منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة التوبة الآيات من 091-095

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 091-095   سورة التوبة الآيات من 091-095 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 3:14 pm

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ونحن نعلم أن الضعيف هو من لا يقدر على العمل، لا بسبب المرض، بل لكبر سنه، أو هو صغير السن لا يقدر على الحرب، وكذلك يعفي الحق المرضى من القتال؛ وهم من أصيبوا بعاهة طارئة تجعلهم غير قادرين على القتال.

وكذلك أعفى الله الذين لا يجدون ما ينفقون؛ لأنهم من شدة فقرهم لا يستطيعون شراء دابة تحملهم أو معدات قتال يقاتلون بها.

والنفقة -كما نعلم- هي أن تقدر أن تعول نفسك في الذهاب والإقامة مدة الحرب والعودة.

وكان على كل مجاهد أن يُعِدَّ مطلوبات الحرب.

فالله سبحانه قد رفع الحرج عن الذين لا يجدون ما ينفقونه، وجعل لهم وظيفة أخرى تخدم الجهاد، فقال سبحانه وتعالى: (إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: ينصحون ويشجعون أولئك القادرين على الجهاد؛ ليُحَمِّسوهم على القتال، ثم يكونون في عون أهل المجاهدين، ويواجهون الإشاعات والأكاذيب التي يطلقها المنافقون في المدينة؛ للنيل من الروح المعنوية للمسلمين فيردون عليها ليُخْرِسوا ألسنة السوء.

ثم يقول الحق: (مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) والسبيل: هو الطريق، ومعناها: ما عليهم من إثم أو لوم أو توبيخ أو تعنيف.

وكل هذا لا يجد سبيلاً على المحسنين، ولم يقل الحق: "مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ"؛ لأن السبيل يمر عليهم ولا ينتهي إليهم بلوم؛ لأن هناك فارقاً بين أن يمر عليهم وأن ينتهي إليهم، فالمرور أمر عادي، وليس هو الغاية؛ لذلك يوضح الحق أنه لا يوجد سبيل إليهم ولا إلى عتابهم؛ لأنهم أدوا كل ما تطلّبه الجهاد منهم، ولكنهم لم يذهبوا إلى ميدان القتال؛ لأسباب خارجة عن إراداتهم، وفعلوا كل ما يتطلّبه الإيمان.

 أما إذا كان المجاهد لديه ما ينفقه، ولكنه لا يملك راحلة يركبها، فعليه أن يذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويطلب منه راحلة، فإذا قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) فهذا إذن بالقعود.

وفي هذا يقول الحق سبحانه: (وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ...).



سورة التوبة الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 091-095   سورة التوبة الآيات من 091-095 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 3:15 pm

وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


إذن: فالمعفوْن من الجهاد هم: الضعيف والمريض، والذي لا يجد قوتاً، ولا يجد راحلة؛ فيطلبها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول له رسول الله: (لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) ومن في مثل هذه الحالة يحزن مرتين ولا يفرح؛ الحزن الأول: بسبب عجز المسلمين في ذلك الوقت أن يملكوا ما ينهض بنفقات المقاتلين أو أن يجهزوا لهم وسائل الانتقال إلى ميدان القتال، والحزن الثاني: بسبب عدم تواجده في ميدان القتال مشاركاً ومجاهداً، ولا يبقى له إلا مشاركة الاستطاعة بجهاد يختلف عن الجهاد في ميدان القتال.


إنه جهاد حماية القاعدين من إشاعات المنافقين.


ذلك أن المنافقين لن يسكتوا عن محاربة الإيمان، بل سيرجفون بنقل الأخبار الكاذبة إلى أهالي المقاتلين، وهم من نسميهم في الاصطلاح الحديث "الطابور الخامس"، وهم من يُثبِّطون همم ومعنويات أهالي المقاتلين.


إذن: فمن قعد عن القتال بسبب عذر حقيقي فله جهاد آخر في حماية الجبهة الداخلية من أهالي المقاتلين في مواجهة حرب الإشاعات التي يقودها المنافقون.


 وهكذا نجد الجهاد فريضة من فرائض الإسلام، ومجاهدة غير المسلمين تكون لأمرين...


الأمر الأول: حين يُعارض غير المسلمين الدعوة إلى الإيمان، وأن يقفوا في سبيل الدَّاعي ليُسكتوه عن الدَّعوة إلى الله.


والأمر الثاني: أن ينتشر المسلمون في الأرض ليُعْلوا كلمة الله، ليس إكراهاً عليها، فالدين لا إكراه فيه، والسَّيف الذي حُمل في الإسلام، لم يُحمل ليفرض ديناً، وإنما حُمل ليكفل حرية الاختيار للإنسان في أن يختار الدين الذي يريد اعتناقه بلا إكراه.


وتحرير اختيار الإنسان؛ إنما ينشأ بإزاحة العقبات التي تفرض عليه ديناً آخر، ثم يستقبل الإنسان الأديان كلها، فيختار بحرية الدين الذي يرتضيه.


إذن: فالإسلام لم يفرض بالسيف، وإلا فمن الذي فرض الإسلام على الذين سبقوا إليه حين كان ضعيفاً لا يملك أن يحمي من دخل فيه؟


وما دام الجهاد فريضة بهذا المعنى، فكل مسلم مكلف بأن يجاهد، إما فرض عين -إن غلب المؤمنون على أمر مكروه، وإما فرض كفاية- إن قام به البعض سقط عن الباقين.


ولم يعذر الله من الجهاد إلا هذه الطوائف؛ الضعفاء بشيخوخة أو صغَر، والمرضى أصحاب الداءات، والذين لا يجدون ما ينفقون، وهم قسمان: قسم لا يجد ما ينفقه على نفسه، وقسم لا يجد ما ينفقه على الحرب، أي: لا يجد أدوات القتال أو الراحلة التي يركبها.


ورفع الحق سبحانه الحرج عن هؤلاء، ووظَّفهم سبحانه في وظيفة إيمانية تخدم الجهاد بأن يكونوا في عون أهل المجاهدين، ويقمعوا المرجفين الذين يريدون النيل من الروح المعنوية للمسلمين، وأن يردوا عليها، ويخرسوا ألسنة السوء، هذا بالنسبة للذين لا يجدون ما ينفقونه على أنفسهم خلال الجهاد من طعام وسلاح وغير ذلك.


أما الذي يجد ما ينفق، ولا يجد الوسيلة التي تنقله إلى ساحة القتال؛ فعليه أن يذهب إلى ولي الأمر ليسأله الراحلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو قائد الجهاد في حياته، فإن قال لأحد: ليس عندي ما أنقلك عليه إلى مكان القتال.


فهذا إذن بالقعود، لكنه إذن لا يكفي لرفع الحرج عنه، بل يجب أن يعلن بوجدانه انفعاله في حب الجهاد، وحزنه على أنه لم يكن مع الذين يجاهدون.


 ولذلك قال الحق: (تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ) وكلمة "تفيض أعينهم" توضح ما في قلب هؤلاء المؤمنين.


والفيض دائماً للدموع، والدموع هي ماء حول العين؛ يهيجه الحزن فينزل، فإذا اشتد الحزن ونفد الدمع وجمدت العين عن البكاء؛ يؤخذ من سائل آخر فيقال: "بكيت دما”.


وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين لنا شدة حزن المؤمنين على حرمانهم من الجهاد، فلم يقل سبحانه وتعالى: "فاضت دموعهم"، ولم يقل: "بكوا دماً بدل الدموع"، وإنما قال: (وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ)، فكأن العين ليس فيها ماء، ولا دم، ولم يعد إلا أن تفيض العين على الخد، وذلك إظهار لشدة الحزن في القلب، وهذا المجاهد لا لوم عليه ولا ذنب؛ لأنه فعل ما في وسعه وما في طاقته وعبر عن ذلك بحرقة مواجيده على أنه لم يكن من أهل الجهاد.


 ثم يقول الحق سبحانه: (إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى...).



سورة التوبة الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 091-095   سورة التوبة الآيات من 091-095 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 3:19 pm

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٩٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هناك قال سبحانه: (مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ) الذين كانت لهم أعذارهم في التخلف عن الجهاد، ولكن كانوا محسنين في تخلفهم هذا فقال تعالى: (إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ).

إذن: فعلى من يكون السبيل؟

وهنا تأتي إجابة الحق سبحانه: (إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ).

أي: أن طريق الإثم واللوم والتعنيف والتوبيخ إنما يتجه إلى هؤلاء الأغنياء الذين استأذنوا في أن يقعدوا عن القتال، ونعلم أن الغني إذا أطلق ينصرف إلى غنى المال، ولكن الغنى إذا جاء بالمعنى الخاص، يكون معناه ما يدل عليه النص.

فالذي لا يجد ما ينفقه أعْفيَ.

إذن: فمن يجد ما ينفقه فهو غنيّ بطعامه.

والضعيف قد أعفيَ، إذن: فالقويّ غنيّ بقوته.

والمريض أعْفيَ، إذن: فالصحيح غنيّ بصحته، ومن لا يجد ما ينقله إلى مكان الجهاد قد أعفيَ، إذن: فمن يملك راحلة فهو غنيّ براحلته.

وعلى ذلك لا تأخذ كلمة "الغنى" على المال فقط، بل انظر إلى من تنطبق عليه شروط الجهاد؟

إذن: فاللوم والتوبيخ والتعنيف والإثم على الأغنياء بهذه الأشياء، وطلبوا أن يقعدوا عن الجهاد.

 ولسائل أن يقول: ولماذا يستأذنون وهم أغنياء؟

نقول: لأنهم منافقون، وقد وضعهم نفاقهم في موضع الهوان، حتى قال الحق سبحانه وتعالى عنهم: (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ) ومن يَرضَ أن يكون وضعه مع الخوالف، فهو يتصف بدناءة النفس وانحطاط الهمة؛ فهم رضوا أن يُعاملوا معاملة النساء، والخوالف -كما نعلم- جاءت على مراحل، فهم قالوا: (ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ) (التوبة: 86).

وقلنا من قبل: إن القعود مقابل للقيام، والقيام من صفات الرجولة؛ لأن الرجل قَيِّم على أهله.

والقعود للنساء، والخوالف ليست جمع خالف، وإنما هي جمع "خالفة"، ولا يجمع بها إلا النساء، وكذلك كلمة "القواعد" يقول سبحانه: (وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ) (النور: 60).

أي: أنهم ارتضوا لأنفسهم دناءة وخسة؛ فتنازلوا عن مهام الرجال، وارتضوا أن يكونوا مع النساء هرباً من القتال.

والشاعر يقول:
وَمَا أدْرِي ولسْتُ إخَالُ أدْري أقوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نسَاءُ

أي: "القوم" في مقابل "النساء”.

ثم يعلمنا الحق سبحانه وتعالى بعقابهم، فيقول: (وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ).

وفي الآية السابقة يقول سبحانه: (وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ) (التوبة: 87).

ما الفرق بين النصين؟

إذا رأيت فعلاً تكليفيّاً مبنيّاً للمجهول، كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) (البقرة: 216).

وقوله سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ) (البقرة: 183).

قد يقول قائل: كان المفروض أن يقال: "كتب الله عليكم القتال" و "كتب الله عليكم الصيام"، لأنه صار أمراً لازماً مفروضاً، فكان الأولى أن يقول: كتب الله، أي أن الذي يفرض هو الله.

رغم أن الحق سبحانه هو الذي يكلف، إلا أن كل التكليفات تأتي بصيغة المبني للمجهول كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ) (البقرة: 178).

وقوله سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ) (البقرة: 180).

والسبب في ذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف كافراً بأي تكليفات إيمانية؛ فسبحانه لم يكلف بأي حكم من أحكام الإيمان إلا من آمن به وأسلم له؛ لذلك فعندما يخاطب سبحانه بالتكليف يقول: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ) (البقرة: 178).

ومن هذا نعلم أنه سبحانه لم يكتب فرضاً أو مهمة على من لم يؤمن، والإنسان يدخل في الإيمان باختياره، فإذا دخل في الإيمان كتب الله عليه.

إذن: فالإيمان هو مدخل الفريضة.

وما دُمْتَ قد آمنتَ فقد أصبحتَ طرفاً فيما فرضه الحق سبحانه وتعالى عليك؛ لأنك لو لم تؤمن فليست عليك فرائض، إذن: فأنت الذي ألزمتَ نفسك بحكم الله؛ لأنك آمنت به إلهاً خالقاً معبوداً.

وبإيمانك أنت؛ فرض الله عليك، فأنت طرف في كل فريضة عليك.

ورغم أنه سبحانه وتعالى هو الذي فرض، فقد أحبَّ فيك أنك دخلْتَ في نطاق التكليف بإيمانك؛ فبنى الفعل للمجهول.

 وإذا جئنا إلى قوله سبحانه وتعالى: (وَطَبَعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ) نجد أن الحق يلفتنا هنا إلى أن المنافقين هم الذي جلبوا لأنفسهم هذا الطبع على القلوب؛ لأنهم وضعوا في قلوبهم الكفر، ثم أخذوا يتحدثون بألسنتهم عن الإيمان، ويحاولون خداع المؤمنين، ويخادعون الله؛ فأراد الله سبحانه وتعالى أن يوضح لهم: ما دمتم قد اخترتم النفاق والكفر في قلوبكم؛ فسنطبع على هذه القلوب، ونختم عليها حتى لا يخرج الكفر منها ولا يدخل إليها الإيمان.

فسبحانه وتعالى -إذن- هو الذي طبع على قلوبهم، ولكن بعد أن ملأوا قلوبهم بالكفر ونافقوا، وهم الذين تسببوا بهذا الطبع لأنفسهم، بعد أن بدأوا بالكفر، فطبع الحق سبحانه وتعالى على قلوبهم بما فيها من مرض، ولو لم يبدأوا بالكفر لما طبع الله على قلوبهم؛ ولهذا جاء الفعل مبيّناً للمجهول، فهم مشتركون فيه.

أما الآية التي نحن بصددها فيقولتعالى: (وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) وساعة ينسب الطَّبْع إلى الله يكون أقوى طبع على القلوب، ويأتي الطبع من الله سبحانه وتعالى كحكم نهائي من أن الله قضى عليهم به، فلا يخرج من قلوبهم ولو كان قدراً ضئيلاً من النفاق، ولا تغادر قلوبهم ذرة من كفر، ولا يتسرب إلى قلوبهم ذرة من إيمان؛ لأنهم لا يعلمون قدر الإيمان الحق، والإنسان قد لا يفهم شيئاً، أي: لا يفقهه.

ولكن قد يفهمه غيره ويعلمه هو عنه.

 لذلك فنفْي الفقه أو الفهم لا ينفي العلم، ولكن حين ينفي العلم فهو ينفي الفهم عن الذات، وينفي الفهم عن الغير، ولذلك حين يقال: (لاَ يَفْقَهُونَ) أي: لا يفهمون بذواتهم، ولكن قد يتعلمون العلم من غيرهم.

أما إذا قلنا: (لاَ يَعْلَمُونَ) فالمقصود أنهم لا يفهمون ولا يتعلمون.

إذن: نفي العلم ينسب إلى طبع الله على قلوبهم، أما نفي الفقه فينسب نسبة عامة للفعل المبني للمجهول.

فعندما نفى الحق سبحانه وتعالى الفقه عنهم بالفعل المبني للمجهول أوضح أنهم بنفاقهم لا يفقهون، ولكنه سبحانه وتعالى لم يَنْف احتمال أن يعلموا من غيرهم في المستقبل.

ولكن عندما قال الحق: (فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) قد نفى عنهم -أيضاً- العلم بذواتهم، وكذلك نفى قدرتهم على العلم من غيرهم، وهذه أقوى أثراً، وبذلك يكون الطبع على قلوبهم أقوى؛ لأنهم رفضوا العلم من ذواتهم ورفضوه من غيرهم.

 ولذلك نجد (لاَ يَفْقَهُونَ) في موضع، ونجد (لاَ يَعْلَمُونَ) في موضع آخر، وكلٌّ تناسب موقعها الذي قيلت فيه.

ثم يقول سبحانه: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ...).



سورة التوبة الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 091-095   سورة التوبة الآيات من 091-095 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 3:20 pm

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومعنى "يعتذر" أي: يبدي عذراً عن شيء يُخرجه من اللوم أو التوبيخ، ويقال: "اعتذر فلان" أي: فعل شيئاً مظنة أنه ذم، فيريد أن يعتذر عنه.

والحق هنا يقول: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) وفي آية سابقة يقول مخاطباً النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ) (التوبة: 83).

وهكذا نلاحظ أنه سبحانه حين نسب الرجوع إلى الصحابة والمجاهدين قال: (رَجَعْتُمْ)، وعندما نسبه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ) مما يدلنا على أن زمام محمد -صلى الله عليه وسلم- بيد ربه وحده، ولكن زمام أتباعه يكون باختيارهم.

وهنا يقول الحق: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) ويأتي بعدها ذلك الرد الواضح على محاولة المنافقين في الاعتذار: (قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ)، وفي هذا رد حاسم، فأنت حين يعتذر إليك إنسان فقد تستمع لعذره ولكنك لا تقبله، ومجرد استماعك للعذر معناه أن هناك احتمالاً في أن يكون هذا العذر مقبولاً أو مرفوضاً، ولكن حين ترفض مجرد سماع العذر، فمعنى ذلك ألاَّ وجه للمعذرة.

والحق سبحانه وتعالى يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ) فكأنما ساعة أقبل المنافقون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين؛ وتهيأوا للاعتذار؛ وقبل أن ينطقوا بالعذر؛ أوضح لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تعتذروا، ورفض مجرد إبدائهم للعذر.

ثم فاجأهم بالحكم في قوله تعالى: (لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ) ومادة "آمن" تدور حول عدة معان، نقول "آمن" أي: اعتقد وصدق مثل قولنا: "آمن بالله"، ويقال: "آمن بالشيء" أي: صدَّقه، و"آمن بكذا" أي: صدَّق ما قيل.

والحق هو القائل: (فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ) (يونس: 83).

وقال إخوة يوسف لأبيهم: (وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) (يوسف: 17).

أي: لن تصدقنا.

وآمن إذا تعدَّت بالباء فمعناها الاعتقاد، وإن تعدَّتْ باللام فمعناها التصديق، وإن تعدت بغير الباء وغير اللام فمعناها إعطاء الأمان، مثل قوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)
(قريش: 3-4).

وتجيء أيضاً "آمن" و "أمن" بمعنى الائتمان، مثل قول الحق سبحانه وتعالى على لسان يعقوب: (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ) (يوسف: 64).

إذن: فـ "آمن" إن تعدت بالباء فيكون معناها الاعتقاد الإيماني، وإنْ تعدَّتْ باللام فمعناها التصديق، وإن تعدَّتْ بنفسها إلى الفعل فهي إعطاء الأمان والسلام والاطمئنان، وإن تعدت بالمفعول أيضاً؛ فمعناها القدرة على أداء الأمانات، مصداقاً لقوله الحق: (وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً) (آل عمران: 75).

وفي الآية التي نحن بصددها يقول الحق سبحانه وتعالى: (قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ) أي: لن نصدقكم.

فقد جاء المنافقون ليعتذروا بأعذار كاذبة، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفض مجرد سماع الاعتذار، وأعلن لهم: لن نصدقكم.

ولو امتلك المنافقون ذرة من ذكاء لفهموا أن رب محمد عليه الصلاة والسلام قد أخبره بكل شيء؛ حتى بما في قلوبهم قبل أن ينطقوه، ولو امتلكوا ذرة من فطنة لرجعوا عن نفاقهم، ولدخلوا في الإيمان، ولكنهم لم يستوعبوا الدرس، فجاء الحق سبحانه وتعالى بالأمر واضحاً في قوله سبحانه: (قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) فكأن المسألة ليست فراسة استنتاج، ولكنها وحي من الله.

ثم يقول الحق تبارك وتعالى: (وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).

       ما هو العمل الذي سيراه الله سبحانه وتعالى ورسوله، بعد أن رفض رسول الله عذرهم، وأخبرهم بأن الله قد أخبره بما يُخْفونه من كذب في صدورهم؟

فسبحانه العالم بالسرائر كلها، لقد شاء سبحانه ألا يغلق أمامهم باب المرجع إليه، وكان يجب من بعد ذلك أن يرتدعوا وأن يتيقنوا أن رب محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تخفى عليه حتى نواياهم.

وما دُمْتم قد علمتم صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أبلغكم به، أصبح عليكم -إذن- أن ترجعوا وتخرجوا من دائرة النفاق لتدخلوا حظيرة الإيمان؛ وتراكم الدنيا من بعد ذلك وقد اختلفت أعمالكم من النفاق إلى الإيمان، أما إنْ أصررتم على ما أنتم فيه؛ فمعنى ذلك أنكم لم تستفيدوا من العملية الإعجازية التي أنبأ الله فيها رسوله بكذبكم.

 إذن: فقد فتح الله باب التوبة أمامكم رحمة منه سبحانه، فانتهزوا هذه الفرصة؛ لأنه سبحانه سيرى أعمالكم في المستقبل، وعلى أساس هذه الرؤية يرتب لكم الجزاء على ما يكون منكم.

ولذلك يقول الحق سبحانه: (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 94).

وما دام سبحانه عالم الغيب، فمن باب أوْلى أنه عليم بعالم الشهادة.

والغيب -كما نعرف- هو ما غاب عنك، فلم تعرف عنه شيئاً.

ولكن إنْ غاب عنك ولم يَغِبْ عن غيرك فهو غّيْبٌ نسبي؛ لأن هناك حجباً منعت عنك العلم، والمثَال: إن سُرق منك شيء فأنت لا تعرف السارق؛ ولكن السارق نفسه يعرف، ومن شاركه يعرف.

والذي أخفى السارق عنده المسروقات يعرف.

والذي ابتاع المسروقات يعرف.

 إذن: فهو غيب عنك وليس غيباً على غيرك.

أما الغيب المطلق فهو ما غاب عنك وعن غيرك، وهناك من يلجأ إلى الدجالين ممن يدّعون قراءة الأفكار، ويسمونهم المنوِّمين المغناطيسيين، ويطلب المنوّم من أي واحد أن يُخرج ما في جيبه من نقود وأن يقوم بعدّها، ثم يخبره بعددها، وإن أردت أن تكشف ألاعيبه؛ ضع يدك في جيبك وأخرج كمية من النقود لا تعرف أنت مقدارها، واسأله عن هذا المقدار فلن يعرف، لماذا؟

لأنك نقلت المسألة من غيب قد يعرفه غيرك إلى غيب مطلق.

إذن: فالغيب المطلق هو ما غاب عنك عن غيرك، وهو أيضاً ما لا تكون له مقدمات توصلك إليه، فأنت إذا أعطيت ابنك تمريناً هندسيّاً ليحله؛ فالحل غيب عنه ساعة يقرأ المسألة، ثم يستخدم المقدمات والنظريات حتى يصل إلى الحل، فكأن هناك أشياء لها مقدمات توصل إلى النتائج، وهذه ليست غيباً؛ لذلك لا يقال لمن اكتشف الكهرباء والذي اكتشف تفتيت الذرة أنهما علما الغيب.

فقد كانت هناك مقدمات في الكون أوصلتهما إلى كشف بعض القوانين الموجودة بالفعل، لكنّنا لم نكُنْ نعرفها.

 وفي بعض التدريبات، نجد من يضع المسألة المطلوب حلّها، ويضع النتيجة الأخيرة بجانبها؛ لأنه لا يهدف إلى معرفة النتيجة، ولكنه يهدف لتعليم التلميذ كيف يصل إلى أسلوب الحل الصحيح.

ولذلك إذا أردت أن تحلّ شيئاً في الهندسة مثلاً.

فلابد لك من معطيات توصلك إلى الحل؛ كأن يُطلب منك -مثلاً- إثبات أن الخطين متوازيان، وفي هذه الحالة يجب أن تكون كل زاويتين متناظرتين متساويتين، وكل زاويتين متبادلتين متساويتين.

إذن: فانت قد أخذت مقدمات أو معطيات أوصلتك إلى النتيجة، وكذلك في تساوي ضلعي المثلث أو أضلاعه؛ يكون إثباته بتساوي الزوايا.

فهل في هذه الحالة يقال: إنك اهتديت إلى الغيب؟

أم أنك استخدمت مقدمات أوصلتك إلى نتائج؟

وأنت حين تبرهن على صحة النظرية المباشرة، تقول: إن هذا يساوي هذا حسب النظرية رقم تسعة مثلاً.

وإن هذا مقابل لهذا حسب النظرية الجديدة، وإذا وصلت في براهينك إلى نظرية رقم واحد فهي النظرية التي لا مقدمات لها، ولابد أن تكون بديهية.

 وهكذا نجد أن كل علم في هذا الكون بُني على نظريات أو مقدمات بديهية، ثم تطورت بعد ذلك إلى اكتشاف ما أودعه الله في كونه من أسرار.

أما الحق سبحانه وتعالى فهو يقول عن نفسه: (عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ) أي أنه سبحانه عالم بالغيب المطلق، الذي لا توجد له مقدمات توصلنا إليه؛ ولذلك لا نستطيع أن نعرف الغيب المطلق؛ لأنه ليس معروفاً عند البعض، ومجهولاً عند غيرهم، وليس له مقدمات توصلنا إليه؛ لأنه الغيب الذي ينفرد به الحق عزّ وجلّ.

ونجد الحق سبحانه يقول: (عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ) (الجن: 26-27).

فسبحانه عالم الغيب المطلق، وهو يختلف عن الغيب المستور عن البعض، ويقول الحق عن مواعيد الكشف عن أسرار الغيب المستور: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ) (البقرة: 255).

وحين يشاء الله أن يكشف عن بعض أسرار الغيب فهو يحدد الوقت الذي يشاؤه لذلك، وكل شيء في الكون له ميعاد ميلاد؛ مثل: الكهرباء، والذرة، والوصول إلى القمر، وغزو الفضاء، وهذه كلها أشياء لها مواعيد ميلاد.

ويبحث العلماء عنها باستخدام المقدمات.

ولكنهم لا يصلون إلى سر ميلاد أي اكتشاف إلا بإذن الله حين يلفتهم إلى هذا السرّ؛ إما بالبحث العلمي، وإما أن يتم معرفته صدفة.

وهكذا نجد أن البشر يُحَاطون عِلْماً بهذه الأسرار بعد مقدمات وبإذن من الله.

وما دام الحق سبحانه هو عالم الغيب؛ فيكون سبحانه عالماً بالشهادة من باب أولى، وقد يظن ظان أنه إن جلس في مكان معزول مستور ويفعل ما يريد، فلن يشهده الله؛ لأنه قد يفعل ما يريد دون أن يراه أحد، لكن ذلك غير حقيقي؛ لأن الحق سبحانه عالم الغيب والشهادة، فلا يوجد مستور عنه في هذا الكون، فلا الغيب يغيب عن علمه، ولا العالم المشهود يغيب عن علمه.

 وما دام قد جاء الحق هنا بقوله: (عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ) فلابد أن يأتي من بعدها (يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: يخبركم مقدماً بجزاء ما ستفعلونه من خير أو شر حتى لا يقول أحد: إنه لم يكن يعرف، أو أنه لو علم أن فعله يؤدي إلى الشر لما فعل؛ وحتى يكون كل إنسان شهيداً على نفسه؛ لأن الله أبلغه بالجزاء، فيكون الجزاء عدلاً لا ظلماً.

ولذلك يقول الحق سبحانه: (كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الإسراء: 14).

فأنت الذي تحكم على نفسك.

ويقول الحق بعد ذلك: (سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ...).



سورة التوبة الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 091-095 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 091-095   سورة التوبة الآيات من 091-095 Emptyالخميس 12 سبتمبر 2019, 3:22 pm

سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة (سَيَحْلِفُونَ) فيها سرّ إعجازي من الله؛ لأن حرف "السين" هنا تدلنا على أنهم لم يحلفوا بعد، أي أن الآية نزلت وقُرئت وسمعها المؤمنون والمنافقون قبل أن يحلف المنافقون، وآيات القرآن تُتْلى وتُقرأ في الصلاة، ولا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة.

ولو كان للمنافقين قدرة على التدبر لما جاءوا وحلفوا.

ولقالوا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في قرآن يوحى إليه: إننا سنأتي ونحلف، ونحن لن نأتي ولن نحلف؛ ولكن لأن الله هو القائل وهو الخالق وهو الفاعل، فقد شاء أن تغيب الفطنة عن أذهانهم، مثلما قال سبحانه من قبل: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ) (البقرة: 142).

وهم قد قالوا ذلك بعد نزول الآية.

والحق سبحانه وتعالى يقول هنا: (سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) والانقلاب معناه التحول من حال إلى حال.

ومعنى الانقلاب في هذه الآية مقصود به العودة إلى المدينة مقر السلام والأمن بعد الحرب، فكأن الاعتدال في القتال والانقلاب في العودة إلى المدينة.

ولكن لماذا سيحلف المنافقون بالله للمؤمنين؟

يقول الحق سبحانه: (لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ) أي: لتعرضوا عن توبيخهم ولومهم وتعنيفهم؛ لأنهم لم يجاهدوا معكم.

فقال الحق: (فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ) أي أعطوهم مطلوبهم من الإعراض ولكنه لون آخر من الإعراض، فلا تلوموهم ولا توبخوهم ولا تؤثموهم، بل أعرضوا عنهم إعراض احتقار وإهانة، لا إعراض صفح ومغفرة؛ جزاءً لهم على ما فعلوا؛ لأن التأنيب والتوبيخ هما من ألوان الجزاء على المخالفة، ولكنه قد يحمل الأمل في المخالف ليعود إلى الصواب.

فأنت إن لم يذهب ابنك إلى المدرسة مثلاً تُوبِّخه وتُعنِّفه، وأنت تفعل ذلك لأنك تأمل في أن ينصلح حاله، ولكن إذا استمر على مثل هذه الحال فأنت تهمله، والإهمال دليل على أنك فقدت الأمل في إصلاحه.

كذلك كان الأمر بالنسبة للمنافقين، لو أن التوبيخ والإهانة كانت ستجعلهم يفيقون ويعودون إلى حظيرة الإيمان، فهذا دليل على أن هناك أملاً في الإصلاح، وهم لن ينصلح حالهم، وهم في ذلك يختلفون عن المؤمنين، فالمؤمن إن ارتكب إثماً فهو يستحق العتاب والتوبيخ من إخوته في الإيمان، وفي هذا إيلام له.

والمؤمن عرضة أن تصيبه غفلة فيرتكب إثماً، فإذا حدث بعد هذا الإثم إيلام له من نفسه، أو بواسطة إخوانه المؤمنين، فهو يفيق ويشعر بالذنب، وشعوره بالذنب وصول به إلى التوبة.

 أما هؤلاء المنافقون فلا ينفع معهم التوبيخ أو الإيلام النفسي؛ لأنهم لن يعودوا أبداً إلى حظيرة الإيمان، ولذلك جاء الأمر: فأعرضوا عنهم؛ لأنهم لا يستحقون -حتى- اللوم، فالتوبيخ جزاء على ذنب قد يُقلع عنه من ارتكبه.

ولكن هؤلاء لا أمل فيهم، والعلة يأتي بها القرآن: (إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) والرجس يطلق على معان متعددة، وقوله: (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) أي: هم الخباثة بذاتها، ويقول العلماء: أي أن فيهم خبثاً وقذارة.

وأقول: إن الرجس هو القذارة نفسها، فلا نقول: إنهم قذرون؛ لأننا إن قلنا ذلك فالمعنى يفيد أنهم طُهُرٌ أصابهم قذر، وهم ليسوا كذلك، إنهم "قذر" في حد ذواتهم، ولا يطهرهم شيء؛ لأن الذي يخرج من القذارة يكون مثلها؛ فهم خباثة لا يطهرها لَوْم أو توبيخ.

وأطلق الرجس هنا مثلما قال الحق: (إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة: 28).

ولم يقل: "نجسون" بل هم أنفسهم نجس.

والرجس يطلق أيضاً على الشيء القذر حسيّاً؛ مثل الميتة، والحق سبحانه يقول: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ) (الأنعام: 145).

إذن: فالميتة قذارة حسّية، كذلك الخمر التي يقول فيها الحق: (إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ) (المائدة: 90).

فالخمر نفسها رجس، أي: قذارة حسّية، وعطف عليها الحق -سبحانه- الميسر والأنصاب، والأزلام؛ وأخذوا حكم الخمر، وهكذا نفهم أن الخمر رجس حسّي، بينما الأنصاب والأزلام والميسر رجس معنوي.

وهناك أيضا الرجز، ويطلق على وسوسة الشيطان، فالحق يقول: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ) (الأنفال: 11).

إذن: فالرجس له متعلقات؛ معناه هنا الكفر، والكافر هو قذارة في حَدِّ ذاته لا أنه إنسان أصابته قذارة.

ويقول الحق: (فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) والمأوى: هو المكان الذي يؤويك من شر يلحقك، ويقال: "آوى إلى كذا" أي: هرب من شر يُراد به، فإذا كان المأوى الذي يفزعون إليه هو جهنم، فمعنى ذلك أنهم بحثوا عن منفذ فلم يجدوا منفذاً إلا أن يدخلوا جهنم، وهي بطبيعة الحال بئس المصير.

وهل ذلك افتئات عليهم أم جزاء؟

يقول الحق: (جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) ونعرف أن الحسنة يقال عنها: "كسب"، والسيئة يقال عنها "اكتسب"، والحق هو القائل: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ) (البقرة: 286).

وذلك لأن عمل الحرام المخالف لمنهج الله لابد أن يشوبه الافتعال، أما عمل الحلال فهو أمر فطري لا يكلف النفس مشقة، ولا تتنازع فيه مَلَكَات، لكن بعض الناس الذين يعملون السيئات يألفونها إلْفَاً بحيث تصبح سهلة؛ فلا تكلفهم شيئاً، ويعتبر الواحد منهم السيئة كسباً، كأن تأتي لإنسان، فيحدثك بمغامراته في الخارج، ويروي عن رحلاته في باريس ولندن، وما فعل فيهما من منكرات.

هو يظن أنه يحكي عن مكاسب، ولا يعلم أنه يحكي عن مصائب وقع فيها باختياره.

مثل هذا الإنسان يفعل السيئة، وهو معتاد عليها؛ فتصير كَسْباً.

وهو عكس إنسان آخر وقعت عليه المعصية؛ فيظل يبكي ويبكي ويبكي، ويندم، وقد يضرب نفسه كلما تذكر المعصية، ويندم عليها.

فالأول فرح بخطاياه ومعاصيه واعتبرها كسباً, وصارت له دُرْبة وله رياضة وله إلْفٌ بتلك المعاصي.

وهنا يقول الحق سبحانه: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ...).



سورة التوبة الآيات من 091-095 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 091-095
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة التوبة الآيات من 036-040
» سورة التوبة الآيات من 116-120
» سورة التوبة الآيات من 041-045
» سورة التوبة الآيات من 121-125
» سورة التوبة الآيات من 046-050

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: التوبة-
انتقل الى: