أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة ص الآيات من 71-75 السبت 13 فبراير 2021, 12:33 am | |
| إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٧٤) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
هذا الكلام جاء من الحق -سبحانه و تعالى- للملائكة على سبيل الإخبار، لكن فهموا هم أنه استشارة، وأن الخالق سبحانه يستشيرهم في مسألة خَلق الإنسان؛ لذلك قالوا ما قالوه، وكان عليهم أنْ يتنبهوا إلى أن المسألة مبتوتٌ فيها، وأنها قضية منتهية؛ لأن الله أخبر بها بقوله: (إِنِّي خَالِقٌ..) (ص: 71) هكذا بلفظ التوكيد.
وهنا لابُدَّ أنْ نشيرَ إلى أن البعض يحاول الاستدراك على كلام الله في مسألة خَلْق الإنسان من طين، يقولون: إن القرآن قال مرة: من طين.
ومرة: من ماء.
ومرة: من حمأ مسنون.
ومرة: من صلصال، والواقع أن هذه مراحل للشيء الواحد وليست اختلاف بدايات مأخوذ منها، فالتراب حين يوضع على الماء يصير طيناً، فإذا تُرِكَ الطين حتى عطن وتغيَّرت رائحته، فهو الحمأ المسنون، فإذا جَفَّ وتصلَّب فهو صَلْصَال كالفخار.
ولما خلق الله الإنسان خلقه من الطين، بمعنى أنه جامع لكل عناصر التربة السوداء والصفراء والرملية.. إلخ وقد توصَّل العلماء إلى أن هذه التربة هي الصالحة للزراعة، لأن الطينة أو التربة إنْ كانت متماسكة تمسك الماء تحت الجذر فيمور ويذبل النبات، وإن كانت رملية تسرب فيها الماء قبل أنْ يمتصَّه النبات.
إذن: نحتاج إلى تربة بين بين، بحيث تمسك الماء بالقدر الذي يتيح للنبات أنْ يستفيد منه ويمتص عناصر الغذاء، ثم يتسرَّب الباقي فلا يضر بالجذور.
كما توصل العلماء إلى أن عناصر جسم الإنسان عبارة عن 16 عنصراً، تبدأ بالأكسوجين بنسبة 67% وهي أعلى نسبة وتنتهي بالمنجنيز.
وأن الطين يحتوي على نفس هذه العناصر الستة عشر، وهذا يثبت صدْق الحق سبحانه في خلْق الإنسان من الطين.
ومعنى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ..) (ص: 72) يعني: صوَّرْتُ قالبه وشكله (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي..) (ص: 72) يعني يصير مخلوقاً كاملاً تدبّ فيه الحياة ويتحرك (فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) (ص: 72) أي: خرّوا ساجدين، ليس سجودَ عبادة، إنما سجود طاعة لصاحب الأمر بالسجود.
إذن: سجود الملائكة لم يكن لآدم ذاته، إنما كان لله الذي خلق آدم وأمر الملائكة أنْ تسجدَ له، ومعنى تسجد له كما تقول: أنا أسجد للقبْلة، فالسجود ليس للقبلة ذاتها إنما ناحيتها.
(فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ) (ص: 73-74). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة ص الآيات من 71-75 السبت 13 فبراير 2021, 12:34 am | |
| قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (٧٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
المتتبع لهذه القصة يجد أن القرآن استوعبها في سبع سور، لكن بأسلوب مختلف في كل منها، فمرة قال: (أَبَىٰ..) (الحجر: 31) ومرة قال: (أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ..) (البقرة: 34).
المسألة الأولى التي أردنا توضيحها في هذه القصة أن الحق سبحانه لم يجعل الجنة التي خرج منها آدم إلى الأرض هي جنة المأوى، لأنه لم يُخلق للجنة ثم خرج منها بمعصيته، إنما خُلق آدم للخلافة في الأرض، وفي أول بلاغ عنه من الله قال تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً..) (البقرة: 30).
إذن: هو مخلوق للأرض، ونظراً لأنه أبو البشر جميعاً، والبشر على صنفين: صنف معصوم هم الرسل، وصنف غير معصوم هم عامة الناس، فكان ولابُدَّ أنْ يتمثّل في آدم ما ثبت للصنفين، عصى آدم أولاً، ثم اجتباه ربه وتاب عليه وعصمه الله بعدها، إذن: لم يَعْص آدم وهو نبي، إنما عصى قبل النبوة.
والحق -سبحانه و تعالى- لما عرض هذه المسألة وقال: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً..) (البقرة: 30) لم يشأ سبحانه بعدالته ورحمته أنْ يُنزِلَ آدم إلى الأرض ليعمرها بغير منهج من المناهج التي تُصلح حركةَ الحياة، ولم يشأ أنْ يُجرِّب فيه التكليف الأول، فصنع له قطعة من الأرض فيها كل مقومات الحياة وترفها، وأسكنه إياها ليدربه على التوجيه والتكليف بافعل ولا تفعل.
فأباح له أنْ يأكل من كل ما في هذا البستان إلا شجرة واحدة نهاه عن مجرد الاقتراب منها، ليمثل له الإباحة فيما أحل والحظر فيما منع، ثم ذكَّره بعداوة الشيطان له وحذَّر منه ومن وسوسته.
لكن أغوى الشيطانُ آدمَ، فأكل من الشجرة التي نُهِي عنها، وحدثتْ منه المخالفة التي ترتب عليها ظهور عورته لأول مرة، وهنا إشارة رمزية إلى أن العورات لا تظهر في المجتمع إلا بمخالفة منهج الله.
ثم نقف أيضاً عند: (وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ..) (البقرة: 35) فلم يقل سبحانه: ولا تأكلا من هذه الشجرة، بل نهى عن مجرد قربها، لأن من حام حول الحِمَى يُوشِك أنْ يواقعه.
لذلك تجد الحق سبحانه حين يحدثنا عن الحدود التي أحلها الله لنا يقول: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) (البقرة: 229) أما في الحدود التي حرّمها فيقول: (تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (البقرة: 187).
ونلحظ في الآية التي معنا قوله تعالى: (يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ..) (ص: 75) وفي الأعراف قال: (مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ..) (الأعراف: 12) فمرة بالإثبات ومرة بالنفي.
والمعنى واحد، لأن المتكلم بهذا الكلام هو الله رَبُّ العالمين، معنى (مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ..) (ص: 75) يعني: أردتَ أنْ تسجد، فعرض لك عارض، أما: (مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ..) (الأعراف: 12) يعني: أمَنعكَ مانع فلم تسجد قهراً عنك؟
وقوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ..) (ص: 75) بيان لشرف هذا المخلوق، ويكفي في شرفه أن الله تعالى نسب خَلْقه إليه سبحانه مباشرة (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ) (ص: 75) يعني: السبب الذي دعاك إلى عدم السجود إما استكبارك أنْ تسجدَ لآدم، أم كنتَ من العالين؟
وقد اختلف العلماء في معنى العالين، بعضهم قال: من الطاغين المتكبِّرين الذي أعرضوا عن أحكام الله ومنهجه استكباراً، ومن ذلك قوله تعالى في فرعون: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ) (يونس: 83) وقال سبحانه: (تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83) أي: عُلُواً على أحكام الله، وعلى أوامر الله.
وقال آخرون: معنى العالين هم نوع من الملائكة، والذين لم يشملهم الأمر بالسجود لآدم، فالمأمور بالسجود هم الملائكة الذين لهم علاقة بهذا المخلوق وهم المدبِّرات الذين قال اللهُ عنهم: (فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً) (النازعات: 5) والمعقِّبات الذين قال الله فيهم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ..) (الرعد: 11) هؤلاء هم الذين أمروا بالسجود.
أما العَالُون فهم ملائكة لا عملَ لهم إلا تسبيح الله، ولا صلةَ لهم بهذا الكون، ولا يدرون عنه شيئاً.
فالمعنى: (أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ) (ص: 75) أي الذين لم يشملهم الأمر بالسجود، وهذا المعنى أقرب للصواب، لأن الله تعالى قال قبلها: (أَسْتَكْبَرْتَ..) (ص: 75) فلا نفسر العالين بعدها بمعنى المتكبرين، لأنها تؤدي نفس المعنى الأول.
وهنا ينبغي أنْ نشيرَ إلى اختلاف العلماء حول طبيعة إبليس، حيث قال بعضهم: إنه من الملائكة.
وقال آخرون: من الجن.
أصحاب الرأي الأول يعتمدون على قوله تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) (ص: 71-72) فقالوا: إذن إبليس من الملائكة لأن الأمر وُجِّه إليهم، والدليل على ذلك أنه لما خالف وامتنع عن السجود عُوقِب، فهو إذن داخل في الأمر، والله سبحانه لم يأمر إلا الملائكة، فلو لم يكُنْ من الملائكة لم يُعاقَب.
ونقول في الرد على أصحاب هذا الرأي: لابُدَّ أنْ نُفرِّق بين الدليل بالالتزام أو الاستنباط، وبين دليل النص، فإذا وُجِدَ نَصٌّ فلا مجالَ لدليل الالتزام أو الاستنباط، وقد قال الحق سبحانه في سورة الكهف: (إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (الكهف: 50) فكيف تُصرِّح الآية بأنه من الجن ونقول نحن: إنه من الملائكة؟
أما لماذا آخذه الله على عدم السجود إنْ كان من الجن؟
نقول: لأن الملائكة مقهورون على الطاعة، فهي غريزة فيهم: (لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6) أما الإنس والجن فهم مُخيَّرون بين الإيمان أو الكفر، وبين الطاعة أو المعصية، فإذا جاء منهم مَنْ ألزم نفسه بالطاعة بحيث لا يعصي فهو أفضل من الملائكة، لأن الملائكة مقهورون على الطاعة أما هو فطائع باختياره وهو قادر على المعصية.
إذن: أخذ هذه الأفضلية، لأنه حمل نفسه على أن يطيع، وقد كان إبليس في هذه المنزلة حتى قيل: إنه طاووس الملائكة لأفضليته عليهم، فلما صدر الأمر للملائكة شمله أيضاً، لأنه إنْ كان أعلى منزلة من الملائكة وحاله الطاعة، فكان عليه أنْ يطيعَ الأمر، وإن كان أقلَّ من الملائكة، فالأمر للأعلى يستلزم الأمر للأدنى.
ومثَّلْنا لهذه المسألة قلنا: إذا دخل رئيس الجمهورية فوقف له الوزراء، فوقوف وكلاء الوزراء من باب أَوْلَى، وبذلك نحسم هذا الخلاف بعيداً عن الجدل الذي لا طائل منه.
وقوله تعالى: (فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ) (ص: 73-74) دليل على أنه مخلوق مختار، كالإنسان يطيع ويعصي، كما قال تعالى: (فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..) (الكهف: 29).
ثم يحكي الحق سبحانه قوْلَ إبليس في الردِّ على ربه عز وجل: (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ...). |
|