مفهوم الهجرة من.. إلى..
حـمـــــــزة الحـمــــــزاوي
باحــــــــــث تربــــــــــوي

مع دخولنا عام هجري جديد.. جلست متأملاً متسائلاً.. كيف يمكن أن أستفيد وأفيد من مفهوم الهجرة بشكل واقعي معاصر بعد أن أرشف هذا المفهوم في سجل التاريخية ليس إلا.. وبعد أن حصر في ترجمة الانتقال المكاني بهجر الأرض ومتعلقاتها من المال والولد وسواها.. لذا لابد بداية أن أشير إلى عدة نقاط أبرزه مايلي قبل أن أبسط ما توصلت إليه من مقترحات عملية.

1- الهجرة بين النفي والإثبات:
لعل الفهم الخاطئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح: ((لا هجرة بعد الفتح…))، هو الذي أسهم في تكوين هذه الذهنية التقليدية وعدم تطوير مفهوم الهجرة ولكن المُطَّلع المُتبصِّر على مُجمل النصوص الواردة في لفظ ((هجر)).

يجد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منفذاً جديداً وبُعداً آخر يُوضح مفهوم الهجرة العام الذي لا ينقضي ما دامت السموات والأرض قائمة على أصُولها.. ألا وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والمُهاجر مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ...)).

2- هجرة المكان إلى هجر المكانة:
ومما يتضِّح في النَّصين السَّابقين أن هنالك الهجرة المكانية المعنية في النَّص الأول بينما هناك إشارة واضحة إلى هجرة المكانة أي من مكانة المعصية والانحراف إلى مكانة الطاعة والالتزام وهكذا.

3- الهجرة من.. إلى:
فإذا استقر في ذهننا إثبات الهجرة وبقائها في مفهومها (المكاني) فلابد من مستلزمات الهجرة من إمكانية التحول من... إلى.. أي من المعصية إلى الطاعة من الخطأ إلى الصواب من الباطل إلى الحق.. ويبقى صحة المسار تدل عليه النيَّات في مبتدأ الأعمال: (( فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومَنْ كانت هجرته إلى دُنيا يصيبها... فهجرته إلى ما هاجر إليه...)).

4- هجرة ((المعاصي)):
وحتى يتضح هذا المفهوم الجديد كان لابد من أن أعرج إلى المعصية لأعرفها بأن يأمرك اللهُ فلا تنقاد ولا تأتمر وأن ينهاك فتنتهك..  وأن يسكت عن أشياء رحمة بك.. فتتجاوز في استغلالك لهذا السُّكوت وتُبالغ في صرف وقتك ومالك وصحتك في هذا المُباح أصلاً لينقلب إلى ضده.

فكما هو معلوم أن مدار أفعال العبد المكلف مقسومة إلى واجب.. وحرام.. مندوب.. ومكروه.. ومُباح.. وحتى المُباح ينصرف بالنتيجة إلى إحدى الأشكال الأربعة السابقة في حال سوء استخدام هذا المباح.

ومن ثَمَّ لابد من أن نفهم أن أوامر ونواهي والله.. تشمل كلاً من علاقة الإنسان بالله والحياة والإنسان.

وبالتالي جديرٌ بالحصيف المُفَكِّر.. أن يجلس ساعة صفاءٍ مع الله.. ويختلي بنفسه عن باقي المخلوقات.. ويحصر ذهنه في جملة الأوامر التي لا يأتيها.. وجمل النَّواهي التي ينتهكها.. وجملة المَسكُوتات التي يتجاوز ويُخطئ في استخدامها.. تجاه الله والحياة بِرُمَّتِهَا.. زماناً ومكاناً وأحياءً.. وتجاه الإنسان الذي يمُتُّ له لا يمُتُّ بصلة والذي لا يمُتُّ فضلاً عن ذاته بأبعادها.

وإليك عزيزي القارئ بعد هذه المُقدِّمات هذا الجدول العملي:
الهجـــــرة مــــن:
• هجر القرآن وعدم تلاوته وتدبُّره.
• هجر سُوء الظن بالله.
• المُعتقدات الباطلة والاستغاثات الشركية والحجب والاستعانة بالعرافة والكهانة.
• حب المال والأثرة وحب الذات.
• كثرة النوم وجفاء لقاء الله بالقيام.
• كثرة الإقبال على الطعام والشراب واللذات... الخ.

الهجــــرة إلــــى:
• إلى الاعتناء بالقرآن وتحديد ولوصفحة واحدة في اليوم للقراءة الاعتماد والتوكل وحسن الظن به.
• إلى تصحيح الاعتقاد والتوبة والاستغفار والكفر بالطاغوت وكل مافيه شرك لله.
• إلى الزكاة والصدقة وتطهر المال من الحرام.
• إلى قيام الليل والقنوت له على الدوام.
• إلى ضبط الشهوات والابتعاد عن الحرام وصيام عدة أيام في الشهر لله تعالى... الخ.

الهجـــــرة مــــن:
• من تضييع الوقت وقتله فيما لا فائدة فيه.
• من إخلاف المواعيد.
• من الإساءة إلى البيئة بأنواع الملونات والنفايات والقاذورات. 
• من الاعتداء أوعدم الاهتمام إلى العرق الأخضر والإساءة إلى التراب والأرض.
• من الاعتداء على الحيوانات والإساءة إليها... الخ.

الهجــــرة إلــــى:
• إلى استثماره وتنظيمه وحسن تقسيمه.
• إلى ضبط المواعيد وحسن الالتزام.
• إلى الإحسان للبيئة وضبط النفايات الشخصية مهما دقت وصغرت وأينما وجدت.
• إلى فقه الإحسان إلى النباتات والمزروعات وكذلك إلى التراب والأرض والرحلة إليها.
• إلى الإحسان للحيوانات في حالة حياتها وعند ذبحها... الخ.

الهجــــرة مـــــن:
• من التعصب الأعمى وكل ما يجر إلى الخلاف والضعف والبغض.
• من قطع الرحم والإساءة للقرابة.
• من اهمال الزوجة وتضييع واجباتها.
• من اهمال الوالدين والتعذر بالمشاغل.
• من تخل عن مسؤولية التربية تجاه الأولاد... الخ.

الهجــــرة إلــــى:
• إلى التسامح واللين والخلق الحسن وكل ما فيه ود وحب واحترام متبادل.
• إلى صلة الأرحام والإحسان للقرابة وزرع المودة والحب.
• إلى الاهتمام وإعطاء كل ذي حق حقه وخلق الحب والإبداع.
• إلى تخصيص أيام لهم، ولخدمتهم، دون توان أوفتور.
• إلى تنظيم شؤون الأسرة والاحتفاء بالأولاد وملاعبتهم وقضاء بعض الأوقات معهم... الخ.

الهجــــرة مـــــن:
• هجر كل ما سبق.
• من ظلم النفس والفتور والكسل والعجز.
• من العادات السلبية والسيئة في المأكل والمشرب والصحة العامة والنوم المتأخر وإهمال الرياضة بأنواعها.
• من تضييع حصة الدراسة والقراءة وتضييع بناء الثقافة الذاتية من مختلف منافذها.
• من العمل المضني الشاق الذي يأخذ العمر كله.
• من إيذاء العين والأذن والأنف واللسان وكافة الحواس والأعضاء… الخ.

الهجــــرة إلــــى:
• إلى كل ما فيه خير وأمثل.
• إلى احترام النفس والنشاط والهمة والتحدي.
• إلى تنظيم وبناء عادات صحية وسليمة على نطاق نظام الغذاء ومراجعة الأطباء المختصين والنوم الباكر وممارسة نوع من أنواع الرياضة.
• إلى تحديد أوقات خاصة للمطالعة.
• إلى العمل المنظم المنضبط الذي يحقق الدخل الجيد مع فرط الوقت والجهد.
• إلى صيانة كل ذلك عن الحرام وتحصينها بما أمر به الله… الخ.

أخي المسلم.. أختي المسلمة
بإمكانكم تحديد غير هذه النقاط أوتبديلها المهم عندي وضوح الفكرة وأن يهجر كل منا السلبية المقيتة إلى الإيجابية والتفاعلية.. وحفظ شعار (ضع هدفك.. نفذه.. راجعه.. انتقده.. طوره)…

عسى أن أكون قد أوصلت الرسالة وأعطيت للهجرة مفماً عملياً باقياً إلى يوم القيامة مستخلصاً من هدي النبوة.. فإن كان صواباً فمن الله والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وإن كان خاطئاً فمني ومن الشيطان.

أرجو التصويب على هذا العنوان:
HAMZAWI-CO@MAKTOOB.COM
راجين من المولى حسن القبول.. وكل عام أنتم بخير.

المصدر:
http://saaid.net/mktarat/mohram/4.htm