نقلاً عن منتدى السبيل
رابط المنتدى:
http://ar.assabile.com/read-quran/surat-al-araf-7
سورة الأعراف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
المص (١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(نال شرف التنسيق لهذه السورة الكريمة: أحمد محمد لبن)
وفي هذه الآية فصل بين كل حرف، فنقرأها: "ألف" ثم نسكت لنقرأ "لام" ثم نسكت لنقرأ "ميم" ثم نسكت لنقرأ "صاد".
وهنا حروف خرقت القاعدة لحكمة؛ لأن هذه حروف مقطعة، مثل "الم"، حم، طه، يس، ص، ق، وكلها مبنية على السكون مما يدل على أن هذه الحروف وإن خيل لك أنها كلمة واحدة، لكن لكل حرف منها معنى مستقل عند الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن أَلِفٌ حرف، ولامٌ حرف، وَمِيمٌ حرف".
والرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أن هذه الحروف بها أمور استقلالية، ولا تكون كذلك إلا إذا كانت لها فائدة يحسن السكوت والوقوف عليها، فهمها من فهمها، وتعبد بها من تعبد بها، وكل قارئ للقرآن يأخذ ثوابه بكل حرف، فلو أن قارئاً قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ونطق بعد ذلك بحرف أو بأكثر، فهو قد أخذ بكل حرف حسنة، وحين نقرأ بعضاً من فواتح السور، نجد أن سورة البقرة تبدأ بقوله الحق: (الۤمۤ) (البقرة: 1).
ونقرأ هنا في أول سورة الأعراف: (الۤمۤصۤ) (الأعراف: 1).
وهي حروف مقطعة.
نطقت بالإِسكان، وبالفصل بين كل حرف وحرف.
ويلاحظ فيها أيضاً أنها لم تقرأ مسميات، وإنما قُرئت أسماء، ما معنى مسميات؟ وما معنى أسماء؟.
أنت حين تقول: كتب، لا تقول "كاف" "تاء" "باء"، بل تنطق مسمى الكاف كَ، واسمها كاف مفتوحة، أما مسماها فهو "كَ".
إذن فكل حرف له مسمى، أي الصوت الذي يقوله الإِنسان، وله اسم، والأمي ينطق المسميات، وإن لم يعرف أسماءها.
أما المتعلم فهو وحده الذي يفهم أنه حين يقول: "كتب" أنها مكونة من كاف مفتوحة، وتاء مفتوحة، وباء مفتوحة، أما الأمي فهو لا يعرف هذا التفصيل.
وإذا كان رسول الله قد تلقى ذلك وقال: ألف لام ميم، وهو أمي لم يتعلم.
فمن قال له انطق مسميات الحروف بهذه الأسماء؟.
لابد أنه قد عُلِّمَهَا وتلقاها، والحق هو القائل: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة: 18).
فالذي سوف تسمعه يا محمد ستقرأه، ولذلك تجد عجائب؛ فأنت تجد "الم" في أول البقرة، وفي أول سورة آل عمران، ولكنك تقرأ الآية الأولى من سورة الفيل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ) (الفيل: 1).
ما الفرق بين الألف واللام والميم في أول سورة البقرة، وسورة آل عمران وغيرهما، والحروف نفسها في أول سورة الفيل وغيرها كسورة الشَّرْح؟ أنت تقرأها في أول سورة البقرة وآل عمران أسماء.
وتقرأ في أول سورة الفيل مسميات.
والذي جعلك تفرق بين هذه وتلك أنك سمعتها تُقرأ في أول البقرة وآل عمران هكذا، وسمعتها تقرأ في أول سورة الفيل هكذا.
إذن فالقراءة توقيف، وليس لأحد أن يجترئ ليقرأ القرآن دون سماع من معلم.
لا، لابد أن يسمعه أولاً حتى يعرف كيف يقرأ.
ونقرأ (الۤمۤصۤ) في أول سورة الأعراف، وهي حروف مقطعة، ونعرف أن الحروف المقطعة ثمانية وعشرون حرفاً، ونجد نصفها أربعة عشر حرفاً في فواتح السور، وقد يوجد منها في أول السورة حرف واحد مثل: (قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ) (ق: 1).
وكذلك قوله الحق: (صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ) (ص: 1).
وكذلك قوله الحق: (نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم: 1).
ومرة يأتي من الحروف المقطعة اثنان، مثل قوله الحق: (حـمۤ) (الأحقاف: 1).
ومرة تأتي ثلاثة حروف مقطعة مثل: (الۤمۤ) (البقرة: 1).
ومرة يأتي الحق بأربعة حروف مقطعة مثل قوله الحق: (الۤمۤصۤ) (الأعراف: 1).
ومرة يأتي بخمسة حروف مقطعة مثل قوله الحق: (كۤهيعۤصۤ) (مريم: 1).
وإذا نظرت إلى الأربعة عشر حرفاً وجدتها تمثل نصف الحروف الأبجدية، وهذا النصف فيه نصف أحكام الحروف، فبعضها منشور، أو مهموس، أو مخفي، أو مستعلٍ، ومن كل نوع تجد النصف، مما يدل على أنها موضوعة بحساب دقيق، ومع أن توصيف الحروف، من مستعلٍ، أو مفخم، أو مرقق، أو منشور، أو مهموس، هذا التوصيف جاء متأخراً عن نزول القرآن، ولكن الذي قاله يعلم ما ينتهي إليه خلقه في هذه الحروف المقطعة وله في ذلك حكمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميَّا، ولم يجلس إلى معلم، فكيف نطق بأسماء الحروف، وأسماء الحروف لا يعرفها إلا من تعلم؟!
فهو إذن قد تلقنها، وإننا نعلم أن القرآن جاء متحديّاً العرب؛ ليكون معجزة لسيد الخلق، ولا يُتَحَدَّى إلا من كان بارعاً في هذه الصنعة.
وكان العرب مشهورين بالبلاغة، والخطابة والشعر، والسجع وبالأمثال؛ فهم أمة كلام، وفصاحة، وبلاغة، فجاء لهم القرآن من جنس نبوغهم، وحين يتحدى الله العرب بأنه أرسل قرآناً لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، فالمادة الخام -وهي اللغة- واحدة، ومن حروف اللغة نفسها التي برع العرب فيها.
وبالكلمات نفسها التي يستعملونها، لكنهم عجزوا أن يأتوا بمثله؛ لأنه جاء من رب قادر، وكلام العرب وبلاغتهم هي من صنعة الإنسان المخلوق العاجز.
وهكذا نعلم سرّ الحروف المقطعة التي جاءت لتثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن من الملأ الأعلى لأنه أمي لم يتعلم شيئاً، لكنه عرف أسماء الحروف، ومعرفة أسماء الحروف لا يعرفها -كما قلت- إلا المتعلم، وقد علمه الذي علم بالقلم وعلم الإنسان ما لم يعلم، ويمكن للعقل البشري أن يحوم حول هذه الآيات، وفي هذه الحروف معانٍ كثيرة، ونجد أن الكثير من المفكرين والمتدبرين لكلام الله وجدوا في مجال جلال وجمال القرآن الكثير، فتجد متصوفاً يقول إن "المص" جاءت هنا لحكمة، فأنت تنطق أو كلمة ألف وهي الهمزة من الحلق، واللام تنطقها من اللسان، والميم تنطقها من الشفة، وبذلك تستوعب مخارج الحروف من الحلق واللسان والشفة.
قال المتصوف ذلك ليدلك على أن هذه السورة تتكلم في أمور الحياة بدءاً للخلق من آدم.
إشارة إلى أولية خلق الإنسان، ووسطاً وهو المعاش، ونهاية وهو الموت والحساب ثم الحياة في الدار الأخرة، وجاءت "الصاد" لأن في هذه السورة قصص أغلب الأنبياء.
هكذا جال هذا المتصوف جولة وطلع بها، أنردها عليه؟ لا نردها بطبيعة الحال، ولكن نقول له: أذلك هو كل علم الله فيها؟.
لا؛ لأن علينا أن نتعرف على المعاني التي فيها وأن نأخذها على قدر بشريتنا، ولكن إذا قرأناها على قدر مراد الله فيها فلن نستوعب كل آفاق مرادات الله؛ لأن أفهامنا قاصرة.
ونحن البشر نضع كلمات لا معنى لها لكي تدل على أشياء تخدم الحياة، فمثلاً نجد في الجيوش من يضع "كلمة سر" لكل معسكر فلا يدخل إلا من يعرف الكلمة.
ومن يعرف "كلمة السر" يمكنه أن يدخل.
وكل كلمة سر لها معنى عند واضعها، وقد يكون ثمنها الحياة عند من يقترب من معسكر الجيش ولا يعرفها.
(الۤمۤصۤ) (الأعراف: 1).
ونجد بعد هذه الحروف المقطعة حديثاً عن الكتاب، فيقول سبحانه: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ...).