| سورة المائدة الآيات من 006-010 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:07 am | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [٦] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
سبحانه يأمرنا بوضوح محدد: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فلا بد لكم من تنفيذ عملية الوضوء.
وتتعرض الآية إلى الأركان الأساسية في الوضوء.
وقد يلتبس الأمر على بعض الناس ولا يستطيع أن يميز بين سنن الوضوء وأركان الوضوء؛ لأن السنن تقتضي أن يغسل الإنسان يديه ثم يتمضمض، ثم يستنشق الماء وهكذا.
هذه هي السنن التي تمتزج بالأركان الأساسية للوضوء.
ويبدأ الحق أركان الوضوء الأساسية بقوله: {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}.
والغسل يتطلب إسالة الماء على العضو وأن يقطر منه الماء بعد ذلك.
والمسح هو اللمس بالماء ليصيب العضو ولا يتقطر منه الماء؛ إنه مجرد بلولة بالماء.
والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم في هذه الآية عن الوضوء، تكلم عن أشياء تُغسل وعن شيء يُمسح.
فالأمر بالغسل يشمل الوجه واليدين إلى المرافق والرجلين إلى الكعبين.
والأمر بالمسح يشمل بعض الرأس.
والغسل قد يكفي مرة أو اثنتين أو ثلاثا ليتأكد الإنسان تماما من الغسل، ولكن إذا كانت المياه قليلة فيكفي أن يغسل الأجزاء المطلوبة مرة وأن يتأكد أنه قد غسل المساحات المطلوبة.
إن الزيادة على المرة الواحدة إلا ثلاث مرات أمر مسنون لا واجب وغسل الوجه معروف تماما للجميع، فالوجه هو ما به المواجهة.
والمواجهة تكون من منبت الشعر إلى الذقن، وتحت منتهى لحييه وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى، هذا في الطول، وفي العرض يشمل الوجه ما بين شحمتي الأذنين.
ولا أحد يختلف في تحديد الوجه، ولذلك أطلق الحق الوجه ولم يعينه بغاية، فلم يقل: اغسل وجهك من كذا إلى كذا؛ ولكنه أمر بغسل الوجه، فلا اختلاف في مدلول الوجه لدى الجميع.
والكل متفق عليه، هذا إذا ما بدأنا بالفروض الأساسية.
لكن إذا ما بدأنا بالسنن فنحن نغسل الكفين إلى الرسغين أولا ثم نتمضمض ونستنشق.
وبعض العارفين بالله يقول عن هذه المقدمات التي هي من السنن: إنها لم تأت اعتباطا؛ لأن تعريف الماء هو: السائل الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وإن تغير أي وصف من هذه الأوصاف يكون السائل قد خرج عن المائية.
فساعة تأخذ الماء بيديك ستطمئن على لون الماء، وتعرف أنه لا لون له، وعندما تتمضمض فأنت تطمئن إلى أنه لا طعم له؛ وعندما تستنشق فأنت تطمئن على أن الماء لا رائحة له، وبذلك تطمئن إلى أن الماء الذي تستعمله في الوضوء يكون قد استوفى الأوصاف قبل أن تبدأ في عمل المطلوب من أركان الوضوء التي يطلبها الله، والسنة تقدمت هنا على الأركان لحكمة هي أن توفر للإنسان الثقة في الماء الذي يتوضأ منه.
وبعد ذلك يغسل الإنسان الوجه من منابت شعر الرأس وتحت منتهى لحييه وذلك طولا وما بين شحمتي الأذنين عرضًا.
وبعد غسل الوجه قال الحق: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ}.
وميَّز الحق هنا الأيدي بتحديد المساحة المطلوب غسلها بأنها إلى المرافق، أي أنه زاد غاية لم توجد في الوجه، ولكن جاء الأمر بغسل اليدين إلى المرافق؛ لأن اليد تطلق في اللغة ويُراد بها الكف، مثال ذلك في حكم الحق على السارق والسارقة: {فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].
وتطلق اليد أيضاً ويراد بها الكف والساعد إلى المرفق.
وتطلق اليد أيضاً ويراد بها إلى الكتف.
فلليد ثلاث إطلاقات.
ولو أن الحق قد أمر بغسل اليد ولم يحدد الغسل بـ "إلى المرافق" لغسل البعض كفيه فقط، وغسل البعض يديه إلى المرافق، ولغسل البعض يديه إلى الكتفين؛ ولأن الحق يريد غسل اليد على وجه واحد محدد؛ لذلك قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ}.
إذن فساعة يريد الحق شيئا محددا، فهو يأتي بالأسلوب الذي يحدده تحديدا يقطع الاجتهاد في هذا الشيء.
وكلمة "إلى" تحدد لنا الغاية، كما أن "مِن" تحدد الابتداء، ولكن هل تدخل الغاية هنا أم لا؟
هل تدخل المرافق في الغسل أم لا؟
إن "إلى" قد تدخل الغاية ومرة أخرى لا تدخل الغاية.
فمثال إدخالها الغاية قوله تعالى: {سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].
هل أسرى الحق برسوله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ولم يدخله؟
لا أحد يعقل ذلك.
إن "إلى" هنا تقتضي أن تدخل الغاية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ذهب إلى المسجد الأقصى بمُراد الإسراء إليه والدخول والصلاة فيه.
ويقول سبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ} [البقرة: 187].
فهل يدخل الليل في الصيام؟
لا، لأننا لو أدخلنا الليل في الصوم لصار في الصيام وصالٌ أي نصل الليل بالنهار صائمين.
إذن فمع "إلى" تجد الغاية تدخل مرة، وتجدها لا تدخل مرة أخرى.
واختلف بعض العلماء حول المرفق هل يدخل في الغسل أو لا؟
وصار في عموم الاتفاق أن يدخل المرفق في الغسل احتياطيا؛ لأن أحداً لا يستطيع تحديد المرفق من أين وإلى أين.
ونعرف أن هناك احتياطات للتعقل، فمرة نحتاط بالاتساع ومرة نحتاط بالتضييق.
مثال ذلك عندما نصلي في البيت الحرام.
ونحن نعرف أن الكعبة بناء واضح الجدران، وبجانب جدار من جدران الكعبة يوجد الحطيم وهو حجر إسماعيل وهو جزء من الكعبة يحيطه قوس.
وعندما يصلي إنسان حول الكعبة، هل يتجه إلى الحطيم أم إلى بناء الكعبة؛ لأنه مقطوع بكعبيته، والاحتياط هنا احتياط بالنقص، فنتوجه إلى الكعبة وهي البناء العالي فقط، ولكن عند الطواف.
فإننا نطوف حول الكعبة والحطيم، أي أن الاحتياط هنا يكون بالزيادة؛ لأننا إذا ما طفنا حتى من وراء المسجد فهو طواف حول البيت الحرام.
إذن فالاحتياط يكون مرة بالنقص ومرة يكون بالزيادة.
وفي مجال الوضوء يكون غسل المرافق هو احتياط بالزيادة؛ ذلك أن "إلى" تكون الغاية بها مرة داخلة، ومرة تكون الغاية بها غير داخلة.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى من بعد ذلك: {وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}، الأسلوب هنا يختلف؛ فالمطلوب هو المسح.
كان المطلوب أولاً هو الغسل للوجه على اطلاقه؛ لأنه لا خلاف على الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرافق، وتم تحديد الغاية لأن الحق يريد الغسل لليدين على لون يقطع الجدل والاجتهاد فيه.
ولو قال الحق: "امسحوا رءوسكم" مثلما قال: "اغسلوا وجوهكم" لما كان هناك خلاف.
لكن لو قال: "امسحوا بعض رؤوسكم" فهل يوجد خلاف؟
نعم فذلك البعض لم يحدد.
ولو قال: "امسحوا ربع رءوسكم" فهل يوجد خلاف؟
نعم قد يوجد خلاف لأن تحديد الربع عسير وشاق.
لماذا إذن اختار الحق هنا هذا الأسلوب {ٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}.
مع أن في الآية أساليب كثيرة، منها أسلوب مجرد عن الغاية، وأسلوب موجود به الغاية، وهذا الأسلوب لا هو مجرد ولا هو موجود به الغاية؟ |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:08 am | |
| وقال الحق: {ٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}.
ولنا أن نبحث عن كيفية استعمال حرف (الباء) التي تسبق "رءوسكم".
إن "الباء" في اللغة تأتي بمعان كثيرة.
قال ابن مالك في الألفية: بالباء استعن وعد عوض الصق ومثل "مع" و"من" و"عن" بها انطق
ومقصود بها أن تعطي الحرية للمشرع؛ لأن الباء تأتي لمعان كثيرة، للاستعانة مثل: كتبت بالقلم، ولتعدية الفعل اللازم نحو: ذهبت بالمريض إلى الطبيب، وللتعويض مثل: اشتريت القلم بعشرين جنيها، والالتصاق نحو: مررت بخالد، وتأتي بمعنى "مع" مثل: بعتك البيت بأثاثه أي مع أثاثه، وبمعنى "من" مثل: شرب بماء النيل أي من ماء النيل، وبمعنى "عن" مثل قوله تعالى: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1]، أي عن عذاب واقع، وتأتي أيضاً للظرفية نحو: ذهبت إلى فلان بالليل أي في الليل، وتكون للسببية نحو: باجتهاد محمد منح الجائزة أي بسبب اجتهاده، إلى غير ذلك من المصاحبة نحو: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98، النصر: 3].
أي سبح مصاحباً حمد ربك.
إن الذي يقول: امسحوا بعض رءوسكم ولو شعرة، فهذا أمر يصلح ويكفي وتسعفه الباء لغة، والمسح يقتضي الإلصاق، والآلة الماسحة هي اليد.
وهناك من يقول: نأخذ على قدر الأداة الماسحة وهي اليد أي مسح مقدار ربع الرأس.
إذن كل حكم من هذه الأحكام يصلح لتمام تنفيذ حكم مسح الرأس، ولو أن الله يريدها على لون واحد لأوضح ما أراد، فإن أراد كل الرأس لقال: "امسحوا رءوسكم" كما قال: {فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}، وإن كان يريد غاية محددة، لحدد كما حدد غسل اليدين إلى المرفقين.
ومادام سبحانه قد جاء بالباء، والباء في اللغة تحتمل معاني كثيرة؛ لذلك فمن ذهب إلى واحدة منها تكفي، لأن أي غاية محتملة بالباء أمر صحيح.
والأمر هنا أن يتفهم كل منفذ لحكم محتمل ألا يُخَطِّئَ الحكم الآخر.
بل عليه أن يقول: هذا هو مقدار فهمي لحكم الله.
والله ترك لنا أن نفهم بمدلول الباء كما أرادها في اللغة.
وقد خلقك الحق أيها الإنسان مقهورا لأشياء لا قدرة لك فيها؛ كحركة الجوارح، وكالأشياء التي تصيب الإنسان كالموت.
إن هناك أشياء أنت مخير فيها، ولذلك كان تكليف الحق لك مبنيا على هذا؛ ففي أشياء يقول لك: "افعل كذا" أو "لا تفعل كذا" وفي أشياء أخرى يترك لك حرية التصرف في أدائها.
وذلك حتى يتسق التكليف مع طبيعة التكوين الإنساني.
فلم يَصُب الله الإنسان في قالب حديدي.
ولنا في سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة؛ هذا الرسول الذي أوكل إليه الحق أيضاًح كل ما غمض من أمور الدين؛ فقال له الحق: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
وحينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين في غزوة الأحزاب التي قال عنها الحق: {هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب: 11].
هذه المعركة كانت قاسية، حرك الحق فيها الريح وتفرق فيها أعداء الإسلام، وصرف الحق الأحزاب ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وكان من المفروض أن يرتاح المؤمنون المقاتلون.
لكن قبل أن يخلعوا ملابس الحرب جاء جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أَوَ قد وضعت السلاح يا رسول الله؟
قال: نعم: فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم.
فـ (أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤذنا فأذن في الناس: "لا يصلين أحدٌ العصرَ إلا في بني قُريظة فأدرك بَعْضِهُّم العصرُ في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي العصرَ حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يُردْ منا ذلك فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يُعَنِّف أحدًا منهم”.
هي مسألة كبرى إذن.
والتزاما بأمر النبوة خرج الصحابة إلى مواقع بني قريظة.
وكادت الشمس تغرب وهم في الطريق؛ وانقسموا إلى قسمين؛ قسم قال: ستغيب الشمس ولم نصل العصر فلنصله قبل أن تغيب الشمس.
وقال القسم الثاني: لقد أمرنا النبي ألا نصلي العصر إلا في بني قريظة، ولن نصليه إلا هناك وإن غابت الشمس.
وصلى القسم الأول ولم يصل القسم الثاني.
وعندما ذهبوا إلى المشرع وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا له الأمر لم يعب على أي جانب منهم شيئا، وأقر هذا وأقر ذاك.
وتلك فطنة النبوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن كل حدث من الأحداث يتطلب زمانا ويتطلب مكانا، والذين صلوا نظروا إلى عنصرية الزمن، وخافوا أن تغيب الشمس قبل ذلك.
والذين لم يصلوا نظروا إلى عنصرية المكان فلم يصلوا العصر إلا في مواقع بني قريظة.
وأقر رسول الله الأمرين معاً.
إن هذا يدلنا على أن هناك أشياء يتركها الحق قصدا دون تحديد قاطع لأنه يحبها على أي لون، مثال ذلك أن فعل من يمسح ربع رأسه في الوضوء جائز، وفعل من يمسح رأسه كلها جائز، وجاء الحق بالباء الصالحة لأي وجه من وجوه مسح الرأس، وكذلك شأن الخلافات في الأمور الاجتهادية.
وإذا كانت القاعدة الشرعية تقول: "لا اجتهاد مع النص" فهذا لا يكون إلا مع النص الذي لا يحتمل الاجتهاد.
وليس كل التشريع هكذا؛ لأنه سبحانه أوضح ما لا يحتمل الاجتهاد، وأوضح ما يحتمل الاجتهاد؛ وحينما كلف الله عبده الإنسان بتكليفات، إنما كلفه بما يتناسب وتكوينه، وكما أن تكوين الإنسان فيه أشياء هو مقهور عليها.
فهناك الأحكام التي لا اختيار له فيها، وهناك أمور اختيارية، وما وصل إليه المجتهد هو حق وصواب يحتمل الخطأ، وما وصل إليه غيره خطأ يحتمل الحق والصواب.
وكل ما وصل إليه طرف من الاجتهاد حق لأن النبي صلى الله عليه وسلم صوّب من صلى العصر قبل أن يصل إلى أرض بني قريظة، وصوب كذلك من صلى العصر بعد أن وصل إلى مواقع بني قريظة.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتبر فعل كل فريق منهما صواباً.
ويقول الحق من بعد الأمر بمسح الرأس: "وأرجلكم”.
وكان سياق النص يقتضي كسر اللام في "أرجلكم" ولكن الحق جاء بالأرجل معطوفة على غسل الوجه واليدين.
وغير معطوفة على "برءوسكم" وهذا يعني أن الرجلين لا تدخلان في حيز المسح؛ إنما تدخلان في حيز الغسل.
ونبَّه الحق بالحركة الإعرابية على أنها ليست معطوفة على الجزء المصرح بمسحه، ولكنَّها معطوفة على الأعضاء المطلوب غسلها.
ولم يأت الحق بالممسوح في جانب والمغسول في جانب ليدل على أن الترتيب في هذه الأركان أمر تعبدي وإلا لجاء بالمغسول معاً والممسوح معاً، ويحدد الحق أيضاً غسل الرجلين إلى الكعبين: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ}.
والرجل تطلق على القدم، وتطلق على القدم والساق إلى أصل الفخذ.
ويريد سبحانه غسل الرجلين محدوداً إلى الكعبين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:09 am | |
| وحتى نعلم أن هذه مسائل تعبدية؛ عرفنا أن اليد تطلق على الكف، ومن أطراف الأصابع إلى الكتف يطلق عليه "يد" أيضاً، والمرفق في اليد هو الحد الوسط، و"الكعبين" هو الحد الأول في الساق؛ لأن الوسط بعد الساق هو الركبة.
إذن.
ترتيب المسألة في اليدين كف وساعد وعضد؛ والمرفق في وسط اليد، وفي الرجلين يقف الأمر عند الحد الأول وهو الكعبان.
هي -إذن- مسألة تعبدية وليست مسألة قياسية.
ويُبَيِّنُ الحق لنا أنه إذا أراد أمراً بدقة فهو يحدده بلا تدخل أو خلاف.
أما إذا جاء بأمر غير واضح فهو إِذْنٌ منه سبحانه أن نجتهد فيه لنشعر أن لنا بعض الاختيار في بعض ما تعبدنا الله به، وكله داخل في مرادات الله؛ لأن إيراد النص -شاملاً- لكل المفهومات هو إِذْنٌ بهذا المفهوم وإِذْنٌ بذلك المفهوم.
{فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ}.
إنّ الوضوء شرع لغير الجنب.
أي أنه لمن يُحْدِثُ حدثا أصغر.
وهناك فرق بين إخراج ما ينقض الوضوء وهو ما يؤذي، وبين إخراج ما يُمتع، فإنزال المني أو حدوث الجماع يقتضي الطهارة بالاغتسال.
ونعلم أن الإنسان حين يستمتع بطعام؛ أو يستمتع برائحة، أو بأي شيء هو محدود بوسيلة الاستمتاع به، أما الاستمتاع بالجماع فلا يعرف أحد بأي عضو أدرك لذته.
وهي مسألة معقدة إلى الآن.
ولا يعرف أحد كيف تحدث، مما يدل على أن جميع ذرات التكوين الإنساني مشتركة فيها.
ومادام الأمر كذلك فالطهور يقتضي أن يغسل الإنسان كل جسمه: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}.
وقد يقول قائل: أليست "لامستم النساء" كالجنابة؟
ونقول: إن الذي يجيء هنا هو حكم ثان يوضح لنا ما ينوب عن المياه، لأن الحق يرتب لِعبادة لا تسقط عن المكلف أبداً؛ لذلك لن يكلفه بشيء قد لا يجده، فقد لا يجد الإنسان المياه، وعليه إذن بالتيمم؛ لأن الصلاة عبادة لا تسقط أبدا عن المكلف حتى في حالة مرضه الذي لا يستطيع أن يحرك معه أي عضو من جسمه، هنا يسمح سبحانه للمريض أن يصلي جالساً، أو مستلقياً أو يصلي بالإيماء برأسه، أو يصلِّي بأهداب عينيه، وحتى مريض الشلل عليه إجراء خواطر الصلاة وأركانها على قلبه؛ لأن فرض الصلاة عبادة لا تسقط أبدا عن الإنسان مادام فيه عقل.
إننا نعرف أن الصلاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي يتطلب الاستدامة، فيكفي المرء أن يقول الشهادة مرة واحدة في العمر، ويسقط الصوم عن الإنسان إن كان مريضا، ويطعم غيره، أو يؤديه في أوقات أخرى إن كان مريضا مرضا مؤقتا أو على سفر.
وقد لا يؤدي الإنسان الزكاة لأنه فقير، وكذلك الحج لا يجب على من لم يملك الاستطاعة من مال أو عافية، ولا تبقى من أركان الإسلام غير الصلاة فإنها لا تسقط أبداً.
إن عظمة الصلاة توضحها كيفية تشريعها؛ لأن تشريعات أركان الإسلام كانت بالوحي، أما تشريع الصلاة فقد جاء وحده بالمباشرة ولم يقل الله لجبريل: "قل للنبي التكليف بالصلاة”.
بل استدعى اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إليه وكلّفه بالصلاة.
وقلنا من قبل -ولله المثل الأعلى- حين يريد الإنسان أن يقدم أمراً لمرءوسيه، فالموضوع قد يأخذ دوره في الأوراق اليومية التي تنزل منه إليهم.
أما إذا كان الموضوع مُهمَّا فهو يتصل بالقائد التنفيذي للمرءوسين ويوضح مدى أهمية الموضوع، أما إذا كان الموضوع غاية في الأهمية فالرئيس يستدعي القائد التنفيذي للمرءوسين ويبلغه أهمية الموضوع.
إذن فكيفية إنزال التكليف تكون على قدر أهمية الموضوعات فما بالنا -إذن- بركن استدعى الله فيه محمداً إلى السماء ليكلفه به؟
وقد رأينا أن بعض التكليفات تجيء إلى رسول الله بالإلهام أن يفعله، وبعضها جاء بالوحي من جبريل أن يفعله، أما الصلاة فقد فرضها الله عندما استدعى محمداً إلى السماء إلى الرفيق الأعلى وفرض الله عليه الصلاة بالمباشرة، وعلى أمة محمد أن تؤدي هذا الفرض خمس مرات في اليوم، ولا تسقط أبداً.
ولذلك جعلها الحق فارقة بين المسلم والكافر، إن المسلم ساعة أذان الصلاة يقوم إلى الصلاة، وهي استدعاء من الخالق لمَنْ خلقه ليحضر في حضرته كل يوم خمس مرات.
وأنت حر بعد ذلك ألا تبرح لقاء ربك؛ ولا يمل الله حتى يمل العبد.
وإيَّاكم أن تجعلوا للزمان مع الله تخطيطاً؛ فتقولوا: هذا للعمل والضرب في الأرض، وذلك لذكر الله؛ فمع ضربكم في الأرض لتبتغوا من فضل الله، إياكم أن تنسوا الله؛ لأن ذكر الله أمر دائم في كل حركة يقصدها الإنسان لعمارة هذا الوجود، وقد أراد الحق منا بوجودنا أن نعبده وحده لا شريك له: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61].
إذن فكل ما يؤدي إلى عمارة الكون والارتقاء به هو أمر عبادي، والحق سبحانه وتعالى يربط "العبادة" الاصطلاحية في الفقه بحركة الحياة كلها.
ونجد مثالا لذلك حيما تكلمنا في سورة البقرة عن الأسرة كما جاء في قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ * وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 236-237].
ذلك أمر الدنيا ومصالح الأسرة، وهو كلام في شئون تنظيم الأسرة، ثم ينقلنا من بعد الكلام في تنظيم الأسرة إلى أمر نقول عنه إنه العبادة وهو قوله الحق: {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238-239].
ثم يعود بعد ذلك إلى شئون تنظيم الأسرة فيقول سبحانه: {وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240].
إذن فقد أخرجنا من كلام في نظام الأسرة إلى الصلاة، ثم عاد بنا مرة أخرى إلى نظام الأسرة حتى تتداخل كل الأمور لتكون عبادة متماسكة متحدة فلا تقول: "هذه عبادة وتلك ليست عبادة"، وأيضاً؛ لأن الكلام في الصلاة وسط كلامه عن أمور الأسرة ينبهنا: إذا ذهبت إلى الصلاة فربما هدَّأت الصلاة من شِرة غضبك وحماسك ونزلت عليك سكينة تعينك ألا تنسى الفضل بينك وبين زوجك.
في هذه السورة -سورة المائدة- صنع الحق معنا مثلما صنع في سورة البقرة؛ فبعد أن تكلّم في أشياء وقصَّ علينا أمر النعمة، ها هوذا يدخل بنا إلى رحاب المُنعم، إلا إنه سبحانه لم يُدخلنا على المُنعم إلا بتهيئة طهورية.
طهارة أبعاض؛ كالوضوء بأن نغسل الوجه ونغسل اليدين إلى المرفقين ونمسح على الرأس ونغسل الرجلين إلى الكعبين. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:13 am | |
| وأحكم في أشياء وترك للاجتهاد مدخلاً في أشياء، أحكمها في ثلاثة؛ غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، وغسل الرجلين إلى الكعبين، لكنه حينما تكلّم عن الرءوس لم يقل: "امسحوا رءوسكم" ولا: "امسحوا ربع رءوسكم"، ولا "امسحوا بعض رءوسكم" مما يدل على أن للمجتهد أن يفهم في "الباء" ما تُتيحهُ اللغة من "الباء”.
إذن أعطانا الحق أشياء محكمة وأشياء للاجتهاد.
وبعد طهارة الأبعاض يذكرنا بطهارة البدن من الجنابة.
ونلتفت إلى الكلام الذي تقدم حيث أورد الحق فيه ما أحل لنا من بهيمة الأنعام من طعام وشراب، ثم تكلم في النكاح حتى أنه وسع لنا دائرة الاستمتاع ودائرة الإنسال بأن أباح لنا أن نتزوج الكتابيات، وفي هذا توسيع لرقعة الزواج فلم يقصر الزواج على المسلمات.
ولما كان الطعام الذي أحله الله ينشأ عنه ما يخرج منا من بول وغائط، والنكاح الذي أحله الله يغير كيماوية الجسد؛ لذلك جعل الله الوضوء لشيء، والجنابة لها شيء آخر؛ فعن الطعام ينشأ الأخبثان، وعن الجماع أو خروج المني ينشأ الحدث الأكبر؛ فكان ولا بد بعد أن يتكلم عن طهارة الأبعاض في الحدث الأصغر أن يتكلم عن التطهير الكلي في الحدث الأكبر؛ فقال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ}.
الله سبحانه وتعالى يريد لنا أن نستديم اتصالاتنا به ولم يشأ أن يجعل الوسيلة للصلاة بأمر الماء فقط؛ لأننا قد نفقد الماء وقد يوجد الماء ولا نقدر على استعماله؛ فلم يشأ الحق أن يقطع الصلة بأن يجعل الوسيلة الوحيدة للتطهر هي الماء، فأوجد وسيلة أخرى.
فإن فقدت الماء أيها الإنسان فلا بد ان تدخل إلى لقاء الله بنية تطهير آخر وهو التيمم.
هذا أمر لا يفقده من عاش على الأرض.
إذن فعندنا تَطَهُّر بالماء وعندنا تَطَهُّر بالتراب.
لذلك يقول سبحانه: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً}.
فإن كان الإنسان مريضاً لا يقدر على استعمال الماء، أو كان على سفر ولا يجد الماء؛ أو جاء أحد من الغائط، أي من قضاء الحاجة في مكان غويط وهو الوطئ المنخفض من الأرض، وكانت العرب قديماً تفعل ذلك حتى لا يراهم أحد ويكونوا في ستر، رجالاً أو نساءً، وحتى بعد ملامسة النساء.
إن لم يجد الإنسان بعدها ماء فالتيمم هو البديل، وإياكم أن تقولوا إن الماء هو الوسيلة الوحيدة للتطهر، فقد جعل للماء أيضاً خليفة وهو التراب.
والتراب أوسع دائرة من الماء.
فكأنه سبحانه وتعالى يريد أن يديم علينا نعمة اللقاء به.
ولكي يديم علينا نعمة اللقاء به جعل للماء -الذي يكون محصوراً- خليفة وهو التراب وهو غير محصور.
ولا نريد أن ندخل في متاهات الخلاف عن الطهارة من ملامسة النساء، بين اللمس والملامسة؛ فاللمس لا يقتضي المفاعلة، أما الملامسة فتقتضي المفاعلة.
واقتضاء المفاعلة ينقل المسألة من مجرد اللمس إلى معنى آخر هو الجماع.
وفي حالة الجنابة وعدم وجود الماء فالتيمم هو البديل{فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً}، و"الصعيد" هو ما صعد على وجه الأرض من جنس الأرض بحيث لا تدخله صناعة الإنسان كالتراب والحجر، لكن الطوب الأحمر (الآجُرّ) الذي نصنعه نحن فليس من الصعيد الصالح للتيمم؛ لأن صنعة الإنسان قد دخلته.
والأركان المفروضة في طهارة الأبعاض أربعة، أما طهارة الجسم فهي طهارة واحدة تشمل كل الجسم.
وفي حالة التيمم جعل الحق الطهارة استعداداً للصلاة عوضاً عن الوضوء بمسح الوجه واليدين، وكذلك في الطهارة من الجنابة.
ونلحظ أنه سبحانه جاء بالمسح في الوضوء على بعض من الرأس كإيناس متقدم، وذلك حتى يكون لنا إلف بالمسح حينما نتيمم.
{فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.
وجعل الحق الطهارة بالماء أو التراب إزالة للحرج؛ فالإنسان الذي لن يجد ماء سيقع في الحرج بالتأكيد؛ لأنه يريد أن يصلي ولا يجد وسيلة للطهارة.
وإذا كان عنده القليل من الماء ليشرب فهل يتوضأ أو يستديم الحياة ويُبقي على نفسه بشرب الماء؟
ولا يريد الله أن يُعْنت خلقه ولا أن يوقعهم في الحرج، بل خفف عليهم وجعل عنصر التراب يكفي كبديل للماء.
{وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}.
وإياك أن تفهم أن الطهارة هي للتنظيف؛ لأن معنى الطهارة لو اقتصر على التنظيف لكانت الطهارة بالماء فقط، فلماذا إذن نمسح وجوهنا بالتراب؟
إن هذا يوضح أن الطهارة غير النظافة، فلو قال قائل: سأنظف نفسي بـ "الكولونيا”.
نقول له: لا.
ليس هذا هو المطلوب.
والله لا يطلب نظافة بهذا المعنى، ولكن يطلب التطهير.
والتطهير يكون بشرط من تدخل عليه -وهو الله سبحانه- وقد وضع الحق لذلك أمرين: إما بالماء وإما بالتيمم بالتراب.
فالطهارة تجعل المرء صالحاً ليستقبل ربه على ضوء ما شرع به.
والذي يضع الشرط لذلك هو الله وليس أنت أيها العبد.
وسبحانه قد أوضح أو العبد يكون طاهراً بالماء أو بالتراب، وبهذه الطهارة يكون صالحاً لاستقبال الله له.
وأعاد الله الإنسان في قربه منه إلى أصل إيجاده وهو الماء والتراب.
{وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}..
والإنسان مغمور بنعم كثيرة.
فهب أن إنساناً غاب عنه أبوه لكن خير الأب يصله كل يوم من مال وطعام وشراب ووسائل ترفيه، وبذلك يأخذ الإنسان نعمة الغاية من وجود أب له.
ومع ذلك يشتاق هذا الإنسان المستمتع بنعمة والده الغائب إلى أن يكون مع والده، هذا هو تمام النعمة بين الأب والابن وكلاهما مخلوق لله، فما بالنا بتمام النعمة من الخالق لعباده؟
إن العبد الصالح يتمنى أن يرى مَن أنعم عليه؛ لذلك وضع الحق شرط الطهارة للقائه.
وعندما يحضر الإنسان لحضرة ربه بالصلاة ويُكبِّر: "الله أكبر" فهو منذ تلك اللحظة يوجد في حضرة الله.
وإذا كانت الفيوضات تتجلى على الإنسان من نعمة مخلوق مثله سواء أكان أخاً أم أباً أم قريباً وهي نعمة مادية يراها الإنسان سواء أكانت طعاماً أم شراباً أم لباساً.
فما بالنا بفيوضات المُنعم الخالق الذي أنعم على الإنسان، إنها فيوضات من غيب؛ فكرمه لك غيب كالاعتدال في المزاج والعافية ورضا النفس وسمو الفكر.
إذن فقوله الحق: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}، أي أنكم عشتم قبل ذلك مع نعمة المنعم، وسبحانه يدعوكم إلى لقاء المنعم، ذلك تمام النعمة.
وأضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى- إننا نجد الابن ينظر إلى هدايا الأب الغائب ويقول: أنا لا أريد هذه الأشياء ولكني أريد أبي.
إن تمام النعمة -في المستوى البشري- أن يرى الإنسانُ المنعِمَ عليه وهو إنسان مثله، أما تمام النعمة على المخلوق من الخالق فيستدعي أن يتطهر الإنسان بما حدده له الله وأن يصلي فيلقى الله.
{وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
ساعة نسمع: أنا فعلت ذلك وذلك لعلك تشكر، فهذا يعني أنك إن فعلت ما آمرك به فستجد أمراً عظيماً.
والأمر الطبيعي يقتضي أن تَشْكُر عليه كأن ما فعله الله للإنسان يوجب عند الإنسان نعمة أخرى لا يمكن أن يستقبلها إلا بالشكر، مثلما قال الله: {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
إنّ السمع والأبصار والأفئدة هي منافذ الإدراك.
ومادام الحق قد خلقنا ولا نعلم شيئاً، وجعل لنا أدوات الإدراك.
وأوضح: أنا خلقت لك هذه الأدوات للإدراك لعلك تشكر، أي تلمح آثارها في نفسك مما يربي عندك ملكة الإدراك للمدركات.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:19 am | |
| وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [٧] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وللإنسان أن يسأل: وما هو الذكر؟
الذكر هو حفظ الشيء أو استحضاره، فإذا كان حفظ الشيء فهو حفظ لذاته، لكن الاستحضار يكون لمعنى الشيء.
إذن فهناك فرق بين حفظ الشيء واستحضار الشيء، هذا هو معنى الذكر.
وقد يكون الذكر بمعنى القول؛ لأنك لا تقول الشيء إلا بعد أن تستحضره.
ولذلك نجد في تكوين الجهاز العصبي الأعلى ذاكرة، وحافظة، ومخيلة.
ومن عجيب أمر التكوين الخلقي أن تمر أحداث على الإنسان في زمن مضى ولا يذكرها الإنسان لمدة طويلة تصل إلى سنوات، ثم يأتي للإنسان ظرف من تداعي المعاني فيذكر الإنسان هذا الشيء الذي حدث منذ عشرين عاماً.
إذن فالشيء الذي أدركه الإنسان منذ عشرين سنة على سبيل المثال لم يذهب، ولو ذهب ما ذكره الإنسان، لكنه غاب فقط عن الذهن عشرين عاماً أو أكثر؛ فلما تداعت المعاني تذكره الإنسان.
ومعنى ذلك أن هذا الشيء كان محفوظاً عند الإنسان وإن توارى عنه مدة طويلة.
فالذاكرة -إذن- معناها أن يستدعي الإنسان المحفوظ ليصير في بؤرة شعوره.
مثال ذلك: حادث وقع بين إنسان وآخر منذ أكثر من عشرين عاماً.
ونسي الإنسان هذا الحادث.
فلما التقى بصديقه، وجلسا يتذاكران الماضي تذكر الصديق الحادث الذي حدث له منذ أكثر من عشرين عاماً.
إذن فالحادثة لم تذهب من الذاكرة، ولكنها محفوظة موجودة في حواشي الشعور البعيدة، وكلما بعد الإنسان في الزمن يبدو وكأنه نسي الحادثة، لكن عندما يأتي تداعي المعاني فالحادثة تأتي في بؤرة الشعور.
فإذا ما جاءت في بؤرة الشعور من حواشي الشعور حيث مخزن الحافظة، يتذكرها الإنسان.
وهذه هي قوة الخالق جل وعلا.
وقد يسجل أحدنا على شريط تسجيل بعضاً من الكلام.
ومن بعد ذلك يجب أن يسجل كلاماً آخر على الشريط نفسه فيمسح الكلام الذي سجله أولاً، ولكن ذاكرة الإنسان تختلف، فساعة تأتي المسائل في بؤرة شعوره فالإنسان يتذكرها.
وإذا ما جاءت مسألة أخرى بعدها فلا بد أن تتزحزح المسألة الأولى من بؤرة الشعور إلى حاشية الشعور؛ لأن بؤرة الشعور لا تستقبل إلا خاطراً واحداً، فإن شغلت بؤرة الشعور بخاطر آخر فهي تحفظ الخاطر الأول في حواشي الحافظة.
ولا يمسح خاطر خاطراً آخر.
فإن أراد الإنسان أن يستدعي الخاطر القديم، كان ذلك في مقدوره، وهذا هو الفارق بين تسجيل الخالق وتسجيل المخلوق.
وبعد ذلك نجد ان التذكر يكون للمعاني، فالذي يخزن في ذاكرة الإنسان ليس أَجْرَاماً، فلو كانت أجراماً لما وسعها المخ.
ولهذا فالمعاني لا تتزاحم فيه، بل تتراكم بحيث إذا ما جاء تداعي المعاني فالإنسان يتذكر ما يريد أن يذكره، وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المخ من صنع الخالق الأعلى.
ومادامت المعاني ليس لها حيز فالإنسان يقدر على حفظها في الذاكرة.
الإنسان قد يجلس ليتذكر أسماء الجبال في العالم فيقول: من جبال العالم قمة "إفريست"، وجبال "الهمالايا"، وجبل "أحد" وجبل "ثور”.
وساعة يتذكر هذه الأسماء فهو يتصور معانيها، فالموجود في ذهن الإنسان معاني هذا الكلمات وليس أجرام هذه الكائنات؛ لذلك فلا تزاحم أبداً في المعاني بل تظل موجودة ومختزنة في الذاكرة وحاشية الشعور.
وإياكم أن تفهموا أن إنساناً يملك من الذكاء ما يحفظ به الشيء من مرة واحدة: وآخرَ أقل ذكاء يحفظ بعد قراءة الشيء مرتين، وثالثاً يحفظ عن ثلاث مرات لا، لأن الإنسان يملك ذهناً كآلة التصوير يلتقط من مرة واحدة، لكن لو أخذ الإنسان صورة لمكان وجاء شيء يضبب عدسة الصورة فهو يعيد التصوير، وكذلك الذهن إن أراد الإنسان أن يأخذ لقطة لشيء ما لتستقر في بؤرة الشعور وفي بؤرة الشعور شيء آخر، فالشيء لا يستقر في الذهن، بل لا بد من قراءة مضمون اللقطة مرة ثانية ليؤكد الإنسان المعلومات لتنطبع في بؤرة الشعور.
ومثال ذلك الطالب الذي يدخل ساحة المدرسة التي يُعقد بها الامتحان.
وقبل أن يدق جرس الامتحان بخمس دقائق يأتي له واحد من زملائه ويقول له: هل ذاكرت الموضوع الفلاني.
فيقول الطالب: لا لم استذكره.
فيقول الصاحب: هذا الموضوع سيأتي منه سؤال في الامتحان.
فيخطف الطالب كتاباً ويقرأ فيه هذا الموضوع لمرة واحدة.
هذا الطالب في هذه اللحظة لا يتذكر ماذا سيأكل على الغداء هذا اليوم، أو من سيقابل.
بل يعرف أنه بصدد أمر فرصته ضيقة، ويركز كل ذهنه ليستقبل ما يقرأه.
وفي لحظة واحدة يحفظ هذا الموضوع.
وإذا جاء الامتحان ووجد السؤال فهو يجيب عليه بأدق التفاصيل.
وقد نجد طالباً آخر جلس لأيام يحاول استذكار هذا الدرس بلا طائل.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، شريطة ألا يستقبل الإنسان ما يقرأه أو يسمعه من معلومات والذهن مشغول بأشياء أخرى. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:19 am | |
| والدليل على ذلك: أن الإنسان قد يسمع القصيدة مرة واحدة أو يسمع الخطبة مرة واحدة فيحفظ من القصيدة أكثر من بيت، أو يحفظ من الخطبة أكثر من مقطع؛ لأن ذهن الإنسان في تلك اللحظة كان خالياً فالتقط الأبيات التي حفظها، وكذلك الخطبة، أما بقية أجزاء القصيدة أو الخطبة فقد يكون الذهن شرد إلى أشياء أخرى.
ولذلك يحاول الإنسان أن يُكرر الاستماع والإصغاء والقراءة أكثر من مرة ليُهيئ ويُعد بؤرة الشعور، فيحفظ الإنسان ما يريد.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، أما الذاكرة فهي تتذكر أي تستحضر المعاني التي قد تختفي في الحافظة، ولا شيء يضيع في الحافظة أبدا، بحيث إذا جاء الاستدعاء طفت المعاني على السطح.
كأن انطباعات الإنسان في نعم الله لا تُنسى أبدا.
وهي موجودة عند الإنسان، ولكنها تريد من الإنسان أن يستدعيها من الحافظة ويطلبها.
ولنر دقة الأداء القرآني: {وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ}.
سبحانه يقول هنا "نعمة" مع ان نعم الله كثيرة، ولكن الله قد آثر أن يأتي بالمفرد ولم يأت بالجمع.
وذلك ليبين للإنسان أن أية نعمة في أية زاوية من حياة الإنسان تستحق أن يذكرها الإنسان؛ فنعم الله كثيرة، ولكن ليتذكر الإنسان ولو نعمة واحدة هي نعمة الإيجاد من عدم، أو نعمة البصر، أو السمع.
وكل نعمة من هذه النعم تستحق من الإنسان أن يتذكرها دائما، ولا تطرد نعمة نعمة أخرى، فما بالنا إذا كانت النعم كثيرة؟
ولو تمعَّن الإنسان في كل نعمة لاحتاجت إلى أن يتذكرها دائما، أو أن النعمة اسم للجنس كله؛ لأن المفرد يطلق على كل الجنس، مثل الإنسان فإنها تطلق على كل فرد من أفراده مثل محمد وعلي وخالد.
وكلمة "النعمة" قد تُنسب إلى سببها كنعمة سببها مروءة واحد من البشر، وهي محدودة بمقدار الأثر الذي أحدثته.
لكن نحن هنا أمام نعمة المسبب وهو الله، ولا بد أن تناسب نعمة الله جلال وجمال عظمته وعطائه.
{وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ}.
و"واثق" تقتضي امرين: فالإنسان طرف الاحتياج والفقر والأخذ، والرب صاحب الفضل والعطاء والغنى، إنه هو الربوبية وأنت العبودية، وهو الحق القائل: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40].
إذن فـ "واثقكم" تعني التأكيد من طرفين؛ لأن "واثق" على وزن "فاعَلَ"، ولا بد في "فاعَلَ" أن تكون من اثنين.
ومثال ذلك "شارك" تقولها لاثنين أو أكثر؛ فنقول: "شارك زيد عمراً"؛ وكذلك "قاتل زيد عمراً”.
وحين يقول الحق: إنه "واثق عباده" أي أنه شاركهم في هذا الميثاق وقبله منهم.
لكن أي ميثاق هذا؟
ونحن نعرف الميثاق الأول الذي هو ميثاق الذر: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
وهو ميثاق الفطرة قبل أن توجد النفس وشهواتها.
وبعد ذلك هناك ميثاق العقل الذي نظر به الإنسان إلى الوجود واستطاع أن يخرج من تلك الرؤية بأن الوجود محكم ومنظم وواسع، ولا بد لهذا الوجود من واجد وهو الله.
وبعد ذلك ميثاق الإيمان بالله، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما عرض منهج الإسلام آمن به بعض الناس، أي أخذ منهم عهداً على أن ينفذوا مطلوبات الله، ألم يأخذ الرسول عهداً في العقبة حين قالوا له: خذ لنفسك ولربّك ما أحببت.
فتكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام ثم قال: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم".
فأخذ البراء بن معرور -رضي الله عنه- بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أُزُرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن أبناء الحرب وأهل الحلقة (السلاح) ورثناها كابرا عن كابر.
وحدث هذا -أيضاً- عند بيعة الرضوان تحت الشجرة.
إذن فمعنى "واثقكم به" إما أن يكون العهد العام الإيماني في عالم الذر، وإما أن يكون العهد الإيماني الذي جاء بواسطة الرسل.
{وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}.
وحين يؤمن الإنسان يقول: سمعت وأطعت، وهكذا تنتهي مسألة التعاقد.
ويتبع الحق ذلك بقوله: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}.
واتقوا أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال من الله وقاية، فالمطلوب منا أن نلتحم بمنهج الله إلتحاما كاملا، وعلينا كذلك أن نجعل بيننا وبين صفات غضب الله وقاية.
وعرفنا أن قوله الحق: "اتقوا الله" متساوٍ مع قوله: "اتقوا النار"، وقد يقول قائل: وهل للنار أوامر ونواه؟
ونقول: أحسن الفهم عن ربك واجعل بينك وبين غضب الله وقاية، فالنار جند من جنود الله.
وسبحانه يوضح: اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية؛ لأن الحق له صفات جلال هي الجبروت والانتقام والقهر، وللحق صفات جمال فهو الغفور الرحيم المغني، الحكيم إلى غير ذلك من صفات الجمال، إذن فلنجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية تقينا من جنود صفات الجلال ومنها النار.
وقلنا من قبل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أبلغنا أنه في الليلة الأخيرة من رمضان يتجلى الجبار بالمغفرة.
والنظرة السطحية تتساءل: ولماذا لم يقل: يتجلى الغفار بالمغفرة؟
ذلك أن (الجبار) صفة من صفات الجلال التي تقتضي معاقبة المذنب، والذنب متعلق بصفات الجلال لا بصفات الجمال، إذن فالمنطق يقتضي أن يقف المذنب أمام شديد الانتقام؛ لأن المقام يناسب صفات الجلال، ولكن علينا أن نتذكر جيدا أن الله يرخي العِنان للمذنب لعله يتوب، وأن الله يفرح بتوبة عبده وأن رحمته تَغْلب غضبه.
ويذيل الحق الآية: {إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}.
والتقوى -كما نعلم- لا تنشأ من الأفعال المُحَسَّة المُدرَكَة فقط، بل تنشأ أيضاً في الأحوال الدَّخيلة المُضمرة.
ومثال ذلك نية سيئة ونية حسنة.
فالحقد، الحسد، التبييت، المكر، كل ذلك صفات سيئة؛ فإياكم أن تقولوا إن التقوى للمدركات فقط؛ بل للمحسات أيضاً.
وعمل القلوب له دخل في تقوى الله.
ومن بعد ذلك يقول الحق: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:23 am | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [٨] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
إنّ الحق -كما علّمنا- حين ينادي المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ}.
إنه سبحانه لم يقتحم على الناس تصرفاتهم الاختيارية لمنهجه، بل يلزم ويأمر من آمن به ويوجب عليه؛ فيوضح: يا من آمنت بي إلها حكيما قادرا خذ منهجي.
ولكن الحق يقول: {يا أيها الناس}.
حين يريد أن يلفت كل الخلق إلى الاعتقاد بوجوده، أما من يؤمن به فهو يدخل في دائرة قوله الحق: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ}.
وهذا النداء يقتضي بأن يسمع المؤمن التكليف ممن آمن بوجوده.
ونعلم أننا جميعا عبيد الله، لكن لسنا جميعا عباد الله.
وهناك فرق بين "عبيد" و"عباد”.
فالعبيد هم المرغمون على القهر في أي لون من ألوان حياتهم، ولا يستطيعون أن يدخلوا اختيارهم فيه.
قد نجد متمرداً يقول: "أنا لا أؤمن بإله" ولكن هل يستطيع أن يتمرد على ما يقضيه الله فيما يجريه الله عليه قهرا؟
فإذا مرض وادعى أنه غير مريض فما الذي يحدث له؟
أيجرؤ واحد من هؤلاء المتمردين على ألا يموت؟!!
لا أحد يقدر على ذلك.
إذن فكل عبد مقهور لله، وكلنا عبيد الله يستدعينا وقتما يريد ويجري علينا ما يريد بما فوق الاختيارات.
أما "العباد" فهم الذين يأتون إلى ما فيه اختيار لهم ويقولون لله: لقد نزعنا من أنفسنا صفة الاختيار هذه ورضينا بما تقوله لنا "افعل كذا" و"لا تفعل كذا”.
إذن فالعبيد مقهورون بما يجريه عليهم الحق بما يريد، والعباد هم الذين يرضون ويكون اختيارهم وفق ما يحبه الله ويرضاه؛ إنهم أسلموا الوجه لله.
فهم مقهورون بالاختيار، أمّا العبيد فمقهورون بالإجبار.
{يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ}.
و"قوام" صفة مبالغة والأصل فيها قائم، فإن أكثر القيام نطلق عليه كلمة "قوام”.
ومثال ذلك رجل لا يحترف النجارة وجاء بقطعة من الخشب وأراد أن يسد بها ثقبا في باب بيته؛ هذا الرجل يقال له: "ناجر" ولا يقال له: "نجار"، ذلك أن تخصصه في الحياة ليس في النجارة.
وكذلك الهاوي الذي يخرج بالسنارة إلى البحر؛ واصطاد سمكتين؛ يقال له: "صائد" لكنه ليس صياداً؛ لأن الصيد ليس حرفته.
إن الحق يطلب من كل مؤمن ألا يكون قائماً لله فقط، ولكن يطلب من كل مؤمن أن يكون قواما؛ أي مبالغ في القيام بأمر الله.
والقيام يقابله القعود.
وبعد القعود الاضطجاع وهو وضع الجنب على الأرض ثم الاستلقاء، وبعد ذلك ينام الإنسان.
ونحن أمام أكثر من مرحلة: قائم وقاعد ومستلق، ونائم.
والنائم ليس عليه تكليف.
والمستلقي هو المستريح على ظهره والحق يقول: {فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].
أي اجعلوا الله دائما على بالكم؛ فالإنسان يملك في حالته الطبيعية نشاطا يمكنه أن يقوم ويقعد؛ فإن قيل: "قام فلان بأمر القوم" أي أنه بذل كل جهد لإدارة أمور الناس، والقيام في حركات الناس أصعب شيء.
وسبحانه لا يريد منا أن نكون قائمين فقط؛ بل يريد أن نكون قوامين.
ومادمنا قوامين فلن تخلو لحظة من قيامنا أن نكون لله؛ لله توجها.
لا نفعاً؛ لأن أية حركة من أي عبد لا تفيد الله في شيء؛ فالله خلق خلقه بمجموع صفات الكمال فيه، ولم ينشئ خلقه له صفة جمال أو كمال جديدة.
وعندما يؤدي الإنسان أي عمل لله فهو يؤديه طاعة وتقربا لله.
وإذا أراد الله من المؤمنين أن يكونوا قوامين لله، عندئذ تكون كل حركات المجتمع الإيماني حركات ربانية متساندة متصاعدة.
وإذا كانت حركات المجموع الإيماني متساندة فسوف تكون النتيجة لهذه الحركة سعادة البشرية؛ فالإنسان إذا ما كان قواما فهو قوام لنفسه وللآخرين.
والمراد أن نكون مداومين على قيامنا في كل أمر لله.
ولا تعتقد أيها المؤمن أنك تعامل خلق الله، إنما تعامل الله الذي شرع لك ليضمن لك ويضمن منك، فأنت إن طولبت بالأمانة، فقد طولب كل الناس بالأمانة فيما هو خاص بك لا بغيرك، وحين ينهاك الله عن الخيانة فقد أمر الحق الناس جميعاً بالانتهاء عن الخيانة لك.
إذن إن نظرت إلى تكليفات الله لوجدتها لصالحك أنت فلا يظنن ظان أن الدين إنما جاء ليقف أمام نفسه هو، فالدين وقف أمام النفس لدى الناس جميعاً، فحين يأمرك: ألاّ تمد يدك إلى مال غيرك فأنت واحد من الناس، وفي هذا القول أمر موجه لكل الناس: لا تمدوا أيديكم إلى مال فلان لتسرقوه.
فانظر إلى أن الحق حين شرع عليك شرع لك.
ولذلك يجب أن يكون كل قيامك لله سبحانه.
ولذلك يظهر الحق سبحانه وتعالى في بعض خلقه أشياء وأحداثاً تُفهم الناس أن الذي يعمل لخلق الله مسلوب النعيم، والذي يعمل لله يكون موصول النعيم؛ فنجد الواحد من الناس يقول: "لقد فعلت لفلان كذا وكذا وكذا وأنكرني”.
نقول له: أنت تستحق لأنك صنعت له، ولكنك لو صنعت لله لكفاك الله كل أمر.
ولذلك يقول الحق عن هؤلاء الذين صنعوا لله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} [آل عمران: 30].
إذن فالمؤمن يجب أن يوضح حركة قيامه وينميها، بمعنى أن يجعل كل حركته لله؛ فإن كانت كل حركته لله، فالله سبحانه لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملاً.
والخاسرون هم الذين يعملون للناس؛ لأن الناس لا يملكون لهم نفعاً وربما تخلوا عنهم وربما أضمرت وحملت قلوبهم الضغن والحقد لمن أحسن إليهم، وربما تحولوا إلى أعداء لهم، فالمصنوع له الجميل قد يعطيه الله بعضاً من الجاه، وحين يلقى صانع الجميل بعد ذلك قد تتخاذل نفسه وتذل، ونرى في بعض الأحيان واحداً يجلس بين الناس وقد أخذته العزة، ثم يدخل عليه إنسان كان له فضل عليه، وساعة يراه يكره وجوده في مجلسه، ويتمنى ألا يحدث هذا اللقاء؛ وإذا ما لقيه بعد ذلك في طريق فهو يشيح بوجهه؛ لأن الذي صنع الجميل يسبب حرجاً له، ويجعل نفسه تتضعضع، وهو يريد أن يستكبر على الناس.
إذن فالله يوضح: اعملوا لله؛ لإنه لا يضيع عنده شيء.
واعلموا أن الله رقيب عليكم ولن يضيع عملٌ عنده.
وعندما سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أتستطيع أنت أيها الإنسان أن تصنع في إنسان آخر ما يسوؤه أمامه؟
أنت تسيء إلى الآخر من وراء ظهره.
فلماذا إذن يُسيء الواحد منكم إلى الله بالعصيان، وهو الناظر إليكم جميعاً؟
إذن حين يريد الحق سبحانه وتعالى أن تحسن معاملة نفسك وغيرك فعليك أن تحتسب كل عمل لك عند الله.
فقد سخر لنا الحق كل الوجود وأعطانا كل مقومات الحياة، ويوضح لكل واحد منا: يا عبدي اجعل كل قيامك لله؛ ولا تكن قائماً فقط ولكن كن قوّاماً.
بمعنى أنه مادامت فيك بقية من العافية للعمل فاعمل، ولا تعمل على قدر حاجتك فقط، ولكن اعمل على قدر طاقتك؛ لأنك لو عملت على قدر حاجتك فإن الذي لا يقدر على العمل لن يجد ما يعيش به.
إذن فاعمل على قدر طاقتك لتتسع حركتك للناس جميعاً.
ويكون الفائض من عملك لغيرك.
وحين يقول سبحانه: {كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ}.يعلمنا ألا نضيع مجهودنا هباء، بل نوجه المجهود للعمل ونقوم به لوجه الله، لأنه سبحانه لا ينسى أبداً جزاء عبده، وهو الذي يرد كل جميل.
إنه -سبحانه- يقول: {هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].
ويقول أيضاً: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120].
وحين يكون الواحد منا قوّاماً لله يكون قد استغل حركة وجوده لخير خلق الله، وهذا العمل مطلوب منك.
ولا يكفي أن تكون حركتك محصورة في ذلك، بل يجب أن تمتد أيضاً حركة حياتك لتكون شاهداً بالعدل.
وكذلك توجه للعدل من تحدثه نفسه أن ينحرف.
وحين تكون قوّاماً لله فهذا أمر حسن، وعليك أن تحاول إقناع غيرك بأن يكون قيامه لله بأن تكون شاهداً بالقسط والعدل.
وحين تكون شاهداً بالقسط والعدل لا يتمادى ظالم في ظلمه.
فالذي يجعل الظالم يشتد ويستشري ظلمه ويتفاقم شره هو أنه يجد من يدلسون على العدالة ويسترون ويخفون العيوب ويخادعون الناس.
لكن لو وُجِد الإنسان الذي ينير الطريق أمام العدالة لما وجد ظلم.
لكن الظالم يحب من يدلس عليه؛ فيقول لنفسه: إن فلاناً ارتكب جريمة مثل جريمتي ونال البراءة.
وتدليس الشهادة يقود إلى خراب المجتمعات.
ولو أن المجتمع حينما يرى أن شهادة أفراده هي شهادة بالقسط وشهادة بالعدل، فإن كل فرد في المجتمع إذا هَمَّ بظلم يرتدع قبل أن يفعل الظلم، ولكان الظالم ينال عقابه ويصير مثالاً لارتداع غيره.
والمؤمن مطالب بالقيام لله بإصلاح ذاته، ومطالب ثانياً أن يشهد بالقسط والعدل لإصلاح غيره.
وكلمة "القسط" تأتي منها اشتقاقات كثيرة، وهي من الألفاظ التي قد تدل على العدل وقد تدل على الجور، وهي من الألفاظ التي تستعمل في الأمر وفي نقيضه.
وهذا من محاسن اللغة.
ويتطلب ذلك أن يمحص السامع الكلمة ويتعرف على معناها بما يتطلبه السياق.
"وقَسَطَ" معناها: "عدل”.
والفعل المضارع لها هو يقسط.
والمصدر "قِسطا"، ومرة يكون المصدر "قُسوطا”.
والمصدر هو الذي قد يحول المعنى من العدل إلى الجور.
فالقِسط بمعنى العدل.
وقَسَطَ يَقْسِطُ قُسُوطاً.
أي جار وظلم.
هنا نجد الفعل يأتي بالمعنى وضده؛ حتى يمتلك السامع اليقظة والفطنة التي تجعله يعرف التمييز بين معنى العدل ومعنى الجور. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:24 am | |
| وحين نقول "أقسط" فإنها بمعنى عدل، وهنا ننتبه إلى ما يلي: أن هناك فرقاً بين عَدْلٍ يأتي من أول الأمر وذلك هو القِسط، وهناك حكم ظالم يحتاج إلى حكمٍ آخر يزيل الظلم.
وذلك الذي نستعمل له "أقسط" أي أزال الظلم.
فكأن جوراً كان موجوداً وأزاله الحكم.
فالقِسط -إذن- هو العدل الابتدائي.
ولذلك نسمع قول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن: 15].
والقاسطون هنا هم الظالمون، فالقسط هنا من قسط يقسط قُسوطاً.
وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق: {شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ}.
أي شهداء بالعدل.
واللباقة في السامع هي التي توجه اللفظ إلى معناه المراد من خلال السياق، فالسامع للقرآن يُفْترض فيه الأريحية اللغوية بحيث يستطيع أن يفرق بين الشيء والمشابه له من شيء آخر.
إذن فهناك قسط وأقسط، قسط بمعنى عدل، وأقسط بمعنى أقام القسط بإزالة الجور.
والقسوط معناه الجور.
والحق يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ}.
و"المقسطين" هي جمع "مُقسط"؛ من: أقسط أي أزال الظلم والجور، إذن فالذي يرجح المعنى هنا سياق الكلمة ومصدرها.
وقد يراد بالكلمة المعنى المصدري.
والمعنى المصدري لا يختلف باختلاف منطوقه، فيقال: "رجل عدل" ويقال: "امرأة عدل”.
ويقال: "رجلان عدل"، ويقال: "امرأتان عدل"، و"رجال عدل"، و"نساء عدل”.
إذن فإن أردنا بالكلمة المصدر فهي لا تتغير في المفرد والمثنى وجمع المذكر وجمع المؤنث.
والقرآن الكريم يقول: {وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ} [الأنبياء: 47].
وهنا قول آخر: {وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 182].
وفي الريف المصري نجد أن التاجر يصنع لنفسه الموازين من الأحجار، فيعاير قطعة من الحجر بوزن الكيلو جرام، ويعاير قطعاً أخرى لأجزاء الكيلو جرام؛ ومن كثرة الاستعمال وملامسة الحجر يعرف التاجر أن الحجر يتآكل، لذلك يعيد وزن الأحجار التي يستعملها في الميزان كل فترة متقاربة من الزمن.
ويقال: إنه يعاير الأوزان.
وسمي القسطاس؛ فالقسطاس هو الذي تعاير به الموازين، فإذا صنع الإنسان شيئاً للميزان مما يتآكل أو يتأثر باللمس فيجب عليه أن يعايره كل فترة حتى لا يظلم أحداً ولو بمقدار اللمسة الواحدة.
ولذلك يقول الحق: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ}، "أقسط" هنا معناها "أعدل”.
فموازين الله غير موازين البشر، فموازين البشر قد يحدث فيها اختلاف.
ونرى بعض التجار ينقضون الميزان بأن يضعوا شيئاً تحت كفة الميزان أو غير ذلك من الخدع، لكن الحق هو العادل الحق.
وهو صاحب الميزان الأعدل وهو القائل: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ}.
جاءت هذه الآية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدر حكماً؛ وهو حكم صحيح وعادل بقواعد البشر، فأوضح الحق له الحكم الأقسط، صحيح أن عدلك يا رسول الله لا يدخله هوى ولا يميل به غرض أو شهوة.
ولكن العدل عند الله أكثر دقة وله مطلق الدقة.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم بمنطق القسط البشري في أمر زيد بن حارثة وكان مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عبداً لخديجة -رضي الله عنها- وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد فترة علم أهل زيد بخبر اختطافه وبيعه كعبد وكيف آل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أهل زيد إلى رسول الله وطالبوا بابنهم.
ورفض زيد أن يعود معهم وأراد أن يبقى مع رسول الله، وأراد رسول الله أن يكرم زيداً الذي فضله على أبيه وأهله مصداقاً لقول الله: {ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6].
لذلك كان لا بد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقدر زيد بن حارثة؛ فأعتقه ودعاه "زيد بن محمد" تكريماً له، على عادة العرب في تلك الأيام.
لكن الله يريد أن يلغي مسألة التبنّي: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ} [الأحزاب: 4].
وأجرى الله الأحداث ليصحح مسألة التبني لكل العرب، وكان بداية تطبيق ذلك على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينزل القول الحق: {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ} [الأحزاب: 5].
لم ينف الله القسط عن محمد، ولكن الأقسط يأتي من عند الله.
ويطيب الله خاطر زيد بعد أن عاد إليه اسمه الفعلي منسوباً لأبيه لا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكافئ الله زيداً بأن يجعل اسمه هو الاسم الوحيد في الإسلام الذي يذكر في القرآن ويتعبد المؤمنون بتلاوته إلى أن تقوم الساعة: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً} [الأحزاب: 37].
لقد صار اسمه في القرآن يتلوه المسلمون إلى قيام الساعة.
وفي ذلك كل السلوى.
إذن فـ{أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ}، جاءت في محلها، وإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا أن يكون قيامنا مبالغاً فيه؛ أي ألا نترك فرصة لعمل الخير وأن نبالغ في الدقة في أداء العمل، وأن نَعْدل في المجتمع بأن نكون شهداء بالقسط.
وبذلك يأخذ كل إنسان حقه فلا يقدر قوي أن يظلم ضعيفاً؛ لأن الضعيف سيجد أناساً يشهدون معه بالحق.
وإياكم أن تأخذوا الهوى في مقاييس العدل.
وهب أن المسألة تتعلق بعدوكم أو بخصومكم فالعدل هنا أكثر أهمية وأكثر وجوباً.
{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ}.
أي لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا فتعتدوا عليهم، فمن له حق يجب أن يأخذه.
ونعرف القصة التي حدثت، عندما سرق مسلم درع مسلم آخر وأراد السارق وأهله أن يلصقوا التهمة بيهودي وأن يبرئ نفسه، ولكن الله أنزل قرآناً: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 105].
أي لا تكن يا محمد لصالح الخائنين مخاصما للبرآء.
وقوله الحق هنا: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ}.
أي لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، وإلا سيكون البغض لصالح عدوكم، وبغض المؤمن إذا حمله على اتباع هواه سيكون لصالح العدو؛ لأن الله سيعاقب المؤمن لو أدخل الهوى والبغض في إقامة الميزان العادل.
فتحكيم البغض والعِداء والهوى يكون لصالح الخصوم؛ لذلك لا يحملنكم أيها المؤمنون شنآن -أي بغض- قوم على ألا تعدلوا.
ويضيف الحق: {ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}.
والعدالة حين تُطلب مع الخصم هي تقريع لذلك الخصم لأنه خالف الإيمان.
ومن المؤكد أن الخصم يقول لنفسه: إن عدالة هذا المسلم لم تمنعه من أن يقول الحق ولا بد أن عقيدته تجعل منه إنساناً قوياً، وأن دينه الذي أمره بذلك هو نعم الدين.
إذن ساعة تحكم أيها المؤمن بالعدل لخصمك فأنت تقرعه لأنه ليس مؤمنا، لكن لو رأى خصمك أنك قد جُرت ولم تذهب إلى الحق، فأنت بذلك تشجعه على أن يبقى كافراً؛ لأنه سيعرف أنك تتبع الهوى.
أما إذا رآك وأنت تقف موقفاً يرضي الله مع أنه خصم لك، فهو يستدل من ذلك على أن العقيدة التي آمنت بها هي الحق، وأنك تقيم الحق حتى في أعدائك.
وهكذا يقرع الخصمُ العقدي نفسَه، وقد يلفته ذلك إلى الإيمان.
{ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}.
أقرب إلى أي تقوى؟
أأقرب إلى تقوى المؤمن؟
أم أن الخصم يكون أقرب إلى التقوى حين يرى المؤمن مقيماً للعدل والحق، فلعله يرتدع ويعاود نفسه ويقول: إن الإيمان قد جعل هذا المسلم يتغلب على البغض وحكم بالحق على الرغم من أنه يعلم أنني عدو له.
ولنا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الأسوة الحسنة، فقد جاءه رجل غريب يسأله طعاماً أو مبيتاً، فسأله إبراهيم عن دينه.
فوجده كافراً، فلم يجب مسألته.
وسار الرجل بعيداً، فأنزل الله سبحانه على إبراهيم وحياً: أنا قبلته كافراً بي ومع ذلك ما قبضت نعمتي عنه.
وسألك الرجل لقمة أو مبيتَ ليلةٍ فلم تجبه.
وجرى سيدنا إبراهيم خلف الرجل واستوقفه، فسأل الرجل سيدنا إبراهيم؛ ما الذي حدث لتغير موقفك، فقال سيدنا إبراهيم: إن ربي عاتبني في ذلك.
فقال الرجل: نعم الرب إله يعاتب أحبابه في أعدائه، وآمن الرجل.
وهذا يوضح لنا معنى{أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}.فقد صار الرجل الكافر أقرب للتقوى.
إذن: فالمعنى النفسي الذي يصيب خصمك أو من يغضبك أو من بينك وبينه شنآن، حين يراك آثرت الحق على بغضك له، يجعله يلتفت إلى الإيمان الذي جعل الحق يعلو الهوى ويغلبه ويقهره، ويصير أقرب للتقوى.
وأيضاً من يشهد بالقسط هو أقرب للتقوى.
ويذيل الحق الآية بقوله: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
فهو -سبحانه- الخبير بما نعمل.
وإياك أيها المؤمن أن تصنع ذلك لشهرة أن يُقال عنك إنك رجل حكمت على نفسك.
ولكن اعمل من أجل الله حتى وإن كان الموقف يستحق منك الفخر.
إن كثيرا من الناس يحكمون بالظلم ليشتهروا بين الناس بالعدل، كيف؟
لنفرض أنه قد عُرضت عليك قضية هي خصومة بيًن ابنك وابن جارك؛ الشجاعة الأولى تفرض أن تحكم لابن جارك وهو غير محق على ابنك، لكن الشجاعة الأقوى أن يكون الحق لابنك وتحكم له، أما إن حكمت لابن جارك -وهو غير محق- ففي هذه الحالة تكون قد حكمت بالظلم لتشتهر بين الناس بالعدل!
يجب أن يكون الحق أعز عليك من ابنك وابن جارك، وإياكم أن تعملوا أعمالاً ظاهرها عدل وباطنها رياء؛ لأننا نعلم أن لكل جارحة من الجوارح مجالاً تؤدي فيه وظيفتها؛ فاللسان أداؤه ووظيفته القول، والأذن فعلها أن تسمع، والأنف أداؤه أن يشم، ويجمع الجميع العمل.
فالعمل إما أن يكون قولاً وإما أن يكون فعلاً.
قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3].
إذن فالقول محله اللسان، والفعل محله بقية الجوارح، والاثنان يجمعهما العمل.
ومن بعد ذلك يقول الحق: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:25 am | |
| وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [٩] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وعندما نتأمّل كلمة "وعد" نجدها تأتي، وتأتي أيضاً كلمة "أوعد" و"وعد" وكذلك أوعد إذا لم تقترن بالموعود به، تكون وَعَد للخير، و"أَوْعَد" للشر.
ولكن لو حدث غير ذلك وجئت بالموعود به، فالاثنان متساويان، فيصح أن تقول "وعدته بالخير" ويصح أيضاً أن تقول: "وعدته بالشر”.
لكن إن لم تذكر المتعلق، فإن "وعد" تستعمل في الخير.
و"أوعد" تستعمل في الشر.
والشاعر يقول: وإنِّي إنْ أوعدته أو وعدته لُمخْلِفُ إِبعادي ومُنْجِزُ موعدي
وحين يقول: "وعد الله" فهذا وعد مطلق لا إخلال به؛ لأن الذي يخل بالوعد هو الإنسان الذي تعتريه الأغيار؛ فقد يأتي ميعاد الوفاء بالوعد ويجد الإنسان نفسه في موقف العاجز أو موقف المتغير قلبياً، لكن ساعة يكون الله هو الذي وعد فسبحانه الذي لا تداخله الأغيار، بل هو الذي يُجري الأغيار، لذلك يكون وعده هو الوعد الخالص الذي لا توجد قوة أخرى تحول دون أن ينفذ الله وعده.
أما وعد البشر فقد تأتي قوة أخرى تعطل الوعد.
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ}.
سبحانه وتعالى يوضح أن مغفرته لكل عباده ولا يختص فقط الصالحين الورعين بل إنه يوجه حديثه إلى هؤلاء الذين ارتكبوا المعاصي فإن تابوا، فلهم مغفرة؛ لأن درء المَفسدة مُقدَّمٌ على جلب المصلحة؛ فأنت قد تكون جالساً ويأتي واحد جهة اليمين ليقدم لك تفاحة، وفي اللحظة نفسها التي تمتد يدك لتأخذ التفاحة تلتفت لتجد إنساناً آخر يريد أن يصفعك، أي اتجاهات سلوكك تغلب؟
لابد أنك سترد على مَنْ يضربك أولاً.
والحق يزيل الذنوب أولاً بالمغفرة.
ونجده سبحانه وتعالى يأتي بأشياء تلفت القلب فهو يقول: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
فالخطوة الأولى للفوز هي الزحزحة عن النار، والخطوة التالية بعد ذلك هي دخول الجنة.
فسبحانه يمنع المفسدة ويقدم دفعها ودرأها على جلب المنفعة؛ لذلك يقول الحق بداية: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ}.
والإنسان منا ساعة تأتي له الخواطر يفكر في أشياء يطمح إليها، وهناك أشياء يخاف منها.
وينشغل الذهن أولاً بما يخاف منه، يخاف من المفسدة، يخاف من عدم تحقيق الآمال.
إذن فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
وكل أجر على عمل يأخذ عمره بقدر حيزه الزمني، فأجر الإنسان على عمله في الدنيا يذهب ويزول؛ لأن الإنسان نفسه يذهب إلى الموت، أما أجر الآخرة فهو الباقي أبداً، وهو أجر لا يفوت الإنسان ولا يفوته الإنسان، ذلك هو الأجر العظيم.
وحين يتكلم الحق عن معنى من المعاني يتعلق بالإيمان والعمل الصالح تكون النفس مستعدة؛ لأن هناك تأميلا في الخير وترهيباً من الشر.
لذلك يتبع الحق هذه الآية بآية أخرى فيقول: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة المائدة الآيات من 006-010 الأربعاء 19 يونيو 2019, 1:26 am | |
| وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [١٠] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وحين نسمع قوله: {أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ}، تتزلزل النفوس رهبة من تلك الصُّحبة التي نبرأ منها، فالصُّحبة تدل على التلازم وتعني الارتباط معاً، وألا يترك أحدهما الآخر؛ كأن الجحيم لا تتركهم، وهم لا يتركون الجحيم، بل تكون الجحيم نفسها في اشتياق لهم.
وللجحيم يوم القيامة عملان.
العمل الأول: الصُّحبة التي لا يقدر الكافر على الفكاك منها.
والثاني: لا تترك الجحيم فرصة للكافر ليفكَّ منها.
ويقول الحق عن النار: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
ويقول الحق بعد ذلك: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}. |
|
| |
| سورة المائدة الآيات من 006-010 | |
|