منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة التوبة الآيات من 116-120

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: سورة التوبة الآيات من 116-120   سورة التوبة الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 2:13 pm

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١١٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومادة الـ (م. ل. ك) يأتي منها "مالك"، و "مَلك"، و "ملْك"، ومنها "مُلْك"، ومنها "ملكوت"، و "المِلْك" هو ما تملكه أنت في حيزك، فإن كان هناك أحد يملكك أنت ومن معك ويملك غيرك، فهذا هو المَلِك، أما ما اتسع فيه مقدور الإنسان أي الذي يدخل في سياسته وتدبيره، فاسمه مُلك، فشيخ القبيلة له ملك، وعمدة القرية له ملك، وحاكم الأمة له ملك، ويكون في الأمور الظاهرة.

وأما الملكوت فهو ما لله في كونه من أسرار خفية.

مثل قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ) (الأنعام: 75).

وساعة ترى "تاء المبالغة" في مثل "رهبوت"، و "عظموت" تدرك أنها رهبة عظيمة.

إذن: إياك أن تفهم أن الله حين يمنعك أن تستغفر لآبائك، وأنك إن قاطعتهم فذلك يخل بوجودك في الحياة؛ لأنهم هم ومن يؤازرهم داخلون في ملك الله، وما دام الله له ملك السماوات والأرض، فلا يضيرك أحد أو شيء ولا يفوتك مع الله فائت، وما دام الله سبحانه موجوداً فكل شيء سهل لمن يأخذ بأسبابه مع الإيمان به.

والحق سبحانه يبين لنا أنه سبحانه وحده الذي بيده الملك؛ فقال: (قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ) (آل عمران: 26).

وفي هذا القول الكريم أربعة أشياء متقابلة: (تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ) و (وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ)، وإيتاء الملْك في أعراف الناس خير، ونزعه في أعراف الناس شر، وإعزاز الناس خير، وإذلالهم شر، ولم يقل الله بيده: "الخير والشر”.

وإنما قال في كُلّ: (بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ).

إذن: فحين يؤتي الله إنساناً مُلْكاً؛ نقول: هذا خير وعليك أن تستغله في الخير.

وحينما ينزع الله منه الملك نقول له: لقد طغيت وخفف الله عنك جبروت الطغيان، فنزعه الله منك فهذا خير لك.

وإن أعزك الله، فقد يعذبك حقّاً، وإن أذلهم الله، فالمقصود ألا يطغوا أو يتجبروا.

إذن: فكلها خير.

(تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ) (آل عمران: 26).

ساعة تجد ملكاً عضوضاً، إياك أن تظن أن هذا الملك العضوض قد أخذ ملكه دون إرادة الله، لا.

بل هو عطاء من الله.

ولو أن المملوك راعى الله في كل أموره لرقق عليه قلب مالكه.

ولذلك يقول لنا في الحديث القدسي: "أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيها بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك، ولكن أطيعوني أعطفهم عليكم".

وما دام الأمر كذلك، فلابد أن نعرف أن كل حادث له حكمة في الوجود.

 وإن رأيت واحداً قد أخذ الملك وهو ظالم، فاعلم أن الله قد جاء به ليربي به المملوكين، وسبحانه لا يربي الأشرار بالأخيار؛ لأن الأخيار لا يعرفون كيف يربون؛ وقلوبهم تمتلئ بالرحمة؛ ولذلك يعلمنا سبحانه: (وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً) (الأنعام: 129).

والخيِّر لا يدخل المعركة بل يشاهد الصراع من بعيد، ويجري كل شيء بعلم الله؛ لأنه سبحانه له ملك السماوات والأرض وهو الذي يحيي ويميت، فإياك أن تُفْتَن في غير خالقك أبداً؛ لأن الخلق مهما بلغ من قدرته وطغيانه، لا يستطيع أن يحمي نفسه من أغيار الله في كونه ولذلك فليأخذ المؤمن من الله وليّاً له ونصيراً.

وبعد أن قال لنا سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ) يأتي لنا بالأمر الذي يظهر فيه أثر القدرة، ولا يشاركه فيه غيره، فقال: (يُحْيِـي وَيُمِيتُ).

وقال بعض العلماء في قوله: (يُحْيِـي وَيُمِيتُ) أنه سبحانه "يحيي الجماد"، و"يميت الحيوان"؛ لأنهم ظنوا أن الحياة هي الحس والحركة التي نراها أمامنا من حركة وكلام وذهاب وإياب، ونسوا أن الحياة هي ما أودعه الله في كل ذرة في الكون، مما تؤدي به مهمتها، ففي ذرة الرمل حياة، والجبل فيه حياة، وكل شيء فيه حياة، بنص القرآن حيث يقول: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (الأنفال: 42).

إذن: فالحياة مقابلها الهلاك، وفي آيات أخرى يقابل الحياة الموت، فالهلاك هو الموت.

فإذا قال الحق سبحانه: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) (القصص: 88).

إذن: فكل شيء قبل أن يكون هالكاً كان حيّاً، وهكذا نعرف أن الحياة ليست هي الحس والحركة الظاهرتين، وبعد التقدم العلمي الهائل في المجاهر الدقيقة تكشفت لنا حركة وحس كائنات كنا لا نراها، وإذا كان الإنسان قد توصل بالآلات التي ابتكرها إلى إدراك ألوان كثيرة من الحياة فيما كان يعتقد أنه لا حياة فيها، إذن: فكل شي في الوجود له حياة تناسبه فلو جئت بمعدن مثلاً وتركته ستجده تأكسد، أي حدث فيه تفاعل مع مواد أخرى.

فهذه حياة.

بعد ذلك يقول الحق: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ...).



سورة التوبة الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 116-120   سورة التوبة الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 2:14 pm

لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قلنا: إن التوبة لها مراحل، فهناك توبة شرعها الله، ومجرد مشروعية التوبة من الله رحمة بالخلق، وهي أيضاً رحمة بالمذنب؛ لأن الحق سبحانه لو لم يشرع التوبة لاستشرى الإنسان في المعاصي بمجرد انحرافه مرة واحدة، وإذا استشرى في المعاصي فالمجتمع كله يشقى به، إذن: فمشروعية التوبة نفسها رحمة بمن يفعل الذنب، وبمن يقع عليه الذنب، وقبول التوبة رحمة أخرى بمن عمل الذنب.

وأنت إذا سمعت قوله الحق سبحانه: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ) (التوبة: 118).

فافهم أن تشريع التوبة إنما جاء ليتوب العباد فعلاً.

وبعد أن يتوبوا، يقبل الله التوبة.

والحق هنا يقول: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ) وعطف على النبي -صلى الله عليه وسلم- (ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ)، فأي شيء فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقول الله: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ)؟

ونقول: ألم يقل الحق سبحانه له: (عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) (التوبة: 43).

فحين جاء بعض المنافقين استأذنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في التخلف عن الغزوة، فأذن لهم، مع أن الله سبحانه قال: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً) (التوبة: 47).

إذن: فرسول لله -صلى الله عليه وسلم- كان بالفطرة السليمة قد اتخذ القرار الصائب، ولكن الحق سبحانه لا يريد ان يتبعوا فطرتهم فقط، بل أراد أن يضع تشريعاً محدداً.

وشاء الحق سبحانه أن يخبرنا بأنه قدم العفو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أذن لمن استأذنه من المنافقين ألا يخرجوا إلى القتال، وهناك أشياء يأخذها الله على عبده؛ لأن العبد قام بها ضد صالح نفسه، ومثال هذا من حياتنا ولله المثل الأعلى: أنت إذا رأيت ولدك يذاكر عشرين ساعة في اليوم؛ فإنك تدخل عليه حجرته لتأخذ منه الكتاب أو تطفئ مصباح الحجرة، وتقول له: "قم لتنام”.

وأنت في هذه الحالة إنما تعنف عليه لأنك تحبه، لا.

لأنه خالف منهجاً، بل لأنه أوغل في منهجٍ وأسلوب عملٍ يرهق به نفسه.

وحين سمح النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوم أن يتخلفوا، فهل فعل ذلك ضد مصلحة الحرب أم مع مصلحة الحرب؟

إنهم لو اشتركوا في الحرب لكثر ثوابهم حتى ولو حرسوا الأمتعة أو قاموا بأي عمل، إذن: فإذنه -صلى الله عليه وسلم- لهم بالتخلف هو تصعيب للأمر على نفسه.

ولذلك نجد أن كل عتب على نبي الله، إنما كان عتباً لصالحه لا عليه فسبحانه يقول له: (لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ) (التحريم: 1).

والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحل ما حرم الله بل حرم على نفسه ما أحل الله له، وهذا ضد مصلحته، وكأن الحق يسائله: لماذا ترهق نفسك؟

إذن: فهذا عتب لمصلحة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأيضاً حين جاء ابن أم مكتوم الأعمى يسأل رسول الله في أمر من أمور الدين، وكان ذلك في حضور صناديد قريش، فالتفت -صلى الله عليه وسلم- إلى الصناديد وهم كافرون، يريد أن يلين قلوبهم، وترك ابن أم مكتوم؛ فنزل القول الحق: (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ) (عبس: 1-2).

وابن أم مكتوم جاء ليستفسر عن أمر إيماني، ولن يجادل مثلما يجادل صناديد قريش، فلماذا يختار الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأمر الصعب الذي يحتاج إلى جهد أكبر ليفعله؟

إذن: العتب هنا لصالح محمد -صلى الله عليه وسلم-، وحين يقول الحق له: (عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) (التوبة: 43).

ثم جاء هنا في الآية بالمهاجرين والأنصار معطوفين على رسول الله، وذلك حتى لا يتحرج واحد من المهاجرين أو الأنصار من أن الله تاب عليه، بل التوبة تشمله وتشمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه؛ فلا تحرُّج.

وهذه المسائل التي حدثت كان لها مبررات، فقد قال الحق: (مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ) ويزيغ: يميل، أي: يترك ميدان المعركة كله؛ لأنها كانت معركة في ساعة العُسرة، ومعنى العُسرة الضيق الشديد، فالمسافة طويلة، والجنود الذين سيواجهونهم هم جنود الروم، والجو حارٌّ، وليس عندهم رواحل كافية، فكل عشرة كان معهم بعير واحد، يركبه واحد منهم ساعة ثم ينزل ليركبه الثاني، ثم الثالث، وهكذا، ولم يجدوا من الطعام إلا التمر الذي توالد فيه الدود.

وقد بلغ من العُسرة أن الواحد منهم كان يمسك التمرة فيمصها بفيه يستحلبها قليلاً.

ثم يخرجها من فيه ليعطيها إلى غيره ليستحلبها قليلاً.

وهكذا إلى أن تصير على النواة، وكان الشعير قد أصابه السوس، وبلغ منه السوس أن تعفَّن، وقال مَنْ شهد المعركة: "حتى إن الواحد منا كان إذا أخذ حفنة من شعير ليأكلها يمسك أنفه حتى لا يتأذّى من رائحة الشعير”.

كل هذه الصِّعاب جعلت من بعض الصحابة مَنْ يرغب في العودة.

ولا يستكمل الطريق إلى الغزوة.

إذن: فالتوبة كانت عن اقتراب زيغ قلوب فريق منهم.

وجاء الحق بتقدير ظرف العُسرة، ولذلك تنبأ بالخواطر التي كانت في نواياهم ومنهم أيضاً من همّ ألا يذهب، ثم حدثته نفسه بأنه يذهب مثل أبي خيثمة الذي بقي من بعد أن رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الغزوة ومرت عشرة أيام، ودخل الرجل بستانه فوجد العريشين، وعند كل عريش زوجةٌ له حسناء، وقد طَهَتْ كل منهما طعاماً، وهكذا رأى أبو خيثمة الظلال الباردة، والثمر المدلَّى، فمسّته نفحة من صفاء النفس؛ فقال: "رسول الله في الفيح -أي الحرارة الشديدة جدّاً- والريح، والقُرّ والبرد، وأنا هنا في ظل بارد، وطعام مطهوّ، وامرأتين حسناوين، وعريش وثير، والله ما ذلك بالنِّصَفة لك يا رسول الله، وأخذ زمام راحلته وركبها فكلّمته المرأتان، فلم يلتفت لواحدة منهما وذهب ليلحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فقال صحابة رسول الله: يا رسول الله إنَّا نرى شبح رجل مُقْبل.

فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "كن أبا خيثمة"، ووجده أبا خيثمة، هذا معنى الحق: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 117).

وفي واقعة الصحابة الذين راودتهم أنفسهم أن يرجعوا وتاب الله أيضاً على آخرين اعترفوا بذنوبهم، فتاب الحق عليهم حين قال: (وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 102).

وأرجـأ الحق أمر آخرين نزل فيهم قوله: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ) (التوبة: 106).

وما دام الله قد قال: (مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ) أي: ما بَتّ الله سبحانه في أمرهم بشيء؛ فلابد من الانتظار إلى أن يأتي أمر الله، ويجب ألا نتعرض لهم حتى يأتي قول الله.

وتاب أيضاً على الثلاثة الذين خلفوا، في قوله سبحانه: (وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ...).



سورة التوبة الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 116-120   سورة التوبة الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 2:20 pm

وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قد يظن أحد أن (خُلِّفُوا) هنا تدل على أن أحداً قال لهم: اقعدوا عن الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لم يقل لهم أحد هذا.

إنما (خُلِّفُوا) معناها: لم يظهر أمر الشارع فيهم كما ظهر في غيرهم، بل قال الحق فيهم من قبل: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ) (التوبة: 6)، وما دام قد تأخر فيهم الحكم فلابد من الانتظار.

(وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ) (التوبة: 118).

ونعلم أن الإنسان إذا شغله همّ يُحدّث نفسه بأن يترك المكان الذي يجلس فيه، ويسبب له الضيق، لعل الضيق ينفك.

ولكن هؤلاء الثلاثة قابلوا الضيق في كل مكان ذهبوا إليه حتى ضاقت عليهم الأرض بسعتها، فلم يجد واحد منهم مكاناً يذهب إليه، وهذا معناه أن الكرب الذي يحيطهم قد عَمَّ، والإنسان قد تضيق عليه الأرض بما رحبت ولكن نفسه تسعه.

والحق يقول عنهم: (وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ) أي: ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم أيضاً، فقد تخلف الثلاثة عن الغزوة، لا لعذر إلا مجرد الكسل والتواني، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بمقاطعتهم، فكان كعب بن مالك يخرج إلى السوق فلا يكلمه أحد، ويذهب إلى أقربائه فلا يكلمه أحد، ويتسوَّر عليهم الحيطان لعلهم ينظرون إليه، فلا ينظرون إليه.

وبعد ذلك يتصاعد الأمر في عزل هؤلاء، حتى تعدَّى إلى نسائهم، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بألا يقربوا نساءهم هكذا بلغ العزل مبلغاً شديداً ودقيقاً، فقد كان التحكم أولاً في المجتمع، ثم في الأقارب، ثم في خصوصيات السَّكن وهي المرأة، حتى إن امرأة هلال بن أميَّة ذهبت إليه وقالت: يا رسول الله إن هلال بن أميَّة، رجلٌ مريضٌ ضعيفٌ، وأنا أستأذنك في أن أصنع له ما يُقيمه، قال لها: "ولكن لا يقربنَّكِ”. قالت والله يا رسول الله ما به حركة إلى شيءٍ، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.

وذهب بعض المسلمين إلى كعب بن مالك ليُبلغوه أن رسول الله صرح لامرأة هلال أن تخدمه، وقالوا له: اذهب إلى رسول الله واستأذنه أن تخدمك امرأتك. قال: إن هلالاً رجلٌ شيخٌ، فماذا أقول لرسول الله وأنا رجلٌ شابٌ؟ والله لا أذهب له أبداً.

وظل الثلاثة في حصار نفسي ومجتمعي لمدة خمسين يوماً إلى أن جاء الله بالتوبة، وفي هذا تمحيص لهم، فكعب بن مالك -على سبيل المثال- يقصُّ عن حاله قبل الغزوة قائلاً: "لم أكن قط أقوى ولا أيسر منِّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة”.

أي: أنه لم يكن له عذر يمنعه.

بعد ذلك يجيء البشير بأن الله قد تاب عليه، فيأتي واحد من جبل سَلْع فيقول: يا كعب أبشر بخير يوم مَرَّ عليك. فقد أنزل الله فيك قرآناً وأنه تاب عليك.

قال كعب: فلم أجد عندي ما أهديه له لأنه بشَّرني إلا ثوبيَّ فخلعتهما وأعطيتهما له، ثم استعرت ثوبين ذهبت بهما إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقال: يا رسول الله، إن من تمام توبتي أن أنخلع من مالي -الذي سَبَّبَ لي هذا العقاب- صدقة إلى الله وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

إذن: فتأخر الحكم كان المُراد منه تمحيص هؤلاء، وإعطاء الأسوة لغيرهم.

فحين يرون أن الأرض قد ضاقت عليهم بما رحبت، وكذلك ضاقت عليهم أنفسهم يتيقنون من قول الحق: (وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ) (التوبة: 118).

أي: أن أحداً لا يجير إلا الله، وسبحانه يجير من نفسه.

كيف؟

أنت تعلم أنك ساعة لا يجيرك إلا من يتعقبك، فاعلم أنه لا سلطان لأحد أبداً؛ ولذلك نقول: أنت تلجأ إلى الله لا من خلقه، ولكنك تلجأ إلى الله ليحميك من الله، فسبحانه له صفات جلال وصفات جمال، وتتمثل صفات الجلال في أنه: قهار، وجبار، ومنتقم، وشديد البطش، إلى آخر تلك الصفات.

وفي الحق سبحانه صفات جمال مثل غفور، ورحيم، وغيرها، فإذا ما أذنب الإنسان ذنباً، فالمجال في هذه الحالة ان يُعاقب من صفات الجلال، ولا ينفع العبد وقاية من صفات الجلال إلا صفات الجمال.

وكلنا يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دعا الله بقوله: "أعوذ بك منك".

أي: أعوذ بصفات الجمال فيك من صفات جلالك، فلن يحميني من صفات جلالك إلا صفات جمالك.

ولذلك حينما جاء في الحديث الشريف عن آخر ليلة من رمضان قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا ما كان آخر ليلة من رمضان تجلَّى الجبَّار بالمغفرة".

يظن بعض الناس أن هذه المسألة غير منطقية، فكيف يتجلَّى الجبّار بالمغفرة؟

ألم يكن من المناسب أن يقال: "يتجلّى الغفّار"؟

ونقول: لا.

فإن المغفرة تقتضي ذنباً، ويصبح المقام لصفة الجبار، وهكذا تأخذ صفة الرحمة من صفة الجبار سُلْطتها، وكأننا نقول: يا جبار أنت الحق وحدك، لكننا نتشفع بصفات جمالك عند صفات جلالك.

هذا هو معنى: "يتجلى الجبار بالمغفرة”.

وقد سمع الأصمعي -وهو يطوف- مسلماً عند باب الملتزم، يقول: اللهم إني أستحي أن أطلب منك المغفرة؛ لأني عصيتك، ولكني تطلَّعْتُ فلم أجد إلهاً سواك. فقال له: يا هذا، إن الله يغفر لك لحُسْن مسألتك.

 ثم يقول الحق سبحانه: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ) والتوبة أولاً -كما عرفنا- هي تشريعها، ثم تأتي التوبة بالقبول، وقوله: (لِيَتُوبُوۤاْ) أي: أنها تصبح توبة رجوع وعودة إلى ما كانوا عليه قبل المعصية.

ويُنهي الحق الآية بقوله: (إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ) فلا توَّاب ولا رحيم سواه سبحانه وتعالى ويقول الحق بعد ذلك: (يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...).



سورة التوبة الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 116-120   سورة التوبة الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 2:23 pm

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة ينادي الحق عزّ وجلّ عباده المؤمنين، فهو سبحانه إما أن يناديهم بحكم يتعلق بالإيمان، وإما أن يناديهم بالإيمان ويطلب منهم الإيمان مثل قوله الحق: (يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ) (النساء: 136).

والحق سبحانه يُبيّن للذين آمنوا به قبل أن يخاطبهم، أنه من الممكن أن يؤمن الإنسان ثم يتذبذب في إيمانه، فيطلب منه الحق "دوام الإيمان”.

فإذا طلب الله من عباده ما كان موجوداً فيهم ساعة الخطاب، فالمطلوب دوامه، وإن طلب منهم حكماً يتعلق بالإيمان، فهو يوجّههم إلى الاستماع وتطبيق ما يطلب منهم، ومثال هذا قول الحق سبحانه: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) (التوبة: 119).

وكلمة (ٱتَّقُواْ) تعني: اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، ويتساءل البعض: هل يطلب أحد من الإنسان أن يجعل بينه وبين ربه وقاية؟

إن العبد المؤمن يطلب أن يكون في معيَّة الله.

وهنا تأتي ضرورة فهم صفات الجمال وصفات الجلال.

إن قوله سبحانه: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) يعني: اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية، مثلما قال سبحانه: (فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ) (البقرة: 24).

لأن النار من جنود صفات الجلال، فاجعلوا بينكم وبين الله وقاية من صفات الجلال.

وهنا يقول الحق: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ)، وفسر بعض العلماء قوله: (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ) بمعنى كونوا من الصادقين، أي: أن "مع" هنا بمعنى "من" والمقصود أن يعطي هذا القول معنى إجماليّاً عامّاً.

لكني أقول: هناك فرق بين (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ) و "كونوا من الصادقين"، فقوله الحق: (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ) أي: التحموا بهم فتكونوا في معيّتهم، وبعد أن تلتحموا بهم يأتي الذين من بعدكم ويجدونكم مع الصادقين.

ويقتضي الأمر هنا أن نتذكر ما سبق أن قلناه عن النسبة الكلامية والنسبة الذهنية، فأيُّ قضية تمر على ذهنك قبل أن تقولها هي نسبة ذهنية، مثل قولك: "محمد زارني"، وأنت قبل أن تقول هذه العبارة جاء إلى ذهنك أن تنطقها، وهذه "نسبة ذهنية”.

ومن يسمعك لا يدري بها، ولكونك المتكلم فأنت وحدك الذي تدري بها، فإذا ما نطقتها وسمعها منك المخاطب؛ علم أن نسبة ذهنية جاءت في ذهنك فترجمتها قولاً بالنسبة الكلامية.

فحين قلت: "محمد زارني بالأمس"؛ جاءت في ذهنك قبل أن تقولها، فلما سمعها السامع عرف أن هناك نسبتين؛ نسبة سمعها عن نسبة عندك.

وحين يمحّص السامع هذا القول؛ يعلم أن هناك واحداً في الواقع اسمه محمد وعلم منك أنه قد زارك، وخبرته معك دائماً أنك صادق، إذن: فالصدق هو أن تتطابق النسبة الكلامية مع الواقع.

أما إذا قلت: إن محمداً قد سافر إلى أمريكا، وهو لم يسافر، فهذا يعني أن النسبة الكلامية لم تتطابق مع النسبة الواقعية وهذا هو الكذب.

إذن: فهناك "نسبة ذهنية" و "نسبة كلامية" و "نسبة واقعية”.

فإن تطابقت النسبة الكلامية مع النسبة الواقعية، فذلك هو الصدق، وإن لم تتطابق يكون الكذب.

وكل نسبة تقولها تحتمل أن تكون صادقة أو كاذبة، والفيصل في هذا الأمر هو الواقع، هل يتطابق ما تقول مع الواقع أم لا؟

أما إن قلت لك: "زُرْ فلاناً" فهذه نسبة إنشاء؛ لأن الواقع يأتي بعدها، لا قبلها.

وهنا يقول الحق سبحانه: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ) والصدق هو الخَلَّة التي تجمع كل الإيمان، ولنر التطبيق لذلك في قصة الرجل البدوي الذي ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، إن فيَّ خلالاً ثلاثة لا أقدر على التخلِّي عنها أبداً، أما الأولى فهي النساء، وأما الثانية فهي الخمر، وأما الثالثة فهي الكذب، وقد جئتك يا رسول الله، لتختار لي خصلة من الثلاثة وتقوِّيني عليها، وأعاهد ربنا عليها.

فاختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي أن يتوب عن الكذب، وأن يتحلّى بالصدق، فقال له: كن صادقاً وما عليك.

وحين أحب الأعرابي أن يشرب كأس خمر؛ تساءل: وماذا إن سألني النبي -صلى الله عليه وسلم- أشربت الخمر؟

وامتنع عن الخمر حتى لا يكذب على الرسول.

وحين جاء ليختلس النظر إلى امرأة؛ قال لنفسه: "وماذا إن سألني -صلى الله عليه وسلم- وكيف أُخزي نفسي بصفة لا تليق بمسلم؛ فامتنع عن النظر إلى المحارم، وهكذا سيطر الصدق على الرجل فهذّب سلوكه.

وحين سُئِلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: نعم. فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: نعم. فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: لا.

لأن مدخل الإيمان هو التصديق بالقضية العقدية الجازمة، وهكذا تجد أن الصدق هو "رأس الأمر كله”.

وقوله الحق: (وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ) أي: لا تقولوا كلاماً لا يصادفه الواقع، وكذلك إياكم أن تقولوا كلاماً تناقضه أفعالكم، لهذا يقول الحق سبحانه: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2-3).

وفي سورة البقرة يقول الحق سبحانه: (لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلٰوةَ وَآتَى ٱلزَّكَٰوةَ) (البقرة: 177).

ولننتبه إلى الملاحظ الدقيقة في هذه الآية، فقد قال الحق هنا: (وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ) (البقرة: 177).

ثم ذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلماذا إذن ذكر (وَآتَى ٱلْمَالَ)؟

أقول: لقد ذكر الحق هنا المال الذي ينفقه المؤمن دون أن يكون مفروضاً عليه إخراجه مثل الزكاة، فالزكاة واجبة، أما إيتاء المال تصدقاً، فهذا فوق الواجب.

ثم يقول سبحانه: (وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّاءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177).

هذه هي صفات من صدقوا، وهم هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قد صدقوا واتقوا.

(يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ) (التوبة: 119).

وقد جاء الحق بصفة "الصدق" هنا؛ لأن المجال هو الحديث عمن تخلّف عن الغزوات، وكذب في الأعذار التي افتعلها؛ لذلك يأتي التوجيه السماوي أن ادخلوا من باب الصدق.

يقول الحق بعد ذلك: (مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ...).



سورة التوبة الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة التوبة الآيات من 116-120 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة التوبة الآيات من 116-120   سورة التوبة الآيات من 116-120 Emptyالإثنين 16 سبتمبر 2019, 2:30 pm

مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والحديث هنا فيه رجوع إلى الذين تخلفوا عن الغزوة، وعرفنا من قبل أنك ساعة تقول: "ما كان لك أن تفعل كذا" أي: أنك تنفي القدرة على الفعل، أما إن قلت: "ما ينبغي" أي: عندك قدرة على الفعل، ولا يجب أن تفعله.

وهنا يقول الحق: (مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ) وبعضهم قد تخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغزو.

ثم يقول سبحانه: (وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ) وهنا حديث عن نوعين من الأنفس: أنفس من قالوا بالتخلف، ونفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت إذا قلت: "رغبت"، معناها: أنك ملتَ ميلاً قلبياً، فإن قلت: "رغبت في" كان الميل القلبي إلى ممارسة الفعل وفيها التغلغل، أما إن قلت: "رغبت عن" وفيها التجاوز، هذا يعني أن الميل القلبي يهدف إلى الابتعاد عن الفعل.

إذن: فحرف الجر هو الذي يحدِّد لون الميل القلبي.

وقوله الحق: (وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ) أي: أنهم زهدوا في أمر صدر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفضَّلوا أمر نفوسهم على أمر رسول الله، فيبين الحق لهم أنهم ما كان لهم أن يفعلوا ذلك؛ لأنكم ما دمتم آمنتم بالله، فإيمانكم لا يكمل حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليكم من نفوسكم.

ولذلك نجد سيدنا عمر -رضي الله عنه- لما سمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحَبَّ إليه من نفسه"، فقال: يا رسول الله، أنا أحبك عن أهلي وعن مالي إنما عن نفسي، فلا.

وهكذا كان صدق عمر -رضي الله عنه-، فكرَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القول: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحَبَّ إليه من نفسه".

فعلم عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حازم في هذه القضية الإيمانية، وعلم أن الحُبَّ المطلوب ليس حُبَّ العاطفة، إنما هو حُبُّ العقل، وهناك فرق بين حب العاطفة وحب العقل؛ فحب العاطفة لا تكليف فيه، لكن حب العقل يأتي بالتكليف.

وعلى سبيل المثال: فأنت تحب ابنك بعاطفتك، حتى وإن لم يكن ذكيّاً، لكنك تحب بعقلك ابن عدوك إن كان ذكيّاً وأميناً وناجحاً.

وضربنا المثل من قبل وقلنا: إن الإنسان قد يحب الدواء المُرَّ؛ لأن فيه الشفاء، والإنسان لا يحب هذا الدواء بعواطفه، ولا يتلذّذ به وهو يشربه، بل يحبه بعقله؛ لأن هذا الدواء قد يكون السبب في العافية، وإن لم يجده في الصيدليات يغضب ويشكو، ويُسَرُّ بمَنْ يأتي له به من البلاد الأخرى.

إذن: فالذين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل المدينة أو ممن حولهم ما كان لهم أن يتخلفوا؛ لأن هذا يناقض إيمانهم في أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحَبَّ إليهم من أنفسهم، وكان من الواجب أن يرغبوا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أنفسهم، أما أن يكون الأمر بالعكس، فلا.

لأن اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يأتي لهم بالخير.

أما اتباع حبهم لأنفسهم فهو حب ضيق البصيرة، سيأتي لهم بالشرور، وإن جاء لهم بخير فخيره موقوت، وبحسب إمكاناتهم، ولكن حبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أنفسهم يأتي لهم بالخير الثابت الدائم الذي يتناسب مع قدرة الله سبحانه.

ثم يقول سبحانه: (ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) و (ذٰلِكَ) إشارة إلى حيثيات الترغيب التي يأخذون بها الجزاء الطيب من الحق سبحانه بأنهم (لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ)، ونعلم أن الظمأ قد أصابهم في جيش العُسرة لدرجة أن المُقاتل كان يذبح البعير، ويُصَفِّي الماء الذي في معدته لِيَبُلَّ ريقه، وريق زملائه.

(وَلاَ نَصَبٌ) والنَّصَب: هو التعب، وكانت الغزوة في جو حار مرهق.

(وَلاَ مَخْمَصَةٌ) أي: المجاعة، وقد كانوا يأكلون التمر الذي أصابه الدود، والشعير الذي انتشر فيه السوس.

وإن كانوا قد عانوا من كل ذلك فهو في سبيل الله القادر على أن يمُنَّ عليهم بكل خير جزاءً لما يقدمونه في سبيل نُصرته.

(وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ) نعلم أن الكفار كان لهم رقعة من الأرض يتمركزون فيها، فحين يُغِيرُ عليهم المؤمنون ويُزحزحونهم عن هذا المكان، وينزلون إلى الوديان والبساتين التي يملكها الكفار، فهذا أمرٌ يغيظ أهل الكفر، إذن: فهم حين يطأون مَوطئاً، فهذا يغيظ الكفار.

(وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً) أي: يأخذون من عدوٍّ منالاً.

والمعنى: أن يقهروا العدو فيتراجع ويشعر بالخسران، حينئذ يأخذون الجزاء الخيِّر من الله، وكل ما حدث أن الظمأ والنصب والمخمصة ووطء موطئ يغيظ الكفار والنيل من عدوهم نيلاً.

كل واحدة من هذه الأحداث لها جزاءً يُحَدِّدُهُ الحق: (إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ).

إذن: فالذين رغبوا عن رسول الله بأنفسهم ولم يخرجوا للغزوة قد خسروا كثيراً؛ خسروا ما كتبه الحق سبحانه من عمل صالح جزاءً لكل حادثٍ قابله مَنْ خرجوا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ويُنهي الحق سبحانه الآية: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ) فهؤلاء الذين أحسنوا لا يُضيعُ اللهُ أجرهم أبداً.

ثم يأتي بأحداث أخرى غير الظمأ والنصب والمخمصة ووطء الموطئ الذي يغيظ الكفار، والنَّيْل من عدو الله نيلاً.

فيقول سبحانه: (وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ...).



سورة التوبة الآيات من 116-120 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة التوبة الآيات من 116-120
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة التوبة الآيات من 036-040
» سورة التوبة الآيات من 041-045
» سورة التوبة الآيات من 121-125
» سورة التوبة الآيات من 046-050
» سورة التوبة الآيات من 126-129

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: التوبة-
انتقل الى: