منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي المنتدى)
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه)

(فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة المائدة الآيات من 051-055

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:37 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [٥١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

نلحظ أن الخطاب هنا للذين آمنوا.

والمنهي عنه هو اتخاذ اليهود والنصارى أولياء.

وما معنى الوليّ؟.

الوليّ هو الناصر وهو المعين.

وهذا القول مأخوذ من ولي يلي؛ أي يقف في جانبه.

ونسمي الذي ينوب عن المرأة في عقد النكاح "الوليّ”.

وكذلك "وليّ المقتول”.

والمراد هو: يا من آمنتم لاحظوا تماماً أنكم أصحاب مهمة وهي أن تخرجوا الضلالات من البشر، هذه الضلالات تمثلت في تحريف ديانات كان أصلها الهدى فصارت إلى ضلال، فإيَّاكم أن تضعوا أيديكم في أيديهم لطلب المعونة والنصرة.     

إذن قوله الحق: {لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ} هو حكم تكليفي.

وحيثية الإيمان بالله.

فما دمت قد آمنت بالله فكل من تقدح أنت في إيمانه بمخالفته لمنهج ربه لا يصح أن يكون مؤتمناً على نصرتك؛ لأنه لم يكن أميناً على ما معه فهل تتوقع منه أن يعينك على الأمانة التي معك؟

لا.

لأنه لم يكن أميناً على ما نزل عليه من منهج.

والولاية نصرة، والنصرة انفعال الناصر لمساعدة المنصور.     

وهل تجد فيهم انفعالاً لك ينصرك ويعينك، أو يتظاهرون بنصرتك، ولتعلموا أنهم سيفعلون ما قاله الحق: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} [التوبة: 47].

إنهم لو دخلوا في صفوفكم لفعلوا فيكم مثلما يفعل المنافقون، فما بالنا بالذين خانوا أمانة الكتب المنزلة عليهم؟

إذن فالموالاة والنصرة والمعونة يجب أن تكون من متحد معك في الغاية العليا.

وما دام هناك من يختلف مع الإسلام في الغاية العليا وهي الإيمان فلا يصح أن يأمنه المسلم.

وسبحانه يقول: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}.

وقد يتساءل الإنسان: كيف يقول الحق فيهم: {وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ} [البقرة: 113].

ويقول سبحانه أيضاً: {وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ} [البقرة: 113].

ويقول جل شأنه: {كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} [البقرة: 113].

نحن -إذن- أمام ثلاثة أقسام؛ يهود، ونصارى، ومشركون، وقد قال مشركو قريش مثل قول أهل الكتاب بشقيهم برغم أنهم في خلاف متضارب وكل منهم ينكر الآخر، وسبحانه قال: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ} [المائدة: 14].

فكيف من بعد ذلك يقول سبحانه: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}؟

وهذا أمر يحتاج إلى وقفة إيمان لنرى الصورة كاملة، ونعلم أن الذين يخالفون منهج الحق قد يصح أن يكون بينهم خلاف على السلطات الزمنية، لكنهم عندما يواجهون عملاقاً قادراً على دحر كل بنيان أكاذيبهم يتفقون معاً.

وهذا ما نراه في الواقع الحياتي: معسكر الشرق -الذي كان- يعادي معسكر الغرب، ولكن ما إن يجيء شيء يتصل بالإسلام حتى يتفقوا معاً على الرغم من هزيمة المعسكر الشرقي؛ لأن الإسلام بمنهجه خطر على هؤلاء وهؤلاء وعلى سلطاتهم ولكنه في الحقيقة رحمة بهم إنه يخرجهم من الظلمات إلى النور وهم يتصرفون في ضوء ما قاله الحق: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}.

وعندما ينفرد كل منهم بالآخر فإنه ينطبق عليهم قول الحق: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ} [المائدة: 14].

هكذا نفهم طبيعة العلاقات بين أعداء الإسلام.

ويقول الحق: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي أن من يتخذهم نصراء ومعينين فلابد أنّه يقع في شرك النفاق؛ لأنه سيكون مع المسلمين بلسانه ومع أعداء الإسلام بقلبه.

ويذيل الحق الآية بقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ} ونعرف أن الظلم هو نقل حق إلى غير صاحبه، وأعلى مراتب الظلم هو الشرك بالله، وهو الظلم العظيم؛ فالحق يقول: {إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

ذلك أن الإنسان حين يظلم إنساناً آخر ويأخذ منه شيئاً ليعطيه لآخر فهل هناك إنسان يقدر على أن يأخذ من الله شيئاً؟

لا.

فالإنسان لا يستطيع أن يظلم الله، لكنه ينال عقوبة الشرك وهذا ظلم خائب للنفس والذي يشرك بالله لا يأخذ إلا الخسار، وذلك هو كل الخيبة.     

 لأن الظلم حينما يحقق للظالم نفعاً فهو ظلم هين، ولكن الظلم العظيم هو أن يشرك إنسان بالله ولا يأخذ إلا العقاب الصارم.

فإذا كان المشرك يتأبّى على منهج الله في الأشياء فهل يجرؤ على أن يتأبّى على قدريات الله غير الاختيارية فيه كالموت مثلاً؟.

والحق يأمر الإنسان بالإيمان.

ومتعلقات الإيمان من شهادة بوحدانيته وإيمان برسله وكتبه واليوم الآخر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً.

والمشرك يتأبّى على الإيمان والتكاليف فهل يجرؤ على التأبي على المرض أو الموت؟.

لا.

لذلك فهو يظلم نفسه ظلماً خائباً.

والحق سبحانه لا يهديه؛ لأن معنى الهداية هو أن يجد الإنسان من يدله على الطريق الموصل للغاية.

فهداه أي دلّه على الطريق الموصل للغاية.

ولا يتجنّى سبحانه على خلقه فلا يهديهم، بل الذين ظلموا أنفسهم ولم يؤمنوا هم الذين لا ينالون عناية الحق سبحانه وتعالى باختيارهم.

والحق سبحانه وتعالى يقول: {فَتَرَى ٱلَّذِينَ...}.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:38 am

فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [٥٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

المجال هنا كان عن النهي عن اتخاذ أهل الكتاب أولياء من دون الله، ومن سمع هذا النهي وفي قلبه الإيمان نفّذ النصيحة.

ولكن الذي طمس المرض -وهو النفاق- قلبه فهو الذي يتولاهم.

وهو يسارع إلى هذه الولاية.

ونعرف أن المسارعة هي تقليل الزمن في قطع المسافة الموصلة للغاية فإذا كانت هناك مسافة تقتضي السير لمدة خمس عشرة دقيقة فالمسارعة تفرض على الإنسان أن يقطعها في وقت أقل من ذلك.

وهناك "يسارع إلى” و"يسارع في"، مثل قول الحق: {وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133].

والغاية هنا هي المغفرة من الله وعلى المؤمن أن يسارع إليها، أما عندما يقال: (يسارع في كذا) أي أنه كان في الأصل منغمساً في هذا الموضوع.

وعندما يقول الحق: {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي كأنهم كانوا مع هؤلاء الكفار من البداية، ولذلك فالمسارعة في ظرفيتهم.

وبذلك يتهافتون عليهم.

والعلّة العامة أن في قلوبهم مرضاً جعلهم يبتكرون ويلفقون أسباباً، هذه الأسباب هي{نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ}.

والموالاة هنا من الخوف أن تدور الدوائر، ونحتاج إليهم لأن عندهم الأموال والسلاح، وهذا ما قاله المنافق عبدالله بن أبيّ؛ فقد قال: أنا رجل أخشى الدوائر.

أي أنه يخشى الأحداث والمصائب.

مثلما نقول: "الأيام دول”.

ولكن كلمة "دول” هي انتقالية وقد لا يكون فيها ضرر، أما "دوائر” فهي انتقالية فيها ضرر.

وعكس ذلك ما قاله عبادة بن الصامت قال -رضي الله عنه-: أنا سآخذ ولاية الله ورسوله والمؤمنين وسأنفض عني ولاية اليهود والنصارى.     

 وأورد الحق قول المنافق: {نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ} وساعة نسمع كلمة "الفتح"، فلنعرف أدلّ مدلولاتها أنه الحكم.

{رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ} [الأعراف: 89].

أي احكم يا رب بيننا وبينهم.

إذن فقوله الحق: {فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} أي الحكم الذي يضع حدّاً لمسألة موالاة أهل الكتاب والذين لا يعلمون.

والأمر من عند الله هو حكم من الله أيضاً.

يخاطب المؤمنين به.

والمؤمن بالله له أعمال تؤدى كأسباب إلى مسببات، وقد يأتي للمؤمنين أشياء بدون مقدمات منهم، وهي الفضل من الله.

إذن فعسى الله أن يأتي بالفتح، أي بأسباب أنتم تصنعونها وتعدّون ما استطعتم من عِدِّة وعُدَّة وتؤذونهم، ولذلك قال في آية أخرى: {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ}[الحشر: 6].

مثال ذلك ما حدث لبني النضير، فكان الإجلاء، واستولى المسلمون على أرض بني قريظة، وهذا هو الفتح من عند الله.

وسبحانه -إذن- يعامل المؤمنين معاملتين: الأولى أن يصنع المؤمنون مقدمات تؤدي إلى نتائج: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14].

وهنا جعل الحق قتال المؤمنين سبباً، أما الثانية فهي الأمر من عنده بالنصرة بالربوبية.

وساعة تسمع "عسى” و"لعل” فهذا معناه الرجاء.

والرجاء أن المتكلم يرجو أن يقع ما دخلت عليه "عسى”.

مثال ذلك قولنا: (عسى أن تكرم زيداً).

ومن يقولها إنما يرجو سامعها أن يكرم زيداً، وهذا يعني أن القائل ليس في يده إكرام زيد.

أما إذا قال القائل: (عسى الله أن يكرم زيداً)، فهذا نقل للرجاء من البشر إلى الله.

والقائل هنا بشر ويتكلم عن بشر، والمرجو هو الله، وقدرة الله أوسع من كل قدرة.

هنا ندخل في اتساع دائرة الرجاء فما بالنا إذا كان المتكلم هو الله؟

إذن فهذا إطماع من كريم لابد أن يتحقق.     

 ونتعرف بذلك على درجات الرجاء: رجاء من بشر لبشر، رجاء بشر من إله لبشر، رجاء إله من إله لبشر، ولأن الرجاء الأخير من المالك الأعلى لذاته فهو الذي يعطي: {فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} وقد تحقق ذلك في واقع الأمر، وساعة قالوا: نخشى أن تصيبنا دائرة ونحن نحتفظ بالعلاقة مع أهل الكتاب من أجل الولاية والنصرة.

جاءت من بعد ذلك النصرة بالفتح وبأمر من الله، فماذا كان موقفهم؟

صار الموقف هو{فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} أي أنهم صاروا إلى الندم.

وبذلك صار قولهم: {نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} هو كشف لما في قلوبهم من مرض النفاق، وقد خلعوا على المرض وعبروا عنه بهذا الكلام سترا لما في قلوبهم، فكأن الذي أسروه في نفوسهم هو كراهية هذا الدين وكراهية هذا المنهج وأنهم لا يحبون أن يستعلي هذا المنهج على غيره.     

 إذن فالحق سبحانه وتعالى يدلنا على أن القول الذي نشأ منهم: {نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} لم يكن هو السبب المباشر.

ولكن السبب هو المرض في قلوبهم.

والمرض: أنهم لا يحبون أن ينتصر منهج الإسلام؛ لأنهم يعيشون على ثروات المخالفين للدين، وساعة تكون السيطرة للإسلام ينتهي ثراؤهم.

وكذلك كان أهل الكتاب في المدينة قبل أن يأتي الإسلام كانوا أصحاب العلم والمال والجاه، وكانت الأوس والخزرج يأخذون منهم المال بالربا ويشترون منهم السلاح، ويأخذون منهم العلم.

ولما جاء الإسلام ضاع من اليهود كل ذلك فتمكن من قلوبهم المرض؛ لأن الإسلام سلبهم السلطة الزمنية، هذه السلطة التي جعلتهم يحرفون كتب الله.     

 فإذا كانوا قد دخلوا مع الله في تحريف كتبه، أفلا يدخلون معكم -أيها المسلمون- في عداوة ويلبسون عليكم بأنهم يعينون وهم يُخَذِّلون؟      

{فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} وساعة يسمعون هذا القول الرباني وهو قرآن يتلى ويتعبد بتلاوته ويُقرأ في المساجد ويسمعونه، ولم يكن هناك فتح، ولم يكن هناك أمر، ويخبرهم الله بمصيرهم: {فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} ومعنى ذلك أنه سبحانه كتب الذي في نفوسهم.

مثلما قال من قبل: {وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ}.

أي أنهم قالوا في أنفسهم وسمعهم الخالق.

ولو لم يقولوا في أنفسهم لأعلنوا أنهم لم يقولوا ذلك، لكنهم بهتوا حين كشفهم الحق وفضحهم وسجل ما في أنفسهم وأورد مضمون القول، وكان من اللازم أن يعترفوا بمضمون القول، وكان لابد لهم أن يتجهوا إلى الإيمان.

لكنهم لم يفعلوا فصاروا إلى الندم.

بنص الآية التي نزلت قبل أن يأتي فتح أو أمر من الله.     

 ويقول الحق بعد ذلك: {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:39 am

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [٥٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هنا يرى المؤمنون رأي العين ندم هؤلاء.

والندم انكسار القلب في الحاضر على تصرف سابق مثلما يرتكب إنسان حماقة وتظهر آثارها من بعد ذلك، فيقول: يا ليتني لم أكن قد فعلت ذلك.

إنه انكسار نفس على تصرف سابق.

وانكسار النفس يتضح على بشرة الوجه.

وساعة يأتي الفتح تجد المنافقين وأهل الكتاب مكبوتين كبتاً قسرياً وهو الكبت الذي لا يجرؤ صاحبه عليه فيدعي أنه فرحان، إنه قسري بإلحاح بِنْيَة، وظهور أثر ذلك على وجوههم.

وهنا يفطن المؤمنون إلى ذلك فيقولون: {أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}.

ولو كان هؤلاء المنافقون من الصادقين لفرحوا ولكانت أساريرهم متهللة، ولظهرت عليهم الغبطة.

لكنهم صاروا عكس ذلك، صاروا نادمين مكبوتين.     

{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ} أي حبط عملهم وقولهم: "إنا معكم”.

والحبط هو -كما قلنا- الانتفاخ الذي يصيب البهيمة التي تأكل طعاماً غير مناسب لها، فيظن الناس أنها قد سمنت ولكنهم يلتفتون فيجدون أنها مصابة بانتفاخ قاتل.     

{حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} والخسارة في معناها الواضح أن يقل رأس المال.

لقد فعل المنافقون ذلك ليستروا أنفسهم وراء المسلمين ولم يسلم لهم هذا الأمر وانكشفوا.

ويقول الحق بعد ذلك: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ...}.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:42 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [٥٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والخطاب هنا للمؤمنين، وكل نداء مثل هذا قد يجيء بعده حكم من الأحكام أو بشارة من البشارات أو وعيد للمخالف.

والذي يأتي فيه شبه إشكال وليس بإشكال، هو أن يأتي هذا القول ويكون ما بعده أمر بالإيمان كقوله الحق: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} فسبحانه يناديهم كمؤمنين ويطلب منهم الإيمان، ومثال ذلك قول القائل: "يا قائم قم” برغم أن المفروض أن يكون القول: "يا قائم اجلس” أو "يا قائم تعال"، أو "يا قائم انصرف إلى فلان"، فكيف إذن يقول الحق: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ}.

هنا نقول: ما الإيمان؟

الإيمان هو استقرار العقيدة في القلب فلا تطفو للذهن لتناقش من جديد.

ونسمي ذلك عقيدة، أي أمراً معقوداً في القلب.     

 إذن فالحق سبحانه وتعالى حينما يخاطب مؤمناً يطالبه أن يؤمن، فمعنى ذلك أن الحق يقول: أنت آمنت قبل أن أناديك وبسر الإيمان ناديتك فحافظ على هذا الإيمان دائما.

وجدد دائماً إيمانك لأنني ناديتك بوصف الإيمان الذي عرفته فيك.     

 إن الحق يوضح: يا أيها الذين آمنوا داوموا على إيمانكم ولتكن كل لحظة من لحظات حياتكم المقبلة في إيمان عالٍ مرتقٍ قبل أن أتكلم معكم بوصف الإيمان أنتم آمنتم أولاً فناديتكم فحافظوا على ذلك واثبتوا على إيمانكم.     

 ومعنى قوله: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} أي من يتراجع منكم عن الإسلام فسيأتي الله بعوض عنه، وسيأتي بقوم لن يكونوا مثل هؤلاء المرتدين.     

 إذن فمن يرتد فعليه أن يفهم أنه لن ينقص جند الله واحداً؛ لأن الذي أذن لشرعه أن ينزل على رسول ونبي خاتم لن يجعل هذا الرسول وهذا المنهج تحت رحمة أغيار الناس.

فإن خرج أناس عن المنهج فالله يستبدل بهم غيرهم.

وفي هذه الآية أسلوب يخالف آية البقرة في الوجه الإعرابي، وسبحانه يقول في آية البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

هنا وجدنا الحق يقول: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ} أما في الآية التي نحن بصددها في سورة المائدة فهو سبحانه يقول: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} ونجد الأسلوبين مختلفين.

والحكمة العليا في أن الحق سبحانه وتعالى يأتي في كتابه بآيات متحدة في المعنى إلا أن وجه الإعراب فيها يختلف ليدلنا أن القرآن نزل إلى الناس كافة.

وقبل أن ينزل القرآن كانت هناك لغتان: لغة تميم، ولغة الحجاز.

وكان الخلاف بين اللغتين محصوراً في الكلمة التي بها تضعيف، أي فيها حرفان من شكل واحد أي متماثلان.

وكلمة "يرتد” بها "دالان” وأصلها "يرتدد”.

و"يرتد” بها مِثْلان والنطق بهما صعب.

ولذلك حاول الناس في مثل هذه الحالة أن يدغموا مِثْلاً في مثل.

ولذلك كان من اللازم أن نُسكن الحرف الأول من المثلين.

والمفروض أن "الدال” الثانية ساكنة؛ لأن "مَن” شرطية جازمة.

والدال الأولى أصلها بالكسر.

ولابد من الإدغام.

والإدغام يقتضي إسكان الحرف الأول.

إذن فمن أجل الإدغام نفعل ذلك.

ونحن نعلم أن الساكنين لا يلتقيان، وكان تسكين الحرف الأول لأنه ضروري للإدغام، أما الحرف الساكن الآخر فهو الطارئ.

فنتصرف فيه، ولذلك نحركه بالفتح حتى نتخلص من التقاء الساكنين.

ولذلك نقول: "من يرتد” بالفتح.     

 وجاء لي ذات مرة سؤال يقول: كيف يأتي القرآن بـ "يرتد” بالنصب أي بالفتح؟

وقلت: إنها ليست "فتحة نصب” والسائل يفهم أن "مَن” إما اسم موصول، وإمَّا هي "مَن” الشرطية، فلو كانت اسماً موصولاً؛ لكان القول "من يرتدُ” -بالضم- وإن كانت "مَن” الشرطية لجاءت بالتسكين ولأن ما قبلها جاء ساكناً للإدغام تخلصنا من السكون بالفتحة وهي "فتحة” التخلص من ساكنين، لأنه -كما قلنا- لا يلتقي ساكنان.

والذي يُظهر لنا ذلك هو آية البقرة التي قال فيها الحق: "ومن يرتدد” بدليل أنه عندما عطف قال: "فيمُت” بالجزم عطفاً على يرتدد.

أما السبب في أن جواب الشرط واضحٌ في آية المائدة أنه لم يأت فعل جوابي أو عطف، وجواب الشرط هو قول الحق: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ويدل على ذلك دخول الفاء على كلمة سوف لكن لو كان الحق قد قال: من يرتد منكم عن دينه يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه كان يمكن الفهم بسرعة أن "مَن” شرطية، لأن كلمة "يأت” جاءت مجزومة بحذف آخرها، ومن هنا يتضح أن الفتحة في "يرتد” هي فتحة التخلص من التقاء الساكنين.

وما السبب في أن الحق يأتي بآية على هذا النسق، وآية أخرى على ذاك النسق؟

نحن نعلم أن القرآن قد نزل بلغة قريش.

وكانت قريش تمتلك السيادة.

ولم تكن هناك قبيلة بقادرة على مواجهة قريش.

ونعرف جميعاً أن رحلة قريش إلى اليمن لم يكن ليجرؤ إنسان أن يتعرض لها، وكذلك في رحلة قريش إلى الشام؛ لأن قريشا تستوطن حيث يوجد بيت الله الحرام الذي يحج إليه كل عربي.

ويوم أن يتعرض أحد لقوافل قريش فعليه أن ينتظر العقاب له أو لقبيلته، إذن فالبيت الحرام هو الذي أوجد لهم تلك المهابة لذلك ينبههم الحق إلى ذلك عندما قال في سورة الفيل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 1-5].

وقد تم وعيد الله لأصحاب الفيل، لأنهم أرادوا هدم بيت الله الحرام.

ثم يتبع الحق سورة الفيل بقوله في سورة قريش؛ {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ} [قريش: 1-2].

ليوضح سبحانه أنه من ضمن أسباب صيانة بيت الله الحرام أن حفظ سبحانه لقريش الأمان في رحلة الشتاء والصيف، ولو انهدم البيت الذي يحقق لقريش السيادة لهجم الناس على القرشيين من كل جانب؛ لأنه القائل في شأن من قصدهم لهدم بيت الله الحرام.

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 5].

{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1].

وما دامت تلك المسألة قد صنعها الله لقريش، فلابد لهم من عبادة رب هذا البيت: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4].

إذن فقريش أخذت السيادة بين العرب بمكانة البيت، وأخذت السيادة أيضاً في اللغة، وكانت كل أسواق العرب تعقد هناك، وأشهرها سوق عكاظ، وكان ينصب في قريش خلاصة اللغات الجميلة من القبائل المختلفة.

وهكذا أخذت اللغة المصفّاة المنتقاة، فكل شاعر كان يقدم أفضل ما عنده من شعر.

وكل خطيب كان يأتي بأحسن ما عنده من خطب.

وبذلك كانت قريش تسمع أجود الكلمات.

ولهذا كانت اللغة التي عندهم هي اللغة العالية.

ولذلك عندما جيء لزمن كتابة القرآن كانت الوصية: إن اختلف عليكم شيء فاكتبوه بلغة قريش؛ لأن لغة قريش أخذت من اللغات محاسنها. وبنو تميم والحجاز كانوا مختلفين في بعض الأشياء.

ولذلك كنا نسمع -عندما نتعلم الإعراب- قول المعلم وهو يسألنا: هل "ما” حجازية أو تميمية؟

وهذا يدلنا على أن هناك خلافاً بين النطق في القبيلتين.

وفي الآية التي نحن بصددها ندغم ونقول: {مَن يَرْتَدَّ} وفي آية البقرة ننطقها دون إدغام فنقول: "ومن يرتدد”.

وكأن الحق جاء بآية على لغة الحجاز وآية على لغة تميم، وذلك برهان جديد على أن القرآن لم يأت ليحقق سيادة لقريش، إنما هو للناس كافة؛ لذلك نجد من كل لهجة كلمة، ليتضح أن القرآن لعموم الناس جميعهم.

وعندما نقرأ قول الحق: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].

نعلم أنه سبحانه يعلمنا أنه قادر على أن يأتي بأهل إيمان غير الذين ارتدوا عنه، تماماً كما أخبرنا من قبل: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلۤـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلۤـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

والقول هنا: خبر عن مصير المرتد إلى جهنم بعد أن تقوم الساعة.

ولكن القول: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يدل على أن إجراءً سيحدث قبل أن تقوم القيامة.

ومن ذا الذي يستطيع أن يتصور أن إلهاً يُنزل قرآنا يتحدى به ثم يأتي في القرآن بقضية مازالت في الغيب ويُجازف بها، إن لم تكن ستقع؟.

والحق يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} و"سوف” تخبرنا بموقف قادم سيأتي من بعد ذلك.

ونقول هنا: مَنْ الذي يستطيع أن يتحكَّم في اختيارات الناس للإيمان؟.

لا أحد يستطيع أن يتحكَّم في اختيارات الناس للإيمان إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يتحكَّم ويحكم ويخبرنا بأنه سوف يأتي أناس يؤمنون بدلاً من المرتدين.     

 أما إن ارتد أناس، وانتظروا أن يروا البديل لهم، ولم يأت فماذا يكون الأمر؟

لابد أن تنصرف الناس عن الدين.

ولم يكن الحق ليجازف ويجري على لسان محمد بأن قوماً سيرتدون وهو لا يعلم أيأتي قوم مرتدون؟

والعلم جاء في هذه الآية كما جاء في كل القرآن من الله جل وعلا.

وقد قالها الحق قضية كونية: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.

وهل هناك قوم يحبهم الله وهم لا يحبونه؟

ونقول: إن هذا لا يحدث مع الله، وإن كان يحدث في الحياة البشرية.

مثلما قال الشاعر العربي:
أنت الحبيب ولكني أعوذ به من أن أكون محبّاً غير محبوب

وشقاء المحبين إنما يأتي من أن العاشق يحب أحداً، وهذا الحبيب لا يبادله الحب؛ لذلك يظل العاشق باكياً طوال عمره.

ولنا أن نلحظ أن حب الله هو السابق في هذا القول الكريم: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}؛ لأن هذه هي صفة الانكشاف للعلم، لقد علم الحق أنهم سيتجهون إليه فأحبهم، وعندما جاءوا فعلوا ما جعلهم محبوبين لله، ثم ما هو الحب؟.

إنه ودادة القلب.

وقلنا الكثير من قبل في أمر ودادة القلب.

ونعرف أن هناك لوناً من الحب يتحكم فيه العقل.

ولوناً آخر من الحب لا يتحكم فيه العقل ولكن تتحكم فيه العاطفة.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:43 am

ومثال هذا عندما نذهب إلى طبيب ويصف لنا دواء مراً غير مستساغ الطعم، ونجد الإنسان الموصوف له الدواء يذهب إلى الصيدلية للسؤال عن الدواء، فإن لم يجده فهو يلف ويدور ويسأل في كل صيدليات البلد فإن لم يجده فهو يوصي المسافر إلى الخارج لعله يأتي له بالدواء.

وإذا جاء له صديق بهذا الدواء فهو يمتلئ بالامتنان بالسرور.

أيقبل المريض على الدواء غير المستساغ بعاطفته أم بعقله؟

إنه يقبل على الدواء غير المستساغ الطعم ويحبه بعقله.

والحب العقلي -إذن- هو إيثار النافع.

ومثال ذلك نجد الوالد لابن غبي يحب ابناً ذكياً لإنسان غيره.

الوالد -هنا- يحب ابنه الغبي بعاطفته.

ولكنه يحب ابن جاره لأنه يمتلك رصيداً من الذكاء.

إذن هناك حب عقلي وحب عاطفي.

وهذا ما يحدث في المجال البشري لكن بالنسبة لله فلا.

وعندما يقول الحق: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} أي أنهم يحبون الله بعقولهم، وقد يتسامى الحب إلى أن يصير بعاطفتهم، وقد يُجرب ذلك حين يجري الله على أناس أشياء هي شر في ظاهرها، ولكنهم يظلون على عشق لله.

ومعنى ذلك أن حبهم لله انتقل من عقولهم إلى عاطفتهم.

وسيدنا عمر جرى معه حل هذا الإشكال.

كيف؟

لقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه".

وهناك من قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه أحب إليه من ماله وولده لكن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: أنت أحب إليّ من مالي وولدي أما نفسي فلا وأعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القول: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحَبَّ إليه من نفسه".

وهنا علم عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقصد الحب العقلي؛ لأن عمر -رضي الله عنه- علم أيضاً أن الحب العاطفي لا يكلف به، ولذلك قال عمر: الآن أحبك عن نفسي، فرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الآن يا عمر.

أي كأنه في هذه اللحظة قد اكتمل إيمان عمر.

إذن فحب الله لا تقل فيه أيها المؤمن هل هو حب عقلي أو حب عاطفي؟ 

لأن المراد بحب الإله هو دوام فيوضاته على من يحب، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالحق يلقاه في أحضان نعمه ويتجلى عليه برؤيته: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].

والحسنى هي الجنة.

أما الزيادة فقد قال المفسرون: إنها رؤية المحسن.     

{فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وعندما يقول الحق: "فسوف” فلنعلم أن ما يأتي بعدها هو من إعلامات النبوة التي جاءت على لسان محمد في قرآن الله؛ لأن ذلك الأمر قد حدث كما جاء في قرآن الله، فقد ارتد قوم وانقسموا في الردة إلى قسمين؛ قسم ارتد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقسم ارتد على عهد أبي بكر، ومنهم من ارتد على عهد عمر.     

 وحين تنظر إلى ما بعد "سوف” لابد أن تعرف أن هناك امتداداً زمنياً.

وأول الارتداد كان في اليمن، وكان ذلك بعد حجة الوداع وفي حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.     

وكان في اليمن كاهن مشعوذ اسمه عَبْهَلة بن كعب، ويقال له: ذو الخمار، أو ذو الحمار في رواية أخرى، وهو الذي يعرف في كتب التاريخ الإسلامي باسم الأسود العنسي.

هو أحد الكَذَّابَيْنِ اللذين ذكرهما النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "بَيْنَما أنا نائم إذ اوتيتُ خزائن الأرض، فوُضع في يديّ سواران من ذهب فكبَّر عليّ وأهمّني، فأُوحِي إليَّ ان انفخهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما الكذابَيْن اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة".

وكان لهذا الكاهن حمارٌ روّضه صاحبه رياضة من لون خاص تماماً كتدريب القرود، فكان يقول له: قف.

فيقف.

ويقول له: سر.

فيسير.

واعتبر هذا الكاهن أن مثل هذا الأمر للحمار هو معجزة.

أو كان الرجل اسمه "ذو الخمار” أي أنه كان يرتدي خماراً على وجهه.

ومن العجيب أن أي مرتد لم يطالبه من يتعبه بعلامة صدقه في النبوة.     

 إن أول شيء في التأكد من صحة قول أي إنسان: "أنا نبي” أن يسأله الناس عن علامة الصدق في النبوة وأن يتعرفوا على معجزته، لكنا لا نجد ذلك في مرتد أبداً.

وكيف لا يسأل الناسُ الذين يتبعون المرتد عن نفسه وعن دعواه أنه نبي وعن معجزته التي تدل على صدق رسالته، وهو ما يحدث مع أي رسول، كيف يؤمن أناس بفرد بدون معجزة؟.

هنا نذهب إلى الجانب النفسي من الأمر ونقول: إن التدين أمر فطري والإنسان الذي ليس له دين يغضب ويحزن عندما نقول له: يا قليل الدين.

ولذلك نجد أن المبطل من هؤلاء يقول: أنا على دين.

إنه لا يتصور أنه مبطل بلا دين.

ولذلك قال الحق: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6].

فكأن الأصل في الفطرة الأصلية أن الدين ضرورة للإنسان، وما دام الأمر كذلك فلماذا لا يقبل كل الناس على الدين؟

لأن الدين ليس مجرد اسم أو صفة، ولكنه التزام بتكاليف.

والذي يجعل الناس في خشية من الدين هو مشقة التكاليف؛ لذلك فعندما يأتي إنسان ويقول: أنا نبي ومعجزتي أنني خففت عليكم الصلاة والزكاة والصيام وأبحت لكم النظر إلى نساء بعضكم.

لابد أن يسيل لعاب أصحاب الهوى الذين لا بصيرة لهم ويقولون: إن مثل ذلك لدين جميل، ويستسلمون ويخدعون أنفسهم بأنهم متدينون ورغم تحللهم من بعض التزامات التدين، إن المرء ليتعجب من مدعي النبوة في الزمن القديم وحتى عصرنا هذا لأننا لم نجد أحداً من المثقفين قد وقف أمام مدع وقال له: ما معجزتك؟

ولكن الكل سأل: ما منهجك؟

وعندما سأل أهل اليمن ذا الخمار: ما منهجك؟

كانت إجابته: إنه أسقط عنهم بعض التكليفات بداية من تقليل الصلاة والزكاة إلى إباحة الاختلاط بنساء غيرهم.

واستراح بعضهم لذلك المنهج وذهلوا وغفلوا عن طلب المعجزة.

وكل الذين ادعوا النبوة كانوا من هذا الصنف.

ولذلك نجد أن كل مدع للنبوة يحاول التخفيف من المنهج، فهناك مَنْ خفَّف الزكاة.

وجاءت امرأة اسمها سجاح خفَّفت الصلاة.

وجاء ثالث ليُخفِّف الرِّبا فيُبيحُه.

لكن أحداً منهم لم يأت بمعجزة.

واتبعه بعضهم لمجرد تسهيل المنهج.

ومدعي النبوة إنما يُرضِي النفوس التي لا تطيق ولا تقوى على مشقّة المنهج بأن تكون مُتدينة مُلتزمة به.

ومثال ذلك ما حدث في الإسكندرية عندما ظهر مدع للنبوة.

وأباح مُنكراً مُثيراً، وتبعه بعض من المتعلمين الذين أرادوا ديناً على هواهم، وكذلك كان الأمر في البداية.

وعندما جاء ذو الخمار، أو ذو الحمار، وهو كما قلنا: مشعوذ، وكان كما يصفه المؤرخون يسبي قلوب من يسمع منطقه وكان يريهم الأعاجيب، واستطاع بذلك أن يستولي على مُلْك اليمن، وأعلن ارتداده.

وغلب على صنعاء وعلى ما بين الطائف إلى البحرين.

وجعل يستطير شره استطارة الحريق.

وكان سيدنا معاذ بن جبل هو الوالي على اليمن من قِبَلِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبر سيدنا معاذ بن جبل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: إن كاهناً اسمه ذو الخمار أو ذو الحمار، قد ارتد.

ويذهب سيدنا معاذ إلى حضرموت.

وهناك يأتيه كتاب من النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمره فيه أن يبعث الرجال لمصاولة ذي الخمار.

ويحتال المسلمون للنهوض بما أمرهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وبعد ذلك يدخل على ذي الخمار رجل ديلمي اسمه فيروز فيقتله على فراشه.

وعلى الرغم من بُعد المسافة بين اليمن والمدينة، إلا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ليلتها: "قُتِلَ الليلةَ الأسود العنسي".

وبعد ذلك يأتي الخبر في آخر الشهر أن مُدَّعِي النُّبوة قد قُتِلَ.

وتلك من إعجازات النبوة.

إذن فقد تعرَّض المؤمنون على زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للهزة في العقيدة بحكاية ذي الخمار أو ذي الحمار.

وكانت قصة ذي الخمار كالمصل الواقي الذي يربي المناعة، وأخبرهم الله بها أولاً: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.

وذلك ليعطي الحق سبحانه وتعالى المؤمنين مناعة إيمانية وكأنه يقول للمؤمنين: لا تظنوا أنكم لن تتعرضوا إلى هزات عقدية دينية بل ستتعرضون.

وكأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: قد يجوز أن يفهم الناس أني وأنا حي أقوم على منهج الله في الأرض فإذا أنا مت ربما ارتدوا عن الدين.

ورسول الله عندما يبلغ ذلك للمؤمنين عن الله -سبحانه- إنما كان ذلك بقصد تربية المناعة.

فلو فوجئ المسلمون بالردة ولم يكن الله قد خبرهم بها لما كان عندهم احتياط مناعي.

والاحتياط المناعي هو أول عملية في الوقاية.

ونعلم أن العلم المعاصر استطاع فصل الميكروب أو الفيروس المسبب لمرض وبائي، ويقوم العلماء بإضعاف هذا الميكروب أو الفيروس، ثم يوضع قليل من هذا الميكروب أو الفيروس بعد إضعافه في الجسم البشري، فتتحرك في الجسم أجهزة الوقاية والحماية لتقاتل هذا الميكروب أو الفيروس وتنتصر عليه، وبذلك تمتلك قوى الوقاية والحماية داخل الجسم القدرةَ على مقاومة هذا المرض، وهكذا أراد الحق بهذا القول الكريم: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.

إذن فحين يوجد الارتداد، لا يفاجأ المسلمون بهذا الارتداد، ويثقون تماماً أنه بمجرد مجيئ الارتداد فإن وعد الله الآخر يجيء: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فلا فزع عند المؤمنين ساعة يحدث الارتداد ولا زلزلة في النفوس.

وساعة يأتي الارتداد يقول المؤمن: إن الذي صدق في أنه يحدث الارتداد، سيصدق في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.

وإذا رأيت "السين” تسبق قولاً فإن هذا يعني أن الزمن الذي يفصل بين الحدث والحدث قريب وقليل مثل قوله الحق: {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ} [البقرة: 142].

أما عندما تقرأ "سوف” فأعلم أن الزمن الذي يفصل بين الحدث والحدث متسع وبعيد.

ولذلك نحن نرى أن الرِّدَّة قد امتدَّت في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وفي عهد عمر -رضي الله عنه-.

وما هي ذي مواصفات القوم الذين يأتي بهم الله في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ}؟

إنها مواصفات ست: يحبهم الله، ويحبون الله، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم.

وكيف يكون الإنسان المؤمن ذليلاً وعزيزاً في آن واحد؟

لأن الحق لا يريد أن يطبعنا على لون واحد من الانفعال، ولكنه يريد لنا أن ننفعل تبعاً للموقف.

فعندما يحتاج الموقف إلى أن يكون المؤمن عطوفاً فالمؤمن يواجه الموقف بالعاطفة.

وعندما يحتاج الموقف إلى الشدة فالمؤمن يواجه الموقف بالشدة.

وإن احتاج الموقف إلى الكرم، فالمؤمن يقابل الموقف بالكرم.

فالمسلم -إذن- ينفعل انفعالاً مناسباً لكل موقف، وليس مطبوعا على انفعال واحد.

ولو انطبع المؤمن على موقف ذلة دائمة فقد يأتي لمواجهة موقف يتطلب العزة فلا يجدها ولو طُبع المؤمن على عزة دائمة فقد يأتي لمواجهة موقف يتطلب الذلة فلا يجدها؛ لذلك جعل الحق قلب المؤمن ليناً قادراً على المواجهة كل موقف بما يناسبه.

والمؤمن عزيز أمام عدوه لا يُغلب، ويجابهه بقوة.

والمؤمن يخفض جناح الذل من الرحمة لوالديه امتثالاً لأمر الحق سبحانه: {وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24].

وهل إذا خفض المؤمن جناح الذل لوالديه.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:45 am

أيخدش ذلك عزته؟

لا.

بل ذلك أمر يرفع من عزة الإنسان.

والحق يريد المؤمن أن يكون غير مطبوع على لون واحد من الانفعال، ولكن لكل موقف انفعاله.

وحين ينفعل المؤمن للمواقف المختلفة فهو يميز ما يحتاج إليه كل موقف: {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ} ويقال في اللغة: "ذليل لفلان” فلماذا -إذاً- يقول الحق هنا: {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ}، و"على” تفيد العلو.

والذلة تفيد المكانة المنخفضة، فكيف يأتي هذا التعبير؟

لقد جاء هذا القول على هذا الشكل لحكمة هي: أن المؤمن ما دام يحب الله ويحبه الله.

وساعة يكون في ذلة لأخيه المؤمن فهذا يرفع من قدره.

وهي ليست ذلة بالمعنى المتعارف عليه، ولكنه لين جانب وعطف ورحمة.

إذن فقوله الحق: {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ} يعني أن المؤمنين يعطفون على غيرهم من المؤمنين حتى يبدو هذا العطف وكأنه ذلة.

وبعض العلماء يقول: إن المادة "ذال” و"لام” تدل على معنيين متقابلين، مثال ذلك قوله الحق: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} [يس: 72].

أي جعلناها خاضعة لتصرفهم.

وهذا التذليل ليس بقهر من الإنسان للأنعام ولكنه بتسخير من الله.

وهي ميسرة لخدمة الإنسان.

ومثال آخر.

قوله الحق: {فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} [النحل: 69].

أي متطامنة مهيأة.

إذن فهذه ذلة اللين.

وهناك "ذُل” -بضم الذال- وهو ضد العز.

وهناك "ذِل” -بكسر الذال- وهو اللين.

إذن فالذل بكسر الذال هو ضد الصعوبة؛ أي اللين.

والذُّل -بضم الذال- هو ضد العز، فإذا اردنا ذلّة اللين؛ فذل المؤمن للمؤمن من الذُّل، وإن أردنا الذلة التي هي ضد العز، فهي من الذُّل. وعندما يكون المؤمن على ذِلة للمؤمن.

فهي ذِلة اللين والعطف.     

 وعندما يريد الحق الشيء ليتدانى للمؤمن ولا يتعبه، فهو يقول: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23].

وفي آية أخرى يقول سبحانه: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان: 14].

أي دُلِّيت عناقيدها.

فالفاكهة تنزل إلى المكان الذي يوجد فيه المؤمن.

وإن وقف المؤمن لطال بيده أن يقطف الثمار.

وإن اضطجع لاستطاع أن ينال أيضاً من الثمار لأنها تتدانى له.

وإن نام المؤمن لتدانى قطاف الثمار إلى مكانه وبذلك يستطيع أن يأكل منها في أي وقت وعلى أي وضع.     

 وهنا يأتي الحق بالقول الحكيم: {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ} أي أن ذلة المؤمن لأخيه المؤمن ترفع منزلته.

وبها يكون المؤمن أهلاً لأن ترفع منزلته؛ لأنه مصطفى بأن الله يحبه وأنه يحب الله، ولا توجد رفعة أكثر من هذه رفعة.

ولذلك نجد القول المأثور: (من تواضع لله رفعه).

أي من تواضع وفي باله الله فإن الله يرفعه.     

{أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ} وهذا هو الوصف الثالث للمؤمنين في تلك الآية بعد قوله الحق: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ}.

إن المؤمن عزيز على الكافرين بأنه لا يُغلب، وما دام هو يعرف ذلك فهو ينضم إلى الجهاد في سبيل الله.     

{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} وكلمة "الجهاد في سبيل الله” تخصص لوناً من الجهاد، فالإنسان قد يجاهد حمية أو دفاعاً عن جنسيته أو أي انتماء آخر، وكل هذه الانتماءات في عرف الدين لا قيمة لها إلا إذا نبعت من الانتماء إلى منهج الله، لتكون كلمة الله هي العليا.     

 وعندما سُئِلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل القتال: فيما جاء عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذِّكر والرجل يقاتل ليُرَى مكانه، فَمَنْ في سبيل الله؟ قال: "مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".

وما دام المؤمن محبوباً من الله ويحب الله وذليلاً على المؤمنين وعزيزا على الكافرين، ما دام الأمر كذلك فعندما يتولى مؤمن أمر قيادة غيره من المؤمنين فلا أحد منهم يأنف أن يكون تحت قيادته.

وبذلك يخرج المؤمن عن دائرة الاستعلاء والاستكبار؛ لأنه يجاهد في سبيل الله.

ولو جاءه إنسان ليلومه على ذلك فهو لا يسمح له، وكأنه سبحانه يوضح: تنبهوا جيداً إلى أن القوم الذين يحبهم الله ويحبون الله والذين هم أذلة على المؤمنين وأعزة على الكافرين ويجاهدون في سبيل الله فلا نظن أنهم بمنأى عن سخرية الساخرين، وهزؤ المستهزئين، ولوم اللائمين ليردوهم عن هذه العملية.

ولذلك يقول الحق: {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ} وقد وضح ذلك على مر تاريخ الإسلام وجاء الحق بقوم يحبهم ويحبونه وهم أذلة على المؤمنين وأعزة على الكافرين وجاهدوا في سبيل الله وما خافوا لومة لائم.

وساعة نستقرئ هذه الآية نجد أن "سوف” ابتدأ مدلولها الأول في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وحين سُئِلَ رسولُ الله عن القوم الذين يحبهم الله ويحبون الله وفيهم هذه الصفات؛ أشار بيده مرة إلى أبي موسى الأشعري، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "هم قوم من هذا".

وعندما نزل قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} [الجمعة: 3]

سأل أبو هريرة -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ هم يا رسول الله؟.

فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على سَلْمَان ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثُّريا لناله رجل من هؤلاء".

وقد حدثت الردة الأولى في اليمن، وكانت في قوم أبي موسى الأشعري، وكتب رسول الله إلى معاذ بن جبل -كما أوضحنا- وبعد ذلك تطوع فيروز الديلمي ودخل على مَنْ كان يدَّعي النُّبوة ذي الخمار أو ذي الحمار، وقتله.

وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلتها بالأمر.

ولكن خبر القتل جاء بعد أن انتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى.

وكانت تلك من علامات النبوة.

وحدث -أيضاً- في زمانه -صلى الله عليه وسلم- أن ادَّعَى مُسيلمة الكذَّاب أنه نبي.

وكتب مسيلمة إلى رسول الله كتاباً، يقول: مِن مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله.     

 ولم يقدر على نزع صفة النبوة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وجاء في كتاب مسيلمة: "أما بعد، فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك”.

كأنه قد فهم أن المسألة بالنسبة لرسول الله تحتاج إلى قسمة، فكتب إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات فيها هبات النبوة: (من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذَّاب.. سلامٌ على مَنْ اتَّبع الهُدَى، أمَّا بعد فإن الأرضَ للهِ يورثها مَنْ يشاء مِنْ عباده والعاقبة للمتقين).

ولم يسمع مسيلمة كلام رسول الله، وجهزت الحملة لترسل إليه لتأديبه.

وجاء عهد أبي بكر -رضي الله عنه-، وكانت المعركة على أشدها.

وجاء "وحشي” الذي قتل حمزة -رضي الله عنه- في موقعة أحد.

وأراد أن يُكَفِّرَ عن سيئاته فذهب وقتل مسيلمة.

ولذلك كان يقول كلمته المشهورة: أنا قتلتُ في الجاهلية خير الناس -يقصد حمزة- وقتلتُ في الإسلام شرَّ الناس -يقصد مسيلمة- وانتهى أمر مسيلمة.

وجاء إنسان ثالث في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمه "طليحة بن خويلد” من بني أسد وادّعى النبوة، وكلّف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَن ذهب إليه وكان "خالد بن الوليد” وساعة علم الرجل أن خالداً هو الذي جاء لقتاله لاذ بالفرار، ولكنه من بعد ذلك أسلم وحَسُنَ إسلامه.

ونلاحظ أننا ننطق "الرِّدَّة” بكسر الرَّاء، وصفاً لتلك الأمور التي حدثت وقوبلت هذه المقابلة.

ولا نسميها "رَد” بفتح الرَّاء، لأن الرَّدَّ -بفتح الراء- يكون عودة إلى حق، أما الرِّدَّة -بكسرة الرَّاء- فتكون إلى باطل، مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ} [النساء: 59].

أما الذي يرتد فهو يرتد إلى باطل.

ومن العجيب أن كلمة "الرِّدَّة” التي جعلها الإسلام علامة على الانتقال من الإيمان إلى الكفر يستخدمها أعداء الإسلام الذين لا يؤمنون بأديان ما، فعندما يترك الشيوعية أحد أتباعها يقولون: لقد حدثت رِدَّة.

وكان من الواجب لو أنهم أصحاب مبادئ أصيلة أن يختاروا لفظاً آخر لكن لا يوجد في اللغة لفظ يعبر عن الرجوع إلى الباطل إلا كلمة "ردة” وكذلك كلمة "منبر” لا توجد -أيضاً- إلا في الإسلام، وهو موقف الواعظ من المصلين يوم الجمعة.

وعندما يأتون إلى تصنيف جماعة متطرفة إلى اليسار فهم يقولون: "منبر اليسار” ونقول: لماذا تأخذون هذه الكلمة من عندنا؟.

ومثال آخر عندما يكتب كاتب: هذه الراقصة تتعبد في محراب الفن.

ونقول: لماذا تستخدم كلمة "محراب"؟.

عليك أن تبحث عن كلمة أخرى.

وكل ذلك يدل على أن كلمات الإيمان هي الكلمات المعبرة ولذلك يذهبون إليها.

ويؤخذ في ظاهر الأمر على الإسلام أن من يرتد يُقتل.

ونقول: أيظن أحد أن هذه ضد الإسلام؟

لا إنها لصالح الإسلام؛ لأن الإنسان إذا علم أنه عندما يقبل على الإسلام فهو يقبل على الدين الكامل؛ لأن من يخرج عليه يهدر دمه ويقتل.

وعلى من يفكر في الدخول إلى الإسلام أن يحتاط لحياته.

إذن فالإسلام لا يسهل لأحد الدخول فيه، ولكنه يصعب عملية الدخول: وينبه كل فرد إلى ضرورة الانتباه قبل الدخول في الإسلام؛ لأنه دخول إلى دين كامل وليس لهواً أو لعباً.     

 إن على من يرغب في الدخول في الإسلام أن يفكر جيداً وأن ينتهي إلى الحق؛ لأن حياته ستكون ثمن الرجوع عن الإسلام وهذا دليل على جدية هذا الدين وعدم السماح بالعبث في عمليات الدخول فيه.

وحين يصعب الإسلام عملية الدخول فيه إنما يعطي فرصة الاختيار ليعلم من يختار الدين الإسلامي أن يعي أن الرجوع عن الإسلام ثمنه الحياة.

وساعة يطلب دين أن يفكر الإنسان جيداً قبل أن يدخل فيه فهل في ذلك خداع أو نصيحة؟

إنها النصيحة وهي عملية لصالح الإسلام، وهي أمر علني ليعلم كل داخل في الإسلام أن هذا هو الشرط.

ولو أن الإسلام يريد تسهيل المسألة لقال: تعال إلى الإسلام واخرج متى تريد.

لكن الدين الحق لا يخدع أحداً.

وسبحانه يقول: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].

وتكلمنا من قبل عن الردات التي حدثت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن كلمة "سوف” التي جاءت في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} تدل على الامتدادية.

وقد حدثت ردة في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وظهر سبعة ادّعوا النبوة، مثال ذلك: "بنو فزارة” قوم عيينة بن حصن ارتدوا وأرسل إليهم أبو بكر -رضي الله عنه- من حاربهم.

وكذلك قوم غطفان ارتدوا.

وكذلك قوم قرّة بن هبيدة بن سلمة، وكذلك بنو سُلَيْم.

قوم الفجاءة بن عبد ياليل، فأرسل لهم أبو بكر من يؤدبهم.

وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض من بني تميم الذين ادعت فيهم النبوّة سجاح بنت المنذر والتي تزوجت مسيلمة.

وكذلك "كِندة” قوم الأشعث بن قيس، وكذلك قوم الحُطَم بن ضبيعة وهم بنو بكر بن وائل في البحرين.

وقضى عليهم سيدنا أبو بكر مما جعل كثيراً من القوم يقولون: إن القوم الذين يحبهم الله ويحبون الله وفيهم كل تلك الأوصاف هم أبو بكر ومن معه.

ولكن أيمنع ذلك أن كل جماعة سيكون فيها مثل أبي بكر -رضي الله عنه-؟

لا.

ومثال ذلك علي بن أبي طالب؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم خيبر: عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: كان علي -رضي الله عنه- تخلف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في خيبر، وكان به رمد فقال: أنا اتخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج علي فلحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأعطين الراية -أو ليأخذنّ- غداً رجلٌ يحبه الله ورسوله، أو قال: يحب الله ورسوله، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه، فقالوا هذا علي، فأعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففتح الله عليه".

وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم تحدث إلا ردة واحدة، جاءت من الغساسنة بقيادة جبلة بن الأيهم وهم من الشام وكانوا موالين للروم، وكان جبلة هو رئيسهم وأسلم وجاء ليطوف بالبيت الحرام بهيلمان كزعيم للغساسنة.

وكان لهم العظمة في الجياد والملابس.

وكان يرتدي رداءً طويلاً فوطئ أحد الناس رداءه؛ فسقط، فلطمه جبلة، وأبلغ الرجل عمر بن الخطاب.

وقال عمر بن الخطاب: إنه القصاص.

وقال سيد الغساسنة: إني أشتري هذه اللطمة بألف دينار ولم يقبل الرجل فعرض سيد الغساسنة ألفين من الدنانير فرفض الرجل، فزادها إلى عشرة آلاف ولم يقبل الرجل.

وقال جبلة لعمر: أنظرني حتى أفكر في المسألة.

فلما أنظره عمر، هرب الرجل إلى الشام وتنصَّر.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:46 am

هكذا يتضح لنا آفاق كلمة "سوف” وأي زمن تأخذ، إن لها امتدادات حتى زماننا.     

إن الرِّدَّة في زماننا جاءت من فارس ممثلة في البهائية والبابية، وهدف المُرتد يكون جاه الدنيا، إن كان يريد الحكم، ووسيلة المرتد تيسير التكليف لمن يتبعه في الارتداد.

ومن يدعي لنفسه النبوة والقدرة على الإتيان بتشريع جديد إنما يطلب لنفسه جاه الدنيا، والذي يتبع ذلك المدعي للنبوة إنما يقصد لنفسه تيسير التكليف.

ولماذا تيسير التكليف؟ 

لأن الإنسان مؤمن بفطرته ودليل ذلك أننا إذا واجهنا إنساناً غير مؤمن، وقلنا له: أنت قليل الدين.

يغضب ويثور؛ لأنه لا يتصور أن ينزع أحد منه أنه متدين بشكل ما.

ونرى إنساناً قد يسرف على نفسه كثيراً لكنه ساعة يسمع إنساناً آخر يسب الدين يثور ويغضب ويتحول إلى مدافع عن دين الله، وتلك هي الفطرة الإيمانية التي فطر الله كل الناس عليها.

والذي يجعل الدين لأمراً شاقاً على النفس البشرية ليس فطرة الدين، ولكنه تكليف التدين؛ لأنه أمر يدخل في الاختيار.

وقد جعل الحق التكليفات الإيمانية كلها في مناط الاختيار البشري، ولم يشأ أن تكون أمراً قهرياً.

ولو شاء سبحانه أن يجعل كل الناس مؤمنين لما قدر أحد على الكفر: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3-4].

فليس في قدرة أحد أن يتأبى على الله، ولكنه شاء أن يجعل تكاليف الإيمان مسألة اختيارية.

والإنسان حر في أن يفعل تكاليف الإيمان أو لا يفعلها، وفي كلتا الحالتين سيلقى الجزاء.

مثال ذلك: "اللسان” خلقه الله صالحاً أن يقول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهذا اللسان نفسه صالح لأن يقول: -والعياذ بالله- "أنا لا أؤمن بالله”.

ولا يعصى اللسان صاحبه، فقد خلقه الله مجهزاً للتعبير عن مكنونات قلب الإنسان وخاضعا لإرادة الإنسان.

ومثال آخر من مصنوعاتنا نحن: جهاز التليفزيون الذي صممه البشر ليكون آلة منقادة ومسخرة لما يرسله الإنسان فيه من برامج، فإن أرسل الإنسان في جهاز التليفزيون أفلاماً وبرامج دينية وعلمية تستكشف آيات الله في الكون وتثبت قيم الإنسان على الإيمان فهذا اختيار إيماني.

وإن أرسل الإنسان أفلاماً خليعة تحض على المجون والفسق فهذا اختيار يلحق الإنسان بدائرة المفسدين في الأرض.     

 إذن فالحق خلق الإنسان صالحاً لتطبيق تكاليف الإيمان وصالحاً للخروج عن التكليف.

وحين يأمر الله عباده أن يطبقوا أو ينفذوا التكليف الإيماني فهو يعلم أن قدرة الإنسان تسع التكليف؛ لأنه العليم بعباده، ولو لم يكن باستطاعتهم تنفيذ التكليف لما كلفهم به.

وكلنا نعرف الفرق بين "العباد” و"العبيد"؛ فكل الكائنات عبيد لله، والإنسان من عبيد الله إن كان متكبراً على التكليف، وإن خرج على التكليف فهو مسير في أمور لا يقدر على الخروج منها، فلا يستطيع أحد بإرادته أن يتوقف عن التنفس، وهو -كما نعلم- أحد العمليات التي تجري على الرغم من الإنسان.     

 ولا أحد يستطيع أن يتنفس عندما ينتهي أجله.

كذلك لا أحد يستطيع أن يقاوم المرض إن أصابه.

إذن فكِبْر الإنسان وخروجه عن طاعة الله في أشياء لا تعني أنه خارج في مطلق أموره عن الله؛ لأن الحق فعال لما يريد، فلا أحد يتحكم في بدايته حين يولد، ولا أحد يتحكم في نهايته حين يموت، وهناك أمور بين قوسَيْ الميلاد والموت ما من أحد بقادر على التحكم فيها، وإرادة الاختيار إنما توجد في بعض الأمور فقط.

أما كل ما عدا ذلك فهو قهري، وكلنا عبيد لله في ذلك.

لكن الحق تعالى أعطى لنا الاختيار في بقية أمور الحياة.     

 والذكي حقاً هو من يسأل ربه: لقد خلقتني يارب مختاراً.

وماذا تحب أنت أن أفعل؟

هنا يجد الإنسان نفسه أمام أوامر الله ونواهيه وأمام المنهج بمطلوباته، هذا المنهج الذي يوضح للمؤمن ما الذي يمكن أن يفعله وما الذي يمكن أن يتجنبه.

ويقول المؤمن: إنني أخرج من اختياري إلى مرادك يارب.

والعبد الذي يتنازل عن اختياره إلى مراد خالقه هو واحد من العباد الذين وصفهم الحق بأنهم عباد الرحمن.     

 ونرى في حياتنا العادية نموذجا لما يحدث بين رب الأسرة وأفرادها، فرب الأسرة يقول لأبنائه: أنتم تريدون التنزه، فأي مكان تحبون الذهاب إليه؟

يجيب أحد أفراد الأسرة: لنذهب إلى المكان الفلاني.

ويجيب آخر: أنت حر في أن تصحبنا إلى أي مكان تريد، المهم فقط أن تكون معنا.

ومن المؤكد أن الذي يقول مثل هذا القول لرب الأسرة ينال منزلة رفيعة في قلبه.

فإذا كان هذا يحدث بين إنسان وإنسان مثله فما بالنا بالاستحسان الذي يناله العبد حين يقول ذلك لخالقه الأكرم؟

لابد أن ينال منزلة راقية؛ لأنه قد خرج من دائرة العبيد إلى دائرة العباد الذين قال عنهم الحق: {وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً * وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 63-66].

هؤلاء هم عباد الرحمن الذين يحبهم ويحبونه.

أما الذي يتمرد على منهج الله فعليه أن يعرف أنه غير قادر على أن يتمرد على قدر الله.

وأراد الحق أن يعطينا مناعة إيمانية حين قال: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وتتجلى تلك المناعة في أن المؤمن لابد أن يلتفت إلى هؤلاء الذين يرتدون عن دين الله بادعاء أنهم أنبياء من بعد محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

إن هذه الآية توضح لنا ما جد وما يجد من أمر هؤلاء المرتدين، والواحد منهم يعلن: أنا نبي مرسل.

ويَجِدُ هذا النبي المزيف من يستمع له ويصدقه ويتبعه، ولا يجد من يسأله: إن كنتَ نبياً فما معجزتك؟

لكنه يجد من يصدقون هذا الزيف لهوى في نفوسهم.

هذا الهوى يتلخص في أن مثل هذا النبي المزيف يأتي بمنهج ميسر يخدع به أتباعه الذين يخدعون أنفسهم بأن الواحد منهم متدين، لكنّه يتبع منهاجاً ضالاً.

وكثير من الذين ادَّعوا أنهم أنبياء وأنّه هو المَهدي المُنتظر لم يسألهم أحد: ما المعجزة الدَّالة على صدق نبوتكم؟

لأن النبي المزيف من هؤلاء يُلهي الناس بالتخفيف من التكليف.     

 إننا نجد بعضاً من المثقفين أو الذين يدَّعون أنهم يُعْمِلُونَ عقولهم في كل شيء يتبعون هؤلاء الدجالين.

وقد رأينا منذ أعوام قليلة العَجَبَ العُجَاب، عندَما ادَّعى أحدهم النبوة.

وآمن به واتَّبعه عدد من الرجال والنساء.

وكانت المرأة المُتزوجة تدخل على هذا النبي المُزيَّف لتُقبله ويُقبلها من شفتيها وأمام زوجها.     

 أين نخوة الرجل -إذن- في مثل هذا الموقف؟

إنه التدليس الضَّال الذي يدَّعي لنفسه الهداية، إنّها هداية إلى الجحيم.

وهل تنبع تلك التيارات من الإسلام؟

لا.

بل تأتي من قوم يبغضون الإسلام، ويصطادون الرجل الذي تظهر عليه المواهب والمخايل، ويقنعونه بأنه يمكن أن يلعب دور النبي المزيف.

مثال ذلك: الهندي ميزرا غلام أحمد الذي جاء بالقاديانية.

ونعلم أن الإنجليز قد استعمروا الهند لسنوات طويلة، وكانوا يعتبرونها دُرَّةَ التاج البريطاني.

ونعلم أن خصوم الإسلام وعلى رأسهم الاستعمار يحاولون أن ينالوا من الإسلام؛ لأنهم رأوا أن التمسك بالدين أتاح للمسلمين فتح الأمبراطوريات لا بالسيف ولكن بحماية حق الاعتقاد.     

 إذا كانت الدعوة قد نشأت في الجزيرة العربية؛ فقد امتدت إلى آفاق الأرض.     

 وانهزمت الفرس والروم أمام الذين يحملون راية: "لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

ومن بعد ذلك نجد أن الذين هزموا التتار هم المسلمون، وكذلك اشتعلت الحروب الصليبية في حملات متتابعة، ولكن المقاتلين تحت راية الإسلام أنزلوا بهم الهزيمة الضارية.     

 إن الذي أرهق الاستعمار من الإسلام طاقة الإيمان والقتال في سبيله ولذلك جاء ميزرا غلام أحمد وحاول أن يُضعف القدرة على الجهاد عند المسلمين، فقال: لقد جئت لكم لألغي الجهاد من العقيدة الإسلامية.

وجرؤ ميزرا غلام أحمد، وأعلن إلغاء القتال.

والحق يقول في كتابه الكريم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216].

وسبحانه بقدرته يُمهل ولا يُهمل.

وجاء وباء الكوليرا في الهند سنة 1908 ليقضي على غلام أحمد وينهي تأكيداً لقوله الحق: {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].

وظهر أيضاً في فارس وهي موطن سلمان الفارسي مَنْ ادَّعى لنفسه النبوة، وكان من الذكاء بحيث حاول التسلل إلى الإسلام؛ لينقلب عليه من بعد ذلك، قال الرجل: أنا الباب ومن بعدي سيأتي المهدي.

وعندما سأله الناس: وماذا تحمل من منهج؟

أجاب: جئت لأخفف عنكم بعض التكاليف؛ لأن الإسلام صار بتكاليفه لا يناسب العصر.

واتبعه أناس، وثار عليه أناس.

ومن اتبعوه، ذهبوا إليه بغية تخفيف المنهج، ومن ثاروا عليه كانوا من القوم الذين يحبهم الله ويحبونه، وجاءوا له بالعلماء يناقشونه ويحاجونه فاعترف بأنه مخطئ وأعلن التوبة في المسجد الكبير.

وعند ذلك تركه الناس.

لكن هذا الرجل وجد مَنْ يلتقطه ليعيده إلى ضلاله وتضليله، التقطه قنصل روسيا في فارس، وهيَّأ له ملجأ، وأوعز إليه أن يعلن أن توبته إنما كانت هرباً من القتل.

واستطاع هذا الباب، واسمه علي محمد الشيرازي أن ينال دعاية واسعة وخاصة بعد أن انضمَّت إلى دعوته فتاة اسمها "قُرَّةُ العَيْن” وكانوا يلقبونها بالطاهرة.

ووقفت لتخطب خطبة في الناس.

ومَنْ يقرأ تلك الخطبة يعرف إلى أي انحلال كان يدعو ذلك الباب.

وأعلنت هذه المرأة أن الإسلام قد انقضت مدته كدين، وأن الباب قد اختفى لفترة؛ لأنه في انتظار شرع جديد، وأن العالم يمر بفترة انتقال، وصار ينزل المنهج الجديد على الباب.

وقالت تلك "الطاهرة": إنّ التشريع المختص بالمرأة، والذي جاء إلى الباب هو: "المرأة زهرة خُلِقَت لتُشَمّ ولِتُضَمّ”، "فلا يمنع ولا يُحَدّ شامّها ولا ضامّها".

وما دامت المرأة زهرة إذن فهي تجنَى وتقطَف "وإلى الأحباب تُهَدى وتتحف.     

إلى أن تقول في نهاية خطابها: لا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم (!!) ومن يرغب في أن يعرف مسلسل الفضائح الخلقية التي جاءت في خطاب "قرة العين” تلك فليقرأ كتاب "نقطة الكاف” للباب الكاشاني طبعة لندن صفحة 154.

هذا ما جاء به الباب من بعد أن أعلن إلغاء الإسلام: لا تحجبوا حلائلكم عن أحبابكم فإنه الآن لا منع ولا حد، خذوا حظكم من الحياة، فإنه ليس بعد الممات شيء.

وهذه خلاصة الانحلال الذي جاء به هذا المدعو بالباب، لقد أعلن أنه لا حساب ولا يوم آخر، وأن المرأة عرضها مشاع تضم وتشم.     

والغريب أن بعضاً من المتزوجين قد اتبعوه.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:46 am

وقالوا عن أنفسهم: إنهم متدينون، لقد أخذوا ظاهر الأمر واعتبروا الفسوق الذي جاء به هذا الباب وأسموه دينا بعد أن سهل لهم بتعاليمه الفساد، فأخذوا الانحلال عن التكاليف، وادعو أن ذلك دين(!!) هكذا أراد خصوم الإسلام للإسلام.

وقنصل روسيا القيصرية هو الذي شجع هذا الرجل وحماه في عام واحد وستين ومائتين بعد الألف من الهجرة.

وبرغم ذلك حكم أهل فارس بإعدامه بعد موجة السخط العارم، ولم يستطع أن ينقذه أحد، وتم إعدامه فعلاً.

والذين قرأوا أقواله لحظة الإعدام عرفوا كيف أنه تذلل وخضع وبكى.

ولو كان مبعوثاً بحق من عند الله لما تذلل وخضع وطلب النجاة.

ولامتلأ بالسرور والحبور؛ لأنه ذاهب إلى الله.     

 لقد عرف هذا الرجل الدجال إلى أي عقاب سيذهب؛ لذلك بكى واسترحم.

ولما قتل الباب، أعلن واحد من رجاله وهو ميرزا حسين أن الكتاب الذي جاء به الباب كتاب كاذب، وكان اسمه "البيان”.

وقال ميرزا حسين علي: إنه جاء بكتاب اسمه "الأقدس”.

كأن المسألة كلها خداع للناس وتبرير الخداع.

ولو رجعنا إلى كتاب يسمونه "بهجة الصدور” لمؤلفه حيدر بن علي البهائي لوجدنا كل الانحرافات الممكنة، فالبهاء يقول: استر ذهبك وذهابك ومذهبك، أي لا تجعل أحداً يعرف ثروتك، ولا إلى أي مكان تذهب ولا تقل للناس: إنك بهائي حتى لا يقتلوك.

واعتبر البهائيون أن القرآن قد انتهت مدته وأن كتاب "الأقدس” هو كتاب فوق القرآن.     

 ويقرر كتاب "الأقدس” أن القدس لابد أن تكون وطناً لليهود وأن موسى سيد الرسل جميعاً.

ومما يدلنا على أن ذلك الرجل كان صنيعة الاستعمار والصهيونية، أنهم أقاموا له حفل تكريم في بريطانيا ومنحوه وسام الفروسية الإنجليزي؛ لأنه رجل خدم الاستعمار.     

 ونجد أن شيخنا رشيد رضا الذي نقل لنا تاريخ الإمام محمد عبده يروي قصة لقاء بينه وبين ذلك المدعو "بهاء” في بيروت، وحكى الشيخ رشيد عن الإمام محمد عبده أن هذا البهاء كان يأتي للصلوات الخمس ويصلي الجمعة.

وعندما سأله عن تلك المسألة المسماة بالبهائية.

أجاب بأنها محاولة للتقريب بين الشيعة وأهل السنة.

وعندما أمرت الدولة العثمانية بمحاكمة ذلك البهاء توسط قنصل روسيا فاكتفوا بنفيه إلى بغداد.

وعاش فترة فيها ثم مات وقام الأمر من بعده لابنه عباس المُسمَّى عبد البهاء.     

 لقد كانت البداية برجل سمى نفسه الباب صاحب كتاب البيان وقال فيه: "ملعون مطرود من يدعي أنه جاء بشريعة بعد شريعتي إلا بعد مرور ألف سنة”.

وما إن تمر سبع سنوات حتى جاء رجل ثان يسمي نفسه البهاء، وأعلن أنه جاء بشريعة جديدة، ويعقد الوصية لابنه المسمى "عبد البهاء”.

ثم يكون الأمر من بعده إلى ابنه المسمى "شوقي أفندي” وكان يقيم بعكّا.

هكذا انفضحت أكاذيبهم.

ورئيس البهائية الحالي هو يهودي اسمه بترسون.     

 إذن فالرِّدَّة عن الإسلام لم تكن نابعة من نفوس المسلمين ولكن مدفوع إليها من خصوم الإسلام الذين يأخذون أي رجل ملحد فيه بعض من الذكاء وينفخون فيه بدعاياتهم حتى يشوهوا دعوة الإسلام.

وأقاموا مراكز لمثل هذه الانحرافات في بلجيكا وأمريكا وانجلترا.

وحاولوا النفاذ إلى البلاد الإسلامية لينشروا فيها دعوتهم ومبادئهم.

وكانوا يأخذون المرأة كنقطة هجوم على الإسلام.

ويتهمون الإسلام بأنه يضع المرأة في الحريم، ويحبسها في خيمة وإلى آخر تلك الدعايات التي تشوه تكريم الإسلام للمرأة.

ومن العجيب أني سمعت بأذني من واحدة هي بنت لتلك الحضارة الغربية.

تقول: كنت أتمنى أن أكون مسلمة وأمًّا لشاب مسلم.

فعلينا نحن المسلمين ألا ننخدع بتلك الدعايات وتلك المذاهب التي تتسلل من باب تخفيف المنهج والمُراد بها قتل قيم الإسلام التي تحمي الإنسان وتحترم مشاعره؛ لذلك يجب أن ننتبه إلى دعوات المُتسللين إلى مجتمعاتنا بغية هدم ديننا.

وعلى الحكومات أن تضرب على أيدي العابثين بدين الله لا أن تترك مسائل الدين لهبّات الأفراد.

وكُلٌ مِنَّا مُطالب بأن يَرُدَّ عن دين الله كل دخيلِ عليه وكل محاولة لوضع أمور ليست من الدين في شيء.

وجزى الله قضاء مصر خيراً حينما تصدوا لمثل هذه الدعوات ووقفوا دفاعاً عن الإسلام لتبيين وأيضاًح كل أمر دخيل عليه، فدستور الدولة ينص على أن مصر بلد مسلم، وإن كانت بعض التقنينات في دور التشريع.

وجزى الله قضاة مصر عنا خيراً، فقد وضَّحوا تلك المسائل وبيَّنوها.

وعرفنا بسلوكهم أن خميرة الإيمان هي التي تحكم سلوك المسلم الحق، وإن تخلّت عنه بعض القوانين التي عليه أن يحكم بها.

وكلما حدث حادث من تلك الحوادث لنا أن نتذكر القول الصدق من الله: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].

وكل هذه الحركات المناوئة للإسلام تنتهي ويبقى الإسلام قوياً بأبنائه الذين يحبهم الله ويحبونه.

هؤلاء الذين وصفهم الحق: {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ} [المائدة: 54].

ويذيل الحق سبحانه هذا القول الكريم: {ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

نعم إنه فضل من الله؛ لأنهم ما داموا يحبهم الله ويحبون الله وهم أذلة على المؤمنين وأعزة على الكافرين فقد جعلهم سبحانه حملة لواء منهجه لتكون كلمة الله هي العليا.

وذلك تفضل من الله.

ولنعلم أن الخير لا يعود منا على الله؛ لأنه سبحانه هو واهب كل خير، ولم يأت لنا الخير من بعد خلقنا، ولكن نحن الذين طرأنا على الخير، نحن طرأنا على الأرض، وعلى السماء بما فيهما من كل كنوز الخير، ففي الأرض العناصر والمعادن والقوت، وفي السماء الشمس والقمر والنجوم، وكل ذلك فضل الخالق على المخلوق.

إن فضل الله يؤتيه سبحانه وتعالى من يشاء وتتسع قدرته لكل مطلوب؛ لذلك لا يمن المؤمن على الله بإيمانه، فليس عند الله أزمة في الذين يؤمنون به، وهو قادر على أن يأتي بقوم يحملون دعوته، فإذا ما ارتفعت رأس الباطل فهذا دليل على أن قطافها قد حان؛ لأن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض.

فكأن الله حين يندب المؤمنين لمهمة إيمانية فلا يقال: إن المؤمنين إنما يفعلون ذلك لمصلحة ربهم؟.

لا.

ولكن ذلك فضل من الله على المؤمنين حين يختارهم لمهمة حمل البلاغ عن الله، ويعود الخير إلى المؤمنين ثمرة مضاعفة.

إذن فحين يكون اختيار الله للمؤمن لمهمة إيمانية فهذا فضل من الله على المؤمن.

ونعرف أن الفضل هو الأمر الزائد عن العدل فالحق سبحانه وتعالى قد قال: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

وكل تكليف من الحق للخلق هو فضل من الله؛ لأنك إن نظرت إلى كل تكليف من الحق للخلق لوجدت أن التكليف إنما يعود لصالح الخلق وما دامت الفائدة من التكليف تعود إلى الخلق فليس من المطلوب إذن أن يثاب الخلق المؤمنون المكلفون، لكن الله يأبى أن يكلف خلقه بتكاليف ويذهبون إلى هذه التكاليف بطاعة ومحبة دون أن يجازيهم على ذلك بحسن الثواب.

ولهذا نجد الحق يقول: {قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات: 17].

المنّة إذن لله حين تفضل على الخلق الذين أطاعوه بحسن حياتهم في إطار تكاليفه الإيمانية، وفوق ذلك هناك الثواب، وهذا هو عين التفضل من الحق على الخلق المؤمنين: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

وساعة نسمع "بفضل الله” فلنعلم أن فضل الله لا حدود له.

وقد نجد من يقول: ولكن الحق سبحانه وتعالى قال: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ} [النجم: 39-40].

ونقول: لنفترض أن إنساناً مات، ونجد الأمر من الخالق سبحانه وتعالى بأن نصلي عليه؛ لندعو له بالرحمة.

ودعاؤنا للميت بالرحمة يأتي له بخير أكثر مما فعل هو في حياته، ولولا أن صلاتنا على الميت تثيب الميت وتثيبنا في آن واحد لولا ذلك ما أمرنا الحق بأداء هذه الصلاة.

وقد يقول قائل: هذا الخير الذي يأتي إلى الميت من دعاء المصلين عليه ليس من سعي الميت.

ونقول: إن "اللام” في قوله الحق: {لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} [النجم: 39].

هذه اللام تفيد الاستحقاق والملكية.

وهو قول كريم يحدد العدل ولا يحدد الفضل.

ونضرب مثلاً من حياتنا نحن البشر -ولله المثل الأعلى- تجد السيد يقول للخادم عنده: إن لك أجراً عندي يساوي مائة جنيه.

ثم يجيء السيد في آخر الشهر ويقول للخادم: خذ مائة وخمسين جنيهاً.

العدل إذن هو أن يأخذ الخادم أجره وهو مائة جنيه، ولكن الخمسين جنيهاً الزائدة هي الفضل الزائد عن الأجر.

إننا حين يأمرنا الحق سبحانه وتعالى بأن نصلي على الميت فهذا تفضل من الله على الميت وعلينا أيضاً.

هذا لون من تفضل الله على خلقه.

وسبحانه يجازي كل إنسان بما عمل ويمنحه فوق ذلك، ومن قصّر في شيء من العمل.

ويصلي عليه الناس ويدعون له بالرحمة فتفيض رحمة الله على العبد وعلى غيره من العباد.

وهذا هو مناط قول الحق: {قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

وعندما نحقق في هذا الموقف وحده نجد أن الجزاء يكون أفضل من العمل.

وما الذي يجعل المؤمن يصلي على ميت مؤمن؟

إنه إيمان هذا الذي مات وإيمان من مات ملك له، وعلى ذلك فملكية المؤمن لإيمانه تمتد بعد أن يموت لتشمل صلوات ودعاء من صلوا عليه.

وذلك يدخل في فضل الله: {ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

وما دامت المسألة فضلاً من الله يشمل كل مؤمن فلابد أن الحق عنده من السعة ما يعطي الكل.

وسبحانه واسع عليم.

والحديث القدسي يقول: "يا عبادي، لو أن أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.

يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".

إذن فخزائن الله ملأى لا تنفد، وسعة الحق مطلقة.

ولهذا نحن أيضاً نجد أن الحب في الله يزداد دائماً، فساعة نشاهد اثنين يتحابان في الله، فحبهما يزداد كل يوم؛ لأنه الحب في الله.

أما إن كان الحب لأمر محدود فذلك الحب ينتهي ويترك كل منهما الاخر بانتهاء السبب لذلك الحب.

ولنأخذ قضية واضحة أمامنا: من كان يحب في الله فالحب لغير المحدود لا حدود له.

ومن كان يحب في غير الله، فالحب هنا لمحدود ويرتبط طرداً وعكساً بمدى الإثراء من هذا المحدود.

ومن يحب لغرض من أغراض الدنيا يقيس ما يعطيه لمن يحب، فإن زاد ما يعطيه على ما يأخذه يحس بالخسارة.

وعندما نتبادل الحب في الله فلا شيء ينقص عند الله أبداً؛ لأنه سبحانه يعطي الاثنين معاً اللذين يتحابان فيه.

وسبحانه العليم أزلاً، وصاحب القدرة الذي يعطي كل إنسان المناط الذي يستحقه.     

ويقول الحق من بعد ذلك: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ...}.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

سورة المائدة الآيات من 051-055 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 051-055   سورة المائدة الآيات من 051-055 Emptyالسبت 22 يونيو 2019, 7:47 am

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [٥٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين نهانا الحق عن أن نتخذ اليهود والنصارى أولياء فعلينا أن نأخذ بالقياس أن النهي إنما يشمل كل خصوم ديننا، فلا نتخذ أيّاً من أعداء الدين وليّاً لنا؛ لأنه سبحانه وتعالى لم يتركنا بغير ولاية، وهو وليّنا وكذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا.     

 إذا أردنا المقارنة بين ولاية الله، وولاية أعداء الله فلنعرف أن كل عدو لله له قدرة محدودة لأنه من البشر، أما ولاية الله لنا فلها مطلق القدرة.     

 وأي عدو له قد يتظاهر لنا بالولاية نفاقا.

أما ولاية الله لنا فلا نفاق فيها لأنه لا قوة أعلى منه.

وإن كان الحق قد منعنا أن نتخذ من أعدائه أولياء فذلك ليحررنا من الولاية المحدودة ليعطينا الولاية التي لا تتغير وهي ولايته سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ} وهكذا يكون التعويض في الولاية أكبر من كل تصور.

وساعة نرى "إنما” فلنعرف أن هناك ما نسميه "القصر” أو "الحصر”.

مثال ذلك نقول: "إنما الكريم زيد": كأن القائل قد استقرأ آراء الناس ولم يجد كريماً إلا زيداً، وكأنه يقول: "زيد كريم وغير زيد ليس بكريم” واختصر الجملتين في جملة واحده بقوله: "إنما الكريم زيد” وأثبت بهذا القول الكرم لزيد ونفاه عن غيره.

أما إن قال القائل: "زيد كريم” فهذا القول لا يمنع أن يكون غيره من الكرماء.

إن الحق سبحانه يحصر الولاية في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ} وهو قد نهانا من قبل عن ولاية أهل الكتاب، وعن ولاية كل من لا توجد عنده مودة أو محبة تعين المؤمن على مهمته الإيمانية.

فلو كان عند أحد من أهل الكتاب أو الملاحدة محبّة ومودّة تُعين المؤمن على أداء مهمته لما بقي هذا الإنسان على منهجه المحرّف أو على إلحاده، بل إن ذلك سيجعله يذهب إلى الإيمان برسالة الإسلام.     

 إننا نجد بقاء الكافر على كفره أو إلحاده أو عدم إيمانه برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- دليلا على أنه لم يستطع الوصول إلى الهداية أو أنه -إن كان من أهل الكتاب- لم يستطع أن يكون مأموناً على الكتاب الذي نزل إلى نبيّه وفيه البشارة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فكيف -إذن- يعين إنسان مثل هذا إنساناً مسلماً؟.

إنه لا يستطيع أن يعين ولا أن يوالي ولا أن يكون على هداية؛ لأنه لم يستطع أن يهدي نفسه.

ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم".

لأن الذي لا يستطيع أن يهدي نفسه لن يستطيع هداية غيره.

وحين نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سؤال أهل الكتاب كان يعلم أنهم في ريب من أنفسهم، وفي ضلال وخلط، فهم إما يخلطون الحق بالباطل، وإما في غيظ من الذين آمنوا؛ لذلك نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نسألهم، وهذا هو الاحتياط للدين، فقد يسألهم المؤمن سؤالاً، فيجيبون بصدق، فيكذبهم المسلم، وقد يجيبون بكذب فيصدقهم المسلم؛ لذلك لا يصح ولا يستقيم أن يسألهم المسلم أبداً عن شيء؛ لأنه عرضة لأمر من اثنين: إما أن يصدق بباطل، وإما أن يكذب بحق.

وأهل الكتاب أنفسهم قد تضاربوا، ألم يقل الحق على ألسنتهم: {وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ} [البقرة: 113].

وكذلك قالت النصارى: {لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ} [البقرة: 113].

إذن فأي الموقفين نصدق؟

أنصدق رأي اليهود في النصارى؟

أم نصدق رأي النصارى في اليهود؟

ولا نستطيع أن نكذب رأي اليهود في النصارى، ولا نستطيع أن نكذب رأي النصارى في اليهود، إذن فحين يقول الحق سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ} فعلينا أن نفهم أنه سبحانه وتعالى ما دام قد نهاكم عن أن تتخذوا أولياء من دون الله فلن يترككم أيها المؤمنون دون ولي.

بل منعكم فقط من ولاية من لا يمكن صادقاً في معونتكم ولا في نصرتكم.

لقد أراد سبحانه أن يكون هو بطلاقة قدرته وليكم، ورسول الله أيضاً وليكم، وكذلك الذين آمنوا.

ونجد من يقول: الحق هنا قد عدد الولاية فيه سبحانه وتعالى وفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفي المؤمنين، لماذا لم يقل -إذن-: أولياؤكم هم الله والرسول والذين آمنوا؟

ونقول: هل كانت للرسول ولاية منفصلة عن ولاية الله والمؤمنين؟

وهل كانت للمؤمنين ولاية منفصلة عن ولاية الله والرسول؟

لا.

لأن الولاية كلها منصبة لله، فلم يعزل الحق الرسول عن ربه، ولا عزل المؤمنين عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقسم الولاية إلى أجزاء، بل كلها ولاية واحدة وأمر واحد، ونلحظ أن الخطاب في "كاف الخطاب” هو للجمع: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ}، و"كاف” الخطاب هنا تضم المؤمنين ومعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالله سبحانه وتعالى ولي الرسول وولي المؤمنين، والرسول ولي المؤمنين، وجاء في المؤمنين قول الحق: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].

كم درجة من الولاية هنا إذن؟

الله ولي الرسول وولي المؤمنين.

ذلك أن سبحانه شاء بفضله ألا يعزل الولاية أو يقسمها بل جعلها ولاية واحدة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- ولي المؤمنين، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض؛ لذلك نجد أن كل مؤمن مطلوب منه معونة ونصرة أخيه المؤمن.

إن الإنسان -كما نعلم- ابن أغيار، وما دام الإنسان ابناً للأغيار فعلينا أن نعرف أن المؤمنين لن يظلوا كلهم في حالة توجيه النصيحة.

ولن يظلوا جميعهم في حالة تلقٍ للنصيحة.

وكل واحد منهم يكون مرة ناصحاً ومرة يكون منصوحاً، فساعة يصيب الضعف مؤمناً في جزء من المنهج يجد أخاه المؤمن قد هبّ لنصحه ليعتدل.

وساعة يصيب الضعف الناصح في جزء من منهجه فالمنصوح السابق يهب لنصح أخيه ليعتدل.

والذي خلق الخلق وهو أعلم بهم، ويعلم كيف تستوعب الأغيار الخلق، وكيف أن كل إنسان له خواطره وله ظنونه وله مواقف ضعف وله مواقف قوة.

إنه -سبحانه- لم يطلب من الناس أن يوصوا بالخير فحسب ولكنه قال: {وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ} [العصر: 3].

لماذا إذن التواصي بالحق؟ 

لأن سبل الحق شاقة، ولأن أصحاب الحق يلاقون المتاعب من أصحاب الباطل؛ لذلك لابد أن يؤازر أصحاب الحق بعضهم بعضاً فيقول الإنسان من أهل الحق لأخيه ما يساعده على التمسك بما هو أعز من الراحة والصحة والمال.

ولابد أن نجعل الحق واضحاً في حياتنا وسلوكنا، وأن يتذاكر أهل الحق بما حدث لغيرهم وكيف صبروا، هكذا يكون التواصي بين المؤمنين.

وتلك هي ولاية المؤمنين بعضهم لبعض: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}.

إذن فقوله الحق: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ} هو ما يسمونه في اللغة "أسلوب الحصر"، أي لا ولي لكم غير الله.

وحين يُرَدّ الإنسان من الولاية المحدودة القدرة ويجعل العوض له في غير محدود القدرة فذلك كسب كبير للعبد، ولذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومَن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

كيف تكون أنت أيها العبد في عون أخيك؟

يتحقق لك ذلك عن طريق أن تقدم لأخيك المؤمن المعونة والنصرة والمؤازرة والتواصى.

وتقدم لأخيك من وقتك وطاقتك وقدرتك ومالك ما يعينه.

وإيَّاك أن تحسب المسألة بأنك كنت تستطيع أن تفعل كذا وكذا في الوقت الذي أعطيته لأخيك المؤمن، بل يجب أن تحسبها بأن الله هو الذي أعطاك الوقت والمال والجهد وأنت لا تفعل شيئاً بقدرتك أنت، وأن قدرتك المحدودة عندما تعطي بعضاً منها لأخيك فأنت تصل قوتك المحدودة بصاحب القوة غير المحدودة وهو الله.

وبذلك يكون الله في عونك وتكون أنت الأكثر كسباً.

فمن يرد الله بجانبه فلابد أن يكون مع الخلق دائماً بالمعونة، وبهذا السلوك يرتقي المؤمن إلى أعلى درجات الذكاء.     

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ} وسبحانه يريد أن يبين لنا مميزات أصحاب الإيمان؛ لأننا حين نتعرف على شعب الإيمان وصفاته الجميلة إنما نميز بهذه الصفات المؤمنين من غيرهم.

وإقامة الصلاة هي الصفة الغالبة في وصف الذين يؤمنون بالله؛ لأن الصلاة هي الصلة المتجددة بإعلان الولاء لله خمس مرات في كل يوم. والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت".

وهذه الأركان الخمسة هي الدعائم والأسس التي تقام عليها عمارة الإسلام.

وأي بيت لا يقوم بالأسس وحدها، ولكن هناك أشياء أخرى كثيرة وعشرات الفضائل والمطلوبات غير الأسس، وإذا ما راجع كل واحد منا علاقته بأسس الإسلام فلسوف يجد أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مرة واحدة في العمر، ومن بعد ذلك يقيم الصلاة.

ثم يؤتي الزكاة، لكن إن كان فقيراً فهو معفىً من أداء الزكاة.

وحتى الذي يؤدي الزكاة فهو يؤديها في وقت واحد في السنة.

ومن بعد ذلك يصوم رمضان.

لكن المريض أو المسافر أو الذي له عذر فهو يفطر ويقضي الصوم؛ ويفدي عن الصيام المريض الذي لا يرجى شفاؤه والعجوز الذي تصيبه بالصوم مشقة شديدة.

ومن يحج البيت يفعل ذلك مرة واحدة في العمر إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.

هذه هي أركان الإسلام، وفيها إعفاءات كثيرة للمسلم.

اللهم إلا الصلاة فهي أساس يتكرر ولذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: "رأس الأمر كله الإسلام وعموده الصلاة".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".

لذلك لا تسقط أبداً، فنحن نصلي ونحن قيام، ونصلي ونحن قعود، ونصلي ونحن على جنوبنا.

ونصلي ونحن غير قادرين على أية حركة، نصلي بالإيماء.

ومن لا يقدر على هز رأسه بحركات الصلاة في أثناء المرض الشديد فهو يصلي بعينيه.

ومن أصابه -والعياذ بالله- شلل جعله لا يقدر على تحريك جفنيه بحركات الصلاة فهو يصلي بالخواطر وبالوعي أي يجري أركان الصلاة على قلبه.

أما من ذهب عنه الوعي فقد سقطت عنه الصلاة.

ولذلك يقول الحق: {وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ} ويقول بعد ذلك: {وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ}؛ لإن إيتاء الزكاة معناه تقوية أثر حركتك لغيرك وتعدية أثر هذه الحركة للضعيف عنك، وحينما تزكي إنما تعطي مالاً، والمال هو ناتج من أثر حركتك في الوجود، وعطاؤك من مالك بالزكاة يدل أيضاً على الإيمان.

ثم يذيل الحق الآية بقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ}.

وهل الركوع هنا بمعنى الركوع في الصلاة؟

أو بمعنى الخضوع لكل تكاليف منهج الله؟

أو أنها نزلت هنا في مناسبة خاصة لحالة خاصة؟

هناك رواية تقول: إن عبدالله بن سلام جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن قوماً من قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا ألا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل.

وشكا عبدالله مما يلقاه من اليهود، فنزلت تلك الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55].

فقال بن سلام: رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء.

وتزيد الرواية في موقع آخر: وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ودخل إنسان إلى المسجد وسأل الصدقة فلم يعطه أحد فقال الرجل: أشهد الله أني جئت إلى مسجد رسول الله وطلبت الصدقة وما أعطاني أحد شيئاً، وسمعه علي ابن أبي طالب - كرم الله وجهه وكان يصلي - فمد على يده بحيث يراها الرجل وأشار له أن يأخذ من يده الخاتم كصدقة، فأخذه الرجل.

وسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السائل فقال: هل أعطاك أحد شيئاً.

فأجاب الرجل نعم خاتماً، وأشار إلى علي بن أبي طالب.

وهنا نزلت الآية بتمامها: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55].

وأياً كانت المناسبة التي نزلت فيها الآية، فالركوع معناه الخضوع، والخضوع يكون لكل تكاليف منهج الله.

فإذا كنا نقول: فلان ركع لفلان فهذا معناه أن فلاناً قد خضع لفلان.

ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ...}.



سورة المائدة الآيات من 051-055 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة المائدة الآيات من 051-055
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة المائدة الآيات من 046-050
» سورة المائدة الآيات من 006-010
» سورة المائدة الآيات من 056-060
» سورة المائدة الآيات من 061-065
» سورة المائدة الآيات من 066-070

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: المائدة-
انتقل الى: