ما يجب على من فعل محظوراً من محظورات الإحرام
انتهينا الآن من المحظورات ونحتاج إلى أن ننظر ماذا على من فعل المحظور؟
نقول:
هذه المحظورات تنقسم إلى أقسام أربعة:
منها:
ما له فدية معينة لا يشركه فيها غيره، الجماع له فدية معينة، ما هي؟
البدنة إن كان قبل التحلل الأول في الحَجّ، البدنة بشرطين:
أن يكون قبل التحلل الأول في الحَجّ، إذاً: الجماع في العُمْرَة لا يوجب البدنة أبداً، الجماع في العُمْرَة لا يوجب البدنة أصلاً، الجماع في الحَجّ بعد التحلل الأول لا يوجب البدنة؛ لأننا اشترطنا لوجوب البدنة شرطين: أن يكون الجماع قبل التحلل الأول وأن يكون في الحَجّ، هل يجزئ عن البدنة الغنم أو البقر؟ نعم. يجزئ عن البدنة بقرة أو سبع من الغنم.
القسم الثاني:
ما فديته معينة ولا يشركه فيها غيره، لكن تعيينها خلاف تعين البدنة وهو الصيد، الصيد إن كان له مثل فالإنسان مخير بين أن يذبح مثله ويتصدق به على الفقراء، أو يقوم بدراهم يشترى بها طعاماً، أو إن كان عنده طعام أخذ من بيته بقيمة ما قومه ويطعمه الفقراء لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، كم شيئاً يخير به إذا كان الصيد من ماله؟ ثلاثة:
الأول: ذبح النسك.
الثاني: تقويمه وإطعام المساكين طعاماً بقيمته.
الثالث: الصيام.
الدليل: قوله تعالى:
"وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً" (المائدة: 95).
هذه ثلاثة أشياء؟
إذا لم يكن له مثل فالإطعام أو الصيام، بمعنى: أن يقوّم هذا الصيد بما يساويه ويدفع بدل قيمته طعاماً للفقراء، لكل مسكين نصف صاع، أو يصام عن إطعام كل مسكين يوماً، هذان قسمان.
القسم الثالث:
ما لا فدية فيه، وهو عقد النكاح والخطبة، هذا ليس فيه فدية، ليس فيه إلا الإثم فقط.
القسم الرابع:
ما فديته على التخيير بين أمور ثلاثة:
إما إطعام ستة مساكين، أو لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو صيام ثلاثة أيام، كم المخيرات فيها؟ ثلاثة، هي: ذبح شاة، صيام ثلاثة أيام، إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والدليل: قوله تعالى في حلق الرأس: "فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: 196) وقد بَيَّنَ النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مقدار هذه المُكفرات، فقال في الإطعام: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وقال في الصيام: صيام ثلاثة أيام، هذه الفدية في جميع محظورات الإحرام سوى ما ذكرنا وهي ثلاثة أشياء: ما لا فدية فيه، وما فديته معينة ببدنة، وما فديته معينة بين ثلاثة أشياء أو شيئين، ما عدا هذه فإن فديته التخيير بين هذه الأمور الثلاثة.
وحلق الرأس فديته التخيير بين هذه الثلاثة، وفدية استعمال الطيب: التخيير بين هذه الأمور الثلاثة، أما الجماع في العُمْرَة ففديته أيضاً التخيير بين هذه الأشياء الثلاثة، لأنا ذكرنا لكم أن البدنة واجبة في الجماع في الحَجّ قبل التحلل الأول فالآن هذا جماع في عُمْرَة، فما الذي فيه؟ التخيير بين الأمور الثلاثة، فإذا جاءنا رجل يسأل عن جماعه في العُمْرَة ما فديته؟ قلنا: أنت مخير بين الصيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، والجماع في الحَجّ بعد التحلل الأول ما فديته؟ التخيير بين هذه الأمور الثلاثة.
وأما فدية لبس المخيط على رأي الجمهور، وأنا قلت: لبس المخيط تبعاً لما يعبر به وإلا فلبس ما ينهى عنه من اللباس، التخيير بين هذه الأشياء الثلاثة، اتضحت أقسام المحظورات بالنسبة للفدية.
وهل يجوز إخراج غير المثل في الصيد؟
هذه المسألة فيها خلاف والرَّاجِح المنع؛ لأن الله عين، قال تعالى: "فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ" (المائدة: 95) فلابد من المماثلة والله حكيم عز وجل، لولا أن هناك حكمة في أنه يجب المثل ما أوجب الله المثل.
السائل:
هل وضح الرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مثل هذا؟
الشيخ:
الصحابة بينوا هذا قالوا: في النعامة بدنة والحمامة شاة، وقضى النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في الضبع بشاة.
أقسام الناس في فعل المحظورات وما يترتب على فعلها
هل الفدية لازمة لكل من فعل محظوراً؟
أو هل يترتب ما يلزم بفعل المحظور على كل فاعل؟
نقول:
هذا ينقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام:
من يفعل المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.
القسم الأول:
من فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، فهذا ليس عليه إثم وليس عليه فدية، فلو جاءنا رجل، وقال إنه غطى رأسه ناسياً أو نام فغطى رأسه، فماذا عليه؟ ليس عليه شيء.
لو جاءنا رجل، وقال إنه غطى رأسه لكن لا يدري أنه حرام، فماذا عليه؟ ليس عليه شيء.
مُكره أكره على أن يفعل محظوراً من المحظورات فليس عليه شيء؟ ما هو الدليل؟ الدليل من كتاب الله وسُّنَّة رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؛ من كتاب الله: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" (الأحزاب: 5)، وقال تعالى: "رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" (البقرة: 286) (فقال الله: قد فعلت) ومن سُّنَّة رسول الله -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه) بل جاء النص في خصوص الصيد، قال الله تعالى فيه: "وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ" (المائدة: 95) فقيد ذلك بالتعمد مع أن الصيد الفدية فيه فدية عن نفس محترمة وهو الصيد، ليس بسبب الترفه أو ما أشبه ذلك.
إذاً: نقول:
من فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء، أي محظور كان من المحظورات من أعلاها وهو الجماع إلى أقلها وهو عقد النكاح مثلاً الذي ليس فيه فدية، نقول: من فعل شيئاً من هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء، لا إثم ولا فدية ولا فساد نسك للأدلة التي ذكرناها.
من يفعل المحظورات متعمداً لعذر يبيح الفعل
القسم الثاني:
من يفعلها متعمداً لعذر يبيح الفعل، فهذا ليس عليه إثم ولكن عليه الفدية، الدليل: قوله تعالى في حلق الرأس: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة: 196) فأباح حلق الرأس للعذر لكن مع وجوب الفدية.
أتانا رجل، فقال إنه مضطر إلى لبس القميص وهو محرم مضطر، وأتانا رجل آخر وقال إنه مضطر للبس السراويل وهو محرم، فما الحكم؟
نقول:
البس هذا وعليك على رأي جمهور العلماء الفدية.
اضطر رجل إلى قتل الصيد ضرورة؛ يموت إن لم يصده ويقتله، نقول له: صده وعليك الفدية، لكن عليك إثم أو لا؟ ليس عليك إثم، إذاً: القسم الثاني: من فعل شيئاً من هذه المحظورات لعذر يبيحه فهذا متعمد فعليه الفدية ولا إثم عليه.
من يفعل المحظورات متعمداً لغير عذر يبيح الفعل
القسم الثالث:
من فعله غير معذور بجهل ولا نسيان ولا إكراه، ولا عذر يبيح له الفعل، فهذا عليه الإثم وعليه الفدية، وذكرنا في الجماع في لقاء سبق أنه يترتب عليه خمسة أشياء إذا كان في الحَجّ قبل التحلل الأول: الإثم، فساد النسك، وجوب المضي فيه، قضاؤه في العام المقبل، والفدية بدنة، وإذا كان بعد التحلل الأول ترتب عليه ثلاثة أشياء: الإثم، الفدية، فساد الإحرام، ما هي الفدية في الوطء بعد التحلل الأول؟
التخيير بين ثلاثة أشياء، وفساد الإحرام ماذا يفعل إذا فسد إحرامه؟ قال العلماء: يخرج خارج الحرم من أي جهة كانت من مَكَّة، المهم أن يخرج خارج حدود الحرم ويخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ويطوف طواف الإفاضة وهو محرم. هذا هو خلاصة القول فيما يتعلق بمحظورات الإحرام.
مسائل تتعلق بمحظورات الإحرام
حكم لبس الرجل للقفازين
وهنا سؤال:
المرأة لا تنتقب في الإحرام ولا تلبس القفازين؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- نهى عن ذلك، لكن هل الرجل يجوز أن يلبس القفازين؟ نقول: لا يجوز للرجل أن يلبس القفازين؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- نهاه أن يلبس الخفين، ففي الخفين ستر الرجلين وفي القفازين ستر اليدين.
فإذا قال قائل:
إذاً: ما وجه تخصيص النهي للمرأة؟
نقول:
لأن المرأة جرت العادة بأنها تلبس القفازين، أما الرجل فلم تجر العادة بأنه يلبس القفازين، ولهذا كان النساء في عهد النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يعتدن لبس القفازين لأجل ستر اليد، وقد بدأ النساء ولله الحمد منذ عهد قريب يلبسن القفازين لستر اليد كعادة نساء الصحابة.
حكم تغيير المُحْرِم ثياب الإحرام ومس الثوب الجديد بالطيب
فإذا قال قائل: هل يجوز للمحرم أن يغير ثوب الإحرام؟ فالجواب: نعم.
يجوز أن يغيره لكن إلى ثوب يجوز لبسه فيجوز أن يغير الرداء إلى رداء آخر، أو الإزار إلى إزار آخر، أو المرأة تغير ثيابها، ولا حرج في ذلك ما دام قد غيره إلى لباس جائز؛ لأن الأصل الحل والجواز حتى يقوم دليل على المنع، رجل اتسخ رداؤه فأراد أن يخلعه ليغسله، هل هذا جائز؟ نعم.
هل يجوز أن يجعل فيه طيباً قبل أن يلبسه ثانياً؟
لا يجوز.
لأنه لا يجوز للمحرم أن يستعمل الطيب ابتداءً، فإذا خلع رداءه ليغسله فلا يجوز أن يعيده مطيباً لأن الرسول -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس).
حكم تغطية المرأة وجهها وهي محرمة
هل يجوز للمرأة أن تغطي وجهها بدون نقاب؟ يقول بعض العلماء: نعم.
يجوز؛ لأن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إنما نهى عن الانتقاب، والانتقاب لباس الوجه، ولم ينه عن تغطية الوجه، بل نهى عن النقاب، فيجوز للمرأة أن تغطي وجهها وهي محرمة، ولهذا لو أن الإنسان لف على رجليه خرقة، هل يَحرُم عليه ذلك أو لا؟ لا يَحرُم عليه، لأنها ليست خفاً، والنبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لم ينه عن ستر الرجل بل نهى عن لبس الخف، وفرق بين الأمرين، فإذا كان النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- نهى أن تنتقب المرأة، أي: أن تلبس النقاب، فإنه لا يلزم من ذلك أن تنهى عن ستر الوجه، لكن أكثر أهل العلم يرون أنها منهية عن ستر الوجه، إلا إذا كان حولها رجال غير محارم فيجب عليها أن تستر الوجه، لأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ورجل أجنبي ينظر إليها أو يمكن أن ينظر إليها، بل عليها أن تستره لأنها مأمورة بذلك، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النساء كن يسترن وجوههن إذا مر الركبان قريباً منهن).
حكم اغتسال المُحْرِم دون جنابة أو انغماسه في الماء
هل يجوز للمحرم أن يغتسل بدون جنابة؟ نعم.
يجوز، ما الدليل؟
الدليل:
عدم الدليل؛ لأنه لا يوجد دليل على المنع بل ثبت الجواز عن النبي -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه كان يغتسل وهو محرم وهذا يؤيد الأصل.
هل يجوز للمحرم أن ينغمس في الماء لأنه إذا انغمس تغطى رأسه؟
نقول:
يجوز أن ينغمس في الماء؛ لأن هذا لا يسمى ستراً للرأس، ولم يعتد الناس بأن يستروا رءوسهم بالانغماس في الماء، فإذا كان الإنسان مثلاً عنده بركة عميقة ونزل يسبح بها وغمس نفسه فيها فلا حرج عليه ولو كان محرماً، لأن الأصل الحل وليس هذا من تغطية الرأس، وأظن أن الرأس يُرى في وسط الماء، لكن هذا ليس هو السبب؛ لأن الإنسان لو غطى رأسه بزجاجة يجوز أو لا؟ لا يجوز، ولو كان الرأس يرى من وراء الزجاجة، إنما العلة في ذلك أن الانغماس في الماء لا يعد ستراً للرأس والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تخمروا رأسه).
نكتفي بهذا القدر ونسأل الله تعالى أن يجعل فيه خيراً وكفاية لنتلقى الأسُئِلَة الواردة حول هذا الموضوع.