أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة هود الآيات من 121-123 الإثنين 18 نوفمبر 2019, 12:59 am | |
| وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
أي: اصنعوا ما شئتم، ومعنى ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- مستندٌ إلى رصيد قويّ من الإيمان بإلهٍ لا يهوله أن يستعد له الخصم؛ فهو -صلى الله عليه وسلم- والذين معه لا يواجهون الخصم بذواتهم؛ ولا بعدَدهم وعُددهم؛ وإنما يواجهونه بالرُّكن الرَّكين الذي يستندون إليه، وهو الحق -سبحانه وتعالى- ونحن نرى في حياتنا اليومية أن أي قائد في معركة إنما يشعر بالثقة حين يصل إلى علمه أن مدداً سوف يصله من الوطن الذي يحارب من أجله؛ لأنه سيعزز من قوته، فما بالنا بالمدد الذي يأتي ممن لا ينفد ما عنده؛ وممن لا يُجير عليه أحدٌ؛ فهو يُجير ولا يُجَار عليه.
ولذلك نلاحظ أن الأنبياء استظلوا بتلك المظلة، فموسى -عليه السلام- حين كاد الفرعون أن يلحق به؛ ورأى قومه أنْ لا نجاة لهم؛ فالبحر أمامهم والعدو وراءهم؛ صرخوا: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء: 61).
لكن موسى -عليه السلام- يطمئنهم: (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62).
فموسى -عليه السلام- يعلم أنه مُستند بقوة الله لا بقوة قومه، وأمدَّه الله -سبحانه- بمعجزة جديدة: (ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ) (الشعراء: 63).
فينفلق البحر؛ ليفسح بين مياهه طريقاً يابسة؛ وسار موسى عليه السلام وقومه، وفكر موسى في قطع السبيل على عدوه حتى لا يسير في نفس الطريق المشقوق بأمر الله عبر معجزة ضرب البحر بالعصا، وأراد موسى -عليه السلام- أن يضرب البحر ضربة ثانية ليعود البحر إلى حالة السيولة مرة أخرى، فيقول له الله -سبحانه-: (وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) (الدخان: 24).
أي: اتركه على ما هو عليه؛ لينخدع فرعون ويسير في الطريق اليابسة، ثم يعيد الحق -سبحانه- البحر كما كان، وبذلك أنْجَى الحق -سبحانه- وأهْلَكَ بالشيء الواحد؛ وهذه لا يقدر عليها غير الله - -سبحانه وتعالى- وحده.
وهكذا يَهَبُ الحق -سبحانه- المؤمنين به القدرة على تحدي الكافرين.
والإيمان كله معركة من التحدي؛ تحدٍّ في صدق الرسول كمبلِّغ عن الله، ومعه معجزة تدل على رسالته، وتحدٍّ في نصرة الرسول ومَنْ معه من قلة مؤمنة؛ فيغلبون الكثرة الكافرة.
والحق -سبحانه- يقول: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ) (البقرة: 249).
وهكذا يشيع التحدي في معارك الإيمان.
وقد تميَّز كل رسول بمعجزة يتحدى بها أولاً؛ ثم ينتهي دورها؛ لينزل له بعدها منهج من السماء؛ ليبشِّر به قومه، لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تميَّز بمعجزة لا تنتهي، وهي عَيْنُ منهجه؛ لأنه رسول إلى كل الأزمان وإلى كل الأمكنة؛ فكان لابد من معجزة تصاحب المنهج إلى يوم القيامة.
ولذلك نجد كل مؤمن بالرسالة المحمدية يقول: محمد رسول الله والقرآن معجزته إلى أن تقوم الساعة.
والحق -سبحانه- يقول هنا: (وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ) (هود: 121).
ونحن نعلم أن كل كائن منَّا له مكان، أي: له حَيِّز وجِرْم.
ويقال: فلان له مكانة في القوم، أي: له مركز مرموق؛ إذا خلا منه لا يستطيع غيره أنْ يشغله، وهو مكان يدلُّ على الشرف والعظمة والسيادة والوجاهة ونباهة الشأن.
فقول الحق: (ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ) (هود: 121).
أي: اعملوا على قَدْر طاقتكم من عُدة ومن عَدد، فإن لمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- رباً سيهديه وينصره، وفي هذا تهديد لهم؛ وليس أمراً لهم؛ لأنهم ككفار لن يمتثلوا لأمر مِنْ عَدوِّهم.
ولو أنهم امتثلوا لأمر محمد وربِّ محمد لَمَا كانوا كافرين؛ بل لأصبحوا من الطائعين.
وحين يقول لهم -سبحانه- في آخر الآية: (إِنَّا عَامِلُونَ) (هود: 121).
فمعنى ذلك أن كل ما في قدراتكم هو محدود لأنكم من الأغيار الأحداث؛ أما فعل الله -تعالى- فهو غير محدود؛ لأنه -سبحانه- قديمٌ أزليٌّ لا تحده حدود، ولن يناقض عمل المُحدَث الحادث عمل القديم الأزلي، فقوة الحادث المُحدَث موهوبة له من غيره، أما قوة الحق -سبحانه- فهي ذاتية فيه.
ونحن نعلم أن أيَّ عمل إنما يُقَاس بقوة فاعله، وخطأ المستقبلين لمنهج الله أنهم إذا جاء عمل؛ نَسَوا مَنِ الذي عَمِلَ العمل، ولو كان العمل من فعل البشر لَحقَّ للإنسان أن يتكلم، لكن إذا ما كان العمل من الله -تعالى - فليلزمِ الإنسان حدوده.
ومثال ذلك: هؤلاء الذين جادلوا في مسألة الإسراء التي قال فيها الحق -تبارك وتعالى-: (سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1).
وقالوا: إننا نضرب إليها أكباد الإبل شهراً، فكيف يقول إنه أتاها في ليلة؟
وكان الرد عليهم: إن محمداً لم يَقُلْ إنه سَرَى من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى بقوته هو، بل أُسْرِيَ به، والذي عمل ذلك هو الله -سبحانه- وليس محمداً، فقيسوا هذا العمل بقوة الله وليس بقوة محمد.
ويقول الحق -سبحانه- بعد ذلك: (وَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّا...).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:13 am عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة هود الآيات من 121-123 الإثنين 18 نوفمبر 2019, 1:00 am | |
| وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
في هذه الآية نلمس الوعيد والتهديد؛ فالكافرون ينتظرون وعد الشيطان لهم، والمؤمنون ينتظرون وعد الرحمن لهم.
ولذلك سيقول المؤمنون للكافرين يوم القيامة: (أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً) (الأعراف: 44).
وفي انتظار الكفار تهديد لهم، وفي انتظار المؤمنين تثبيت لقلوبهم، ولو لم تَأْتِ الأحداث المستقبلة كما قالها القرآن لتشكك المؤمنون، ولكن المؤمنين لم يتشككوا، وهكذا نتأكد أن القول بالانتظار لم يكن ليصدر إلا مِنْ واثقٍ بأن ما في هذا القول سوف يتحقق.
وقد جاء الواقع بما يؤيد بعض الأحداث التي جاءت في القرآن.
ألم ينزل قول الحق -سبحانه-: (سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ) (القمر: 45).
وكان وقت نزول هذا القول الحكيم إبان ضعف البداية، حتى قال عمر -رضي الله عنه- أيُّ جَمْعٍ يهزم؟
لأن عمر حينئذ كان يلمس ضعف حال المؤمنين، وعدم قدرة بعض المؤمنين على حماية نفسه، ثم تأتي غزوة بدر؛ ليرى المؤمنون صدق ما تنبأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن العجيب أنه -صلى الله عليه وسلم- خطط على الأرض مواقع مصرع بعض كبار الكافرين، بل وأماكن إصاباتهم، وجاء ذلك قرآناً يُتلى على مر العصور، مثل قوله الحق: (سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ) (القلم: 16).
وهكذا شاء الحق -سبحانه- أن يأتي الواقع بما يؤيد صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما شاء -سبحانه- أن يُنزل على الرسول لقطاتٍ من قصص الرسل الذين سبقوه لشد أَزْره، وليثبِّت فؤاده، ويذكِّر المؤمنين فيزدادوا إيماناً.
ثم يختتم الحق -سبحانه- سورة هود بقوله الكريم: (وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ...). |
|