منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة المائدة الآيات من 041-045

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:30 pm

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [٤١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نأتي في النِّداء بحرف الإقبال وهو "يا” وندخله على "المُنادى” أي أنك تطلب إقباله.

فهل نطلب إقباله لمجرد الإقبال أو لشيء آخر؟

مثال ذلك قول الحق: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151].

إذن النِّداء هنا لتلاوة التكليف عليهم.

وحين يُنادي الحق سبحانه وتعالى أشرف من ناداهم وهم رُسُله، نجد أنه نادى كل الرُّسل بمُشخَّصاتِهم العَلَمِيّة.

(يا آدم)، والمُشَخّص العَلمَي هو الاسم، وهو لا يعطي وصفاً إلا تشخيص الذات بدون صفاتها.

 وكذلك نادى الحق إبراهيم عليه السلام: {يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ} [الصافات: 104-105].

وكذلك نادى الحق نوحاً: {يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ} [هود: 48].

وكذلك نادى الحق موسى عليه السلام: {يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ} [القصص: 30].

وكذلك نادى الحق عيسى ابن مريم عليه السلام: {يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116].

كُل الرُّسُل ناداهم الحق بالمُشَخِّص العَلَمي الذي لا يعطي إلا التشخيص، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم الرُّسُل ما ناداه الله باسمه أبداً، إنما ناداه الله بالوصف الزائد عن مُشَخَّصات الذات فيقول: {يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ}، ويقول: {يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ}.

حقًّا إنّ الجميع رُسُل، ولكنه سبحانه يريد أن يبلغنا أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو الرسول الذي جاء ناسخاً للكُلّ ومؤمناً بالكُلّ، هو الذي يستحق النّداء بالوصف الزائد عن مُشَخّصات الذات: {يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ}.

وهو الرسول الذي تقوم عليه الساعة.

ولذلك نجد خطاب الحق لرسوله دائما: {يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ} أو: {يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ}، وهذا نوع من التكريم.

 والحق يقول هنا: {يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ}.

أي لا تحزن يا رسول الله من الذين يسارعون في الكفر.

وحين يخاطب الحق رسوله في ألا يحزن، علينا أن نعرف على ماذا يكون الحزن؟

سبحانه يوضح لرسوله: إيَّاك أن تحزن لأني معك فلن ينالك شر خصومك ولا يمكن أن أختارك رسولاً وأخْذُلَك، إنهم لن ينالوا منك شيئاً.

 وقد يكون حزن النبي -صلى الله عليه وسلم- حزناً من لون آخر، اسمه الحزن المُتَسَامِي الذي قال فيه الحق: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف: 6].

لأن الحق لو شاء أن يجعلهم مؤمنين لما جعل لديهم القدرة على الكفر.

{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4].

وهل الله يريد أعناقا؟

لا.

بل يريد قلوباً؛ لأن سيطرة القُدرة بإمكانها أن تفعل ما تريد، بدليل أن السماء والأرض والجبال وكل الكائنات أتت للخالق طائعة.

فلا يمكن أن يتأبّى الكون على خالقه.

والقدرة أفادت القهر وأفادت السيطرة والعزة والغلبة في سائر الكون، ولكن الله أحَب أن يأتي عبده -وهو السيد- للإيمان مختاراً؛ لأن الإيمان الأول هو إيمان القهر والقدرة، ولكن الإيمان الثاني هو إيمان المحبة.

وقد ضربنا من قبل المثل على ذلك ولنوضحه: هب أن عندك خادمين ربطت أحدهما في سلسلة لأنك إن تركته قليلاً يهرب، وعندما تريده تجذب السلسلة فيأتي، إنه يأتي لسيطرة قُدرتك عليه والقهر منك، أما الخادم الآخر فأنت تتركه حُرّاً ويأتيك من فور النداء.

 فأيهما أحب إليك؟

لا شك أنك تحب الذي يجيء عن حُب لا عن قهر.

وكل أجناس الكون مُسخَّرة بالقدرة، وشاء الحق أن يجعل الإنسان مُختاراً لذلك قال: {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ} [الأحزاب: 72].

إذن فقد رفضت كل الأجناس حمل الأمانة.

خوفا وإشفاقا من أنها قد لا تستطيع القيام بذلك.

والحق يقول لرسوله: {لاَ يَحْزُنكَ} فأمّا إذا كان الحزن بسبب الخوف على المنهج منهم، فالحق ينصره ولن يمكنهم منه.

وأما إن كان الخوف عليهم فلا؛ لأنه سبحانه خلق الإنسان مختاراً غير مقهور على القيام بتعاليم المنهج، وسبحانه يُحب أن يعرف من يأتيه حُباً وكرامة.

 ويقول الحق لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: {لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ}.

وهذه رُبوبية التعبير، فنحن نعلم أن السرعة تكون إلى الشيء، لا في الشيء كما قال الحق: {وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ} [آل عمران: 133].

ولكن هنا نجده يقول: {يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ}.

ولو قال الحق: "يسارعون إلى الكفر” لكان قد ثبت لهم إيمان وبعد ذلك يذهبون إلى الكُفر، لا.

الحق يريد أن يوضح لنا: أنهم يسارعون في دائرة الكفر.

ويعلمنا أنهم في البداية في الكفر، ويسارعون إلى كفر أشد.

 ونعرف أن "في” في القرآن نستطيع أن نضع من أجلها المجلدات.

فقد قلنا من قبل قال الله تعالى: {سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ}.

ولم يقل سبحانه سيروا على الأرض.

 والحق سبحانه: وتعالى يقول: {وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5].

وهي ليست أموال المخاطبين، ولكنها في الأصل أموال السفهاء.

ولكن سبحانه يبلغنا أن السُّفهاء غير مأمونين على المال، ولذلك يأتي الحق بالوصَيَّ والقيّم على المال ويأمره أن يعتبر المال ماله حتى يحافظ عليه.

ويأمره بألا يخزن المال ليأكل منه السَّفيه؛ لأن المال إن أكل منه السَّفيه ودفع له الزكاة، قد ينضب وَينْفذ.

لذلك قال الحق: {وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: 5].

ومن بعد ذلك يقول الحق: {وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: 5].

لم يقل ارزقوهم منها، ذلك أنه سبحانه شاء أن يعلمنا أن الرزق مطمور في رأس المال ويجب أن يتحرك رأس المال في الحياة حتى لا ينقص بالنفقة، وحتى لا تستهلكه الزكاة، وحتى يبلغ السَّفيه رُشده ويجد المال قد نما.

هذه بعض من معطيات "في”.

وهناك آية الصَّلب: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ} [طه: 71].

بعض المفسرين يقولون في هذه الآية: "لأُصلبنكم على جذوعِ النخل” ونقول: إن الذين قالوا ذلك لم يُفسّروا هذه الآية وكان يجب أن يقولوا في تفسير ذلك: لأصلبنكم على جذوع النخل تصليباً قوياً يدخل المصلوب في المصلوب فيه.

ومثال ذلك لو جئنا بعدو ثقاب وربطناه على الأصبع بخيط رفيع وأوثقنا الربط، فعود الثقاب يغوص في الأصبع حتى يصير وكأنه داخل الأصبع.

وعندما يقول الحق: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ} فيجب ألا نفهم هذا القول إلا على أساس أنه تصليب على جذوع النخل تصليباً قوياً يُدْخِلُ المصلوب في المصلوب فيه.

وتلك هي العِلّة في وجود "في” وعدم وجود "على”.

والحق يقول هنا: {لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ} فكأن المسارعة إما أن تكون بـ "إلى” وإما أن تكون بـ "في”.

فإن كانت بـ "إلى” فهي انتقال إلى شيء لم يكن فيه ساعة بدْء السرعة، وإن كانت بـ "في” فهي انتقال إلى عمق الشيء الذي كان فيه قبل أن يبدأ المسارعة.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:31 pm

{لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} فالإيمان محلّه القلب، والإسلام محلّه الجوارح؛ ولذلك قال سبحانه: {قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14].

إنهم يسارعون إلى الصف الأول في الصلاة وهذا إسلام، أما الإيمان فمحلّه القلب.

إذن فالذين قالوا بأفواههم آمنا، لهم أن يعرفوا أن منطقة الإيمان ليست الأفواه ولكنها القلوب.

وهم قالوها بأفواههم وما مرّت على قلوبهم.

وماداموا قد قالوا بأفواههم آمنا وما مرّت على قلوبهم فهؤلاء هم المنافقون، ومعنى ذلك أنهم في كل يوم ستظهر منهم أشياء تُدخِلهم في الكفر؛ لأنهم من البداية قد أبطنوا الكفر، وبعد ذلك يسارعون في مجال الكفر.

{مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ} هم إذن صنفان اثنان يسارعان في الكفر؛ المنافقون الذين قالوا بأفواههم آمنا، والذين هادوا.

ويصفهم الحق بقوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} وساعة تسمع مادة "السين والميم والعين” فهذا يعني أن الأذن قد استقبلت صوتاً من مُصَوِّت، هذا المُصوِّت إما أن يكون مُتكلماً بالكلام الحقّ فيجذ من الأذن الإيمانية استماعاً بإنصات؛ ثم يتعدى الاستماع إلى القبول؛ فيقول المؤمن: أنا استمعت إلى فلان، لا يقصد أنه سمع منه فقط ولكن يقصد أنه سمع وقبل منه ما قال.

 إننا نعلم أن كثيراً من الورعين يسمعون كذباً، لكن الفيصل هو قبول الكذب أو رفضه.

وليس المهم أن يكون الإنسان سامعاً فقط، ولكن أن يصدق ما يسمع.

ونرى في الحياة اليومية إنساناً يريد أن يصلح شيئاً من أثاث منزله فيأتي بالأدوات اللازمة لذلك، ويقال هنا عن هذا الرجل: "نجر فهو ناجر” ولا يقال له: "نجّار"؛ لأن النجار هو من تكون حرفته النّجارة.

 إذن كلمة: سامع للكذب لا تؤدي المعنى، ولكن "سمّاع” تؤدي المعنى، أي أن صناعته هي التسمّع، وعندما يقول الحق: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أي ألِفُوا أن يقبلوا الكذب.

وكيف يكون مزاج من يقبل الكذب؟.

لابد أن يكون مزاجاً مريضاً بالفطرة.

وما معنى الكذب هنا ومن هم السمّاعون؟

إما أن يكون المقصود بهم الأحبار والرهبان الذين قالوا لأتباعهم كلاماً غير ذي سندٍ من واقع من أجل الحفاظ على مراكزهم.

وإما أن يكونوا سماعين للكذب لا لصالحهم هم، ولكن لصالح قوم آخرين.

كأنهم يقومون بالتجسس.

والتجسس -كما نعلم- يكون بالعين أو بالأذن.

 وتقدمت هذه الوسائل في زماننا حتى صار التجسس بالصوت والصورة.

وكأن الحق يريد أن يبلغنا أنهم سماعون للكذب، أي أنهم يسمعون لحساب قوم آخرين.

والقوم الآخرون الذي يسمعون لهم هم القوم الذين أصابهم الكبر والغرور واستكبروا أن يحضروا مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهم في الوقت نفسه لا يطيقون الانتظار ويريدون معرفة ماذا يقول رسول الله، لذلك يرسلون الجواسيس إلى مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- لينقلوا لهم.

أولئك السماعون للكذب هم سماعون لحساب قوم آخرين لم يأتوا إلى مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكبُّراً.

وهؤلاء المتكبرون هم كبار اليهود، وهم لا يذهبون إلى مجلس رسول الله حتى لا يضعف مركزهم أمام أتباعهم.

وعندما يُنقَل إليهم الكلام يحاولون تصويره على الغرض الذي يريدون، ولذلك يقول عنهم الحق: {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ}.

أي أنهم يُحرِّفون الكلام بعد أن استقر في مَواضعه ويستخرجونه منها فيهملونه ويزيلونه عن مواضعه بعد أن وضعه الله فيها وذلك بتغيير أحكام الله، وقال الحق فيها أيضاً من قبل ذلك: {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [المائدة: 13].

أي أنهم حَرَّفُوا الكلام قبل أن يستقر.

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ} وهم الذين يقولون لأتباعهم من جواسيس الاستماع إلى مجلس رسول الله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ}.

فكأنهم أقبلوا على النبي بهذا، فإن أخذوا من رسول الله معنى يستطيعون تحريفه فعلوا.

وإن لم يجدوا ما يحرفونه فعليهم الحذر.

 ومن دراسة تاريخ القوانين الوضعية نعرف معنى السلطة الزمنية.

فالقوانين التي تواضع عليها بشر ليحكموا بها نظام الحياة تأخرت في الظهور إلى الواقع عن نظام الكهنة، فقد كان الكهنة يَدَّعُون أن لهم صلة بالسماء ولذلك كان الحكم لهم، أي أن التقنين في الأصل هو حكم السماء والذي جعل الناس تتجه إلى وضع قوانين خاصة بهم أنهم جربوا الكهنة فوجدوهم يحكمون في قضية ما حُكْماً.

وفي القضية المشابهة يحكمون حُكْماً آخر.

لقد كان كلام الكهنة مقبولا عندما ادعوا لأنفسهم الانتساب إلى أحكام السماء.

لكن عندما تضاربت أحكامهم خرج الناس على أحكام الكهنة ورفضوها ووضعوا لأنفسهم قوانين أخرى.

 والحكاية التاريخية توضح لنا ذلك: فقد زَنَى أحد أتباع ملك في العصر القديم وحاولوا أن يقيموا عليه الحد الموجود بالتوراة.

لكن الملك قال للكهنة لا أريد أن يُرجَم هذا الرجل وابحثوا عن حكم آخر.

ورضخ الكهنة لأمر الملك وقالوا: نُحَمِّم وجه الزَّاني -أي نُسَوِّد وجْهه بالحُمم وهو الفحم- ونجعله يركب حماراً ووجه إلى الخلف ونطوف به بين الناس بدلاً من الرَّجم.

وهكذا أعطت السلطة الزمنية السياسية الأمر للسلطة الزمنية الدينية ليُغيِّروا في القوانين.

فلما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة حاولوا أن يستغلوا وجوده في استصدار أحكام فيها هوادة ولين.

وعرضوا عليه بعضا من القضايا من أجل ذلك، فإن جاء الحكم بالتخفيف قبلوه، وإن كان الحكم مُشدّداً لم يقبلوه.

وتكررت مسألة الزّنا.

وحاولوا الحصول على حكم مخفف من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 وجاء رسول الله بالحكم الذي نزل من السماء وهو الرَّجم.

ولكنهم قالوا للرَّجم لا.

يكفي أن نجلده أربعين جلدة وأن نُسَود وجهه وأن نجعله يركب حماراً ووجهه للخلف ويُطاف به.

وهنا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أليس عندكم رجل صالح له علم بالكتاب؟

وهنا صمتوا.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن “فدك” يقال له: "ابن صوريا”.

فقالوا: نعم، هو أعلم يهود على وجه الأرض.

فأمر الرسول بإحضاره ليرى الحُكم النازل في الزِّنا بالتوراة، وجاء الرجل وناشده رسول الله بالذي لا إله إلا هو وبحق من أرسل موسى، وبحق من أنزَل التوراة على موسى، وبحق من فلق البحر، وبحق من أغرق فرعون، وبحق من ظللهم بالغمام.

وأراد -صلى الله عليه وسلم- أن يُزلزل فيه كل باطل وأن يشحنه بالطاعة حتى ينطق الحق، فقال ابن صوريا: نعم نجد الرَّجم للزِّنا.

وهنا سَبَّ اليهود الرجل الصالح.

 لقد أرادوا أن يحصلوا على حُكم مُخفف من رسول الله ليُنقذوا الزاني صاحب المقام العالي، وكذلك الزانية ذات الحسب والنسب؛ لذلك قال الحق على لسانهم: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا}.

أي التخفيف المراد فخذوه، وإن وجدتم العقاب القاسي فاحذروه ولا تقبلوه.

 إذن فهم لم يذهبوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ابتغاء الحق ولكنهم يبتغون التخفيف.

فإن وافق الحكم هواهم قالوا: إن محمداً هو الذي حَكَم، ومن العجيب أنهم أعداء لمحمد وكافرون به.

وبرغم ذلك يُحكِّمونه.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:32 pm

هذه الواقعة يرويها الإمام مسلم -رضي الله عنه- وهي: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى يهودي ويهودية قد زنيا فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جاء يهود فقال: ما تجدون في التوراة على مَنْ زنى؟

قالوا: نسوّد وجوههما ونحمّمهما ونحملهما ونخالف بين وجوههما، ويُطاف بهما، قال: (فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) قال: فجاءوا بها، فقرأوها، حتى إذا مرّ بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مُرْهُ فليرفع يده، فرفع يده فاذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرُجما، قال عبد الله بن عمر: كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه".

إنهم يريدون الحُكم السهل الهين اللين.

وقال البعض: إن سبب نزول هذه الآية هي قصة القَوَد.

والقود هو القصاص.

 وقصة القود في إيجاز هي - كما رواها الامام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن طائفتين من اليهود هما بنو النضير وبنو قريظة كانتا قد تحاربتا في الجاهلية، فقهرت بنو النَّضير بني قريظة، فكانت النَّضير وهي العزيزة إذا قتلت أحداً من بني قُريظة وهي الذَّليلة لم يُقِيدوهم أي لم يعطوهم القاتل ليقتلوه بقتيلهم.

إنما يعطونهم الديَّة.

وكانت قُريظة إذا قَتَلت أحداً من بني النَّضير لم يرضُوا منهم إلا بالقود.

فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة تحاكموا إليه في هذا الأمر فحَكَم بالتَّسوية بينهم، فسَاءَهم ذلك ولم يقبلوا.

وأي قصة منها هي مؤكِّدة للمعنى.

ومن بعد ذلك يقول الحق: {وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً} والفتنة هي التعذيب بالنار، وسبحانه يقول: {يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13].

والفتنة أيضاً هي الابتلاء والاختبار، ويقال: "فتنت الذهب” أي وضعت الذهب في بوتقة وحوَّلته بالحرارة العالية من جسم صُلب إلى سائل حتى تستخلصه من المواد العالقة الشائبة التي فيه ليصير نقياً.

والفتنة في ذاتها ليست مذمومة.

ولكن المذموم منها هو النتيجة التي تصل إليها؛ أينجح الإنسان فيها أم يرسُب؛ لأن الاختبارات التي يمر بها الإنسان كلها هي فتنة، والذي ينجح تكون الفتنة بالنسبة إليه طيبة.

والذي يرسُب ويفشل فالفتنة بالنسبة إليه سيئة.

وعندما يريد الله فتنة بشر أي يريد اختبارهم: أيأتون طوعا واختياراً أم لا؟

ومادام الحق سبحانه وتعالى أعطى للإنسان قدرة الاختيار حتى يُثبت صفة المحبوبية فسبحانه أراد ذلك، ولا أحد بقادر أن يجعل الإنسان مقهوراً.

وقد أراده الله مُختاراً وأن يبتلى وأن يختبر.

أينجح أم يرسُب، أيكون مُؤمناً أم كافراً: {وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً}.

وجعل سبحانه ذلك قانونا لخلقه بمنتهى الوضوح، وهناك جانب في الإنسان مُسَخَّر، وجانب آخر مُخيَّر.

{وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً}.

أي أن أحداً لا يجرؤ أن يغير نواميس الكون ولن يغير الله نواميس الكون من أجل أي أحد؛ لأن النواميس لابد أن تسير كما أرادها الله حتى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 وقد عرفنا ما حدث في أُحُد؛ عندما تخاذل الرُّماة ولم يستمعوا إلى نصيحة القائد الأعلى سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ أَغَيَّر الله سُنَّته من أجل وجود حبيبه معهم؟

لا، وانهزموا على رغم وجود رسول الله معهم؛ لأن الله أراد للسُّنة الكونية أن تسير كما هي من أجل إصلاح الأمر.

فلو فُرِض أنهم انتصروا من أجل خاطر النبي، ماذا يكون الموقف في أوامره -صلى الله عليه وسلم- فيما بعد؟

كان من الممكن أن يقول شخص منهم: "خالفناه وانتصرنا”.

إذن لابد لسُنَّة الله أن تُنَفّذ.

{وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41].

لماذا لم يرد الله أن يُطهِّر قلوبهم؟

لأنهم منافقون.

وفي قلب المنافق مرض.

وعندما تأتي أحداث ينتفع بها المسلمون فالمنافق يزداد حِقداً ومَرضا لأنّ قلبه مُمتلئ بالغل، ولا يريد الله تطهير قلب إنسان إلا أن يقبل على الله ولذلك قال تعالى: {وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 264].

وقال سبحانه: {وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86].

فهل عدم هداية الله لهم نشأت أولاً، ثم نشأ الكُفر، أو نشأ الكُفر منهم فجاء عدم الهداية؟

نعلم أن عدم الهداية مرتبة على أنه ظالم أو كافر، وقلنا من قبل: إن هناك إرادة كونية وإرادة شرعية.

والإرادة الكونية هي ما يحدث في كون الله.

ولا شيء قد حدث في كون الله غصباً عن الله.

والاختيار خلقه الله في الإنسان ليصير الإنسان مُخيراً بين الكُفر والإيمان.

ومادام الحق قد خلق الإنسان مُختاراً لهذا أو لذلك إذن فهو سبحانه مُريد كَوْنِيًّا ما يصدر عن الإنسان اختياراً كفراً أو هدايةً.

لكن أَمُريد هو سبحانه ذلك شرعاً؟

لا.

 إن الشرع أمر سماوي إما أن يُنفّذه العبد وإما أن يعصيه.

ونعرف أن هناك أشياء مُرادة كونياً وأشياء مُرادة شرعيا.

والمُراد الكوني هو الذي يكون: أما الإنسان فقد خلقه الله وله الاختيار، فالذي يسرق لا يسرق غصبا عن الله ولكن ما أعطاه له الله من اختيار ومن طاقة، إما أن يوجهها إلى الخير وإما إلى الشر.

 ونحن حين ننظر إلى الساعة التي نضعها حول المعصم وقد صنعها الصانع صالحة لأن يديرها الإنسان على توقيت أي بلد، فهل هذا يتم غصبا عن الصانع؟

لا.

وكذلك جهاز "التليفزيون"؛ إن أذعنا فيه برامج دينية فهو صالح للهدف، وإن أذعنا فيه حفلة راقصة فهو صالح لذلك أيضاً.

والذي صنع التليفزيون جعله صالحاً لهذا ولذاك، المهم هو توجيه الطاقة وكذلك الإنسان.

 والإرادة الكونية هي كل ما يكون في ملك الله، والإرادة الشرعية هي كل ما يكون في شرع الله "افعل ولا تفعل”.

ومادام هناك أمرٌ كوني شرعي فالكون قد أوجده الله لخدمة المؤمن والكافر والعاصي، لكن الأمر الشرعي جعله الله للمؤمن.

 إذن فإيمان المؤمن أراده الله كونا؛ لأنه سبحانه قد وضع الإيمان منهجا، وأراد الله إيمان المؤمن شرعا.

وكفر الكافر لم يتم غصبا عن الله.

ولكن الإنسان بخلْقِه مختاراً.

صار كُفره أمراً كونياً، ولكنه غير مُراد شرعاً، فكفر الكافر مُراد كونا غير مُراد شرعا.

وإيمان الكافر غير مُراد كوناً وكفر المؤمن غير مُراد كونا.

وبهذا نكون أمام أربعة أقسام في المُراد كونا وشرعا.

وهذه هي القسمة العقلية.

إذن من يُرِد الله فتنته كوناً فلا راد لإرادة الله؛ فإذا لم يطع الشرع، فذلك لأنه مخلوق صالح للطاعة وصالح للمعصية.

وأضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى- الوالد يعطي لابنه جنيها ويقول له: أنت حُر في هذا المبلغ فإن اشتريت مصحفا أو كتاب دين أو شيئاً تأكله أنت وإخوتك فسأكافئك وأستأمنك على أشياء كثيرة.

أما إن اشتريت ورق اللعب المُسمّى "كوتشينة” فسأغضب منك.

وحين يذهب الولد ليشتري ورق اللعب المُسمّى "كوتشينة"، هل اشترى ذلك غصبا عن أبيه؟

لا.

لكن الولد يصبح غير محبوب من أبيه.

هذا هو الفارق بين المُراد كونا والمُراد شرعا.

وبين المُراد كونا لا شرعا.

والمُراد شرعا لا كونا.

{أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} كان ذلك كونا؛ لأنه سبحانه خلقهم قابلين للتطهير وقابلين لغيره، فإن فعلوا أي شيء فهم لن يفعلوه غَصبا عن الله؛ لذلك يذيل الحق الآية: {لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فكأن معنى ذلك أن في قلوبهم أشياء ضد الطهارة، ولهم في الدنيا خزي.

والخزي يطلق على الفضيحة ويطلق على الاستحياء، والمعنيان يلتقيان.

وهنا في مجال هذه الآية: أي خزي وأي فتنة؟

إنهما فئتنا؛ المنافقون واليهود.

وكان المنافقون كلما فعلوا شيئاً ينفضح.

 وعندما يبيِّتون أي شيء فإن الله يخبر رسوله بما يبيِّتون.

{وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ} [محمد: 30].

وكذلك الذين هادوا: يأتيهم الخزي أي الافتضاح، أي أن يصيروا إلى المُسترذل بعد أن كانوا في المُستحسن.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- دخل المدينة واليهود سادة هذه البقعة؛ سادتها علما لأنهم أهل كتاب، أما الأوس والخزرج فأُميون لا يعرفون شيئا.

وكان اقتصاد المدينة في أيدي اليهود، من مال وصنعة وزراعة.

وعنجهية الجاه.

وعندما يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة يجدهم السادة، ثم ينفضح أمرهم وكذبهم، ويتم إجلاؤهم،وتُسبى نساؤهم ويُقتل بعضهم.

وعندما يدبرون كيدا لرسول الله، يفضحهم الله، وكل ذلك خزي، وليس الخزي هو الجزاء الوحيد لهم، بل يلقون في الآخرة عذاباً أليماً.

ويقول الحق من بعد ذلك: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ...}.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:33 pm

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [٤٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وفي اللغة ألفاظ مفردة، مثال: "سجنجل” وتفتح القاموس فتجد معناها "البلور"، وكذلك الصفا والمروة؛ وعندما تبحث في القاموس عن كلمة "مروة” تعرف أن معنى اللفظ بعيد عن النسبة، فأول عمل للغة أن تعرف معنى الألفاظ بعيداً عن نسبتها.

ومهمة القاموس أن يشرح لك معنى اللفظ بعيداً عن النسبة دون إثبات أو نفي، مثال ذلك "الجو” معناها هو ما يحيط بك من هواء أو غير ذلك، لكن القاموس لا يشرح هل الجو مُكفهر أو صافٍ أو باردٌ.

وإن تقدمنا مرحلة أخرى وأخذنا اللفظ لنصنع له نسبته، كأن نقول: "الجو صحو"، هنا ننتقل من فهم معنى كلمة "جَوّ"، إلى أننا نسبنا الصحو إليه.

والكلام المفيد يأتي في النِسب.

ولا تأتي النِسب إلا بعد معرفة معاني الألفاظ.

والنِسب تعني أن ننسب شيئا إلى شيء، كأن نقول: "محمد مجتهد” هنا نسبنا لمحمد الاجتهاد، وذلك بعد أن عرفنا معنى كلمة "محمد” بمفردها، ومعنى "مجتهد” بمفردها.

 إذن الكلام المفيد يتأتى في النسب.

وقد تكون الإفادة بضميمة كلمة إلى ما سبقها، فعندما يسألك إنسان: "من عندك"؟

فتقول: "محمد"؛ هذا القول أفاد؛ لأنه انضم إلى كلمة أخرى فصار المعنى: "محمد عندي”.

إذن هناك نسب، والنسب هي أن تنسب حكماً إلى شيء إما إيجابا وإما نفياً.

 والنسبة تنقسم إلى قسمين؛ نسبة واقعة، ونسبة غير واقعة.

وإن كانت النسبة واقعة فهل تعتقدها؟

وهل تستطيع أن تقيم عليها دليلاً؟

إن كانت النسبة الواقعة ومقام عليها الدليل تكون علماً.

وإن كانت نسبة وواقعة وأنت تعتقدها ولا تستطيع أن تدلل عليها، فهذا تقليد، مثل الطفل الذي يقلد أباه فيقول: "الله أَحد"، والطفل في هذه الحالة لا يستطيع أن يقيم على هذه النسبة دليلاً.

 إن العلم أعلى مراتب النسب لأنه نسبة معتقدة وواقعة وعليها دليل.

أما إذا كانت نسبة معتقدة وغير واقعة، فهذا هو الجهل؛ لأن الجاهل هو الذي يعرف الشيء على غير وجهه الصحيح.

أما الأمي فهو الذي لا يعرف شيئا ونجد صعوبة في الشرح للجاهل، مثال ذلك الذي يقول الأرض مبسوطة ويدافع عنها، إنه يقول نسبة يعتقدها، ولكنها غير الواقع لأنها كروية.

 والجهل -إذن- أن تعرف نسبة تعتقدها وهي غير واقعة.

ولا يرهق الدنيا غير الجاهل، لا الأمي؛ لأن الأمي له عقل فارغ يكفي أن تقول له الحقيقة فيصدقها، أما الجاهل فيحتاج إلى أن نخلع من أفكاره الفكر الخاطئ ونضع له الفكر الصحيح.

 أما إن كانت النسبة غير واقعة.

فالنفي فيها يساوي الإثبات، وهذا هو الشك.

وإن كانت هناك نسبة راجحة فهو الظن.

والنسبة المرجوحة هي الوهم.

إذن هناك عدد من النسب: نسبة علم، نسبة تقليد، نسبة جهل، نسبة شك، نسبة ظن، نسبة وهم.

وعلى ذلك يكون الكذب نسبة غير واقعة، فإن كنت تعتقدها فأنت من الجاهلين.

ويقابل الكذب الصدق، وعندما يقول الحق: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}.

فالنسبة هنا غير مطابقة للواقع.

ويقتنص الملبِّسون بعض النسب التي تأتي في بعض من أسلوب القرآن ويقولون: في القرآن كلام لو مَحَّصناه لوجدناه غير دقيق.

مثال ذلك: {إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1].

كلام المنافقين هنا قد طابق كلام الله، ولكن لماذا يقول الحق من بعد ذلك: {وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].

النسبة واحدة، لكن الله يكذب المنافقين.

وإن فطنا إلى قول الله حكاية عنهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ} [المنافقون: 1].

أي أن الله يُكذِّب شهادتهم، لأن محمداً رسول الله بالفعل، ولكنهم كاذبون لأنهم لا يعتقدون ذلك، فالشهادة هي ما يوافق اللسان ما في القلب.

 إذن قوله الحق: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي أن عملهم الاستماع للكذب، وأكل السُّحت وكأنهم يرهقون إن أكلوا حلالاً، وأكَّال صيغة للمبالغة؛ وتكون إما في الحدث، وإما في تكرار أنواع الحدث.

 فيقال: "فلان أكال"، و"فلان أكول” وهو الإنسان الذي يأكل بشراهة أو يأكل كثيراً، والمبالغة -إذن- إما أن تكون في الحدث وإما في تكرير الحدث.

{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} ومادة "سَحت” تعني "استأصل ومحا"، ولكنها تزيد أنها استأصلته استئصالاً لم يبق له أثراً وتعدى الاستئصال إلى ظرفه.

مثال ذلك عند ظهور بقعة من زيت أو طعام على ثوب، نستطيع استئصال البقعة، ونستطيع المبالغة في استصالها إلى أن تنحت من الثوب.

والسُّحت استئصال مبالغ فيه لدرجة الجوْر على الأصل قليلاً.

أي يستأصل الذي جاء ومعه بعض من الأصل أيضاً؛ لذلك جاء المفسرون إلى هذا المعنى في شرح الرِّبا لأن الله يصفه بالقول: {يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا} [البقرة: 276].

والربا في مفهومنا أنه زيادة، ولكن الحق أوضح لنا أنه ليس بزيادة؛ لأنه يَدْخل ويستأصل ويأكل ويكحت أصل المال.

وظاهر الرِّبا وباطنه محق واستئصال.

 أما الزكاة فظاهرها نقص، ولكنها نماء، وبذلك نرى اختلاف مقاييس الخلق عن مقاييس الحق.

والمثل الواضح: أن النفس تلتفت دائماً إلى رزق الإيجاب، ولا تلتفت إلى رزق السلب.

فرجل راتبه خمسمائة جنيه، وآخر راتبه مائة جنيه، صاحب الراتب البالغ الخمسمائة فتح الله عليه أبواباً تحتاج إلى ألفٍ من الجنيهات، والذي يأخذ مائة جنيه سَدَّ الحق عنه أبواباً لا تأخذ منه كل راتبه بل يتبقى له عشرة جنيهات.

هناك -إذن- رزق إيجاب يزيد الدخل، ورزق سلب أن يسلب الحق عنك المصارف في المصائب والمهالك ويبارك لك فيما أعطاك.

والسًّحْت هو كل شيء تأخذه من غير طريق الحلال؛ كالرشوة أو الربا أو السرقة أو الاختلاس أو الخطف.

وكل أنواع المقامرة والمراهنة، كل ذلك اسمه سُحْت.

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} وهذا القول دليل على أن أُذَنَهُم اعتادت سماع الكذب ويقبلون عليه.

وعندما نقول نحن في الصلاة: "سمع الله لمن حمده"، أي أننا ندعو الله أن يقبل الحمد.

 وهم سماعون للكذب أي يقبلون الكذب.

والسماع جارحة، والأكل بناء ما به الجارحة لأنه مقوم لها.

مثلما يأكل لينمو، وإن كان ناضجاً يحفظ له الطاقة والقدرة.

فالنّمو -إذن- معناه أن يدخل جوفه أكثر مما يخرج منه.

وبعد فترة يدخل إلى جسمه على قدر ما يخرج منه، ثم الشيخوخة نجد فيها أن ما يخرج أكثر مما يدخل.

وماداموا سماعين للكذب أكَّالين للسُّحت، فهم في بوارٍ دائم، لأن أكل السُّحْت حيثية من حيثيات الاستماع المصدِّق للكذب؛ لأنهم قد بنوا ذرات أجسادهم من حرام، فكيف ترفض آذانهم الكذب؟

بل آذانهم تستدعي الكذب، وألسنتهم تحترفه.

وعيونهم تستدعي المحارم، وأيديهم تستدعي السرقة، إنها الأبعاض التي بناها أصحابها من حرام.

ولم يقل الحق عنهم: "سامعون"، بل قال: "سماعون” أي جعلوا صناعتهم أن يتسمعوا، وهم الجواسيس، وإلا فإذا كان الأمر غير ذلك لكان كل من سمع كذبا يُعَد من هؤلاء.

والقول مقصود به من جعل السماع صنعة له، ولا يجعل إنسان السماع صنعة له إلا إذا كان عينا لغيره، والعين للغير يتلصص على أمانة المجالس، ولكل مجلس أمانة.

فإذا ما حضر إنسان مجلسا فليس له أن ينقل ما في ذلك المجلس إلى غيره إلا أن يكون ذلك هو صناعته، وتلك هي مهمته.

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} وهنا قضيتان.

فهل السماع للكذب سببه أكل السُّحت، أم أكل السُّحت سببه السماع للكذب؟



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:34 pm

إن الحق سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان من طينة الأرض وصوره على شكل آدم نفخ فيه من روحه، وحين صوره من طينة الأرض جعل كل مقومات حركة حياته من طبيعة طينة الأرض، فإذا ما أخذ الإنسان شيئاً من حِلٍّ، اعتدلت الذرات في نفسه على الهيئة التي خلقها الله.

وإن تدخل فيها بحرام جعل في الذرات اختلالا تكوينيا.

وهذا الاختلال التكويني هو الذي جعل آكل الحرام سماعا للكذب.

ولو لم يكن فيه ذلك الاختلال التكويني الذي صنعه بنفسه لما سمع الكذب أبداً.

أو أنه عندما أكل السُّحْت صار سماعا للكذب.

أو سمع كذبا فصار أكَّالاً للسُّحْت.

ولنلاحظ أن الحق لم يقل: "آكل للسُّحْت"، ولم يقل: "سامع للكذب"؛ ولكنه قال: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي أنهم تعودوا سماع الكذب وتعودوا أكل السُّحت، فالواحد منهم أخذ حراما من أول الأمر، وعندما صار أكالا وسمَّاعًا للكذب في آن واحد، اختلت ذرَّات تكوينه، ولم يعد في أعماقه نور ليرفض الكذب.

بل أقبل عليه، ويغريه الكذب ثانية بأن يأكل السُّحْت، والأمر دائر بين سماع كذب وأكل سحت.

 وقضية الكذب هي قضية صراع الباطل مع الحق.

ومادام الكذب غير مطابق لوازع كوني أو لواقع منهجي تكليفي فهذا يصنع خللاً في الكون.

وحينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يضرب لنا المثل في ذلك جاء بالمثل في أمرٍ حسي حتى نراه جميعا: {أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17].

أي أن كل وادٍ تحمَّل على قدر طاقته.

ومن بعد ذلك يقول الحق: {فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً} [الرعد: 17].

فقبل أن ينزل السيل من على الجبال إلى الوديان، يأخذ كل الأشياء التي تصادفه على الجبل من آثار الرياح، ومن أوراق النبات، فينزله إلى الوادي، وتلك هي الأشياء التي تصنع الزِّبَد ونقول عنه في لغتنا العامية: "الرَّغاوي".

{أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً} [الرعد: 17].

و"رابياً” أي عائماً وعالياً وطافياً فوق المياه، لماذا؟

لأنه مادام زبداً ففيه فقاقيع هواء تجعل حجمه أكبر من وزنه.

وتصبح كثافته أقل من المياه؛ لذلك يطفو فوقها.

وماذا يكون الموقف بعد ذلك؟

{فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ} [الرعد: 17].

ومن العجيب أنه سبحانه جعل المثلين في الماء والمضاد له وهو النار، فالماء يأتي بزبد وغثاء يطفو على المياه، وكذلك النار حين ندخل فيها المعادن.

ومَنْ رأى الحدَّاد ينفخ في كيره على قطعة من الحديد يرى الخبث، والمواد الغريبة الممتزجة بالحديد والتي تنفصل أثناء الصهر عن الحديد ليصير صافياً.

إذن فهناك زبد في الحديد تخرجه النار عند صهره، وزبد يطفو فوق الماء.

{وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ} [الرعد: 17].

ولهذا نرى الباطل وقد أتى عليه زمن ليطفو فوق السطح، ويخرج الخَبَث طافياً على أصيل الحديد.

لكن أيظل الباطل كذلك؟

يُطمئِنُنا الحق أنه يحمي الحق فيقول: {فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ} [الرعد: 17].

وحين نرى الباطل وقد طفا على السطح نفاجأ بعد وقت من الزمن أن الزبد ينتهي ويصبح الماء صافياً، وكذلك الزبد الذي يطفو على الحديد، ينفضه الحديد ليبقى صافياً.

فإذا رأينا الباطل مرة يعلو، فلنعلم أنه لا بقاء لهذا العُلو؛ لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

ولماذا لا يُعلن الحق عن نفسه من البداية؟

أراد الله ذلك ليجعل الباطل من جنود الحق، ولو لم يَعَض الباطل الناس ويُتعبهم أيتجهون إلى الحق؟

لا.

لذلك كان لابد أن يأتي إليهم الباطل الناس ويُتعبهم ليبحثوا عن الحق.

وهكذا نرى الباطل كجندي من جنود الحق.

وضربنا المثل من قبل وعرفنا أن الألم عند المريض من جنود العافية، فلولا ذلك الألم لاستشرى الداء دون أن يشعر المريض، فكأن الألم يلفته إلى موضع الداء ويدفعه للبحث عن وسائل الشفاء.

وبذلك يتعرف على حلاوة العافية.

 إذن فالباطل من جنود الحق والألم من جنود الشفاء؛ لأن أمور الحياة لو سارت على وتيرة واحدة لما عرف الإنسان أوجه الحياة، فلو لم يأتِ الألم إلى المريض لأكله المرض.

فإذا كان الألم من جنود الشفاء، فالكفر أيضاً من جنود الإيمان؛ لأننا عندما نرى الكُفر ونشهد آثار الكُفر فساداً في المجتمع، نتساءل: ما الذي يخلِّصنا من ذلك؟

ونعرف أن الذي يخلصنا من الفساد هو الإيمان.

 وأُكرِّر دائماً: كلمة الكُفر بذاتها هي الدليل الأول على الإيمان؛ لأن الكُفر هو السَّتْر، ومادام الكفر هو السَّتر، والكافر يستر الإيمان، وظهور الكفر على السطح دليل وجود الإيمان في الأصل.

 ومادام الحق قد قال: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} فلابد بعد هذا التشخيص أن يرسم لرسوله أسلوب التعامل معهم: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً}.

فأنت يا رسول الله بالخيار بين أن تحكم بينهم في القضية التي جاءوا من أجلها أو تعرض عنهم، فليس عليك تجاههم إلزام ما؛ لأنهم السماعون للكذب الأكَّالون للسُّحْت.

وهم حينما يأتونك يا رسول الله طلباً لحكم إنما يفعلون ذلك لا رغبة في معرفة الحق ولا هم يلتمسون العدل.

بل جاءوك مظنة تيسير أمر الباطل وأكل السُّحت لنفوسهم.

وقد طلبوا الحكم في قضية الزِّنا وعندهم في التوراة كان الرَّجم عقاباً للزنا.

 لقد ذهبوا لرسول الله لأنهم أرادوا أن يستروا حكم الزِّنا في التوراة، والاكتفاء بالجلد وتسويد وجه الزاني وركوبه حماراً في الوضع العكسي بحيث يكون وجهه في اتجاه الذيل وقفاه في اتجاه رأس الحمار، وأن يطوفوا بالزاني وهو على هذه الهيئة حول البلدة.

ولما لم يسمعوا ذلك الحكم من الرسول ابتعدوا عنه.

إذن هم يطلبون التخفيف لأنهم كانوا سماعين للكذب واكَّالين للسُّحت.

ولأن الذي سيطبق عليه الحد رجل له جاه وله مكانة وهم يريدون التقرب إليه بتخفيف العقاب عنه.

وهل هناك تعارض بين قول الحق في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها وبين قول الحق: {فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ} [المائدة: 48].

لا تعارض.

والبعض يقول: إن في قوله الحق: {فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ} إلزاماً.

ونقول: المعنى الواضح هو أنك يا رسول الله، إن رجحت جانب أن تحكم وتقضي بينهم فاحكم بما أنزل الله، ولننظر إلى الأداء القرآني لأن المتكلم إله وحكيم: {فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}.

ونلحظ أن الأمر هنا جاء بطريقة تؤكد أن الإعراض ممكن؛ لأنهم أرادوا أن يحكم لهم رسول الله على هواهم، وطمأنه الله بأنه سيحميه من شرهم إن أعرض عنهم، وكأن الحق يقول لرسوله: إيَّاك أن تفكر حين تعرض عنهم أنهم سينالونك بالشر لأنك لم تحقق لهم التيسير الذي ابتغوه عندك{وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً} وإيَّاك أن تجعل الضرر منهم مُرجِّحاً للحكم؛ فأنت بالخيار؛ إما أن تحكم وإما أن تعرض.

ولا تخش من شرهم لأن الذي أرسلك يحميك.

{وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} والحكم في هذه الآية يأتي كالقوس في البداية وفي النهاية، والحكم بينهم يكون بالقسط؛ أي بالعدل.

والعدل ليس كما يراه الهوى ولكن حسب ما أنزل الله.

أي أن الله يحب الذين يزيلون الجوْر.

ومادام الحكم بالعدل يأتي ليزيل الجور، فكأنه كان من قبل جوْرٌ مُقنن؛ إذن فـ "أقْسَط” أي أزال جوراً مقنناً وأعاد توازن الميزان ليعود الانسجام بين الإنسان والكون.

والكون كله يسير بميزان؛ الأرض تدور والشمس تؤدي مهمتها، ولا كوكب يصطدم بكوكب آخر: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].

فإن أردتم أن تستقيم لكم أموركم الاختيارية، فانظروا إلى الأمور الإجبارية التي حولكم، فإن كانت بنظام وميزان واعتدلت الأمور، اعدلوا -إذن- في إدارة شئونكم حتى تنسجموا كما انسجم الكون، ولذلك نقرأ قوله تعالى: {ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ} [الرحمن: 5-8].

أمامكم الموازين العليا في الكون، ولا تستطيعون إفسادها لأنها تسير بنظام لا دخل لكم به؛ لذلك عليكم أن تتعلموا منها وأن تديروا أمور حياتكم بميزان حتى تستقيم أموركم الاختيارية.

{أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ} [الرحمن: 8-9].

فإن رأيت حولك كونا غير مُضطرب، وغير مُتصادم، ويؤدي حركته دون تعارض أو تصادم، فافهم أنه قائم على ميزان الحق، ووضع سبحانه لك ميزاناً في الأمور الاختيارية، والمرجحات الاختيارية هي أحكام التكليف من الله، فإن أردت أن تستقيم لك الأمور الاختيارية فسر بها على الميزان الذي وضعه الله.

ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بقوله: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ...}.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:35 pm

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [٤٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يوضح سبحانه: كيف يأتون طلبا للحكم منك وعندهم التوراة، وهم لم يؤمنوا بك يا محمد رسولاً من الله، فكيف يرضاك من لم يؤمن بك حَكَما؟

لابد أن في ذلك مصلحة مناقضة لما في التوراة، ولو لم تكن تلك المصلحة مناقضة لنفذوا الحكم الذي عندهم، وهم إنما جاءوا إليك يا رسول الله طمعا في أن تعطي شيئا من التسهيل وظنوا -والعياذ بالله- أنك قد توفر لهم أكل السُّحت وسماع الكذب.

{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ} وهي مسألة عجيبة يجب أن يُفطن إليها؛ لأن عندهم التوراة فيها حكم الله، فلو حكموك في أمر ليس في التوراة لكان الأمر مقبولاً، لكن أن يحكموك في أمر له حكم في التوراة، وبعد ذلك يطلعك الله عليه لتكشفه فتقول يا رسول الله: هاتوا ابن صوريا ليأتي بحكم التوراة.

ويعترف ابن صوريا بوجود حكم الرَّجم في التوراة.

إذن هم رغبوا في الاحتيال، وأراد الله أن يثبت لرسوله -صلى الله عليه وسلم- لوناً في الإعلام عن هؤلاء المارقين على أحكام الله، هم يعلمون أن الرسول أُمّي، لم يقرأ ولم يكتب، فمن الذي أخبره بالحكم الموجود بالتوراة؟

إذن أخبره من أرسله، وإذا كانوا قد أرادوا البحث عن حكم مُخفَّف فالحق أراد ذلك ليكون سَبباً من أسباب الخزي لهم.

{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43].

وهذا دليل على أن الرسول عندما حكم بغير مطلوب تيسيرهم.

أعرضوا عن الحكم.

ولو كانوا طالبين للحكم بادئ ذي بدء لقبلوا الحكم بالرجم كما قاله لهم رسول الله، لكنهم غير مؤمنين حتى بتوراتهم.

 ويقول سبحانه من بعد ذلك: {إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ...}.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:36 pm

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [٤٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الهُدى هو الطريق أو الدرب المُوصِّل للغاية.

وتأتي على الطريق أحقاب الليل والنهار، فالطريق مُظلم ليلاً، وقد تعترض السائر فيه عقبات، أو قد لا يمشي السائر في سواء السبيل أي وسط الطريق، فيقع في حفرة أو يصطدم بحجر.

 ويوضح الحق هنا: لقد صنعت لكم الدرب وأَنرته لكم حتى لا تصطدموا بشيء أو تأتي لكم عقبات، وتمثَّل ذلك في المنهج الذي جاء به موكب الرُّسل كلهم.

 وقديما كان العالم مفككا، متناثر الجماعات، فلا توجد مواصلات، وتعيش كل جماعة في انعزال وشبه استقلال، فإن حصلت داءات في بقعة ما تظل محصورة في هذه البقعة، ويأتي رسول ليعالج هذه الداءات، فهذا يعالج أمر عبادة الأصنام، وذلك يعالج مسألة الكيل والميزان، وثالث يعالج الأمور المنظمة للحياة الزوجية عند اليهود.

هذه الداءات كانت متعددة بتعدد الجهات، وعندما أراد الحق سبحانه أن يبصر الناس بأسرار كونه ليستنبطوا منها ما يقرب المسافات ويمنع المشقات لتلتقي الأمم.

وعندما تلتقي الأمم لا يوجد فصل بين الداءات، فالداء الواحد يحصل في الشرق لينتقل إلى الغرب.

وكأن الداءات تتحد في العالم أيضاً.

إذن لابد أن يجيء الرسول الجامع ليعالج الداءات كلها، فيأتي -صلى الله عليه وسلم- الجامع المانع، فإذا ما قال الحق: إنه أنزل التوراة فيها هدى ونور، فالإنجيل أيضاً فيه هدى ونور، وكل هدى ونور في أي كتاب إنما هو للداءات الموجودة في البيئة المنعزلة.

مثال ذلك أن سيدنا إبراهيم كان موجوداً، ومعه في الزمن نفسه سيدنا لوط.

وها هوذا سيدنا موسى كان موجودا.

وكذلك سيدنا شعيب، إذن كانت الرُّسل تتعاصر في بعض الأحيان لأن كلا منهم يعالج داء معينا.

وهكذا كانت الرسالات تأتي محدودة الزمان ومحدودة المكان.

 أما محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد بعثه الله للناس كافة بكل أجناسهم وتقوم على منهجه الساعة؛ لذلك لم تعد الأرض في حاجة إلى رسول آخر، وصار من المنطقي أن يكون هو الرسول الخاتم.

{إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ} لماذا إذن يأتي الحق بإسلام الأنبياء هنا؟

جاء سبحانه بأمر إسلام الأنبياء تشريفا للإسلام لأنه جوهر منهج كل نبي.

إننا نجد الشعراء يتفننون في هذا المعنى:
ما إن مدحت محمداً بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمدٍ

والشاعر الآخر يقول:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان

فالقبيلة بالنسبة لأبي الصقر هي التي تنتسب إليه وليس هو الذي ينتسب إليها.

ويردف قائلاً:
وكم أبٍ قد علا بابن ذُرَا شرفٍ كما علا برسول الله عدنان

إذن فالنبيون عندما يصفهم الحق بأنهم أسلموا، إنما يريد الحق أن يشرف الإسلام بأن النبيين أسلموا قيادهم وزمامهم إلى الله لأنهم وجدوه الخير لهم.

وإسلام النبيين هو الإسلام بمعناه الكامل، أي هو الانصياع لأوامر الله، فكلما فكر نبي منهم في أن هناك شراً سيأتي له بسبب دعوته، أو أن يضطهده أحد، أو يحلو لأحدٍ أن يسيء إليه فهو يسلم أمره لله؛ لأن الرسول منهم إنما يقول كلمة الحق ولا يبالي بما يحدث بعدها.

{يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ} وهم يحكمون بالتوراة بين الذين هادوا، أي من يهود، وكذلك يحكم بها الربانيون والأحبار.

والرباني منسوب للرب، أي أن كل تصرفاته منسوبة إلى الله.

والأحبار هم العلماء حملة أوعية العلم، لكن هل ينفذونه أو لا ينفذونه فهذا شيء آخر.

صحيح أن كل عالم وعاءُ علم، لكن قد ينتفع هو بعلمه، وقد لا ينتفع، لكنه ينقل علمه إلى من ينتفع به.

ولذلك يقول أحد العلماء:
فخذ بعلمي ولا تركن إلى عملي وأجْنِ الثمار وخلِّ العود للنار

فلا تقل: إن هذا العالم يقول لنا كذا وكذا، ونراه في تصرفاته عكس ما يقول: لأن عليك أن تأخذ ثمرة العلم، واترك العود للنار.

ولكن على العالم أن يكون أول من يمتثل ويطبق ما يقوله حتى لا يعذب ولا يدخل تحت قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}.

{وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ} وعرفنا أن التوراة فيها نور وهدى ويحكم بها النبيون والربانيون والأحبار بالوسيلة التي طلب الله منهم أن يحفظوها، وبما طلبه رسولهم منهم أن يحفظوا هذه التوراة.

وقال الحق: "استحفظوا” ولم يقل: "حفظوا” ليبين لنا الفارق بين كل كتاب سابق للقرآن وبين القرآن؛ لأننا عرفنا أن كل رسول قد جاء بمعجزة تدل على أنه صادق البلاغ عن الله.

ولكل الرسل من السابقين على رسول الله معجزة منفصلة عن المنهج، مثال ذلك سيدنا موسى فمعجزته العصا وفلق البحر، أما منهجه فهو التوراة.

وسيدنا عيسى معجزته إبراء الأكمه والأبرص، والمنهج الذي جاء به هو الإنجيل.

أما سيدنا رسول الله فمعجزته هي عين منهجه، وهي القرآن.

وكان الأمر الموجود بالنسبة لكل رسولٍ مرتبطا بزمانه وجماعته ومحتاجا إلى معجزة مناسبة ومنهج مناسب، لكن الرسول الذي أرسله الله إلى الناس جميعا وخاتما للأنبياء لابد أن تظل معجزته عين منهجه بحيث يستطيع أي مسلم أن يقول حتى قيام الساعة: محمد رسول الله وهذه معجزته وهي عين منهجه.

 وسيظل القرآن معجزة ظاهرة إلى أن تقوم الساعة؛ لأن الله أرادها مختلفة عن بقية المناهج والمعجزات.

 فالمعجزات السابقة كانت كعود الثقاب الذي يشعل مرةً واحدة؛ فمن رآه لحظة الاشتعال فالأمر بالنسبة إليه واضح، أما من لم يره فهو لن يصدق تلك المعجزة إلا أن يخبره من يصدقه.

وقد استحفظ الله الربانيين والأحبار بالتوراة، أي طلب منهم أن يحفظوها، وكان هذا أمراً تكليفياً، والأمر التكليفي عُرضة لأن يُطاع وعُرضة لأن يُعصى.

واستحفظهم الله التوراة والإنجيل: {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} [المائدة: 14].

وصار أمر المنهج منسياً.

وليس على بالهم كثيراً؛ لأن الأمر إذا توارد على البال واستقر دائما في بؤرة الشعور يظل في الذهن، لكن النسيان يأتي عندما يكون الأمر بعيداً عن البال.

 والحق طلب منهم أن يحفظوا المنهج، ولكنهم - ما عدا النبيين - لم ينفذوا، وكل أمر تكليفي يدخل في دائرة الاختيار، ولذلك نجد أن الأحبار والربانيين قد نسوا، وما لم ينسوه كتموه.

وأول مرحلة من مراحل عدم الحفظ أنهم نسوا، والمرحلة الثانية هي كتمان ما لم ينسوه، والثالثة هي: ما لم يكتموه حرَّفوه ولووا به ألسنتهم.

 وياليتهم اقتصروا على هذه المراحل فقط، ولكنهم جاءوا بأشياء وقالوا: هي من عند الله وهي ليست من عند الله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ} [البقرة: 79].

إذن فالحفظ منهم لم يتم؛ لذلك لم يدع الله القرآن للحفظ بطريق التكليف؛ لأنه سبحانه اختبر البشر من قبل، ولأنه أراد القرآن معجزة باقية؛ لذلك لم يكل الله سبحانه أمر حفظه إلى الخلق، ولكنه تكفل -سبحانه- بأمر حفظ القرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

ومصداق هذا النص، أن بعضاً من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في هجر منهج الإسلام ومنهج القرآن إلا أنك تجد عجباً، فبمقدار بُعدهم عن منهج الإسلام تطبيقاً يحافظون على القرآن تحقيقاً، فيكتبون القرآن بكل ألوان الكتابة وبكافة الأحجام، فهناك حجم ذهبي ترتديه النساء في صدورهن، وحجم يوضع في اليد، وبعد ذلك نجد الكفرة أنفسهم يخترعون طريقة لكتابة القرآن في صفحة واحدة.

 إذن فالله يُسخر لحفظ القرآن حتى من لم يكن مسلماً.

وتلك خواطر من الله.

ونحن نرى كل يوم من يبتعدون بسلوكهم عن المنهج لكنهم يرصدون المال لحفظ القرآن.

ونجد القرآن محققاً بألف وسيلة حفظ: الرجل يضع في سيارته مصحفاً، وفي حجرة نومه مصحفاً، وقد تكون المرأة سافرة وصدرها مكشوف ولكنها تعلق مصحفاً ذهبياً.

وهذا يثبت لنا أن حفظ القرآن ليس أمراً تكليفياً.

بل هو إرادة الله.

 فلو كان الأمر تكليفياً لكان نسيان القرآن وارداً؛ لأن المسلمين ابتعدوا في بعض أمورهم عنه كمنهج، ويناسب ذلك أن ينفصلوا عنه حفظاً.

ولكن الأمر صار بالعكس.

فعلى الرغم من بُعد المسلمين عن المنهج، ولكن حفظ القرآن لا يقل أبداً، ومن العجيب أن الكثيرين من المسرفين على أنفسهم، إن سمع واحد منهم أنّ شيئاً يمس المصحف، يقيم الدنيا ويقعدها، فالمسألة ليست مسألته، ولكنها مسألة الحافظ جل شأنه.

وإن حدث أي تحريف يسير في القرآن من أعداء الإسلام، نجد أمة الإسلام تقف وقفة رجل واحد.

ولقد أراد بعض المدلسين أن يدسوا على القرآن ما ليس فيه وجاءوا إلى آية في سورة الفتح وهي: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

وقالوا: "محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-” وكأنهم يرغبون في زيادة التكريم لرسول الله، فلما عرف المسلمون ذلك قامت ضجة وأحرقوا تلك المصاحف.

 ومنع المسلمون التحريف مهما كان باب الدخول إليه.

{فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ} والخشية: خوف متوَهَّم ممن تظن أنه قادر على الضر، ولا أحد غير الله قادر على النفع والضر؛ لذلك لا يصح أن يخاف الإنسانُ مِن سواه، أما أن تظن أن السلطان أو القريب منه قادر على الضر، فهذا أمر غير صحيح، وليخشَ كل إنسان الحق سبحانه وهو جل وعلا نصحنا أن تكون الخشية منه دون سواه.

 وإن غيَّر أحد أحكام المنهج من أجل السلطان أو أقارب السلطان أو أصدقاء السلطان فذلك عين الفساد.

والآفات والشرور تأتي من ذلك.

بل قد لا يدري السلطان شيئاً عن ذلك، وقد يتدخل قريب للسلطان -دون علم السلطان- ليطلب من العلماء تغيير بعض من المنهج ولا يستسلم له إلا الضعاف منهم، وقد فطن سيدنا عمر -رضي الله عنه- إلى هذا الأمر فقال: إن الفساد قد لا يأتي من السلطان، ولكن من الذين حول السلطان.

والخشية هنا تكون من غير الله، ولذلك كان سيدنا عمر يجمع أقاربه والملتفين حوله ويقول لهم: لقد اعتزمت أن أصدر كذا وكذا فوالذي نفسي بيده من خالفني منكم إلى شيء من هذا جعلت نكالاً للمسلمين.

هذا هو أسلوب من أداء أن يخدم ويحكم ولا يحمل أوزاراً، ونرى صور الفساد إنما جاءت نتيجة مخالفة القاعدة الحكيمة: {فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ}.

ويتابع الحق من بعد ذلك: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} وثمن آيات الله مهما بولغ في تقييمها فلن يتجاوز نفعه هذه الدنيا؛ لأن الدنيا -كما قلنا سابقاً- لا تقاس بعمرها الحقيقي أي إلى أن يُفني الله البشر، وإنما دنيا كل حيّ تقاس بعمره فيها.

فهب أن الحياة طالت لملايين السنين فما نفع الفرد المحدود العمر بهذه الملايين من السنين؟

إذن فدنيا كل إنسان هي مقدار عمره في الحياة.

وعمر الفرد في الدنيا له حد محدود غير معروف لأحد غير الله، فلكل أجل كتاب.

ولذلك تجد واحداً يعيش متوسط الأعمار وهو سبعون عاماً.

ويختلف العمر من إنسان لآخر، وقد يموت آخر عند الستين وثالث يموت في الأربعين ورابع يموت في المائة، وخامس يموت وهو طفل رضيع.

 إذن فدنيا الفرد قد تكون لحظة.

ومادامت مسألة العمر لا يحكمها زمن ولا يحكمها سبب فهي -إذن- بإرادة الحق غيب.

وأقضية الموت في الوجود جعلها الله شائعة في كل زمن ولم يجعلها الحق بعد الميلاد.

بمعنى أن يولد الإنسان ليموت من بعد ذلك، لا، فقد يموت الكائن البشري وهو جنين في بطن أمه؛ فهذا حمل يسقط من بعد ساعة، وذاك حمل يسقط من بعد شهر أو شهور، وجعل الحق لنا ذلك لنأخذ من الأمر الغيبي وهو الجنين في البطن مراحلَ تكوينه.

إنه يعطينا شكل الجنين بعد نصف ساعة من التكوين، ويعطينا شكل الجنين من بعد ساعة.

وكل الأزمنة في الحياة والموت موجودة.

وعندما نحلل تلك الأشكال نجد أمامنا كل أطوار الجنين، وكل أطوار الحياة ليكون ذلك واضحا جليا حتى لا يحسب أحد لنفسه عمراً في هذه الدنيا.

ومادام الثمن الذي يأخذه المرتشون ليغيّروا آيات الله وأحكامه سينفعهم في هذه الدنيا، وأعمارهم في هذه الدنيا محدودة، كان عليهم أن يتذكروا أن حياتهم زمنياً قليلة بالنسبة لعمر الدنيا.

وحتى يقوم الإنسان بعملية اقتصادية لابد أن يتعرّف إلى أن عمره محدود بقدر سنوات مجهولة بالنسبة له في هذه الحياة، وهو عمر محدود مهما طال.

وإن قارنها الإنسان بالحياة في العالم الآخر فسيجد أن عمره الدنيوي منهي، فإن قايضه بعمر غير منهي هو عمره في الآخرة، فذلك هو الفوز العظيم؛ لأن وجود الإنسان في الدنيا مظنون، ووجود الإنسان بالنسبة للآخرة متيقن.

ونعيم الفرد في الدنيا هو على قدر إمكاناته ولو في السلب.

ونعيم الإنسان في الآخرة ينسب إلى طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى إذن فأي صفقة تكون هي الرابحة؟

محدود مقابل غير محدود، ومظنون مقابل متيقن، ونعيم على قدر مكنة وسلطان الفرد ولو بالسلب مقابل نعيم على قدر طلاقة قدرة الحق، أي صفقة هي الرابحة؟

إذن فصفقة الدنيا قليلة بالنسبة لما وعد الله به المتقين.

ومن بعد ذلك يقول الحق: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ}.

ماذا يعني الحكم بما أنزل الله؟.

نعلم أن الحق سبحانه وتعالى جعل لكل قضية مخالفة في الكون حكماً، فإذا أردت أيها الإنسان أن تحكم في أمرٍ فعليك أن تبحث عن جوهره بسلسلة تاريخ هذا الأمر.

ونجد أن قمة كل الأمور هي العقيدة، وهو وجود الواجب الأعلى وهو الله، فإن حكمت بأنه غير موجود فذلك هو الكفر.

وإن آمن الإنسان بالله ثم جاء إلى أحكام الله التي أنزلها وقال: لا، ليس من المعقول أن يكون الحكم هو هكذا.

فهذا لون من رد الحكم على الله وهو لون من الكفر.

 أما إن آمن الإنسان بالحكم وقال: إنني أصدق حكم الله، ولكن لا أقدر على نفسي فهل هذا كفر؟

أم هذا ظلم؟.

إنه ليس كفراً، ويكون ظلماً إن كان حكماً بين اثنين.

وهو فسق إن كان بين الإنسان وبين نفسه؛ لأنه يفسق عن الحكم كما تفسق الرطبة عن قشرتها.

 فالفاسق هو من له إطار من التكليفات ويخرج عن هذا الإطار كالرطبة التي خرجت من قشرتها.

ومادامت الرطبة قد خرجت من قشرتها فهي عرضة للتلوث.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:37 pm

إذن فإن سمعت قول الله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

وعندما تسمع: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].

وعندما نسمع: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].

فتذكر أحكام الله وحاول أن تقدر على نفسك.

وقيل: إن ذلك لليهود؛ لأن الحق قال: {إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44].

وقيل: إن الثانية جاءت للنصارى الذين لم يحكموا بالإنجيل.

ولنا أن نقول رداً على مثل هذه الأقوال: أمن الممكن أن يكون ذلك للأديان السابقة على الإسلام وليس موجوداً بالإسلام؟

ذلك أمر لا يقبله العقل أو المنطق، فهي آيات نزلت في مناط الحكم عامة.

فإن حكم إنسان في قضية القمّة وهي العقيدة بغير الحق، فذلك هو الكفر.

وإن ردّ الإنسان الحكم على منشئه - وهو الحق الأعلى - فهذا لون من الكفر.

وإن آمن الإنسان بالقضية وهو مؤمن بالإله فغلبته نفسه فهذا هو الفسق.

وإن حكم إنسان بين اثنين وحاد ومال عن حكم الله فهذا هو الظلم.

 إذن فـ "كافرون” و"ظالمون” و"فاسقون” تقول لنا: إن الألفاظ اختلفت باختلاف المحكوم به.

فلا يقولن أحد: إن تلك آية نزلت لتلك الفئة، وتلك الآية نزلت لفئة أخرى، وثالثة نزلت لفئة ثالثة، ولكنها أحكام عامة لمناط التكليف عامة.

والحق قال في بداية كل حكم "ومَن” ومَن كما نعلم كلمة عامة.

والدليل على ذلك أن من يحكم بغير ما أنزل الله إنما هو يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً ورد الحكم على الله.

وقال الحق في الآية اللاحقة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ} [المائدة: 45].

إنها أحكام تتعلق بجرائم، وعقوبات على جرائم، وهنا يكون الحكم بغير ما أنزل الله ظلماً.

إذن فالأمر يختلف حسب المحكوم عليه.

وحينما تعرضنا لقضية الخلق الأول وهو خلق آدم، وطلب الله من الملائكة المكلفين بتدبير أمور الخلق في الأرض أن يسجدوا لآدم.

وقلنا إن هذا السجود هو رمزية لأن يكونوا في خدمة آدم؛ لأن كل مظهر من مظاهر القوة في الكون لا نرى الملك الذي يديره، فكل قوة لها ملك معين، ولأن ذلك الأمر من الغيب فنحن لا نراه، إنها ملائكة مدبرات أمر.

وحين يبلغهم الحق أن الطارئ على الكون وهو آدم، وأنهم في خدمته، ومن أجل ذلك أمرهم بالسجود لآدم.

ولذلك نجد أن بعضاً من الملائكة الذين ليسوا من المدبرات أمرا لم يشملهم الأمر.

ويكلم الحق إبليس عندما رفض السجود قال سبحانه: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ} [ص: 75].

إن "العالين” هم الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يدرون ولا يعلمون بأمر آدم، فقد سأل الحق إبليس: أأنت مستكبر عن السجود أم أنت من العالين الذين لم يشملهم أمر السجود؟

وقلنا إن إبليس لم يكن من الملائكة، لأنه بنص القرآن: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].

ولذلك لا يصح أن يكون "إبليس” محل خلاف أهو من الملائكة أم لا! فهو ليس من الملائكة.

وفي القرآن نص صريح يثبت جنسية إبليس.

وهو من الجن.

وكان من المختارين، له أن يطيع أو أن يعصي.

لأن الجن داخلون في قانون الاختيار.

فإن ألزم الجنّي نفسه بمنهج الله إلزاماً يتساوى به مع الملائكة وجب عليه أن يقوم بذلك.

ولكنه لم يفعل.

وكان من الواجب أن يطيع إبليس الأمر.

ومادام الحق هو الذي أمر بالسجود، فالأدنى وهو إبليس كان عليه أن يسجد؛ لأن المراتب محفوظة كما نعلم، فرئيس الجمهورية عندما يدخل على الوزراء فهم يطيعون أمره، وإن كان يجلس مع الوزراء بعض وكلاء الوزارات فهم يطيعون أوامره؛ ذلك أنهم يدخلون في الأمر من باب أولى.

ولو كان إبليس أعلى من الملائكة لكان أولى له أن يستجيب لأمر الخالق الأعلى ولا يعصى ويتأبى، أما وإنّه كان أقل من الملائكة فكان لابد من باب أولى - أن ينصاع لأمر الله.

 لكن إبليس علل أمر عدم السجود، فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12].

وفي آية أخرى قال سبحانه: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61].

وحين يتأبّى كائن على الحكم، أيتأبّى على الحكم الأصم، أي على الحكم من حيث هو حكم دون النظر إلى الحاكم، أم على مَن حكم بالحكم وهو الأعلى سبحانه؟.

تأبى إبليس على من حكم بالحكم، ولذلك طرده الحق من الجنة وصار ملعوناً.

لكن آدم عصى ربه وقرب من الشجرة التي نهاه الله عنها.

ومن رحمة الله تعالى أنه جعل في التكليفات مقدمات تنطبق على حالة المكلف نفسه، فلم يقل الحق لآدم: لا تأكل من الشجرة.

ولكنه قال: {وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ} [البقرة: 35].

لأن الحق علم أن آدم إنسان، والإنسان من الأغيار، وهو عندما يرى الشجرة بثمارها قد لا يقدر على نفسه، ولذلك كان من الأفضل ألا يقرب من هذه الشجرة.

 وسبحانه يريد أن يحمي الإنسان؛ لأن التكليفات التشريعية لا يرفعها الحق، ولا يُعفى المكلف من القيام بها إلا في الأمر الذي ليس للإنسان فيه اختيار، ولذلك أراد الحق أن يحمي الإنسان من الاقتراب من تلك الشجرة حتى لا تغريه وجاء الحق بمثل هذا الأمر في الخمر فلم يقل: لا تشربوا الخمر.

ولكنه قال: {إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90].

لأن الإنسان لو جلس في مجلس خمر ورأى السُّكارى قد سعدوا وضحكوا فقد تراوده نفسه على شرب الخمر.

إذن فالأمر بالاجتناب هنا أبلغ من "لا تشربوه”.

ونجد أن تكليفات الحق إنما تاتي للعمل النزوعي، ومعنى العمل النزوعي أن يتحرك الإنسان للعمل.

أما بالنسبة للإدراكات فمن الجائز أن يدرك الإنسان الأمر.

ويترك الحق لنا حرية حب من نشاء وكراهية من نشاء.

ولكن هذا الحب لا يصح أن يصدر عنه عمل نزوعي فنجامله بالباطل.

وكذلك الكراهية فليس هناك أمر بالكراهية، ولكن إن كره إنسان إنساناً فلا يصح أن يظلمه.

فالمنهيّ عنه هو الظلم، ولذلك قال الحق: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} [المائدة: 8].

أي لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا.

إذن فالحق لم يحرم البغض لأنه مسألة عاطفية.

ولكن التحريم ينحصر على الإقدام على عمل يخل بميزان العدل مع من تكره.

ويجب أن يؤمن الإنسان إيماناً جازماً بأن من ظلمه بمعصية، فلا يجازيه الإنسان إلا بطاعة الله.

وآدم أكل من الشجرة، فهو -إذن- قد تجاوز مسألة الاقتراب إلى مسألة الأكل من الشجرة؛ لأنه لو قرب منها لكان مخالفاً، فما بالنا وهو قد أكل منها أيضاً؟

إذن فقد أوغل آدم في المعصية، لكنه قال: (ظلمنا أنفسنا).

وهذا اعتراف واضح بأن حكمك يا الله هو الحكم الحق، لكني لم أقدر على نفسي يا ربي.

إذن فهو لم يَرُدَّ الحكم على الله، ولكنه اعترف بأنه لم يقدر على تنفيذ الحكم، لذلك أعطاه الله كلمات ليقولها فيتوب عليه.

وسبحانه هو الذي علم آدم كيف تكون التوبة.

فآدم -إذن- ليس كإبليس الذي رد الحكم على الله؛ لأن آدم قال: أنا لم أقدر على نفسي.

 إذن فمن لم يحكم بما أنزل الله رادّاً للحكم على الله ومخطّئاً لله -سبحانه- فهو كافر.

وإن كان حكماً بين اثنين وحكم بغير ما أنزل الله فهو ظالم.

 أما إن كان حكماً على النفس ولم يقدر عليه الإنسان فهذا فسق.

وكل وصف جاء حسب حكمه.

ولا داعي -إذن- للجدل ولا للخلاف ولا ادعاء أن هناك قولاً يقصد به اليهود، وآخر ورد في النصرانية، ولا يصح أن يزين الإنسان الباطل لأحد، لأن ورود الحكم بما أنزل الله في الإسلام أمر جازم يوجب الالتزام به.

 ويقول الحق من بعد ذلك: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ...}.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52652
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 041-045 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 041-045   سورة المائدة الآيات من 041-045 Emptyالأربعاء 19 يونيو 2019, 10:40 pm

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [٤٥]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


لقد كتب الحق على اليهود في التوراة التي وصفها من قبل بأنها هدى ونور، كتب وأوجب عليهم أن النفس بالنفس، وعلينا أن نأخذ كل أمر وما يناسبه من الحدث.


 أي أن النفس تُقتل بالنفس.


ولكن عندما يقول الحق: {وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ}، فهل يعني ذلك أن تقتل العين؟


لا.


ولكن العين تقلع مقابل عين.


وكذلك{وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ}.


أي الأنف المجدوعة، مقابل جدع أنف أخرى.


وكذلك قوله الحق: {وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ} أي إصابة اذن بالصمم مقابل إصابة أذن بالصمم.


إذن فلكل ما يقابله.


فهناك النفس تقتل بالنفس وهناك العين تفقأ بالعين، وكذلك الأمر في جدع الأنف، وصلم الأذن.


 إن تعبيرات اللغة واسعة تعطي لكل وصف ما يناسبه.


فالإنسان مثلاً قد يكون جائعاً.


ولكن إلى ماذا؟


إن كان جائعاً لطعام فهو جوعان.


وإن أراد خصوصية أكل ويشتهيه كاللحم فلا يقال له: جوعان، ولكن يقال "قَرِم”.


وإن كان يشتهي اللبن يقال له: "عَيْمان"، وإن كان في حاجة للماء يقال له: "عطشان”.


وإن كان جائعاً للجنس فهو "شَبِق”.


وذلك يكشف لنا أن الإنسانية تحتاج إلى أمور متعددة، وكل أمر له اسم.


وكل شيء له تعبير.


ومثال آخر: يقال: فلان جلس، أي قعد.


وهذا في المعنى العام.


ولكن الجلوس يكون عن اضطْجاعٍ.


أما قعد، فهي عن قيام، أي كان قائماً وقعد.


ولذلك قال الحق: {قِيَاماً وَقُعُوداً}.


ومثال آخر: يقال: "نظر” و"رمق” و"لمح"؛ وكل كلمة لها موقفها؛ فالنظر يكون بجميع عينيه.


و"رَمِق” أي لحظ لحظاً خفيفاً.


و"لَمَح” أي اختلس النظر إليه.


وكذلك قوله الحق معناه: أننا كتبنا عليهم فيها أن النفس مقتولة بالنفس، والعين مفقوءة بالعين، والأنف مجدوعة بالأنف، والأذن مصلومة بالأذن، والسن مخلوعة بالسن.


وبعد ذلك يقول الحق عن الجروح: {وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ} لأن الجرح قد يكون في أي مكان.


 والقصاص يكون بمثله ومساوياً للشيء، وهو مأخوذ من قص الأثر؛ أي السير تبعاً لما سارت عليه القدم السابقة دون انحراف.


ولما كان القصاص هو أمر مطلوب فيه المماثلة فذلك أمر صعب، صحيح أن الحق قال: {فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].


لكن القصاص أمر صعب، فالصفعة من يد جائع متهافتة بعكس الصفعة التي تأتي من يدٍ صاحبُها في منتهى النشاط والقوة.


فكيف يكون القصاص مناسباً لقوة الذي فعل الفعل؟


إذن لا يصح أن يدخل الإنسان في متاهة.


ويمكنه أن يتصدق بالقصاص فلا يأخذه.


ونحن نعلم حكاية "تاجر البندقية” ذلك المرابي اليهودي الذي أقرض نقوداً مقابل رطل من لحم صاحب القرض، وكتب الاثنان التعاقد وجاءا بالشهود ولم يستطع الرجل أن يُسدّد المال في الميعاد ولكن القاضي أنار الله بصيرته.


فقال: خذ الرطل من لحم الرجل ولكن إن أنقصت أوقية فسنأخذها منك أو إن زدت أوقية فسنأخذها منك.


فقال المرابي: لا أريد.


وقد قنن الحق للجريمة، ولم يغلق سبحانه باب الطموحات الإيمانية، فقال: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ}.


ومعنى "تصدق” أنه دفع وأعطى شيئا غير مستحق، ولا واجب عليه أي تبرع به ابتغاء وجه الله.


إن الذي يتعب البشر في تقنيناتهم أنهم يطيلون إجراءات التقاضي، فساعة تقع جريمة يستمر التحقيق فيها بواسطة القضاء لأكثر من عام فتنبهت بشاعة الجريمة في النفس البشرية.


ومن الواجب كذلك أن يكون الأمر لولي القصاص؛ لأنك إن مكنته أرضيت نفسه بأول شفاء.


وساعة يُعطى الإنسان ذلك الحكم فقد يزهد فيه؛ لأن الأمر حين يكون في يده ويقدر على القصاص فمن المحتمل أن يعفو.


 وسيظل المتصدَّق عليه طيلة حياته يدين بحياته أو بجارحة من جوارحه لصاحب القصاص.


وبدلاً من إيعازات الثأرات تنشأ المودة.


وحين يشرع المشرع الأعلى يوضح لنا: لا تحكم بأنك دائماً معتدى عليك، بل تصور مرة أنك معتد، ألا تحب في مثل هذه الحالة أن يتصدق عليك صاحب القصاص؟


فإذا أرادت الحكومات لأن تنهي الثأرات فلهم في التشريع الأعلى الحكم الواضح.


وفي صعيد مصر، ساعة يُقتل إنسان نجد الذي عليه الثأر يأخذ كفنه ويذهب إلى العائلة الطالبة للثأر، ولحظة يدخل عليهم حاملاً كفنه بيديه، تشفي النفوس من طلب الثأر.


ويحيا، وصاحب الثأر متفضل عليه بالعيش: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} تكون الصدقة هنا من ولي القصاص.


والفعل "تصدق” يحتاج إلى اثنين هما: "متصدِّق” و"متصدَّق عليه”.


وسبحانه الحق يُكَفِّرُ عن المُتصدِّق من الذنوب بقدر ما تسامح فيه لأخيه، وهنا يُحنِّن اللهُ الخلق بعضهم على بعض؛ لذلك تأتي المسألة هنا من ناحية صاحب القصاص لترغبه في التصدق.


وينهي الحق الآية بقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ} وعرفنا من قبل ضرورة الحكم بما أنزل الله.


وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم...}.



سورة المائدة الآيات من 041-045 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة المائدة الآيات من 041-045
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة المائدة الآيات من 046-050
» سورة المائدة الآيات من 006-010
» سورة المائدة الآيات من 051-055
» سورة المائدة الآيات من 056-060
» سورة المائدة الآيات من 061-065

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: المائدة-
انتقل الى: