| سورة الأعراف الآيات من 056-065 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الأحد 18 أغسطس 2019, 8:00 am | |
| وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
الأرض هي مكان الخليفة وهو الإِنسان، وفيها الأسباب الأصيلة لاستبقاء الحياة والسماء والأرض والشمس والهواء كلٌ مسخر لك.
ولا تحتاج إلى تكليف فيه، فلا أنت تقول: "يا شمس أشرقي" أو "يا هواء هب" فكل ذلك مسخر لك.
وأنت مطالب ألا تفسد فيما لك فيه اختيار؛ لأنك لا تستطيع أن تفسد قوانين الكون العليا، لا تستطيع أن تغير مسار الشمس ولا مسار القمر ولا مسار الريح، وأنت لن تستطيع إصلاح ما لا يمكن أن تقترب من إفساده، لأن أمره ليس بيدك لأنه لا اختيار لك فيه.
وإنما يأتي الإِفساد من ملكات الاختيار الموجودة فيك، ولم يتركنا الله أحراراً فيها، بل حددها بمنهج يحمي حركة الحياة بـ "افعل" و "لا تفعل"، فإذا كان سبحانه قد أنزل قرآناً، والقرآن فيه منهج يحمي اختيارك إذن فقد أعطاك عناصر الإِصلاح ولذلك يقول لك: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً..) (الأعراف: 56).
وهنا يعود الحق مرة أخرى للحديث عن الدعاء، فأولاً جاء بالأمر أن يكون الدعاء تضرعاً وخفية، وهنا يوضح الحق سبيلاً ثانياً للدعاء: (وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً).
خوفاً من صفات جبروته وقهره، وطمعاً في صفات غفرانه ورحمته؛ لأن لله صفات جمال وصفات جلال، وادعوه خوفاً من متعلقات صفات الجلال، وطمعاً في متعلقات صفات الجمال.
أو خوفاً من أن تُرد وطمعاً فيما أنت ترجو.
(وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ) (الأعراف: 56).
إذن من الذي يحدد قرب الرحمة منه؟ إنه الإِنسان فإذا أحسن قربت منه الرحمة والزمام في يد الإِنسان؛ لأن الله لا يفتئت ولا يستبد بأحد.
فإذا كنت تريد أن تقرب منك رحمة الله فعليك بالإِحسان.
(إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ).
ولذلك قلنا إن الحق سبحانه وتعالى يقول: "لا أملّ حتى تملّوا" (من حديث قدسي).
وأنت تدخل بيوت الله تصلى في أي وقت، وتقف في أي مكان تؤدي الصلاة، إذن فاستحضارك أمام ربك في يدك أنت، وسبحانه حدد لك خمسة أوقات، ولكن بقية الأوقات كلها في يدك، وتستطيع أن تقف بين يدي الله في أي لحظة.
وسبحانه يقول: "ومن جاءني يمشي أتيته هرولة" (من حديث قدسي).
وهو جل وعلا يوضح لك: استرح أنت وسآتي لك أنا؛ لأن الجري قد يتعبك لكني لا يعتريني تعب ولا عي ولا عجز.
وكأن الحق لا يطلب من العبد إلا أن يملك شعوراً بأنه يريد لقاء ربه.
إذن فالمسألة كلها في يدك، ويقول سبحانه: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" (من حديث قدسي).
وهكذا يؤكد لك سبحانه أن رحمته في يدك أنت وقد أعطاها لك، وعندما تسلسلها تجدها تفضلاً من الله، ولكن في يدك أنت.
(إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ).
ونعلم أن فيه صفات لله وفيه ذات، فالذات (الله) وهو واهب الوجود، وله كل صفات الكمال وكل صفة لها متعلق؛ الرحمة لها متعلق والبعث له متعلق فمن أسمائه سبحانه "الباعث"؛ وإياك أن تغيب عن الذات، اجعل نفسك مسبحاً لذاته العلية دائماً.
وقد تقول: يا رب أريد أن ترحمني في كذا، وقد لا ينفذ لك ما طلبت، لكن ذلك لا يجعلك تبتعد عن التسبيح للذات، لأن عدم تحقيق ما طلبت هو في مصلحتك وخير لك.
وقد وقف العلماء عند كلمة "قريب" هذه، وتساءل بعضهم عن سرّ عدم مجيء تاء التأنيث بعد لفظ الجلالة؟ ونعلم أن القرآن قد نزل بلغة العرب، وعند العرب ألفاظ يستوي فيها التذكير والتأنيث، وما يقال للمذكر مثلما يقال للمؤنث، فنقول: "رجل صبور"، و"امرأة صبور"، ولا نقول: صبورة ونقول: "رجل معطار" أي يكثر استخدام العطر، و"امرأة معطار" أي تكثر استخدام العطر.
ونقول: قريب مثلما نقول: قتيل بمعنى مقتول.
فيقال: "رجل قتيل" و"امرأة قتيل"، ولا يقال: "قتيلة" إلا إذا لم يذكر معها كلمة امرأة أو ما يدل على التأنيث، لأن القتيل للذكر وللأنثى.
هذه هي ألفاظ صحيح اللغة.
وقد صنعت اللغة ذلك بأسانيد، فأنت حين تقول: "رجل صبور" أو "امرأة صبور" فالصبر يقتضي الجلد والعزم والشدة؛ لذلك لا نقول: "امرأة صبور" بل نأتي بالوصف المناسب للجَلَد والشدة.
وإياك أن تضعفها بحكاية التأنيث، وكذلك "رجل معطار" و"امرأة معطار"، والرجل المعطار هو من تعرفه الناس من نفاذ رائحة عطره، والمرأة مبنية على الستر.
فإن تعطرت فهي قد تشبهت بالرجل ويقال لها: "امرأة معطار"، وحين ننظر إلى كلمة "قريب" فهي من صيغة "فعيل" التي يستوي فيها المذكر والمؤنث؛ بدليل أن الله قال: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم: 4).
والملائكة لفظها لفظ مؤنث، ولم يقل الحق "ظهيرة"، لأن "ظهير" يعني مُعين، والمعونة تتطلب القوة والعزم والمدد؛ لذلك جاء لها باللفظ المناسب الذي يدل على القوة وهو "ظهير".
وكذلك قوله الحق: (إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ) (الأعراف: 56).
و"قريب" بوزن "فعيل" بمعنى مفعول، ولعل بعض الناس يفهم أن "قريب" بمعنى فاعل أي قارب.
مثل رحيم وراحم.
أي أن رحمة الله هي التي تقرُب من المحسنين، والأمر ليس كذلك، فإن الرحمة هي المقروبة، والإحسان هو الذي يُقَرِّبُ إليها فيكون فعيل هنا بمعنى مفعول الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو يكون جاءت كذلك على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم، أو لأنه صفة لموصوف محذوف أي شيء قريب، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي، أو أن الرحمة مصدر، وحق المصدر التذكير.
ويقول الحق بعد ذلك: (وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ...).
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:40 am عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الأحد 18 أغسطس 2019, 8:01 am | |
| وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وتصريف الرياح إهاجة للهواء في الكون، والإهاجة للهواء في الكون تأتي منها فوائد كثيرة للغاية، ونحن حين نجلس في مكان مكتظ وممتلئ بالأنفاس نقول لمن يجلس بجوار النافذة: "لنهوي الغرفة قليلاً".
وإن لم يكف هواء النافذة تأت بمروحة لتأخذ من طبقات الجو طبقة هواء جديدة فيها أوكسجين كثير.
إذن فإرسال الرياح ضرورة حتى لا يظل الهواء راكداً.
ويتلوث الجو بهذا الركود، ولو أن كل إنسان سيستقر في مكان مكتوم الهواء لامتلأ المكان بثاني أكسيد الكربون الخارج من تنفسه، ثم لا يلبث أن يختنق، ولذلك أراد الله حركة الرياح رحمة عامة مستمرة في كل شيء، وهي أيضاً رحمة تتعلق بالقوت كما تعلقت بمقومات الحياة من نفس وماء وطعام، وتصريف الرياح من أجل تجديد الهواء الذي نتنفسة، وكذلك تكوين الماء.
لأنه سبحانه القائل عن الرياح: (حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ..) (الأعراف: 57).
والرياح هي التي تساعد في تكوين الأمطار التي تنزل على الأرض فتروي التربة التي نحرثها، وهكذا تكون الرياح بشرى في ثلاثة أشياء: الشيء الأول تحريك طبقات الهواء وإلا لفسد الجو في كل جماعة تستقر في مكان ولاستنشقوا الهواء الفاسد.
والعنصر الثاني لمقومات الحياة هو الماء، لأن الرياح هي التي تحمل السحاب وتحركه وتنزل به مطراً على الأرض ونحرث نحن الأرض ونزرعها.
وهو سبحانه قال: "بُشْراً"، لأن هناك فرقاً بين بشرى، وبشراً؛ فالبشرى مفرد، وقد وردت في قوله الحق: (وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَى) (هود: 69).
أي التبشير.
لكن بشراً جمع بشير وهي كلمة مخففة، والأصل فيها بُشُر.
والحق يقول: (فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ).
وجمع البشير "بُشُر" مثل: "نذير" و"نُذُر" بضم الشين فسكنت تخفيفاً، فتنطق بُشْراً وبُشُراً.
(بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
هي بين يدي رحمته لأنها ستأتي لنا بالماء، وهو الرحمة في ذاته، وبواسطته يعطينا ري الأرض، ونحن نرتوي منه مباشرة أيضاً.
ونلحظ كلمة الرياح إذا أطلقت بالجمع فهي تأتي للخير، أما حين يكون فيها شر فيأتي بكلمة "ريح" مفردة، مثل قوله: (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) (الحاقة: 6).
فإذن عندما نرى كلمة "رياح" فاعلم أنها خير، أما كلمة "ريح" فاعلم أنها شر لماذا؟ أنت إذا كنت قاعداً في حجرة فيها فتحة نافذة يأتي منها الهواء، ويتسلط التيار على إنسان، فالإِنسان يصاب بالتعب؛ لأن الهواء يأتي من مكان واحد، لكن حين تجلس في الخلاء ويهب الهواء فأنت لا تتعبَ، لأن الرياح متعددة.
ولكن الريح تأتي كالصاروخ.
الرياح إذن يرسلها الحق بين يدي رحمته؛ حتى إذا أقلت أي حملت يقال: "أقل فلان الحمل" أي رفعه من على الأرض وحمله لأنه أقل من طاقته، لأنه لو كان أكثر من طاقته لما استطاع أن يرفعه عن الأرض، وما دام قد أقله فالحمل أقل بالنسبة لطاقته وبالنسبة لجهده، أقلت أي حملت، وما دامت قد حملت فجهدها فوق ما حملته، وإذا كان الجهد أقل من الذي حملته لابد أن ينزل إلى الأرض.
وأقلت سحاباً أي حملت سحاباً.
نعرف أن السحاب هو الأبخرة الطالعة والصاعدة من الأرض ثم تتجمع وتصعد إلى طبقات الجو العليا، وتضربها الرياح إلى أن تصادف منطقة باردة فيحدث تكثيف للسحاب؛ فينزل المطر؛ ونرى ذلك في الماء المقطر الذي يصنعونه في الصيدلية؛ فيأتي الصيدلي بموقد وفوقه إناء فيه ماء ويغلي الماء فيخرج البخار ليسير في الأنابيب التي تمر في تيار بارد فيتكثف البخار ليصير ماء.
(حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ).
وقال الحق: "سقناه" بضمير المذكر؛ لأنه نظر إلى السحاب في اسم جنسه، أو نظر إلى لفظه، وجاء بالوصف مجموعاً فقال: "ثقالاً" نظراً إلى أن السحاب جمع سحابة فرق بينه وبين واحدة بالتاء، وما دامت السحب كلها داخلة في السّوق فليس لها تعددات فكأنها شيء واحد.
(حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ..) (الأعراف: 57).
السحاب لا يتجه إلى مكان واحد، بل يتجه لأماكن متعددة، إذن فالحق يوجه السحاب الثقال لأكثر من مكان.
لكن الحق سبحانه وتعالى يقول: (سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ).
والميت هو الذي لا حراك فيه وانتهى اختياره في الحركة، كذلك الأرض، فالماء ينزل من السماء على الأرض وهي هامدة ليس بها حركة حياة أي أن الله يرسل السحاب ويزجيه إلى البلد الميت في أي مكان من الأرض.
(فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج: 5).
إذن فالأرض التي لا يأتيها الماء تظل هامدة أي ليس بها حركة حياة مثل الميت.
(سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ..) (الأعراف: 57).
وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا وينبهنا إلى القضية اليومية التي نراها دائماً في صور شتى، وهي أن الأرض تكون في بعض الأحيان جدباً، ثم يهبط عليها بعض المطر، وبمجرد أن ينزل المطر على الجبل، وبعد يومين من نزول المطر نجد الجبل في اليوم الثالث وهو مخضر، فمن الذي بذر البذرة للنبات هذا اليوم؟ إذن فالنبات كان ينتظر هذه المياه، وبمجرد أن تنزل المياه يخرج النبات دون أن يبذر أحد بذوراً، وهذا دليل على أن كل منطقة في الأرض فيها مقومات الحياة.
(فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 57).
فالماء الذي ينزل على الأرض الميتة يحيي الأرض؛ لأنه سبحانه يخرج الحياة كل يوم، وحين يوضح لنا سبحانه أن سيبعثنا من جديد فليس في هذا أمر عجيب، وهكذا جعل الله القضية الكونية مرئية وواضحة لكل واحد ولا يستطيع أحد أن يكابر ويعاند فيها؛ لأنها أمر حسيّ مشاهد، ومنها نستنبط صدق القضية وصدق الرب.
ويقول الحق بعد ذلك: (وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الأحد 18 أغسطس 2019, 8:03 am | |
| وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
إذن الآية السابقة عالجت قضية البعث بضرب المثل بالآية الكونية الموجودة؛ فالرياح التي تحمل السحاب، والسحاب يساق إلى بلد ميت وينزل منه الماء فيخرج به الزرع.
والأرض كانت ميتة ويحييها الله بالمطر وهكذا الإِخراج بالبعث وهذه قضية دينية، ويأتي في هذه الآية بقضية دينية أيضا: (وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً).
والبلد الطيب هو البلد الخصب الذي لا يحتاج إلا إلى المياه فيخرج منه الزرع، أما الذي خبث، فمهما نزل عليه الماء فلن يخرج نباته إلاّ بعد عناء ومشقة وهو مع ذلك قليل وعديم النفع.
وهنا يخدم الحق قضية دينية مثلما خدم القضية الدينية في البعث أولاً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة؛ قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها، إنما هي قيعان لا تُمسك ماءً ولا تُنبتُ كلأً، فذلك مثل مَنْ فقه في دين الله تعالى، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به".
إذن فالمنهج ينزل إلى الناس وهم ثلاثة أقسام؛ قسم يسمع فينفع نفسه وينقل ما عنده إلى الغير فينفع غيره مثل الأرض الخصبة شربت الماء وقبلته، وأنبتت الزرع، وقسم يحملون المنهج ويبلغونه للناس ولا يعملون به وينطبق عليهم قوله الحق: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف: 2).
صحيح سينتفع الناس من المنهج.
ولذلك قال الشاعر: خذ بعلمي ولا تركن إلى عملي واجن الثمار وخل العود للنار
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة".
فستر المؤمن على المؤمن مطلوب وستر المؤمن على العالم آكد وأشدّ طلباً؛ لأن العالم غير معصوم وله فلتات، وساعة ترى زلته وسقطته لا تُذِعْها لأن الناس سينتفعون بعلمه.
فلا تشككهم فيه، والقسم الثالث هو من لا يشرب الماء ولا يسقيه لغيره أي الذي لا ينتفع هو، ولا ينفع غيره.
(وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (الأعراف: 58).
إذن منهج الله مثله مثل المطر تماماً؛ فالمطر ينزل على الأرض ليرويها وتخرج النبات وهناك أرض أخرى لا تنتفع منه ولكنها تمسكه فينتفع غيره، وهناك من لا ينتفع ولا ينفع، فكذلك العلم الذي ينزله الله على لسان رسوله.
(وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ).
قلنا من قبل: إن الآيات تطلق على معانٍ ثلاثة: الآيات الكونية التي نراها واقعة في الكون مثل قوله الحق: (وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ) (فصلت: 37).
وآيات هي آيات القرآن، والآيات التي تكون هي المعجزات للأنبياء.
(كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ) (الأعراف: 58).
الآيات هنا هي الكونية كالماء الذي ينزل، إنه مثل المنهج، من أخذ به فاز ونجا، ومن تركه وغوى وكل آيات الله تقتضي أن نشكر الله عليها.
ويقول الحق بعد ذلك: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الأحد 18 أغسطس 2019, 8:04 am | |
| لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
بعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الطائعين وعن العاصين في الدنيا، وتكلم عن مواقف الآخرة الجزائية في أصحاب الجنة، وأصحاب النار والأعراف أراد أن يبين بعد ذلك أن كل دعوة من دعوات الله سبحانه لأهل الأرض لابد أن تلقي عنتاً وتضييقاً، وتلقى إعراضاً، وتلقى إيذاء، إنه -سبحانه- يريد بذلك أن يعطي المناعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، فيوضح له: لست أنت بدعاً من الرسل؛ لأن كل رسول جاء إلى قومه قوبل بالاضطهاد، وقوبل بالتكذيب، وقوبل بالنكران، وقوبل بالإيذاء، وإذا كان كان كل رسول قد أخذ من هذا على قدر مهمته الرسالية زماناً محدوداً، ومكاناً محصوراً فأنت يا رسول الله أخذت الدنيا كلها زماناً ومكاناً، فلابد أن تكون مواجهاً لمصاعب تناسب مهمتك ورسالتك؛ فأنت في قمة الرسل، وستكون الإيذاءات التي تنالك وتصيبك قمة في الإيذاء، فلست بدعاً من الرسل، فوطّن نفسك على ذلك.
وحين توطن نفسك على ذلك ستلقى كل إيذاء وكل اضطهاد بصبر واحتمال في الله، وقص الحق قصص الرسل على رسول الله، وعبر الله بالهدف من قص القصص بقول: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (هود: 120).
فكأن القصص تثبيت لفؤاده صلى الله عليه وسلم، فكلما أهاجه نكران، أو كلما أهاجه جحود، قص عليه الحق -سبحانه- قصة رسول قوبل بالنكران وقوبل بالجحود ليثبت به فؤاده صلى الله عليه وسلم وفؤاد أتباعه لعلهم يعرفون كل شيء ويوطنون أنفسهم على هذا العنت؛ فلم يقل الحق لأتباع محمد: إنكم مقبلون على أمر والأرض مفروشة لكم بالورود، لا.
إنما هي متاعب لتجابهوا شر الشيطان في الأرض.
والقصص له أكثر من هدى يثبت به فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ويبين له أنه ليس بدعاً من الرسل، ويقوي نفوس أتباعه لأنهم حينما يرون أن أهل الحق مع الأنبياء انتصروا، وهزم الجمع وولّى الدبر، وأنهم منصورون دائماً فهذا يقوي يقين المؤمنين، ويكسر من جهة أخرى نفوس الكافرين مثلما قال الحق عن واحد من أكابر قريش.
(سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ) (القلم: 16).
قال الحق لهم ذلك عن واحد من أكابر قريش وهم لا يقدرون حينئذ أن يدافعوا أو يذودوا عن أنفسهم، وذهبوا وهاجروا إلى الحبشة حماية لأنفسهم من بطش هؤلاء الأكابر، وكل مؤمن يبحث له عمن يحميه، وينزل قوله الحق بعد ذلك في الوليد بن المغيرة (سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ)، والوليد بن المغيرة سيد في قومه، ويأتي يوم بدر فيوجد أنفه وقد ضرب وخطم ويتحقق قول الله: (سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ) (القلم: 16).
فمن -إذن- يحدد ضربة قتال بسيف في يد مقاتل قبل أن يبدأ القتال؟ لقد حددها الأعلم بما يكون عليه الأمر.
وأيضاً فقصص الرسل إنما جيء بها ليثبت للمعاصرين له أنه تلقى القرآن من الله؛ لأنه رسول أميّ؛ والأمة أمية، ولم يدّع أحد من خصومه أنه جلس إلى معلم، أو قرأ كتاباً، فمن أين جاءته هذه الأخبار إذن؟
واسمع قول الحق سبحانه وتعالى في الآيات التي يأتي فيها: "ما كنت" مثل قوله الحق: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ) (القصص: 44).
ومثل قوله الحق: (وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت: 48).
ومثل قوله: (وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (آل عمران: 44).
فمن أين جاءت هذه الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه لم يجلس إلى معلم ولم يقرأ كتاباً؟ لقد جاءت كلها من الحق سبحانه وتعالى، وهذا دليل آخر على صدق رسالته.
وقصة سيدنا نوح من القصص التي وردت كثيراً في القرآن الكريم مثل قصة موسى عليه السلام، ومن العجيب أن لقطات القصة تنتشر في بعض السور، لكن السورة التي سميت بسورة نوح ليس فيها من المواقف التي تعتبر من عيون القصة، إنها تعالج لقطات أخرى؛ تعالج إلحاحه في دعوة قومه، وأنه ما قصّر في دعوتهم ليلاً ونهاراً، وسرّاً وعلانية، كلما دعاهم ابتعدوا، ولم تأت قصة المركب في سورة نوح، ولا قصة الطوفان، وهذه لقطات من عيون القصة، وكذلك لم تأتِ فيها قصته مع ابنه، بل جاء بها في سورة هود.
إذن كل لقطة جاءت لوضع مقصود، ولهذا رأينا قصة نوح في سورة "نوح" وقد خلت من عناصر مهمة في القصة، وجاءت هذه العناصر في سورة "هود" أو في سورة "الأعراف" التي نتناولها الآن بالخواطر الإِيمانية.
إذن، كل قصة من القصص القرآني تجدها قد جاءت تخدم فكرة، ومجموعها يعطي كل القصة؛ لأن الحق حين يورد القصص فهو يأتي بلقطة في سورة لتخدم موقفاً، ولقطة أخرى تخدم موقفاً آخر وهكذا.
وحين شاء أن يرسل لنا قصة محبوكة تماماً، جاء بقصة "يوسف" في سورة يوسف ولم يكررها في القرآن، لأنها مستوفية في سورة يوسف، اللهم إلا في آية واحدة: (وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً) (غافر: 34).
لقد وردت في سورة يوسف حياة يوسف منذ أن كان طفلاً حتى أصبح عزيز مصر، وهكذا نرى أن الحق حين يشاء أن يأتي بالقصة كتاريخ يأتي بها محبوكة، وحين يريد أن يلفتنا إلى أمور فيها مواقف وعظات، يوزع لقطات القصة على مواقع متعددة تتناسب وتتوافق مع تلك المواقع لتأكيد وخدمة هدف.
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ..) (الأعراف: 59).
وساعة ترى "اللام" و"قد" فاعرف أن هذا قسم، وكأن الحق يقول: وعزتي وجلالي لقد أرسلت نوحاً.
وهو بهذا يؤكد المقسم عليه.
والقوم هم الرجال خاصة من المعشر؛ لأن القوم عادة هم المواجهون للرسالة، والمرأة محتجبة؛ تسمع من أبيها أو من أخيها أو من زوجها، ولذلك قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال.
أي أننا لا نجد وسيلة لنقعد معك ونسألك، فاجعل لنا يوماً من أيامك تعظنا فيه، فجعل لهن يوماً؛ لأن المفروض أن تكون المرأة في ستر، وبعد ذلك ينقل لها الزوج المنهج.
إن سمع من الرسول شيئاً، وكذلك الأب يقول لابنته، والأخ يقول لأخته.
فإذا تكلم الرسول يقال: إن الرسول واجه القوم، من قولهم هو قائم على كذا.
وقيم على كذا.
ولذلك الشاعر العربي يقول: وما أدرى ولست أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
وجاء هنا بالقوم، والمراد بهم الرجال، والقرآن يقول: (لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ) (الحجرات: 11).
إذن فالنساء لا تدخل في القوم؛ فالقوم هم المواجهون للرسول ومنهم تأتي المتاعب والتصلب في الرأي، ويكون الإِنكار والجحود والحرب منهم.
وسيدنا نوح عليه السلام دعا قومه ونبههم إلى ثلاثة أشياء: عبادة الله، فقال: (يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ)، وبين لهم أنه ليس هناك إله سواه فقال: (مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ)، وأظهر لهم حرصه وإشفاقه عليهم إذا خالفوا وعصوا فقال: (إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
وهكذا تكلم عن العقيدة في الإِله الواحد المستحق للعبادة، وليس آلهة متعددة، ونعبده أي نطيع أمره ونهيه، ولأنهم إن لم يفعلوا ذلك فهو يخاف عليهم من عذاب يوم عظيم، وهو عذاب يوم القيامة.
أو أنّ الله كان قد أوحى له بأنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وعذاب يوم عظيم أي يوم الإِغراق، و"الخوف" مسألة تتعب تفكير من يستقبلها ويخاف أن يلقاها.
فمن الذي يفزع بهذا؟ إن الذي يفزع هم الطغاة والجبابرة والسادة والأعيان ووجوه القوم، وكانوا قد جعلوا من أنفسهم سادة، أما سائر الناس وعامتهم فهم العبيد والمستضعفون.
والذي يهاج بهذه الدعوة هم السادة لأنه ليس هناك إلا إله واحد، والأمر لواحد والنهي لواحد والعبادة والخضوع لواحد، ومن هنا فسوف تذهب عنهم سلطتهم الزمنية.
لذلك يوضح الحق لنا موقف هؤلاء من الدعوة حين يقول: (قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الأحد 18 أغسطس 2019, 8:05 am | |
| قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
والملأ هم سادة القوم وأعيانهم وأشرافهم، أو الذين "يملأون" العين هيئة ويملأون القلوب هيبة، ويملأون صدور المجالس بنية.
إنهم خائفون أن تكون دعوة نوح هي الدعوة إلى الطريق المستقيم وكلامه هو الهداية؛ فيمنّوا أنفسهم بأن هذا ضلال وخروج عن المنهج الحق: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ).
أي غيبة عن الحق، أو في تيه عن الحق، و"مبين" أي محيط بصورة لا يمكن النفاذ منها.
ويرد نوح عليه السلام: (قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:29 am | |
| قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
والملأ هم سادة القوم وأعيانهم وأشرافهم، أو الذين "يملأون" العين هيئة ويملأون القلوب هيبة، ويملأون صدور المجالس بنية.
إنهم خائفون أن تكون دعوة نوح هي الدعوة إلى الطريق المستقيم وكلامه هو الهداية؛ فيمنّوا أنفسهم بأن هذا ضلال وخروج عن المنهج الحق: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ).
أي غيبة عن الحق، أو في تيه عن الحق، و"مبين" أي محيط بصورة لا يمكن النفاذ منها.
ويرد نوح عليه السلام: (قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:31 am | |
| قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
هم قالوا له: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)، المتبادر أن يكون الرد: ليس في أمري ضلال، لكنه قال هنا: (لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ)، أقول ذلك لنعرف أن كل حرف في القرآن موزون لموضعه.
هم قالوا له: إنا لنراك في ضلال، فيرد عليهم: ليس بي ضلالة؛ لأن الضلال جنس يشمل الضلالات الكثيرة، وقوله يؤكد أنه ليس عنده ضلالة واحدة.
وعادة نفي الأقل يلزم منه نفي الأكثر، مثلاً عندما يقول لك صديق: عندك تمر من المدينة المنورة؟ تقول له: ليس عندي ولا تمرة واحدة.
أنت بذلك نفيت الأقل، وهذا أيضاً نفي للأكثر.
(قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ).
وحين ينفي نوح عن نفسه وجود أدنى ضلالة فذلك لأنه يعرف أنه لم يأت من عنده بذلك، ولو كان الأمر كذلك لاتّهم نفسه بأن هواه قد غلبه، لكنه مرسل من عند إله حق.
(وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الأعراف: 61).
وقوله: "ولكني" استدراك فلا تقولوا: أنا في ضلال؛ فليس فيّ ضلالة واحدة، لكن أنا رسول يبلغ عن الله، الله لا يعطي غير الهدى.
(رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ) أي من سيد العالمين ومن متولى تربية العالمين، ومن يتولى التربية لا يُنزل منهجاً يضل به من يربيهم، بل ينزل منهجاً ليصلح من يربيهم، وسبحانه قبل أن يأتي بهم إلى الوجود سخر لهم كل هذا الكون، وأمدهم بالأرزاق حتى الكافرين منهم، ومن يعمل كل ذلك لن يرسل لهم من يضلهم.
ويستمر البلاغ من نوح عليه السلام لقومه فيقول: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:32 am | |
| أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
والبلاغ هو إنهاء الأمر إلى صاحبه؛ فيقال: بلغت المكان الفلاني.
أي انتهيت إليه.
و"البلاغة" هي النهاية في أداء العبارة الجميلة، و"أبلغكم" أي أنهي إليكم ما حملنيه الحق من منهج هداية لحركة حياتكم.
(أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي).
وكان يكفي أن يقول: "رسالة ربي" إلا أنّه قال: (رِسَالاَتِ رَبِّي) لأن أي رسول يأتي بالمنهج الثابت كما جاءت به الرسالات السابقة حتى لا يقول أحد: إنه جاء ليناقض ما جاء به الرسل السابقون، فما قاله وجاء به أي رسول سابق يقوله، ونعلم أنه كانت هناك صحف لشيت ولإِدريس.
فقال: إنه يبلغ رسالته المتضمنة للرسالات السابقة سواء رسالة إدريس وهو اخنوخ، وكذلك شيت وغيره من الرسل.
أي أبلغكم كل ما جعله الله منهجاً لأهل الأرض من الأمور المستقيمة الثابتة، مثلما قال سبحانه: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ) (الشورى: 13).
وهو الأمور المستقرة الثابتة العقدية، والأحكام التي لا تتغير.
أو (رِسَالاَتِ رَبِّي)، لأنه كرسول يتلقى كل يوم قسطاً من الرسالة؛ فاليوم جاءت له رسالة يبلغها، وغداً تأتي له رسالة يبلغها، ولو قال: "الرسالة" لكان عليه أن ينتظر حتى تكتمل البلاغات من الله له ثم يقولها، ولكنْ نوح كان يبلغ كل رسالة تأتيه في وقت إبلاغه بها؛ لذلك فهي "رسالات".
أو لأن موضوع الرسالات أمر متشعب تشعباً يماثل ما تحتاج إليه الحياة من مصالح؛ فهناك رسالة للأوامر، ورسالة للنواهي، ورسالة للوعظ، ورسالة للزجر، ورسالة للتبشير، ورسالة للإِنذار، ورسالة للقصص، وهكذا تكون رسالات.
أو أن كل نجم -أي جزء من القرآن وقسط منه- يعتبر رسالة، فما يرسله الله في يوم هو رسالة للنبي، وغداً له رسالة أخرى وهكذا.
وقوله: (وَأَنصَحُ لَكُمْ) لأن البلاغ يقتضي أن يقول لهم منهج الله، ثم يدعو القوم لاتباع هذا المنهج بان يرقق قلوبهم ويخاطبهم بالأسلوب الهادئ وينصحهم، والنصح أمر خارج عن بلاغ الرسالة.
ولنلتفت إلى فهم العبارة القرآنية.
(وَأَنصَحُ لَكُمْ).
والنصح أن توضح للإِنسان المصلحة في العمل، وتجرد نيتك مما يشوهه.
وهل أنت تنصح آخر بأن يعود نفعه عليك؟
إنك إن فعلت ذلك تكون النصيحة متهمة، وإن نصحته بأمر يعود عليه وعليك فهذه نصيحة لك وله، ولكن حينما تقول: "نصحت لك" أي أن النصيحة ليس فيها مسألة خاصة بك، بل كل ما فيها لصالح من تبلغه فقط، وبذلك يتضح الفارق بين "نصحته" و"نصحت لك".
(وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 62).
وكأن سيدنا نوحاً يخاطب قومه: إياكم أن تظنوا أن ما أقوله لكم الآن هو كل العلم من الله، ولا كل علم الله، ولا كل ما علمني الله، بل أنا عندي مسائل أخرى سوف أقولها لكم إن اتقيتم الله وامتلكتم الاستعداد الإِيماني، وهنا سأعطيكم منها جرعات.
أو قوله: (وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) يعني أنه سيحدث لكم أمر في الدنيا لم يحصل للأمم السابقة عليكم وهو أن من يُكذب الرسول يأخذه الله بذنبه.
وتلك التجربة لم تحدث مع قوم شيت أو إِدريس.
(فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا) (العنكبوت: 40).
ولم يحدث مثل هذا العقاب من قبل نوح، وقد بيَّن لهم نوح: أنا أعلم أن ربنا قد دبر لكم أن من يُكّذِّبَ سيأخذه أخذ عزيز مقتدر.
أو (وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، أي أن الله أعلمني لا على قدر ما قلت لكم من الخير، لكنه سبحانه قد علمني أن لكل إخبار بالخير ميلاداً وميعاداً.
ويقول سبحانه بعد ذلك: (أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:34 am | |
| أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(أَوَ عَجِبْتُمْ) وكان من الممكن أن يقول: "أعجبتم"، لكن ساعة أن يجيء بهمزة الاستفهام ويأتي بعدها بحرف عطف.
فاعرف أن هناك عطفاً على جملة؛ أي أنه يقول: أكذَّبْتُم بي، وعجبتم من أن الله أرسل على لساني (ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ).
والذكر ضد النسيان، وأن الشيء يكون على البال، ومرة يتجاوز البال ويجري على اللسان.
وقد وردت معانٍ كثيرة للذكر في القرآن، وأول هذه المعاني وقمتها أن الذكر حين يطلق يراد به القرآن: (ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ) (آل عمران: 58).
وكذلك في قوله الحق: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
إذن يطلق الذِّكر ويراد به القرآن، ومرة يطلق الذكر ويراد به الصيت أي الشهرة الإِعلامية الواسعة.
وقد قال الحق لرسوله عن القرآن: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) (الزخرف: 44).
أي أن القرآن شرف كبير لك ولأمتك وسيجعل لكم به صيتاً إلى يوم القيامة؛ لأن الناس سترى في القرآن على تعاقب العصور كل عجيبة من العجائب، وسيعلمون كيف أن الكون يصدق القرآن، إذن بفضل القرآن "العربي"، سيظل اسم العرب ملتصقاً ومرتبطاً بالقرآن، وكل شرف للقرآن ينال معه العرب شرفاً جديداً.
أي أن القرآن شرف لكم.
ويقول سبحانه: (لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) (الأنبياء: 10).
أي فيه شرفكم، وفيه وصيتكم، وفيه تاريخكم، ويأتي الإِسلام الذي ينسخ القوميات والأجناس، ويجعل الناس كلهم سواسية كأسنان المشط.
(يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ) (الحجرات: 13).
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
وسيظل القرآن عربياً، وهو معجزة في لغة العرب، وبه ستظل كلمة العرب موجودة في هذه الدنيا.
إذن فشرف القوم يجيء من شرف القرآن، ومن صيت القرآن.
والحق يقول: (صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ) (ص: 1).
أي أن شرفه دائم أبداً.
حين يأتي إلى الدنيا سبق علمي، نجد من يذهب إلى البحث عن أصول السبق العلمي في القرآن، ونجد غير المسلمين يعتنون بالقرآن ويطبعونه في صفحة واحدة، وعلى ورق فاخر قد لا يستعملونه في كتبهم.
هذا هو القرآن ذو الذكر على الرغم من أن بعض المسلمين ينحرفون قليلاً عن المنهج، وقد يتناساه بعضهم، لكن في مسألة القرآن نجد الكل يتنبه.
وكما قلت من قبل: قد تجد امرأة كاشفة للوجه وتضع مصحفاً كبيراً على صدرها، وقد تجد من لا يصلي ويركب سيارة يضع فيها المصحف، وكل هذا ذكر.
وتجد القرآن يُقرأ مرتلاً، ويُقرأ مجوداً، ومجوداً بالعشرة ثم يسجل بمسجلات يصنعها من لا يؤمنون بالقرآن.
وكل هذا ذكر وشرف كبير.
عرفنا أن "الذكر" قد ورد أولاً بمعنى القرآن، وورد باسم الصيت والشرف: ويطلق الذكر ويراد به ما نزل على جميع الرسل؛ فالحق سبحانه يقول: (ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأنبياء: 1-2).
أي أن كل ما نزل على الرسل ذكر.
ويقول سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ) (الأنبياء: 48).
إذن فالمراد بالذكر -أيضاً- كل ما نزل على الرسل من منهج الله.
ومرة يُطلق الذكر ويراد به معنى الاعتبار.
والتذكير، والتذكر فيقول سبحانه: (إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ) (المائدة: 90-91).
والمراد هنا بالذكر: الاعتبار والتذكر وأن تعيش كمسلم في منهج الله.
ومرة يراد بالذكر: التسبيح، والتحميد.
انظر إلى قوله الحق سبحانه وتعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ)(النور: 36-37).
وهو ذكر لأن هناك من يسبح له فيها بالغدو والآصال وهم رجال موصوفون بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
وقد يُطلق الذكر ويراد منه خير الله على عباده ويراد به كذلك ذكر عبادتهم له بالطاعة؛ فسبحانه يذكرهم بالخير وهم يذكرونه بالطاعة.
اقرأ إن شئت قول الحق سبحانه وتعالى: (وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90).
وفي آية أخرى: (إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45).
وما دام قد قال جل وعلا: (وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ) أي ذكر الله لهم بالنعم والخيرات، فذكره فضل وإحسان وهو الكبير المتعال.
فهناك إذن ذكر ثانٍ، ذكر أقل منه، وهو العبادة لربهم بالطاعة، وهنا يقول الحق: (أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الاعراف: 63).
ما وجه العجب هنا؟ نعلم أن العجب هو إظهار الدهشة وانفعال النفس من حصول شيء علي غير ما تقتضيه مواقع الأمور ومقدماتها، إذن تظهر الدهشة ونتساءل كيف حدث هذا؟ ولو كان الأمر طبيعياً ورتيباً لما حدثت تلك الدهشة وذلك العجب.
وعجبتم لماذا؟
اقرأ -إذن- قول الحق سبحانه وتعالى: (قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ) (ق: 1-2).
موضع العجب هنا أن جاء لهم منذر ورسول من جنسهم؛ فمن أي جنس كانوا يريدون الرسول؟ كان من غبائهم أنهم أرادوا الرسول مَلَكاً.
(بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (ق: 2).
وجاء العجب أيضاً في البعث.
فتساءل الكافرون هل بعد أن ذهبنا وغبنا في الأرض وصرنا تراباً بعد الموت يجمعنا البعث مرة ثانية؟!
إذن فالعجب معناه إظهار الدهشة من أمر لا تدعو إليه المقدمات أو من أمر يخالف المقدمات.
العجب عندهم في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها لأن نوحاً عليه السلام يريد منهم أن يبحثوا في الإِيمان بوجود إِله.
وكان المنطق يقتضي أنه إذا رأوا شيئاً هندسته بديعة، وحكيمة، وطرأ عليها هذا المخلوق وهو الإِنسان ليجد الكون منسقاً موجوداً من قبله، كان المنطق أن يبحث هذا الإِنسان عمن خلق هذا الكون وأن يلحّ في أن يعرف مَن صنع الكون، وحين يأتي الرسول ليقول لكم من صنع هذا الكون، تتعجبون؟!
كان القياس أن تتلهفوا على من يخبركم بهذه الحقيقة؛ لأن الكون وأجناسه من النبات والجماد والحيوان في خدمتك أيها الإنسان.
لا بقوتك خلقت هذا الكون ولا تلك الأجناس، بل أنت طارئ على الكون والأجناس، ألم يدر بخلدك أن تتساءل من صنع لك ذلك؟
إذن فالكلام عن الإِيمان كان يجب أن يكون عمل العقل، وقلت قديماً: هب أن إنساناً وقعت به طائرة في مكان، وهذا المكان ليس به من وسائل الحياة شيء أبداً، ثم جاع، ولم يجد طعاماً، وقهره التعب، فنام، ثم أفاق من هذه الإِغفاءة؛ وفوجئ بمائدة أمامه عليها أطايب الطعام والشراب وهو لا يعرف أحداً في المكان، بالله قبل أن يأكل ألا يتساءل عمن أحضرها؟!!
كان الواجب يقتضي ذلك.
إذن أنتم تتعجبون من شيء تقتضي الفطرة أن نبحث عنه، وأن نؤمن به وهو الإِله الذي لا ينتفع بطاعاتنا أو بعبادتنا، ولا تعود عليه العبادة بشيء، بل تعود علينا، والعبادة فيها مشقات لأنها تلجم الشهوات وتعقل وتمنع من المعاصي والمحرمات، ولكن يُقابِل ذلك الثوابُ في الآخرة.
وهناك من قال: ولماذا لا يعطينا الثواب بدون متاعب التكليف؟ ما دام لا يستفيد.
إنّ العقل كاف ليدلنا -دون منهج- إلى ما هو حسن فنفعله، وما نراه سيئاً فلا نفعله، والذي لا نعرفه أهو حسن أم سيىء.
ونضطر له نفعله، وإن لم نكن في حاجة له لا نفعله.
ونقول لهذا القائل: لكن من الذي أخبرك أن العقل كاف ليدلنا إلى الأمر الحسن، هل حسّن لك وحدك أم لك وللآخرين؟ فقد يكون الحسن بالنسبة لك هو السوء بالنسبة لغيرك لأنك لست وحدك في الكون.
ولنفترض أن هناك قطعة قماش واحدة، الحسن عندك أن تأخذها، والحسن عند غيرك أن يأخذها.
لكن الحُسْن الحقيقي أن يفصل في مسألة ملكية هذه القطعة من القماش مَن يعدل بينك وبين غيرك دون هوى.
وألاّ يكون واحد أولى عنده من الآخر.
إذن لابد أن يوجد إله يعصمنا من أهوائنا بمنهج ينزله يبين لنا الحسن من السيء؛ لأن الحسن بالمنطق البشري ستصطدم فيها أهواؤنا.
ومثال آخر: افرض أننا دخلنا مدينة ما، ورأينا مسكناً جميلاً فاخراً وكل منا يريد أن يسكن فيه وكل واحد يريد أن يأخذه؛ لأن ذلك هو الحسن بالنسبة له، لكن ليس كذلك بالنسبة لغيره، إذن فالحسن عندك قد يكون قبيحاً عند الغير.
فالحسن عند بعض الرجال إذا رأى امرأة أن ينظر إليها ويتكلم معها، لكن هل هذا حسن عند أهلها أو أبيها أو زوجها؟ لا.
إنّ الذي تعجبتم منه كان يجب أن تأخذوه على أنه هو الأمر الطبيعي الفطري الذي تستلزمه المقدمات.
فقد جاءكم البلاغ على لسان رجل منكم.
ولماذا لم يقل الحق: لسان رجل؟ إننا نعلم أن هناك آية ثانية يقول فيها الحق: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ) (آل عمران: 194) كأنه يقول لهم: إن الوعد الذي وعده الحق لكم قد جاء لكم بالمنهج الذي نزل على الرسل.
ومهمة الرسل صعبة؛ فليست مقصورة على التبليغ باللسان لأن مشقاتها كلها على كاهل كل رسول، ولا تظنوا أن ربنا حين اختار رسولاً قد اختاره ليدلـله على رقاب الناس، لا.
لقد اختاره وهو يعلم أن المهمة صعبة، والرسول صلى الله عليه وسلم - كما تعلمون - لم يشبع من خبز شعير قط، وأولاده وأهله -على سبيل المثال- لا يأخذون من الزكاة، والرسل لا تورث فجميع ما تركوه صدقة، وكل تبعات الدعوة على الرسول، وهذه هي الفائدة في أنه لم يقل على لسان رسول، لأن الأمر لو كان على لسان الرسول فقط لأعطى البلاغ فقط، إنما "على رجل منكم" تعطي البلاغ ومسئولية البلاغ على هذا الرجل.
(أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف: 63).
ما هو العجب؟
لقد كان العجب أن تردوا الألوهية والنبوة.
وبعضهم لم يرد الألوهية ورد فكرة النبوة على الإِنسان.
وطالب أن يكون الرسول من الملائكة؛ لأن الملائكة لم تعص ولها هيبة ولا يُعرف عنها الكذب.
لكن كيف يصبح الرسول ملكاً؟ وهل أنت ترى الملك؟ إن البلاغ عن الله يقتضي المواجهة، ولابد أن يراه القوم ويكلموه، والملك أنت لن تراه.
إذن فلسوف يتشكل على هيئة رجل كما تشكل جبريل بهيئة رجل.
إذن أنتم تستعجبون من شيء كان المنطق يقتضي ألاّ يكون.
(وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً) (الإسراء: 94).
وقولهم هذا في قمة الغباء.
فقد كان عليهم أن يتهافتوا ويقبلوا على الإِيمان؛ لأن الرسول منهم.
وقد عرفوا ماضيه من قبل، وكذلك أنسوا به، ولو كانت له انحرافات قبل أن يكون رسولاً لخزي واستحيا أن يقول لهم: استقيموا.
وما دام هو منكم وتعرفون تاريخه وسلوكه حين دعاكم للاستقامة كان من الواجب أن تقولوا لأنفسكم: إنه لم يكذب في أمور الدنيا فكيف يكذب في أمور الآخرة، ولم يسبق له أن كذب على خلق الله فكيف يكذب على الله؟ ولأنه منكم فلابد أن يكون إنساناً ولذلك قال الحق: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) (الأنعام: 9).
وهنا في الآية التي نحن بصددها يقول الحق: (عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
إذن فمهمته أن ينذر، والإنذار لقصد التقوى، والتقوى غايتها الرحمة، وبذلك نجد هنا مراحل: الإنذار وهو إخبار بما يسؤوك ولم يأت زمنه بعد وذلك لتستعد له، وتكف عنه لأنه سيتعبك ويضايقك.
والبشارة ضد الإنذار، لأنها تخبر بشيء سار زمنه لم يأت، وفائدة ذلك أن يجند الإنسان كل قوته ليستقبل الخير القادم.
وأن يبتعد عن الشيء المخيف.
وهكذا يكون التبشير والإنذار لتتقي الشرور وتأخذ الخير، وبذلك يحيا الإنسان في التقوى التي تؤدي إلى الرحمة.
إذن فمواطن تعجبهم من أن يجيئهم رسول مردودة؛ لأن مواطن التعجب هذه كان يجب أن يُلح عليها فطرياً، وأن تنعطف النفس إليها لا أن يتعجب أحد لأنها جاءت، فقد جاءت الرسالة موافقة للمقدمات، وقد جاء الرسول ولم يأت مَلَكاً ليكون قدوة.
وكذلك لم يرسله الله من أهل الجاه من الأعيان ومن صاحب الأتباع؛ حتى لا يقال إن الرسالة قد انتشرت بقهر العزوة، إن الأتباع كانوا موافقين على الباطل بتسلط الكبراء والسادة، فمخافة أن يقال: إن كل تشريع من الله آزره المبطلون بأتباعهم جاءت الدعوة على أيدي الذين ليس لهم أتباع ولا هم من أصحاب الجاه والسلطان.
ولقد تمنى أهل الشرك ذلك ويقول القرآن على لسانهم: (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف: 31).
ولقد كان تمنيهم أن ينزل القرآن على رجل عظيم بمعاييرهم، وهذه شهادة منهم بأن القرآن في ذاته منهج ومعجزة.
ولم يتساءلوا: وهل القرآن يشرف بمحمد أو محمد هو الذي يشرف بالقرآن؟
إن محمداً يشرف بالقرآن؛ لذلك يقول الحق: (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ) (هود: 27).
وهذه هي العظمة؛ لأن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا من الذين يفرض عليهم الواقع أن يحافظوا على جاههم ويعملوا بسطوتهم وبطشهم وبقوتهم، ويفرضوا الدين بقوة سلطانهم، لا، بل يمر على أتباع رسول الله فترة وهم ضعاف مضطهدون، ويؤذوْن ويهاجرون، فالمهمة في البلاغ عن الله تأتي لينذر الرسول، ويتقى الأتباع لتنالهم الرحمة نتيجة التقوى، والتقوى جاءت نتيجة الإنذار.
ويقول الحق بعد ذلك: (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ...). |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:34 am | |
| فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وهنا يتكلم الحق عن حكاية الإنجاء، ونعلم المقدمة الطويلة التي سبقت إعداد سيدنا نوح عليه السلام للرسالة، فقد أراد الله أن يتعلم النجارة، وأن يصنع السفينة.
(وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ) (هود: 38).
ولم يجيءالحق هنا بسيرة الطوفان التي قال فيها في موضع آخر من القرآن: (فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ) (القمر: 11).
وجاء الحق هنا بالنتيجة وهي أنهم كذبوه.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ) (الأعراف: 64).
وكانت هذه أول حدث عقابي في تاريخ الديانات؛ لأن رسالة نوح عليه السلام هي أول رسالة تعرضت إلى مثل هذا التكذيب ومثل هذا العناد، وكان الرسل السابقون لنوح عليهم البلاغ فقط، ولم يكن عليهم أن يدخلوا في حرب أو صراع، والسماء هي التي تؤدب، فحينما علم الحق سبحانه وتعالى أنه بإرسال رسوله صلى الله عليه وسلم ستبلغ الإِنسانية رشدها صار أتباع محمد مأمونين على أن يؤدبوا الكافرين.
وفي تكذيب نوح عليه السلام يأتينا الحق هنا بالنتيجة.
(فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ) ولم يقل الحق: كيف أنجاه ولم يأت بسيرة الفلك، بل أخبر بمصير من كذبوه، ويأتي بالعقاب من جنس الطوفان.
(وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ) (الأعراف: 64).
هناك "أعمى" لمن ذهب بصره كله من عينيه كلتيهما، وهناك أيضاً عَمِه وأَعْمَهُ، والعَمَهُ في البصيرة كالعمى في البصر.
أي ذهبت بصيرته ولم يهتد إلى خير.
ثم انتقل الحق إلى رسول آخر.
ليعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة فيه أيضاً.
فبعد أن جاء بنوح يأتي بهود. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الأعراف الآيات من 056-065 الإثنين 19 أغسطس 2019, 12:35 am | |
| وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٦٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وساعة ما تسمع: (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً) أي أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، و"أخاهم" موقعها الإِعرابي "مفعول به" ويدلنا على ذلك قوله في الآية السابقة: (أَرْسَلْنَا نُوحاً)، وكذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً.
وكلمة "أخاهم" تُشْعرُ بأشياء كثيرة؛ إنه من جنسهم، ولغته لغتهم، وأنسهم به، ويعرفون كل شيء وكل تاريخ عنه، وكل ذلك إشارات تعطى الأنس بالرسول؛ فلم يأت لهم برسول أجنبي عاش بعيداً عنهم حتى لا يقولوا: لقد جاء ليصنع لنفسه سيادة علينا.
بل جاء لهم بواحد منهم وأرسل إليهم "أخاهم" وهذا الكلام عن "هود".
إذن كان هود من قوم عاد، ولكن هناك رأي يقول: إن هوداً لم يكن من قوم عاد، ولأنَّ الأخوة نوعان: أخوَّة في الأب القريب، أو أخوّة في الأب البعيد، أي من جنسكم، من آدم؛ فهو إمّا أخ من الأب القريب، وإمّا أخ من الأب البعيد.
وقد قلنا من قبل: إن سيدنا معاوية كان يجلس ثم دخل عليه الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين، رجل بالباب يقول إنه أخوك، فتساءلت ملامح معاوية وتعجب وكأنه يقول لحاجبه: ألا تعرف إخوة أمير المؤمنين؟
وقال له: أدخله، فأدخله.
قال معاوية للرجل: أي إخوتي أنت؟!
قال له: أخوك من آدم.
فقال معاوية: رحم مقطوعة -أي أن الناس لا تتنبه إلى هذه الأخوة- والله لأكونن أول من وصلها.
(وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) (الأعراف: 65).
ونلحظ أن الحق قال على لسان سيدنا نوح لقومه: (فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: 59).
وأرسل الحق هوداً إلى عاد، لكن قول هود لقوم عاد يأتي: (قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).
وهنا "قال" فقط من غير الفاء؛ وجاء في قول نوح: "فقال".
وهذه دقة في الأداء لننتبه؛ لأن الذي يتكلم إله ورب، فتأتي مرة بـ"فاء" وتأتي مرة بغير "فاء" رغم أن السياق واحد، والمعنى واحد والرسول رسول، والجماعة هم قوم الرسول.
ونعلم أن "الفاء" تقتضي التعقيب، وتفيد الإِلحاح عليهم، وهذا توضحه سورة نوح؛ لأن الحق يقول فيها: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (نوح: 5-10).
إذن فالفاء مناسبة هنا، لكن في مسألة قوم هود نجد أن سيدنا هوداً قال لهم مرة أو اثنتين أو ثلاث مرات، لكن بلا استمرار وإلحاح، وهذا يوضح لنا أن إلحاح نوح على قومه يقتضي أن يأتي في سياق الحديث عنه بـ: "فقال" وألا تأتي في الحديث عن دعوة سيدنا هود.
وقد يتعجب الإِنسان لأن مدة هود مع عاد لا تساوي مدة نوح مع قومه، وقد جاء الإِيضاح بزمن رسالة سيدنا نوح في قوله الحق: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً) (العنكبوت: 14).
ظل سيدنا نوح قُرابة ألف سنة يدعو قومه ليلاً ونهاراً سرًّا وعلانية، لكنهم كانوا يفرون من الإِيمان، لذلك يأتي الحق في أمر دعوة نوح بالفاء التي تدل على المتابعة.
أما قوم عاد فلم يأت لهم "بالفاء".
بل جاء بـ"قال": (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) (الأعراف: 65).
وقال نوح من قبل: (يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: 59).
وفي مسألة قوم عاد قال: (يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).
ومع أن الأسلوب واحد والمعاني واحدة، وكان ذلك يقتضي الإِنذار، لكن لم يقل الحق ذلك؛ لأن نوحاً عنده علم بالعذاب الذي سوف ينزل؛ لأنها كانت أول تجربة، لكن سيدنا هود لم يكن عنده علم بالعذاب.
العملية التي حدثت لنوح مع قومه وإهلاكهم بالغرق كانت أولية بالنسبة له؛ فالله سبق أن أعلمه بها، وحين ذهب هود إلى قوم عاد كانت هناك سابقة أمامه، وأخذ ربنا المكذبين لنوح بالعذاب، لذلك ألمح سيدنا هود فقط إلى احتمال العذاب حين قال: (أَفَلاَ تَتَّقُونَ).
أي أن العذاب قد ينتظركم وينالكم مثل قوم نوح.
ويقول الحق بعد ذلك: (قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ...). |
|
| |
| سورة الأعراف الآيات من 056-065 | |
|