول: (لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ..) (البقرة: 256) نقول له: أنت لم تحسن الاستدلال، المراد: لا إكراه في أنْ تدخل الدين، ولكن إذا دخلتَ فعليك الالتزام بمطلوباته.

ومن باطن هذا العهد الإيماني تنشأ كل العقود، لذلك يجب الوفاء بالعهود؛ لأن الوفاء بها جزء من الإيمان، فأنت حُرٌّ أن تقابل فلاناً أو لا تقابله، إنما إذا عاهدتَه على المقابلة فقد أصبحتَ مُلْزماً بالوفاء؛ لأن المقابل لك قد رتَّبَ نفسه على أساس هذا اللقاء، فإنْ أخلفتَ معه العهد فكأنك أطلقتَ لنفسه حرية الحركة، وقيَّدتَ حركة الآخر.

وهذه صفة لا تليق أبداً بالمؤمنين، وقد جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفات المنافقين.

وقوله: (إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء: 34).

قد يكون المعنى: أي مسئولاً عنه، فيسأل كل إنسان عن عهده أوفَّى به أم أخلفه؟

وقد يراد (مَسْؤُولاً) أي: مسئول ممَّنْ تعاقد عليه أنْ يُنقّذه، وكأنه عدَّى المسئولية إلى العهد نفسه، فأنا حُرٌّ وأنت حُرٌّ، والعهد هو المسئول.

والحق سبحانه وتعالى يستعمل اسم المفعول في مواضع تقول للوهلة الأولى أنه في غير موضعه، ولكن إذا دققتَ النظر تجده في موضعه بليغاً غايةَ البلاغة، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً) (الإسراء: 45).

هكذا بصيغة اسم المفعول، والحجاب في الحقيقة ساتر وليس مستوراً، ولكن الحق سبحانه يريد أنْ يجعلَ الحجاب صفيقاً، كأنه نفسه مستور بحجاب الغير، كما يصنع بعض المترفين ستائر البيوت من طبقتين، فتصبح الستارة نفسها مستورة، وكما في قوله تعالى: (ظِـلاًّ ظَلِيلاً..) (النساء: 57) أي: أن الظلَّ نفسه مُظَلّلٌ.

وانظر إلى حال المجتمع إذا لم تُرَاعَ فيه العهود، ولم تُحترمَ المواثيق، مجتمع يستهين أهله بالوفاء وشرف الكلمة، فسوف تجده مجتمعاً مُفكّكاً فُقِدت فيه الثقة بين الناس، وإذا ما فُقِدت الثقة وضاع الوفاء وشرف الكلمة الذي تُدار به حركة الحياة فاعلم أنه مجتمع فاشل، وليس أَهْلاً لرقيٍّ أو تقدُّم.

ولأهمية العهد في الإسلام نجده ينعقد بمجرد الكلمة، وليس من الضروري أن يُسجَّل في سجلات رسمية؛ لأن المؤمن تثق في كلمته حتى إن لم تُوثَّق وتكتب.

ومن هنا وُجِد ما يسمونه بالحق القضائي وبالحق الديني، فيقولون: هذا قضاءً وهذا ديانة، والفرق واضح بينهما، ويمكن أن نضرب له هذا المثل: هَبْ أنك أخذتَ دَيْناً من صديق لك، وكتب له مستنداً بهذا الدين ليطمئن قلبه، ثم قابلته بعد أن تيسَّر لك السداد ووفَّيت له بدَيْنه.

لكنه اعتذر لعدم وجود المستند معه الآن، فقلت له: لا عليك أرسله لي متى شئتَ، فلو تصوَّرنا أنه أراد الغدر بك وأنكر سداد الدين، فالقضاء يقول: له الحق في أخذ دَيْنه، أما ديانة فليس له شيء.

إذن: العهد الذي نعقده مع الناس يدخل تحت المسئولية الدينية وليس القضائية.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ...).



سورة الإسراء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الإسراء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الإسراء الآيات من 031-035   سورة الإسراء الآيات من 031-035 Emptyالسبت 25 يناير 2020, 12:50 am

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

تنتقل بنا الآيات إلى قضية من أخطر قضايا المجتمع، هذه القضية هي التي تضمن للإنسان نتيجة عرقه وثمار جهده وتعبه في الحياة، ويطمئن أنها عائدة عليه لا على هذه الطبقة الطفيلية المتسلطة التي تريد أن تعيش على أكتاف الآخرين وتتغذى على دمائهم.

وبذلك ييأس الكسول الخامل، ويعلم أنه ليس له مكان في مجتمع عامل نشيط، وأنه إنْ تمادى في خموله فلن يجد لقمة العيش فيأخذ من ذلك دافعاً للعمل، وبذلك تزداد طاقة العمل ويَرْقى المجتمع ويسعد أفراده.

صحيح في المجتمع الإيماني إيثار، لكنه الإيثار الإيجابي النابع من الفرد ذاته، أما الخطف والسرقة والاختلاس والغَصب فلا مجال لها في هذا المجتمع؛ لأنه يريد لحركة الحياة أن تستوعب الجميع فلا يتطفل أحد على أحد.

وإن كنا نحارب الأمراض الطفيلية التي تتغذى على دماء الإنسان فإن محاربة الطفيليات الآدمية أَوْلَى بهذه المحاربة.

فما دُمْتَ قادراً على العمل فيجب أن تعمل، أما غير القادرين من أصحاب الأعذار فهم على العين والرأس، ولهم حَقٌ مكفول في الدولة وفي أعناق المؤمنين جميعاً، وهذا هو التأمين الذي يكفله الإسلام لكل محتاج.

لذلك نقول للغني الذي يسهم في سَدَّ حاجة الفقير: لا تتأفف ولا تضجر إنْ أخذنا منك اليوم؛ لأن الطاقة التي عملت بها واجتهدتَ وجمعتَ هذا المال طاقة وقدرة ليست ذاتية فيك، بل هي هِبَة من الله يمكن أنْ تُنزعَ منك في أي وقت، وتتبدَّل قوتك ضعفاً وغِنَاك حاجة، فإنْ حدث لك ذلك فسوف نعطيك ونُؤمِّن لك مستقبلك.

لذلك على الإنسان أن يعيش في الحياة إيجابياً، يعمل ويكدح ويُسهِم في رُقيّ الحياة وإثرائها، ولا يرضى لنفسه التقاعس والخمول؛ لأن المجتمع الإيماني لا يُسوِّي بين العامل والقاعد، ولا بين النشيط والمتكاسل.

وهَبْ أن شقيقين اقتسما ميراثاً بينهما بالتساوي؛ الأول عاش في ماله باقتصاد وأمانة وسَعَى فيه بجدّ وعمل على تنميته، أما الآخر فكان مُسْرفاً مُنحرفاً بدَّد كل ما يملك وقعد مُتحسّراً على ما مضى، فلا يجوز أنْ نُسوِّي بين هذا وذاك، أو نأخذ من الأول لنُعطيَ للآخر، إياك أن تفعل هذا لأن الإنسان وكذلك الدول - إذا أخذتْ ما ليس لها حمّلها الله ما ليس عليها.

ولذلك لا يجوز أن نحقد على الغني طالما أن غِنَاه ثمرة عمله وكَدِّه ونتيجة سعيه، وطالما أنه يسير في ماله سَيْراً معتدلاً ويؤدي ما عليه من حقوق للمجتمع، ولندعه يعمل بكل ما يملك من طاقات ومواهب، وبكل ما لديه من طموحات الحياة؛ لأن الفقير سوف يستفيد منه ومن طموحاته شاء أم أبى.

فدَعْه يجتهد، وإنْ كان اجتهاده في الظاهر لنفسه فإنه في الحقيقة يعود عليك أيضاً، والخير في المجتمع تعود آثاره على الجميع.

لنفرض أن أحد هؤلاء الأغنياء أراد أن يبني مصنعاً أو عمارة أو مشروعاً كبيراً، فكم من العمال والصناع، وكم من الموظفين والمهندسين سيستفيدون من هذا المشروع؟

إن الغني لن يملك مثل هذه الإنجازات إلا بعد أن يصبح ثمنها قُوتاً في بطون الفقراء وكسوة على أجساد الفقراء.

إذن: علينا أنْ ندعَ الغني يجتهد ويسعى؛ لأن المجتمع سوف يستفيد من سَعْيه واجتهاده، وما عليك إلا أن تراقبه، فإنْ كان سعيُه في الحق فبها ونعمتْ، وإنْ كان في غير الحق فلتضرب على يده.

وإليك ما يضمن لك سعادة الحياة وسلامة الحركة فيها، يقول تعالى: (وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ...) (الإسراء: 35).

والحديث هنا لا يخصُّ الكيْل فقط، بل جميع المقادير المستخدمة في حركة الحياة مثل المقادير الطولية مثلاً، والتي تُقدّر بالملليمتر أو السنتيمتر أو المتر أو الكيلو متر وتُقاسُ بها الأشياء كُلٌّ على حَسْبه، فالكتاب مثلاً يُقَاس بالسنتيمتر، والحجرة تُقَاس بالمتر، أما الطريق فيُقاس بالكيلومتر وهكذا.

إذن: فالتقدير الطُّولي يجب أن تتناسب وحدة القياس فيه مع الشيء الذي نقيسه.

هذا في الطوليات، أما في المساحات فيأتي الطول والعرض، وفي الأحجام: الطول والعرض والارتفاع.

وفي الكُتَل يأتي الميزان.

إذن: فالحياة محكومة في تقديرات الأشياء بالكيْل الذي يُبيِّن الأحجام، وبالميزان الذي يُبيّن الكتلة؛ لأن الكيْل لا دخلَ له في الكتلة، إنما الكتلة تُعرف بالميزان، بدليل أن كيلو القطن مثلاً أكبر بكثير من كيلو الحديد.

ومعنى ذلك أن ميزان التقدير يجب أن يكون سليماً؛ لذلك يقول تعالى: (وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ...) (الإسراء: 35) يعني: أعطوا المقادير على قدر المطلوب من الطرفين دون نقص.

وقد قال تعالى في آية أخرى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين: 1-3).

ومعنى المطففين الذين يزيدون، وهؤلاء إذا اكتالوا على الناس، أي: أخذوا منهم.

أخذوا حَقَّهم وافياً، وهذا لا لَوْم عليه، وإنما اللوم على: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين: 3).

أي: إذا كالوا للناس أو وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) أي: ينقصون.

هذا هو موضع الذمِّ ومجال اللوْم في الآية؛ لأن الإنسان لا يُلام على أنه استوفى حَقَّه، بل يُلام على أنه لم يُسَوِّ بينه وبين الآخرين، ولم يعامل الناس بمثل ما يحب أنْ يُعاملوه به.

ونلاحظ أن الكثيرين يفهمون أن التطفيف يكون في الكَيْل والميزان فحسب، لكنه أيضاً في السعر، فالبائع الذي ينقصك الكيلو عشرين جراماً مثلاً فقد بخسَك في الوزن، وطفَّف عليك في الثمن أيضاً.

ثم يقول تعالى: (وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ) (الإسراء: 35) أي: اجعلوا الوزن دقيقاً مستقيماً لا جَوْرَ فيه.

والمتأمل يجد أن الحق سبحانه وتعالى حينما أراد دقة الأحجام في تعاملات الناس أمرهم بإيفاء الكيل حَقَّه، هكذا: (وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ) (الإسراء: 35).

أما في الوزن فقد ركز على دِقَّته، وجَعَله بالقسطاس، ليس القسطاس فحسب بل المستقيم، إذن: لماذا هذه الدِّقة في الميزان بالذات؟

لو نظرتَ إلى عملية الكيْل لوجدتها واضحة مكشوفة، قَلَّما يستطيع الإنسان الغِشَّ فيها، وكثيراً ما ينكشف أمره ويُعلَم تلاعبه؛ لأن الكيْل أمام الأعين والتلاعب فيه مكشوف.

أما الوزن فغير ذلك، الوزن مجال واسع للتلاعب، ولدى التجار ألف طريقة وطريقة يبخسون بها الوزن دون أن يدري بهم أحد؛ لأن الميزان كما نعلم رافعة من النوع الأول، عبارة عن محور ارتكاز في الوسط، وكِفَّة القوة في ناحية، وكِفَّة المقاومة في الناحية الأخرى، فأيُّ نَقْص في الذراعين يفسد الميزان، وأيُّ تلاعب في كِفة القوة أو المقاومة يفسد الميزان.

ولو تحدثنا عن ألاعيب البائعين في أسواقنا لطال بنا المقام؛ لذلك أكد الحق سبحانه وتعالى على الدقة في الميزان خاصة؛ لأنه مجال واسع للغشِّ والخداع وأَكْل أموال الناس.

وسبق أن أوضحنا أن ميزان كُلِّ شيء بحسبه، ويتناسب مع قيمته ونفاسته، فالذي يزن الجير مثلاً غير الذي يزن اللوز، غير الذي يزن الذهب أو الألماس؛ لذلك من معاني (القسطاس المستقيم) أن يتناسب الميزان مع قيمة الموزون، فالذي يبيع الذهب مثلاً يزن أشياء ثمينة مهما كانت قليلة في الميزان؛ فإنها تساوي الكثير من المال.

لذلك فإن أهل الخبرة في هذه المسألة يقولون: احذر أن يُدخِل البائع رأسه قريباً من الميزان؛ لأنه قد ينفخ في كِفَّة الميزان، ولا شكَّ أنك ستخسر كثيراً من جَرَّاء هذه النفخة!! لذلك نقول لهؤلاء الذين أخذت أيديهم على الغش والخداع في البيع والشراء: أنت تبيع للناس شيئاً واحداً وتغشهم فيها، وفي الوقت نفسه تشتري أشياء كثيرة من متطلبات الحياة، فاعلم جيداً أنك إنْ غششْتَ الناس في سلعة واحدة فسوف تُغشّ في مئات السلع، وأنت بذلك خاسر لا محالة.

مهما دارت بك الأوهام والظنون فحسبت أن المسألة في صالحك.

ولا تنسَ أن فوقك قيُّوماً، لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تخفى عليه من أمرك خافية، وسوف يُسلِّط عليك مَنْ يسقيك بنفس كأسك إلى أنْ تتبينَ لك حقيقة هذه الصفقة الخاسرة؛ لأنك إن عَمَّيْتَ على قضاء الأرض فلن تُعمِّي على قضاء السماء، وسوف تذهب هذه الأموال التي اختلستها من أقوات الناس من حيث أتت، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصاب مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر“.       

وكذلك في المقابل: مَنْ صدق الناس، ووفّى لهم في بيعه وشرائه وتعاملاته يسَّر الله له مَنْ يُوفِّي له ويصدُق معه.

ثم يقول تعالى: (ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (الإسراء: 35).

(ذٰلِكَ) أي: الوزن بالقسطاس المستقيم خير وأحسن (تَأْوِيلاً) أي: عاقبة، ومعنى ذلك أن المقابل له ليس خيراً ولا أحسن عاقبة.

فالذي يغش الناس ويخدعهم يظن أنه بغشِّه يزيد في ماله ويجلب الخير لنفسه.

نقول له: أنت واهم، فليس في الغش والبخس خير والزيادة عن طريقه هي عين النقص، لأن الحق سبحانه وتعالى سيُجرِّئ الناس عليك فيغشوك، هذه واحدة ثم لا يلبث الناس أن يكتشفوا تلاعبك في الكيل والميزان فينصرفون عنك ويقاطعونك.

إذن: عدم الوزن بالقِسْطاس المستقيم لا هو خَيْر، ولا هو أحسن عاقبة.

أما التاجر الصادق الذي يُوفِي الكيل والميزان، فإن الله تعالى يُيَسِّر له من يُوفِي له الكَيْل والميزان، وكذلك يشتهر بين الناس بصدقه وأمانته، فيقبلون عليه ويحرصون على التعامل معه.

وهذا هو المراد بقوله تعالى: (ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (الإسراء: 35) أي: أحسن عاقبة.

ثم يقول الحق سبحانه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...).



سورة الإسراء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الإسراء الآيات من 031-035
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الإسراء الآيات من 041-045
» سورة الإسراء الآيات من 046-050
» سورة الإسراء الآيات من 091-095
» سورة الإسراء الآيات من 096-100
» سورة الإسراء الآيات من 051-055

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الإسراء-
انتقل الى: