المطلب الثاني خصوم القرآن وأعداؤه شهدوا بعظمته:
من أعظم دلائل عظمة القرآن العظيم أن شهد أعداؤه رغم عدك إيمانهم به، كما قيل: الحق ما شهدت به الأعداء.
فكثير من الكافرين -قديمًا وحديثًا- استمعوا إلى القرآن، وسجلوا إعجابهم في كلمات قالوها تعليقًا على ما سمعوا من آيات الله سبحانه.
كما يقول الشاعر:
وَمَليحَةٌ شَهِدَت لها ضَرَّاتُها والخَيرُ ما شَهِدت به الأَعدَاءُ
وفي كثير من الحالات التي جرت مع بعض العلماء غير المسلمين في مختلف التخصصات عندما كانوا يقررون بعض الحقائق العلمية التي تم التوصل إليها بعد البحث والدراسة، ثم إذا أخبروا بأن ما توصلوا إليه قد ذكره القرآن الكريم إما تصريحًا وإما تلميحًا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام كانوا يصابون بالدهشة والاستغراب وتختلف تعبيراتهم في ذلك إلا أنهم يكادون يجمعون على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من قول البشر (212).
وسيكون الحديث عن شيء من شهادات هؤلاء الدارسين والباحثين والمفكرين من عقلاء الغرب وعباقرة العالم على النحو الآتي:
1- شهادة الفليسوف الفرنسي «ألكس لوازون» حيث يقول (213):
«خلف محمد -صلى الله عليه وسلم- للعالم كتابًا هو آية البلاغة وسجل للأخلاق وكتاب مقدس وليس بين المسائل العلمية المكتشفة حديثًا مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية فالانسجام تام بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية».
2- شهادة «لويس سيديو» (214):
حيث يؤكد على ما فعله القرآن العظيم في مجال شد أواصر الشعوب التي انتمت للإسلام بمنحها اللغة المشتركة والمشاعر الواحدة حيث يقول (215): «فمما يجدر ذكره أن يكون القرآن بين مختلف اللغات التي يتكلم بها مختلف الشعوب في آسيا والهند وفي إفريقيا حتى السودان، كتابًا يفهمه الجميع وأن يربط هذه الشعوب المتباينة الطبائع بربطة اللغة والمشاعر...».
3- شهادة وزير المستعمرات البريطانية «غلاد ستون»
فقد صرح في مجلس العموم البريطاني مخاطبًا النواب قائلًا لهم: «ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به».
هيهات هيهات... لقد زال الاستعمار وأفل نجمه وبقى القرآن يتلى في جميع محطات الإذاعة في العالم وكثير من قنوات التلفاز ودور المسلمين والحمد لله رب العالمين (216).
4- شهادة المستشرق الألماني «د. شومبس» حيث قال (217):
«... وربما تعجبون من اعتراف رجل أوروبي مثلي بهذه الطريقة فقد درست القرآن فوجدت فيه تلك المعاني العالية والأنظمة المحكمة والبلاغة الرائعة التي لم أجد مثلها قط في حياتي، جملة واحدة منه تغني عن مؤلفات، وهذا ولا شك أكبر معجزة أتى بها محمد -صلى الله عليه وسلم- عن ربه«.
5- شهادة الباحث الفرنسي « الكونت هنري دي كاستري» (218):
حيث يتعجب من التناقض المطلق بين أمية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإعجاز الأداء القرآني من جهة أخرى، ويقول (219): « إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي، وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الاتيان بها لفظًا ومعنى».
6- شهادة جيمس متشتز حيث قال (220):
«لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم وهو بكل تأكيد أيسرها حفظًا وأشدها أثرًا في الحياة اليومية لمن يؤمن به، فليس طويلًا كالعهد القديم وهو مكتوب بأسلوب رفيع أقرب إلى الشعر منه إلى النثر، ومن مزاياه أن القلوب تخشع عند سماعه وتزداد إيمانًا وسموًا».
7- شهادة الباحث النصراني نصري سلهب (221):
حيث تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال عنه أنه (222): «لا يقرأ ولا يكتب، فإذا بهذا الأمي يهدي الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية منذ كانت الإنسانية، ذاك كان القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله هدى المتقين».
ويمضي «سلهب» لكي يشير إلى القيم البلاغية في القرآن ويقول (223):
فالواقع إن هذا القرآن لسحر حلال،... وإنه لمن المستحيل على غير العربي أو في غير الملم باللغة العربية، أن يدرك ما فيه من جمال.
ويتحدث عن عالمية القرآن ومخاطبته للبشر جميعًا ويقول (224):
«القرآن لا يخاطب المسلمين فحسب ولا يعني بشؤونهم فحسب إنه يخاطب البشر على إطلاقهم ويعني بشؤونهم جميعًا... فلو أقبل عليه البشر وعبوا من أحكامه وتوصياته فارتووا منها وعملوا بها، لكانت البشرية في وضع أفضل بكثير مما هي عليه».
ويتوقف عند التأثير القرآني في الشعر ويقول (225):
«فإذا كنا بالأمس واليوم، نطرب لروائع الشعر العربي... سواء في بيروت أو دمشق أو القاهرة أو بغداد أو تونس أو في أي صقع من أصقاع العروبة، فإنما الفضل في ذلك يعود للقرآن والقرآن وحده».
8- شهادة الأمريكي «د. سدني فيشر» (226) حيث يصف القرآن بأنه:
«صوت حي يروع فؤاد العربي، وتزداد روعته حين يتلى عليه بصوت مسموع...» (227).
9- شهادة المستشرق «سيل» حيث قال (228):
«إن أسلوب القرآن جميل وفياض وفي كثير من نواحيه نجد الأسلوب عذبًا وفخمًا وبخاصة عندما يتكلم عن عظمة الله وجلاله، ومن العجيب أن القرآن يأسر بأسلوبه هذا أذهان المستمعين إلى تلاوته سواء منهم به أو المعارضين له».
10- شهادة «كوبولد» حيث يقول (229):
«القرآن هو الذي دفع العرب إلى فتح العالم، ومكنهم من إنشاء إمبراطورية فاقت إمبراطورية الإسكندر الأكبر والإمبراطورية الرومانية سعة وقوة وعمرانًا وحضارة...».
ويضيف قائلًا:
«هذا هو الكتاب الذي خلق العرب خلقًا جديدًا ثم وحد صفوفهم ودفعهم إلى العالم فاقتحموه وحكموه...».
11- شهادة الدكتورة لورا فيشيا فاغليري (230) حيث قالت (231):
«إن عظمة الإسلام الكبرى هي القرآن... ولا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي، هذه الحقيقة هي أن نص القرآن كان صافيًا غير محرف طوال القرون التي ترامت بين نزيله وحتى يومنا هذا،... إن هذا الكتاب الذي يتلى كل يوم في طول العالم الإسلامي وعرضه لا يوقع في نفس المؤمن إيما إحساس بالملل، على العكس إنه من طريقة التلاوة المكررة يحبب نفسه إلى المؤمنين أكثر فأكثر يومًا بعد يوم...، حتى إننا لنجد اليوم -على الرغم من انحسار موجة الإيمان- آلافًا من الناس قادرين على ترديده عن ظهر قلب، وفي مصر وحدها عدد من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوروبة كلها».
وترتب على هذه الشهادة نتيجتها فتقول (232):
«إن انتشار الإسلام السريع لم يتم، لا عن طريق القوة ولا بجهود المبشرين الموصولة، إن الذي أدى إلى ذلك الانتشار كون الكتاب الذي قدمه المسلمون للشعوب المغلوبة، مع تخييرها بين قبوله ورفضه، كتاب الله، كلمة الحق».
12- شهادة «المسيوبيرك» في بعض خطاباته في البرلمان الإنكليزي حيث قال (233):
«إن تعاليم القرآن أحكم وأعقل وأرحم تشريع عرفه التاريخ».
13- شهادة «هيرشفيلد» حيث قال (234):
«وليس للقرآن مثيل في قوة إقناعه وبلاغته وتركيبه وإليه يرجع الفضل في ازدهار العلوم بكافة نواحيها في العالم الإسلامي».
14- شهادة اللبناني النصراني «د. جورج حنا» (235)، حيث يؤكد ويقول (236):
«أنه لابد من الإقرار بأن القرآن فضلًا عن كونه كتاب دين وتشريع، فهو أيضًا كتاب لغة عربية فصحى، للقرآن الفضل الكبير في ازدهار اللغة ولطالما يعود إليه أئمة اللغة في بلاغة الكلمة وبيانها سواء كانوا هؤلاء الأئمة مسلمين أو مسيحيين، وإذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية لغة القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلًا ولا تحتمل التخطئة فالمسيحيون يعترفون أيضًا بهذه الصوابية بقطع النظر عن كونه منزلًا... ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة كما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة».
15- شهادة «وليم جيفورد بالكراف» حيث يتمنى زوال القرآن بقوله (237):
«متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه».
16- شهادة «الحاكم الفرنسي في الجزائر»:
فقد قال في ذكرى مرور مائة سنة على احتلال الجزائر (238): «إننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم».
17- شهادة «وزير المستعمرات الفرنسي لاكوست»:
فقد قال حين عجز عن فرسنة الجزائر (239): «ماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا».
فهذا نزر يسير وغيض من فيض لأقوال خصوم القرآن وعقلاء القوم عن القرآن العظيم.
ولا تخلو عن الشهادات من أحد ثلاثة أمور:
1- من يرى القرآن العظيم جدارًا صلبًا بينه وبين تنصير المسلمين، فأعلن فشله واعترف بهزيمته.
2- من كشف لقومه السر في قوة المسلمين فدعا إلى إبعادهم عن القرآن.
3- من اعترف بإنصاف بفضل القرآن العظيم، ومكانته السامية ومنزلته العظمى.
فإذا كان هؤلاء الخصوم قد اعترفوا بعظمة القرآن الكريم، أفلا يجب على المسلمين جميعًا أن يعضوا عليه بالنواجذ ويجعلوه منار سبيلهم وقوام حياتهم وزمام عقولهم وربيع قلوبهم وعلاج سقمهم وعصمة أمرهم؟! نرجو ذلك (240).
يا ابن العروبة سر فأنت الأسبق بطريق مجــــــدك فالنجاح محقق
هذا هو القرآن نبراس الهدى دستورك الأسمى المنير المشرق
آياته نبع العلوم جميعها من قال: لا، فهـــو الغبي الأخرق
علم الطبيعة والحياة وحكمة الإيجاد من تبيــــــــــــــانه تتدفق
وسياسة الدنيا بأقوم شرعة بين الورى بســــــــواه لا تتحرك
فيه القضاء لحل كل قضية عن حلها أهل السيــــاسة أخفقوا
عودوا إلى القرآن عودة باحث ترك الهوى، والعــــقل حر مطلق
وخذوا دساتير الحياة جميعها من آية وعلى الخليــــــقة أشفقوا
فهو الدواء لكل أدواء الورى وهو الطبيب، لكل سقـــم، صدقوا
فالغرب لما سار سار بنوره وعلا، وقبل الغرب سـار المشرق
يا قوم أحمد مجدكم قرآنكم فهو الكتاب العالمي الأصدق(241).
--------------------------------
الهوامش
212. انظر: بالقرآن أسلم هؤلاء لعبد العزيز سيد الغزاوي (ص 47-48).
213. نقلًا عن: المصدر نفسه، (ص 63) ومجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، عدد (11)، (محرم 1391 هـ)، (ص 47).
214. لويس سيديو: (1808- 1876 م) مستشرق فرنسي عكف على نشر مؤلفات أبيه «جان جاك سيديو» الذي توفى عام (1832 م) وصف كتابًا بعنوان «خلاصة تاريخ العرب». فضلًا عن «تاريخ العرب العام» وكتب العديد من الأبحاث والدراسات في المجلات المعروفة. انظر: قالوا عن الإسلام، د. عماد الدين خليل (ص 72).
215. تاريخ العرب العام، (ص 458).
216. انظر: عالمية القرآن الكريم، د. وهبة الزحيلي، (ص 14-15).
217. نقلًا عن: بالقرآن أسلم هؤلاء، (ص 49).
218. الكونت هنري دي كاستري: (1850- 1927 م) مقدم في الجيش الفرنسي قضى في الشمال الإفريقي ردحًا من الزمن. من آثاره: «مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب (1905)، والأشراف السعوديون (1921) ورحلة هولندي إلى المغرب (1926) وغيرها. انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 70).
219. نقلًا عن القرآن الكريم من منظور غربي، د. عماد الدين خليل، (ص 18).
220. نقلًا عن: المصدر السابق، (ص 60).
221. نصري سلهب: مسيحي من لبنان يتميز بنظرته الموضوعية وتحريه للحقيقة المجردة كما عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية في لبنان- كما يزعم- إن على مستوى الفكر أو على مستوى الواقع. وعبر الستينيات كتب العديد من الفصول وألقى العديد من المحاضرات في المناسبات الإسلامية والمسيحية على السواء، متوخيًا الهدف نفسه ومن مؤلفاته: لقاء المسيحية والإسلام (1970) و في خطى محمد، (ص 69).
222. في خطى محمد، (ص 94).
223. المصدر نفسه، (ص 341).
224. المصدر نفسه، (ص 358).
225. المصدر نفسه، (ص 344).
226. د. سدني فيشر: أستاذ التاريخ في جامعة أوهايو الأمريكية وصاحب الدراسات المتعددة في شئون البلاد الشرقية التي يدين الأكثرون من أبنائها بالإسلام. مؤلف كتاب: الشرق الأوسط في العصر الإسلامي والذي يناقش فيه العوامل الفاعلة التي يرجع إليها تطور الشعوب والحوادث في هذه البلاد وأولها الإسلام. انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 78) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، (ص 54).
227. نقلًا عن: القرآن الكريم من منظور غربي، (ص 65) وأحال على: الشرق الأوسط في العصر الإسلامي، (عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54).
228. نقلًا عن: المصدر السابق، (ص 61).
229. البحث عن الله، (ص 51).
230. لورا فيشيا فاغليري: باحثة إيطالية معاصرة، انصرفت إلى التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًا وغلى فقه العربية وأدابها. من آثارها قواعد العربية في جزئين (1937- 1941) و الإسلام (1946) و دفاع عن الإسلام (1952) والعديد من الدراسات في المجلات الاستشراقية المعروفة. انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 75)، دفاع عن الإسلام، (ص 56-57).
231. دفاع عن الإسلام، (ص 30-32).
232. المصدر نفسه، (ص 59).
233. نقلًا عن: المصدر السابق، (ص 63).
234. التربية في كتاب الله، محمد عبد الوهاب، (ص 52-53).
235. د. جورج حنا: (1311- 1389 هـ، 1893- 1969م)، مسيحي من لبنان ينطلق في تفكيره من رؤية مادية طبيعية صرفة، كما هو واضح في كتابه المعروف: «قصة الإنسان». وهو طبيب نسائي من الكتاب، مولده ووفاته في الشويفات بلبنان. تخرج في الجامعة الأمريكية طبيبًا وتخصص في باريس بالتوليد وأمراض النساء وأنشأ في بيروت مستشفى للتوليد. له (28) كتابًا مطبوعًا، منها: «من الاحتلال إلى الاستقلال» و «العقم والسلالة البشرية»، و «أنا عائد من موسكو«. و «الوعي الاجتماعي» و«الجديد في الواقع العربي». انظر: قالوا عن الإسلام، (ص 58). معجم المؤلفين، (1/513). الأعلام (2/145).
236. قصة الإنسان، (ص 79-80).
237. خصائص القرآن الكريم، (ص 217)، عن: جذور البلاء، عبد الله التل، (ص 201).
238. قادة الغرب يقولون، جلال العالم (ص 31) عن: مجلة المنار، عدد (9-11)، (1962 م).
239. المصدر نفسه، (ص 51)، عن جريدة الأيام، عدد (7880) بتاريخ (6 كانون أول 1962 م).
240. انظر: من أسرار عظمة القرآن، (ص 51-53)، وخصائص القرآن الكريم، (ص 217-221).
241. انظر: التربية في كتاب الله، محمود عبد الوهاب فايد، (ص 53-54).