منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النساء الآيات من 026-030

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 026-030   سورة النساء الآيات من 026-030 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 9:34 am

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [٢٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ماذا يُبَيِّن لنا؟

إنه -سبحانه- يبين القوانين الحاكمة لانتظام الحياة.

وقلنا إنه لا يمكن أن يوجد تجريم إلا بنص ولا توجد عقوبة إلا بتجريم. 

فقبلما يعاقبك على أمر فهو يقول لك: هذه جريمة ويُنص عليها، إنه لا يأتي ليقول لك: فعلت الشيء الفلاني وهذه عقوبته؛ لأنك قد تقول له: فعلت هذا الفعل من قبل ولم أعرف أنه جريمة وعليه عقوبة. 

إذن فلا يمكن أن تعاقب إلا إذا أجرمت، ولا يمكن أن تجرم إلا بنص، فيريد الله أن يبصركم ببيان ما تصلح به حركة حياتكم، والله آمن عليكم من أنفسكم، لأنه هو سبحانه الذي خلق وهو يعلم مَنْ خلق. 

إن سبحانه -وحده- الذي يقنن ما يصلح مخلوقه، أما أن يخلق هو وأنت تقنن فهذا اعتداء؛ لأنه سبحانه يقنن لما يعلم -ولله المثل الأعلى- وقلنا سابقاً: إن المهندس الذي يصنع التليفزيون هو الذي يضع له قانون الصيانة ؛ لأنه هو الذي صمم الآلة، وهو الجدير بأن يضع لها قانون صيانتها، فيعلمنا: المفتاح هذا لكذا، وهذا للصورة وهذا للصوت. 

إن الذي خلق الإنسان هو الذي يضع قانون صيانته المتمثل في "افعل ولا تفعل"، وترك سبحانه أموراً لم يرد فيها افعل ولا تفعل، وهي متروكة على الإباحة، تفعله أو لا تفعله، إنه سبحانه: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [النساء: 26]، والسنة هي الناموس الحاكم لحركة الحياة. 

والحق يقول: {سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62].

والرسل سبقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعرفنا الذين أطاعوا رسلهم ماذا حدث لهم، والذين كذبوا رسلهم ماذا حدث لهم. 

لقد قال الحق في شأنهم: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

فالله يريد أن يبين لنا سنن مَنْ قبلنا، أي الطرائق التي حُكموا بها، وماذا حدث لأهل الحق وماذا حدث لأهل الباطل. 

إذن فهو ليس تقنيناً أصم، بل هو تقنين مسبوق بوقائع تؤكده وتوثقه،{وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 26] وهو سبحانه يبين ويوضح ويتوب،{وَٱللَّهُ عَلِيمٌ} [النساء: 26] لأنه خالق،{حَكِيمٌ} [النساء: 26] يضع الأمر في موضعه والنهي في موضعه. 

فالحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، وسبحانه يضعه عن علم، فالعلم يقتضي اتساع المعلومات، والحكمة هي وضع كل معلوم في موقعه. 

وبعد ذلك يقول سبحانه: {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 026-030   سورة النساء الآيات من 026-030 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 9:35 am

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [٢٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

سبحانه قال في الآية السابقة: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26]، وبعد ذلك يقول: {وَيَهْدِيَكُمْ} [النساء: 26]، وبعد ذلك: {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 26]، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]، فلماذا جاء أولاً بـ {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 26] وجاء هنا ثانياً بـ{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]؟

نقول: التوبة لابد أن تكون مشروعة أولاً من الله، وإلا فهل لك أن تتوب إلى الله من الذنب لو لم يشرع الله لك التوبة؟

أتصحُّ هذه التوبة؟

إنه سبحانه إذن يشرع التوبة أولاً، وبعد ذلك أنت تتوب على ضوء ما شرع، ويقبل هو التوبة، وبذلك نكون أمام ثلاث مراحل: أولاً مشروعية التوبة من الله رحمة منه بنا، ثم توبة العبد، وبعد ذلك قبول الله التوبة ممن تاب رحمة منه -سبحانه- إذن فتوبة العبد بين توبتين من الرب: توبة تشريع، وتوبة قبول.

{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]، ما دام سبحانه قد شرع التوبة أيشرعها ولا يقبلها؟!

لا، فما دام قد شرع وعلمني أن أتوب فمعنى ذلك أنه فتح لي باب التوبة، وَفَتْحُ باب التوبة من رحمة العليم الحكيم بخلقه؛ لأن الحق حينما خلق الإنسان زوده دون سائر الأجناس بطاقة من الاختيارات الفاعلة، أي أن الإنسان يستطيع أن يفعل هذه أو يفعل تلك، وجعل أجهزته تصلح للأمر وللنهي، فالعين صالحة أن ترى آية في كون الله تعتبر بها، والعين - أيضاً - صالحة أن تمتد إلى المحارم. 

واللسان صالح أن تسب به، وصالح أن تذكر الله به قائلاً: لا إله إلا الله وسائر أنواع الذكر. 

واليد عضلاته صالحة أن ترفعها وتضرب بها، وصالحة لأن تقيل وترفع بها عاثراً واقعاً في الطريق. 

هذا هو معنى الاختيار في القول وفي الفعل وفي الجوارح، فالاختيار طاقة مطلقة توجهها إرادة المختار، وإذا نظرت إلى اليد تجد أنك إذا أردت أن ترفعها، فإنك لا تعرف شيئاً عن العضلات التي تستعملها كي ترفع اليد. 

فالذي يرفع يده ماذا يفعل؟

وما العضلات التي تخدم هذا الرفع؟

وأنت ترى ذلك مثلاً في الإنسان الميكانيكي أو تراه في رافعة الأثقال -الونش- التي ترفع الأشياء، انظر كم عملية لتفعل ذلك؟

أنت لا تعلم شيئاً عن هذه المسألة في نفسك، لكنك بمجرد أن تريد تحريك يدك فأنت تحركها وتطيعك. 

وعندما يريد المهندس أن يحرك الإنسان الآلي فهو يوجهه بحسابات معينة ليفعل كذا وكذا، أما الإنسان فيحرك اليد أو القدم أو العين بمجرد الإرادة. 

والحق حين يسلب قدرة الإنسان -والعياذ بالله- يصيبه بالشلل، إنه يريد فلا تنفعل له اليد أو غيرها ولا يعلم ما الذي تعطل إلى أن يذهب إلى الأطباء ليبحثوا في الجهاز العصبي، ويعرفوا لماذا لم تنفذ أعصابه الأوامر، إنها عملية طويلة. 

إذن فالإنسان -عندما يريد الحركة- يوَجِّه الطاعة المخلوقة لله فقط، فليس له فعل في الحقيقة، فأنا إنْ أثابني الله وجازاني على طاعة فذلك لأنيّ وجهت الآلة الصالحة للفعل إلى عمل الخير، وعندما تسمع أنه لا أحد بيده أن يفعل شيئاً فهذا صحيح؛ لأن أحداً لا يعرف كيف يفعل أي شيء، إنه فقط يريد، فإن وجهت الطاقة للفعل فهذا عملك أنت. 

فمعنى الاختيار -إذن- أن تكون صالحاً للفعل ومقابل الفعل وهو الانتهاء والترك. 

وعندما يبين الحق سبحانه وتعالى لك وينزل لك المنهج الذي يقول لك: وجه طاقتك لهذه ولا توجهها لهذه، معنى ذلك أن طاقتك صالحة للاثنين. 

إذن فأنت مخلوق على صلاحية أن تفعل وألا تفعل، وما تركه المنهج دون أن يقول لك فيه "افعل" ولا "تفعل" فإن فعلته على أي وجه لا يفسد به الكون ولا تفسد به حركة حياتك فهذا هو المباح لك. 

وحينما شرع الحق سبحانه التوبة أوضح: أنه إذا انفعل مريد لعمل شيء فوجه طاقته لعمل شيء مخالف، قد تكون شهوته أو شِرّته قد غلبت عليه، فتوجه في ساعة ضعف إلى عمل شرّ؛ لذلك شرعت التوبة لماذا؟

لأننا لو أخرجنا هذا الإنسان من حظيرة المطيعين بمجرد فعل أول عمل شرّ لصارت كل انفعالاته من بعد ذلك شروراً، وهذا هو الذي نسميه "فاقداً"، فيشرع الحق: إن فعلت ذنباً فلا تيأس، فنحن سنسامحك ونتوب عليك. 

فساعة شرع الله التوبة رحم المجتمع من شراسة أول عاصٍ، فلو لم تأت هذه التوبة لكثرت المعاصي بعد أول معصية.

ومقابل قول الحق: {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] وتنبيهه أن الذنوب التي فعلتها قبل ذلك يطهرك منها بالتوبة، مقابل ذلك الذين يتبعون الشهوات ويريدون منك أن تأتي بذنوب جديدة؛ لذلك يقول الحق سبحانه: {وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ} [النساء: 27] والميل هو مطلق عمل الذنوب. 

إنّك بذلك تميل عن الحق؛ لأن الميل هو انحراف عن جادة مرسومة لحكيم، والجادة هي الطريق المستقيم. 

هذه الجادة مَنْ الذي صنعها؟

إنه الحكيم، فإذا مال الإنسان مرّة فربنا يعدله على الجادة مرّة ثانية، ويقول له: "أنا تبت عليك"، إنه -سبحانه- يعمل ذلك كي يحمي العالم من شرّه، لكن الذين يتبعون الشهوات لا يحبون لكم فقط أن تميلوا لمرّة واحدة، بل يريدون لكم ميلاً موصوفاً بأنه ميل عظيم. 

لماذا؟

لأن الإنسان بطبيعته -كما قلنا سابقاً- إن كان يكذب فإنه يحترم الصادق، وإن كان خائناً فهو يحترم الأمين، بدليل أنه إن كان خائناً وعنده شيء يخاف عليه فهو يختار واحداً أميناً ليضع هذا الشيء عنده. 

إذن فالأمانة والصدق والوفاء وكل هذه القيم أمور معترف بها بالفطرة، فساعة يوجد إنسان لم يقو على حمل نفسه على جادة القيم، ووجد هذا الإنسانُ واحداً آخر قدر على أن يحمل نفسه على جادة القيم فهو يصاب بالضيق الشديد، وما الذي يشفيه ويريحه؟

إنه لا يقدر أن يصوِّب عمله وسلوكه ويقوّم من اعوجاج نفسه؛ لذلك يحاول أن يجعل صاحب السلوك القويم منحرفاً مثله، وإن كانت الصداقة تربط بين اثنين وانحراف أحدهما فالمنحرف يستخذي أمام نفسه بانحرافه، ويحاول أن يشد صديقه إلى الانحراف كي لا يكون مكسور العين أمامه. 

وهو لا يريده منحرفاً مثله فقط بل يريده أشد انحرافاً؛ ليكون هو متميزاً عليه. 

إذن فالقيم معترف بها أيضاً حتى لدى المنحرفين، واذكروا جيداً أننا نقرأ في سورة يوسف هذا القول الحكيم: {وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36].

هم في السجن مع يوسف، لكن لكلٍ سبب في أنَّهم سجنوه، فسبب هؤلاء الذين سألوا يوسف هو أنهم أجرموا، لكن سبب وجود يوسف في السجن أنه بريء والبريء كل فكره في الله، أما الذين انحرفوا ودخلوا معه السجن عندما ينظرون إليه يجدونه على حالة حسنة، بدليل أن أمراً جذبهم وهمّهم في ذاتهم بأن رأوا رؤيا، فذهبوا لمَنْ يعرفون أنه إنسان طيب برغم وجوده معهم في السجن، فقد أعجبوا به بدليل أنهم قالوا له: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36].

ومن يقول: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36] لابد أن تكون عنده قدرة على تمييز القيم، ثم قاسوا فعل يوسف عليها فوجدوها حسنة، وإلا فكيف يُعرف؟. 

إذن فالقيم معروفة عندهم، فلما جاء أمر يهمهم في ذاتهم ذهبوا إلى يوسف. 

ومثال ذلك: هناك لص لا يمل من السرقة ولا يكف عنها، وبعد ذلك جاء له أمر يستدعيه للسفر إلى مكان غير مأمون، فاللص في هذه الحالة يبحث عن إنسان أمين ليقضي الليل عنده ولا يذهب للص مثله. 

إذن فالقيم هي القيم، وعندما قال أصحاب يوسف في السجن: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36]، استغل سيدنا يوسف هذه المسألة ووجدهم واثقين فيه فلم يقل لهم عن حكايتهم ابتداء ويؤول لهم الرؤيا، بل استغل حاجتهم إليه وعرض عليهم الإيمان قال: {يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ} [يوسف: 39].

لقد نقلهم من حكايتهما لحكايته، فما داما يريدان استغلال إحسانه فلماذا لا يستغل حاجتهما له ويعظهما ويبشرهما بدين الله؟

وكأنه يقول لهما: أنتما جئتما إليّ لأنكما تقولان إنني من المحسنين. 

وأنتما لم تريا كل ما عندي بل إن الله أعطاني الكثير من فيضه وفضله، ويقول الحق على لسان يوسف: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 37].

أي أن يوسف الصديق عنده الكثير من العلم، ويقر لهما بفضل الله عليه: فليس هذا العلم من عندي: {ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي} [يوسف: 37].

وبعد ذلك يدعوهما لعبادة الواحد كي يستنجدا به بدلاً من الآلهة المتعددة التي يتخذانها معبوداً لهما وهي لا تضر ولا تنفع.

{أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ} [يوسف: 39].

إذن فالقيم واحدة، والله يريد أن يتوب عليكم، ولكن الذين يتبعون الشهوات يريدون أن تميلوا ميلاً عظيماً، حتى لا تكونوا مميزين عليهم تميزاً يحقّرهم أمام أنفسهم، فهم يريدون أن تكونوا في الانحراف أكثر منهم، لأنهم يريدون أن يكونوا متميزين في الخير أيضاً ويقولون لأنفسهم: "إن كنا شريرين فهناك أناس شرٌّ منا". 

ثم يقول الحق سبحانه: {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ...}.



سورة النساء الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 026-030   سورة النساء الآيات من 026-030 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 9:36 am

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [٢٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فسبحانه بعد أن قال: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] ليبصر، {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] ليغفر، والآن يقول: {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] لييسر، وهي ثلاثة أمور هامة. 

ويقول سيدنا ابن عباس -رضي الله عنه- وعن أبيه: "في سورة النساء ثماني آيات لأمة محمد هي خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب: الأولى قول الحق: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26].

والثانية هي قول الحق: {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} [النساء: 27].

والثالثة هي قول الحق: {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28].
والرابعة هي قول الحق: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31].

والخامسة هي قول الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48].

والسادسة هي قوله سبحانه: {وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 110].

والسابعة هي قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40].

{مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [النساء: 147].

هذه هي الآيات الثماني التي لم تؤت مثلها أي أمَّة إلا أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام.    

ومنها قول الحق: {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28].

وما هو ضعف الإنسان؟. 

الضعف هو أن تستميله المغريات ولا يملك القدرة على استصحاب المكافأة على الطاعة أو الجزاء على المعصية، لأن الذي تتفتح نفسه إلى شهوة ما يستبعد -غالباً- خاطر العقوبة، وعلى سبيل المثال، لو أن السارق وضع في ذهنه أن يده ستقطع إن سرق، فسيتردد في السرقة، لكنه يقدر لنفسه السلامة فيقول: أنا أحتال وأفعل كذا وكذا كي أخرج. 

إذن فضعف الإنسان من ناحية أن الله جعله مختاراً تستهويه الشهوات العاجلة، لكنه لو جمع الشهوات أو صعد الشهوات فلن يجد شهوة أحظى بالاهتمام من أن يفوز برضاء ولقاء الله في الآخرة. 

وقول الحق: {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28] نلحظ فيه أن التخفيف مناسب للضعف، والضعف جاء من ناحية أن الإنسان أصبح مختاراً وخاصة في أمور التكليف، فالذي جعل فيه الضعف جعله مختاراً يفعل كذا أو يفعل كذا ولكل أمر مغرياته، ومغريات الشهوات حاضرة. 

ومغريات الطاعة مستقبله فهو يغلب دائماً جانب الحاضر على جانب المستقبل. 

ويقول الحق من بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ...}.



سورة النساء الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 026-030   سورة النساء الآيات من 026-030 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 9:38 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [٢٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وعندما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يلفت خلقه إلى أن يؤمنوا به يلفتهم إلى الكون، ويلفتهم إلى ما خلق الله من ظواهر ليتأكدوا أن هذه الظواهر لا يمكن أن تكون قد نشأت إلا عن قادر عليم حكيم، فإذا ما انتهوا إلى الإيمان به استقبلوا التكليف الذي يتمثل في افعل كذا ولا تفعل كذا، فحين يخاطبهم بالتكليف يجعل لأمر التكليف مقدمة هي أنك ألزمت نفسك في أن تدخل إلى هذا التكليف، ولم يرغمك الله على أن تكون مكلفاً، وإنما أنت دخلت إلى الإيمان بالله باختيارك وطواعيتك، وما دمت قد دخلت على الإيمان باختيارك وطواعيتك فاجعل إيمانك بالله حيثية كل حكم يحكم به الله عليك، من افعل كذا ولا تفعل كذا، ولا تقل: لماذا أفعل كذا يا رب، ولماذا لا أفعل كذا يا رب؟

بل يكفي أن تقول: الذي آمنت به إلهاً حكيماً قادراً هو سبحانه مأمون على أن يأمرني وأن ينهاني. 

ولذلك يجيء الحق دائماً قبل آيات التكليف بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [النساء: 29] فهو لم يكلف مطلق الناس، وإنما كلف مَنْ آمن به. 

إذن فحين يكلف من آمن به لا يكون قد اشتط وجار عليه لأنه قد آمن به بمحض اختياره. 

وإذا لفتَّ إنسانا ونبهته وأمرته بأمر تكليفي مثل صَلِّ، أو امتنع عن فعل المنكر فقال لك: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} [البقرة: 256] هنا يجب أن تقول له: أنت لم تفهم معنى قول الحق: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} [البقرة: 256] فأصل التدين والإيمان بالله ألاّ يكرهك أحد عليه، بل ادخل إلى الإيمان بالله باختيارك، لكن إذا دخلت إلى الإيمان بالله فالتزم بالسماع من الله في "افعل" و "لا تفعل" فحين يقول الحق: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [النساء: 29] فهو يعطينا حيثيات التكليف، أي علة الحكم. 

فعلّة الحكم أنك آمنت بالله آلهاً حكيماً قادراً. 

وما دمت آمنت بالله إلهاً حكيماً قادراً فسلم زمام الأوامر والنواهي له سبحانه، فإن وقفت في أمر بشيء أو نهي عن شيء فراجع إيمانك بالله. 

إذن فقوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ} [البقرة: 256] أي أنك حر على أن تدخل في الإيمان بالله أو لا تدخل، لكن إذا ما دخلت فإياك أن تكسر حكماً من أحكام الله الذي آمنت به، وإن كسرت حكماً من أحكام الله تدخل معنا في إشكال ارتكاب السيئات أو الذنوب. 

والأحكام التي سبقت للذين آمنوا هي أحكام تعلقت بالأعراض وبإنشاء الأسرة على نظام طاهر نقي كي يأتي التكاثر تكاثراً نقياً طاهراً، وتكلمت الآيات عن المحرمات من النساء وكذلك المحللات؛ وها هو ذا سبحانه يتكلم عن المال، وهو الذي يقيم الحياة، والمال كما نعرف ثمرة الجهد والمشقة، وكل ما يتمول يعتبر مالاً، إلا أن المال ينقسم قسمين: مال يمكن أن تنتفع به مباشرة، فهناك مَنْ يملك الطعام، وآخر يملك الشراب، وثالث يملك أثواباً، وهذا نوع من المال ينتفع به مباشرة، وهناك نوع آخر من المال، وهو "النقد" ولا ينتفع به مباشرة، بل يُنتفع به بإيجاد ما ينتفع به مباشرة. 

وهكذا ينقسم المال إلى رزق مباشر ورزق غير مباشر. 

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يحمي حركة الحياة، لأنه بحماية حركة الحياة يغري المتحرك بأن يتحرك ويزداد حركة. 

ولو لم يحم الحق حركة الحياة، وثمرة حركة الحياة فماذا يقع؟

تتعطل حركة الحياة. 

وإننا نلاحظ أن كل مجتمع لا يؤمن فيه على الغاية والثمرة من عمل الإنسان تقل حركة العمل فيه، ويعمل كل واحد على قدر قوته. 

ويقول لنفسه: لماذا أعمل؟

لأنه غير آمن. 

لكن إذا كان آمناً على ثمرة حركته يغريه الأمن على ماله على أن يزيد في حركة العمل، وحين تزيد حركة العمل فالمجتمع ينتفع وإن لم يقصد المتحرك. 

فليس ضرورياً أن يقصد الإنسان بكل حركته أن ينفع المجتمع. 

لا، اجعله يعمل لنفع نفسه. 

لقد ضربنا هذا المثل سابقاً: إنسان مثلاً عنده آلاف الجنيهات وبعد ذلك وضعها في خزانة ثم تساءل: لماذا أضعها في خزانة؟

لماذا لا أبني بها بيتاً آخر وأكري منه شقتين، فسيأتيني منه عائد؟

هل كان المجتمع في بال مثل هذا الإنسان؟

لا، إن باله مشغول بمصلحته؛ لذلك فلنجعل مصلحة كل إنسان في باله، وهنا سيستفيد المجتمع بحركته قصد أو لم يقصد. 

لأنه ساعة يأتي ليحفر الأساس سيعطي أناساً أجورهم؛ وساعة يأتي بالطوب يشتريه بثمن، وساعة يبني يعطي المهندس والعمال أجورهم؛ لذلك أقول: اعمل لنفسك في ضوء شرع الله، وسينتفع المجتمع قهراً عنك. 

ومن العجيب أنك تريد أن تنفع نفسك فيُبَيِّن لك ربنا: أنت ستنفع غيرك قبل أن تنتفع بعائد المنزل الذي بنيته، ولا تظن أن أحداً سيأخذ رزق ربنا ولن يجريه على الخلق، لا، إن المجتمع سينتفع بالرغم منك. 

إذن فمن حظ المجتمع أن نصون حركة الحياة. 

ونؤمن كل متحرك في الحياة على ماله. 

لكن إن كنا حاكمين يجب أن تكون أعيننا مبصرة: أيكسب من حلّ أم لا؟

فإذا كان الكسب حلالاً نشكره، أما إذا كان يكسب من حرام، فنحن نسائله، وإن عمل على غير هذا توقفت حركة الحياة، وإن توقفت حركة الحياة فهذا أمر ضار بالذين لا يقدرون على الحركة، لماذا؟

لأن الله قسم المواهب على الناس، فليس كل واحد من الناس يملك الطموح الحركي، ولا يملك كل إنسان فكراً يخطط به، فقد لا يكون في المجتمع إلا قلة تخطط، والباقون هم جوارح تنفعل للفكر المخطط، والفكر يعمل لجوارح كثيرة، فكذلك يكون هناك مفكر واحد هو الذي يضع خطة ينتفع بها الكثير من الناس. 

إذن فلا بد أن نرعى حركة المتحرك وننميها؛ لأن المجتمع ينتفع منها، وإن لم يقصد المتحرك إلا مصلحة نفسه، صحيح أن الذي ليس في باله إلا نفسه إنما يحبط ثواب عمله، وصحيح أن مَنْ يضع الناس في باله إنما يُعطي ثمرة عمله ويأخذ ثواباً أيضاً من الله. 

والحق سبحانه وتعالى يأتي في مسائل المال ويوضحها توضيحاً تامّاً ليحمي حركة الحياة ويُغري الناس بالحركة - وبذلك يتعدد المتحركون وتتعدد الحركات، ويستفيد المجتمع، فقال: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ} [النساء: 29] وساعة تجد أمراً لجماعة في جمع مأمور به فقسّم الأفراد على الأفراد. 

مثال ذلك: عندما نقول لجماعة: اركبوا سياراتكم أي: ليركب كل واحد منكم سيارته، والمدرس يدخل الفصل ويقول للتلاميذ: أخرجوا كتبكم. 

أي أن كل تلميذ عليه أن يخرج كتابه. 

فمقابله الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً، وقول الحق: {لاَ تَأْكُلُوۤاْ} [النساء: 29] فهذا أمر لجمع.

{أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 29] أيضاً جمع، فيكون معناه: لا يأكل كل واحد ماله، وكيف لا يأكل كل واحد منكم ماله؟

يوضح الحق: {بِٱلْبَاطِلِ} [النساء: 29].

فيكون مطلوباً من كل واحد منكم ألا يأكل ماله بالباطل. 

والإنسان يأكل الشيء لينتفع به. 

والحق يوصيك ويأمرك: إياك أن تصرف قرشاً من مالك وتضيعه إلا في حق، هذا إذا كنا سنقابل المفرد، فلا يأكل واحد منكم ماله بالباطل، بل يوجهه إلى الأمر النافع، الذي ليس فيه حرمة، والذي لا يأتي بعذاب في الآخرة. 

وإذا كان المراد أن لا أحد يأكل مال الآخر، فسنوضحه بالمثل الآتي: لنفترض أن تلميذاً قال لمدرسه: يا أستاذ قلمي كان هنا وضاع. 

فيقول الأستاذ للتلاميذ: لا تسرقوا أقلامكم، فهل معنى ذلك أن الأستاذ يقول: لا يسرق كل واحد قلمه أو لا يسرق كل واحد قلم أخيه، إذن فيكون المعنى الثاني: {لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 29]، أي لا يأكل كل واحد منك مال أخيه بالباطل. 

وكيف يقول: {أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 29]؟

وما دام مالهم فليس عليهم حرج؟

لا؛ لأن معناها المقصود: لا يأكل كل واحد منكم مال أخيه. 

ولماذا لم يقل ذلك وقال: {أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 29]؟

لأن عادة الأوامر من الحق ليست موجهة إلى طائفة خُلِقت على أن تكون آكلة، وطائفة خُلِقت على أن تكون مأكولة، بل كل واحد عرضة في مرة أن يكون آكلاً لمال غيره؛ ومرة أخرى يكون ماله مأكولاً. 

فأنا إذا أكلت مال غيري فسوف يأكل غيري مالي. 

فأكون قد عملت له أسوة ويأكل مالي أيضاً، فكأنه سبحانه عندما يقول لك: لا تأكل مالك إنما ليحمي لك مالك. 

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يصنع من المجتمع الإيماني مجتمعاً واحداً، ويقول إن المال الذي عند كل واحد هو للكل. 

وأنك إن حافظت على مال غيرك حافظ غيرك على مالك. 

وأنت إن اجترأت على مال غيرك فسيجترئ المجموع على مالك. 

وأنت ساعة تأكل مال واحد تجرِّيء آلاف الناس على أن يأكلوا مالك. 

وحين لا تأكل مال غيرك كأنك لم تأكل مالك.

{لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ} وكلمة "أكل" معناها: الأخذ؛ لأنّ الأكل هو أهم ظاهرة من ظواهر الحياة؛ لأنها الظاهرة المتكررة، فقد تسكن في بيت واحد طوال عمركن وتلبس جلباباً كل ستة أشهر، لكن أنت تتناول الأكل كل يوم، وحينما نزلت الآية قال المسلمون: نحن لا نأكل أموالنا بالباطل. 

وتحرجوا أن يأكلوا عند إخوانهم. 

وبعد ذلك رفع الأمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأوضح أن أكل التكارم ليس بالباطل - أنزل الله قوله: {لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً} [النور: 61].

هذه رفعت عنهم الحرج، إنما ساعة سمعوا أكل الباطل قالوا: لا آخذ حاجة من أحد إلا بمقابل. 

وما هو "الباطل"؟. 

الباطل هو أن تأخذ الشيء بغير حقه. 

مثال ذلك الربا، لأن معنى "ربا" أن واحداً عنده فائض وآخر يحتاج، والمحتاج ليس عنده الأصل أنطلب منه أن يرد الأصل وزيادة، ويعطي الزيادة لمَنْ عنده؟

كيف يتأتّى هذا؟

هذا هو الآخذ بالربا، أو الأخذ بالسرقة، بالاختلاس أو بالرشوة أو بالغش في السلع، كل ذلك هو أكل مال بالباطل، وساعة تريد أن تأكل مالاً بالباطل؛ كأنك تريد أن تتمتع بثمرة عمل غيرك، وأنت بذلك تتعود على التمتع بثمرة عمل غيرك، وتضمحل عندك قدرة العمل ويصير أخذك من غيرك. 

أخذاً لماله كَرْهاً وبغير وجه حق وبذلك تتعطل حركة متحرك في الحياة وهو ذلك العاطل "البلطجي"، ويخاف المتحرك في الحياة وهو مَنْ تُفرض عليه الإتاوة فيقل ويضعف نشاطه في الحياة، كيف يكون شكل هذا المجتمع؟

إن المجتمع في هذه الحالة سيعاني من كرب وصعوبات في الحياة. 

فقوله سبحانه: {لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ} [النساء: 29] هو أمر لكل مسلم: لا ترابِ، ولا تسرق، ولا تغش، ولا تدلس، ولا تلعب ميسراً، ولا تختلس، ولا ترتش؛ لأن كل هذه الأمور هي أكل أموال بالباطل. 

وعندما ندقق في مسألة لعب الميسر نجد أمراً عجيباً؛ فالذين يلعبون الميسر يدعون أنهم أصدقاء، وينتظر بعضهم بعضاً ويأكلون معاً، وكل واحد منهم يجلس أمام الآخر وهو حريص أن يأخذ ما في جيبه، فأي صداقة هذه؟

إذن فساعة يقول الحق: {لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ}، وساعة يأمرك الحق: إياك أن يصعب عليك التكليف؛ لأنه شاق عليك، ولكن قدر ما يأخذه منك التكليف من تضييق حركة تصرفك، وما يعطيك التكليف من تضييق حركة الآخرين، الحق قال لك: لا تأخذ مال غيرك لكي لا يأخذ غيرك مالك، وبذلك تكسب أنت ويكسب كل المجتمع، فحين يصدر أمر لإنسان أن يكف يده عن السرقة فهو أمر للناس جميعاً كي يكفوا عن سرقة هذا الإنسان؛ لذلك فحين تستقبل أي حكم عن الله لا تنظر إلى ما أخذه الحكم من حريتك، ولكن انظر إلى ما أخذه الحكم لصالحك من حرية الآخرين. 

ومثال ذلك: حين يوضح الحق وينهي عن النظر إلى المرأة الأجنبية فإياك أن تمد عينك إلى محارم غيرك، هو أمر لا يخصك وحدك، ولكنه أمر لملايين الناس ألا يمدوا عيونهم إلى محارمك، وعندما توازن الأمر فأنت الذي تكون أكثر كسباً. 

إنني لذلك أقول دائماً: لا تنظر إلى ما في التكليف من مشقة أو إلى ما أُخذ منك، ولكن انظر فيه إلى ما يعطى لك؛ فإن نظرت هذه النظرة وجدت كل تكليف من الحق هو ربح لك أنت. 

وإلا لو أننا أطلقنا يدك في الناس جميعاً لا بد أن تقدر أننا نطلق أيدي الناس جميعاً فيك. 

وأنت إذا أطلقت يدك في الناس فلن تؤثر فيهم مثلما يؤثرون فيك لو أطلقوا أيديهم فيك فيما يخصك، فمن مصلحتك ألا تطلق يدك في الناس.

{يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} [النساء: 29] وكلمة: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} [النساء: 29] أي إلاّ في النفعية المتبادلة تبادل الأعواض، فشيء عوض شيء. 

وجاءت التجارة؛ لأن التجارة هي الحلقة الجامعة لأعمال الحياة؛ فالتاجر هو وسيط بين مَنْ ينتج سلعة ومَنْ يستهلكها. 

والسلع في حركتها إنتاج واستهلاك. 

والإنتاج قد يكون زراعياً أو صناعياً أو خدمياً. 

إذن فالتجارة جامعة لذلك كله. 

وكلمة: {عَن تَرَاضٍ} [النساء: 29] تدل على أن رضا النفس البشرية في الأعواض مشروط، حتى ما أخذ بسيف الحياء يكون حراماً؛ لذلك أقوال: على كل واحد أن يغربل إيمانه، وينظر هل حياته في أعواض الأموال وأعواض التجارة وأعواض المبادلات مستوية أو غير مستوية؟

فإن لم تكن مستوية؛ فعلية أن يفكر فيها قليلاً حتى يُعطي كل ذي حق حقه. 

وحتى لا يدخل في دائرة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها".

ويتابع الحق: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وهنا أيضاً مقابلة جمع بجمع، ويعني: لا يقتل كل واحد منكم نفسه، وهذا ما يفعله المنتحر - ولا يقتل نفسه إلا إنسان وجد نفسه في ظرف لا يستطيع في حدود أسبابه أن يخرج منه. 

ونقول له: أنت نظرت لنفسك كإنسان معزول عن خالق أعلى، لكن المؤمن لا يعزل نفسه عن خالقه؛ فساعة يأتيه ظرف فوق أسبابه ولا يقوى عليه فعليه أن يفكر: وهل أنا في الكون وحدي؟

لا، إن لي ربّاً. 

وما دام لي رب فأنا لا أقدر وهو -سبحانه- يقدر، وهنا يطرد فكرة الانتحار؛ لأن المنتحر هو إنسان تضيق أسبابه عن مواجهة ظروفه فيقتل نفسه. 

وإن فائدة الإيمان أنه ساعة يأتي ظرف عليك وتنتهي أسبابك تقول: إن الله لن يخذلني وهو يرزقني من حيث لا أحتسب، ويفتح لي أبواباً ليست في بالي، وضربنا مثلاً كي نقرب المعنى، وقلنا: هب أن إنساناً يسير في الطريق ومعه "جنيه واحد" في جيبه، ثم ضاع الجنيه، وليس في بيته إلا هو؛ لذلك يحزن جداً على ذلك الجنيه. 

لكن مَنْ يضيع منه "جنيه" وعنده في البيت خمسة "جنيهات" فالمصيبة تكون خفيفة، كذلك مَنْ فقد أسبابه فعليه أن يخفف الأمر على نفسه فلا ييأس، فَلِمَ يقتل نفسه؟

الله يقول في الحديث القدسي: "بادَرَني عبدي بنفسه حرمت عليه جنتي".

وهل أنت مَنْ وهبت الحياة لنفسك؟

لا، ولذلك فواهب الحياة هو الذي يأخذها، ومَنْ ينتحر لا يدخل الجنة، لأنه لم يتذكر أن له إلهاً. 

ولنذكر هنا موقف قوم موسى عليه السلام عندما خرجوا، وطاردهم قوم فرعون. 

فماذا قال قوم موسى؟

قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61].

وهذا كلام صحيح فأمامهم البحر ومن ورائهم فرعون، وهم قد قالوا ذلك بأسبابهم وبشريتهم. 

لكن ماذا قال سيدنا موسى؟

{قَالَ كَلاَّ} [الشعراء: 62].

و "كلا" هذه نفي، وكيف يقول موسى: "كلا" وما رصيدها؟

إنه لم يقل: "كلا" ببشريته، ولكن قالها برصيده من الإيمان بالإله العظيم فقال: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

إذن فقوله: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] أي ولا يقتل كل واحد منكم نفسه؛ لأنك لا تقتل نفسك إلا إذا ضاقت أسبابك عن مواجهة ما تعانيه، وهذا يدل على أنك عزلت نفسك عن ربك، ولو ظللت على الإيمان بأن لك خالقاً لانفرجت عنك الكروب، وأي مسألة تأتي تقول: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

إن الإيمان يعطيك صلابة استقبال الصعاب. 

وقد تأخذ: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] معنى آخر أي، ولا تؤدوا بأنفسكم لأن تقتلوا، أي لا تلق بنفسك إلى التهلكة، أو{وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] على أن المؤمنين هم وحدة إيمانية، أو أنّ المشرع لهذه الوحدة قال: الذي يَقْتَل يُقْتَل فإياك أن تقتل نفسك، أي لا تقتل غيرك حتى لا يصير الأمر إلى أنك تَقْتُل نفسك لأنه سيقتص منك. 

فقوله: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] يعني: لا تفعلوا ما يؤدي بكم إلى القتل، ويحنن الحق الإنسان على نفسه وليس على الناس فحسب، فلا يقول لك: لا تَقْتُل حتى لا تُقْتَل، لأنه سبق أن قال: {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].

وعندما يعرف القاتل أنه إن قَتَلَ يُقْتَل، فهو يتجنب ذلك، ونلحظ أن الحق قال في آية أخرى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ} [النور: 61].

وهل أنا سأسلم على نفسي أو على الناس الداخل عليهم؟

إن الإنسان يسلم على هؤلاء الناس، وعندما تقول: "السلام عليكم"، يعني الأمان لكم.  فسيقولون لك: "وعليكم السلام" فكأنك قد سلمت على نفسك. 

أو أن الحق قد جعل المؤمنين وحدة واحدة، ومعنى "وحدة" يعني أن ما يحدث لواحد يكون للكل. 

إذن فقوله: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] أي ولا يقتل واحد منكم نفسه، فتصلح{وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] بمعنى: ولا يقتل واحد منكم نفسه بأن ينتحر، هذه واحدة، ولا يقتل واحدٌّ منكم نفسه بأن يلقي بها إلى التهلكة، أو لا يقتل واحد منكم نفسه بأن يقتل غيره فيقتل قصاصاً، أو لا تقتلوا أنفسكم يعني: لا يقتل أحد منكم نفس غيره لأنكم وحدة إيمانية وليس واحداً بعينه هو المأمور بل الكل مأمور، فلا يقتل واحد منكم نفس غيره. 

ويذيل الحق الآية: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء: 29].

وبالله، ساعة ينهاني الحق عن أن أقتل نفسي أو أقتل غيري، أليست هذه منتهى رحمة الصانع بصنعته؟

إنها منتهى الرحمة. 

ويقول سبحانه بعد ذلك: {وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً...}.



سورة النساء الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 026-030 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 026-030   سورة النساء الآيات من 026-030 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 9:38 am

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [٣٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

{ذٰلِكَ} [النساء: 30]: "ذا" وحدها للإشارة، و "الكاف" للخطاب، والخطاب إذا أُفرد، فالمراد به خطاب الله لرسوله، والمؤمنون في طي ذلك الخطاب. 

ومرة يقول: "ذلكم" أي أنه يخاطبنا نحن، مثل: {ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ} [البقرة: 232].

وذلك إشارة لما تقدم مباشرة في الآية الخاصة بقتل النفس، وكذلك ما قبلها وهو أكل الأموال.  

والبعض يأخذها لكل ما تقدم من أول قوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]، والبعض الآخر يأخذها من أول الأوامر والنواهي من أول السورة إلى هنا، وكلها تصح.

{وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً} [النساء: 30].

والعدوان هو التعدي، والتعدي قد يكون ظلماً وقد يكون نسياناً. 

ومَنْ يتعدى بالظلم يكون عارفاً ويأخذ حق غيره، أما التعدي بالنسيان فيقتضي أن يراجع الإنسان سلوكه، لماذا؟

لأن العاقبة مريرة. 

وقوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} [النساء: 30] والفعل إذا أسند لفاعله أخذ قوته من فاعله. 

فعندما يقول لك أحد: إن عملت هذه فابني الصغير سيصفعك صفعة، وهو قول يختلف عن التهديد بأن يضربك شاب قوي، لماذا؟

لأن قوة الحدث نأخذها من فاعل الحدث، مَنْ الذي يُصْلي المعتدي النار؟

إنه الله، وسبحانه سيجعله يصطلي بها. 

ويقول الحق: {وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً} [النساء: 30] لأن فعل الله ليس عن معالجة بل ينفذ فوراً. 

ونعلم أن فعل المعالجة هو كل فعل يحتاج لوقت، فهناك عمل يحتاج لساعة وكل دقيقة من هذه الساعة تأخذ جزئية من العمل، وعندما تقسم العمل لستين جزئية، ينتهي العمل في ساعة، وإن كان العمل ينتهي في عشرة أيام تقول له: أسقط أوقات الراحة وعدم مزاولة العمل، وقسم العمل على الباقي من الوقت. 

هذا هو ما يسمى علاجاً؛ لأن ذلك من عمل الإنسان، لكن عمل الله يختلف، فالحق يقول للشيء: {كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] إذن فكل فعل على الله يسير ما دامت المسألة: {كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] قال سبحانه: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28].

وسبحانه يوضح: أنا لا أُوجِد كل واحد مثلما خلقت آدم وأشكله وأخلقه ثم أبعثه، لا، بل كل الخلق كنفس واحدة.

ويقول الحق من بعد ذلك: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ...}.



سورة النساء الآيات من 026-030 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 026-030
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 066-070
» سورة النساء الآيات من 146-150
» سورة النساء الآيات من 071-075
» سورة النساء الآيات من 151-155
» سورة النساء الآيات من 076-080

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النساء-
انتقل الى: